إذ كان المصريون يضعون الحلوى الشهيرة من اللبن والقمح ويتناولونها فى هذا اليوم،
تقليد بدأه الأيوبيون نكاية فى الفاطميين الشيعة،
وأذكر بعض الباعة الذين كانوا يطوفون بالحوارى حاملين ألواحاً خشبية عليها أنواع من الحلوى الملونة، بعضها أصفر، أو أحمر، اختفوا من القاهرة فى الستينيات وبقيت هذه الحلوى الشهيرة بعاشوراء، وقد توقفت عن تناولها منذ معرفتى بأصل نشأتها فذكرى مقتل الحسين ليست فرصة لتناول الحلوى، لم يكن لى عذر بعد أن عرفت،
عرفت تجار العجم فى التنبكشية وخان الخليلى،
بل عرفت هنوداً وأفغاناً وبلوشاً وبالطبع مغاربة،
الجيل الأول يتحدث كل بلكنة البلد الذى جاء منه، بعد مضى عدة سنوات يبدأ فى الحديث باللهجة المصرية، فى الجيل الثانى لا يتبقى أى أثر من المنشأ الأصلى، لا لغة ولا لهجة، الركائز الثقافية للمجتمع المصرى تهضم أى غريب،
هذه الخاصية القادرة على الاحتواء حمت المجتمع المصرى من الطائفية والشقاق المذهبى فى بعض البلاد العربية يعرف الناس من أسمائهم، لا أقصد المسيحى والمسلم،
لكننى أعنى السنى والشيعى، فى مصر لا يوجد تمذهب،
ولا توجد أماكن يقصر سكناها على اتباع دين أو أبناء عرق بعينه،
فى القاهرة ثلاثة عشر معبداً يهودياً تتوزع عمارتها على القاهرة من العباسية إلى المعادى، بجوار الأزهر، على بعد أمتار قليلة أضخم وأقدم مجموعة قبطية تضم أربع منشآت، كنيسة العذراء وكانت مقراً للبابوية عند دخول العرب إلى مصر، وبجوارها كنيسة الأمير تادرس الشاطبى أحد القديسين التابعين للكنيسة القبطية، ثم دير للرهبان ودير للراهبات، قدرة مصر على تطويع العناصر الوافدة، وتعايش الأديان والطوائف مرتبطة بقوتها الثقافية، واستقرارها، وشعور أبنائها بمضمونها الروحى، عندما يستقر المصريون يصبحون مصدرين للأفكار والرؤى،
وعندما تضعف وتهن تحدث الاختراقات المذهبية،
وتبدأ الحزازات الطائفية، ولكن عبر التاريخ وفى أشد الظروف حلكة كانت الأمة المصرية قادرة على تجاوز المخاطر التى تهدد كيانها المتماسك، منذ السبعينيات تضعضت الأحوال،
وجرى الاختراق الوهابى الذى أعتبره الخطر الأعظم بعد أن أصبح مدعوماً بقوة مالية تتوجه إلى الشأن الثقافى بمعناه العام،
ومظاهر هذا التأثير السلبى عديدة، بعضها يتنامى فى ظل التشدد الذى يمثله هذا المذهب الذى لا يأخذ من الإسلام إلا المظاهر،
لقد كانت الدعوة الوهابية حركة متقدمة فى صميم الصحراء، التى ضل أهلها عن الدين الحنيف، لكنها عندما تسللت إلى بلدان عريقة اعتنقت الإسلام ونشرته من خلال رؤية أقرب إلى مضمون الإسلام القائم على التسامح واحترام الديانات الأخرى، الآن ونحن فى نهاية العقد الأول من الألفية الثالثة الميلادية تمر مصر بمرحلة وهن، ويلوح فى تماسكها شقاق، وأزهرها ليس فى أقوى حالاته، هل تحتفظ بقوتها الثقافية الكامنة التى تؤثر ولا تتأثر؟،
هذا السؤال تحتاج إجابته إلى رصد،
لذلك أتابع العناصر الوافدة إلى المجتمع المصرى خلال الأعوام الأخيرة، سواء كانوا بهرة أو عراقيين، أو أجانب، بماذا تأثروا، وبماذا أثروا؟ أتمنى أن تكون لدى مراكز البحث العلمية المتخصصة وسائل بحث حول العناصر الوافدة، ليس البشر فقط، إنما ما يتدفق علينا من خلال الوسائط الحديثة، التى تتدفق مختلف الاتجاهات من خلالها بعد تقدم التقنيات الحديثة للاتصال.