almosly
عدد الرسائل : 293 تاريخ التسجيل : 19/08/2007
| موضوع: أسبوعيات غير متزنة.. الصحوة وتصاعد الكراهية.. بقلم: د. غسان رفاعي الأحد نوفمبر 16, 2008 10:50 am | |
| . أسبوعيات غير متزنة.. الصحوة وتصاعد الكراهية.. بقلم: د. غسان رفاعي دمشق صحيفة تشرين الصفحة الاولى الاحد 16 تشرين الثاني 2008 ـ 1 ـ تذكر قارعو الطبول الإعلامية، في 4 تشرين الثاني المنصرم، كتاب «أحلام أبي» لمؤلفه الشاب باراك أوباما، فجأة قفزت مبيعاته إلى أرقام فلكية وترجم إلى معظم اللغات، وأبرز الجميع دون سابق اتفاق هذه الفقرة: «إذا كان بعض البيض في حينا يشتهون أن يبصقوا على رجل أسود، فهذا حقهم لأنهم يملكون السلطة، ولكننا لن نشتهي البصاق على وجوههم، حينما تنتقل السلطة إلينا...». ويروي محرر «الواشنطن بوست» هذه الحادثة ـ وكان يغطي أفراح السود في حي هارلم ـ : «احتشد المصلون السود في كنيسة هارلم، وهم يرتلون الأناشيد الدينية، وفجأة ارتفع صوت عجوز: «يا الله ابتهل إليك ألا تسمح لهم بقتل أوباما!» وبدأ القس عظته المعتادة، قائلاً: «في الماضي، لم ندخل هذه الكنيسة الرسمية إلا ونحن نحمل المقشات وسطول الماء لتنظيف المغاسل والمراحيض، وها نحن ندخل البيت الأبيض ونستقبل زعماء العالم في الغرفة البيضاوية...». ويروي محرر «الكوريه انترناسيونال» في نيويورك: «لقد تخلصت الولايات المتحدة من الروماتزم، والزكام، والكوليرا، والزهري، لقد اختفت أميركا ريغان وبوش، لننس الفيتنام، والعراق، وأفغانستان، والحرب ضد الإرهاب، إننا نسكن اليوم كوكباً جديداً، لقد أقسم الشعب الأميركي أن يبدل جلده...». ـ 2 ـ يجدر بنا أن نتمهل، بعض الشيء، قبل إطلاق العنان لمشاعر الفرح والابتهاج لفوز باراك أوباما، بالبيت الأبيض، وتربعه على عرش «الامبراطورية العظمى»، كما يجدر بنا، أن نقتصد في تفاؤلنا السياسي والإيديولوجي، إذ قد نصاب بخيبة أمل جديدة، تنضاف إلى أكوام من خيبات الأمل المتراكمة، وإذا كنا نغتفر للأفارقة السود، نزولهم إلى الشوارع، ورقصهم على أنغام «التام ـ تام»، ولسكان الضواحي في المدن الأوروبية تزيينهم للساحات العامة والمحلات التجارية بالأعلام، وقصصات الترحيب الملونة، فقد لا نغتفر لبعض ساستنا، ومثقفينا، وإعلاميينا إسراعهم الإعلان عن أن «عهد العدالة، والمساواة، والحرية، قد انبلج مع تباشير الفجر الجديد، إذ ليس مما يدعو إلى الارتياح تسليم مفاتيح البيت الأبيض إلى متطرف من جذور إسرائيلية، لا يجهل أحد ماضيه الملوث، ولا تحلق خبراء كلينتون بقضايا الشرق الأوسط القدامى حول الرئيس الجديد، واحتكارهم لحق توجيهه وإغراقه بالنصائح الملغومة. ـ 3 ـ كنت تحدثت في «أسبوعيات غير متزنة» سابقة عن المفكر جان زيغلر، الإنسان القديس الذي وهب حياته للمضطهدين والمسحوقين والفقراء في كل مكان، وخاصة العالم الثالث الذي تنهب خيراته، وتستباح ثرواته وتستعبد شعوبه بجشع وغطرسة: لم أكن أصدق أن سويسرا، البلد المتعجرف الذي يفاخر بأنه مجتمع الارستقراطية والتخمة، والذي لا يقبل أن يرتاده إلا الأغنياء، والأغنياء جداً فقط، يمكن أن يصدر إلينا هذا المفكر، ونقلت نتفاً من «المناقرات الودية» التي كانت تشجر بين الدكتور عبد الرحمن بدوي، المهووس بالفلسفة الألمانية، وخاصة نيتشه، والدكتور وديع الكسم «الاغريقي» الذي يتدفق حكمة ونبلاً، رحمهما الله، و«زيغلر» الشاب، المتوثب حيوية وبراءة، وأنا، في جنيف، ولن أنسى جملته التي كان يرددها: «في الإنسان الشرقي شيء من القداسة، ولو تعهر، وفي الإنسان الغربي شيء من ابليس، حتى ولو ادعى النبوة!» وأبرزت تحليل زيغلر «للحركة الشيطانية» لإعادة صياغة العالم التي نشهدها الآن، وأن ما حدث بعد 11 أيلول 2001 لم يكن فرصة ذهبية لجورج بوش كي يوسع امبراطورية لتشمل العالم بأسره، فحسب، وإنما كان الضربة القاضية التي أخضعت العالم الثالث لأكبر عملية ابتزاز ونهب، باستخدام سلاحين من أسلحة التدمير الشامل: القروض والجوع، إذ تتخلى الدولة الهشة عن سيادتها إذا غرقت في القروض، وتتخلى عن حريتها إذا فتك الجوع بشعوبها، وهذه الآلية الجهنمية في الإخضاع والإذلال لا تتحمل من يقف في وجهها. ـ 4 ـ اسم الكتاب الجديد لـ«زيغلر» الذي أمطر المكتبات، في مطلع هذا الشهر هو «كراهية الغرب»، وقد يكون مصادفة تزامن صدوره مع تفاقم الكارثة الاقتصادية التي تعصف بنظام الرأسمالية المالية الذي يستعبد الناس على امتداد الكرة الأرضية، ومع تخبط القيادات السياسية لهذا النظام «الاستبدادي الفاجر» ومع سقوط هيبة الولايات المتحدة، آخر معقل للنظام العنصري والطبقي. ولعل أكثر ما يغضب زيغلر، في كتابه الجديد، هو أن «الغرب الأبيض» يهيمن على الكون منذ 500 عام، على الرغم من أنه لا يمثل إلا 12.5% من سكان المعمورة، يكتب في تفجع: «إنها لهيمنة أقلية شرسة، تستخدم كل الوسائل غير الأخلاقية، للاستمرار أطول فترة ممكنة، ولكي تشمل هيمنتها أكبر رقعة جغرافية..». لقد مرت هذه الهيمنة ـ في تحليل زيغلر ـ في أربع مراحل متعاقبة: بدأت المرحلة الأولى عام 1490 بعد اكتشاف أميركا، وتدفق المهاجرين إليها، وتسمى «مرحلة الفتوحات» أعقبتها المرحلة الثانية التي تسمى «التجارية البربرية» وتميزت بتهجير طاقات من الرقيق الأسود من افريقيا إلى أميركا لاستخدامهم مكان الهنود الحمر الذين تمت تصفيتهم، في مجازر جماعية، ثم أتت المرحلة الثالثة في القرنين التاسع عشر والعشرين، حيث تم احتلال افريقيا وآسيا، وأميركا اللاتينية، بهدف توفير المواد الأولية والغذائية، بأسعار متدنية جداً، وهنا جرى تدمير الحضارات المحلية عن طريق الإرساليات التبشيرية المسيحية، باسم «نشر الحضارة الحداثية»، أما المرحلة الرابعة، الأكثر بربرية ووحشية فهي مرحلة «العولمة» التي تقوم على إعطاء الصدارة لصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، ومنظمة التجارة العالمية، وهذه كلها ـ كما يصفها زيغلر ـ هي منظمات «ارتزاق» تسيطر عليها أوليغارشيات خبيثة تتقن أساليب «النهب البربري». ـ 5 ـ تبدأ قصيدة للشاعر الأسود ايميه سيزار بهذا المقطع: «إنني أسكن صمتاً طويلاً، وأسكن جرحاً عميقاً!» ولعل هذا الصمت قد انتهى، وهذا الجرح قد اندمل ـ كما يقول زيغلر ـ إن شعوب العالم تطالب اليوم بحقوقها، وتلح على ضرورة الاعتذار منها «إننا نعيش مرحلة استعادة الذاكرة، وقد يصعب علينا أن نفسر آلية استعادة الذاكرة الجمعية بهذا العنف اليوم»، وكما يقول زيغلر: «إن ذكريات شعوب أميركا اللاتينية وافريقيا السوداء، وآسيا والبلدان العربية هي ذكريات جارحة، في حين تبقى ذكريات الغرب الأبيض ذكريات غطرسة وانتصار»، ألم يوجه وزير العدل في ساحل العاج إلى الرئيس ساركوزي، وجهاً لوجه هذا العتاب؟: «إذا كنتم تظنون أن العبودية قد اختفت، أرجو أن تفكر ملياً، أن ثمن سلعة تصنع خلال شهور وبعد عمل شاق من قبل ملايين العمل والفلاحين، يحدد سعرها من قبل أشخاص يجلسون على كراسيهم وراء أجهزة كمبيوتر، دون أن يأخذوا بالاعتبار آلام من صنع هذه السلعة، نحن نعمل بصمت، ولكن ثمن عملنا يخضع للمفاوضات في لندن وباريس ونيويورك، إن تجار الرقيق لم يموتوا، لقد تحولوا إلى مضاربين في البورصة!» ويعلق زيغلر على أقوال رئيس ساحل العاج: «الكراهية الجديدة ضد البربرية الغربية قد تجلت في صباح 11 أيلول 2001، في نيويورك وواشنطن، وبنسلفانيا، إنها تعبر عن «تواري العقل في الباطن، وبروز الأحقاد والعواطف الجياشة، والفوران الباطني المتراكم» لنسمع إلى جان بول سارتر وهو يقول: «لكي نحب الناس ينبغي أن نكره بقسوة من يضطهدهم ويحتقرهم» وقد تتحول هذه الكراهية إلى انطواء على الذات، إلى تعصب طائفي أو اثني أو عشائري. ـ 6 ـ أسمعني زيغلر، بعد أن استقر بنا المقام في مطعم باريسي، من الذاكرة فقرة من خطاب روبسبيير قبل أن يتدحرج رأسه على المقصلة: «أيها الفرنسيون المجد ينتظركم، لم يعد أمامنا إلا أن نختار بين أبشع العبوديات وبين الحرية الكاملة، مصير العالم يتوقف على نجاحنا في معركتنا، فلنستيقظ، ولنتسلح، ولندفن أعداء الحرية في المقابر، وليسمع العالم كله أصوات النفير...» ثم قال لي بصوته الدافئ: «وما زلنا نخوض ذات المعركة، وسننتصر، مهما عربد القتلة الذين يغتالون أحلامنا...». وأسمعني زيغلر، في جلسة أخرى معه: «إن إنسان العالم الثالث الذي يراد له أن يعترف بدونيته، وفقدانه للكرامة، سيكتشف أن الإذلال والجوع ليسا أبديين، وأنهما قابلان للزوال، إذ لا بد أن يتحول هذا الإنسان إلى مناضل غاضب، ومتمرد حانق، ولا بد من أن يكتشف أن العبودية ليست قدراً مفروضاً عليه». ـ 7 ـ يجتمع أباطرة العالم القديم العشرون في واشنطن، في عطلة هذا الأسبوع، وسيقررون ما الذي ينبغي أن يتخذ من إجراءات إسعاف عاجلة لإنقاذ نظام عالمي يتداعى ويتقصف، البعض يستبشر خيراً من عدم مشاركة الرئيس المنتخب أوباما في هذا الاجتماع، هل كانوا على حق؟ هل سيكون أوباما رمزاً للتغيير الحقيقي الذي ينتظره ملايين الناس في كل مكان؟. | |
|