مفهوم الإصلاح الادارى في الفكر الادارى الاسلامى المقارن
د.صبري محمد خليل/ أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه بجامعه الخرطوم
Sabri.m.khalil@hotmail.com
تعريف المفهوم: تعددت تعريفات مفهوم الإصلاح الادارى ، كمحصله لتعدد الزوايا المنظور منها إلى المفهوم، وتركيز كل تعريف على عناصر معينه للإصلاح الادارى، ومن هذه التعريفات:
أولا: مجموعة الإجراءات الرامية إلى إزالة خلل ما في النظام الإداري ، وذلك خلال فترة زمنية محددة وفي مواضع معينة.( المعهد العالي للتنمية الإدارية / دورة منهجيات الإصلاح والتنمية الإدارية / دمشق/ 2005).
ثانيا: مضمون ايجابي ، يهدف إلى نشر الوعي والإدراك، بين المسئولين أو السلطات المختصة والمواطنين ، حول الأهمية والحاجة إلى أن نبني أحدث المفاهيم والأفكار في مجال علم الإدارة العصري ، في إطار الإدارة العامة.( رندة أنطوان/ الإصلاح والتحديث الإداري/ صنعاء/المعهد الوطني للعلوم الإدارية /2000).
ثالثا: تغيير مقصود وشامل على مستوى الحكومة أو المنظمة ، في إطار رؤية مستقبلية للقيادات الإدارية ، تحدد ما يجب تحقيقه من إصلاحات إدارية لضمان رضاء الجمهور المستفيد، من خلال تبني مفاهيم ونظريات إدارية حديثة ، يتم على أساسها تنمية الموارد البشرية ماديا ومعنويا ، وتطوير الهياكل وتبسيط الإجراءات وتحديث الأدوات والوسائل الفنية والتقنية ، على أساس التدرج غير المنقطع والمتفاعل مع البيئة الكلية للمنظمة.
استراتيجيات الإصلاح الإداري : ويمكن التمييز بين أربع استراتيجيات للإصلاح الإداري تعتمد على مدى نطاق شمول الإصلاح أو درجته.
أولا: الإصلاح الجزئي: وتمثل جهود التطوير الإداري ، التي تنصب على قلة من العناصر المكونة للنظام الإداري الكلي، ويختار للتطوير فيها عدد محدود من المنظمات ، ومثال له تبسيط إجراءات العمل أو تطوير الهياكل التنظيمية والوظيفية...
ثانيا: الإصلاح الأفقي : وتمثل جهود الإصلاح الإداري ، التي تركز على قلة من العناصر المكونة للنظام الإداري الكلي، لكنها تطبق على كل منظمات الجهاز الحكومي أو قطاعاته, ومثال له تصحيح سلم الأجور والمرتبات أو وضع الهياكل التنظيمية وتطويرها أو أجراء تقييم للوظائف في جميع قطاعات الجهاز الحكومي.
ثالثا: الإصلاح القطاعي: وتمثل جهود الإصلاح الادارى ، التي تنتقي عدداً محدداً من المنظمات الحكومية، وتركز على متطلبات التطوير لرفع فعالية أدائها.
رابعا: الإصلاح الشامل : وتمثل جهود الإصلاح الإداري، التي تتناول بالتطوير مختلف العناصر الحرجة للأنظمة والممارسات الإدارية، وذلك في قطاعات الجهاز الإداري كافة.
مراحل الإصلاح الإداري : وللإصلاح الادارى مجموعه من الخطوات المترابطة وهى:
أولا : الإحساس بالحاجة للإصلاح الإداري: حيث أن شيوع ظواهر الاداريه السلبية ، يعطي شعوراً بالوضع القائم الغير المرغوب فيه ، والحاجة إلى تغييره للوصول لما نريد .
ثانيا: صياغة الإستراتيجيات ووضع الأهداف : حيث يتم في هذه المرحلة تحديد ماذا نأمل أن نحقق من الإصلاح الإداري (رؤية) لماذا الإصلاح الإداري (رسالة ) ماذا يجب أن نحقق (الأهداف ) وكيف يكون ذلك (الإستراتيجيات ).
ثالثا: مرحلة تطبيق الإصلاح الإداري وتنفيذه
رابعا: مرحلة الرقابة وتقويم لإصلاح الإداري : وللرقابة أشكال متعددة منها:
ا/ الرقابة اللاحقة على الإصلاح الادارى: حيث يتم قياس ما تحقق ومقارنته مع معايير نجاح الإصلاح الادارى.
ب/ الرقابة المتزامنة مع الإصلاح الادارى : حيث تعمل على تقويم الاعوجاج في عملية التنفيذ عن المخطط له بالاعتماد على التغذية العكسية للمعلومات.
(الإصلاح الإداري /سلمان سلامة / ماجستير إدارة أعمال/ كلية الاقتصاد / جامعة دمشق)
الإصلاح الادارى والمنظور المؤسسي للوظيفة : ومن أهم شروط الإصلاح الادارى ، هو انتقال المجتمع من المنظور الشخصي للوظيفة إلى المنظور المؤسسي لها، والمنظور الشخصي للوظيفة هو المنظور الذي يخلط بين الوظيفة والموظف )الشخص)، ويجعل العلاقة بينهما علاقة تطابق ، أما المنظور المؤسسي للوظيفة فهو المنظور الذي يرتكز على التمييز بين الوظيفة والشخص الذي تستند إليه الوظيفة (الموظف)، فالمؤسسة هي ” كيان يقوم على مبدأ تنظيم معظم نشاط أعضاء مجتمع أو جماعة حسب نموذج تنظيمي محدد مرتبط بشكل وثيق بمشاكل أساسية أو بحاجات مجتمع أو اجتماعية أو بأحد أهدافها” ، وبالتالي فان الفكرة الأساسية التي تميز المؤسسة عن غيرها من أشكال التنظيم الاجتماعي هي استقلاليتها عن العناصر المتشكلة منها ، و تميزها عن هذا العناصر ، بحيث أنها تضيف إليها شيئا جديدا لم يكن موجودا لديها من قبل) (ويكيبيديا، الموسوعة الحرة).
الإصلاح الادارى في الفكر الادارى الاسلامى:
مفهوم الإصلاح فى منهج التغيير الاسلامى: أما في الفكر الادارى الاسلامى، فيمكن إدراج مفهوم الإصلاح الادارى تحت إطار مفهوم الإصلاح في منهج التغيير الاسلامى:
المعنى الاصطلاحي: فقد ورد مصطلح الإصلاح في القران الكريم بعده معاني منها: ما يقابل الفساد كما في قوله تعالى (وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا﴾ (الأعراف: 56) ، وما يقابل السيئة كما في قوله تعالى(خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا)([التوبة: 102) ،وتوفيقَ الله لعباده لعمل الصَّالحات كما فى قوله تعالى( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ )( الأحزاب: 71)، ومحو التباغض بين المتخاصمِين كما في قوله تعالى (وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ النَّاسِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )( البقرة: 224)...
أدلته: وقد أشارت الكثير من النصوص إلى مفهوم الإصلاح بمعانيه المتعددة، وجعله القران جوهر رسالات السماوية ، فوصف به إبراهيم(وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ)(البقرة: 130) ، وعيسى (وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ)(آل عمران:46) ، وشعيب (إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ)(هود: 88)، يقول الإمام الرازي في تفسيره الكبير (والمعنى: ما أريد إلا أن أصلحكم بموعظتي ونصيحتي, وقوله ما (استطعت) فيه وجوه: الأول أنه ظرف والتقدير مدة استطاعتي للإصلاح وما دمت متمكنا منه لا آلو فيه جهدا. والثاني أنه بدل من الإصلاح, أي المقدار الذي استطعت منه. والثالث أن يكون مفعولا له أي ما أريد إلا أن أصلح ما استطعت إصلاحه).
مضمونه:ومضمون الإصلاح في منهج التغيير الاسلامى هو التغيير التدريجي الجزئي السلمي، ومن أدلته قول الرسول ( صلى الله عليه وسلم) ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده إن استطاع، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان، ليس بعد ذلك من الإيمان شيء) (صحيح مسلم رقم 78).ويأخذ الإصلاح كنمط للتغيير أشكال عده فى منهج التغيير الاسلامى ، ومنها :
ا/ التقويم : وقد عبر عنه أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) بقوله (إني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني)، فالتقويم يعبر عن موقف يتجاوز كل من موقفي الرفض المطلق والقبول المطلق ، إلى موقف نقدي قائم على اخذ وقبول الصواب، ورد ورفض الخطأ ، فهو نقد للسلطة لتقويمها ، اى بهدف الكشف عن أوجه قصورها عن أداء دورها كنائب ووكيل للجماعة .
ب/ النصح : لقوله (صلى الله عليه وسلم)(الدين النصيحة، قيل : لمن يا رسول الله !؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ، ولأئمة المسلمين وعامتهم ) ،يقول الباقلاني بعدما ذكر فسق الإمام و ظلمه ...( بل يجب و عظه و تخويفه ، و ترك طاعته في شيء ممّا يدعو إليه من معاصي الله)(التمهيد 186).
المنظور المؤسسي للوظيفة: وقد اخذ الفكر الادارى الاسلامى بالمنظور المؤسسي للوظيفة ، والذي يعد من أهم شروط الإصلاح الادارى كما سبق ذكره ، وخير تأكيد على ذلك واقعه عزل عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) لخالد بن الوليد (رضي الله عنه) حتى لا يربط المسلمون بين النصر( ذو الشروط الموضوعية) و(شخص) خالد بن الوليد ، روى سيف بن عمر أن عمر ( رضي الله عنه ) قال حين عزل خالداً عن الشام ، و المثنى بن الحارثة عن العراق ) إنما عزلتهما ليعلم الناس أن الله تعالى نصر الدين لا بنصرهما ، وأن القوة لله جميعاً ) (البداية والنهاية :7/93)، وورد أيضا في(البداية والنهاية( أن عمر( رضي الله عنه) كتب إلى الأمصار ( إني لم أعزل خالداً عن سخطة ولا خيانة ، ولكن الناس فُتنوا به فأحببت أن يعلموا أن الله هو الصانع)(7/81)، ويقول ابن عون(ولي عمر فقال : لأنزعنَّ خالداً حتى يُعلم أن الله تعالى إنما ينصر دينه . يعني بغير خالد ) ( سير أعلام النبلاء (1/378(.
معيار الكفاية : ومن شروط الإصلاح الادارى الأخذ بمعيار الكفائه ، والذي اقره الفكر الادارى الاسلامى، قال الرسول (صلى الله عليه وسلم) ( من استعمل رجلاً على عصابة، وفيهم من أرضى الله منه فقد خان الله ورسوله) ، وقال (صلى الله عليه وسلم)( من أولى من أمر المسلمين شيئاً ، فأمر عليهم أحد محاباة ، فعليه لعنة الله لا يقبل منه صرفاً ولا عدلاً حتى يدخله جهنم).
عدالة الأجور: ومن شروط الإصلاح الادارى مبدأ عدالة الأجور الذي اقره الفكر الادارى الاسلامى ، روي أن أبو عبيدة تحدث يوماً مع عمر(رضي الله عنه) في استخدام الصحابة في العمل فقال ( أما إن فعلت فأغنهم بالعمالة عن الخيانة )، قال أبو يوسف في تفسيره ( إذا استعملتم علي شيء فابذل لهم العطاء والرزق لا يحتاجون).
جواز إسناد الأعمال لغير المسلم : ومن القضايا التي تناولها الفكر الادارى الاسلامى، قضية إسناد الوظائف لغير المسلم، وهى قضيه تتصل بالإصلاح الادارى ، فضلا عن الإصلاح الاجتماعي والسياسي ، لأنها تتصل بقضية حقوق الأقليات الدينية ومفهوم المواطنة ، وهنا نجد انه إذا كان هناك في الفقه الاسلامى من يرى المنع المطلق كأغلب المالكية والإمام احمد، فإننا نجد أيضا من يرى الجواز المطلق كابي حنيفة وبعض المالكية، وهناك من يرى الجواز أحيانا والمنع أحيانا، وهو رأى اغلب العلماء ، حيث يرى ابن العربي( أن كانت في ذلك فائدة محققه فلا باس به)(ابن العربي، 16،268)، كما جوز الماوردي وأبو يعلى لغير المسلم أن يتولى وزاره التنفيذ دون ولاية التفويض .والذي نراه هو وجوب التمييز بين غير المسلم المواطن وغير المسلم الاجنبى، فالأول يحق له إسناد الأعمال له مادام شرط الكفائه متوفر فيه، لأنه جزء من حق المواطنة الذي اقره الإسلام (مفهوم أهل الذمة ) ، أما الثاني فيتوقف إسناد الأعمال له على مصلحه الدولة.
الاستفادة من إسهامات الأمم الأخرى فى مجال الاداره: ومن شروط الإصلاح الادارى الاستفادة من تجارب وخبرات الأمم والشعوب الأخرى في مجال الإصلاح الادارى ، وهنا نجد أن الفكر الادارى الاسلامى، يقوم على تجاوز موقفي الرفض والقبول المطلقين لإسهامات الأمم الأخرى في مجال الاداره ، إلى موقف نقدي قائم على اخذ وقبول ما يتسق مع أصول الدين وواقع المجتمعات المسلمة، ورد ورفض ما يتناقض معهما . فقد استفاد الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) في غزوة الأحزاب من الفرس فى صنع الخندق ، ورد فى عون المعبود (سميت الغزوة بالخندق لأجل الخندق الذي حفر حول المدينة بأمره - عليه الصلاة والسلام - لما أشار به سلمان الفارسي فإنه من مكائد الفرس دون العرب)، و استفاد عمر بن الخطاب(رضي الله عنه) من الفرس في تدوين الدواوين ، يقول ابن الأثير(الديوان هو الدفتر الذي يكتب فيه أسماء الجيش وأهل العطاء، وأول من دون الدواوين عمر، وهو فارسي معرب)، كما قرر علماء أهل السنة جواز الاستفادة من إسهامات الأمم الأخرى في الأمور الدنيوية بشرط عدم تناقضه مع الدين، يقول ابن تيمية ( "فإن ذِكْر ما لا يتعلق بالدين مثل مسائل الطب والحساب المحض التي يذكرون فيها ذلك، وكتب من أخذ عنهم مثل محمد بن زكريا الرازي وابن سينا ونحوهم من الزنادقة الأطباء؛ ما غايته انتفاع بآثار الكفار والمنافقين في أمور الدنيا فهذا جائز، كما يجوز السكنى في ديارهم ولبس ثيابهم وسلاحهم، وكما تجوز معاملتهم على الأرض كما عامل النبي يهود خيبر) ( مجموع فتاوى ابن تيمية /العقيدة / كتاب مفصل اعتقاد السلف / مسألة مذهب السلف والمتأخرين في الاعتقاد والأصح منهما ).
- للاطلاع على مقالات أخرى للدكتور صبري محمد خليل يمكن زيارة العنوان http://drsabrikhalil.wordpress.com) ).