الباب الخامس عشر في معرفة الأنفاس ومعرفة أقطابها المحققين بها وأسرارهم هي .كتاب الفتوحات المكية في معرفة أسرار المالكية والملكية المجلد الأول
الشيخ الأكبر محيي الدين أبو عبد الله محمد بن علي ابن العربي الحاتمي الطائي الأندلسي قدس الله روحه
الباب الخامس عشر في معرفة الأنفاس ومعرفة أقطابها المحققين بها وأسرارهم هي
بسم الله الرحمن الرحيم
عالم الأنفاس من نفسي ..... وهم الأعلون في القدسمصطفاهم سيد لسن ..... وحيه يأتيه في الجرسقلت للبواب حين رأى ..... ما أقاسيه من الحرسقال ما تبغيه يا ولدي ..... قلت قرب السيد الندسمن شفيعي للإمام عسى ..... خطرة منه لمختلسقال ما يعطي عوارفه ..... لغني غير مبتئس[القطب الأول: مداوي الكلوم]قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن نفس الرحمن يأتيني من قبل اليمنقيل إن الأنصار نفس الله بهم عن نبيه صلى الله عليه وسلم ما كان فيه من مقاساة الكفار المشركين .والأنفاس روائح القرب الإلهي فلما تنسمت مشام العارفين عرف هذه الأنفاس وتوفرت الدواعي منهم إلى طلب محقق ثابت القدم في ذلك المقام ينبئهم بما في طي ذلك المقام الأقدس وما جاءت به هذه الأنفاس من العرف إلا نفس من الأسرار والعلوم بعد البحث بالهمم والتعرض لنفحات الكرم عرفوا بشخص إلهي عنده السر الذي يطلبونه والعلم الذي يريدون تحصيله وأقامه الحق فيهم قطبا يدور عليه فلكهم وأما ما يقوم به ملكهم يقال له مداوي الكلوم فانتشر عنه فيهم من العلم والحكم والأسرار ما لا يحصرها كتاب[مداوي الكلوم وعلم الكيمياء]وأول سر أطلع عليه الدهر الأول الذي عنه تكونت الدهور وأول فعل أعطى فعل ما تقتضيه روحانية السماء السابعة سماء كيوان .فكان يصير الحديد فضة بالتدبير والصنعة ويصير الحديد ذهبا بالخاصية وهو سر عجيب .ولم يطلب على هذا رغبة في المال ولكن رغبة في حسن المال ليقف من ذلك على رتبة الكمال وأنه مكتسب في التكوين فإن المرتبة الأولى من عقد الأبخرة المعدنية بالحركات الفلكية والحرارة الطبيعية زئبقا وكبريتا وكل متكون في المعدن فإنه يطلب الغاية الذي هو الكمال وهو الذهب لكن تطرأ عليه في المعدن علل وأمراض من يبس مفرط أو رطوبة مفرطة أو حرارة أو برودة تخرجه عن الاعتدال فيؤثر فيه ذلك المرض صورة تسمى الحديد أو النحاس أو الأسرب أو غير ذلك من المعادن فأعطى هذا الحكيم معرفة العقاقير والأدوية المزيل استعمالها تلك العلة الطارئة على شخصية هذا الطالب درجة الكمال من المعدنيات وهي الذهب فأزالها فصح ومشى حتى لحق بدرجة الكمال ولكن لا يقوي في الكمالية قوة الصحيح الذي ما دخل جسمه مرض فإن الجسد الذي يدخله المرض بعيد أن يتخلص وينقى الخلوص الذي لا يشوبه كدر وهو الخلاص الأصلي كيحيى في الأنبياء وآدم عليهما السلام ولم يكن الغرض إلا درجة الكمال الإنساني في العبودية فإن الله خلقه في أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ثم رده إلى أسفل سافلين إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فأبقوا على الصحة الأصلية وذلك أنه في طبيعته اكتسب علل الأعراض وأمراض الأغراض فأراد هذا الحكيم أن يرده إلى أحسن تقويم الذي خلقه الله عليه فهذا كان قصد الشخص العاقل بمعرفة هذه الصنعة المسماة بالكيمياء وليست سوى معرفة المقادير والأوزان[النشأة الإنسانية]فإن الإنسان لما خلقه الله وهو آدم أصل هذه النشأة الإنسانية والصورة الجسمية الطبيعية العنصرية ركب جسده من حار وبارد ورطب ويابس بل من بارد يابس وبارد رطب وحار رطب وحار يابس وهي الأخلاط الأربعة السوداء والبلغم والدم والصفراء كما هي في جسم العالم الكبير النار والهواء والماء والتراب فخلق الله جسم آدم من طين وهو مزج الماء بالتراب ثم نفخ فيه نفسا وروحا ولقد ورد في النبوة الأولى في بعض الكتب المنزلة على نبي في بنى إسرائيل ما أذكر نصه الآن فإن الحاجة مست إلى ذكره فإن أصدق الأخبار ما روى عن الله تعالى فروينا عن مسلمة بن وضاح مسندا إليه وكان من أهل قرطبة فقالقال الله في بعض ما أنزله على أنبياء بنى إسرائيل إني خلقت يعني آدم من تراب وماء ونفخت فيه نفسا وروحا فسويت جسده من قبل التراب ورطوبته من الماء وحرارته من النفس وبرودته من الروح قال ثم جعلت في الجسد بعد هذا أربعة أنواع أخر لا تقوم واحدة منهن إلا بالأخرى وهي المرتان والدم والبلغم ثم أسكنت بعضهن في بعض فجعلت مسكن اليبوسة في المرة السوداء ومسكن الحرارة في المرة الصفراء ومسكن الرطوبة في الدم ومسكن البرودة في البلغم ثم قال جل ثناؤه فأي جسد اعتدلت فيه هذه الأخلاط كملت صحته واعتدلت بنيته فإن زادت واحدة منهن على الأخرى وقهرتهن دخل السقم على الجسد بقدر ما زادت وإذا كانت ناقصة ضعفت عن مقاومتهن فدخل السقم بغلبتهن إياها وضعفها عن مقاومتهن فعلم الطب أن يزيد في الناقص أو ينقص من الزائد طلب الاعتدالفي كلام طويل عن الله تعالى ذكرناه في الموعظة الحسنة[مداوى الكلوم والآثار العلوية]فكان هذا الإمام من أعلم الناس بهذا النشئ الطبيعي وما للعالم العلوي فيه من الآثار المودعة في أنوار الكواكب وسباحتها وهو الأمر الذي أوحى الله في السموات وفي اقتراناتها وهبوطها وصعودها وأوجها وحضيضها قال تعالى وأَوْحى في كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها وقال في الأرض وقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها وكان لهذا الشخص فيما ذكرناه مجال رحب وباع متسع وقدم راسخة لكن ما تعدت قوته في النظر الفلك السابع من باب الذوق والحال لكن حصل له ما في الفلك المكوكب والأطلس بالكشف والاطلاع وكان الغالب عليه قلب الأعيان في زعمه والأعيان لا تنقلب عندنا جملة واحدة فكان هذا الشخص لا يبرح يسبح بروحانيته من حيث رصده وفكره مع المقابل في درجه ودقائقه وكان عنده من أسرار إحياء الموات عجائب وكان مما خصه الله به أنه ما حل بموضع قد أجدب إلا أوجد الله فيه الخصب والبركة كماروينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في خضر رضي الله عنه وقد سئل عن اسمه بخضر فقال صلى الله عليه وسلم ما قعد على فروة إلا اهتزت تحته خضراء[المعرفة الذاتية وعلم القوة]وكان هذا الإمام له تلميذ كبير في المعرفة الذاتية وعلم القوة وكان يتلطف بأصحابه في التنبيه عليه ويستر عن عامة أصحابه ذلك خوفا عليه منهم ولذلك سمي مداوي الكلوم كما استكتم يعقوب يوسف عليهما السلام حذرا عليه من إخوته وكان يشغل عامة أصحابه بعلم التدبير ومثل ذلك مما يشاكل هذا الفن من تركيب الأرواح في الأجساد وتحليل الأجساد وتأليفها بخلع صورة عنها أو خلع صورة عليها ليقفوا من ذلك على صنعة الله العليم الحكيم وعن هذا القطب خرج علم العالم وكونه إنسانا كبيرا وإن الإنسان مختصرة في الجرمية مضاهية في المعنى فأخبرني الروح الذي أخذت منه ما أودعته في هذا الكتاب أنه جمع أصحابه يوما في دسكرة وقام فيهم خطيبا وكانت عليه مهابة فقال افهموا عني ما أرمزه لكم في مقامي هذا وفكروا فيه واستخرجوا كنزه واتساع زمانه في أي عالم هو وإني لكم ناصح ومأكل ما يدري يذاع فإنه لكل علم أهل يختص بهم وما يتمكن الانفراد ولا يسع الوقت فلا بد أن يكون في الجمع فطر مختلفة وأذهان غير مؤتلفة والمقصود من الجماعة واحد إياه أقصد بكلامي وبيده مفتاح رمزى ولكل مقام مقال ولكل علم رجال ولكل وارد حال فافهموا عني ما أقول وعوا ما تسمعون فبنور النور أقسمت وبروح الحياة وحياة الروح آليت إني عنكم لمنقلب من حيث جئت وراجع إلى الأصل الذي عنه وجدت فقد طال مكثي في هذه الظلمة وضاق نفسي بترادف هذه الغمة وإني سألت الرحلة عنكم وقد أذن لي في الرحيل فأثبتوا على كلامي فتعقلون ما أقول بعد انقضاء سنين عينها وذكر عددها فلا تبرحوا حتى آتيكم بعد هذه المدة وإن برحتم فلتسرعوا إلى هذا المجلس الكرة وإن لطف مغناه وغلب على الحرف معناه فالحقيقة الحقيقة والطريقة الطريقة فقد اشتركت الجنة والدنيا في اللبن والبناء وإن كانت الواحدة من طين وتبن والأخرى من عسجد ولجين هذا ما كان من وصيته لبنيه وهذه مسألة عظيمة رمزها وراح فمن عرفها استراح[لقاء ابن العربي بابن رشد في قرطبة]ولقد دخلت يوما بقرطبة على قاضيها أبي الوليد بن رشد وكان يرغب في لقائي لما سمع وبلغه ما فتح الله به علي في خلوتي .فكان يظهر التعجب مما سمع فبعثني والدي إليه في حاجة قصدا منه حتى يجتمع بي .فإنه كان من أصدقائه وأنا صبي ما بقل وجهي ولا طر شاربي. فعند ما دخلت عليه قام من مكانه إلى محبة وإعظاما فعانقني وقال لي نعم .قلت له نعم .فزاد فرحه بي لفهمي عنه.ثم إني استشعرت بما أفرحه من ذلك .فقلت له لا .فانقبض وتغير لونه وشك فيما عنده .وقال كيف وجدتم الأمر في الكشف والفيض الإلهي هل هو ما أعطاه لنا النظر.قلت له نعم لا وبين نعم ولا تطير الأرواح من موادها والأعناق من أجسادها .فاصفر لونه وأخذه الأفكار وقعد يحوقل وعرف ما أشرت به إليه .وهو عين هذه المسألة التي ذكرها هذا القطب الإمام أعني مداوي الكلوم .وطلب بعد ذلك من أبى الاجتماع بنا ليعرض ما عنده علينا هل هو يوافق أو يخالف .فإنه كان من أرباب الفكر والنظر العقلي .فشكر الله تعالى الذي كان في زمان رأى فيه من دخل خلوته جاهلا وخرج مثل هذا الخروج من غير درس ولا بحث ولا مطالعة ولا قراءة .وقال هذه حالة أثبتناها وما رأينا لها أربابا .فالحمد لله الذي أنا في زمان فيه واحد من أربابها الفاتحين مغالق أبوابها والحمد لله الذي خصني برؤيته .ثم أردت الاجتماع به مرة ثانية فأقيم لي رحمه الله في الواقعة في صورة ضرب بيني وبينه فيها حجاب رقيق أنظر إليه منه ولا يبصرني ولا يعرف مكاني.وقد شغل بنفسه عني .فقلت إنه غير مراد لما نحن عليه فما اجتمعت به حتى درج .وذلك سنة خمس وتسعين وخمسمائة بمدينة مراكش ونقل إلى قرطبة وبها قبره .ولما جعل التابوت الذي فيه جسده على الدابة جعلت تواليفه تعادله من الجانب الآخر .وأنا واقف ومعي الفقيه الأديب أبو الحسين محمد بن جبير كاتب السيد أبي سعيد وصاحبي أبو الحكم عمر وابن السراج الناسخ .فالتفت أبو الحكم إلينا وقال ألا تنظرون إلى من يعادل الإمام ابن رشد في مركوبه هذا الإمام وهذه أعماله يعني تواليفه .فقال له ابن جبير: يا ولدي نعم ما نظرت لا فض فوك .فقيدتها عندي موعظة وتذكرة رحم الله جميعهم وما بقي من تلك الجماعة غيري وقلنا في ذلك :هذا الإمام وهذه أعماله ..... يا ليت شعري هل أتت آماله
[مداوي الكلوم وعلم الفلك]وكان هذا القطب مداوي الكلوم قد أظهر سر حركة الفلك وأنه لو كان على غير هذا الشكل الذي أوجده الله عليه لم يصح أن يتكون شيء في الوجود الذي تحت حيطته وبين الحكمة الإلهية في ذلك ليرى الألباب علم الله في الأشياء وإِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ لا إله إلا هو العليم الحكيم وفي معرفة الذات والصفات علم ما أشار إليه هذا القطب فلو تحرك غير المستدير لما عمر الخلأ بحركته وكانت أحياز كثيرة تبقي في الخلأ فكان لا يتكون عن تلك الحركة تمام أمر وكان ينقص منه قدر ما نقص من عمارة تلك الأحياز بالحركة وذلك بمشيئة الله تعالى وحكمته الجارية في وضع الأسباب وأخبر هذا القطب أن العالم موجود ما بين المحيط والنقطة على مراتبهم وصغر أفلاكهم وعظمها وأن الأقرب إلى المحيط أوسع من الذي في جوفه فيومه أكبر ومكانه أفسح ولسانه أفصح وهو إلى التحقق بالقوة والصفاء أقرب وما انحط إلى العناصر نزل عن هذه الدرجة حتى إلى كرة الأرض وكل جزء في كل محيط يقابل ما فوقه وما تحته بذاته لا يزيد واحد على الآخر شيء وإن اتسع الواحد وضاق الآخر وهذا من إيراد الكبير على الصغير والواسع على الضيق من غير أن يوسع الضيق أو يضيق الواسع والكل ينظر إلى النقطة بذواتهم والنقطة مع صغرها تنظر إلى كل جزء من المحيط بها بذاتها فالمختصر المحيط والمختصر منه النقطة وبالعكس فانظر ولما انحط الأمر إلى العناصر حتى انتهى إلى الأرض كثر عكره مثل الماء في الحب والزيت وكل مائع في الدن ينزل إلى أسفله عكره ويصفو أعلاه والمعنى في ذلك ما يجده عالم الطبيعة من الحجب المانعة عن إدراك الأنوار من العلوم والتجليات بكدورات الشهوات والشبهات الشرعية وعدم الورع في اللسان والنظر والسماع والمطعم والمشرب والملبس والمركب والمنكح وكدورات الشهوات بالانكباب عليها والاستفراغ فيها وإن كانت حلالا وإنما لم يمنع نيل الشهوات في الآخرة وهي أعظم من شهوات الدنيا من التجلي لأن التجلي هناك على الأبصار وليست الأبصار بمحل للشهوات والتجلي هنا في الدنيا إنما هو على البصائر والبواطن دون الظاهر والبواطن محل الشهوات ولا يجتمع التجلي والشهوة في محل واحد فلهذا جنح العارفون والزهاد في هذه الدنيا إلى التقليل من نيل شهواتها والشغل بكسب حطامها[مراتب الابدال]وهذا الإمام هو الذي أعلم أصحابه أن ثم رجالا سبعة يقال لهم الأبدال يحفظ الله بهم الأقاليم السبعة لكل بدل إقليم وإليهم تنظر روحانيات السموات السبع ولكل شخص منهم قوة من روحانيات الأنبياء الكائنين في هذه السموات وهم إبراهيم الخليل يليه موسى يليه هارون يتلوه إدريس يتلوه يوسف يتلوه عيسى يتلوه آدم سلام الله عليهم أجمعين وأما يحيى فله تردد بين عيسى وبين هارون فينزل على قلوب هؤلاء الأبدال السبعة من حقائق هؤلاء الأنبياء عليهم السلام وتنظر إليهم هذه الكواكب السبعة بما أودع الله تعالى في سبحاتها في أفلاكها وبما أودع الله في حركات هذه السموات السبع من الأسرار والعلوم والآثار العلوية والسفلية قال تعالى وأَوْحى في كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها فلهم في قلوبهم في كل ساعة وفي كل يوم بحسب ما يعطيه صاحب تلك الساعة وسلطان ذلك اليوم[الإقليم الرابع وبدله]فكل أمر علمي يكون في يوم الأحد فمن مادة إدريس عليه السلام وكل أثر علوي يكون في ذلك اليوم في عنصر الهواء والنار فمن سباحة الشمس ونظرها المودع من الله تعالى فيها وما يكون من أثر في عنصر الماء والتراب في ذلك اليوم فمن حركة الفلك الرابع وموضع هذا الشخص الذي يحفظه من الأقاليم الإقليم الرابع فمما يحصل لهذا الشخص المخصوص من الأبدال بهذا الإقليم من العلوم علم أسرار الروحانيات وعلم النور والضياء وعلم البرق والشعاع وعلم كل جسم مستنير ولما ذا استنار وما المزاج الذي أعطاه هذا القبول مثل الحباحب من الحيوان وكأصول شجر التين من النبات وكحجر المها والياقوت وبعض لحوم الحيوان وعلم الكمال في المعدن والنبات والحيوان والإنسان والملك وعلم الحركة المستقيمة حيثما ظهرت في حيوان أو نبات وعلم معالم التأسيس وأنفاس الأنوار وعلم خلع الأرواح المدبرات وإيضاح الأمور المبهمات وحل المشكل من المسائل الغامضة وعلم النغمات الفلكية والدولابية وأصوات آلات الطرب من الأوتار وغيرها وعلم المناسبة بينها وبين طبائع الحيوان وما للنبات منها وعلم ما إليه تنتهي المعاني الروحانية والروائح العطرية وما المزاج الذي عطرها ولما ذا ترجع وكيف ينقلها الهواء إلى الإدراك الشمي وهل هو جوهر أو عرض كل ذلك يناله ويعلمه صاحب ذلك الإقليم في ذلك اليوم وفي سائر الأيام في ساعات حكم حركة ذلك الفلك وحكم ما فيه من الكواكب وما فيه من روحانية النبي هكذا إلى تمام دورة الجمعة[الإقليم السابع وبدله]وكل أمر علمي يكون في يوم الإثنين فمن روحانية آدم عليه السلام وكل أثر علوي في عنصر الهواء والنار فمن سباحة القمر وكل أثر سفلي في عنصر الماء والتراب فمن حركة فلك السماء الدنيا ولهذا الشخص الإقليم السابع فما يحصل لهذا البدل من العلوم في نفسه في يوم الإثنين وفي كل ساعة من ساعات أيام الجمعة مما يكون لهذا الفلك حكم فيها علم السعادة والشقاء وعلم الأسماء وما لها من الخواص وعلم المد والجزر والربو والنقص[الإقليم الثالث وبدله]وكل أمر علمي يكون في يوم الثلاثاء فمن روحانية هارون عليه السلام وكل أثر علوي في عنصر النار والهواء فمن روحانية الأحمر وكل أثر سفلي في ركن الماء والتراب فمن حركة الفلك الخامس ولهذا البدل من الأقاليم الإقليم الثالث فما يعطيه من العلوم في هذا اليوم وفي ساعاته من الأيام علم تدبير الملك وسياسته وعلم الحمية والحماية وترتيب الجيوش والقتال ومكايد الحروب وعلم القرابين وذبح الحيوان وعلم أسرار أيام النحر وسريانه في سائر البقاع وعلم الهدى والضلال وتميز الشبهة من الدليل[الإقليم السادس وبدله]وكل أمر علمي يكون في يوم الأربعاء فمن روحانية عيسى عليه السلام وهو يوم النور وكان له نظر إلينا في دخولنا في هذا الطريق التي نحن اليوم عليها وكل أثر في عنصر النار والهواء فمن روحانية سباحة الكاتب في فلكه وكل أثر سفلي في ركن الماء والتراب فمن حركة فلك السماء الثانية وللبدل صاحب هذا اليوم الإقليم السادس ومما يحصل له من العلوم في هذا اليوم وفي ساعته من الأيام علم الأوهام والإلهام والوحي والآراء والأقيسة والرؤيا والعبادة والاختراع الصناعي والعطردة وعلم الغلط الذي يعلق بعين الفهم وعلم التعاليم وعلم الكتابة والآداب والزجر والكهانة والسحر والطلسمات والعزائم[الإقليم الثاني وبدله]وكل أمر علمي يكون في يوم الخميس فمن روحانية موسى عليه السلام وكل أثر علوي في ركن النار والهواء فمن سباحة المشتري وكل أثر سفلي في عنصر الماء والتراب فمن حركة فلكه ولهذا البدل من الأقاليم الإقليم الثاني ومما يحصل له من العلوم في هذا اليوم وفي ساعاته من الأيام علم النبات والنواميس وعلم أسباب الخير ومكارم الأخلاق وعلم القربات وعلم قبول الأعمال وأين ينتهي بصاحبها[الإقليم الخامس وبدله]وكل أمر علمي يكون في يوم الجمعة يكون لهذا الشخص الذي يحفظ الله به الإقليم الخامس فمن روحانية يوسف عليه السلام وكل أثر علوي يكون في ركن النار والهواء فمن نظر كوكب الزهرة وكل أثر سفلي في ركن الماء والأرض فمن حركة فلك الزهرة وهو من الأمر الذي أوحى الله في كل سماء وهذه الآثار هي الأمر الإلهي الذي يتنزل بين السماء والأرض وهو في كل ما يتولد بينهما بين السماء بما ينزل منها وبين الأرض بما تقبل من هذا النزول كما يقبل رحم الأنثى الماء من الرجل للتكوين والهواء الرطب من الطير قال تعالى خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ ومن الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ الله عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ والقدرة ما لها تعلق إلا بالإيجاد فعلمنا إن المقصود بهذا التنزل إنما هو التكوين ومما يحصل له من العلوم في هذا اليوم وفي ساعاته من الأيام علم التصوير من حضرة الجمال والأنس وعلم الأحوال[الإقليم الأول وبدله]وكل أمر علمي يكون في يوم السبت لهذا البدل الذي له حفظ الإقليم الأول فمن روحانية إبراهيم الخليل عليه السلام وما يكون فيه من أثر علوي في ركن النار والهواء فمن حركة كوكب كيوان في فلكه وما كان من أثر في العالم السفلي ركن الأرض والماء فمن حركة فلكه يقول تعالى في الكواكب السيارة كُلٌّ في فَلَكٍ يَسْبَحُونَ وقال تعالى وبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ فخلقها للاهتداء بها ومما يحصل له من العلوم في هذا اليوم وفي ساعاته من باقي الأيام ليلا ونهارا علم الثبات والتمكين وعلم الدوام والبقاء[مقامات الابدال السبعة وهجيراهم]وعلم هذا الإمام بمقامات هؤلاء الأبدال وهجيراهم وقال إن مقام الأول وهجيره لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ءٌ وسبب ذلك كون الأولية له إذ لو تقدم له مثل لما صحت له الأولية فذكره مناسب لمقامه ومقام الشخص الثاني في هجيره لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وهو مقام العلم الإلهي وتعلقه لا ينتهي وهو الثاني من الأوصاف فإن أول الأوصاف الحياة ويليه العلم وهجير الشخص الثالث ومقامه وفي أَنْفُسِكُمْ أَ فَلا تُبْصِرُونَ وهي المرتبة الثالثة فإن الآيات الأول هي الأسماء الإلهية والآيات الثواني في الآفاق والآيات التي تلي الثواني في أنفسنا قال تعالى سَنُرِيهِمْ آياتِنا في الْآفاقِ وفي أَنْفُسِهِمْ فلهذا اختص بهذا الهجير الثالث من الأبدال ومقام الرابع في هجيره يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً وهو الركن الرابع من الأركان الذي يطلب المركز عند من يقول به فليس لنقطة الأكرة أقرب من الأرض وتلك النقطة كانت سبب وجود المحيط فهو يطلب القرب من الله موجد الأشياء ولا يحصل إلا بالتواضع ولا أنزل في التواضع من الأرض وهي منابع العلوم وتفجر الأنهار وكل ما ينزل من المعصرات فإنما هو من بخارات الرطوبات التي تصعد من الأرض فمنها تتفجر العيون والأنهار ومنها تخرج البخارات إلى الجو فتستحيل ماء فينزل غيثا فلهذا اختص الرابع بالرابع من الأركان ومقام الخامس فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ولا يسأل إلا المولود فإنه في مقام الطفولة من الطفل وهو الندى قال تعالى أَخْرَجَكُمْ من بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً فلا يعلم حتى يسأل فالولد في المرتبة الخامسة لأن أمهاته أربعة وهن الأركان فكان هو العين الخامسة فلهذا كان السؤال هجير البدل الخامس من بين الأبدال وأما مقام السادس فهجيره أُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى الله وهي المرتبة السادسة فكانت للسادس وإنما كانت السادسة له لأنه في المرتبة الخامسة كما ذكرنا يسأل وقد كان لا يعلم فعند ما سأل علم ولما علم تحقق بعلمه بربه ففوض أمره إليه لأنه علم إن أمره ليس بيده منه شيء وأن الله يَفْعَلُ ما يُرِيدُ فقال قد علمت إن الله لما ملكني أمري وهو يفعل ما يريد علمت إن التفويض في ذلك أرجح لي فلذلك اتخذه هجيرا ومقام السابع إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ وذلك أن لها الرتبة السابعة وكان أيضا تكوين آدم المعبر عنه بالإنسان في الرتبة السابعة فإنه عن عقل ثم نفس ثم هباء ثم فلك ثم فاعلان ثم منفعلان فهذه ستة ثم تكون الإنسان الذي هو آدم في الرتبة السابعة ولما كان وجود الإنسان في السنبلة ولها من الزمان في الدلالة سبعة آلاف سنة فوجد الإنسان في الرتبة السابعة من المدة فما حمل الأمانة إلا من تحقق بالسبعة وكان هذا هو السابع من الأبدال فلذلك اتخذ هجيراه هذه الآية فهذا قد بينا لك مراتب الأبدال[خلفاء القطب مداوي الكلوم]وأخبرت أن هذا القطب الذي هو مداوي الكلوم كان في زمان حبسه في هيكله وولايته في العالم إذا وقف وقف لوقفته سبعون قبيلة كلهم قد ظهرت فيهم المعارف الإلهية وأسرار الوجود وكان أبدا لا يتعدى كلامه السبعة ومكث زمانا طويلا في أصحابه وكان يعين في زمانه من أصحابه شخصا فاضلا كان أقرب الناس إليه مجلسا كان اسمه المستسلم فلما درج هذا الإمام ولي مقامه في القطبية المستسلم وكان غالب علمه علم الزمان وهو علم شريف منه يعرف الأزل ومنه ظهر قوله عليه السلام كان الله ولا شيء معه وهذا علم لا يعلمه إلا الأفراد من الرجال وهو المعبر عنه بالدهر الأول ودهر الدهور وعن هذا الأزل وجد الزمان وبه تسمى الله بالدهر وهوقوله عليه السلام لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهروالحديث صحيح ثابت ومن حصل له علم الدهر لم يقف في شيء ينسبه إلى الحق فإن له الاتساع الأعظم ومن هذا العلم تعددت المقالات في الإله ومنه اختلفت العقائد وهذا العلم يقبلها كلها ولا يرد منها شيئا وهو العلم العام وهو الظرف الإلهي وأسراره عجيبة ما له عين موجودة وهو في كل شيء حاكم يقبل الحق نسبته ويقبل الكون نسبته هو سلطان الأسماء كلها المعينة والمغيبة عنا فكان لهذا الإمام فيه اليد البيضاء وكان له من علمه بدهر الدهور علم حكمة الدنيا في لعبها بأهلها ولم سمي لعبا والله أوجده وكثيرا ما ينسب اللعب إلى الزمان فيقال لعب الزمان بأهله وهو متعلق السابقة وهو الحاكم في العاقبة وكان هذا الإمام يذم الكسب ولا يقول به مع معرفته بحكمته ولكن كان يرقى بذلك هم أصحابه عن التعلق بالوسائط أخبرت أنه ما مات حتى علم من أسرار الحق في خلقه ستة وثلاثين ألف علم وخمسمائة علم من العلوم العلوية خاصة ومات رحمه الله وولي بعده شخص فاضل اسمه مظهر الحق عاش مائة وخمسين سنة ومات وولي بعده الهائج وكان كبير الشأن ظهر بالسيف عاش مائة وأربعين سنة مات مقتولا في غزاة كان الغالب على حاله من الأسماء الإلهية القهار ولما قتل ولي بعده شخص يقال له لقمان والله أعلم وكان يلقب واضع الحكم عاش مائة وعشرين سنة كان عارفا بالترتيب والعلوم الرياضية والطبيعية والإلهية وكان كثير الوصية لأصحابه فإن كان هو لقمان فقد ذكر الله لنا ما كان يوصي به ابنه مما يدل على رتبته في العلم بالله وتحريضه على القصد والاعتدال في الأشياء في عموم الأحوال ولما مات رحمه الله وكان في زمان داود عليه السلام ولي بعده شخص اسمه الكاسب وكانت له قدم راسخة في علم المناسبات بين العالمين والمناسبة الإلهية التي وجد لها العالم على هذه الصورة التي هو عليها كان هذا الإمام إذا أراد إظهار أثر ما في الوجود نظر في نفسه إلى المؤثر فيه من العالم العلوي نظرة مخصوصة على وزن معلوم فيظهر ذلك الأثر من غير مباشرة ولا حيلة طبيعية وكان يقول إن الله أودع العلم كله في الأفلاك وجعل الإنسان مجموع رقائق العالم كله فمن الإنسان إلى كل شيء في العالم رقيقة ممتدة من تلك الرقيقة يكون من ذلك الشيء في الإنسان ما أودع الله عند ذلك الشيء من الأمور التي أمنه الله عليها ليؤديها إلى هذا الإنسان وبتلك الرقيقة يحرك الإنسان العارف ذلك الشيء لما يريده فما من شيء في العالم إلا وله أثر في الإنسان وللإنسان أثر فيه فكان لهذا كشف هذه الرقائق ومعرفتها وهي مثل أشعة النور عاش هذا الإمام ثمانين سنة ولما مات ورثه شخص يسمى جامع الحكم عاش مائة وعشرين سنة له كلام عظيم في أسرار الأبدال والشيخ والتلميذ وكان يقول بالأسباب وكان قد أعطى أسرار النبات وكان له في كل علم يختص بأهل هذا الطريق قدم.وفيما ذكرناه في هذا الباب غنيةوالله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ
.