قدرى جاد Admin
عدد الرسائل : 7397 العمر : 66 تاريخ التسجيل : 14/09/2007
| موضوع: شرح الحب فى الله ودرجاته_للإمام الغزالى بتصرف الأحد مارس 30, 2008 11:19 pm | |
| اعلم أن الحب في الله والبغض في الله غامض وينكشف الغطاء عنه. بما نذكره: وهو أن الصحبة تنقسم إلى ما يقع بالاتفاق، كالصحبة بسبب الجوار أو بسبب الاجتماع في المكتب أو في المدرسة أو في السوق أو على باب السلطان أو في الأسفار وإلى ما ينشأ اختياراً ويقصد، وهو الذي نريد بيانه إذ الأخوة في الدين واقعة في هذا القسم لا محالة إذ لا ثواب إلا على الأفعال الاختيارية ولا ترغيب إلا فيها. والصحبة عبارة عن المجالسة والمخالطة والمجاورة. وهذه الأمور لا يقصد بها غيره إلا إذا أحبه فإن غير المحبوب يجتنب ويباعد ولا تقصد مخالطته، والذي يحب فإما أن يكون لذاته لا ليتوصل به إلى محبوب ومقصود وراءه وإما أن يحب للتوصل به إلى مقصود، وذلك المقصود إما أن يكون مقصوراً على الدنيا وحظوظها، وإما أن يكون متعلقاً بالآخرة، وإما أن يكون متعلقاً بالله تعالى فهذه أربعة أقسام: أما القسم الأول: وهو حبك الإنسان لذاته فذلك ممكن وهو أن يكون في ذاته محبوباً عندك ، فإن كل جميل لذيذ في حق من أدرك جماله وكل لذيذ محبوب. ثم ذلك المستحسن إما أن يكون هو الصورة الظاهرة عني حسن الخلقة، وإما أن يكون هو الصورة الباطنة أعني كمال العقل وحسن الأخلاق ويتبع حسن الأخلاق حسن الأفعال لا محالة ويتبع كمال العقل غزارة العلم، وكل ذلك مستحسن عند الطبع السليم والعقل المستقيم، و في ائتلاف القلوب أمر أغمض من هذا فإنه قد تستحكم المودة بين شخصين من غير ملاحة في صورة ولا حسن في خلق وخلق، ولكن لمناسبة توجب الألفة والموافقة فإن شبه الشيء ينجذب إليه بالطبع، والأشياء الباطنة خفية ولها أسباب دقيقة ليس في قوة البشر الاطلاع عليها، عبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك حيث قال: " الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف " ، فالتناكر نتيجة التباين والائتلاف نتيجة التناسب الذي عبر عنه بالتعارف. وفي بعض الألفاظ: " الأرواح جنود مجندة تلتقي فتتشام في الهواء " ، وقد كنى بعض العلماء عن هذا بأن قال: إن الله تعالى خلق الأرواح ففلق بعضها فلقاً وأطافها حول العرش فأي روحين من فلقتين تعارفا هناك فالتقيا تواصلا في الدنيا. وقال صلى اله عليه وسلم: " إن أرواح المؤمنين ليلتقيان على مسيرة يوم وما رأى أحدهما صاحبه قط " ، وروي: أن امرأة بمكة كانت تضحك النساء وكانت بالمدينة أخرى فنزلت المكية على المدنية فدخلت على عائشة رضي الله عنها فأضحكتها فقالت: أين نزلت؟ فذكرت لها صاحبتها، فقالت: صدق الله ورسوله سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " الأرواح جنود مجندة " - الحديث - . والحق في هذا أن المشاهدة والتجربة تشهد للائتلاف عند التناسب والتناسب في الطباع والأخلاق باطناً وظاهراً أمر مفهوم. وأما الأسباب التي أوجبت تلك المناسبة فليس في قوة البشر الاطلاع عليها، وغاية هذيان المنجم أن يقول: إذا كان طالعه على تسديس طالع غيره أو تثليثه فهذا نظر الموافقة والمودة فتقتضي التناسب والتواد، وإذا كان على مقابلته أو تربيعه اقتضى التباغض والعداوة. فهذا لو صدق بكونه كذلك في مجاري سنة الله في خلق السموات والأرض لكان الإشكال فيه أكثر من الإشكال في أصل التناسب، فلا معنى للخوض فيما لم يكشف سره للبشر فما أوتينا من العلم إلا قليلاً، ويكفينا في التصديق بذلك التجربة والمشاهدة فشبه الشيء منجذب إليه بالطبع وإن كان هو لا يشعر به، وكان مالك بن دينار يقول: لا يتفق اثنان في عشرة إلا وفي أحدهما وصف من الآخر، وإن أجناس الناس كأجناس الطير ولا يتفق نوعان من الطير في الطيران إلا وبينهما مناسبة، قال فرأى يوماً غراباً مع حمامة فعجب من ذلك فقال: اتفقا وليسا من شكل واحد، ثم طارا فإذا هما أعرجان فقال: من ههنا اتفقا، ولذلك قال بعض الحكماء: كل إنسان يأنس إلى شكله كما أن كل طير يطير مع جنسه، وإذا اصطحب اثنان برهة من زمان ولم يتشاكلا في الحال فلا بد أن يتفرقا، وهذا معنى خفي تفطن له الشعراء حتى قال قائلهم: وقائل كيف تفارقتما ... فقلت قولاً فيه إنصاف لم يك من شكلي ففارقته ... والناس أشكال وألاف فقد ظهر من هذا أن الإنسان قد يحب لذاته لا لفائدة تنال منه في حال أو مآل، بل لمجرد المجانسة والمناسبة في الطباع والباطنة والأخلاق الخفية. ويدخل في هذا القسم الحب للجمال إذا لم يكن المقصود قضاء الشهوة فإن الصور الجميلة مستلذة في عينها وإن قدر فقد أصل الشهوة حتى يستلذ النظر إلى الفواكه والأنوار والأزهار والتفاح والشرب بالحمرة وإلى الماء الجاري والخضرة من غير غرض سوى عينها. وهذا الحب لا يدخل فيه الحب لله بل هو حب بالطبع وشهوة النفس، ويتصور ذلك ممن لا يؤمن بالله إلا أنه إن اتصل به غرض مذموم صار مذموماً كحب الصورة الجميلة لقضاء الشهوة حيث لا يحل قضاؤها. وإن لم يتصل به غرض مذموم فهو مباح لا يوصف بحمد ولا ذم إذ الحب إما محمود وإما مذموم وإما مباح لا يحمد ولا يذم. القسم الثاني: أن يحبه لينال من ذاته غير ذاته فيكون وسيلة وما يحب لغيره كان ذلك الغير هو المحبوب بالحقيقة. ولكن الطريق إلى المحبوب محبوب فمن الناس من يحب كما يحب الذهب والفضة من حيث إنه وسيلة إلى المقصود إذ يتوصل به إلى نيل جاه أو مال أو علم كما يحب الرجل سلطاناً لانتفاعه بماله أو جاهه ويحب خواصه لتحسينهم حاله عنده وتمهيدهم أمره في قلبه، فالمتوسل إليه إن كان مقصور الفائدة على الدنيا لم يكن حبه من جملة الحب في الله، وإن لم يكن مقصور الفائدة على الدنيا ولكنه ليس يقصد به إلا الدنيا كحب التلميذ لأستاذه فهو أيضاً خارج عن الحب لله فإنه إنما يحبه ليحصل منه العلم لنفسه فمحبوبه العلم، فإذا كان لا يقصد العلم للتقرب إلى الله، بل لينال به الجاه والمال والقبول عند الخلق فمحبوبه الجاه والقبول، ثم ينقسم هذا أيضاً إلى مذموم ومباح فإن كان يقصد به التوصل إلى مباح فهو لله
| |
|
قدرى جاد Admin
عدد الرسائل : 7397 العمر : 66 تاريخ التسجيل : 14/09/2007
| موضوع: رد: شرح الحب فى الله ودرجاته_للإمام الغزالى بتصرف الأحد مارس 30, 2008 11:21 pm | |
|
القسم الثالث: أن لا يحب لا لذاته بل لغيره وذلك كمن يحب أستاذه وشيخه لأنه يتوصل به إلى تحصيل العلم وتحسين العمل ومقصوده من العلم والعمل الفوز في الآخرة، فهذا من جملة المحبين في الله، وكذلك من يحب تلميذه لأنه يتلقف منه العلم وينال بواسطته رتبة التعليم ويرقى به إلى درجة التعظيم في ملكوت السماء، إذ قال عيسى صلى الله عليه وسلم: " من علم وعمل وعلم فذلك يدعى عظيماً في ملكوت السماء " . ولا يتم التعليم إلا بمتعلم فهو إذن آلة في تحصيل هذا الكمال، بل الذي يتصدق بأمواله لله ويجمع الضيفان ويهيئ لهم الأطعمة اللذيذة الغريبة تقرباً إلى الله فأحب طباخاً لحسن صنعته في المطبخ فهو من جملة المحبين في الله، فقد كان جماعة من السلف تكفل بكفايتهم جماعة من أولي الثروة وكان المواسي والمواسي جميعاً من المتحابين في الله، بل نزيد عليه ونقول: من نكح امرأة صالحة ليتحصن بها عن وسواس الشيطان ويصون بها دينه أو ليولد منها ولد صالح يدعوا له وأحب زوجته لأنها آلة إلى هذه المقاصد الدينية فهو محب في الله. ولذلك وردت الأخبار بوفور الأجر والثواب على الإنفاق على العيال حتى اللقمة يضعها الرجل في في امرأته بل أزيد على هذا وأقول: إذا اجتمع في قلبه محبتان محبة الله ومحبة الدنيا واجتمع في شخص واحد المعنيان جميعاً حتى صلح لأن يتوسل به إلى الله وإلى الدنيا فإذا أحبه لصلاحه للأمرين فهو من المحبين في الله، وليس من شرط حب الله أن لا يحب في العاجل حظاً البتة إذا الدعاء الذي أمر به الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه فيه جمع بين الدنيا والآخرة ومن ذلك قولهم: " ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة " وقال نبينا صلى الله عليه وسلم في دعائه: " اللهم إني أسألك رحمة أنال بها شرف كرامتك في الدنيا والآخرة " ، وقال: " اللهم عافني من بلاء الدنيا وبلاء الآخرة " وعلى الجملة فإذا لم يكن حب السعادة في الآخرة مناقضاً لحب الله تعالى فحب السلامة والصحة والكفاية والكرامة في الدنيا كيف يكون مناقضاً لحب الله؟ وما يضاد حظوظ الآخرة فحق العاقل أن يكرهه ولا يحبه أعني أن يكرهه بعقله لا بطبعه، وليس حبك للذهب كحبك للفضة إذا تساوى مقدارهما لأن الذهب يوصل إلى أغراض هي أكثر مما توصل إليه الفضة، فإذاً يزيد الحب بزيادة الغرض ولا يستحيل اجتماع الأغراض الدنيوية والأخروية فهو داخل في جملة الحب لله وحده هو أن كل حب لولا الإيمان بالله واليوم الآخر لم يتصور وجوده فهو حب في الله، وكذلك كل زيادة في الحب لولا الإيمان بالله لم تكن تلك الزيادة فتلك الزيادة من الحب في الله فذلك وإن دق فهو عزيز. قال الجريري: تعامل الناس في القرن الأول بالدين حتى رق الدين وتعاملوا في القرن الثاني بالوفاء حتى ذهب الوفاء وفي الثالث بالمروءة حتى ذهبت المروءة ولم يبقى إلا الرهبة والرغبة.
القسم الرابع: أن يحب لله وفي الله لا لينال منه علماً أو عملاً أو يتوسل به إلى أمر وراء ذاته وهذا أعلى الدرجات وهو أدقها وأغمضها، وهذا القسم أيضاً ممكن فإن من آثار غلبة الحب أن يتعدى من المحبوب إلى كل من يتعلق بالمحبوب ويناسبه ولو من بعد، فمن أحب إنساناً حباً شديداً أحب محب ذلك الإنسان وأحب محبوبه وأحب من يخدمه وأحب من يثني عليه محبوبه وأحب من يتسارع إلى رضا محبوبه، ويشهد له التجربة في أحوال العشاق ويدل عليه أشعار الشعراء حتى قال مجنون بني عامر: أمر على الديار ديار ليلى ... أقبل ذا الجدار وذا الجدارا وما حب الديار شغفن قلبي ... ولكن حب من سكن الديارا فإذن المشاهدة والتجربة تدل على أن الحب يتعدى من ذات المحبوب إلى ما يحيط به ويتعلق بأسبابه ويناسبه ولو من بعد؛ ولكن ذلك من خاصية فرط المحبة لا يكفي فيه ويكون اتساع الحب في تعديه من المحبوب إلى ما يكتنفه ويحيط به ويتعلق بأسبابه بحسب إفراط المحبة وقوتها وكذلك حب الله سبحانه وتعالى إذا قوي وغلب على القلب واستولى عليه حتى انتهى إلى حد الاستهتار فيتعدى إلى كل موجود سواه، فإن كل موجود سواه أثر من آثار قدرته ومن أحب إنساناً أحب صنعته وخطه وجميع أفعاله، ولذلك كان صلى الله عليه وسلم إذا حمل إليه باكورة من الفواكه مسح بها عينيه وأكرمها وقال: إنه قريب العهد بربنا، وحب الله تعالى تارة يكون لصدق الرجاء في مواعيده وما يتوقع في الآخرة من نعيمه، وتارة لما سلف من أياديه وصنوف نعمته، وتارة لذاته لا لأمر آخر وهو أدق ضروب المحبة وأعلاها. . وكيفما اتفق حب الله فإذا قوي تعدى إلى كل متعلق به ضرباً من التعلق حتى يتعدى إلى ما هو في نفسه مؤلم مكروه ولكن فرط الحب يضعف الإحساس بالألم والفرح بفعل المحبوب وقصده إياه بالإيلام يغمر لإدراك الألم، وذلك كالفرح بضربة من المحبوب أو قرصة فيها نوع معاتبة فإن قوة المحبة تثير فرحاً يغمر إدراك الألم فيه وقد انتهت محبة الله بقوم إلى أن قالوا لا نفرق بين البلاء والنعمة فإن الكل من الله ولا نفرح إلا بما فيه رضاه وقال سمنون: وليس لي في سواك حظ ... فكيفما شئت فاختبرني والمقصود أن حب الله إذا قوي أثمر حب كل من يقوم بحق عبادة الله في علم أو عمل وأثمر حب كل من فيه صفة مرضية عند الله من خلق حسن أو تأدب بآداب الشرع. وما من مؤمن محب للآخرة ومحب لله إلا إذا أخبر عن حال رجلين أحدهما عالم والآخر جاهل فاسق إلا وجد في نفسه ميلاً إلى العالم العابد، ثم يضعف ذلك الميل ويقوى بحسب ضعف إيمانه وقوته وبحسب ضعف حبه لله وقوته وتتفاوت الناس فيه بحسب تفاوتهم في حب الله عز وجل، ولو كان الحب مقصوراً على حظ ينال من المحبوب في الحال أو المآل لما تصور حب الموتى من العلماء والعباد ومن الصحابة والتابعين، بل من الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه، وحب جميعهم مكنون في قلب كل مسلم متدين، ويتبين ذلك بغضبه عند طعن أعدائهم في واحد منهم ويفرحه عند الثناء عليهم وذكر محاسنهم وكل ذلك حب لله ومن أحب ملكاً أو شخصاً جميلاً أحب خواصه وخدمه وأحب من أحبه إلا أنه يمتحن الحب بالمقابلة بحظوظ النفس وقد يغلب بحيث لا يبقى للنفس حظ إلا فيما هو حظ المحبوب، وعنه عبر قول من قال: أريد وصاله ويريد هجري ... فأترك ما أريد لما يريد وما لجرح إذا أرضاكم ألم وقد يكون الحب بحيث يترك به بعض الحظوظ دون بعض كمن تسمح نفسه بأن يشاطر محبوبه في نصف ماله أو في ثلثه أو في عشره، فمقادير الأموال موازين المحبة إذ لا تعرف درجة المحبوب إلا بمحبوب يترك في مقابلته، فمن استغرق الحب جميع قلبه لم يبق له محبوب سواه فلا يمسك لنفسه شيئاً مثل أبي بكر الصديق رضي الله عنه فإنه لم يترك لنفسه أهلاً ولا مالاً فسلم ابنته التي هي قرة عينه وبذل جميع ماله. قال ابن عمر رضي الله عنهما: " بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وعنده أبو بكر وعليه عباءة قد خللها على صدره بخلال إذ نزل جبريل عليه السلام فأقرأه عن الله السلام وقال له: يا رسول الله ما لي أرى أبا بكر عليه عباءة قد خللها على صدره بخلال؟ فقال: " أنفق ماله علي قبل الفتح " ، قال: فأقره من الله السلام وقل له: يقول لك ربك: أراض أنت عني في فقرك هذا أم ساخط؟ قال: فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر وقال: " يا أبا بكر هذا جبريل يقرئك السلام من الله ويقول: أراض أنت عني في فقرك هذا أم ساخط؟ " قال: فبكى أبو بكر رضي الله عنه وقال: أعلى ربي أسخط أنا عن ربي راض أنا عن ربي راض " ، فحصل من هذا أن كل من أحب عالماً أو عابداً أو أحب شخصاً راغباً في علم أو في عبادة أو في خير فإنما أحبه في الله ولله وله فيه من الأجر والثواب بقدر قوة حبه، فهذا شرح الحب في الله ودرجاته
| |
|