سهر الليالي
عدد الرسائل : 25 تاريخ التسجيل : 09/03/2009
| موضوع: الجانب الروحى فى الاسلام الإثنين أغسطس 17, 2009 10:26 pm | |
| يراد به حضور القلب في كل الأعمال التي يؤديها الإنسان العابد والإخلاص بها لوجه الله سبحانه ومنها العبادة المناسكية والتعاملية بعد بلوغ الإيمان ومجاهدة النفس والهوى والطبع للتخلي من الصفات المذمومة والتحلي بالصفات المحمودة ويعني ذلك طهارة العقل والقلب والروح والبدن وتزكية النفس للوصول إلى مقام الإحسان : لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ . . . ( يونس 26 ) ، إن أساس الخلق والوجود هو المحبة والرحمة لأن الحق عز وجل سبقت رحمته غضبه لذلك ألزم سبحانه وتعالى عباده التعارف : يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ . . . ( الحجرات 13 ) ، ولا بد أن يكون أساس هذا التعارف المحبة . ليعم الخير وينتشر السلام وتعمر الأرض لأن العداوة والكره والبغضاء هي وسيلة الشيطان في إيجاد التفرقة بين البشر ويحل الصراع والبغي فالإنسان أساس خلقه وجوهره روح أُهبط من العالم العلوي عالم الغيب عالم الأمر : وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ( الإسراء 85 ) ، إلى عالم الشهادة عالم المادة وأراد الحق عز وجل بعلمه ومشيئته أن يكون الإنسان خليفته في الأرض ولا بد أن يكون الخليفة بصورة مستخلفه بالصفات والأفعال لا بالذات لأن الله سبحانه لا تدركه الأبصار وهو أكبر من أن يوصف . لذلك وقع الإنسان في إشكالين : الأول هو عالم الغيب الذي غاب عنه الإنسان عندما أُهبط إلى الأرض والثاني هو عالم الشهادة ( عالم المادة ) الذي غاب عن الإنسان لأن الإنسان حلَّ طارئاً فيه والذي أوجب على الإنسان السعي لمعرفة هذا العالم ليعمر الأرض ويبني مجتمعاً تسوده المحبة والخير والسلام لقد بدأت مشكلة الإنسان في وجوده عند تركيبته الدنيوية والتي ظهر فيها بالصورة البشرية والتي مازج فيها الحق بين عالم الغيب وعالم الشهادة : يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ . . . الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ . . . فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ ( الانفطار6 ، 7 ، 8 ) ، قال الإمام علي كرم الله وجهه : أتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر وهذا ما جعل الحق عز وجل أن يكون الإنسان أكرم مخلوقاته وأقربه إليه سبحانه فسخر السماء والأرض لخدمة الإنسان وكان ذلك واضحاً عندما سجدت ملائكة الله لآدم أبي البشر سجود تعظيم وطاعة وامتثال وطرد إبليس وحلت عليه لعنة الله وملائكته لعدم امتثاله لأمر السجود فآدم عليه السلام هو الإنسان الأول والنبي الأول وخليفة الله الأول في الأرض وعندما ظهرت ذريته للوجود استمرت رحمة الله سبحانه وعنايته بالإنسان فاختار من الذرية البعض واختصهم بعنايته ورحمته واصطفاهم وطهرهم وهم الأنبياء والرسل على نبينا وعليهم الصلاة والسلام لهداية الناس وتربيتهم وتعليمهم ما احتواه عالم الشهادة من أشياء مادية وسر تناقضاتها بسبب الحركة والسكون وكذلك تذكرة الإنسان بعالم الغيب الذي هبط من روح الإنسان إلى عالم الشهادة : فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى ( الأعلى 9 ) ، من خلال هدايتهم إلى دين الإسلام الذي هو استسلام إلى الله سبحانه وهو دين المحبة والسلام فكان آخر الأنبياء هو حضرة سيدنا محمد صلى الله تعالى عليه وسلم : هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ( التوبة 33 ) ، فحضرته صلى الله تعالى عليه وسلم هو الرحمة المهداة للعالمين : وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ( الأنبياء 107 ) ، وهو الهادي البشير والسراج المنير : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً . . . وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً ( الأحزاب 46 ) ، وهو صلى الله تعالى عليه وسلم خاتم النبيين والمرسلين وهو النور المرسل : . . . قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ . . . يَهْدِي بِهِ اللّهُ . . . ( المائدة 15، 16 ) ، وهو الوسيلة الأقرب والشفاعة الكبرى والقسم الأعظم لذلك ألزم الحق كل من دخل الإسلام اتباع حضرته صلى الله تعالى عليه وسلم بمحبة وصدق وإخلاص : قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ . . . ( آل عمران 31 ) ، فمحبته صلى الله تعالى عليه وسلم هي محبة الله سبحانه وطاعته هي طاعة الله سبحانه وكما يقال إن المحب لمن يحب مطيع وقلت في المحبة شعراً وعذراً إذا خالف حرفة الشعر لأني لست بشاعر :
أنت الحبيب وما سواك لوحدتي أنت المراد بعزتك وأنا المريد ارنوا وصالك يا عظيم فدلني يا مالكاً روحي فكم تبقى بعيد الهجر أضناني وأدمى مهجتي والوجد يحرقني وآهاتي تعيد
إن المحبة شيء روحي لا يحس بها إلا من وقع فيها لأنها انقياد واستسلام وفناء في المحبوب وهذا ما أراده حضرة سيدنا محمد صلى الله تعالى عليه وسلم وجعله فرض على من دخل الإسلام لبلوغ الأيمان ورد في الحديث الشريف : لا يؤمن أحدُكُم حتّى أكونَ أحبَّ إليه من نفسه وولده وأهله والنّاس أجمعين ( 1 ) ، ويعني ذلك بوضوح أن يملأ المسلم قلبه بمحبة حضرته صلى الله تعالى عليه وسلم بالشكل الذي لا يدانيها في المحبة أي شيء من عالم الغيب وعالم الشهادة لأنها أقرب وسيلة إلى الله سبحانه قال الدكتور الشيخ نهرو محمد الكسنزان الحسيني قدس سره : ( إن من الآداب الإلهية التي أشار إليها رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قوله : أدبني ربي فأحسن تأديبي ( 2 ) ، وهي الآداب التي زرعها رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في قلوب أصحابه لأنه وكما قال تعالى : وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ( الأنبياء 107 ) ، فبالرحمة ذاتها أدب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم صحابته الكرام حتى صاروا كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم وإن رحمة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم المرسلة للعالمين لا يحدها زمان ولا يقيدها مكان فهي تشمل بعين عنايتها الأولى كما تشمل الآخرين وما ذاك إلا لأن نور الله الذي أنزله بالهدى ودين الحق حي باقي لا يطفأ ولو كره الكافرون ) ( كتاب التحلي بالآداب الإسلامية ص 37 ) ، لذلك كل من أراد محبة حضرته صلى الله تعالى عليه وسلم أن يكثر من الصلاة عليه صلى الله تعالى عليه وسلم وهذا فرض فرضه الحق عز وجل على العالمين لأنها سكن للقلوب وطهارة لها وشفاء وتزكية للنفوس من ظلمتها ورعوناتها وكذلك أوجب حضرته صلى الله تعالى عليه وسلم محبة آل بيته الأطهار وشمولهم بالصلاة لأنهم الوارث الروحي المحمدي والذي من صفاته هي أنه الولي المرشد : . . . مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُّرْشِداً ( الكهف 17 ) ، وهو الداعي إلى الله بإذنه لذلك وهبه الحق عز وجل العلم اللدني . وهو صاحب الدعاء المستجاب لذلك وهبه الحق عز وجل التمكين وهو الحكمة والتي يراد بها الكرامة والتي هي امتداد لمعجزات حضرة سيدنا محمد صلى الله تعالى عليه وسلم وهو صاحب البيعة : إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ . . . ( الفتح 10 ) ، وأشار الحديث الشريف إلى مقام الوارث المحمدي : يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ( 3 ) ، وكذلك : أنا مدينة العلم وعلي بابها ( 4 ) ، وقد أشار حضرة المصطفى صلى الله تعالى عليه وسلم إلى استمرار البيعة إلى يوم القيامة على يد الوارث المحمدي والتي هي لمسة روحية بسيطة في ظاهرها بعيد معناها لأنها بيعة الروح والقلب : من صافحني أو صافح من صافحني إلى يوم القيامة دخل الجنة ( 5 ) ، لذلك أوجب حضرة سيدنا محمد صلى الله تعالى عليه وسلم موالاة الوارث الروحي المحمدي ورد في الحديث الشريف : مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَعَلَيٌّ مَوْلاهُ ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ ، وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ ، وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ ، وأَعِنْ مُنْ أَعَانَهُ ( 6 ) ، فهو أول من أخذ البيعة من حضرة الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم وأطلق عليها بيعة الغدير . قال حضرة السيد الشيخ محمد الكسنزان الحسيني قدس سره في موضوع البيعة والطريقة : ( إنها التجربة الروحية الباطنة بين العبد وربه وهي تجربة روحية لا تخضع إلى العقل المنطقي وفيها تتحد الذات والموضوع وتقوم فيها البوادر واللوائح واللوامع مقام التصورات والأحكام والقضايا في المنطق العقلي إذ المعرفة فيها معاشه لا متأملة ويغمر صاحبها شعور عارم بقوة تضطرم فيه وتغمره كفيض من النور الباهر أو يغوص فيها كالأمواج العميقة ويبدو له أيضاً أن قوى عالية قد غزته وشاعت في كيانه الروحي وما هذا إلا نفحات روحية علوية ولهذا يشعر السالك بإثراء في كيانه الروحي وتحرر في أفكاره وخواطره وهيجان لطاقات كامنة تغور في أعماق نفسه ) (7) ، إن الفيوضات الربانية والأنوار التي تشرق على قلب المريد السالك وهباً من الله سبحانه وتعالى وكسباً لما يبذله في سلوكه على يد الوارث الروحي المحمدي الشيخ الكامل والتي تسمى عند السادة الصوفية الواردات قال الشيخ أحمد ابن عجيبة في الواردات : ( تقسم الواردات إلى وارد الانتباه وهو نور يخرجك من ظلمة الغفلة إلى نور اليقظة ووارد الإقبال وهو نور يقذفه الحق عز وجل في قلب عبده فيحركه لذكر مولاه ويغنيه عن سواه حتى يمتلئ القلب بالنور ويغيب عن سوى المذكور ووارد الوصال وهو نور يستولي على قلب العبد ثم يستولي على ظاهره وباطنه فيخرجه من سجن نفسه ويغيبه عن شهود حسه ) (8) ، نستنتج مما تقدم ذكره أن الأنبياء والرسل على نبينا وعليهم الصلاة والسلام مسلمون أرسلهم الحق عز وجل لهداية الناس إلى سبيل الرشاد فكانوا خلفاء الله في الأرض وكان حضرة سيدنا محمد صلى الله تعالى عليه وسلم خاتم النبيين وسيد المرسلين صلى الله تعالى عليه وسلم ومن أجل استمرار رحمته للعالمين لأنه أرسل كافة إلى الناس إلى يوم القيامة ومن اجل أن تستمر الرسالة المحمدية وأن تعلو كلمة الله سبحانه في كل زمان ومكان أتت الخلافة إلى الوارث الروحي المحمدي هداية للناس ورحمة فهو العارف بالله ووجوده بالله سبحانه وهو لله جل وعلا . لأنه الخبير بتزكية الأنفس وشفاء القلوب من أمراضها وطهارتها وطهارة العقول من النجاسات الفكرية لذلك فالأولى بالأمة الإسلامية أن تتمسك بالتصوف على يد ونظر الوارث الروحي المحمدي لخلاصها مما هي فيه من تفرقة وصراع وتخلف والانفتاح على الأمم الأخرى بالمحبة من أجل تبادل المنفعة ليعم الخير وينتشر السلام نسأل الله الهداية لنا ولكل الناس . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصل اللهم على سيدنا محمد الوصف والوحي والرسالة والحكمة وعلى آله وصحبه وسلم تسليما .
| |
|