زينب الكسنزاني مشرفة واحة الكسنزان
عدد الرسائل : 1071 العمر : 37 الموقع : العراق تاريخ التسجيل : 28/01/2008
| موضوع: سلوك طريق التصوف الثلاثاء يونيو 17, 2008 5:41 am | |
| سلوك طريق التصوف
الشيخ محمد الصديق الغماري
سلوك طريق التصوف واجب محتم لا يكمل دين المرء إلا به وبيان ذلك من وجوه :
الأول
أنه مقام الإحسان الذي هو أحد أركان الدين الثلاثة المبينة في حديث جبريل الطويل
ولا شك أن الدين يجب اتباعه بجميع أركانه الإيمان والإسلام والإحسان ،
وجاء في إحدى فتاوي والدي في هذا الموضوع ما نصه :
وأما أول من أسس الطريقة وهل تأسيسها بوحي فلتعلم أن الطريقة أسسها الوحي
السماوي في جملة ما أسس من الدين المحمدي إذ هي بلا شك مقام الإحسان
الذي هو أحد أركان الدين الثلاثة التي جعلها النبي بعد ما بينها واحداً واحدا دينا فقال :
هذا جبريل جاء يعلمكم دينكم فغاية ما تدعو إليه الطريقة وتشير إليه هو
مقام الإحسان بعد تصحيح الإسلام والإيمان ليحرز الداخل فيها والمدعو إليها
مقامات الدين الثلاثة الضامنة لمحرزها والقائم بها السعادة الأبدية في الدنيا والآخرة
والضامنة أيضاً لمحرزها كمال الدين فإنه كما في الحديث عبارة عن الأركان الثلاثة
فمن أخل بمقام الإحسان الذي هو الطريقة فدينه ناقص بلا شك لتركه ركناً من أركانه
ولهذا نص المحققون على وجوب الدخول في الطريقة وسلوك طريق التصوف
وجوباً عينياً واستدلوا على الوجوب بما هو ظاهر عقلا ونقلا ولسنا الآن بصدد بيان ذلك
وقد بين القرآن العظيم من أحوال التصوف والطريقة ما فيه الكفاية فتكلم على المراقبة
والمحاسبة والتوبة والإنابة والذكر والفكر والمحبة والتوكل والرضا والتسليم والزهد
والصبر والإيثار والصدق والمجاهدة ومخالفة الهوى والنفس وتكلم عن النفس
اللوامة والأمارة والمطمئنة وعلى الأولياء والصالحين والصديقين والمؤيدين
وغير هذا مما يتكلم فيه أهل التصوف والطريقة رضي الله عنهم فاعرف وتأمل وهو نفيس جداً .
الوجه الثاني
أن التصوف هو العلم الذي تكفل بالبحث عن علل النفوس وأدوائها وبيان علاجها
ودوائها لتصل إلى مرتبة الكمال والفلاح وتدخل في ضمن قوله تعالى
قد أفلح من زكاها ( الشمس : 9 )
ولا شك أن علاج النفس من أمراضها وأدرانها أمر يوجبه الشرع القويم
ويستحسنه العقل السليم ، ولولا ذلك لما كان هناك فرق بين الإنسان والحيوان .
الوجه الثالث
أن التصوف عني بتهذيب الأخلاق وتزكيتها ومخالفة هوى النفس والأخذ بعزائم الأمور
والارتفاع بالنفس عن حضيض الشهوات إلى حيث تستمع بما تورثه الطاعة من لذة روحية
تصغر بجانبها كل لذة مهما عظم قدرها .
الوجه الرابع
أن التصوف هو خلق الصحابة والتابعين والسلف الصالح الذين أمرنا بالاقتداء بهم
والاهتداء بهديهم ، وقد بين ذلك والدي في فتواه التي نقلنا منها آنفا فقال
عقب كلامه السابق ما نصه : وأما قولك هل لما أسست الطريقة . . الخ
فجوابه يعلم مما قبله فإنها إذا كانت من الدين بل وهي أشرف أركانه وكانت بوحي كما قلناه
وكان الصحابة بالحالة التي بلغتنا عنهم تواتراً من المسارعة إلى امتثال أمر الله ،
كانوا بالضرورة أول داخل فيها وعامل بمقتضاها وذائق لأسرارها وثمراتها
ولهذا كانوا على غاية ما يكون من الزهد في الدنيا والمجاهدة لأنفسهم ومحبة الله ورسوله
والدار الآخرة والصبر والإيثار والرضا والتسليم وغير ذلك من الأخلاق التي
يحبها الله ورسوله وتوصل إلى قربهما وهي المعبر عنها بالتصوف والطريقة
وكما كانوا رضي الله عنهم على هذه الحالة الشريفة كان أتباعهم أيضاً عليها وإن كانوا
دونهم فيها وكذلك كان أتباع الأتباع وهلم جرا إلي أن ظهرت البدع وتأخرت الأعمال
وتنافس الناس في الدنيا وحييت النفوس بعد موتها فتأخرت بذلك أنوار القلوب ووقع
ما وقع في الدين وكادت الحقائق تنقلب وكان ابتداء ذلك في أواخر المائة الأولى من الهجرة
ولم يزل ذلك يزيد سنة بعد سنة إلى أن وصل ذلك إلى حالة
تخوف منها السلف الصالح على الدين فانتدب عند ذلك العلماء لحفظ هذا الدين الشريف فقامت
طائفة منهم بحفظ مقام الإسلام وضبط فروعه وقواعده وقامت أخرى بحفظ مقام الإيمان
وضبط أصوله وقواعده على ما كان عند سلفهم الصالح وقامت أخرى بحفظ مقام الإحسان
وضبط أعماله وأحواله فكان من الطائفة الأولى الأئمة الأربعة وأتباعهم
وكان من الطائفة الثانية الأشعري وأشياخه وأصحابه وكان من الثالثة الجنيد
وأشياخه وأصحابه فعلى هذا ليس الجنيد هو المؤسس للطريقة لما ذكرناه من أنها بوحي إلهي
وإنما نسبت إليه لتصديه لحفظ قواعدها وأصولها ودعائه للعمل بذلك
عندما ظهر التأخر عنها ولهذا السبب نفسه نسبت العقائد للأشعري والفقه للأئمة الأربعة
من أن الجميع بوحي من الله تعالى . وهو تحقيق بالغ يعلم منه أن ما يسمى
الآن تصوفاً وطريقة لم يتجاوز ما كان عليه الصحابة والتابعون من الأخلاق الفاضلة
والصفات الجميلة التي حض الله ورسوله على التخلق بها ومدح أصحابها في غير آية وحديث .
الوجه الخامس
أن في سلوك الطريق صحبة المشايخ الكمل والاقتداء بهم والاهتداء بهديهم وقد أمر الله بذلك في قوله تعالى واتبع سبيل من أناب إلي ( لقمان : 15 ) .
قال الإمام زروق والأنابة لا تكون إلا بعلم واضح وعمل صحيح وحال ثابت لا ينقضة كتاب ولا سنة .
الوجه السادس
أن سلوك الطريق ينور بصيرة الشخص ويسمو بهمته حتى لا يبقى له تعلق إلا بالله
ولا يكون له اعتماد إلا عليه فيصير مصون السر عن الالتفات إلى الخلق مرفوع الهمة
عن تأميلهم اكتفاء بالحق متحققاً بالحقيقة في جميع الأحوال متوسماً
بالشريعة في الأقوال والأفعال وهذا أعلى ما يطلب من المؤمن وإليه أشار
بقوله لابن عباس إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله وبايع الصحابة
منهم ثوبان مولاه والصديق صاحبه على أن لا يسألوا الناس شيئاً
وذلك لرفع الهمة عن الخلق والاكتفاء بالالتجاء إلى الحق .
الوجه السابع
أن في سلوك الطريق بصحبة شيخ مرشد عارف خروجا من رعونات النفس
وحماية للمريد من كل ما يمنعه من الوصول إلى الله تعالى من أنواع الجهل
والغرور ودواعي الهوى الموقعة في ظلمة القلب وإطفاء النور ولهذا قال ابن عطاء الله في لطائف المنن .
شيخك هو الذي أخرجك من سجن الهوى ودخل بك على المولى
شيخك هو الذي ما زال يجلو مرآة قلبك حتى تتجلى فيه أنوار ربك نهض بك إلى الله
فنهضت إليه وساربك حتى وصلت إليه ولا زال محاذياً لك حتى القاك بين يديه فزج بك
في نور الحضرة وقال ها أنت وربك اهـ .
وقال أيضاً إنما يكون الاقتداء بولي دلك الله عليه وأطلعك على ما أودعه من الخصوصية
لديه فطوى عنك شهود بشريته في وجود خصوصيته فألقيت إليه القياد فسلك بك سبيل
الرشاد يعرفك برعونة نفسك ويدلك على الجمع على الله ويعلمك الفرار
عما سوى الله ويسايرك في طريقك حتى تصل إلى الله يوقفك على إساءة نفسك
ويعرفك بإحسان الله إليك فيفيدك معرفة إساءة نفسك الهرب منها وعدم الركون إليها
ويفيدك العلم بإحسان الله إليك الإقبال عليه والقيام بالشكر إليه والدوام على ممر الساعات
بين يديه قال فإن قلت فأين من هذا وصفه لقد دللتني على أغرب
من عنقاء مغرب فاعلم أنه لا يعوزك وجدان الدالين وإنما يعوزك وجدان الصدق
في طلبهم جد صدقا تجد مرشدا وتجد ذلك في آيتين من كتاب الله تعالى
قال الله سبحانه ( أمن يجيب المضطر إذا دعاه )
وقال تعالى فلـو صـدقـوا الله لكـان خيرا لهـم( محمد :21 )
فلو اضطررت إلى من يوصلك إلى الله اضطرار الظمآن إلى الماء والخائف إلى الأمن
لوجدت ذلك أقرب إليك من وجود طلبك ولو اضطررت إلى الله
اضطرار الأم لولدها إذا فقدته لوجدت الحق منك قريباً ولك مجيباً
ولوجدت الوصول غير معتذر عليك ولتوجه الحق بتيسير ذلك عليك .
الوجه الثامن
أن في سلوك الطريق الإكثار من ذكر الله والاستعانة بصحبة الشيخ على ذلك
ولا شك أن الذكر يصفي القلوب ويدعو إلى اطمئنانه
كما قال تعالى ألا بذكر الله تطمئن القلوب ( الرعد : 28 )
وكل أمر أمر الله به في القرآن جعل له حدا وشرطاً ونهاية إلا الذكر فإن الله تعالى
لم يقيده بحد ولا شرط ولا نهاية حيث قال تعالى يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً وسبحوه بكرة وأصيلاً (الأحزاب : 41 - 42 )
فلهذه الوجوه التي ذكرناها وغيرها كان سلوك طريق التصوف واجباً
والانخراط في سلك أهله أمراً لازماً ونحن لا ننكر أنه دخل في الطريق دخلاء أدعياء
وجهلاء أغبياء اتخذوا الطريق سلما لتحصيل أغراضهم وشهواتهم وابتدعوا فيه
بدعا ما أنزل الله بها من سلطان وزعموا أنهم أهل الحقيقة يجوز لهم ما يكون محرما
في الشريعة وكذبوا فإن الشريعة والحقيقة صنوان وما خالفت الشريعة الحقيقة قط
إلا في نظر جاهل فمثل هؤلاء ليسوا من الصوفية في شيء أول من يبرأ منهم الصوفية
ومن الظلم البين أن يعترض بعض الناس بفعل هؤلاء الجهلة ويجعله حجة على التصوف
والصوفية فما التصوف إلا اتباع الكتاب والسنة وما الصوفية إلا قوم جاهدوا أنفسهم في الله فهداهم الله ، والذين جاهدوا فينا لنهديهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين( العنكبوت : 69 ) . -------------------------------------------------------------------------------- المصدر :- كتاب حسن التلطف في بيان وجوب سلوك التصوف للشيخ محمد الصديق الغماري - ص 7 - 13 .
| |
|