منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى المودة العالمى

ســـاحة إلكـترونية جــامعـة
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 الانسانيـــــــــــــــــــة ـــــــــــــ من مؤلفات مولانا القطب الغوث الفرد الجامع سيدى سلامه الراضى

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
صبرى الشافعى




ذكر
عدد الرسائل : 23
العمر : 70
تاريخ التسجيل : 20/03/2011

الانسانيـــــــــــــــــــة ـــــــــــــ من مؤلفات مولانا القطب الغوث الفرد الجامع سيدى سلامه الراضى Empty
مُساهمةموضوع: الانسانيـــــــــــــــــــة ـــــــــــــ من مؤلفات مولانا القطب الغوث الفرد الجامع سيدى سلامه الراضى   الانسانيـــــــــــــــــــة ـــــــــــــ من مؤلفات مولانا القطب الغوث الفرد الجامع سيدى سلامه الراضى Emptyالأحد أبريل 03, 2011 5:50 pm

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد أفضل الخلق أجمعين ، ثم الرضا والتسليم عن مولانا الامام البر الرحيم سيدى سلامه ابن حسن الراضى وخلفائه ومحبيه أجمعين ــــــــــــــــ وبعد
يشرفنى أن أقدم لكم كتاب الانسانيه من مؤلفات مولانا الامام القطب الغوث الفرد الجامع سيدى سلامه الراضى رضى الله عنه وأرضاه
من اعداد وتنفيذ القثير
لا تحرمونا من صالح دعواتكم





الانسانيـــــــــــــــــــة
للأمام العارف بالله
سيدى سلامه الراضى
شيخ ومؤ سس الطريقة الشاذلية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ، والصلاةوالسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه . وبعد فإن من تأمل فى الكون وتفكر، وأمعن النظر وتدبر ، عرف بعض ما فيه من الآيات البينات ، وتجلت له الأسرار الباهرات ، وإن مما خلقه الحق وأبدعه ، ودقائق الصنع أودعه : جسم الانسان الذى أتقن الله صنعه ، وأودعه من سر الفكر ما أودعه . ولقد طالما كنت أفكر فيه ، وأتامل فى ظاهره وخافيه حتى سالنى من إشاراته حكم ، وتلبيته غنم ، أن أكتب شيئا على قوله تعالى :
"فلينظر الانسان مم خلق . خلق من ماء دافق . يخرج من بين الصلب والترائب "
فلم يسعنى إلا ان ألبى الطلب، فكتبت هذه الرسالة ؛ وسميتها (الانسانيه) وأتيت فيها بما ظهر لى ، سالكا فى تحريرها سبيل الايجاز ، متوخيا فيها طلب الحقيقة على قدر الامكان . وأرجو ممن يطلع على رسالتى هذه ، أن يسبل ثوب الستر على ما فيها من الهفوات ، وليصلح ما يراه من الخلل . فلقد قيل جل من لا عيب فيه وعلا . لاسيما وقد كتبت هذه الكلمات خلسة لكثرة المشاغل . وعلى الله أتوكل وهو حسبى ونعم الوكيل . وأعلم- علمنى الله واياك – أن الانسان ذو جسم وروح . والمسمي بالانسان مجموعهما . ولا تظن المجموع ثالثا غيرهما . وهذا هو مذهب اهل السنة ، لأن التكليف الشرعى والنعيم والعذاب الأخروى واقع على الانسان جسما وروحآ . وقال بعضهم : أن الانسان هو الروح ليس إلا . وهذا الروح عاقل ، مفكر ، يسمع ، ويبصر ، ويحس ، ويتخيل ، ويحفظ الخ .وإنما الجسم لباس له ، فيلبس فى كل عالم لبسه من جنس العالم الذى يدخله . فإذا كان فى الملكوت لبس جسما نورانيا ، واذا كان فى الدنيا لبس لباسا هو ذلك الجسم الترابى من جنس عالم التحليل والتركيب والكون والفساد ، فإذا مات دخل عالم البرزخ فكان لباسه برزخيا ، فإذا قامت قيامته لبس جسما بحسب الآخرة الأبدية فكان لباسه أبديآ . وأعلم أن جسمه الترابى الذى يلبسه فى هذه الدار لا يفارقه أبدا فى كل حال ، ولكن إذا فاجأه الموت ، وانخلعت الروح . عن العالم ، وبطل تعلقها بمشاغله ، انجمعت همتها ، وتوحدت وجهتها الروحانيه ، فأصبحت ذات تاثير روحانى فوق الترابى تصرفا فوق الطبيعة ، فترفعه إلى أفقها ، فبصبح حكمه حكمها ، لا تحصره الأمكنة وليس له مقدار ولا حصر ، فينفذ فى الجدران من غبر أن تنفتح الجدران ، أو ينفذ من مسامها . وعلى مذهب القائلين بذلك لا يفنى الانسان ، بل ينتقل من عالم إلى عالم . وكل نقلة تسمى موتا باعتبار ما انتقل إليه . وهناك قوم ذهبوا , إلى أن الأرواح لما كانت فى ذاتها منزهة عن الصورة والجسمية والعرضية ، والاتصال والدخول والخروج ، والزمان والمكان، كان تعينها بألباسها . وإذن لابد لها من ثوب تلبسه لا يكون غير هذا البتة . فإذا تمزق ثوبها ولم يعد صالحا لها ، ولا لسكناها ، صرفت وجهها عنه ، وتقمصت جسما آخر بأمر الحق تعالى ، فتدخل حيوانا آخر وهكذا ، وهذا هو مذهب التناسخيين واستدلوا علية بمثل أمراض الاطفال وتألمهم ، وأمراض البهائم وشقائها ، فإن هؤلاء ليسوا بمكلفين ، ولا ذنوب لهم . حتى يقال إن ما حل بهم كان عقابا لهم ، وقالوا إذا عذب الحق هؤلاء من غير ذنوب كان ظالما ، وهو سبحانه منزه عن الظلم . فإذن كانت آلامهم عقابا لأرواحهم على ذنوب سلفت لتلك الأرواح قبل تعلقها بأبدان الأطفال والحيوانات . ولهم على ذلك كلام طويل لسنا بصدده وهذا المذهب وأن كان يقول به مئات الملايين ولكنه مذهب ساقط لا يعول عليه . وقد ذهب أهل هذا المذهب ، ومعهم فلاسفة اليونان ، إلى أن الحشر فى الآخرة روحانى لا جسمانى . قالوا إذا كان أديم هذه الأرض التى نطأها من تراب تلك الأجساد التى بليت والعظام التى نخرت ، ويتكرر خلق الانسان والحيوان منها فكيف يعاد الانسان بجسمه الذى دخلت ذراته فى تركيب مئات الملايين من الحيوان ؟ وقالوا ان الجسم الذى يؤخذ من هذه الارض يكون مركبا من أجزاء فردة وكل مركب من جواهر فردة فهو من عالم التحليل والتركيب وقابل للفناء والدثور ، وأن الابدية غبر قابلة للفناء فلا يصلح أن يكون هذا الجسم الترابى أبديا ، وإذن لا يكون الحشر جسمانيا . ولقد فات هؤلاء ، أن الروح إذا ظهرت بقوتها التى هى فوق الطبيعة ، أخذت جسمها من الأرض أخذآ فوق الطبيعة ، لا تحكم للعقل القاصر عليه ، بل قال بعضهم : قد يجوز أن يعيد الحق تعالى من ذرة واحدة – أى جوهر فرد – جسم الانسان فى الآخرة . وعلى كل حال فإلانسان ذو جسم وروح ، والدليل على وجود الروح أنك ترى الانسان عاقلا مفكرآ ،لا تصدر أفعاله بغير إرادة أو مصلحة . ولا قائل بأن الجماد عاقل ، فلو كان الانسان جمادا من غير روح كما قيل :

والذى حارت البرية فيه ــــــ حيوان مستحدث من جماد

لكان قولا بأن الجماد عاقل مفكر ، وهو قول ساقط لا يقول به عاقل . وإذن لابد ان يكون المفكر فى الانسان شيئا كائنآ وراء الجسم ، ولو كان هذا الكائن جسما آخر لاحتاج إلى مفكر من وراءه فيتسلسل الأمر ، وهو بديهى البطلان ، فوجب أن يكون المفكر ليس بجسم . ولو كان هذا المفكرمركبا ، لكان جسما ، فهو ليس مركبا ، وكذلك لو كان له طول أو عرض أو عمق لكان خطا أو سطحا كريا أو هرميا أو مكعبا .. الخ وقد بطل كونه جسما ، وحيث ثبت أنه ليس بجسم ، فلا يحل مكانا ، ولا يحله ، وليس له أول كأولية الأجسام ولا أخرية . وأذا أردت دليلا فانظر إلى صورك الخيالية فى أى مكان هى . مع انها ليست روحانية محضة بل برزت باستعداد اتصال تصرف الروح بالجسم . ثم إذا مات الانسان وبقى جسمه لم تجده يتحرك ، فلو كان الجسم هو العاقل لتحرك ما دام باقيا . ولو قيل بان اعتدال مزاج العناصر الكيماوية هو الروح ، للزم عليه أن يكون الجماد عاقلا . ولو كان الجسم عين العقل لكان الميت يتكلم ، لبقاء جسمه بعد موته ، ولكان كل جسم عاقلا ، والمشاهدة تكذب . ثم إن وزن جسم الانسان الميت لا يختلف عن وزنه فى حال حياته إلا بمقدار ما فقده من الهواء وبعض الأغذية ، وهذا يدلك على أن الروح ليست بجسم . والا كان وزن الجسم بعد الموت أقل بكثير مما كان فى حياته . ولقد حاول داروين أن يتخلص من القول بالارواح ، فلم يستطيع ، وكان آخر قوله أن الحق نفخ الأرواح فى النسمات الأولى ذات الخلية الواحدة ، ثم ارتقت الأنواع ، وانتقلت حتى وصلت إلى الانسان كما يعرف من تتبع مذهبه . وأعلم ان هذا القول وإن كان فيه الاقرار بوجود الحق والأرواح ، ولكنه باطل من جهة القول بأن الأنواع سارت فى النشوء والارتقاء . فإنه قد وصل فى مذهبه إلى القول بأن الانسان آت من القرد ، وإن بينهما سلسلة مفقودة واستدل على ذلك بشىء من التشريح ، حيث وجد مشابهة بين القرد والانسان ، على أنه لم يسلك فى مذهبه طريق البرهان بل بناه على الوهم والحدس والتخمين . ولقد راينا ان كل حيوان متسلسل بين نوعين لا يتناسل : كالبغال، وكالحيوان المتناسل بين البقر والخيل المشهورة عند العامة بالسيسى . ومن أين جاء لداروين هذا الارتقاء والتغير الذين يدعيهما فى عشرات الملايين من السنين ؟؟ وأعلم ان الحق تعالى لما أراد بقاء هذا العالم إلى الوقت الذى أراده ، جعل الحيوان ذكرا وانثى ، وركب فى الذكر والانثى ميلا غريزيا مصحوبا باستحسان الذات . فإذا استحسن ذاتا ، دعاه حكم الميل إلى مقاربتها، فإذا تلاصقا . قوى الميل ، وتلذذت الروح باتصال جسمها بذلك الجسم المستحسن ، فإذا ازدادت حرارة الجسم ، ترتفع حرارة شهوته ، فترتخى أوعيته، فيندفع ذلك الماء الذى طبخ فى خصيته إلى عروقه المنوية ويخرج متدفقا فى مجراه الذى جعل ذا تركيب مستعد بأعصابه إلى الانتشار، فيجرى ذلك الماء فى المهبل . حتى إذا اتصل بالبويضات فرزته وقبلت منه ما يصلح ، وفى ذلك الوقت يكون الرحم قد انفتح لقبول ذلك الماء . حتى إذا استقر فيه، انطبق عليه انطباقا محكما فصار فى قرار مكين ، وهذا الماء هو خلاصة الانسان وفيه كل ما هو مركب منه ، فكان استقراره فى الرحم كالبذرة من النبات توضع فى الارض فينشأ الزرع بحسب قابلية تلك البذرة وقابلية تلك الارض، فما صلح خرج نباته ضعيفا . فإذا كان فى الاب مرض كان مودعا فى تلك الخلاصة التى تسمى بالمنى ، فإذا نشأ الانسان منها كان ذلك المرض موروثا من أبويه ولكن هذه الوراثة لا تماثل مورثها مماثلة تامة ، فقد يقاوم المرض وصف قام بالوارث من أمه أو من غذائه ، أو من الراحة أو الهواء أقليمه الخ . وقد ينتقل المرض فى الوارث إلى عضو آخر غير العضو المريض فى المورث فإذا كان المرض فسادآ عاما فى الدم ، ظهر ذلك المرض فى جسم الوارث . وقد يكون الطفل الذى يولد فى حالة كبر سن أبيه غير الطفل الذى فى شباب أبيه . ومن يولد فى أقليم حار غير من يولد فى أقليم بارد ومن يولد فى فرح غير من يولد فى غم وكدر لأن الفرح والكدر إذا داما طويلا أثرا فى الجسم، فإذا اخرج خلاصة التناسل كانت بحسب حالة الجسم . وقد خيل لبعض الناس أن من ينظر فى المنى بالنظارة المكبرة أى الميكرسكوب ، يجد كل ذرة من المنى إنسانا كاملا ، وإنهم إذا حلوا فى الرحم مات غالبهم وبقى واحد أو أثنان أو ثلاثة أو أربعة وذلك آخر ما يمكن للرحم أن يسعه ، فإذا بقى أزيد من ذلك تنازعوا البقاء فهلكوا أو هلك بعضهم وبقى البعض . وهذا القول فاسد باطل من وجوه عدة فلا طائل تحت الاسهاب فى بطلانه . ولقد جعل الله للأنثى ماء كما ان للرجل ماء . فإذا التقى الماء ان كان ماء الرجل عاقدآ لماء الأنثى، حتى بالغ بعضهم فقال : إن الأنثى إذا وجدت الحرارة الكثيرة فى مائها حملت لأن حرارة مائها تجعله ينعقد من غير احتياج إلى ماء الرجل . ولكن الولد الذى يجىء منها لا يتناسل ، كالدجاجة التى تبيض من غير سفاد ، ويقال لبيضها ريحى ، ولا يكون فيه فرخ . ولنعرض عن هذا القول إذ لسنا بصدده . فنقول إن كل ماء هو خلاصة الجسم الذى أتى منه . وكل ماء جسم مركب من معادن مختلفة : ففيه الحديد والنحاس والرصاص والذهب والفضة . إلى غير ذلك من المعادن والعناصر البسائط . وبعض هذه العناصر قد كمل وجوده . وبعضها قد نقص عن كماله . فقد يكون ذهبه لم تكمله الطبيعة فانحط عن كماله , وكذلك بقية معادنه وعناصره , وقد تسوى الطبيعة هذه المعادن حال وجودها فى الرحم بواسطة الحرارة والرطوبة . فيكمل المعدن الناقص ، وقد يقف لا يتقدم ولايتأخر . وقد ينقص عن كماله أو يزداد نقصانه بحسب المواد الكيماوية التى تنصب إليه من جسم الأم ، والأمراض التى تصادفها . وأعلم أن هذه التسوية المعدنية لا تظهر لكل ناظر ، بل هو كمال ونقص لبعض الجزئيات المركبة من أجزاء فردة ، إذ المعدن ليس هو عنصرا بسيطآ بل مركبا من عناصر مختلفة ، وأما العنصر فهو ما تشابهت أجزاؤه فى الخاصية . إذ لا تتفاضل الاجزاء لذاتها وإنما التفاضل بالخواص . وما يقال من أن الذهب والفضة بسائط أو أن الماء مركب من جزئين بسيطين غير الاجزاء التى يحملها حال سيره ، وان هذه البسائط لا تقبل التحليل ، فهو قول قد كشف العلم فساده ، إذ تمكن الباحثون من تحليل أحد جزئى الماء ، وصرحوا بأنه يجوز أن ياتى زمن يتيسر للعلم أن يحلل الجزء الآخر إلى أجزاء متعددة وأعلم أن الكون كله مركب من أجزاء كالهباء ، انفتحت فى الغيب الذى تتلاشى العقول أمامه . إذ لا يتصور العقل أينية مجموع الكون كله ، وما يقال من أن أجرام الكون فى فراغ لا نهاية له فهو قول ساقط عند المدققين فإنه لا دليل عليه . وكل قول بلا برهان أمكن كل أنسان أن يدعيه . ثم أن ذلك الهباء كان يدور دورة كرية بحكم الجذب والدفع والمسك والتضريس والثقل النوعى والمرونة ، والرطوبة والحرارة والقصور الذاتى والاصل فى الدوران الحرارة والرطوبة اللتان هما على طرفى نقيض . فكلما قوى أحدهما طرد الاخر والرطوبة بها التماسك ، والحرارة بها التحليل لانها لخفتها تطلب الأعلى ، فتنفذ بلطفتها من مسام الاجسام ، فتحلل تركيبها. وليست النار هى اللهيب إذ هو هواء أختلط بالمواد الدهنية المتصاعدة من الجسم المحترق ومن الاجزاء القابلة للاحتراق من الهواء ولو وضعنا على اللهيب إناء منع الهواء عنه لانطفاء اللهيب فى الحال ولم نجده . وكذلك ليست النار هى لون الفحم الذى صار جمرآ . فذلك مكتسب من الهواء ، ولوغطيناه لوجدناه أسود مع وجود النار فيه ، كالفحم الناعم المشهور بالسن . وأعلم أن أجزاء النار تسرى إلى بعضها ، فإذا وضعنا جمرة فى خشب أتصلت الاجزاء النارية التى فى الخشب بالجمرة فظهرت لتكاثف بعضها على بعض ، فإذا ظهرت والهواء أثقل منها ضغط عليها يطلب مركزه فيطرد النار إلى الأعلى فتسرى النار متخللة أجزاء الهواء . ولا يخفاك أن الهواء يشبه بحرآ عظيما ، عجاجا ، متلاطم الأمواج ، فإذا وجد فيه بعض الاجزاء النارية تلاشت تلك الاجزاء القليلة بين ذرات الهواء التى هى كالبحر ، وربما يوجد فى الهواء بعض الحرارة بسبب تلك الاجزاء النارية المنبثة فيه . وقد تمكث فيه زمنآ وهما يتعالجان ويتغالبان فلو قويت النار على الهواء باجتماع أجزائها بكمية عظيمة أحرقت الهواء ونفذت فيه . ثم أن الهواء يحمل معادن كثيرة من الذرات البسيطة المعدنية . ففيه ذهب وجير وفضة وفحم وغير ذلك من الأجزاء . فضلا عن ماء يحمله الهواء ورطوبة كثيرة أو قليلة ، وربما يذوب بعض الاجسام أو يتحلل، وتتعالج الرطوبة مع النار . واعلم أن معنى كون الماء يطفىء النار أنه يجعله رطوبة ضد النار ، فإذا القيت بعض الماء على النار أجتمع رطوبة وحرارة فتهرب إحداهما إذ هما ضدان لا يجتمعان ، فتصعد النار طالبة مركزها الأعلى ، فإذا صعدت أجزاؤها صادفها فى طريقها بعض أجزاء الماء ، فأخترقتها النار للطافتها ، ولكن لما كانت أجزاؤها المتصاعدة بكمية وافرة متراكمة حملت فى طريقها أجزاء دقيقة من الماء وذلك هو البخار ، وهو عبارة عن أجزاء من الماء حملتها النار . فإذا حل الماء فى الرحم وأمد من الأم بالأجزاء التى تنميه ، وهو فى ذلك محفوظ من التعفن لستره عن الهواء ، تجمد شيئا فشيئآ ثم امتد ثم ابتدأ انطباع الصورة فيه ، وتخلقت أعضاؤه ، حتى ما استتم خلقه وتصويره ، وصار جسما كاملا يصلح لسكنى الروح ، دخلته الروح فتحرك ، حتى قال بعض الفلاسفة ما استوجبت المادة صورة إلا كان حقا على واهب الصور أن يهب لها تلك الصورة ويقاس على ذلك أن يستوجب الجسم روحا , ولا تفهم أن الواجب على الله بمعنى أنه مقهور على ذلك ، بل هو بحكم التفضل ، وحكم السنة التى لا تتبدل بوضع الله تعالى . وأعلم أن الله تعالى خلق الأرواح قبل الأجسام . ولكنها كانت مستورة فى الغيب ، فإذا تقارب الزوجان ظهر من اجتماعهما ومن بين روحيهما روح الولد التى كانت مستورة فى غيب روحانية صلب الأب إلى رحم روحانية الأم ، فسكنت فى المائين المتصلين بين الزوجين فكان النسل روحيا جسمانيآ ، فكانت روح الولد ناظرة إلى الماء الذى هو جسمها ، فيتشكل الماء بأمر الله على يد الملائكة المدبرات بحسب طلب تلك الروح الناظرة إلى الجسم ، وبحكم قابلية الماء ين والمكان والظواهر الطبيعية التى تحفه ، فينشأ إنسانآ ، يشبه أباه وامه ، وقد يؤثر عليه بعض الظواهر فينشأ ناقص الخلق . ومما يدل على أن التصوير بأمر حكيم مدبر ، أن النطفة إذا كانت تنمو بطبعها كان نموها على شكل الكرة لاستواء كل جزء من أجزائها ، ولكنا نرى أن الأجزاء التى تكونت منها الرأس أكثر من الأجزاء التى فى اليد ، ونجد للرأس غلافا من العظم متينآ يحفظ المخ . بخلاف البطن والعنق.فاذن لا يكون سيرالاجزاء على طريقة طبيعية, بل هى وضع حكيم مدبر عليم بالمنافع و المصالح , و لو تاملنا ما فى ذلك لانبهرت عقولنا ، إذ نجد فيه تركيبا دقيقا وصنعا عجيبا . فالأعصاب آلة للمخ تشبه أسلاك التلغراف تنقل إليه الحرارة والرطوبة ، والخشونة والملامسة ، واللزوجة ، واليبوسة ، وتنقل إليه الطعوم والروائح ، والاصوات وصور المرئيات . كل ذلك بواسطة الأعصاب إلى المخ . وهو الحاكم الذى يحكم بما أدركه من العلم قبل ذلك على كل شىء تنقله إليه الأعصاب ، وفيه العظم والأربطة والغضاريف والأوتار . وجعلت الاذن غضروفية لأنها لو كانت لحما لكانت مدلاة فلا يكون ذلك جمالا ولا تحصل به الحكمة من حفظ الأذن . ولو كانت عظما فى الوجه لكانت مشوهة له , وكانت بعيدة عن معنى الجمال ، فجعلت غضروفية بين اللحم والعظم ، وجعلت فيها تعاريج حتى إذا تحرك فم الانسان عند خروج الهواء من حنجرته وحصل القرع العنيف من الهواء الخارج من الفم على الهواء الخارج عنه انطبع فيه وتقطع الهواء تقطيعا بحسب حركات اللسان والشفتين والاسنان ، وحصلت تموجات هوائية ، فتتحرك الذرات المتجاورة فى بحر لهواء كتموج الماء ولا تزال متموجة متذبذبه بحسب ذلك السريان حتى تنتهى بسرعة عظيمة إلى الأذن ، فيدخل الهواء متموجا فى الأذن الغضروفية ، ولولا تعرجها لدخل الهواء فى الصماخ مندفعا ، فيؤثر على الرق ، فإذا لم يخرقه أضعفه ، ولا يزال يضعف حتى يبطل نفعه . وانظر كيف أن الرق أى الطبلة يكتنفه هواء من الداخل والخارج ، ويتصل به أعصاب توصل إلى المخ الأصوات ومن تأمل ذلك وجد أن صانع الفونغراف قد اختلس الصنعة من الخلقة . وأنظر إلى العين وطبقاتها ، وإنها جعلت على شكل مقوس ولو أستدارت لكان النظر لا يتجه إلا مستقيم ، ولكنها بنصف دائراتها خرج الضوء عل شكل زاوية منفرجة قاعدتها المرئى وجعل الحق بعض طبقاتها كالزجاج والبعض جليديا ، والبعض لانطباع الصورة فيه . وكيف غطيت بجفنين يحفظانها من الطوارى ، وجعل لهما اهدابا ، وجعل فوقهما حاجبين نبت فيهما الشعر زينة للوجه . وكذلك لو نظرنا إلى وضع أصابع اليد ، وراينا بعضها غير مساو للبعض فى الطول ولا محازيا له نجد الأصابع عند انطباقها صارت متساوية ووجدنا الأبهام يشبه القفل عليها ثم نجدها عند الانطباق تصلح للدفاع وعند فتحها لوضع الشىء وعند إمالتها تصلح مغرفة وعند إمالة أطراف الأصابع مجرفة وقد ركب فيها أظافر لا هى بالعظم اليابس ولا باللحم اللين ولا بالغضروف الذى ينثنى تصلح لهرش الابدان وإزالة قشور الفاكهة وأمثال ذلك . ثم لم يجعل الحق جسم الانسان قطعة واحدة بل ركبه من أعضاء كثيرة وجعل فيها مفاصل ربطها بالأوتار والأربطة حتى يستطيع الانسان أن يحرك أى جزء وحده . وجعل للانسان فكين وركب فيهما قواطع وأنيابا وطواحن فألاسنان للقطع والانياب للنهش والأضراس للطحن وجعل المتحرك هو الفك الأسفل لصغره إذ لو كان المتحرك الأعلى لكان منظره مضحكا . وجعل غددآ للعاب ولولا ذلك لما أمكن له أن يسيغ لقمة واحدة وجعل اللعاب ماء عذبا فلو كان غير عذب لتأذى به الانسان بخلاف ماء الأذن فإنه مر ليميت الدود لذى ربما يوجد فى الأذن بخلاف ماء الأنف فإنه متغير وماء العين فأنه مالح لأجل صيانتها ونداوتها وجعل للحنجرة غطاء يسمى المزمار يطبقه عند البلع . فإذا تم الهضم الأول ونزل الطعام إلى المعدة ابتدأ هضمها بحسب السن وكلما تقدم السن تأخر ابتداء الهضم وتاتيه الصفراء من الكبد بحرارتها إلى الطعام ولكنها لما كانت حارة جعل الله فى الظهر عضوآ يرسل للطعام مادة تلطف حدة الصفراء فقد يستعان على الهضم ببعض مادة ترشح من الطحال . فأذا استحال الطعام إلى مادة تشبه العجينة السائلة تمشى فى المعى والأمعاء الدقاق وجعل الضيق فيها لأجل أن يتأخر الطعام فى سيره حال وجود الغذاء فيه . وكلما قلت المادة الصالحة للغذاء لا يحتاج إلى تأخر فى سيره . وقد جعل الله شيئا يشبه الدهن متصلا بالمعى والأمعاء تسرى فيه مادة الغذاء فينقله إلى القلب وهناك يحصل نضجها فتكون دما اميل للسواد . وبواسطة حركة الدفع المسماة بالنضح يصل الدم إلى الرئتين الاسفنجيتين المتحركتين حركتى الشهيق والزفير . فإذا دخل الهواء ولقى الجزء الصالح من الهواء ذلك الدم فى الرئتين صار أحمر ثم يميزه الكبد . فإذا كان صالحا ناوله للقلب قيدخل إليه من تجويفه الخاص به ثم يتوزع على العروق التى جعلها الله فى الجسم شبه المواسير . وقد جعل الله بين العروق نسيجا يشبه الشبكة يسرى فيه الدم فأى مكان جرحته تجد فيه دما يسيل . وجعل الدم كرات لأن الجسم الكروى أميل للبقاء وكلما كان الدم فى الطقس البارد كان أقرب إلى اللون الأحمر المشرق . وكلما كان فى جو حار كان الدم أحمر قاتمآ ، ولذلك كانت كثرة تعاطى الليمون مثلا تحل لون الدم ، فعدوا البارد الشديد البرودة من السموم وكذلك الحار الشديد الحرارة أيضا . إذ السم الحار يهيج الدم فيفسده والبارد يحله ويفسده وذلك ظاهر فى سم الأفاعى والعقارب فإذا وجدت فى الجسم كمية عظيمة من الرطوبة الشديدة وجاء الدواء الذى فيه سم حار معادلا لتلك الرطوبة كمية أو قوة وكان التعادل تامآ حصل الشفاء . إذ بذلك يعتدل المزاج الذى هو الوسط الكيماوى الذى تحصل به المعادلة المسماة مزاجا . ولابد أن يراعى فى ذلك الزمان والمكان والحمى العارضة للجسم . والضعف والقوة ، والامراض الأخرى التى فى الجسم والأعضاء التى يمر عليها الدواء والغذاء والسن وكمية الدواء وغير ذلك . ثم إذا أمتلات العروق والشرايين بالدم أخذ القلب ما فاض منها . وقد وهم قوم أن الروح هى الأم ، وهو قول ساقط لا يعول عليه ، ولا يؤيده برهان ولا عقل ولا شرع . فإذا انتهى الطعام إلى الأسفل وصار ثقلا بقى هناك بالقوة الماسكة حتى يخرجه الانسان بإرادته . وقد جعل الله للماء مرشحين يرشحانه . فينزل إلى المثانة من الكليتين ماء صافيا حتى لا يعتريها الفساد ، وكلما كان الماء غير نظيف انصب ما فيه إلى المثانة وتجمد وصار يشبه الحصى ، وقد يتجمد فى المثانة أو مجرى البول ، وقد يحدث جرحا أو سدآ وربما أحدث حمى فى المثانة . والتهابآ قد يؤدى إلى الموت . وقد جعل الله الاضلاع كالقفص ، لتحفظ الأعضاء الرئيسية ولم يجعل للبطن قفصا ليتمكن الأنسان من الشبع . وقد أتقن الله صنع الانسان فجعله مركبا من عظام فوق المائتين والأربعين عظمآ غير العظام الذى تشبه الحشو ، فجعل الراس مركبا من عظام تزيد على العشرين عظمة غير الأسنان ، والأضراس ، والأنياب ، وجعل الرقبة مركبة من سبع خرزات فيها انحراف وزيادات ونقصانات لأجل انطباق بعضها على بعض ، وجعل عظام الظهر نحو أربع وعشرين خرزة غير عظم العصعص والعجز وجعل فى الأسنان فوق الخمسمائة عضلة بلحمها وأعصابها وأربطتها وأغشيتها على اختلاف أشكالها ، وجعل منها للعين نحو أربع وعشرين عضلة لو اختلت واحدة لسرى الفساد إلى العين فتبارك الله أحس الخالقين . وقد زعم بعض الفلاسفة أن الانسان هو الرأس فقط لأنه يحتوى على المخ الحاكم والسمع والبصر والذوق والشم ، ويأتيه الحس بواسطة الأعصاب من سائر الجسم ، و قالوا ان بقية الاعضاء اما ان تكون آلات مجهزة له كالقلب و الرئتين والكبد المعدة وغيرها ، واما ان تكون آلات لتحصيل اغراضه : فاليد يتناول بها ، والرجل يسير بها إلى حيث يشاء ولما كان المخ أكبر حاكم فى الجسم ، وله الحس فى كل شىء وكان تركيبه دهنيا يتأثر بأقل شىء جعل الحق له محيطا من العظم مركبا من أجزاء كثيرة ليكون حافظا له . وقد جعل الله المخ قسمين قسما جامدا وقسما لزجا ، وكلما ازداد فكره كثرت التعاريج فيه ، فإذا أرتبك الفكر ظهر الارتباك فى التعاريج . والفكر يحدث حرارة فإذا أشتدت الحرارة ربما حدث جفاف فى المخ فأذا استعين عليها بالمواد الدهنية طلاء أو أكلا أو شربا ربما حصل الشفاء واكتسب المخ شيئا من اللين ، وقد يتأثر بسوء الهضم ، أو حمى المعدة ، أو فساد الدم، أو قلته أو كثرته ، أو حر أو برد ، أوانفعال نفسانى ، أو طارىء من جهة العين أو غيرها . وقد أتقن الله صنع الانسان فجعل فيه المائتين والأربعين عظما غير العظام الصغيرة التى تشبه الحشو فجعل فى الرأس فوق العشرين للقحف واللحيين غير الأسنان والأنياب والأضراس ، وجعل فيه فوق الخمسمائة عظمة لولاها لما أمكنه أن يتحرك . وجعل الطحال يخدم الكبد بجذب المادة السوداء والمرارة تخدمه بجذب المادة الصفراء فتبارك الله أحسن الخالقين . ومن عجيب أمر الله أن المراة لا تحيض مدة الولادة غالبا توفيرآ لقوتها وتنمية للجنين ويمكث بعضه فى المشيمة فينزل حال الولادة ويمكث ما تأخر من الجسم نازلا إلى شهرين غالبا إلى أن يحصل النقاء . ويكون وجه الجنين إلى ظهر أمه وقاية لوجهه وصدره من الطوارىء فإذا ابتدأ نزوله انقلب فكان رأسه أسفل لينزل برأسه ليسهل الوضع فإذا كانت بنتا كان ظهرها إلى القابلة وأما الولد فيكون وجهه إليها . ثم أن الحق تعالى يحول بدل دم الحيض لبنا من الثدى لأن الثدى من أعضاء التناسل كالرحم ولما كان الطفل ضعيفا لا تفوى معدته على الأطعمة الغليظة أنزل الله له لبنا رقيقا يسمى بالمسمار . وكلما قويت معدته ازداد اللبن دسمآ . فلذلك لا تصلح المرضع التى ولدت من سنة ، لأرضاع طفل عمره شهرين لأن لبنها لا يكفى لغذائه . ولما كان اللبن الصرف يورث عطشآ جعل الله فى الثدى عيونآ من اللبن وعيونا من الماء ليحصل الغذاء والرى معآ . وقد ألهم الله الطفل أن يلتقم الثدى وهداه إليه من غير أن يعقل ولم يعلمه أحد وعرفه كيف يمص اللبن مصآ ولا يزال اللبن فىالثدى مادام محتاجا الى الرضاع ولا يقوى على اكل الطعام فاذا قوى عليه ابتدات الاسنان تنبت فى فمه وانظر كيف ساق الله من الغذاء مادة الجير مصحوبا بالمواد التى تحفظها إلى الفكين ونبتت الأسنان على أشكال متنوعة بحسب المصلحة والحاجة وعلى عدد خاص . وكل هذا مما يكذب المتهوسين الذين خرجوا عن طور العقلاء وسموا أنفسهم بالماديين فأنكروا وجود الخالق جل شأنه وأعماهم الله عن الآيات الباهرات والتركيب العجيب والنظام البديع الذى لا تخلو منه ورقة ولاحيوان ولا يصدر إلا عن حكيم مدبر . ومع ذلك تراهم يسمون ذلك بناموس الطبيعة ويقولون الطبيعة أنبتت الاشجار وأوجدت الحيوان والانسان على اننا لو سألناهم عن هذه الطبيعة هل لها وجود مستقل أولا وجود لها وهل هى عاقلة أو غير عاقلة وهل هى متغيرة أوقديمة وإن كانت متغيرة فمن الذى يغيرها وبالطبع تحتاج إلى مغير ويتسلسل الأمر إذ يحتاج مغيرها إلى مغير يغيرها وهكذا إلى مالانهاية وهو باطل إذ لابد من مغير لا يتغير وهو الله تعالى لم يستطيعوا ان يأتوا ببرهان يؤيد دعواعم . وقامت عليهم الحجة وقالوا بوجود البارىء تعالى . ولقد شاع هذا الأمر بين كثير من أهل الطبقة التى تدعى التنور والتهذيب . فترى أحدهم يتشدق بقولهم فعل الطبيعة وجمال الطبيعة من غير علم ولا برهان . بل يرى ذلك من التمدن والتنور ويدعى أن خلاف ذلك من المذاهب القديمة الساقطة التى نبذها العلم العصرى . ولو أردت نصحه لم يلتفت إليك وسخر منك وقال ما أشبه كلامك بكلام الفقهاء الذين أظلمت عقولهم وتبلدت أذهانهم وأعتادوا الجمود والوقوف على الخرافات الموروثة . يشير بذلك إلى أنه قد ارتفع من حضيض الجهل إلى سماء المعارف والعلوم الحديثة ولم يلتفت إلى دلائل توحيد الحق فى كل ذرة من ذرات الكون كما قيل :

وفى كل شئ له آية ــــــ تدل على أنه الواحد

وكما قيل : ورق الغصون دفاتر مشحونة بأدلة التوحيد: فسبحان من قسم الحظوظ فلا عتاب ولا ملامة . ولكنها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور وإذا كان الأنسان لا يدرك روحه التى بها حياته ويتكلم ويسمع ويبصر بها فكيف يريد أن يدرك الحق تعالى الذى لا يشبهه شىء وهو حاضر مع كل شىء بمعية لا تجعله داخلا فى كوننا فهو معنا بتنزيه وتأمل كيف عقلك معك وليس له مكان وخيالك معك وليس له مكان بل روحك معك وليس لها مكان لأنها ليست بجسم فتحتاج إلى مكان . فإن قلت إنك قد وصفت الروح بكثير من أوصاف البارى حتى كدت تجعلها إلهآ فالجواب أن اخص صفات البارى تعالى القيومية . والروح وإن كانت موصوفة بهذه الصفات ولكنها لم تكن قائمة بنفسها بل بقيومية الحق وهو الذى قومها واوجدها . فالقيومية لا تكون إلا لله تعالى وحده وبذلك تعلم عدم امتناع اتصاف الروح بالتنزه عن الزمان والمكان . فإن مالم يكن جسما لا يحتاج إلى فراغ يشغله وهذا أمر ظاهر لمن عنده أدنى تأمل فإذا كان الانسان عاجزآ عن معرفة نفسه فمن باب اولى يكون عاجزآ عن إدراك كنه ربه ولقد مر بك قبل هذا ان الانسان حال كونه ماء فى الرحم يشبه البذرة فى الأرض . لأن هذه البذرة تكون الأرض لها أما والمكان الذى يحفظها من الأرض رحما . وقد جعل الله فى تلك البذرة خاصية تجذب بها الاجزاء الصالحة لها من المعادن التى فى الارض . فاذا نزل الماء عليها ولانت ، صارت كالعجين واختمرت وربت مادتها بما جذبته من الأرض وحولته إلى مادتها فلم تعد تسع قشرتها المادة التى ربت فيها فتنشق من أعلاها وأسفلها وتخرج المادة من الجهتين علوآ وسفلا فيسير الأعلى حتى يرفع التراب ويظهر إلى الخارج . وكلما كان فى باطن الأرض كان أبيض . وكلما ظهر إلى الهواء تلون باتحاد مادته بأجزاء الهواء وما فيه من العناصر الأصلية والطارئة عليه وضوء الشمس والقمر والنجوم فحدثت خلاصة كيماوية فظهرت الأوراق والثمار باللون الأحمر والأصفر والأخضر وغيرها . ولذلك تجد الظاهر من الأثمار له لون والباطن له لون آخر ولا تظن أن التأثيرات الظاهرة لا تسرى إلى الباطن مطلقا . بل لها سريان ولكن بحسب استعداد الباطن حال حجبه عن الأضواء ومباشرة الهواء . ثم إن الهواء يسرى فى مسام الأشجار والنباتات فإذا امتزج بها الجزء الصالح لها ولم يجد الجزء غير الصالح مكانا له دفعته الشجرة الى الخارج . فمسام الأشجار دائما فى جذب ودفع تشبه الشهيق والزفير فى الانسان . وهذا هو وجه من يقول بأن الأشجار والنباتات تتنفس على الدوام . وكما أن الأشجار لها ساق يصعد إلى الأعلى فلها ساق يمتد إلى الأسفل يبحث عن الماء الذى به حياته ، وعن المواد التى تصلح له فإذا امتد جذير الأشجار وصادفه بعض الاحجار ربما تجد ذلك الجذير بشعره الدقيق يخرج منه عصير على ذلك الحجر فيذيبه ويمشى من وسطه وكذلك الانسان حال كونه ماء فأنه ينبت كالشجرة ويجذب إليه المواد التى تصلح لمزاجه الكيماوى . ولا يزال يستكمل خلقه حتى يخرج من الرحم فيكون فى هذا الوقت كالنبات عند بروزه من الأرض وحينئذ يبتدىء ظهور تأثير مباشرة الضوء والهواء عليه ، وتاثير المعادن التى تأتيه بواسطة الغذاء . فالنبات شجر ثابت لا ينتقل . والانسان متنقل يسير حيث أراد . وقد جعل الله لكل نوع من المخلوقات حدا يقف عنده ، فإذا كمل أرتفاع النبات أو الشجر أو الحيوان فلا يعود يرتفع بعد ذلك وذلك مبنى على قصور البذرة النوعى فى قوتها ومادتها . ويراعى فى ذلك أرضها وجوها وخدمتها وماؤها وغي ذلك . وكما جعل الله لارتفاعها حدا فكذلك جعل للعقل حدا لا يتجاوزه من السنين وهو العقل المطبوع أى الغريزى أو نسميه الفطرى وأما لا كتسابه بالتجارب فهو لا ينقطع ما دام الانسان حيا ولم يختل شىء من تركيب رأسه . وأعلم بأن العقل يتفاوت بحسب تركيب المخ وثقله وخفته وتقسيمه وشكل الرأس وصفاته وكدورته وقوته وضعفه ووراثته وكبر الرأس وصغره . فإذا استتم نمو الرأس وثبت المخ على حالة واحدة كان قريبا من الثلاثين سنة فلا يزيد الطبيعى عن ذلك وقد يصادف أويزيد . وأعلم أن العقل والحس هما للروح والمخ والأعصاب آلة لها تفيض على الجسم من قواها ما يقبله استعداد الجسم وكلما كان صحيحا كان الفيض عليه أكثر مالم يمنع عارض من شكل أو سوء وضع فى المخ أو الدماغ . ولا تظن أن ثقل المخ وحده دليل على قوة الادراك فكم من شخص مخه ثقيل الوزن ولكنه قصير الفهم . وكما أن الأشجار والنباتات لها زمن تكون فيه كالجنين فى الرحم وزمن تكون فيه كالطفل وزمن كالصبى واليافع والمراهق والبالغ والشاب والكهل والشيخ فذلك كله يمر على الانسان . وكما أن الزرع إذا بلغ غايته وأدرك حصاده يبس وسقط فكذلك الانسان يبلغ نهايته فييبس ويسقط . وكما أن النخلة الانثى تؤير بطليع الذكر من النخل فكذلك فى الانسان وكما أن الشجر يحصل له كثير من الأمراض فالانسان كذلك قابل لها . فالدم الذى لا يصلح يسقط إلى الاسفل ويسمى البواسير ومن شدة ضغطه تحصل الزوائد ويخرج بعض احتقانه بالتشريط أو القطع أو الدود او اللبخ أو يتعفن فينفجر وحده وقد يصعد الدم إلى الأعلى فيكون باسورآ دماغيا أو أنفيا ويسمى الرعاف وهذا الداء ربما كان من ضروريات الحياة إذا كان الدم السائل دما متغيرآ أو غير متغير قليل . وقد يحدث بسبب منعه أو قطع زوائده احتقان يؤثر فى القلب أو المخ وقد يتعدى من المخ إلى العصب فينشأ عن ذلك سكتة أو شلل فلابد لمن كانت بواسيره تنزف دمآ كثيرا ، أن يبقى ولو زائدة واحدة يتصرف منها بعض الدم المحتقن . وقد يصاب الانسان بفقر الدم فتسقط قوته ، وتضعف معدته ، ويسوء هضمه ، وتضعف ذاكرته وتصوره ، وقد يحصل فى الدم تكدر فيقف فى محل أو محلات متعددة من الجسم ، فيحصل بسيبه حرارة بحسب ذلك التكدير من حمى أو حصبة أو جدرى أو حكة أو جرب أو زهرى وذلك الفساد فى الدم يتولد عنه ذرات صغيرة حية . وكما أن للمش دودآ وللفول سوسآ ، فكذلك كل تكدير يحدث بسببه حيوانات حية مختلفة الأشكال وقد يكون بعضها سامآ بكمية وأفرة وبعضها أقل وكلما كان التسمم فيها كثيرآ كلما كان خطرها اشد . حتى ان بعضها قد يسمم الجسم فيموت فى بعض ساعات كما يشاهد فى الهواء الأصفر . وقد يحدث مرض للمعدة فيمددها ، فيؤثر على المخ ، فتتولد عنه خيالات بعض الطباع وأوهام وخرف وانزعاج وأعلم أن الرضاع ، يغير بعض الطباع ، إذ يكون المخ قابلا للتغيرات فى بدئه، واللبن الذى يسرى فى جسمه من المرضع يكون قواما لجسمه ومخه فتسرى من جسم المرضع خلاصة تغير طباعه ودون ذلك الوسط الذى ينشأ فيه الانسان . ولما كان البطن تحته العانة ، ولم يكن ماء الرجل من بطنه ، ولا عانته . اشبه أن يكون آتيا من ظهره : ثم أن الظهر يكون فيه الصلب الذى هو قبل أخر السلسلة الفقرية – نا سب أن يكون الماء منصبآ منه لآن الخصية قريبة له و الترأئب ما حفت بالصلب و بالطبع يكون فبها المادة المنصبة الى الخصية التى هى كغدة تفرز المنى وتحبسه فيها وكلما طال مكثه اثر على الجسم والدم وولد خيالات وأوهامآ وقد يؤثر على المزاج فلذلك كان صرفه من الامور الواجبة ، ولا ينبغى أن يكون إلا فى حلال إذ أن صرفه فى حرام يؤدى إلى هتك الحرمات و ليتذكر الزانى أقاربه من النساء كامه وزوجاته وأخوته وليعرض على نفسه هل يرضى أن يزنى بهن أحد من الرجال ومن مضار الزنا أنه قد يولد له ولد ويعيش فى النصرانية أو اليهودية وقد يرث مال ابيه غير أقاربه وقد يفوته ميراث أبيه وأقاربه وربما تزوج أخته أو عمته فتختلط الانساب ويسرى هذا الاختلاط إلى يوم القيامة ولو نظر الانسان إلى أصله ومصيره لقلل من خيلائه وفخره كما قال على كرم الله وجهه " مالابن آدم والفخر وإنما أوله نطفة مذرة وآخره جيفة قذرة " ومن عجائبه أنه إذا لبس ثوبا من الصوف مثلا نجده يتبختر فيه وقد نسى أنه قد لبسه كبش أى خروف قبله وكان الأولى بالتبختر هو الخروف ! وقس على ذلك بقية أحواله تجدها من العجب العجاب وذلك مما يدل على أن العقلاء فى الدنيا قليل . وأن غالب الناس حمقى . وأعلم أن الانسان من حيث روحه ليس بجسم ولا عرض ولا يحتاج إلى فراغ يشغله مثل العقل فإنه لا يحتاج إلى مكان يحل فيه والروح والعقل واللب والنهية والفكر والنفس جميعها واحدة والاسماء مختلفة بالاعتبارات . فباعتبار التجرد يسمى روحا . وباعتبار اتصاله بالجسم يسمى نفسا ، وباعتبار تقلبه فى أطواره قلبا . وباعتبار أنه الخلاصة يسمى لبا وباعتبار نهيه عن كل مالا يليق يسمى نهية ، وباعتبار تفكره يسمى فكرآ وهكذا يسمى حافظة ومصورة وحسا مشتركا ومخيلة. واعلم أن الروح واحدة وذاتها صفاتها . إذ لو كانت صفاتها غير ذاتها لكانت مركبة وكل مركب يفنى . ولا قائل بفنائها ثم لو كانت مركبة ، لقام العلم ببعضها دون بعض . فكانت عالمة جاهلة فى آن واحد . ثم أن ما يتركب يكون جسما وهى ليست بجسم . وقد تقدم لك برهانه . ثم أنها ليست بالكبيرة التى تملأ ما بين السماء والأرض ، ولا بالصغيرة التى بقدر سم الخياط فذلك كله من شأن الأجسام ولكن كبرها صغرها للرائى إنما هو تطور روحانى لها . لا يحكم عليها ، ولا يجعلها منحصرة فى المكان وقد جعل الله لها من القوة ما تقتلع به الجبل ، ولكنها لا تفعل ذلك حرصا على جسمها الذى هو بمثابة بيت لها ، أو آلة أو مركب تركبه ، إذ لو فسد ذلك الجسم لم يعد لها مكث فى هذا العالم . فلذلك كانت تحبه وتعشقه . لأنه طالما كان موجودا فى هذا العالم ، تكون هى موجودة فى هذا العالم ، وإذا فسد ارتحلت عنه . فإذا تجردت الروح عن هذا الجسم وأبقت له رقيقة منها ، تنظر بها إليه ، أمكنها بذلك التجرد أن تقتلع الجبل وتحمله من غير واسطة جسمها . كما يحصل للأولياء والأنبياء والسحرة . لأن التجرد إما أن يكون فى رضاء الله فذلك تجرد الأنبياء . أو يكون فى رضاء الله ورسوله فذلك تجرد الأولياء . أو يكون بعيدا عن رضاء الله ورسوله فذلك تجرد السحرة . وقد زعم قوم وشاع زعمهم فى هذا الزمان ، فقالوا إن السحر لا حقيقة له وسخروا ممن يقول بوجود الجن والشياطين . وقد فاتهم أن الجن خلق يشبهون أرواح الآدميين فى جسم مظلم . وقد ظهر فى هذه الأيام قوم أظهروا شيئا من بعض تأثيرات القوة الروحانية ، فخاطبوا الارواح وسموه بعلم الاسبرتزم أو التنويم المغناطيسى . وهذا العلم يعد فى أقسام السحريات المحرمة فى الشرع ولا يخلو من نفث الشياطين فيه . ولقد توغل فيه بعضهم حتى قال بلستحضار الأرواح مجردة وما دام ذلك يظهر على يد الفساق وغير أهل الدين وهو من خوارق العادات ، فلا يكون كرامة ، بل يعد سحرآ ، وإهانة واستدراجآ : وعلى كل حال فذلك العلم قد ألجم أفواه من يقولون بعدم الأرواح ولا يعتقدون شيئأ وراء المادة البتة . وكلما كان الشخص المنوم خاضعا لمن يريد أن ينومه ، نام بسرعة وكان تحت تصرف الثانى . يتحرك ويتكلم بأمره فإذا كان غير خاضع له ، لم تنفذ فيه إرادة الثانى ولا ينام ، وكلما أشتد خضوعه للثانى . كان نومه سريعا. وهذا النوم يشبه الغشية . فلو طال لأدى إلى الموت : ولقد اتخذ هذا العلم حرفة . فسلكه كثير من الأفرنج وغيرهم . ومشى فيه الرجال والنساء حتى اشتهر بين الخاصة والعامة ، وصار بعضهم يفعله بالأجرة الزهيدة . حتى اعتقد بعضهم أن كثيرا من أسرار الأولياء من هذا القبيل وهو وهم فاسد نشأ عن جهل مطبق . لأن الوجهتين متباينتان . وفرق بين من كانت روحه بين يدى ربها مقدسة مسبحة منزهة ومن كانت روحه فى حضرة الشياطين والكفر والعصيان بعيدة عن رضاء الله ورسوله . وإذا كانوا يقولون بأن أرواح الموتى العصاة والفساق والكفار تحضر وتتكلم . فمن باب أولى أرواح الأولياء تكون حية تحضر فى أى مكان وتتكلم وتجيب عما تسأل عنه وإذا كانت الروح الانسانية ليست جسما ولا عرضا تشغل فراغا . فاذن تكون العوالم عندها نقطة لا تنقسم بمعنى أنها لا تجد مكانا يحدها بل يتساوى عندها البعيد والقريب وتكون فى البعيد والقريب معآ . فاذا أرادت أن تكون فى مكان لا تذهب اليه بل بمجرد ميلها ترى ذلك المكان . وبذلك تعلم أن الروح لا تنقسم . وأن الدنيا بأسرها لا تسع نظر الروح ولكن لما هبطت من أوجها الروحانى إلى هذا العالم واشتبكت بالجسم واشتغلت بملاذه الجسمانيه وشهواته البهيمية ، انطبعت فيها ميوله وشهواته . فان كل ميل يحدث فى الروح كيفية خاصة ، وهذه الكيفية روحانية من حيث الروح والكيفيات أوصاف لها والأوصاف أعيان روحانية وكلما كانت الكيفيات صورا لهذا العالم فانها تحجب الروح عن العوالم التى هى وراء هذا العالم ويعبر عنها بالاكدا ر أو الظلمات أو الأقذار أو القاذورات أو الحجب الظلمانية أو البعد أو الغين أو الغان أو الرين او الران أو البشرية أو الصداء إلى غير ذلك من الاسماء . فاذا اجتهد الانسان فى تصفية روحه من كدر البشرية وصقل مرآته من صدأ الغفلة باشتغاله بما عليه الملائكة الروحانيون أعرض بقلبه وجسمه عن هذا العالم وزخارفه الباطلة وتمرن على ذلك حتى صار خلقا له يشبه الجبلة والغريزة كما قال صلى الله عليه وسلم " وأجعل حبك أحب إلى من الماء البارد على كيد الظمآن " فانظر كيف طلب أن يكون حبه لمولاه أشد من حب الماء البارد الذى هو غريزة فى الانسان فإذا استمر على ذلك بحيث يمر عليه الوقت الطويل وهو لا يخطر له إلا عالم الملائكة وتسبيحهم وتقديسهم ولا يخطر له شرورا يفعل شرآ لأن ذلك بعيد عنهم وليس من عالمهم ولا من أوصافهم بل هو من عوالم الشياطين وأوصافهم وكلما استمر على ذلك تقوت روحه ولا تزال تزداد قوتها حتى تصل إلى درجة عالية . وبذلك تكون فى حكم الارواح وتحصل المناسبة بينها وبين الملائكة فتشرق عليه من أنوأرهم وأسرارهم فيكون روحانيا جسمانيا وتظهر منه الخوارق الناشئة عن التوجهات الروحانية فيرى الاشياء من المسافات البعيدة ويقراء الكتب وهى مقفلة من وراء ظهره وهو مغمض العينين ويقطع المسافات البعيدة فى خطوة واحدة وغير ذلك من الخوارق الروحانية . واعلم ان هذا الامر يحصل بأحد طريقين أحدهما طريق الشرع والآخر يسمى طريق الأشراق وهو الذى ينسب إلى أرسطو الفيلسوف اليونانى والأول لا يحصل إلا بمتابعة الشرع والثانى يسلكه كل من أراد سلوكه من اليهود والنصارى وعبدة الوثان وعباد الكواكب المشهورين بالصابئين . وكل من الطريقين مبنى على تجريد همة النفس وتوحيد وجهتها بصرفها عن الشواغل التى تقطعها عن عالم الروحانيات وهو فى كل ذلك لا يعمل بشرع ولكنه سائر فى تصفية طبيعة بشرية فإذا صفت روحه من شواغلها انغمست فى الروحانيات وبطل تعلقها بهذا العالم . ولابد لصاحب هذه التصفية من معرفة بعض علم الطب لأنه يحتاج إلى معرفة أعتدال مزاجه حال تصفية نفسه إذ أنه متعرض على الأقل لأمراض مخية يقع فيها . فإذا جاع كثيرا ربما وقع فى مخمصة أودت بحياته وقد يجوع إلى درجه يجد فيها خيالات وأوهاما وربما رأى شموسا ونجوما وأن أصواتا تناجيه أو يرى أقواما يمرون به أو يطيرون فى الهواء وقد يكون هذا كله متسببا عن أعتلال مزاجه وانحرافه عن جادة الاعتدال . وقد يتوهم فى هذه الحال انه ولى من اولياء الله تعالى إذ أنه قد وصل إلى سماء العرفان وانخرقت له الحجب وصار يتلقى العلم اللدنى ويتلقف الغيب . فلابد لمن يسلك طريق التصفية من معرفته ببعض الطب يدبر بها مزاجه ويعرف كيف يكون غذاؤه وربما أكل بعضهم الطعام الدسم بعد أن أنهك الجوع أحشاءه فيقع فى أمراض قتالة أو يعسر الخلاص والشفاء منها وقد يأكل كثيرآ من الدسم فتشتد حرارته على المزاج الذى صار رقيقا بالتصفية فربما التهب باطنه بهذه الحرارة فسببت حمى قد تكون القاضية عليه . وربما اثر عليه الهواء البارد أو الحار ولذلك ذهب بعضهم إلى الامتناع عن أكل طعام فيه دسم حفظآ للمزاج من الفساد . وأعلم أن التصفية الشرعية ليس فيها شىء من ذلك بل هى أن تسلك الحد الأوسط بين حدى التفريط والافراط . فإذا أكل لا يشبع ولا يأكل حتى يجوع وإن جاع فجوعه متوسط . وهو فى ذلك يكون محبا لمولاه متيقظا بقلبه ذاكرآ شاكرآ مسبحا مهللا مكبرا فرحا بسيده . فكلما رأى شيئا من صنعه استغرق فى صنع ربه فيكون حاضرا بقلبه مع مولاه هائما بذكره عند رؤية كل شىء من غير أن يمتنع عن طعام أو شراب إلا الغليظ منهما ولا ينقل قدميه إلا فى رضاء ربه ولا يفقده سيده حيث أمره وهذاهو طريق التصفية الشرعية الذى كان عليه بواطن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسمى طريق الشكر والمحبة , فبينما ترى أحدهم فى صناعته , أو على فراشه يفتح الله عين قلبه وتفاض عليه الأسرار والبركات والفيض والنفحات . فلما انقضى عصر الصحابة والتابعين وجاء عصر تابع التابعين وضعفت الهمم عن إدراك شأو من كان قبلهم بالشكر والمحبة والفرح بالمنعم سلكوا طريقا فلسفيا هو طريق الاشراق لأنهم استعجلوا الفتح فوضعوا لهم أصولا وقواعد إذ قالوا إن القلب ما دام مشتغلا بالأكوان وتكون صورها منعكسة فيه فلا يفتح عليه فقالوا لابد للمرتاض أن يكون فى بيت مظلم بعيد عن الأصوات ليس فيه الا منفذ صغير للهواء وان لا يأكل إلا فى كل ثلاثة أيام على الأقل حتى بذلك تنسد حواسه إذ لا تسمع أذنه كلام أحد ولا يكلم أحد ولا يبصر شيئا ولا يتوارد على حسه أشياء متجددة من المحسوسات ولا يذوق شيئا مدة جوعه الطويل وإذا انسدت الحواس الظاهرة لم يصل شىء إلى الحواس الباطنة لأن الحواس الظاهرة تشبه المجارى إلى الباطنة . وبذلك تصفو روحه من الصور الكونية . فإذا اتجهت إلى عالم الأرواح اجتمعت همتها كلها بعد أن كانت متشعبة . وهذا الاجتماع يكون قوة لها تدخل بها عوالم الروحانية , وهذا الطريق وان كان محمودا ولكنه منحط عن طريق المحبة والشكر والفرح بالمنعم . إذ الفتح فى الأول
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
محب الامام الجيلي

محب الامام الجيلي


عدد الرسائل : 491
تاريخ التسجيل : 08/01/2008

الانسانيـــــــــــــــــــة ـــــــــــــ من مؤلفات مولانا القطب الغوث الفرد الجامع سيدى سلامه الراضى Empty
مُساهمةموضوع: رد: الانسانيـــــــــــــــــــة ـــــــــــــ من مؤلفات مولانا القطب الغوث الفرد الجامع سيدى سلامه الراضى   الانسانيـــــــــــــــــــة ـــــــــــــ من مؤلفات مولانا القطب الغوث الفرد الجامع سيدى سلامه الراضى Emptyالخميس ديسمبر 08, 2011 1:59 pm

988
mm
السلام عليكم

أحسنت ياأخى وزادك الله نورا وتقربا من أهل الله

وإن كنت لاحظت أن روابط مشاركات فى الصوت والفيديو غير موجودة


أأخوكم الخادم محب الامام الجيلى ( أحد مشرفى المنتدى )
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الانسانيـــــــــــــــــــة ـــــــــــــ من مؤلفات مولانا القطب الغوث الفرد الجامع سيدى سلامه الراضى
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الانسان الجامع مولانا جلال الدين الرومي.pdf
» كلمه القطب سيدي ابراهيم حامد سلامه الراضي(قبسه من انوار مولد الساده2008)
» مولدالإمام المؤسس سيدي سلامه الراضى
» سند القطب الغوث سيدي امحمد ابن ابي زيان القندوسي في صحيح البخاري
» زيارة سيدى صالح الشاذلى.. مصر المحروسة ..باب الشعرية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى المودة العالمى ::  حضرة المكتبة :: فهـــــــرس المكتبة :: أرشيف المكتبة :: أ-
انتقل الى: