قراءه نقدية إسلاميه لمذهب التفسير العلمي للقران
د.صبري محمد خليل/ أستاذ الفلسفة في جامعه الخرطوم
Sabri.m.khalil@gmail.com
اولا:تعريف مذهب التفسير العلمي: تعددت تعريفاته ومنها : أولا: (التفسير الذي يحكّم الاصطلاحات العلمية في عبارة القرآن ، ويجتهد في استخراج مختلف العلوم والآراء الفلسفية منها)(أمين الخولي ، التفسير: نشأته، تدرجه، تطوره، ص 49 ) . ثانيا:( اجتهاد المفسر في كشف الصلة بين آيات القرآن الكريم الكونية ومكتشفات العلم التجريبي على وجه يظهر به إِعجاز للقرآن يدل على مصدره وصلاحيته لكل زمان ومكان)(الدكتور فهد الرومي، اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر الهجري ج 2 / ص 549 ). أما التعريف الذي نرجحه فهو تعريفه بانه مذهب في تفسير الآيات الكونية و العلمية ، يعتبر هذه الآيات بمثابة غايات للنص القرآني، فيحاول استخراج النظريات العلمية من هذه الآيات وليس من الكون نفسه،وذلك بتأويل النص القرآني ليتفق مع هذه النظريات ، وهو بهذا يحيل القران الكريم إلى كتاب في العلوم"كالفلك والطب والهندسة ...".
ثانيا: مؤيدي المذهب:وقد أيد بعض العلماء هذا المذهب منهم:
العلماء المتقدمين:
الإمام الغزالي: حيث يتحدث في الفصل الخامس من كتابه " جواهر القرآن" عن كيفية انشعاب سائر العلوم مطلقاً من القرآن،فيقول( ولعلك تقول إن العلوم وراء هذه كثيرة كعلم الطب والنجوم وهيئة العالم وهيئة بدن الحيوان، وتشريح أعضائه، وعلم السحر، والطلسمات وغير ذلك.. فهذه العلوم ما عددناها، وما لم نعدها ليست أوائلها خارجة عن القرآن، فإن جميعها مغترفة من بحر واحد من بحار معرفة الله تعالى، وهو بحر الأفعال، وقد ذكرنا أنه بحر لا ساحل له). غير انه يجب تقرير أن تبنى الإمام الغزالي للمذهب ليس كامل، حيث انه وجه النقد إلي بعض الذين حاولوا الانتصار إلي أو نقض بعض النظريات العلمية ، استنادا إلى معيار ديني وليس استنادا إلى معيار علمي "اى أدله منطقيه او رياضيه أو حسية..)، حيث يقول عند حديثه عن المعارف والعلوم اليونانية (القسم الثاني ما لا يصدم مذهبهم فيه أصلاً من أصول الدين، و ليس من ضرورة تصديق الأنبياء و الرسل منازعتهم ، كقولهم أن كسوف القمر عبارة عن انمحاء ضوءه ، بتوسط الأرض بينه وبين الشمس ، ومن ظن أن المناظرة في إبطال هذا من الدين، فقد جنى على الدين وضعف أمره ، فإن هذا أمر تقوم على براهين هندسية وحسابية لا تبقى معها ريبة في من يطلعه عليها..) ثم يقرر أن ( ضرر الشرع بمن ينصره بغير طريقة ، أكثر ممن يطعن عيه بطريقه)( تهافت الفلاسفة ،طبع بيروت ،ص111، بدون تاريخ)
الفخر الرازي : أورد في كتابه "مفاتح الغيب " المشتهر بالتفسير الكبير ، من العلوم الرياضية والطبيعية وغيرها من العلوم الحادثة في الملة على ما كانت عليه في عهده، كالهيئة الفلكية اليونانية وغيرها...كما قال الشيخ/ محمد رشيد رضا.
الإمام السيوطي :يقول (وأنا أقول قد اشتمل كتاب الله العزيز على كل شيء، أما أنواع العلوم فليس منها باب ولا مسألة هي أصل إلاّ وفي القرآن ما يدل عليها، وفيه عجائب المخلوقات، وملكوت السماوات والأرض، وما في الأفق الأعلى وتحت الثرى.. إلى غير ذلك مما يحتاج شرحه إلى مجلدات).
المعاصرين:
طنطاوي جوهري: اشتمل كتابه "الجواهر في تفسير القرآن الكريم" على عجائب المكنونات وغرائب الآيات الباهرات" ، وجمع فيه من العلوم والمعارف ما أخرجه عن كونه كتاب تفسير ،فجمع فيه كل غريب ورسم فيه صورا متنوعة عن النباتات والأعشاب والحيوانات والطيور إلى غير ذلك من الكائنات.
د. مصطفى محمود: من أهم أعلام مذهب التفسير العلمي للقران،حيث حاول إثبات أن النظريات العلمية ألحديثه والمعاصرة في العلوم التجريبية موجودة في القران الكريم،وذلك في برنامجه التلفزيوني(العلم و الإيمان) وكتابه ( التفسير العصري للقران).
ثالثا:قراءه نقدية إسلاميه للمذهب:
مذهب في التفسير وليس نص مجمع عليه: مذهب التفسير العلمى للقران هو مذهب في تفسير الآيات الكونية و العلمية " كالتي تصف جريان الشمس ومنازل القمر وتسيير السحاب وتصريف الرياح وإرسال الرعد والبرق وإنبات الزرع..."، فهو بهذا اجتهاد بشرى ينسب لأصحابه ، وليس نص قطعي محل اتفاق وإجماع ، بل تعرض له الكثير من العلماء بالنقد عبر كل العصور.
اعتبار الايات الكونبه والعلمية غايات للنص وليست وسائل له: هذا المذهب يعتبر الآيات الكونية والعلمية بمثابة غايات للنص القرآني .وفى واقع الأمر فان هذه الآيات هي وسائل لتحقيق غايتان :الغاية الأولى هي الاستدلال بالوجود المحدود لعالم الشهادة على الوجود المطلق ، الذي ينفرد به الله تعالى، في مجال العقيدة ،والغاية الثانية هي هداية الناس إلي العلم ، وان يستخدموا العلم في تسخير الطبيعة باعتبار ذلك جزء من المفهوم العام للعبادة في مجال العلم.
احاله القران إلى كتاب في العلوم: هذا المذهب يحيل القران الكريم إلى كتاب في العلوم"كالفلك والطب والهندسة ..."، وهو بهذا يصرف القران عن غايته وهى هداية الناس، إلي ما فيه صالحهم في كل زمان (ِ إن هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ )(26)] ، كما يصرف التفسير عن غايته ، وهى الاهتداء إلي ما فيه صالح الناس في زمان ومكان معينين (منْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي )(الأعراف: 178(
اعتبار القران مصدر للعلوم باصولها وفروعها: وهذا المذهب يعتير القران مصدرا لأصول وفروع العلوم،استنادا إلى فهم خاطئ لبعض النصوص كقوله تعالى " وما فرطنا في الكتاب من شي" ، بينما الفهم الصحيح لهذه النصوص أن القران هو مصدر للأصول "النظرية" للعلوم ، اى فلسفتها المتضمنة للمفاهيم الكلية المجردة التي تستند إليها، أما فروعها"التجريبية" اى موضوعاتها الجزئية العينية، فمصدرها المنهج الاستقرائي-التجريبي- الحسي " ، اى النظر بتعبير القران" (أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ).
تجاهل الكون كمصدر للنظريات العلميه::كما أن هذا المذهب يحاول استخراج النظريات العلمية من هذه الآيات وليس من الكون نفسه. وهو ما يتعارض مع تقرير منهج المعرفة الاسلامى أن هناك مصدرين للعلم ، المصدر الأول هو الوحي كمصدر للعلم التكليفى" الديني "، وذلك عبر اليه التدبر ( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)، والمصدر الثاني هو الكون كمصدر للعلم التكويني"الدنيوي"وذلك عبر اليه النظر( أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ *وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ *وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ )...
التأويل بدون الالتزام بضوابطه :حيث يقوم هذا المذهب بتأويل النص القرآني ليتفق مع نظرية علمية معينة ، دون الالتزام بضوابط التأويل وأهمها وجوب تمييز بين النصوص اليقينيه الورود القطعية الدلالة، والنصوص الظنية الورود و الدلالة ،
عدم التمييز بين النص وتفسيره : كما ان هذا المذهب لا يميز بين النص القرانى "كوضع الهي ثابت" وتفسير النص القرانى "كاجتهاد بشرى متغير "، فتفسير النص هو علم أو معرفة "بشريه" بدلالات"معاني" النص. لذا أورد علماء مصطلح " بقدر الطاقة البشرية "في تعريفهم للتفسير (انظر على سبيل المثال لا الحصر تعريف الإمام الزركشي في كتابه البرهان)
يلزم منه رد الأصل"القران" إلى الفرع"العلم": وهذا المذهب يلزم منه جعل العلم "التجريبي" الأصل "المطلق"، والقرآن الفرع "المحدود"، بينما العكس صحيح.
العكس والاختزال فى مصطلح "الإعجاز العلمي فى القران ":ومصطلح"الإعجاز العلمي في القران "فيه عكس يوحى بان العلم هو الأصل والقران هو الفرع، فالأقرب الصواب هو مصطلح"الإعجاز القرانى في العلم"، هذا فضلا عن هذا المذهب يختزل اعجاز القران على المجال العلمى بينما هو بشمل مجلات عديدة" لغويه، تشريعيه، اجتماعيه،اخلاقيه....".
جعل العلاقة بين الدن والعلم علاقة تطابق(خلط) وليس اتساق"عدم تناقض"(ارتباط وتمييز): وهذا المذهب يجعل العلاقة بين الدين والعلم "التجريبي" علاقة تطابق(اى خلط) ، بينما الصواب أنها علاقة اتساق وعدم تناقض( اى ارتباط"وليس خلط" وتمييز "وليس فصل" )، فكلاهما يتناول ذات المشاكل التي يطرحها الواقع ، لكن على مستوى معين ، وطبقا لمنهج معين، لذا فان للدين موضوعه "الغييى- المطلق" ،ومنهجه الايمانى "المستند إلى الوحي" ، وللعلم "التجرييبى" موضوعه الجزئي- العيني، ومنهجه الاستقرائي المستند إلى الحواس.
قد يلزم منه التشكيك فى صحة النص: والنظريات العلمية " كشكل من أشكال المعرفة الإنسانية " محدودة نسبية لذا تحتمل الصواب والخطأ ، وبالتالي فإن اعتبارها من جزء من النص القرآني يؤدي إلي نسبة هذا الخطأ إليه.
رد فعل "عاطفي" وليس فعل "عقلاني": وهذا المذهب هو رد فعل – عاطفي – على التقدم العلمي للحضارات الأخرى التي احتك المسلمون بها ، ويحول دون تحقيق اى تقدم علمي في الواقع ، وليس فعل- عقلاني- يمكن أن يثمر تقدم علمي في الواقع. فقد ظهر هذا المذهب في صيغته المتقدمة عند احتكاك المسلمين بالحضارات القديمة"كالحضارات المصرية القديمة والاشوريه والبابلية والهندية ولاحقا اليونانية والرومانية..) ، ذات الإسهامات العلمية الكبيرة، ولكن لم يكتب لهذا المذهب حينها القبول- نتيجة لأسباب متعددة منها نقد العلماء له - فتحول هذا الاحتكاك إلى فعل عقلاني، أثمر تقدما علميا للمسلمين، استوعب الإسهامات العلمية لهذه الحضارات وأضاف عليها.كما ظهر هذا المذهب في صغته الحديثة والمعاصرة عند احتكاك المسلمين بالحضارة الغربية وتقدمها العلمي " و احد أصوله هو الإسهامات العلمية للحضارة العربية الاسلاميه" ،وذلك خلال فتره الاستعمار وما يليها، وهو في هذه الصيغة - الحديث والمعاصرة – يحول دون تحقيق اى تقدم علمي ، وبهذا فهو لا يخدم إلا أعداء الامه – موضوعيا وبصرف النظر عن النوايا الذاتية لأنصاره -
رابعا: التفسير الصحيح للآيات الكونية والعلمية:
غاية النص من الآيات الكونية والعلمية: إن غاية النص القرآني في الآيات الكونية والعلمية ، الاستدلال بالوجود المحدود لعالم الشهادة على الوجود المطلق ، الذي ينفرد به الله تعالى، في مجال العقيدة ، وهداية الناس إلي العلم ، وان يستخدموا العلم في تسخير الطبيعة باعتبار ذلك جزء من المفهوم العام للعبادة في مجال العلم،، ولتحقيق هاتان الغايتان انقسم النص القرآني إلي قسمين:
الأصول:هي الآيات ذات الدلالة القائمة بذاتها ، والتي يمكن اعتبارها غايات يتحقق من خلالها غاية النص القرآني هداية الناس إلي مصالحهم في كل زمان ومكان وتتمثل هنا في غايتين:
الأولى: هداية الناس إلي الله واتصافه بالربوبية والإلوهية،وذلك من خلال الاستدلال القرآني القائم على الانتقال من عالم الشهادة (مقدمة) إلي عالم الغيب (نتيجة).
الثانية: هداية الناس إلي أسس المنهج العلمي ومن هذه الأسس: قاعدة الموضوعية ، اى تقرير القران الكريم أن الكون ومفرداته ذو وجود موضوعي مستقل عن معرفتهم وقابل للمعرفة بالحواس والعقل والدعوة إلي معرفته كما في قوله تعالى ﴿ وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ ﴾ (الذاريات: 20- 21)، وقاعدة السببية ، اى تقرير القران الكريم أن حركة هذا الكون منضبطة بسنن لا تتبدل ﴿ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا* وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا ﴾ (فاطر:43).
الإعجاز القرانى في مجال العلم والغاية الحقيقية منه: وتتضمن هذه الأصول الآيات الكونية القطعية الدلالة(التي لا تحتمل التأويل) المتضمنة لتفسير بعض الظواهر الطبيعية ، وهي بمثابة أدله لإثبات إعجاز القران ، وفى نفس الوقت أمثلة مضروبة للناس من أجل حثهم على البحث العلمي في السنن الإلهية التي تضبط الواقع الطبيعي والإنساني ،وليس الاكتفاء بما في القرآن.
الفروع: وهى الآيات ذات الدلالة غير القائمة بذاتها ، بل القائمة بدلالة الآيات السابقة ، فهي بمثابة وسائل لتحقيق الغايات التي تضمنتها آيات الأصول، وتتمثل في الآيات التي تتحدث عن وصف مشاهد الكون المختلفة.وتتضمن هذه الفروع الآيات الكونية الظنية الدلالة(التي تحتمل التأويل).
رد الفرع"العلم" إلى الأصل"القران": مما سيق نخلص إلى أن التفسير الصحيح للآيات الكونية والعلمية يجب أن يقوم على رد الفرع"العلم" إلى الأصل"لقران"- وليس العكس كما في مذهب التفسير العلمي للقران - وذلك من خلال: :
أولا: التمييز بين آيات الأصول ، التي تتضمن أسس المنهج العلمي والدعوة إلى استعماله ،والآيات الكونية القطعية الدلالة ، والتي هي بمثابة أمثله مضروبة للناس لاستعمال هذا المنهج العلمي للكشف عن السنن الالهيه في الطبيعة والإنسان، وآيات الفروع التي تتضمن الآيات الكونية ظنية الدلالة(تحتمل التأويل) ، والتي يمكن تفسيرها بما ينتهي إليه البحث العلمي من نظريات أثبت صحتها بالتجربة والاختبار .
ثانيا: وجوب تقرير أن هذا التفسير اجتهاد انسانى محدود يحتمل الصواب والخطأ ، وطبقا لهذا تصبح هذه النظريات العلمية هي جزء من هذا التفسير وليس جزء من النص القرانى.
العلاقة بين الدين والعلم علاقة اتساق"عدم تناقض": كما أن التفسير الصحيح للآيات الكونية والعلمية يجب أن يقوم اعتبار أن العلاقة بين الدين والعلم هي علاقة اتساق وعدم تناقض-وليست علاقة تطابق كما في مذهب التفسير العلمي للقران- فكل نظريه علميه ثبتت صحتها بالتجربة والاختبار يجب على المسلمين الأخذ بها ، ولا يشترط في هذا الأخذ ورود نص فيها.
خامسا: نقد العلماء لمذهب التفسير العلمي عبر العصور:
نقد المذهب عند أبو حيان الأندلسي :.عتبر أبو حيان الاندلسى توسع العلماء في مباحث العلوم الأخرى عند تفسير القرآن الكريم، فضولا في العلم، وانه من التخليط والتخبيط في أقصى الدرجة ، وذلك في معرض نقده للفخر الرازي. (أبو حيان الاندلسى/ البحر المحيط)
نقد المذهب عند الإمام الشاطبى:
ا/ جاءت الشريعة على معهود العرب: بيّن الإمام ألشاطبي أن الشريعة الإسلامية شريعة أمية؛ لأن الله بعث بها رسولاً أميًّا إلى قوم أميين كما قال تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ) (الجمعة: 2)، وقوله عليه الصلاة والسلام: (نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب) (متفق عليه، عن ابن عمر) فيلزم أن تكون الشريعة على معهودهم وفي مستواهم.
ب/الشريعة لم تخرج عن ما الفه العرب :ثم بعد هذا البيان أوضح ألشاطبي أن الشريعة – في تصحيح ما صححت، وإبطال ما أبطلت– قد عرضت من ذلك إلى ما تعرفه العرب من العلوم، ولم تخرج عما ألفوه.
ج/خطا اضافه العلوم إلى القران: ثم يتوجه باللوم إلى قوم أضافوا للقرآن كل علوم الأولين والآخرين، مفندًا هذه الدعوى قائلاً:ما تقرر من أمية الشريعة، وأنها جارية على مذاهب أهلها –وهم العرب– ينبني عليه قواعد، منها: أن كثيرا من الناس تجاوزوا - في الدعوى على القرآن– الحدَّ، فأضافوا إليه كل علم يذكر للمتقدمين والمتأخرين، من علوم الطبيعيات والتعاليم [كالهندسة وغيرها من الرياضيات] والمنطق وعلوم الحروف، وجميع ما نظر فيه الناظرون من هذه الفنون وأشباهها، وهذا إذا عرضناه على ما تقدم لم يصح.( الموافقات 2/79)
د/ لم يقول السلف باحتواء القران لكل العلوم: ثم يدلل الشاطبي على رأيه هذا ويحتج له بما عرف عن السلف من نظرهم في القرآن فيقول: (إن السلف الصالح -من الصحابة والتابعين ومن يليهم- كانوا أعرف بالقرآن وبعلومه وما أودع فيه، ولم يبلغنا أنه تكلم أحد منهم في شيء من هذا المدعى سوى ما تقدم، وما ثبت فيه من أحكام التكاليف، وأحكام الآخرة، وما يلي ذلك، ولو كان لهم في ذلك خوض ونظر لبلغنا منه ما يدلنا على أصل المسألة، إلا أن ذلك لم يكن، فدل على أنه غير موجود عندهم، وذلك دليل على أن القرآن لم يقصد فيه شيء مما زعموا، نعم تضمن علوما من جنس علوم العرب أو ما ينبني على معهودهم مما يتعجب منه أولو الألباب، ولا تبلغه إدراكات العقول الراجحة، دون الاهتداء بأعلامه، والاستنارة بنوره، أما أن فيه ما ليس من ذلك فلا).( الموافقات 2/79-80)
ه/ تصحيح الفهم الخاطى للايه( وما فرطنا في الكتاب من شي): ثم شرع الإمام ألشاطبي بعد هذا في ذكر الأدلة التي استند إليها أرباب هذا التفسير (التفسير العلمي) فقال: (وربما استدلوا على دعواهم بقوله تعالى: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ) (النحل: 89)، وقوله: (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ) (الأنعام: 38).. ونحو ذلك، وبفواتح السور –وهي لم تعهد عند العرب– وبما نقل عن الناس فيها، وربما حكي من ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وغيره أشياء). بعد ذلك طفق ألشاطبي ينقض هذه الأدلة، واحدا بعد الآخر بمنطقه القوي، فقال رحمه الله: (فأما الآيات: فالمراد بها عند المفسرين ما يتعلق بحال التكليف والتعبد، أو المراد بالكتاب في قوله: (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ): اللوح المحفوظ، ولم يذكروا فيها ما يقتضي تضمنه لجميع العلوم النقلية والعقلية.( الموافقات 2/79-80)
نقد المذهب عند الإمام حسن ألبنا مؤسس جماعه الإخوان المسلمين:تعرض الإمام حسن ألبنا بالنقد لمذهب التفسير العلمي للقران- رغم أن كثير من المنتمين للجماعة - تنظيميا أو فكريا - سيصبحوا لاحقا من أنصار هذا المذهب، لكن جلهم من أنصار مذهب التفسير السياسي للدين "الإسلام السياسي" ، الذي يلزم منه التكفير" المعلن أو المضمر"، والذي يخالف أفكار الأمام المؤسس ، والتي تقوم على عدم تكفير المجتمع والتركيز على التربية الروحية. حيث يقول الامام حسن ألبنا ( أن القران الكريم لم ينزل ليكون كتاب هيئه أو فلك أو زراعه أو صناعه ولكنه كتاب إرشاد وتوجيه اجتماعي إلى أمهات المناهج الاجتماعية التي إذا سلكها الناس سعدوا في دنياهم وفازوا في أخرتهم وهو عندما يعرض للعلوم الكونية ومظاهر الوجود المادية والطبيعية، بالقدر الذي يعين على الإيمان بعظمه الخالق جل وعلا، ويكشف عن بديع صنعه وما أودع في الكون من المنافع والفوائد لبنى الإنسان حتى ييسر لهم بذلك طريق الاهتداء إلى الاستفاده منها في الأرض والسماء... إن محاولات الربط بين القران والنظريات العلمية تكليف بما لم يكلف الله به ويصب في أحوال كثيرة إلى التكلف بما يخرج القران ما نزل بكونه كتاب هداية وإصلاح .. كما انه يعرض القران لاختلاف الآراء العلمية ونضاربها وكذبها )( حسن ألبنا - مقدمه في التفسير - ص51)
نقد الشيخ الدكتور/ مساعد لمصطلح "الإعجاز العلمي":كما تعرض الشيخ الدكتور/ مساعد الطيار لمصطلح "الإعجاز العلمي" بالنقد حيث يقول ( إن مصطلح "الإعجاز العلمي" اثر من أثار التغريب الفكري فهذه التسمية منطلقه من تقسيم العلوم إلى أدبيه وعلميه، وفى ذلك رفع من شان العلوم التجريبية على غيرها من علوم نظريه التي فيها علوم الشريعة.وإذا كان هذا يسمى بالإعجاز العلمي فماذا يسمى الإعجاز اللغوي أليس إعجازا علميا، أليست اللغة علما ، وقل غيرها من وجوه الإعجاز... لاشك أنها علوم ، لكنها غير العلم الذي يريده الدنيويون الغربيون الذي اثروا في حياه الناس اليوم ، وصارت السيادة لهم، ومما يؤسف له أن يتبعهم فضلاء من المسلمين في هذا المصطلح دون تنبيه لما تحته من الخطر والخطأ) (مقالات في أصول التفسير- ص 52-35)
نقد المذهب عند الأستاذ الشيخ أمين الخولي: أعلن الأستاذ الشيخ أمين الحولي معارضته لهذا المذهب في دراسته (التفسير: معالم حياته، منهجه اليوم) ، و نقل فيها رأي الإمام ألشاطبي، واعتراضه على الذين أرادوا أن يخرجوا بالقرآن عن نهجه في مخاطبة العرب بما يفهمون، وفي إطار ما يعهدون من علوم ومعارف، ورد على الذين زعموا أن في القرآن علوم الأولين والآخرين، دينية ودنيوية، شرعية وعقلية.
نقد المذهب عند الدكتورة عائشة عبد الرحمن"بنت الشاطى": اعتبرت الدكتورة عائشة عبد الرحمن أن هذا المذهب في صيغته المعاصرة هو ضحك على العقول ببدع من التأويلات تقدم للناس من القرآن كل علوم الدنيا وعصريات التكنولوجيا.
ردها د. بنت الشاطئ على د. مصطفى محمود: وفى هذا الإطار خاصت د. بنت الشاطئ معركة فكريه ضد د. مصطفى محمود - أهم أعلام مذهب التفسير العلمي في صيغته المعاصرة في أوائل السبعينات - في أهرام الجمعة شهري مارس وأبريل، فتقرر أن ”الدعوة إلى فهم القرآن بتفسير عصري - علمي - على غير ما بينه نبي الإسلام، تسوق إلى الإقناع بالفكرة السامة التي تنأى بأبناء العصر عن معجزة نبي أمي بعث في قوم أميين، في عصر كان يركب الناقة والجمل لا المرسيدس والرولزرويس والبوينج وأبوللو، ويستضئ بالحطب لا بالكهرباء والنيون، ويستقى من نبع زمزم ومياه الآبار والأمطار لا من مصفاة الترشيح ومياه فيشي ومرطبات الكولا !!، ونتورط من هذا إلى المنزلق الخطر، يتسلل إلى عقول أبناء هذا الزمان وضمائرهم، فيرسخ فيها أن القرآن إذا لم يقدم لهم علوم الطب والتشريح والرياضيات والفلك والفارماكوبيا وأسرار البيولوجيا والإلكترون والذرة فليس صالحاً لزماننا ولا جديرا بأن تسبغه عقليتنا العلمية ويقبله منطقنا العصري“.فأي عربي وثن ي من أجلاف البادية كان ينطقها هكذا فأين الإعجاز العلمي في هذا الكلام ؟!،
نقد المذهب عند الإمام الأكبر محمود شلتوت: أنكر الإمام الأكبر الشيخ شلتوت في مقدمة تفسيره على طائفة من المثقفين أخذوا بطرف من العلم الحديث، وانتقلوا أو تلقفوا شيئا من النظريات العلمية والفلسفية وغيرها، وأخذوا يستندون إلى ثقافتهم الحديثة، ويفسرون آيات القرآن على مقتضاها، وقال الشيخ عن هؤلاء:(نظروا في القرآن فوجدوا الله سبحانه وتعالى يقول"مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ" فتأولوها على نحو زيَّن لهم أن يفتحوا في القرآن فتحًا جديدًا، ففسروه على أساس من النظريات العلمية المستحدثة، وطبقوا آياته على ما وقعوا عليه من قواعد العلوم الكونية، وظنوا أنهم بذلك يخدمون القرآن، ويرفعون من شأن الإسلام، ويدعون له أبلغ دعاية في الأوساط العلمية والثقافية.نظروا في القرآن على هذا الأساس، فأفسد ذلك عليهم أمر علاقتهم بالقرآن، وأفضى بهم إلى صورة من التفكير لا يريدها القرآن، ولا تتفق مع الغرض الذي من أجله أنزله الله.هذه النظرة للقرآن خاطئة من غير شك؛ لأن الله لم يُنزل القرآن ليكون كتابًا يتحدث فيه إلى الناس عن نظريات العلوم ودقائق الفنون وأنواع المعارف.وهي خاطئة؛ لأنها تعرّض القرآن للدوران مع مسائل العلوم في كل زمان ومكان، والعلوم لا تعرف الثبات ولا القرار ولا الرأي الأخير، فقد يصح اليوم في نظر العالم ما يصبح غدًا من الخرافات.فلو طبقنا القرآن على هذه المسائل العلمية المتقلبة، لعرضناه للتقلب معها، وتَحَمّل تبعات الخطأ فيها، ولأوقفنا أنفسنا بذلك موقفا حرجا في الدفاع عنه ).
نقد المذهب عند سيد قطب: كما تعرض سيد قطب- في مرحلته الفكرية الاسلاميه المعتدلة ، وقبل انتقاله لمرحلته الفكرية الاخيره المتطرفة التكفيرية - لهذا المذهب بالنقد ، حيث يقول عند تفسير الآية: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ)( وإني لأعجب لسذاجة المتحمسين لهذا القرآن، الذين يحاولون أن يضيفوا إليه ما ليس منه، وأن يحملوا عليه ما لم يقصد إليه، وأن يستخرجوا منه جزئيات في علوم الطب والكيمياء والفلك وما إليها… كأنما ليعظموه بهذا ويكبروه!. إن القرآن كتاب كامل في موضوعه، وموضوعه أضخم من تلك العلوم كلها…)، كما وصف حقائق القرآن الكريم بأنها نهائية ، ووصف ما يصل إِليه الإِنسان ببحثه وجده بأنها حقائق غير نهائية ولا قطعية ، وجعل تعليق الحقائق القرآنية النهائية بحقائق غير نهائية ولا قطعية خاصة تعليق تطابق وتصديق خطأ منهجي، هذا إِذا كانت حقائق، وأما إِذا كانت فرضيات ونظريات فإِضافة إِلى خطئها المنهجي فإِنها تنطوي وتوحي بمعان غير مقبولة فهي توحي بـ: 1- الهزيمة الداخلية التي تخيل لبعض الناس أن العلم هو المهيمن والقرآن تابع .2- سوء فهم طبيعة القرآن ووظيفته .3- التأويل المستمر مع التمحل والتكلف لنصوص القرآن كي تحمل، ويلهث بها وراء الفروض والنظريات المتعددة والمتغيرة ( ظلال القرآن ج 1 م 180- 182 طبعة دار الشروق)
نقد المذهب عند محمد كامل حسين : وصف محمد كامل حسين هذا النوع من التفسير بأنه " بدعة حمقاء " ، بل جعل هذا الوصف وسما لفصل هو " التفسير العلمي بدعة حمقاء "، وقال عنه مرة أخرى بأنه " التفسير الحرباوي " إِشارة إِلى تغيره بتغير العلوم كما تغير الحرباء جلدها.