عن كثير بن قيس قال : كنت جالسا عند أبي الدرداء في مسجد دمشق فأتاه رجل فقال : يا أبا الدرداء أتيتك من مدينة رسول الله لحديث بلغني أنك تحدث به عن النبي قال : فما جاء بك تجارة ؟
قال : لا .
قال : ولا جاء بك غيره ؟
قال : لا .
قال : فإني سمعت رسول الله يقول : من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة ، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم ، وإن طالب العلم يستغفر له من في السماء والأرض حتى الحيتان في الماء ، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ، إن العلماء هم ورثة الأنبياء إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر (1).
تمعن في مفردات ومضمون هذا الحديث الشريف : السلوك – الطريق إلى الله – وراثة علوم النبوة – الصلة بين العبد والعوالم الروحية كالملائكة والسماوات والأرض .. وهي امور وحقائق إسلامية لها قواعدها واصولها وتفرعاتها عند اهل الطريقة ، فالصلة بين العبد والملائكة مثلا نجدها حاضرة في قوله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (2) ، يقول الشيخ محمد الكسنـزان في هذه معنى هذه الآيات الكريمة : « ان علامة الاستقامة على الطريقة هو ان تتنـزل الملائكة على المريد في الحياة الدنيا وتؤمنه اذا خاف الناس ، وتشرح نفسه اذا ضاقت الصدور ، وتبشره بموالاتها له في الدنيا والآخرة » فهذا النوع من الصلة والربط بين العالم الإنساني والعوالم الروحية صعودا إلى الحق تعالى ، والذي كان موجودا على عهد الصحابة الكرام ، لا زال له حضوره الواقعي والمستمر في منهج الطريقة وبين مريديها .