[color:a547=#003300:a547]
لا أظننى وحدى الذى عشت تلك اللحظات وباشرت ذلك الشعور.
ذلك الإحساس المؤنس قد عاشه كل منا حينما بلغ شاطئ البحر وألقى بكل همومه خلفه وطرح الدنيا وراؤه
وألقى بنظرة شوق عانقت المياة اللازوردية وغرقت فى لانهائية الأفق واستسلمت لتلك المعية المبهمة وذلك الحضور الغيبى ، ذلك العناق الجميل مع المطلق .
فانا وحدى ولست وحدى .. فمن وراء الزرقى اللازوردية ومن خلف همهمة الموج ومن وراء هذا الإطار البديع واللوحة المرسومة باعجاز هناك يد الخالق المبعة لكل هذا .. هناك ذات الرسام انشقت عنها الحجب واستشفها الوجدان واستشرفتها البصيرة.
فكانما يدور الخطاب بين ذات الرب وذات العبد ..وكأنما يقول لى ربى ( ليس بينى وبينك بين ..ليس بينى وبينك أنت)
هذا أنا وأينما توليت فليس ثمة إلا وجهى .
كل شئ لى فكيف تنازعنى مالى.
كل شئ لى وأنا لا شريك لى.
حتى (الأنا) لى وأنت تدعيها لنفسك..وهى لك نفحة منى أعطيهامتى أشاء وأستردها متى أشاء.
هى لحظة فريدة من لحظات التجرد الكامل يشعر بها أصحاب القلوب فى مجابهة الجمال..لحظة من لحظات التبرى والتخلى عن كل الدعاوى والمآرب والأوطار ..والخضوع لصولة الجمال والجلال .
لحظة استنارة وادراك وتوبة وتنازل واعادة الحق لصاحبه.
ارتفع الحجاب .. وما كان حجابى سوى نفسى ..سوى (الأنا) المعاندة داخلى..فما عادت فى داخلى أنانية
ولا منازعة ولا ادعاء لحق فقد أعدت كل الحق لصاحبه .. لله وحده فالله وحده هو الحقيق بأن يقول (أنا الذى هو أنا) ..إنما أقولها انا على وجه الإستعارة.
(فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم) ..{الأنفال 17}
( وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى)..{الأنفال17}
فهذا هو الله يفعل على الدوام .. وهو الفعّال لكل شئ حينما نظن أننا نحن الذين نفعل.
وحينما يبدو ان الطبيب هو الذى يشفى والطعام الذى يشبع والماء الذى يروى والسهم الذى يقتل ..فإنما هى السباب تفعل فى الظاهر والله من وراء الأسباب يفعل فى الحقيقة ..هو..انه هو دائماً هو
هو الذى أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف .
ولحظة الكشف أشهدتنى الأبداء والإعادة فى حكومة التفريد ومحت عنى ما يرحع إلى ذاتيتى ومحت عنى (الأنا ) الأنانية داخلى.. ورفعتنى إلى ذروة معرفية ..وغلى مقام ما ثم إلا الله .
(قل الله ثم ذرهم فى خوضهم يلعبون)...{الأنعام91}
( قل ان صلاتى ونسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين ) ..{الأنعام 162}
انتهى فى داخلى ما يخصنى..فأنا كلى لله ..محياى ومماتى ونسكى وصلاتى.
أكاد أسمع صوت الله فى قلبى.
ألق الإختيار ألق المؤاخذة البتة .
تنازلت ساعتها عن اختيارى ورضيت باختيار الله وأسلمت ناصيتى لربى فسقطت عنى المؤاخذة وحقت لى المودة ..وذلك هو الإسلام الكامل ..إسلام (الأنا) لخالقها يقلبها فى الأحوال كيف يشاء.
سقطت كل الدعاوى وعدت إلى المبدأ..إلى الفطرة والبكارة الأولى حيث ما ثم إلا هو ..
وذلك مقام الفناء عند أهل الأشواق.
وهو حظ الأفراد الكمّل والنبياء والصديقين والأبرار يعيشونه طول الوقت، أما نحن فحظنا من هذا المقام لحظة.
حظنا ..شميم .. ووقفة على العتبات ذات صباح.
وفى بحار ابن عربى أبو حامد الغزالى وابن الفارض وابن عطاء الله تجد سكارى التوحيد من الأكابر الذين سجدوا لله فسجدت قلوبهم فلم ترتفع من سجدتها حتى لفظوا أنفاسهم.
جعلنا الله منهم وختم لنا بالسلامة ببركتهم إنه سميع مجيب.[/color]