لولاه ما ظهر لهما حكم ولكان الأمر واحداً لا يتميز .
ثم تعقب الدكتورة قائلةً :
لن نستطيع أن نعدد البرازخ عند ابن عربي فهذا ما لا يمكن أبداً ،
لأن كل جامع فاصل بين مطلق أمرين هو برزخ .
فعالم المثال برزخ بين عالم الأرواح المجردة وعالم الأجساد .
وعالم النبات برزخ بين الحيوان والمعدن .
والنفس برزخ بين حكمي الفجور والتقوى .
والخيال برزخ ، لأنه لا موجود ولا معدوم ، ولا معلوم ولا مجهول ، ولا منفي ولا مثبت ... وسنكتفي بأن نورد نصاً لأبن عربي يتناول أحد أنواع البرازخ وهو الثبوت ، فالثبوت برزخ بين الوجود والعدم ، وقد اخترنا الثبوت لما له من الأهمية عند الشيخ الأكبر ، يقول :
فما من متقابلين إلا بينهما برزخ لا يبغيان ، أي لا يوصف أحدهما بوصف الآخر ، الذي به يقع التمييز ... فهو الحال الفاصل بين الوجود والعدم ، فهو لا موجود ولا
معدوم ، فإن نسبته إلى الوجود وجدت فيه رائحة لكونه ثابتاً ، وإن نسبته إلى العدم
صدقت ، لأنه لا وجود له ... ثم إن هذا البرزخ الذي هو الممكن بين الوجود والعدم سبب نسبة الثبوت إليه مع نسبة العدم هو مقابلته للأمرين بذاته .
ثالثاً : عندما يستعمل ابن عربي لفظ ( برزخ ) معرفاً غير مضافاً يشير به
إلى ( حقيقة الإنسان ) التي جمعت بذاتها الصورتين : الحقية والخلقية ، فكانت نسختين ذات نسبتين ، نسبة تدخل بها إلى الحضرة الإلهية ، ونسبة تدخل بها إلى الحضرة الكونية ، فهي برزخ بين العالم والحق وهي مرتبة الإنسان الكامل . فالبرزخية هنا وظيفة الإنسان الكامل ، الحد الجامع الفاصل بين الظاهر والباطن ، بين الحق والخلق .