فصل طولت الباء بعد إسقاط الألف وبعد قيامها مقامه تنبيها على انها النائبة كتاب الكهف والرقيم في شرح بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الكهف والرقيم في شرح بسم الله الرحمن الرحيم تاليف العارف بالله عبد الكريم الجيلي
فصل طولت الباء بعد إسقاط الألف وبعد قيامها مقامه تنبيها على انها النائبة مناب الألف من كل حرف .
كما سبق من أن الرحمن موصوف بكل وصف نائب مناب اسم الله في التسمي بالأسماء الحسنى فلا يعقل الخلق من الله إلا حد مستوى الرحمن، وبعد ذلك فليس للمخلوق فيه مجال البتة .
وما ثم إلا الحضرة الأحدية المحضة التي هي الوجه الذي لا يفنى من كل شيء فى قوله "كل شيء هالك الا وجهه له الحكم و اليه ترجعون" 88 القصص.
فلا حكم إلا لهذه الأحدية في جميع هذه الحضرات الأكوانية والرحمانية، وهي وجه كل شيء وقد صرح بها: " فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ " 115 البقرة.
وفي هذا المعنى قلت:
ما ثم غير سعاد بالنقا أحد ........ هي الموارد حقا وهي من يرد
هي البقيع هي الوعساء قاعته ....... هي المحصب من خيف هي البلد
هي النبات هي الأجساد جامعة ..... هي النفوس هي الحيوان والجماد
هي الجواهر والأعراض قاطبة ..... هى النتاج هى الاباء والولد
قل للذين سروا عني لقصد قبا ....... انا قبا وفؤادي ذلك السند
يا سلم ما كبدي لولاك فائدتي ..... ولا الفريسة الا ذلك الاسد
استغفر الله تنزيها لمرتبتي ..... ما بين خلق وبين الله متحد
نكته: لصق الباء والسين في البسملة لسر شريف، وهو أن السين محله من الأعداد المرتبة السادسة، فهو حاو على ست مراتب من مراتب الواحد، وهي الجهات التي ظهرت فيها الباء، وهي المخلوقات المسمى جملتها بالعرش ، وكل جهة من هذه الجهات التي ظهرت فيها الباء ،فيه وجه الله بكماله، كما أن الواحد موجود في كل مرتبة من هذه الستة مراتب السين بكماله.
واعلم: أن السين عبارة عن سر الله تعالى وهو الإنسان... قال بعض المفسرين إن "ياسين" الياء فيها حرف نداء والسين الإنسان، والكلام عليه من باب الإشارة يقول الله : يا إنسان عين ذاتي والقرآن الحكيم، فالقرآن الحكيم عطف على عين ذاتي الذي أضيف اليه الإنسان، فهو سر الذات وسر القرآن الحكيم.
واعلم أن القرآن الحكيم هو صفة الله سبحانه وتعالى، ومعنى القرآنية تعقلك بما يستحقه الإله من أوصاف الألوهيات.
فهذا التعقل هو كالقراءة ، وأما ذات الحق فلا تعقل لك فيها لصموت أحديته المنزهة عن الكثرة الأسمائية وغيرها، فكلما قرأت شيئا من القرآن الحكيم الذي هو صفه الله في نفسك ظهرت صفات الله لك بقدر تلك القراءة المرتبة.
ولهذا قرن به الحكيم لكون القراءة هذه مرتبة بترتب حكمة إلهية شيئا فشيئا لا تتناهى ولا تبلغ لها غاية أبدأ.
فالترتيب: الله والحكمة عين الذات التي هي أنت ، وليس لشهادتك الا ما قرأه غيبك منك ، وأما ما لم يقرأه غيبك منك ، فهو لغيبك لا لوجهك الشهادي، وعين وجه شهادتك عين وجه غيبك، فتحيرت تحير الله أعنى الاسم في ذاته لأنه لم يستوفها.
أي لم يظهر بجميع معاني كمالاتها بل في الذات الإلهية الكامنة من وراء الاسم الله أعلم ما به ..
ولكن مع هذا فان هذا الاسم قد وقع عليها وهو شيء واحد، فقولنا قد وقع اسم الله على الذات وهو شيء واحد ينافي قولنا لم يستوفها لاستحالة التجزئة والتبعيض في جناب الحق، لأن الذات إذا لم تتبعض وقد وقع عليها فقد استوفها واذا لم يستوفها فليست بشيء واحد،
هذا الأمر يعطي الحيرة القبيحة للعقلاء والحيرة الحسنة لأهل الله تعالى فإذا كان الله أعني الاسم متحيرا في ذاته فكيف لك بالعبد في هذا المحل من أولى به من التحير:
تحيرت من حيرتي مم هي ..... فقد حار فهمي فى وهمه
فلم أدر هذا التحير من ....... تجاهل فهمي أم علمه
فإن قلت جهلأ فإني كذوب ...... وان قلت علما فمن أهله
وفي هذا المعنى قولي من قصيدة طويلة ليس هذا موضعها :
أأحطت خبرا مجملا ومفصلا ..... بجميع ذاتك أن يحاط بذاته
أم جل وجهك أن يحاط بكنهه .......... فأحطته أن لا يحاط بذاته
حاشاك من غاي وحاشا آن يكن ........ بك جاهلا ويلاه من حيراته
فمن " يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ " 1،2 يس ... يا سر الذات الغير مقروء في الله تعالي وعين القرآن المتلو من علي ترتيب حكمة ذات الاحدية " إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ " 3 يس .... من تلك الحضرة العالية القدسية الاحدية الى هذا المشهد الخلقي التشبيهي الانساني " عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ " 4 يس .... أي سنن أحدي قيومي يقوم بنفسه وبالعالم جميعه " تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ " وهو الذي لا ينال الا في هذا الهيكل المحمدي " الرَّحِيمِ " لأنه لما رحم العالم أراد أن ينيلهم نفسه وهو عزيز فتنزل في جنسهم " لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ " 128 التوبة .... ليدلهم على نفسه
ويجذبهم إليه عنايه منه بهم ومنة من عين خزائن جوده عليهم "عزيز عليه ما عنتم " لأنه الحامل لكم والفاعل فيكم بكم فلا وجود لكم بل الوجود المطلق لذاته "بالمؤمنين"، أي الذين آمنوا انه عينهم "رؤوف رحيم فإن تولوا" ولم تقبل عقولهم رؤيه أحديتك فى كثره اعدادهم "فقل حسبي الله " اذ الألوهية جامعة " فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ " 115 البقرة.
فاشهد لهم انهم فروا من يمينه إلى شماله وكلتا يدي ربى يمين ، فكان صلي الله علية وسلم رحمه للعالم جميعه مؤمنه وكافره مقره وجاحده صلي الله علية وسلم .
سبق بنا جواد اللسان في مضمار البيان إلى تحدثنا بما لم ينطق بإفشائه الجنان فلنرجع الى ما كنا بصدده من شرح بسم الله الرحمن الرحيم .
واعلم: أنه لما كان الالف من غيب الأحدية والسين سرها الشهادي كان الميم عباره عن الوجود وهو الحقيقة الجامعة للغيب والشهادة، ألا ترى الى تجويف راس الميم كيف هو محل النقطة البيضاء وقد مضى لك أن النقطة هي الكنز المخفي، فقل ان الدائرة من تجويف رأس الميم هي الحق الذى يظهر فيه الكنز المخفي ألا ترى إلى قوله تعالى في الحديث القدسي :"كنت كنزا مخفيا فأحببت ان اعرف فخلقت الخلق وتعرفت إليهم فبي عرفوني" .
فمن هنا كان الاسم " ذُو الْجَلَالِ " 27 الرحمن .. في قوله : " تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ " 78 الرحمن ..
لأنه لو كان وصفا لربك لكان مجرورا فذو الجلال مرفوع تابع للاسم لا لربك فافهم.
واعلم أن الميم هو روح محمد صلي الله علية وسلم لان المحل الذى ظهر فيه الكنز المخفي العالم .. وقد ورد في حديث جابر أن أول ما خلق الله روح محمد ثم خلق العالم رتبة منه الحديث ... الخ.
والنقطة البيضاء التي في جوف رأس ألميم عين محمد صلي الله علية وسلم الذى هو الكنز المخفي ومن هنا ملنا: انه صلي الله علية وسلم حقيقة جامعة للذات العظيم والقرآن الحكيم على الوجه الذى قررناه وفى هذا المعنى قلت:
رسول الله ما مجلى الألوهية ..... وما من ذاته الذات النزيهة
ظهرت بكل مظهر كل حسن ..... تستر عن عيان بالبديهة
بأوصاف هي السبع المثاني ...... و قرآن هي الذات النبيهة
خصصت وكنت أنت بها حقيقا ..... حقيقتك المقدمة الشبيهة
سكنت ديار هند وإن تعالت ..... وجلت وقد لبست ردا المويهة
فبالأوصاف كل شاف سعدى .... وأنت بها نظرت إلى الألوهة
لأنك كنت هبل الكل حكما ...... فذاتك للذوات هي الفقيهة
كان لإنشادي هذه الابيات سبب وهو أننا اجتمعنا في بعض ليالي سنه تسع وتسيعن وسبعمائة بمسجد شيخنا وسيدنا الأستاذ العالم القطب الاكبر والكبريت الأحمر شرف الدين بن اسماعيل بين إبراهم الجبرتى على سماع عام كان فى جبانه المسجد.
فقرأ في حضرة الشيخ أحد إخواننا السادة وهو الفقيه أحمد الحبايبى قوله تعالى: " وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ " 87 الحجر... فأشهدني الحق سبحانه وتعالى اتصاف نبيه محمد صلي الله علية وسلم بالسبعة الأوصاف النفسية التي هي: الحياه والعلم والإرادة والقدرة والسمع والبصر والكلام .
وشهدته صلي الله عليه وسلم بعد اتصافه بأوصافه عين الذات الغائب في هويه الغيبيات، وهو المشار إليه فى الآية بالقرآن العظيم، إذ قراءته لا نهاية لها، فكلما قرأته الورثة أهل قرأن الحقيقة من ذات الله تعالى هو عين محمد صلي الله علية وسلم ، واليه الإشارة في الحديث فى قوله: "أهل القرآن اهل الله تعالي و خاصته" فليتأمل.
فهو غيب هوية الأحدية والرسل والأنبياء والورثة الكمل يقرؤون غيب هويه محمد صلي الله علية وسلم في الله وهذا معنى كونه واسطه بين العالم وبين الله واليه الإشارة بقوله: "أنا من الله والمؤمنون مني " فافهم.