الوحدة و التوحيد
الوحدة بمعناها الصوفي و حدة شهودية
يعني وحدة مشهد و نور
لا يمكن رؤيته دون تصفية للنفس والفكر
مابعد الفكر و الصلوات بل و الصيام ايضا
و الوصول لفكرة النظام الواحد
فكلمة التوحيد نفسها تحتوي علي ما نريد الوصول له
كلمة ( أشهد) ألا اله الا الله و اشهد ان محمد رسول الله
و تكرارها في الآذان و التشهد
الشهادة و التشهد ليس بمعني الصدق فحسب
و انما ايضا بمعني الشهود و المشاهدة والاشهاد
و يقتضي ذلك المشهد
ثم الشهادة بمعني النطق بما شاهدنا و مصداقية ذلك
فالشهود اولا لجوهر التوحيد
بسلم عقلي ووجداني
الي مشهدصلواتي كأنك تراه
و لاسبيل لذلك اللهم الا ايمان العامة
الذي تتحرك فيه الفطرة السليمة نحو خالق واحد
و مشهدتوحيدي بسيط لكنه جوهري و متقارب
يأخذنا تواحد آثار الخلق الي واحدية الخالق
الشهود للواحدية او الوحدة عند ابن عربي و سائر المتصوفة الكبار فالوحدة وحدة المصدر
و وحدة القانون نفسه
سواء في عالم الخلق الظاهري
او في الرؤية التأملية العقلية
أو حتي في ميزان الباطن و معقولية الملكوت
و الرؤية الصورية الأولي لاتكاد نجد خلاف عليها
فواحدية المخلوقات و واحدية القوانين الهندسية مثلا هي هي لم و لا تتغير
ثم ان الانسان كجسد حيواني يتقابل و يتشارك و يتواحد مع كثير من الكائنات
و حتي في الصور الأولي للكائنات تندرج الكائنات من نبات و حيوان
في نسق و نظام موضوعي الي ابعدالحدود
مما يعني وحدة القانون او وحدة العين في احد معانيها الكثيرة
بل ان قوانين كثيرة يتواحد فيها النبات و الأنسان و الكائن الحي عموما كاحتياج الضوء و الماء
و التي تعني وحدة المصدر ( كوحدة النقطة )
وهو معني آخر من معاني وحدة العين
قوانين الهندسة فيما يخص الشكل و قوانينه
سواء في عالم النقطة او الخط المستقيم
او الأشكال المتعينة كالمربع و التكعيب و الدائرة و الكرية
و الخط بامتداداته المستقيمة و المنحنية
كلها تؤدي الي قوانين هندسية
تنتهي الي مظهر من مظاهر الوحدة
و هي وحدة هندسية
يدركها الرسام و المتأمل و و المهندس
و هو تجلي آخر لوحدة العين
و الكلام هنا يطول التكعيبة و التجريد
و رسامين امثال سيزان و بيكاسو
و الذين شاهدوا الوحدة الهندسية للشكل
و هي واحدية نسق و طراز
يمكن رصدها ببساطة من خلال شكل الشجرة مثلا
و تقابلها مع شكل العروق و الأوردة و الكف و الجهاز العصبي
شكل خرج من نقطة
رمز الحقيقة الأولي
نقطة ثم خط
رمزلعملية الخلق نفسه لبذرة جديدة تبدأ منها المخلوقات
لتتفرع و تتكثر و تتشاجر
في لانهائية زخرفية هندسية مرقومة
رآها الصوفي بعقله في الجفر و بقلبه في اللوح
الذي هو صفة جسد التكوين
كتجليات الخالق علي خلقة
في تنوع المخلوقات من النقطة و الواخد
ثم الي الثمرة التي هي ايضا ميلاد جديد
او نقطة جديدة رمز الحقائق المتوالية و المتجددة
فشكل الشجرة هو بعينه
مايدور من النقطة و الواحد و الدائرة
فاضت منه الحقائق
بمقابلات الألف و الهاء ( أو الميم ) و النقطة
و هو شكل للإنسان نفسه كرأس و جذع و اطراف
كنجمه ثلاثية او رباعية او خماسية او سداسية او يتسبغ
و حملة العرش ثمانية و هكذا منظومة رقمية لا يمكن اغفالها
و التطابق في الشكل الهتدسي للمخلوقات لا يخرج عن هذه البسائط
الواحد عن النقطة و الخط و الدائرة
و هو موضوع تجريدي بحت
ينتهي بنا لوحدة تصل بنا الي الحرف و شكله و معناه
فالنقطة و الخط و الدائرة
هم اساس شكل الحرف في كل اللغات بأشكالها المتعددة و اختلافاتها المتباينة الكثيرة
فلا نجد حرف او شكل يخرج عن هذا الحصر و الرصد
مما يعني مظهر آخر لوحدة العين و تجلي الواحدية
التي هي كنه التوحيد وشكل الواحد
قوانين الهندسة فيما يخص الشكل و قوانينه
من حيث النقطة و الخط
و الأشكال كالمربع و التكعيب و الدائرة و الكرية
و الخط با متدادته المستقيمة و المنحنية
هي احد تجليات وحدة العين
مثاله علم اللغة و حتي النطق
و كل علم يأخذ عند ابن عربي منحي ذوقي تأويلي
و كيف لا والكل تجليات من عقل واحد و عين واحدة
لا تعني وجودا لغير العبد و ربه فما ثم الا رب و عبد
كأننا نقول وحدة عين الواحد و و وحدة عين الإثنين
و وحدة عين الثلاثة و هكذا
و لا يتعني ذلك غير وحدة العين رغم تكثر المظاهر
و الأسماء كالأرقام و الواحد
و لايمكن ان نتعدي وحدة الجوهر الانساني و تواحده
و تشابه الشكل النفسي للأنسان بنوازعه و رغباته و انفعالاته
سواء من الناحية التحليلية او التجريبيةطبيعة النفس البشرية
فنحن امام تجلي آخر للواحدية
اكثر عمقا و غموضا
و هو مجال تفوق اخر لدراسة النفس البشرية
و ترقيتها و تصفيتها للوصول لجوهر حقيقي للإنسان
و بزوغ فكرة الانسان الكامل
و الذي هو نفخة من روح القدس
يتواحد فيها الشكل الأنساني ايضامتحررا و منطلقا و مستخلفا
للو صول الي مبدأ آدمي اولي
و تجلي جديد لوحدة العين الإنساني
و التي تعني هنا المساواة بين سائر البشر
كلكم سواسية كأسنان المشط و كلكم لآدم
كأن وحدة العين الآدمي هو تجلي آخر لوحدة العين
و لو نظرنا الي الكرة الارضية من الفضاء
لوجدناها نقطة و النجوم نقط
و الكل نقط
حتي اذا اقتربنا منها بدت لنا ككرة
ثم تبدأ التفاصيل اللانهائية حتي ننتهي للذرة
التي هي ايضا نقطة و مدارات
كالجدار يتركب من مجموعة من الأحجار الصغيرة
او الجسد يتراكب من مجموعة من الخلايا البسيطة
هو هو الفضاء
كجسد كلي يتراكب من مجموعة من النقط عن بعد و عن قرب
و كأن البعيد جدا هو القريب جدا
و الأول هو الآخر و المبدأ هو المنتهي
فالوحدة و النقطة تجلي آخر لوحدة العين
التي هي عنوان لوحدة قانون ظهرت كوحدة مخلوقات
فائضة عن واحد او مخلوقة لواحد
تجمع شكل واحدي للنقطة و الدائرة و الخط
و الوحدة و الوحدية لا تعني الاتحاد بمعناه الحلولي او الهندي
لاستحالة حصر المطلق في المقيد
و غباء من يقول ذلك او يتهم به العارفين و العلماء
فالفكرة الهندية القديمة عن الاتحاد بين الخالق و المخلوق
لا يمكن ترتيبها ضمن النظرية الاسلامية سواء في بساطته او منتهياتها
و كل ماقاله الحلاج عن تواحد عاطفي بين محبوب و محب
كأن تستولي صفات المحبوب علي محبه
لاتتم المحبة بين اثنين حتي يقول احدهما للآخر يا أنا
و تواحد الأنا هنا تواحد صفاتي ( كونوا ربانيين )
و لا يحمل وحدة الذات او توحد الذات بين الرب و العبد
فالتواصف بالربانية صفاتي و لا يعني الذات
انه يشبه تواحد الارادة عند العبد الرباني
و ما فعلته عن امري _ فأردت _ فأردنا _ فأراد ربك
او مثل - و ما رميت اذ رميت
فالتواحد هنا تواحد زمني
و انوار و معارف و ارادات و صفات و افعال و خاصة
و ليس تواحد ذات لاستحالة ذلك عند العبد الصالح
كدخول ضوء الشمعة في ضوء المصباح
دون دخول الشمعة نفسها في المصباح
و استحالة حصر المطلق في المقيد او الرب في العبد
و الواحدية في عالم ابن عربي ترتيب
تبدأ من واحدية المصدر الي واحدية الكل
مرورا بواحدية الجوهر الإنساني و واحدية الأديان و المذاهب
كأألوان طيف لمنظومة واحدة قديمة
ناشئة عن فعل الأسماء في الكون بأسماء عديدة
كالعقل الكلي و القلم و الحقيقة المحمدية
تنتهي لوحدة انسانية عالمية للانسان نفسه و حقيقته الجامعة
فهو عقل رحب متسع للعقول الأخري و منتظم
تبين في وجوه متعددة لإنسان واحد كالإنسان نفسه
فهي واحدية تسع المتنافرات و الأضداد
و الطبيعة من حوله و البشر كلهم و حتي الملائكة و الجن
كمجموع واحد داخل حقيقة واحدة
وان العالم كله انسان واحد والإنسان كذلك عالم واحدي
و عقل واحد حقيقي يظهر لنا ذلك جليا
وخاصة في عالمنا المعاصر المتواحد عن قريب
في كثرة واقعية و عقل معاصر واحد متصل يؤكد واحدية الإنسان
و واحدية الأديان التي يؤكدها ابن عربي وجل المتصوفة كقرءة ابراهيمية للإسلام
هي دليل آخر من دلائل وحدة العين
و المصور لإبراهيمية تختصر تراث الإنسانية و تختزله
في واحدية التوحيد الأصلي الأول
القابل للإختلاف
و الموحد بين بني البشر في مشهد واحد و رؤي متعددة
و هي واحدية ينص عليها الايمان في كل الأديان - وكتبه و رسله
و توحد حتي بين الكائن النباتي و الحيواني و الجمادي
كشكل وكتلة و عناصر
و الإنسان و الملك الذي يظهر في صورة دحية
و المؤاخاه بين بني آدم
و حتي التواحد مع التراب - كلكم لآدم ـ
و الماء ( كل شئ حي )
والمؤاخاة بين جبريل و النبي - اخي جبريل -
و بين المهاجرين والأنصار
و بين المؤمنين
و بين الإنسان و الشجرة و النخلة
التي هي مؤاخاة الوحدة في الشكل الرمزي للنبات من الأنسان
كموضوع خط و نظام و خلق و جوهر واحدي
يتقاسم و يتوالد و حي
لا يقول المتصوف انه هو الحق و لكنه حق
و الفرق بين الحق و حق كالفرق بين الوجود واللاوجود
فالله الحق و الكون حق
و تواحد الحقائق في التعريف بالآلف و اللام
اقتضي وجود روح الحق او العقل او القلم
و هو الواسطة بين الحق و بين الخلق
ألف لام التعريف
لام العقل و الجبرائيلية او المعرفة
التي هي ظهور الحق من الكنزية - ليعرفون - و مقتضي الرسالات
و هي معرفة تتوازي مع معارف العقل الإنساني كله
و تتجاوز ما نفهم و ما يحيط بنا
المؤاخاه بين العبد و الكل هي توفيق و عودة لعقد بين جزء وكل
في متظومة واحدة
و الكل هنا عقلي بحت و عالم بين عالمين متواصل بالمعرفة و الصلوات و يسميه الصوفية بالحقيقة المحمدية أو الإنسان الكامل
و هي تتجاوز الزمان و المكان
فهي من قبل الآدمية
و عند هذا الباب تختلف الفرق و تندرج المقامات و الدرجات
الي واحدية اخري تجلي فيها العين بمظهر التفرد
و الواحدية الخاصة بالأنا و انت
حتي علي مستوي الإرادة الشخصية للكل المتفرد او الكثرة
و كأننا امام شهادة حية و معاصرة لواحدية ابن عربي من اعماق المغرب العربي
أمير جاد