الآداب في الطريقة الكسنزانية
الطريقة : هي التطبيق الظاهري والروحي للكتاب الكريم
والسنة المطهرة ، وهي التطبيق الحي لما كان عليه صحابة
رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في إتباعهم لأقواله
وأفعاله وأحواله وتأدبهم معه في حضوره وغيابه
صلى الله تعالى عليه وسلم ، فقد ربى رسول الله
صلى الله تعالى عليه وسلم صحابته الكرام على الخلق الحسن
والآداب الربانية كما لم يسبق لهذه التربية من مثيل ،
وذلك لأنها تربية لم تقف عند حدود الوعظ والإرشاد ،
بل كانت مصحوبةً بالتأثيرات الروحية والنفحات النورانية ،
التي ما فتئت تلين القلوب وترقق الأفئدة وتشفف النفوس ،
فتحولها من الفظاظة والغلاظة إلى اللين والبساطة ،
وصدق الله العظيم حين قال : فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ
وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ
وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى
اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ
.
وهذا من الآداب الإلهية التي أشار إليها رسول الله
صلى الله تعالى عليه وسلم في قوله :
أَدَّبني ربّي فَأَحسنَ تأديبي ، وهي الآداب التي زرعها
رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في قلوب أصحابه
لأنه وكما قال تعالى عنه صلى الله تعالى عليه وسلم
: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ.
فبالرحمة ذاتها أدَّب رسول الله صلى الله تعالى عليه
وسلم صحابته الكرام حتى صاروا كالنجوم بأيهم اقتديتم
اهتديتمإن رحمة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم
المرسلة للعالمين لا يحدها زمان ولا يحصرها مكان ،
فهي تشمل بعين عنايتها الأولين كما تشمل الآخرين ،
وهي ذاتها التي باركت ونفعت الصحابة الكرام فإنها
تبارك وتنفع التابعين وتابعيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ،
وما ذلك إلا لأن نور الله الذي أنزله بالهدى ودين الحق
حي باق لا يطفأ ولو كره الكافرون .
وإذا كان الصحابة الكرام رضي الله عنهم قد استفادوا
من تأديب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حساً ومعنىً ،
فإنَّ لنوره الطاهر وروحانيته المباركة ورثة روحيين حملوا
أمانة التربية والإرشاد ودعوا إلى الله بإذنه ، فكانوا
سراجاً منيراً في أزمانهم ، وأعلاماً للخير والصلاح بين أقوامهم ،
أولئك هم أئمة الهدى ومشايخ التقى ، مشايخ الطريقة الذين
لا يزالون يتوارثون النور المحمدي يداً بيد إلى يومنا هذا ،
يحافظون بذلك على الأحوال السنية ، والآداب المرضية
التي جاء بها رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لأمته
من يوم ظهوره إلى آخر الدهر ، ولهذا قال الإمام الغزالي :
« الشيخ في قومه كالنبي في أمته ، ومن ليس
له شيخ فالشيطان شيخه » ، وكذلك قال الشيخ
أحمد الرفاعي الكبير قدس الله سره :
« الشيخ في قومه كالنبي في أمته ، والشيخ سُلَّم
الفقير يصل به إلى معالي الأمور وقد وضح الشيخ
قطب الدين الدمشقي الأمر أكثر فقال :
« قال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم
: الشيخُ في قومهِ كالنبيُ في أمتهِ و علماء أُمَّتي كأنبياء بني إسرائيل ،
فكما أن الشيطان لا يمكنه التمثل بصورة النبي
صلى الله تعالى عليه وسلم ... فإن الشيطان لا يمكنه
التصور بصورة الشيخ المتابع للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم
فيبقى المريد محفوظاً.
فشيخ الطريقة مثل النبي صلى الله تعالى عليه وسلم
في كل شيء إلا النبوة ، فهو نائبه ووكيله العام ،
والوكيل كالأصيل ، أي انه مثله ولكن بما يتناسب
ومرتبة الولاية التي اختص بها ، فكما أن النبي داعٍ
إلى الله بإذنه ، فكذلك الشيخ ولكنه داع إلى الرسول صلى الله تعالى
عليه وسلم الداعي إلى الله تعالى .
وكما أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم الواسطة بين
الخلق والحق ، فكذلك الشيخ ، لكنه واسطة بين المريد
والرسول صلى الله تعالى عليه وسلم .
وكما أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يدعو بالحكمة
وهي المعجزة ، فكذلك الشيخ يدعو بالحكمة ولكنها الكرامة .
وكما أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم معصوم في
أقواله وأفعاله وأحواله ، فكذلك الشيخ ولكنه محفوظ في ذلك .
وكما أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أمين الوحي ،
فكذلك الشيخ ولكنه أمين الإلهام .
وكما أن الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم لا ينطق
عن الهوى ، فكذلك الشيخ ولكنه في الاقتداء به ظاهراً وباطناً ،
لهذا قال الشعراني : « الشيوخ رضي الله عنهم نواب
الشارع صلى الله تعالى عليه وسلم في إرشاد جميع الناس ،
بل هم ورثة الرسل على الحقيقة ، ورثوا علوم شرائعهم
غير أنهم لا يشرعون ، فلهم حفظ الشريعة في العموم ،
وما لهم التشريع ، ولهم حفظ القلوب من الميل إلى غير مرضاة الله ،
ومراعاة الآداب الخاصة بأهل الحضرة الإلهية
وما قول أهل الطريقة بذلك إلا تلخيصاً لتلازم علاقتين روحيتين ،
البرزخ الوسط بينهما شيخ الطريقة وهما :
العلاقة الروحية بين الشيخ وحضرة الرسول
صلى الله تعالى عليه وسلم من جهة والعلاقة الروحية بين
الشيخ وقومه من جهة أخرى .
ففي العلاقة الأولى : يكون الشيخ وارثاً روحياً
لأقوال الحضرة المحمدية المطهرة وأفعاله وأحواله ،
فانياً في نوره صلى الله تعالى عليه وسلم .