ليس غريبا عنّا أبدا هذا خطاب المتضمّن للعنف الرمزي، و كلّما حاولت الرؤى النقدية أن تشق مجراها داخل الإجتماعية socialité تعرّضت لما يسمّيه محمّد إقبال بوضعية التصدّي la posture défensive، و هذا ما يفسّر بشكل أو بآخر التناقضات التي فشلنا دائما في الخروج منها، بل و عجزنا عن تحقيق ذواتنا خارجها، و المتتبّع لتاريخ للتراث العربي الإسلامي يعرف جيّدا أنه كلّما ظهر معنى مغاير/مختلف عن المألوف و المتعارف، كان الحل الأسرع و النهائي بقطع الرقبة، و هو هاجس مستمر بشكل ما في تراثنا، في حين استطاعت ثقافات أخرى أن تتخلّص منه، و يكفي أن نعود إلى بن عربي باعتباره علامة كبرى في التصوّف، يتحدّث عن العلاقة بين اللّه و الإنسان فيقول :" لو علمته لم يكن هو، و لو جهلك لم تكن أنت، فبعلمه أوجدك و فبعجزك عبدته "، هذا الكلام الذي سيشرحه بعده عبد الكريم الجيلي و ابن سبعين في كتاب "بد العارف" و السهروردي فيما يسمّيه بالحكيم المتألّه، و يتعرّض كل واحد منهم إلى جملة من الممارسات الإضطهادية، باستثناء ابن عربي لأنّه عبّر عن فكرته بلغة موغلة في الرمز، و في زمننا الراهن حدث لنا ما يسمّيه Jacques Lacan في التحليل النفسي " بالحدث المرآوي" بمعنى أن الإنسان لا يكتشف ذاته و لا الآخر إلا عندما يقف أمام المرآة، فيدرك أن الصورة على المرآة هي صورته و لكن ليست ذاته أو ما يسميه بلحظة الوعي بالغيرية، و هو ما يحصل اليوم عن طريق فلسفة اللّغة الحديثة و المناهج النقدية المعاصرة، فوجد الكثير من خصوم التصوّف أنفسهم في مسيس الحاجة إلى مراجعة مواقفهم، و في الأمر دلالة بالغة على أن ثبات الفكرة و الرؤية الأحادية وهم من أوهام الأنا " وترى الجبال تحسبها هامدة وهي تمر مر السحاب "، و أن الدلالة signifié يحلنا أبدا و دائما إلى دلالة أخرى مستترة/مخفية، عبر السبيل الأوحد و ترجمان الوجود أي اللّغة.