السؤال الثاني والستون
أمر الساعة كلمح البصر أو هو أقرب
الجواب سميت الساعة ساعة لانها تسعى إلينا
بقطع هذه الأزمان لا بقطع المسافات
وبقطع الانفاس
فمن مات وصلت إليه ساعته وقامت قيامته
إلى يوم الساعة الكبرى التي هي لساعات الانفاس كالسنة لمجموع الأيام التي تعنيها الفصول باختلاف أحكامها
فأمر الساعة وشانها في العالم أقرب من لمح البصر
فان عين وصولها عين حكمها
وعين حكمها عين نفوذ الحكم في المحكوم عليهم
وعين نفوذه عين تمامه وعين تمامه عين عمارة الدارين
فريق في الجنة وفريق في السعير
ولا يعرف هذا القرب إلا من يعرف قدرة الله في وجود الخيال في العالم الطبيعي
وما يجده العالم به من الأمور الواسعة في النفس الفرد والطرفة
ثم يرى أثر ذلك في الحس بعين الخيال
فيعرف هذا القرب وتضاعف السنين في الزمن القليل من زمان الحياة الدنيا ومن وقف على حكاية الجوهري رأى عجبا
وهو من هذا الباب
فان قلت وما حكاية الجوهري قلنا ذكر عن نفسه انه خرج بالعجين من بيته إلى الفرن وكانت عليه جنابة فجاء إلى شط النيل ليغتسل فرأى وهو في الماء مثل ما يرى النائم كانه في بغداد وقد تزوج وأقام مع المرأة ستة سنين وأولادها أولاداً غاب عني عددهم ثم رد إلى نفسه وهو في الماء ففرغ من غسله وخرج ولبس ثيابه وجاء إلى الفرن وأخذ الخبز وجاء إلى بيته وأخبر أهله بما أبصره في واقعته
فلما كان بعد أشهر جاءت تلك المرأة التي رأى انه تزوجها في الواقعة تسأل عن داره فلما اجتمعت به عرفها وعرف الأولاد وما انكرهم وقيل لها متى تزوج فقالت منذ ست سنين وهؤلاء أولاده مني
فخرج في الحس ما وقع في الخيال
وهذه من مسائل ذي النون المصري الستة التي تحيلها العقول
فلله قوى في العالم خلقها مختلفة الأحكام
كاختلاف حكم العقل في العامة من حكم البصر من حكم السمع من حكم الطعم وغير ذلك من القوى التي في عامة الناس
فاختص الله أولياءه بقوى لها مثل هذه الأحكام فلا ينكرها إلا جاهل بما ينبغي للجناب الإلهي من الأقتدار
وفي معراج رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فيه كفاية في هذا الباب مع بعد هذه المسافات التي قطعها في الزمان القليل
السؤال الثالث والستون
ما كلام الله تعالى لعامة أهل الوقوف
الجواب يقول لهم ما جئتم به فيقع في أسماع السامعين ذلك مختلفاً باختلاف أحوالهم فتختلف أحوالهم باسماعهم بل تختلف أسماعهم بحسب أحوالهم في المواقف ولا يحصل في سمع واحد منهم ما حصل في سمع آخر
وهو السؤال عن النفس الذي قبض فيه
ولا يكون هذا الكلام إلا لأهل الوقوف خاصة
الذين هم في هول ذلك اليوم
وأما المتصرفون فيه كالانبياء والرسل والدعاة إلى الله
وكالمستريحين من أهل المنابر الذين لا يحزنهم الفزع الأكبر
كالمصونين في سرادقات الجلال خلف حجاب الانس فهؤلاء كلهم وأمثالهم
ما هم من أهل الوقوف
فأهل الوقوف هم الذين ينتظرون حكم الله فيهم
فيجيبونه عند هذا الكلام بما فهم كل واحد منهم
الفتوحات المكية