ولد أبو بكر الشبلي كما كتب لوي ماسينيون في آلام الحلاج بسامراء العراق للعام 247 هـ .
سليل عائلة من كبار الموظفين .. نشأ مالكي المذهب ( لأمه التي كانت أخت حاكم الإسكندرية العسكري وكان مالكياً ) ..
كان للشبلي ولدان : غالب الذي حلق لحيته لموته وأبو الحسن يونس ...
لازم الشبلي أهل التصوف وهو ابن 22 عاماً عند خير النسّاج صديق الجنيد ...
وكان أمر دخوله التصوف أمر ذا شأن لعلو مقام عائلته ..
حيث أن القوم جلهم من العامة وأصحاب الأنساب المتواضعة ..
قال عنه الجنيد حينها : لكل قوم تاج ، وتاج هذا القوم الشبلي ...
وقال عنه أيضاً : لا تنظروا إلى أبي بكر الشبلي بالعين التي ينظر بها بعضكم إلى بعض فإنه عين من عيون الله .
تلقى الشبلي تعليماً ثقافياً عالياً قبل أن يتحول إلى التصوف ...
وكان من يتردد عليهم من المتصوفة من أمثال الجنيد ( شيخ الطائفة ) ..
وابن عطا ( أحمد ابن عطاء الله الآدمي صاحب أوائل التفاسير الصوفية للقرآن الكريم وأيضا أشهر المقربين إلى الحلاج ومات بعده بوقت قليل ) وكذا الخالدي ..
كان هؤلاء أقرب إلى الأصدقاء للشبلي من أن يكونوا معلمين أو مرشدين ...
ويبدوا أن الحلاج انفرد بتأثيره عليه من غيره ..
وإن كان قد تأثر في شطحاته بسمنون المحب والنوري ...
أما عن تلامذته فيذكر ماسنيون أن علي بن إبراهيم البصري والمعروف بالحصري هو وريث فكره الوحيد ..
دخل الشبلي لبلاط القوم من باب الشعراء ...
غير أن كثير وَجْدِهِ وعجيب صرخاته أعيت الكثير من حوله ..
حتى أنه دخل المارستان ( مشفى العقول ) عدة مرات ...
وإن كان بطرس الحواري التلميذ قد أنكر عيسى النبي سلام الله عليه قبل أن يصيح الديك ثلاث مرات ..
فإن الصداقة التي ربطت بين الشبلي والحلاج لم تمنع الشبلي من أن ينكر الحلاج مرتين ..
يقول عنهما ماسنيون : الأولى أثناء التحقيق .. والثانية أثناء التعذيب والتعليق ...
قال الشبلي للحلاج ذات مرة : " أنت مجنون مثلي ، بيني وبينك رباط أزلي " ..
ويبدو أن الشبلي لم يكتب غير بعض القصائد الصوفية المتناثرة التي لم يجمعها أحد بشكل علمي ..
ربما في رأينا لأنه لم يقم أحد من علماء الغرب بجمعها كالحلاج الذي قيض الله له ماسينيون وغيره .. ( وهذه آفة لا نعرف لها سبباً ) ...
وقد رووا عن الشبلي بعضاً من الأمور التي آخذوه فيها ..
مثل بقائه ليلةً كاملة واقفاً على سطح داره على قدمٍ واحدةٍ ...
وكقذفه لأحدهم بالماء ليرى هل سيسبح مثل موسى أم سيغرق مثل فرعون ...
أو رغبته بالبصق في جهنم ليفئها ..
أو أنه كان يحرق الثياب الجديدة .. أو يصنع بها الثقوب ...
أو أنه كان يكتحل بالملح كي لا ينام ..
أو كتحرّقه أن يبعث أعمى ...
أو قوله كما أورد الطوسي في اللمع :
" أنا الوقت ، وقتي عزيز ، وليس في الوقت غيري ، وأنا مُحِق أو أنا مَحْق " . وإن كان الجنيد وهو الواقف في مقام الطريقة بثبات القدم على عتبات الشريعة .... قد كان من أكثر المدافعين عن الشبلي .. فإن هذا ما لم يفعله مع غيره كالحلاج مثلاً ... وكان يرى الجنيد أن شطحات كهذه كانت لشديد إيمان الشبلي في قدرة الخالق ..
وربما بحث لكل شطحة عن أصل شرعي لتسكن إليه فتسكن ألسنة الناس عن الشبلي ..
وكانت بينهما محاورات ومراجعات رائعة منها :
الجنيد : " إذا توكلت على الله في عملك فن تطمئن " .
الشبلي : " لا ، بل إذا توكل الله عليك في عملك فلن تطمئن " .
قال الشبلي بين يدي الجنيد : لا حول ولا قوة إلا بالله .
فقال له الجنيد : ضيق الصدر ، وضيق الصدر إنما يكون من عدم الرضاء بالقضاء .
ومنها أن الشبلي دخل على الجنيد وكانت إمرأة الجنيد عنده
فأرادت أن تستتر فقال لها الجنيد لا خبر للشبلي عنك فأقعدي ..فلم يزل يكلمه الجنيد ... حتى بكى الشبلي ... فلما أخذ الشبلي في البكاء قال الجنيد لامرأته:
استتري، فقد أفاق الشبلي من غيبته.
وقد أخذ الشبلي على الجنيد أنه بقي في عقيدة التصوف النظرية .
أما الجنيد فعاتبه قائلاً :
" كنا نأخذ الكلمة فننشقها ونقرظها ونتكلم بها في السراديب ، وجئت أنت فخلعت العذار ....!!! " .
وعلى جانب آخر كانت الألفة بين الشبلي والحلاج كبيرة جداً مع الفارق في الطباع .. وبقي الشبلي الشاهد الوحيد الحي على عشق الحلاج الخارق بعد مقتله ...
لذا شاع ما قاله الشبلي : " أنا والحلاج على شيءٍ واحد " ..
يروي ماسنيون في آلام الحلاج أن أبو بكر الزبير بن محمد بن عبد الله قال :
" رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام
فقلت : يا رسول الله ، ما تقول في الجنيد ؟ قال : جمع العلم
فقلت : فالشبلي ؟ قال : إن صحا انتفع به كثيرٌ من الناس
قلت : فالحلاج ؟؟ قال : استعجل " .
ويروي ماسنيون الخمس كلمات الآخيرة للحلاج لنرى الشبلي يظهريغيب بين الواحدة والأخرى منها ..
i. " إلهي أصبحت في دار الرغائب أنظر إلى العجائب ، إلهي إنك تتودد إلى من يؤذيك ، فكيف لا تتودد إلى من يؤذى فيك " .
ii. سئله الشبلي وهو على الصليب : ما التصوف ؟ فقال : أهون مرقاه منه ما تراه ..
iii. وقف الشبلي تحت مصلبته وقال : " أولم ننهك عن العالمين " .
iv. " حسب الواجد إفراد الواحد له " .
v. " يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين امنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق " .
ويروي السرّاج الطوسي في كتابه الهام ( اللمع ) ..
أن الشبلي سئل عن أبي يزيد ( يعني البسطامي ) ..
فأجاب : " لو كان أبو يزيد رحمه الله ها هنا لأسلم على يد بعض صبياننا ..." !!!!
ويرى البعض أن قول الشبلي هذا فيه الكثير من محاولات التقية والمداراة بعد حادث استشهاد الحلاج ....
لما لاقاه أهل التصوف حينها من تضييق ورصد ومحاولات فتك ..
ويجدر بنا أن نذكر أن بين وفاة الشبلي ووفاة البسطامي 73 عاماً ( ت البسطامي 261هـ ، ت الشبلي 334 هـ ) .
ويرى عبد الرحمن بدوي أن سؤال الشبلي وغيره آنذاك كان للإيقاع بهم وتسييرهم لنفس مصير الحلاج ..
ولهذا يرى أن الشبلي كان فطناً لهذا فقال في أبي يزيد هذا القول ..
ولهذا يفرق بدوي في كتابه شطحات الصوفية بين حياة الشبلي وآرائه في عهدين :
الأول ما قبل مصرع الحلاج ، والثاني ما بعد مصرعه ...
وبعيداً عن قسوة كلمات بدوي
نخلص إلى أنه كان يرى أن جل شطحات الشبلي كما يراها كانت في العهد الأول ..
وذكر منها قول الشبلي : " أنا النقطة التي تحت الباء " ..
إن كان البعض يرويها
( على لسان الفتى الهاشمي سيدنا الإمام علي بن أبي طالب سلام الله عليه )
أما في العهد الثاني فكانت تلك الأقوال التي تشع منها السُنِّيّة على حد تعبير بدوي .
ولعلنا إذا أردنا أن نقف بجوار الشبلي فمن الضروري أن نرى بعضاً مما جرى على لسانه فرب هذا يقربنا لوقتهِ وزمانه ..
i. أنتم أوقاتكم مقطوعة ووقتي ليس له طرفان وبحري بلا شاطئ
ii. الأحرار : هم الذين يقولون لا إله إلا الله ويتذوقونها
iii. إذا طالبوني بعلم الورق برزت عليهم بعلم الخرق
iv. الشغاف نهاية العشق
v. الواحد: المعروف قبل الحدود وقبل الحروف
vi. من علامة الإفلاس الاستئناس بالناس
vii. الورع أن تتورَّع عن كلِّ ما سوى الله تعالى
viii. ليس من احتجب بالخلق عن الحق كمن احتجب بالحق عن الخلق. وليس من جذبته أنوار قدسه إلى أنسه كمن جذبته أنوار رحمته إلى مغفرته
ix. ليس للمريد فترة ولا للعارف معرفة ولا للمعرفة علاقة ولا للمحب سكون، ولا للصادق دعوى، ولا للخائف قرار، ولا للخلق من الله فرار
رحم الله أبا بكر ...... الشبلي .