بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على محمد عبده وعلى آله وصحبه.
اطرح بين يدي أحبتي بعض ما يفهمه الناس من معنى وحدة الحقيقة او وحدة الوجود
ثم أبين حقيقة الوحدة عند المحمديين, بابسط عبارة أو إشارة , والله حسبي ونعم الوكيل
فاقول: ان الوحدة عند العامة هي وحدة الألوهية التي تفهم من ظاهر لا إله الا الله
ومعناها ان الله واحد بالعدد ولا يمكن ان يشاركه اله آخر جل وعلا.
وأما المعنى الآخر للوحدة: فهو وحدة الوجود وانه ليس في الوجود الا موجود واحد هو عين الوجود
وهو الله سبحانه وتعالى, وانه جامع للكمالات كلها, وان ما عداه وهم وعدم , فليس ثم جهل, ولكن هناك علم, فاذا انعدم سمي جهلا, وهكذا في كل ما يسمى نقصا او تحديدا, فلا يمكن فرض الغير فان فرضه ليس من الفرض المحال بل فرضه محال , وما نراه من مراتب وفق هذا القول بالوحده
يشبه مراتب النور كلما اقتربت من الأصل كانت أشد وأكمل واتم, وكلما ابتعدت كانت اضعف وانقص
فالنقص في الحقيقة ليس لوجود غير , بل لبعد المرتبة عن اصل النور, والنتيجةانه ليس الا النور الواحد الذي هو كل الكمالات.
واما المعنى الثالث من الوحدة: فهو وحدة الوجود بذوق آخر وهو أن الله الواحد جل وعلا كما ظهر بذاته في الكمال فكذلك هو ظاهر بذاته في النقص, وكما ظهر بذاته في العلة كذلك ظهر بذاته في المعلول, فليس ثم غير مع اثبات كل شئ وعدم ارجاعه للوهم او العدم كما في القول الثاني .
والسؤال الذي يورد هنا من قبل أهل النظر ان الله سبحانه لا يمكن ان يظهر بذاته في الفقر لان ذلك ينافي الوجوب, وهو سبحانه واجب من جميع الجهات, فكيف يظهر بذاته في الفقر والتحديد وغيره
والجواب الواضح لذلك ان الفقر الذي يتنافى مع الوجوب هو الفقر الى سواه
وليس ثم سوى بمقتضى هذا القول فلا افتقار يخل بالوجوب بل فقره منه اليه.
والفرق بين هذا القول والقول الذي قبله
ان القول السابق كان ينفي كل شئ سوى المرتبة الكاملة التي هي حقيقة الوجود
واما على هذا القول فلا نفي لشئ أصلا بل الله ظاهر بذاته في كل شئ .
هذه هي الأقوال التي قال بها الناس من الأمم السابقة وبعض من هذه الأمة
وأما المحمديون الذين تحققوا بحقيقة الوحدة في عين الكثرة والكثرة في عين الوحدة فانهم يثبتون لكل شئ حقيقة ذاتية ثابتة غير قابلة للجعل في علم الحق نفسه وانه لولا القول بثبوت تلك الحقائق لم تكن صفة العلم شاملة, ولم يكن هناك معنى للتحقق والكمال, وتلك الحقائق متجاورة لا إضافة بينها ولا انتساب وانما تظهر وتنير بانصباغها بنور الوجود الذي لا يكون لها بل هو لله وهي تظهر به فالوجود الواحد هو الذي يظهر بحسبها , حيث تظهر أحكام الاسماء الألهية في هذا العالم بآثار تلك الأعيان الثابتة, فما ثم في الوجود الا واحد برغم ثبوت كل حقيقة فيه , وكل واحد من هذه الحقائق بتنوره بنور الوجود يستتم معرفة نفسه بالله فهو الذي نوره والا فهو في نفسه معدوم عن هذا الوجود ثابت بثبوت الحق, فإذا استتم معرفة نفسه, يكون قد خرج من ربقة خيال العالم الكبير , ولم يعد يخاطب الحق من حد او جهة, فتتساقط بحقه الاسماء ويكون خطابه مع الحق ,
واما الأكابر من أهل الله فما خرج من الكنز يرتسم فيهم ارتساما ذاتيا من دون ان يكون ذلك تنزلا او نشأة او عكسا , ولولا ان ذواتهم اقتضته ما ارتسم فيهم هذا الارتسام
فلا يثنون على الله بمساحة في الوجود بل لهم كل ذلك الثناء الذي هو تمام النقش في انفسهم
فيقولون كما قال محمد صلى الله عليه واله وسلم لا احصي ثناءا عليك انت كما اثنيت على نفسك
ولهم في اقامة الثناء في كل شئ تلاوة للقرآن يقيمون حدوده ويستقيمون بكل ما ورد فيه فهم الحكم الظاهر وفق ذلك العلم الذي ارتسم في انفسهم, لا يغيبهم الظهور المفصل عن حكم الجمع, ولا حكم الجمع عن الفرق.
ولهم وجهان
وجه الى ذلك الرسم المعمى فيهم الذي هو على صورتهم والذي منه انبث النفس فنفث في الهباء وشكله
ووجه لا اعتبار فيه لشئ
بل فراغ تام
لا علم ولا دائرة ولا وحده ولا مصدرية ولا ثبوت ولا تجريد ولا نفي ولا اثبات
وهو الذي اشار اليه محمد صلى الله عليه واله سلم
لي وقت لا يسعني الا ربي.