آداب السماع ومجالس المدح والإنشاد الصوفي
يرجع اهتمام أهل الطريقة لمجالس السماع وإنشاد المدائح
النبوية الشريفة إلى المجالس التي كان يستمع فيها حضرة
الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم إلى شاعره حسان بن ثابت ،
فقد روي عن سيدتنا عائشة (رضي الله عنها) أنها قالت:
كان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يضع لحسان منبراً
في المسجد يقوم عليه قائما يفاخر عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ،
فيقول الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم :
إِنَّ اللَّهَ يُؤَيِّدُ حَسَّانَ بِرُوحِ الْقُدُسِ ما نافحَ أو فاخرَ
عَنْ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم
وعن السيدة عائشة (رضي الله عنها) قالت :
سئل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عن الشعر فقال
هو الكلامُ حَسنهُ كَحسنُ الكلام وقَبيحهُ كَقبيح الكلام
وقد انشد النابغة الجعدي بين يدي رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم :
ولا خيرَ في حُكم إذا لم يكن لـه بوادر تحمي صَفوه أن يُكدرا
ولا خير في أمرٍ إذا لم يكن لـه حكيمٌ إذا ما أوردَ الأمر أصدرا
فقال صلى الله تعالى عليه وسلم أحسنت يا أبا ليلى لا يفض الله فاك
فعاش النابغة أكثر من مائة سنة وكان أحسن الناس ثغراً
وتكمن أهمية السماع للقصائد الدينية في وجد الرسول
صلى الله تعالى عليه وسلم وتمايل جسده النوراني لدرجة
سقوط البردة المباركة عن كتفه الشريف عند سماعه الأبيات الآتية :
يـا من يُحب أنين العبد والندم*** يا من لديه دواء الداء والسقـمِ
نـام العيون وعين العبد ساهرة*** تبكي ببابك وسط الليل في الظلـمِ
لا تقطعن رجائي فيك يا صمدي*** يـا غافـر الذنب للراجين بالكرمِ
ارحم بفضلك لا تنظر إلى عملي*** إن الكريم كثير العفو عن خــدمِ
ويروى انه صلى الله تعالى عليه وسلم لم يلبس بردته
تلك بعد ذلك وتم تقسيمها بين الصحابة تبركاً.
وروي انه سُمع سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه
يتغنى بين مكة والمدينة فقال سليمان: سبحان الله !! أتفعل هذا وأنت محرم ؟
فقال سعد : يا ابن أخي ، وهل تسمعني أقول هجرا
وروى عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم
مرَّ ببعض المدينة فإذا هو بجوارٍ يضربن بالدفوف ويتغنين ويقلن :
نحنُ جوارٍ من بني النجار*** يا حبذا محمد من جار
فقال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم : اللهُ يعلمُ إني لأحبكُنَّ
وقد أجاز الإمام القشيري رضي الله عنه : السماع مستنداً في ذلك
إلى القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة فيقول في تفسير الآية الكريمة :
الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ
إن الله ذكر القول على وجه العموم ومعنى العمومية أنَّ
الغناء متضمن في القول لذلك فهو جائز ولا حرمة فيه أما
الأشعار فمن الثابت أنها أنشدت بين يدي رسول الله صلى الله تعالى
عليه وسلم وانه سمعها ولم ينكرها ، فإذا جاز سماع الشعر بغير
لحن فيجوز كذلك الحكم بأن تسمع الألحان ، ويروي القشيري في حفر
الخندق أنَّ الأنصار كانوا يحفرون فجعلوا يقولون :
نحـن الذين بايعوا محمــدا*** على الجهاد ما بقينا أبــدا
فأجابهم الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم :
اللهم لا عيش إلا عيش الآخره*** فأكرم الأنصار والمهاجـره
ولهذا لما سئل الشيخ الجنيد قدس سره عن السماع قال :
كل ما يجمع القلب بالله فهو جائز .
وقال أبو طالب المكي : إن طَعنَّاً على السماع طَعنَّاً
على سبعين صديقاً .
ومن الفوائد الروحية للسماع ما ذكره الشيخ السري السقطي قدس سره
حين قال : تطرب قلوب المحبين إلى السماع ، وتخاف قلوب التائبين ،
وتلتهب قلوب المشتاقين ، وقيل للنصراباذي : انك مولع بالسماع !
فقال : نعم هو خير من أن تقعد وتغتاب إن سماع المريدين
إلى المدائح النبوية الشريفة ومناقب مشايخ الطريقة المنيفة ،
يؤدي إلى إثارة كوامن النفوس ، وتهييج مكنونات القلوب ،
بما فيها من الأنس بالحضرة القدسية ، والشوق إلى الأنوار المحمدية،
فالسماع يثير أحوالهم الحسنة ، ويظهر وَجْدَهم ، ويبعث ساكن
الشوق ويحرك القلب ، ولما كانت قلوبهم بربهم متعلقة ، وعليه عاكفة ،
وفي حضرة قربه قائمة .
فالسماع يسقي أرواحهم ، ويسرع في سيرهم إلى الله تعالى ،
لأنه انفعال روحي مع الحال الذي تُكوّنه أجواء الذكر المفعمة
ببركات المشايخ الوفيرة التي تعم الذاكرين جميعاً، حيث ينتقل المُريدون
إلى عوالم جديدة من الغبطة والحضور ، قال تعالى :
فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ
فيتمايلون يميناً وشمالاً ويقومون بحركات غير إرادية ناتجة
عن الجذبة الحاصلة من سمو أرواحهم والتقائها
بأرواح المشايخ وتلقي الفيض الرباني منها ، قال تعالى :
إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً
وقد سئل الشيخ قدس سره : ما بال الإنسان يكون
هادئاً فإذا سمع السماع اضطرب ؟
فقال : إن الله تعالى لما خاطب الذر في الميثاق الأول بقوله
: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى ،
استغرقت عذوبة سماع الكلام والأرواح ،
فلما سمعوا السماع حركهم ذلكمن هنا أكد الإمام الغزالي
على قيمة هذا الانفعال الإنساني تجاه الجمال بشتى صوره وألوانه فقال :
من لم يحركه الربيع وأزهاره والعود وأوتاره فهو فاسد
المزاج وليس له علاج
ولهذا على المريد ان يطلع على الآداب الخاصة بهذه المجالس
وان يحاول الالتزام بها لتعم الفائدة الجميع وهي
على المريد أن يشارك المداحين خصوصا في قصائد مدح
الحضرة المحمدية المطهرة لأن مدح الرسول صلى الله تعالى
عليه وسلم وذكره بصوتٍ عالٍ مما تعم به البركة وتتنزل به
الرحمة وقد قال تعالى في الحديث القدسي :
جَعلتُ ذِكرَكَ ذِكري وحُبَكَ حُبي
.
أن يكون مصغياً ، حاضر القلب ، قليل الالتفات إلى الجوانب ،
متحرزاً عن النظر إلى وجوه المستمعين وما يظهر عليهم
من أحوال الوجد ، مشتغلاً بنفسه ومراعاة قلبه ومراقبة
ما يفتح الله تعالى له من رحمته في سره .
أن يوافق إشارات الشيخ في الهدوء والسكينة أو القيام إذا قام
للدعاء أو للذكر ، وان لا يغيب عن النظر إلى الشيخ دائماً .
أن يكون متحفظاً عن الحركة التي تشوش على أصحابه
قلوبهم كالقيام من غير سبب موجب أو شق الصفوف
للجلوس في مكان متقدم على الآخرين وغيرها ، فيكون
ساكن الظاهر، هادئ الأطراف متحفظاً عن التنحنح والتثاؤب ،
متماسكاً عن سائر الحركات على وجه التصنع والتكلف والمراءاة ،
ساكناً عن النطق في أثناء القول بكل ما عنه بد ، فإن غلبه الوجد
وحركه بغير اختيار فهو فيه معذور غير ملوم ، ومهما رجع إليه الاختيار
فليعد إلى هدوئه وسكونه .
على الشعراء والمداحين أن يلتزموا خلال تنظيم القصائد
التي تُسمع في مجلس الشيخ أو داخل التكية أن تقتصر على ذكر
الله تعالى والحضرة المحمدية المطهرة وأسماء أئمة ومشايخ
سلسلة الطريقة الكسنـزانية فقط ، وذلك لأن ذكر أسماء لمشايخ
وأولياء من غير السلسلة الخاصة بالطريقة يقطع المدد ،
مما يجلب الوحشة في قلوب المريدين ويذهب ببركة
مجلس المدح والإنشاد الصوفي
.
عدم كتابة البسملة أو اسماً من أسماء الله الحسنى أو اسم
الرسول الكريم صلى الله تعالى عليه وسلم أو أسماء مشايخ الطريقة
على الدف أو الطبلة ، لأنها قد تكون معرضة للإلقاء كيفما اتفق ،
وحين يضربون الدفوف أثناء الذكر يضربون بقوة على هذه الأسماء
وهذا مخالف لآداب الذكر ومجالس السماع ، وإذا كان لابد من الكتابة
فينبغي أن تعلق هذه الدفوف التي كتبت عليها تلك الأسماء الشريفة في التكية تبركاً .