محب الامام الجيلي
عدد الرسائل : 491 تاريخ التسجيل : 08/01/2008
| موضوع: الدكتور مصطفى محمود ـ الطبيب الفيلسوف والأديب المتصوف السبت يناير 02, 2010 7:15 am | |
| الدكتور مصطفى محمود
الطبيب الفيلسوف والأديب المتصوف
"إنه عملاق وليس كبقية من عرفت من العمالقة عملاق فريد في شخصيته، في خصاله، في أدبه، في تفكيره، وعقله وقلبه،إنه ذلك العملاق المستعصي على فهم الأذكياء بفلسفته المحبوكة المحكمة وعلمه الواسع" د/ لوتس عبد الكريم" أحمد بابانا العلوي
في صبيحة يوم السبت 31 أكتوبر 2009، غيب الموت الطبيب الفيلسوف الدكتور مصطفى محمود (1921-2009)، صاحب أشهر برنامج "تلفزيوني" (العلم والإيمان). لقد ترجل فارس الكلمة النيل، عن قطار الحياة بعد رحلة فكرية وثقافية، خصبة وشاقة في نفس الوقت. بدا رحلته الفكرية المضنية، مباشرة بعد تخرجه من كلية الطب سنة 1953. لقد استحوذ على عقله وفكره وكيانه في هذه السن المبكرة سؤال وجودي حاد، يتمحور حول حقيقة الحياة والكون. سؤال قديم عرفه الإنسان ، وشغل باله وفكره في كل العصور التاريخية المتطاولة ولعله ما زال مطروحا على البشر أفرادا وجماعات لأنه ينبعث من أعماق النفس الإنسانية. ومن هذا المنظور يمكن القول بأن الإنسان فيلسوف بطبعه، لأن مكوناته النفسية تدعوه إلى التفلسف أي إلى معرفة الله والكون والإنسان... إلا أن مقاربة السؤال الفلسفي الوجودي، من طرف المفكر أو المثقف، يخرجه من الدائرة الذاتية، بحيث يضفي عليه طابعا اجتماعيا، يعبر عن هموم وتطلعات المجتمع بأسره.. من منطلق أن الفلسفة موقف فكري، إزاء مشكلات الواقع وقضايا العصر.. وإذا كان الفلاسفة هم نتاج ظروفهم الإجتماعية والسياسية والدينية فإن مصطفى محمود، يعتبر نتاجا لعصره وأثرا من آثاره. وقد تضمنت مؤلفاته على الكثير من الخطرات الفلسفية والمبادىء الأخلاقية، والنظرات الصوفية... عارض الماركسية والوجودية، والوضعية المنطقية... اعتبر أن منهج الحدس الصوفي أساس للمعرفة التي توصل إلى أن الوجود متسق، منظم تربطه قوانين .. وان الاختلافات الظاهرية في الأشياء خلفها حقيقة أزلية .... وبالتالي فإن السمو الروحي هو الذي يوصل إلى اليقين العقلي، وعلى ضوء هذا كله تناول العلاقة بين الروح والجسد، وبين الشك والإيمان وبين المتناهي ، واللامتناهي (1) ولم يتوصل إلى هذا الصفاء الذهني، واليقين العقلي، الإيماني، إلا بعد تجربة فكرية قاسية قادته إلى براثين الشك وأحابيله، في اليقينيات العقدية الكبرى .. ولابد من التذكير، بخصوص الفلاسفة والمفكرين والشعراء الذين خاضوا في تجربة الشك او الغوص في بحر الرموز والأسرار، بحثا عن جوهر حقائق الوجود الكبرى .. أن العديد منهم كان يعاني من اوجاع روحية وعقلية مفرطة عطلت ملكته المعرفية وحاسته الإدراكية النقدية، التي بدونها يصعب التمييز بين الطلاوة البراقة، والمعادن النفيسة، القيمة.. أما فيما يتعلق بمعنى الشك فإن مفهوم الشك (Scepticisme) المأخوذ من الكلمة اليونانية (skeptikos) يطلق على من ينظر بإمعان ومن يفحص باهتمام، قبل أن يصدر حكما على شيء أو يتخذ أي قرار.. وتبعا لذلك فإن الشكاك (les Sceptiques) هم فرقة من الفلاسفة يواصلون البحث، والتحري، مقابل الفرق التي تقول بأنها وصلت إلى الحقيقة ..(2) وكان الفيلسوف الفرنسي ديكارت (1595-1649) قد وضع قواعد للشك المنهجي مستهدفا بذلك إحداث ثورة ابستمولوجية، تقتلع العلم المدرسي القديم المعتمد على المنطق الأرسطي، واستبداله بعلم جديد يعتمد على المنطق الرياضي وخلاصة ما ورد في الشك الديكارتي أنه افترض أن كل الأمور التي يشاهدها باطلة، وكل الأشياء التي تختزنها ذاكرته زائفة.. وأن الجسم والشكل والإمتداد والمكان ليست إلا تخيلات من صنع العقل .. - فماذا عسى أن يعد حقيقيا؟
- ربما أنه لا شيء في العالم يقيني
- أنا على الأقل ألست شيئا... ما دمت فكرت فأنا موجود "أنا كائن" (موجود) (Je suis j'existe) هي إذن قضية صحيحة بالضرورة في كل مرة أنطق بها أو أتصورها في عقلي (3) ما يريد "ديكارت" أن يخلص إليه أن معرفة الحواس زائفة حافلة بالأحكام المسبقة
وبالتالي لا يمكن أن توصلنا إلى معرفة علمية ... ويقوده منهجه إلى إثبات وجود الله، انطلاقا من أن التفكير في وجود الله دليل على أنه موجود. فالله جوهر لا متناهي، سرمدي، ثابت، عالم وقدير..ثم يقول إن الله موجود وأن وجودي يتوقف عليه في كل لحظة فالله وحده الذي يعصمه من الضلال والزيغ.. الإمام أبو حامد الغزالي (450-505هـ) سبق "ديكارت" وتفوق عليه في جعل مسألة الشك المنهجي إطارا لبلورة المدارك والمعارف الحسية، والعقلية والقلبية .. فالشك عنده مبعثه معرفي، وغايته معرفية، بحيث كان يريد المعرفة الحقيقية، والعلم الصحيح بحقائق الأمور .. وقد بسط نظريته المعرفية في كتابه (المنقذ من الضلال) . وقد دخل الغزالي في تجربة الشك المنهجي، بحثا عن اليقين، وانتهى به المطاف بعد أن اضطرب فكره وانخرط في مذهب السفسطة (بحكم الحال لا بحكم المنطق والمقال) فشرح الله صدره وكشف الغطاء عن بصيرته وعقله (ولم يكن ذلك بنظم دليل وترتيب كلام، بل بنور قذفه الله في الصدر وذلك النور هو مفتاح أكثر المعارف فمن ظن أن الكشف موقوف على الأدلة المحررة فقد ضيق رحمة الله تعالى الواسعة). ويقول أيضا بأن العلم اليقيني هو الذي يكشف فيه المعلوم انكشافا لا يبقى معه ريب، ولا يقارنه إمكان الغلط، والوهم .. فكل علم لا ثقة به، ولا أمان معه فليس بعلم يقيني (4) والخلاصة أن الإمام الغزالي أراد أن يحرر الحواس والمدارك الإنسانية، من التقليد وأوائل التلقينات، وسطوة الأساتيذ، وأوهام، الفلاسفة العقلية... وذلك بالاشتغال بطلب حقيقة العلم، وتمييز الحق من الباطل.. وتوصل إلى أن المعرفة اليقينية تتحقق عندما تصبح الحواس الخمس مثل الأنهار تحمل العلوم إلى القلب (5) (نور على نور) : نور العقل ، ونور البصيرة، نور العلم ، ونور الإيمان.. نور يعيد النفس الإنسانية إلى الصحة والاعتدال. ويتيح لها أن تدرك جوهر الحقائق والمعارف اليقينية وذلك عن طريق العلم والإيمان، وهذا هو الطريق الذي سلكه الدكتور مصطفى محمود رحمه الله منذ انطلاق مساره الفكري والثقافي.. في بداية مشواره شرع في رحلة شك منهجي، متأثر بالمناخ الفكري لعصره، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية في منتصف الأربعينيات من القرن الماضي.. قرأ في جميع الديانات والمعتقدات، والفلسفات، وطاف مدن أوربا واستراليا وامريكا، وجاب الصحاري والغابات الإفريقية، بحثا عن اليقين والأمان .. كان العلم يؤرقه، والفكر يرهقه، والتصوف يخيفه فلا يدري أي طريق يؤدي به إلى معرفة نفسه، ومعرفة العالم من حوله، ومن ثم إلى معرفة الله ! (6) أصدر كتابه الأول (الله والإنسان) سنة 1955 ضمنه أسئلته القلقة المتمردة حول الكون والوجود.. ضجت في وجهه المؤسسة الدينية التي اتهمته بالزندقة والهرطقة والكفر، وألبت عليه السلطة السياسية التي قامت باعتقال المؤلف، وصادرت كتابه.. ومن بين الأسئلة الجدلية التي كانت تعكس حالته النفسية : تقولون أن الله خلق الدنيا لأنه لابد لكل مخلوق من خالق ولابد لكل صنعة من صانع، ولابد لكل وجود من موجود .. صدقنا، وآمنا .. فلتقولوا لي إذن من خلق الله .. أم أنه جاء بذاته.. فلماذا لا يصح في تصوركم أيضا أن الدنيا جاءت بذاتها، بلا خالق، وينتهي الإشكال ..(7) وعندما يرجع إلى تأمل أسئلته القلقة في كتابه (رحلتي من الشك إلى الإيمان) يقول : وتغيب عني في تلك الأيام الحقيقة الأولى، وراء ذلك الجدل. أن زهوي وإعجابي بعقلي الذي بدأ يتفتح، واعجابي بموهبة الكلام ومصارعة الحجج التي انفردت بها .. كان هو الحافز دائما .. وكان هو المشجع وكان هو الدافع، وليس البحث، عن الحقيقة ولا كشف الصواب..، ثم يضيف لقد رفضت عبادة الله لآني استغرقت في عبادة نفسي، وأعجبت بومضة النور التي بدأت تومض في فكري مع انفتاح الوعي، وبداية الصحوة في مهد الطفولة وغابت عني أصول المنطق، وأنا أعالج المنطق، ولم أدرك أني أتناقض مع نفسي إذ أعترف بالخالق ثم أقول ومن خلق الخالق.. إن القول بسبب أول للوجود يقتضي أن يكون هذا السبب واجب الوجود في ذاته وليس معتمدا ولامحتاجا لغيره لكي يوجد، هذه هي أبعاد القضية التي انتهى إليها الفلاسفة الالهيون .. ولم تكن هذه الأبعاد واضحة في ذهني في ذلك الحين.. لقد احتاج الأمر إلى ثلاثين سنة من الغرق في الكتب وآلاف الليالي من الخلوة، والتأمل، والحوار، مع النفس وإعادة النظر ثم إعادة النظر في إعادة النظر.. ثم تقليب الفكر على كل وجه، لا قطع الطريق الشائكة من الله والإنسان إلى لغز الحياة إلى لغز الموت إلى ما أكتب اليوم من الكلمات على درب اليقين. لم يكن الأمر سهلا.. ولو أني أصغيت إلى صوت الفطرة، وتركت البداهة تقودني لأعفيت نفسي من عناء الجدل .. ولقادتني الفطرة إلى الله.. ولكني جئت في زمن تعقد فيه كل شيء وضعف صوت الفطرة حتى صار همسا، وارتفع صوت العقل حتى صار لجاجة وغرورا واعتدادا ..(8) ثم إن العقل يعني العلم والحضارة الغربية الحديثة، القائمة على النظرة العلمية .. والعلم يبدأ من المحسوس والمنظور والملموس، وهو عملية جمع شواهد، واستخراج قوانين .. وما لا يقع تحت الحس فهو في النظرة العلمية غير موجود وإن الغيب لا حساب له في الحكم العلمي.(9) بهذا العقل العلمي المادي بدأ مصطفى محمود رحلته في عالم العقيدة .. كان العلم يقدم له صورة عن الكون بالغة الإحكام والإنضباط .. الكون مبني وفق هندسة وقوانين دقيقة وكل شيء فيه يتحرك بحساب
كل هذا الوجود المتناهي من أصغر إلكترون إلى أعظم جرم سماوي، كان أشبه بمعزوفة متناسقة الأنغام مضبوطة التوزيع، كل حركة فيها بمقدار.. ومده العلم بوسيلة تصوربها الله بطريقة مادية ومن ثم وضع لنفسه نظرية ترى أن الله هو الوجود.. مما أوقعه في فكرة وحدة الوجود الهندية..(10) وعاش سنوات في هذا الضباب الهندي والماريجوانا الصوفية، ومارس اليوجا وتلقى تعاليمها على أيدي أساتذة هنود. وسيطرت عليه فكرة التناسخ مدة طويلة .. تطرق لها في روايات (العنكبوت) و(الخروج من التابوت) . يقول في كتاب (الخروج من التابوت): في كهف "البراهما" جلست عند قدمي الرجل الصالح .. وكانت عيناي تدمعان انفعالا.. قلت له إني أريد أن أتعلم .. أريد أن أفهم .. أريد منه أن يأخذ بيدي، ويدلني على طريق النجاة .. قال في نبرات جليلة .. أعلم أن روح الله تملأ الوجود وأن كل ما في العالم من فن وفكر وعلم وجمال، هي إذاعات من هذه الروح الكلية الخالقة .. وما روحك إلا قبس من هذه الروح الكبرى .. تذكر أنك تبتعد عن روح الله كلما تقربت إليه بالطقوس الروتينية والكهانات والمراسيم والكلمات الخالية من الشعور .. (11) ويضيف تذكر أن الدين الحق لا يناقض العلم لأن الدين الحق هو منتهى العلم (12) | |
|
محب الامام الجيلي
عدد الرسائل : 491 تاريخ التسجيل : 08/01/2008
| موضوع: رد: الدكتور مصطفى محمود ـ الطبيب الفيلسوف والأديب المتصوف السبت يناير 02, 2010 7:16 am | |
| ويقول أيضا إن التفكير المادي ناقص، عاجز لا يفسر لنا حياتنا، وهو لا يعطينا إلا عمرا محدودا، شاحبا، نهايته الموت، بلا بعث، بلا عزاء، بلا أمل. إن الأديان ردت للفرد كرامته وقداسته، واعتبرته حقيقة مطلقة باقية، حينما أعطته روحا تعلو على الموت وتتحدى الفناء. (13) لقد أنقذه علم التشريح، وكشف له أن مقولة وحدة الوجود الهندية إنما هي عبارة شعرية صوفية .. وأن الحقيقة المؤكدة التي يثبتها العلم هي أن هناك وحدة في الخامة لا أكثر .. وحدة في النسيج والسنن الأولية والقوانين .. وحدة في المادة الأولية التي بنى منها كل شيء .. كل الحياة من تواليف الكربون مع الإيدروجين والاكسجين .. وكل صنوف الحياة تقوم على الخلية الواحدة ومضاعفاتها ..(14) والخلاف بين صنف وصنف وبين مخلوق ومخلوق هو خلاف في العلاقات في المعادلة والشفرة التكوينية .. لكن الخاصة واحدة ..(15) إن كل الوجود أفراد أسرة واحدة من أب واحد، إلا أن هذا لا يستسيغ أبدا أن نقول أن الله هو الوجود وأن الخالق هو المخلوق، فهذا خلط صوفي .. أن الوحدة الموجودة تعني وحدة خالقها ... أن وحدة الوجود الهندية، شطحة صوفية خرافية .. وهي تبسيط وجداني لا يصادق عليه العلم ولا يرتاح إليه العقل (16) أما النظرة العلمية المتأملة لظواهر المخلوقات فتثبت أن هناك وحدة أسلوب ووحدة قوانين، ووحدة خامات تعني أن خالقها واحد لم يشارك معه شريك، ولم يسمح بأسلوب غير أسلوبه.(17). هو العقل الكلي الشامل المحيط، الذي خلق كل المخلوقات وزود كل مخلوق بأسباب حياته.. ومن البداهة أن يكون الخالق متعال على مخلوقاته.. وبالتعمق في الحقائق العلمية استطاع مصطفى محمود الوصول على الحقائق الإيمانية حول الله والكون والأزل .. ذلك أن العلم الحق لم يكن أبدا مناقضا للدين، بل إنه دال عليه مؤكد لمعناه.. وإنما نصف العلم هو الذي يوقع العقل في الشبهة والشك .. خاصة إذا كان ذلك العقل مزهوا بنفسه معتدا بعقلانيته
ففي عصر الحضارة المادية الصارخة يتصور العقل انه كل شيء (18) وهذا ما يؤدي إلى ارتكاس الفكر، والسقوط في متاهات العدمية، التي تنفي القيم العليا .. فلا بد إذن للكون من حقيقة ولا بد للكون من قيم تتطلع إليها النفوس لتسمو على الجماد المسخر. وتستقل عن تيار الضرورات.. والعقيدة كما يرى الأستاذ العقاد هي الثقة بالنفس أو بالكون، وليست، هذه الثقة مستمدة من العقل وإنما هي مستمدة من طبيعة تركيب الإنسان ومن كونه متصلا بهذا الكون الذي هو فيه بصلة الوجود والحياة ومن ثم فإن الشخصية الإنسانية كما يرى مصطفى محمود جوهرية يشهد بها العلم ، لا تنحصر في مجرد وظائف فسيولوجية مادية، بل إنها أبعد من ذلك بكثير .. بحيث نجد أن الإنسان يضحي من أجل أهداف ومثل وغايات شديدة التجريد، كالعدل والخير والحرية.. تلك الإرادة الهائلة تتحكم في الجسد ونزوعاته الغريزية .. وهي بالتالي الشهادة الكاشفة عن ذلك العنصر المتعالي والمفارق الذي تتألف منه الذات الإنسانية .. هذا التفاضل بين وجود ووجود يعلو عليه ويحكمه هو الإثبات الواقعي، الذي يقودنا إلى الروح كحقيقة عالية متجاوزة للجسد وحاكمة عليه وليست ذيلا وتابعا تموت بموته.(19) هذا الوجود الروحي، كيف ندركه، ونلامس أسراره .. يقول في كتابه (السر الأعظم) "العلم في هذا الموضوع علم قلبي، وكشفي، وهبي تذكري، لا يحصل بالإكتساب والإجتهاد، والتعلم، وإنما بالجود الإلهي والاجتباء والاصطفاء والإلهام من الله لمن سبقت لهم الحسنى .." (20) ويتفق في هذا الرأي (ابن عربي والجبلي وأبو العزايم والنفري والشاذلي والدسوقي) وجمهرة الصوفيين والعارفين من أهل الفتوحات .. ومفتاح الحضور الروحي، التجرد والتصفية والتحلية . من أجل الوصول إلى نور الكشف الذي هو مفتاح أكثر المعارف كما يرى الإمام الغزالي.. إن العلم الذي لا يدرك ماهيات الأشياء و لا يعرف لبها و حقيقتها ، و تبقى أحكامه كلها إحصائية تقريبية يحكمها قانون الاحتمالات ، و ليس قانون الحتمية و اليقين ، و بالتالي لا يستطيع تفسير لغز الحياة أو لغز الموت . - يقول في كتابه ) لغز الحياة ( : " الحقيقة أكثر إدهاشا من السحر و الخيال" . - ليست المعجزات بهلوانيات و خوارق النظام . - المعجزة الحقيقية لا تكون في خرق النظام .. إنما المعجزة الحقيقية هي في إحلال النظام . - إن شروق الشمس من الشرق كل يوم ، و من ملايين و ملايين السنين و دورانها في فلك واحد من الشرق إلى الغرب في دقة و نظام دليل على الإعجاز . - إن معجزة الكون في انضباطه بقوانين محكمة دقيقة (21) - كنت أشعر ... أن في طبيعة الحياة على بساطتها سرا عميقا و كانت الحياة دائما تشغلني ... - هذه القدرة الخارقة في الحياة على أن تعبئ نفسها و تحارب قوى التمزق و تحافظ على تماسكها و وحدتها في مواجهة ظروف تبعثرها و تشتتها في كل لحظة ... هذه القدرة كانت دائما تدلني على جوهر الحياة بالرغم من تعدد الكائنات الحية و تنوعها . جوهر واحد لا يقبل التقسيم و لا التجزئة، جوهر مبثوث في كل جزء و في كل بضعة بروتو بلازم ، بحيث يصبح كل جزء قادر على أن يصبح كاملا ... (22) - إن جوهر الحياة جامع لكل الإمكانيات، إمكانيات الفروع و إمكانيات الجذور في نفس الوقت و أنه لا يقبل التجزئة . و لكن ما الحياة، و ما سر الحياة ... - من الذي علم الكتكوت أن يكسر البيضة عند أضعف أجزائها و يخرج . - من الذي علم الطيور الهجرة عبر البحار و الصحاري إلى حيث تجد الغذاء الأوفر و الجو الأحسن، وإلى حيث تتلاقح و تتوالد ... - و من الذي يسدد خطاها ، طوال هذه الرحلة من آلاف الأميال فلا تضل و لا تتوه . - من الذي علم دودة القز أن تنسلخ من ثوبها مرة بعد أخرى ... ثم تنزوي في ركن لتبني لنفسها شرنقة من حرير تنام فيها ليالي طويلة مثل أهل الكهف ثم تخرج منها فراشة بيضاء جميلة . - هذا الانتقال المنظم الدقيق من نمط من الخليقة إلى نمط آخر و هذا التطور من دودة إلى حشرة ، و الذي تتعاون فيه ملايين الخلايا في تلقائية ، يحدث بلا معلم، لأن المعلم هو فطرة إرشادية مغروسة في المادة الحية ، بطريقة لا يعرفها أحد ... إن قصة حياتها مكتوبة بشفرة بروتوبلازمية في مادة الخلايا . - إن العلم باطن في خلاياه ... كل خلية تعرف دورها معرفة تلقائية و تؤديه (23) و كما شغله لغز الحياة ، شغله أيضا لغز الموت ... - ما الموت ؟ و هل هو فناء و عدم ، و هلاك أبدي ... ؟
لا شك بأن الموضوع دقيق و علينا أن ننعم فيه النظر و نتدبر جوانبه المختلفة ، لعلنا ندرك كنه ومعناه ... في كتابه لغز الموت يرى مصطفى محمود بأن الموت نوع من السلب أو النفي أو العدم ... و أن بالموت تكون الحياة ... ) جدلية الوجود و العدم ( قد يكون الموت على المستوى الفردي ، شيء يبعث على الدهشة و القلق و الذعر ... أما بالنسبة للكون ..فهو ضرورة و فضيلة وخير ... فالحياة هي السعي المستمر نحو القيمة أو المبدأ والمثال ... و لو كان الموت خاتمة ، لتحطمت القيم جميعا على صخرته ، و لما كان هناك وجود لأي معنى ) لا للحياة و للموت ! ( - الموت بلاء و اختبار باسم الحياة الأبدية ... و يخلص مصطفى محمود إلى أن الموت في مغزاه الإنساني العام هو اختيار بين أمرين : - الإيمان بالفناء المطلق الذي تنعدم معه كل القيم، أو الإيمان بالقيمة المطلقة التي تربطنا بالروح الأعلى و تحقق لنا نوعا من الخلود أو الانخراط في سلك الأبدية ... - و حينما ننظر إلى المسألة من زاوية الوجود الروحي فالموت بالنسبة للروح التي تعيش خارج منطقة الزمن هو لا أكثر من تغيير ثوب، لا أكثر من انتقال ... - فالموت كفناء و عدم لا تعرفه فهي أبدا كانت في حالة حضور و شخوص ... - إنها الحضرة المستمرة التي لم و لا يطرأ عليها طارئ الزوال . - و كل ما سوف يحدث لها بالموت أنها سوف تخلع الثوب الجسدي الترابي .. و كما يقول الصوفية و تلبس الثوب البرزخي ... (24) . و من ثم فإن الموت مجرد انتقال و ارتقاء في معراج لا ينتهي ... و قد يدرك العقل بالإلهام و التوفيق ما ليس يدرك بالدرس و البرهان .. لأن العقل فهم و فكر يتقلب في وجود الأشياء و في بواطن الأمور .. و لا غرو إذن أن تطلق صفة التعقل على الإنسان العاقل (Homo Sapiens) لأنه أهل لأمانة التكليف في ميزان العقيدة و في ميزان الفكر و في ميزان الخليقة الذي توزن به طبائع الكائن بين عامة الكائنات ... - الموت إذن انتقال من عالم إلى الآخر ، و من وجود في الزمان إلى وجود في الأبد
الوجودان مختلفان في الكنه و الجوهر ، مختلفان في التصور و الإدراك .. فالأبد وجود لا نتصور فيه حركة .. و الزمان وجود لا نتصوره بدون حركة .. و إذا ثبت أحد الوجودين ثبوتا لا شك فيه ، فالوجود الأبدي هو الثابت عقلا ، و هو وحده الذي يقبل التصور بغير إحالة في الذهن ، و الخيال .. كما أننا لا نقع في إحالة إذا تصورنا الأبد بغير ابتداء و لا انتهاء ، و لا كيف و لا قياس على شيء من الأشياء ... هكذا يؤمن المسلم بوجود الإله .. و لا يسع العقل أن يبلغ من الإيمان به فوق مبلغ الإسلام .. و كفى المسلم أن يعلم بأن الزمان لم يوجد أبديا و أن وجود الأبد أكمل من الوجود الموقوت ، و هذا هو غاية التنزيه الذي يفرضه الإسلام على معتقديه و هذا – أيضا – هو غاية ما ينتهي إليه تمييز العقول .. الوجود الأبدي كامل مطلق الكمال .. ، و لا يكون الكمال المطلق بغير قدرة و إنعام، و لا تكون القدرة و الانعام ، بغير خلق وإبداع .. (25) لا شك بأن المعرفة الدينية و الصوفية ، ببعدها الذوقي و الجمالي ، ساهمت في صقل العقل المعرفي لدى مصطفى محمود و مكنته من مواجهة سطوة الإيديولوجيات التي طبعت القرن العشرين ... و لأن التصوف في حقيقته طريقة لصقل المدارك و الملكات العقلية و الروحية، مما يسمح برؤية منهجية تسبر أغوار المعارف و العلوم ، بحثا عن الحقائق و المعانى .. و تجعل العقول قادرة على إيجاد توازن مكين من العلم و الإيمان . و ضمن هذا المنهج الذي صنعه علماء الإسلام و فلاسفته ، أراد قادة الفكر النهضوي العربي الإسلامي تجديده ، تبلورت و تشكلت الرؤية الفكرية لمصطفى محمود متأثرا بصورة خاصة بكل من الإمام الغزالي والأستاذ عباس محمود العقاد )1889-1964 ( ... لقد انتهى مصطفى محمود بعد رحلته الفكرية الشاقة بحثا عن اليقين إلى صفاء ذهني و نضج عقلي و فكري ، و إيماني أهله للانخراط في معركة تجديد الفكر الإسلامي ، فانصرف إلى هذه الغاية بجهد لا يكل و عزيمة ماضية و رؤية ثاقبة ... فاجتهد كما هو مطلوب من كل صاحب علم و فكر و رأي ... و كانت اجتهاداته و أطروحاته في كل القضايا التي تناولها و ألف فيها كتبا ، تتسم بالثراء و العمق و القصد النافع المثمر ... ولعل الخيط الرفيع الذي يجمع أعماله الفكرية و الأدبية و يمكن أن توزن به في ميزان البحث و الدرس، يتمثل في منهجه الصارم الذي يربط بين العلم و الإيمان في كل شأن من شؤون الحياة و الكون و الإنسان ... جامعا بين فروض العلم و نظريات الفلسفة و الدين كتجربة حية و مشاركة روحية ، و تطلع و سمو إلى القيم العليا .. في كتابيه ) القرآن محاولة لفهم عصري ( و) القرآن كائن حي ( يقوم بقراءة لآيات القرآن الكريم ، قراءة تجمع بين عمق الفكرة و جمالية و دفئ العبارة ... يقول في كتابه ) القرآن محاولة لفهم عصري ( : - إن القرآن معمار فريد، نسيج وحده . في الطريقة التي تصف بها الألفاظ في صف خاص ، يفجر ما بداخلها من نغم ، و هو نغم لا ينبع من حواشي الكلمات و أوزانها و قوافيها ، و إنما من باطنها بطريقة محيرة و مجهولة تماما .. و بطريقة تؤدي إلى خشوع المستمع و إدراكه الغامض للمصدر الجليل الذي جاءت منه . فنحن نصبح أسرى للقرآن بمجرد الاستماع إليه ... قبل أن نتعقل كلماته ، فإذا بدأنا نتأمل و نتعقل و نحلل و نعكف على الكلمات فسوف تنفتح لنا كنوز من المعاني و المعارف و الأفكار ، تحتاج إلى مجلدات لشرحها ، و لذلك يقول المؤلف بأنه سوف يتوقف وقفات قليلة أمام بعض المشكمات دلأزُية و ُيف تناؤها النرآن1.>.1(:6+ ، ٘ ٍن3ض٥ن هذه!المشكلات دلتي"سىف,يثطػق#إٴيها2اهمؤلف مشكلة دلحرًة و<قطة$الخلق`و`الجهة و`اٌجحيه ً دل٭لٯلiوpالحساه، وpأعٔمxو`اٜعٝلٜ ٘ الؿيب و ٧لبعد،%و"إ?جٯزiاٌقرآ٦ /.. ٭لپ ~ pو ينؤ هيtك٪ابه ) الق?آٞ ٛائن حي ( : - كما انفرد بذروة البلاغة و قمة في البيان و جمال في الأسلوب لم يطاوله فيه كتاب ... يظل هناك وجه معجز من وجوه القرآن ربما كان أهم من كل هذه الوجوه ... يحتاج إلى وقفة طويلة ، و هو ما أسميه بالمعمار أو البنية الهندسية أو التركيب العضوي أو الترابط الحي بين الكلمة و الكلمة ... ما أشبه القرآن في ذلك بالكائن الحي .. الكلمة فيه أشبه بالخلية فالخلايا تتكرر و تتشابه في الكائن الحي و مع ذلك فهي لا تتكرر أبدا، و إنها تتنوع و تختلف، و كذلك الكلمة القرآنية فإننا نراها في السياق القرآني ربما مئات المرات ، ثم نكتشف أنها لا تتكرر أبدا برغم ذلك، إذ هي في كل مرة تحمل مشهدا جديدا و ما يحدث أنها تخرج بنا من الإجمال إلى التفصيل .. و إنها تتفرع تفرعا عضويا .. تماما مثل البذرة التي تعطي جذرا و ساقا ثم أغصانا و أوراقا ثم براعم ثم أزهارا ثم ثمارا ، و هي لا تخرج عن كونها نبات البرتقال .. و ذلك هو الترابط العضوي أو المعمار الحي .. و القرآن بهذا المعنى يشبه جسما حيا، والكلمة القرآنية تشبه كائنا حيا أو خلية جنينية حية ، فهي تتفرع عبر التكرار الظاهر لتعرض مشاهد تكمل بعضها بعضا .. و كمثال نأخذ كلمة " العلم " في القرآن ، فالعلم يأتي في البداية مجملا بمعنى النظر في خلق السماوات و الأرض ثم نجد هذا النظر يأتي بعد ذلك مفصلا ) أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت و إلى السماء كيف رفعت و إلى الجبال كيف نصبت و إلى الأرض كيف سطحت ( ) الغاشية 17-20( - و هذه هي علوم الأحياء و الفلك و الجيولوجيا و الجغرافيا . كما نعرفها الآن (27). و في هذا الكتاب يتطرق إلى مواضيع عدة نذكر منها : ) النفس و الروح ، لماذا خلقنا الله ؟ ، العلوم الذرية في الإسلام ، و الإسلام و الطب ، المكر الإلهي ، عن الظاهر و الباطن ... الخ ( و يتطرق في كتابه ) الماركسية و الإسلام ( إلى منهج الإسلام في الاقتصاد و يرى أن الإسلام يقرر مبدأ المساواة في الفرص و تحقيق التوازن بين حرية الفرد في الربح و حقوق المجتمع ، و مبدأ الملكية الخاصة و الملكية العامة ، و مبدأ تدخل الدولة في الاقتصاد حتى لا يصبح المال دولة بين الأغنياء و حكرا لطبقة دون غيرها .. و يقول في كتابه ) الشيطان يحكم ( : " ساذج من يقول لك أنت تافه فلكل شيء في هذه الدنيا خطره ، مهما كان صغيرا أو ضئيلا ، و لقد تغير أنت الدنيا . وقد تفتح عينك غدا فتكشف شيئا و قد تكون و انت الجندي اليوم قائد المعركة غدا . فقط لا تقل على أحد إنه تافه احترم كل شيء مهما صغر شأنه الطفل و الحشرة و زبال الطريق و جرسون المقهى و بهلوان السرك و من لا حيلة له أو صولجان في يده ، فالله وحده يعلم من في الغد يكون في يده الصولجان ، إذا فعلت ذلك فإنك سوف تخطو أول خطوة لتكون رجلا حكيما " ) ص 13-14( . و يقول أيضا في نفس الكتاب ) تتبارى أجهزة التلفزيون و الإذاعة و السينما و صفحات المجلات و الجرائد على شيء واحد خطير هو سرقة الإنسان من نفسه . شد عينيه و أذنيه و أعصابه و أحشائه ليجلس متسمرا
كالمشدودة أمام التلفزيون أو الراديو أو السينما وقد تخدرت أعصابه تماما .. تقوم هذه بإغراق المتفرجين في نشوات مفتعلة إلى درجة التعب . ثم تلقى بهم إلى الفراش آخر الليل منهوكي الأحاسيس يتحول الإنسان إلى حيوان أعجم مربوط العقل و الإحساس إلى هذه الأجهزة الغريبة التي تفتعل له حياة كلها كذب في كذب . هذه ظاهرة عالمية بل هي من سمات هذا العصر المادي الميكانيكي الذي تحولت فيه أجهزة الإعلام إلى أدوات للقتل الجماعي ... - تخنق فيه العقول بحبال من حرير و تخنق الخيالات بالعطور الفواحة و تخاط فيه الشفاه بجدائل من شعر الغواني ... - على وسائل الإعلام أن تتحول إلى أفيون منبه يفتح العيون و الأحاسيس على الحقيقة و يدعو كل قارئ إلى وليمة الرأي ، و يدعو كل عقل معطل إلى مائدة الفكر .. إن حضارة الإنسان و تاريخه و مستقبله رهن كلمة صدق و شعار صدق . فبالحق نعيش و ليس بالخبز وحده أبدا ( ص 19-22 . و يقول في كتابه ) عصر القرود ( : ) تلوث كل شيء .. حتى الفضاء تلوث بما ألقى الإنسان فيه من آلاف الأقمار الصناعية والسفن الفضائية و كواكب التلصص والتجسس وصواريخ الرصد والتصوير .. وأفسدت هذه الأجسام الغريبة الطفيلية التي ألقيناها في فضاء الكون، أفسدت العلاقات المغناطيسية المحكمة بين الكواكب ، و أفسدت جو الأرض المغناطيسي فانقلب الطقس وأصبح البرد والحر والجفاف والمطر و الطوفانات و الأعاصير ، تاتي بخلاف معدلاتها المحسوبة وفي غير مواسمها ... وتغيرت خريطة الأرصاد الجوية ... وقال البعض .. هي مقدمات عصر جليدي ، ثم جاء أخطر أنواع التلوث في هذا العصر و هو التلوث الخلقي ، بما استحدث الإنسان من وسائل إعلامية تدخل على الإنسان غرفة نومه و تزاحم العائلة على مائدة العشاء مثل التلفزيون و الراديو الترانزستور بحجم الكف، و من خلال هذه الوسائل الحميمة أصبح في إمكاننا أن نقدم للناس الأكاذيب وأصبح بالإمكان أن ندعو للشهوات عيانا بيانا بما نغنيه على أسماع الناس ليل نهار من كلمات عارية و ما نعرضه على أعينهم من مغازلات ، فيتربى الصغار على أن هذا هو الأمر الواقع .. فينتهي الحياء .. و بانتهاء الحياء تبدأ دولة القرود . ونحن الآن ... قادمون على عصر القرود برغم أن الإنسان مشى على القمر وتحكم في طاقة البخار و البترول والكهرباء والذرة وغزا الفضاء لكنه بقدر ما حكم هذه الأشياء بقدر ما فقد التحكم في نفسه و بقدر ما فقد السيطرة على شهواته . ولهذا فنحن أمام انسان أقل رحمة وأقل مودة وأقل عطفا وأقل شهامة ومروءة ... وأقل صفاء من إنسان العصر الزراعي المتخلف . لقد تقدمنا عشر خطوات إلى الأمام و سرنا مثلها إلى الخلف" ) ص 13-14( في كتابه ) من أمريكا إلى الشاطئ الآخر ( قال في مقال بعنوان المشكلة و الحل : "المنادون بالإسلام كحل .. بأي فهم فهموا الإسلام .. -المنادون بالإسلام تفرقوا شيعا و طعن كل واحد في إسلام الآخر و كفر بعضهم بعضا و شهروا السلاح الذي استوردوه ليحاربوا بعضهم بعضا .. -بعضهم غرقوا في الجدل حول الشكليات و المظهريات، و تنازعوا حول اللحية والسواك والنقاب، وتقصير الثوب ، و راحوا يمضغون القشور و نسوا الجوهر و الروح و اللباب ، فهل هو كلام جديد أن روح الإسلام و لبه هو العلم و العمل و مكارم الأخلاق .. - إذن لم الخلاف و المسألة واضحة . أم أن هناك ناسا من مصلحتهم التعمية و تشويه الحقائق و إضاعتنا في مشكلات ثانوية ننسى أنفسنا وننسى موضوعنا ، فعجلة الأحداث تجري بسرعة ، و عما قريب ندخل في منعطف التاريخ و نحتبس في عنق الزجاجة إن لم نحسب لكل يوم حسابه ، نعم لا حل إلا حل واحد. -هوالعلم والإنتاج ومكارم الأخلاق التي عودنا عليها الإسلام والوحدة خلف رايته و احترام العقل ونبذ التعصب و النظر إلى كل شيء في شمول و كلية و تدبر و تفكر" ) ص 112 – 113( . كان قصدنا من تقديم بعض الشذرات و الشواهد من مؤلفات الدكتور مصطفى محمود رحمه الله أن نبين كم هي بالفعل ناطقة و دالة على علو كعبه وعمق فكره ، وتمييزه بين أقرانه من مفكرين و كتاب معاصرين، بوعيه العميق بقضايا عصره و ثقافته .. كما يتميز عن إضرابه برؤيته الفكرية المؤسسة على السمو الروحي و القيمي و الأخلاقي ... و بدعوته إلى جعل العلم طريقا إلى الإيمان .. كان مصطفى محمود مفكرا مجددا وفيلسوفا متصوفا وأديبا ملتزما بقضايا عصره وأمته.. كان شديد الإحساس، واضح الرؤية، عميق التدبر
كان يقول بأن القيم الحقيقية لا تنكشف للنفوس إلا بالإستخلاص الأخير لجوهرها، وإخراج مكنوناتها وحين ذاك فقط تثبت الأسعار إلى الأبد . فالأعلون يظلون في عليتهم والأسفلون يظلون في الأسفلين وتصبح مكانة كل شخص دالة عليه . فذلك هو عالم الحق .. حيث كل نفس قد انكشفت منزلتها الحقة وبلغت رتبتها الحقة. وانتهى ذلك التقليب في الأحوال الذي جعله الله في الدنيا امتحانا للعقول وفتنة للنفوس .. ثم يضيف في لحظات الصحو .. حينما تتراءى الحقيقة من خلف سراب الوهم، وتلامس الروح السر من وراء لثام الواقع فأرى النفوس على ما هي عليه حقا وليس كما تصفها بورصة الواقع بأسعارها الخادعة .. نعم هذه شهادة المفكر الفيلسوف على واقع عصره فالنتمعن فيها لكي نعي معانيها ونستفيد من دروسها العميقة وحكمتها النيرة .. الهوامش : 1) جلال العشري –مصطفى محمود شاهد على عصره- دار المعارف ط 3- ص16 2) أحمد بابانا العلوي –فصول في الفكر والسياسة والإجتماع- دار أبو رقراق2008 ص130 3) د/ عبد الرحمن بدوي الموسوعة الفلسفية –ج1 ص413-495 4) مجموعة رسائل الإمام الغزالي –دار الكتب العلمية- بيروت – ط1-1988- ص26-29 5) د/ عامر النجار –أبو حامد الغزالي- الهيئة المصرية العامة للكتاب -2003- ص97 6) جلال العشري –م-س- ص20 7) مصطفى محمود رحلتي من الشك إلى الإيمان –دار العودة بيروت -1988- ص3 8) المصدر السابق ص4-6 9) م-س- ص8 10) م – س- ص11 11) مصطفى محمود – الخروج من التابوت – ط6 – ص 52-53 12) الخروج من التابوت ص 55 13) الخروج من التابوت ص 57 14) رحلتي من الشك إلى الإيمان –ص12-13 15) م- س ص 13 16) م – س ص 14 17) م – س ص 15 18) م – س ص 18 19) م – س ص 24 20) مصطفى محمود السر الأعظم –كتاب اليوم عدد 456/2002-ص36 21) مصطفى محمود لغز الحياة –دار العودة ط 5 – 1974/ ص3 22) لغز الحياة ص 5 23) ن – م ص 7-8 24) نفس المصدر ص 8-7 . 25) عباس محمود العقاد –الفلسفة القرآنية / دار الهلال 1966/ ص 92-93 26) مصطفى محمود القرآن محاولة لفهم عصري– ط8 ص 20 27) مصطفى محمود القرآن كائن حي ط 5 ص 4-5
| |
|