إن حياة الجسم الظاهرة من آثار حياة الروح كنور الشمس الذي في الأرض من الشمس فإذا مضت الشمس تبعها نورها وبقيت الأرض مظلمة كذلك الروح إذا رحل عن الجسم إلى عالمه الذي جاء منه تبعته الحياة المنتشرة منه في الجسم الحي وبقي الجسم في صورة الجماد في رأي العين فيقال مات فلان وتقول الحقيقة رجع إلى أصله " منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى " كما رجع أيضاً الروح إلى أصله حتى البعث والنشور يكون من الروح تجل للجسم بطريق العشق فتلتئم أجزاؤه وتتركب أعضاؤه بحياة لطيفة جداً تحرك الأعضاء للتأليف اكتسبته من التفات الروح فإذا استوت البنية وقامت النشأة الترابية تجلى له الروح بالرقيقة الإسرافيلية في الصور المحيط فتسري الحياة في أعضائه فيقوم شخصاً سوياً كما كان أول مرة ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون وأشرقت الأرض بنور ربها كما بدأكم تعودون قل يحييها الذي أنشأها أول مرة فإما شقي وإما سعيد.
فتوحات
---
اعلم أن الله تعالى لما خلق القلم واللوح وسماهما العقل والروح وأعطى الروح صفتين صفة علمية وصفة عملية وجعل العقل لها معلماً ومفيداً إفادة مشاهدة حالية كما تستفيد من صورة السكين القطع من غير نطق يكون منه في ذلك وخلق تعالى جوهراً دون النفس الذي هو الروح المذكور سماه الهباء وهذه الأسمية له نقلناها من كلام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأما الهباء فمذكور في اللسان العربي قال تعالى " فكانت هباء منبثاً " كذلك لما رآها علي بن أبي طالب أعني هذه الجوهرة منبثة في جميع الصور الطبيعية كلها وأنها لا تخلو صورة منها إذ لا تكون صورة إلا في هذه الجوهرة سماها هباء وهي مع كل صورة بحقيقتها لا تنقسم ولا تتجزى ولا تتصف بالنقص بل هي كالبياض الموجود في كل أبيض بذاته وحقيقته ولا يقال قد نقص من البياض قدر ما حصل منه في هذا الأبيض فهذا مثل حال هذه الجوهرة وعين الله سبحانه بين هذا الروح الموصوف بالصفتين وبين الهباء أربع مراتب وجعل كل مرتبة منزلاً لأربعة أملاك وجعل هؤلاء الأملاك كالولاة
------------
اعلم أيدك الله أنه لما خلق الله الأرواح المحصورة المدبرة للأجسام بالزمان عند وجود حركة الفلك لتعيين المدة المعلومة عند الله وكان عند أول خلق الزمان بحركته خلق الروح المدبرة روح محمد صلى الله عليه وسلم ثم صدرت الأرواح عند الحركات فكان لها وجود في عالم الغيب دون عالم الشهادة واعلمه الله بنبوّته وبشره بها وآدم لم يكن إلا كما قال بين الماء والطين وانتهى الزمان بالاسم الباطن في حق محمد صلى الله عليه وسلم إلى وجود جسمه وارتباط الروح به انتقل حكم الزمان في جريانه إلى الاسم الظاهر فظهر محمد صلى الله عليه وسلم بذاته جسماً وروحاً فكان الحكم له باطناً أو لا في جميع ما ظهر من الشرائع على أيدي الأنبياء والرسل سلام الله عليهم أجمعين صم صار الحكم له ظاهراً فنسخ كل شرع أبرزه الاسم الباطن بحكم الاسم الظاهر لبيان اختلاف حكم الأسمين وإن كان المشرع واحداً وهو صاحب الشرع فإنه قال كنت نبياً وما قال كنت إنساناً ولا كنت موجوداً وليست النبوة إلا بالشرع المقرر عليه من عند الله فأخبر أنه صاحب النبوة قبل وجود الأنبياء الذين هم نوابه في هذه الدنيا كما قررناه فيما تقدم من أبواب هذا الكتاب فكانت استدراته انتهاء دورته بالاسم الباطن وابتداء دورة أخرى بالاسم الظاهر فقال استدار كهيئته يوم خلقه الله في نسبة الحكم لنا ظاهراً كما كان في الدورة الأولى منسوباً إلينا باطناً أي إلى محمد وفي الظاهر منسوباً إلى من نسب إليه من شرع إبراهيم وموسى وعيسى وجميع الأنبياء والرسل وفي الأنبياء من الزمان أربعة حرم هود وصالح وشعيب سلام الله عليهم ومحمد صلى الله عليه وسلم وعينها من الزمان ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر ولما كانت العرب تنسافى الشهور فترد المحرم منها حلالا والحلال منها حراماً وجاء محمد صلى الله عليه وسلم فرد الزمان إلى أصله الذي حكم الله به عند خلقه فعين الحرم من الشهور عرى حد ما خلقها الله عليه فلهذا قال في اللسان الظاهر أن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلقه الله كذلك استدار الزمان فأظهر محمداً صلى الله عليه وسلم كما ذكرناه جسماً وروحاً بالاسم الظاهر حساً فنسخ من شرعه المتقدم ما أراد الله أن ينسخ منه وأبقى ما أراد الله أن يبقى منه وذلك من الأحكام خاصة لا من الأصول ولما كان ظهوره بالميزان وهو العدل في الكون وهو معتدل لأن طبعه الحرارة والرطوبة كان من حكم الآخرة فإن حركة الميزان متصلة بالآخرة إلى دخول الجنة والنار ولهذا كان العلم في هذه الأمة أكثر مما كان في الأوائل وأعطى محمد صلى الله عليه وسلم علم الأولين والآخرين لأن حقيقة الميزان تعطي ذلك وكان الكشف أسرع في هذه الأمة مما كان في غيرها الغلبة البرد واليبس على سائر الأمم قبلنا وإن كانوا أذكياء وعلماء فأجاد منهم معينون بخلاف ما هم الناس اليوم عليه ألا ترى هذه الأمة قد ترجمت جميع علوم الأمم ولو لم يكن المترجم عالماً بالمعنى الذي دل عليه لفظ المتكلم به لما صح أن يكون هذا مترجماً ولا كان ينطلق على ذلك اسم الترجمة فقد علمت هذه الأمة علم من تقدم واختصت بعلوم لم تكن للمتقدمين ولهذا أشار صلى الله عليه وسلم بقوله فعلمت علم الأولين وهم الذين تقدموه ثم قال والآخرين وهو علم ما لم يكن عند المتقدمين وهو ما تعلمه أمته من بعده إلى يوم القيامة فقد أخبر أن عندنا علو ما لم تكن قبل فهذه شهادة من النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصادق بذلك فقد ثبتت له صلى الله عليه وسلم السيادة في العلم في الدنيا وثبتت له أيضاً السيادة في الحكم حيث قال لو كان موسى حياً ما وسعه إلا أن يتبعني ويبين ذلك عند نزول عيسى عليه السلام وحكمه فينا بالقرآن فصحت له السيادة في الدنيا بكل وجه ومعنى ثم أثبت السيادة له على سائر الناس يوم القيامة بفتحه باب الشفاعة ولا يكون ذلك لنبي يوم القيامة إلا له صلى الله عليه وسلم فقد شفع صلى الله عليه وسلم في الرسل والأنبياء أن تشفع نعم وفي الملائكة فأذن الله تعالى عند شفاعته في ذلك لجميع من له شفاعة من ملك ورسول ونبي ومؤمن أن يشفع فهو صلى الله عليه وسلم أول شافع بإذن الله وأرحم الراحمين آخر شافع يوم القيامة فيشفع الرحيم عند المنتقم أن يخرج من النار من لم يعمل خيراً قط فيخرجهم المنعم المتفضل وأي شرف أعظم من دائرة تدار يكون آخرها أرحم
------------
الروح المحمدي مظاهر في العالم أكمل مظهره في قطب الزمان وفي الأفراد وفي ختم الولاية المحمدي وختم الولاية العامة الذي هو عيسى عليه السلام
----
عالم الغيب هو الطول وعالم الشهادة هو العرض منزل الأنية ويشتمل على منازل منها منزل سليمان عليه السلام دون غيره من الأنبياء ومنزل الستر الكامل ومنزل اختلاف المخلوقات ومنزل الروح ومنزل العلوم
--------
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن نفس الرحمان يأتيني من قبل اليمن الأوان الروح الحيواني نفس وإن أصل هذه الأنفاس عند القلوب المتعشق بها النفس الرحماني
---
اللطيفة الإنسانية ما هي عن الفلك وإنما هي عن الروح المنفوخ منه وهي غير متحيزة فهي فوق الفلك فما لها في الجسم تحريك دوريّ ولا غير دوريّ
---
اللطيفة الإنسانية متولدة بين الروح الإلهيّ الذي هو النفس الرحمانيّ وبين الجسم المسوّى المعدّل من الأركان المعدّلة من الطبيعة التي جعلها الله مقهورة تحت النفس الكلية
---
50