خطبة كتاب مراتب الوجود وحقيقة كل موجود للشيخ قطب الدين عبد الكريم الجيلي قدس الله سره
كتاب مراتب الوجود وحقيقة كل موجود العارف بالله الشيخ قطب الدين عبد الكريم الجيلي رضي الله عنه
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الكتاب الشيخ عبد الكريم الجيلي قدس الله روحه
أخي حسبی الله و ?فی منزلة العلم بالله تعالی
الحمد لله الذي أعطى مراتب الوجود حقها على التمام والكمال فظهر فيها بما علمه لها من الحسن والجمال والثبوت والزوال والمال والاعتدال.
فليس في الإمكان اكمل من هذا الوجود النائل من الكمال كل مثال.
أحمده به على ماله من شيم المجد والجلال حمد من تحقق ما لذاته من صنوف الوجوب والإمكان والمحال.
وأشهد أن لا إله إلا الله الكبير المتعال الظاهر بكل موجود بكماله من غير حلول ولا اتصال ولا انفصال ظهور بلا ?یف يصوره العقل ويحيط به الخيال.
وأشهد أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مظهره الأعظم ومجلاه المحيط الأقدم ورسوله الختم الأكرم صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه طراز الوجود المعلم وشرف وعظم ومجد
وكرم .
أما بعد فإن أولى ما اعتنى به العقلاء وأعز ما صرف العمر في طلبه الفضلاء هو العلم بالله، وإنه لكثرة اتساعه وعظم اشباعه لا يكاد المرء يبلغ من تدار?ه مقصودا ولو كان بجميع الإمدادات ممدودا.
وإن القوم المشار إليهم بهذا العلم رضوان الله عليهم إنما أخذوا منه طرفا، كل على قدر قابليته و قبول الفيض المقدس والاقدس من حضرة التجلي والتحقق بحقيقة الإنصاف والتحلي مع التأبيد الإلهى بروح القدس لدى الإلقاء والتلقي.
حتى أنهم مع دوام النفحات وتواتر الخيرات لم يزالوا يطلبون العلم من بعضهم بعضا ویسیحون في الأرض للوقوع على رجل منهم، ليفيدهم فيه مسألة طولا وعرضا.
ولهذا قال الجنيد - رضي الله عنه - لو علمت أن تحت اديم السماء علما اشرف من علمنا هذا لرحلت إليه.
تنبيها على شرف هذا العلم وانه مما ينبغي للمريد أن يرحل إليه بل يجب عليه .
توجيه الرفاعي إلى العناية بالعلم بالله تعالى
وقال الشيخ أحمد الرفاعي - رضي الله عنه - لتلامذته
تعلموا هذا العلم فإن جذبات الحق فى زماننا قلت، يريد بالجذبات المجذوبین، یعنی ان المجذوبین قلوا فی الزمان وسبب قلتهم عدم تعرض أهل الزمان لنفحات الرحمن.
وان شئت قلت عدم التحلي لقبول فيض التجلی.
ثمرة أعمال أهل الله تعالى
وقد يكون قصد الشيخ بقلة الجذبات قلة ظهورها على أهل الزمان لا لكونها قليلة فى نفس الأمر.
لأن الله تعالى لم يزل متجليا بجميع تجلياته مفیضا على خلقه بمقتضیات أسمائه و صفاته.
ولقد بلغني عن شیخی الشيخ إسماعيل الجبرتي - رضی الله عنه - أنه قال يوما لبعض اخوانی من تلامذته علیك ب?تب الشیخ محیی الدین بن العربی.
فقال له التلميذ يا سيدى إن رأيت أصبر حتى يفتح الله على به من حيث الفيض.
فقال له الشيخ إن الذي تريد أن تصبر له هو عین ما ذ?ره الشیخ لك فی هذه ال?تب.
هذا ?لامهم - رضی الله عنهم - للتلاميذة والإخوان إنما هو التقريب المسافة البعيدة إليهم وتسهيل الطريق الصعب عليهم، لأن المريد قد ينال بمسألة من
مسائل علمنا هذا ما لا يناله بمجاهدة خمسين سنة، وذلك لأن السالك إنما ينال ثمرة سلوكه وعلمه.
والعلوم التي وصفها الكمل من أهل الله تعالى هي ثمرة سلوكهم وأعمالهم الخالصة، ف?م بین ثمرة عمل معلول إلى ثمرة عمل مخلص.
بل علومهم من وراء ثمرات الأعمال؛ لأنها بالفيض الإلهي الوارد عليهم على قدر وسع قوابلهم، ف?م ?ین قابلية الكامل من أهل الله و?ین قابلية المريد الطالب.
فاذا فهم المريد الطالب ما قصده من وضع المسألة في الكتاب وعلمه، استوی هو ومصنفه في معرفة تلك المسألة فنال بها ما نال المصنف، وصارت له ملكا مثل ما كانت للمصنف.
وهكذا ?ل مسالة من مسائل العلوم الموضوعة في الكتب فإن الآخذ لها من المعدن الذي اخذ منه مصنفها.
نتيجة مطالعة كتب الحقيقة
وما ورد عن بعض أهل الله من منع بعض التلامذة عن مطالعة ?تب الحقيقة، لان قاصر الفهم لا يخلو إما أن يتناول كلامهم على خلاف ما ارادوه فيستعمله فيهلك، أو يضيع العمر في تصفح الكتب بلا فائدة.
فنهي الشيخ لمثل هذا عن مطالعة هذه
الكتب واجب ليشتغل بغيرها مما فيه نفعه.
وأما من كان ذا عقل ذ?ی وفهم على ، وإيمان قری، يأخذ من كتبنا كل ما يأخذه وينال منها كل مقصده.
ولقد رأیت في زماننا هذا طائفة كثيرة من كل جنس من أجناس العرب والفرس والهند والترك، وغير ذلك من الأجناس كلهم بلغوا بمطالعة ?نب الحقيقة مبالغ الرجال.
ونالوا منها مقاصد الآمال. فمن اضاف بعد ذلك إلى علمه وفضله سلوكا واجتهادا صار من الكمل، ومن وقف بعد علمه كان من العارفين.
علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين
وسبب ذلك أن المسائل الموضوعة في كتب اهل الحقيقة إنما تفيدك بالوضع علم التوحيد تصريحا.
و بالعبارة والإشارة عين التوحيد كناية وتلويحا، ويضرب الأمثال حق التوحید رمزا وتسنحيا.
فقد يكون بعض الكتب مسبوكا على هذه الهيئات كلها، فيدخل ?ك إلى علم اليقين فإن علمت بمقتضاه ، ولازمت مطالعة ذلك الكتاب على حكم ذلك العلم فإنه ينتقل
بك إلى عين اليقين ، تم يرقيك إلى حق اليقين إن أعطيت نفسك لذلك العين على حكم ما ذكره المؤلف، وإلا فهو مهلك وانتهاك.
فإذا بلغت إلى حق اليقين انقطعت فائدة الكنب عنك، وهذا منتهى ما تبلغ بك الكتب إليه إن كنت شهما.
وحويت تمييزا وفهما.
وأما حقيقة اليقين فلا تستفاد من الكتب بنوع من الأعمال البنة، لأنه في الأصل لا يدخل تحت الإفادة الكونية بحال فهو أمر وهبي فوق المدارك العلمية والعينية والذوقية يمنحه الله من يشاء من أهله.
ولعلك تقول إن كان لابد من الانقطاع بعد فائدة الكتب في آخر الأمر، فإذا أتركها في أول الأمر وارجع إلى ما ترجع إليه .
مطالعة كتب الحقيقة عند المحققين أفضل من أعمال السالكين
فاقول لك: إن المراتب المشار إليها بعلم اليقين، وعين اليقين، وحق اليقين، التي ذكرنا عنها أنها منتهی فائدة الكتب لا يكاد أن يصل إليها.
بل و لا إلی أقلها باجتهاد العمر ?له ، فاني قد رأيت صبیاناً من أهل الطريق من إخواني بلغوا بمطالعة هذه الكتب فى الأيام القليلة ما لم يبلغه رجال باجتهاد أربعين وخمسين سنة.
على أنهم قد كانوا سببا لدخول أولئك الصبيان الی الطریق، ول?نهم لما وقفوامع سلو?هم وسار أولئك الصبيان في مطالعة كتب الحقيقة وفهمها.
وتأخروا عن مداهم صار الصبیان شيوخا في الحقیقة والشیوخ لهم صبیان حتى أنشد منشد،
فقال :
وقد تبنیت آبائي على ثقة …… ولا محالة انی وجه ?ل اب
وهذا البيت لرجل من تلامذة شيخ لم نعلم له شيثا من أعمال الطريق سوى مطالعة كتب الحقيقة حتى بلغ من هذا العلم ما سبق به ?ثیرا من السابقین واسمه ابوب?ر بن محمد الح?اك نظم ?ثیر في علم الحقیقة.
فمن وقف علی دیوان شعره و عرف مقداره حظی بطائل .
وانما اوردت لك هذه الح?ایات ?لها في ديباجة هذا ال?تاب حتى افهمك قدر هذا العلم وعلو شأنه ؛ لترغب في تحصيل هذا العلم الشريف بمطالعة هذه ال?تب و ممارستها و مذا?رتها مع أهلها حيث كانوا.
فإن الرجل منهم قد يفيدك بكلمة ما لا يفيدك ال?تب ?لها في العمر ?له.
لأنك تأخذ من ال?تاب بفهمك.
والرجل العالم بالله إذا أرادك لفهم مسألة على ما هى عليه أعطاك فهمه فيها، و ?م بین فهمك و فهمه.
ولقد ?انت مطالعة كتب الحقيقة عند المحققين أفضل أعمال السالكين ،ومجالسة أهل الله مع التأدب معهم أفضل من مطالعة الكتب كلها.
فعليك ثم عليك بملازمة المطالعة فى كتب الحقائق والعمل بمقتضى علومها، فإنك تحصل بذلك إلى مقصودك وتقع به على معرفتك بمعبودك إن شاء الله تعالى .
من عرف الوجود عرف الموجد
وأعلم أن معرفة الله تعالى منوطة بمعرفة هذا الوجود، فمن لا یعرف الوجود لم یعرف الوجود سبحانه وتعالی، وعلی قدر معرفته لهذا الوجود يعرف موجده .
أصول مراتب الوجود
ثم اعلم أن لهذا الوجود أموراً حقية وأموراً خلقية فمنها أمور كلية، و أمور جزئية سنذكرها ، ومنها أمور صورية وأمور معنوية.
وتتفرع تلك الأقسام والأنواع حتی ت?اد ان تخرج عن الإدراك والإحصاء مطلقاً، ول?ن جمیعه محصور تحت ( اربعین مرتبة) من مراتب الوجود، وهى أمهات المراتب كلها.
فإن مراتب الوجود كثيرة لأن تجميلة لكن هذه (الأربعين مرتبة) - التي نذ?رها تشمل الجمیع و تحصيها.
و بین ?ل مرتبة من هذه المراتب المذ?ورة و بین الاخری مراتب ?ثیرة ل?نها تداخل تحت أحكامها.
ولأجل ذلك اقتصرنا على ذكر الأربعين لأنها أصول، وها انا اذ ?رها للی فی هذا ال?تاب مرتبة في محلها ان شاء الله تعالى.
لتعرف الوجود بمعرفة هذه المراتب.
والله تعالى الموفق للصواب وهو الهادی وعلیه الت?لان.
وله الاملاء و منه التلقی والیه الترقی و به ا?تفی و هو حسبی .
.