أهل الفهم عن الله : الأزمنةُ كلها عندهم حُرُم ، والأمكنة كلها عندهم حَرامٌ ، فهم يحترمون أوقاتهم ويغتنمون ساعاتهم لئلا تضيع . قال الحسن البصري قدس الله سره : أدركت أقواماً كانوا على ساعاتهم أشفق منكم على دنانيركم ودراهيمكم ، يقول : كما لا يخرج أحدكم ديناراً ولا درهماً إلا فيما يعود عليهم نفعه ، كذلك لا يحبون أن يخرجوا ساعة من أعمارهم إلا فيما يعود عليهم نفعة وقال الجنيد قدس الله سره : الوقت إذا فات لا يُستدرك ، وليس شيء أعز من الوقت . وكل جزء يحصل له من العمر غير خال من عمل صالح ، يتوصل به إلى مُلْك كبير لا يفنى ، ولا قيمة لما يوصل إلى ذلك؛ لأنه في غاية الشرف والنفاسة ، ولأجل هذا عظمت مراعاة السلف الصالح لأنفسهم ، ولحظاتهم ، وبادروا إلى اغتنام ساعاتهم وأوقاتهم ، ولم يضيعوا أعمارهم في البطالة والتقصير ، ولم يقنعوا من أنفسهم لمولاهم إلا بالجد والتشمير ، وإلى هذه الإشارة بقوله : ( فلا تظلموا فيهن أنفسكم ) ؛ بتضييعها في غير ما يقرب إلى الله . ثم أمر بجهاد القواطع ، التي تترك العبد في مقام الشرك الخفي ، وبَشَّرهُم بكونه معهم بالنصر والتأييد ، والمعونة والتسديد .