09 - فك ختم الفص اليوسفى .كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص على فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص أبو المعالي محمد بن إسحاق صدر الدين القونوي
فك ختم الفص اليوسفى على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
09 - فك ختم الفص اليوسفى
1 / 9 - المضاف الى الصفة النورية . اعلم ان النور الحقيقي يدرك به وهو لا يدرك، لأنه عين ذات الحق من حيث تجردها عن النسب والإضافات، ولهذا سأل النبي صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك ؟
فقال: نورانى اراه ؟
اى : النور المجرد لا يمكن رؤيته وكذا أشار الحق في كتابه لما ذكر ظهور نوره في مراتب المظاهر وقال : " الله نُورُ السَّماواتِ والأَرْضِ " [ النور / 35 ] فلما فرغ من ذكر مراتب التمثيل .
قال : " نُورٌ عَلى نُورٍ " [ النور / 35 ] فأحد النورين هو الضياء والاخر النور المطلق الأصلي ولهذا تمم فقال : " يَهْدِي الله لِنُورِه من يَشاءُ " [ النور / 35 ] اى يهدى الله بنوره المتعين في المظاهر والساري فيها الى نوره المطلق الاحدى .
2 / 9 - ولما سأل ابن عباس رضى الله عنه عن رؤية النبي صلى الله عليه و سلم ربه أخبر انه رآه ، فأخبر بقول عائشة رضى الله عنها وقولها عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد سألته عن رؤية ربه وقوله : "نور انى اراه " ؟
فراجع السائل ابن عباس في ذلك فقال ابن عباس : ويحك !
ذاك إذا تجلى في نوره الذي هو نوره، اى انما يتعذر الرؤية والإدراك باعتبار تجرد الذات عن المظاهر والنسب والإضافات، فاما في المظاهر ومن وراء حجابية المراتب :فالادراك ممكن .
كما قيل :
كالشمس تمنعك اجئلائك وجهها .... فإذا اكتست برقيق غيم أمكنا
3 / 9 - والى مثل هذا أشار النبي صلى الله عليه وسلم في بيان الرؤية الجنانية المشبهة برؤية الشمس والقمر ، فأخبر عن اهل الجنة انهم يرون ربهم وانه ليس بينه وبينهم حجاب الا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن فنبه صلى الله عليه وسلم على بقاء رتب الحجابية وهي رتبة المظهر .
فاعلم ذلك ، وإذ قد نبهتك على شأن النور الحقيقي وانه يدرك به وهو لا يدرك .
4 / 9 - فاعلم ان الظلمة لا تدرك ولا يدرك بها ، وان الضياء يدرك ويدرك به ، ولكل واحد من الثلاثة شرف يختص به : فشرف النور الحقيقي هو من حيث الاولية والاصالة ، إذ هو سبب انكشاف كل مستور.
وشرف الظلمة هو انه باتصال النور الحقيقي بها يتأتى ادراك النور مع تعذر ذلك قبل الاتصال وشرف الضياء هو من حيث الجمع بالذات بين الأمرين، واستلزام ذلك حيازة الشرفين .
5 / 9 - وللنور الحقيقي ثلاث مراتب آخر: إحداها مشاركة للوجود المحض المطلق والاخرى مشاركة للعلم الحقيقي المطلق ايضا والثالثة اختصاصه بالجمع الذي له الظهور والاظهار. وسأعرفك سر هذه الجمعية واختصاصها بالضياء ومحتده بحيث يعرف منه حقيقة عالم المثال ايضا .
226
6 / 9 - فاما وجه اتحاد العلم مع الوجود والنور فهو من جهة ان كلا منها من شأنه كشف المستور اما الكشف بالوجود فهو من جهة ان الوجود لما كان واحدا في الأصل وعرضت له التعددات المختلفة.
علم ان ثم معدودات متفاوتة القبول، فصار الوجود من هذا الوجه سببا لمعرفة الماهيات المعدومة، إذ لولاه لم يعلم ان ثمة ماهيات اصلا واما العلم فيكشف الماهيات المعدومة قبل الكشف الوجودي.
ويعرف بكيفية قبولها للوجود وتوابع ذلك من بقاء وفناء وبساطة وتركيب وغير ذلك من اللوازم واما كشف النور فهو متأخر عن الكشف الوجودي لكنه يشترك الوجود والعلم في معقولية الكشف . فافهم .
7 / 9 - وإذا تقرر هذا فاعلم ايضا ان كل واحد من الوجود والعلم والنور لا يتميز بينهم في ان كل واحد من حيث وحدته وإطلاقه لا يدرك ولا يرى.
بل تعدد بينهم في حضرة الاحدية الذاتية ، ويتميز الوجود عن العلم بكون المعلومات تعدد العلم من حيث التعلقات في مرتبة التعقل لا غير - بخلاف الوجود - فان الموجودات تعدده وتظهره للمدارك في المراتب التفصيلية .
8 / 9 - واما الفرق بين النور الحقيقي ومسمى الوجود المحض فهو من جهة ان الوجود يظهر للمدارك بقابلية المعلومات المعدومة المتعينة في علم الحق ، والنور المحض لا يمكن إدراكه الا في مظهر موجود.
فاعلم ذلك وتدبره تعرف الفرق بين الحقائق وهي الماهيات الأسماء الإلهية وبما ذا يتميز بعضها عن بعض والفرق بين حكم الوجود وحكم العلم وحكم النور وشأن كل واحد منهم مع الاخر وشأن الثلاثة مع غيرهم من التوابع واللوازم والأسماء متفرعة عنهم. والله الهادي.
9 / 9 - ثم أقول : ان النور المحض المشار اليه لا يغاير وجود الحق ، ولا شك ان وجود المحض المتعقل في مقابلة العدم المضاد له.
فان للعدم الإضافي تعينا في التعقل لا محالة وله الظلمة، كما ان الوجود له النورية ولهذا يوصف الممكن بالظلمة.
فإنه يتنور بالوجود فيظهر في الوهم فقط فظلمته من احد وجهيه الذي يلي العدم، وكل نقص يلحق الممكن ويوصف به انما ذلك من احكام نسبة العدمية.
واليه الإشارة بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ان الله تعالى خلق الخلق في ظلمة ثم رش عليهم من نوره فظهر". رواه الترمذي، وأحمد والحاكم.
وخلق هاهنا بمعنى التقدير، فان التقدير سابق على الإيجاد، ورش النور كناية عن افاضة الوجود على الممكنات. فاعلم ذلك.
10 / 9 - وإذا تقرر هذا فأقول: فالعدم المتعقل في مقابلة الوجود لا تحقق له دون التعقل ، والوجود المحض لا يمكن إدراكه.
فمرتبة العدم من حيث تعقل مقابليته للوجود كالمرآة له، والمتعين بين الطرفين هو حقيقة عالم المثال والضياء الذاتية ثم سرى هذا الحكم في كل متوسط بين شيئين انه إذا كان نسبته الى احد الطرفين اقوى من نسبته الى الطرف الاخر، ان يوصف بما يوصف به ذلك الطرف الغالب ويسمى باسمه.
11 / 9 - الا ترى انه لما كان عالم الأرواح وما فوقه من عوالم الأسماء والصفات موصوفا بالنور والوجود الأبدي كانت صور عالم الكون والفساد موصوفة بالكدورة والظلمة ؟ لكونها في مقابلة عالم الأرواح الذي هو عالم النور، ولهذا لقبه شيخنا رضى الله عنه هذه الحكمة بالنورية، وإلا فهي حقيقة ضيائية لا نورية محضة.
واما المتوسط بين نشأة الإنسان العنصرية وبين الروحانية ومعناه: فهو العالم الخيال المقيد، والصورة الظاهرة فيه يكون بحسب نسبة ذى الخيال المقيد من الطرفين.
فان قويت نسبته الى طرف الأرواح وما فوقها، كانت تخيلاته صحيحة حقية وجودية علمية نورانية.
وان قويت نسبته الى عالم الحس لغلبة احكام صورها المنحرفة الكائنة الفاسدة وأحوالها المختلفة البعيدة عن الاعتدال، كانت تخيلاته يقظة ومناما تخيلات فاسدة وآرائه واعتقاداته غير صائبة لخلوها عن النور العلمي وخاصية الوجود الأبدي، فسميت اضغاث احلام
12 / 9 - ولما اشاره شيخنا رضى الله عنه في هذا الفص اليوسفى الى طرف من حال العالم وإيجاده ونسبته من جناب الحق تعين على ان اذكر أصله اعنى اصل الإيجاد وموجبه : وان كنت المعت بطرف منه منذ قريب ، لكني اذكر الان تتمة ولو على سبيل الإجمال .
13 / 9 - فأقول : اعلم ان الحق هو النور ، والنور لا يمكن ان يرى في النور ، فكمال رؤية النور موقوف على مقابلة الظلمة ، فمتعلق حب الحق ايجاد العالم انما موجبه حب كمال رؤية الحق نفسه جملة من حيث هويته ووحدته وتفصيلا من حيث ظهوره في شئونه .
ولما كان من البيّن ان كل ما لا يحصل المطلوب الا به فهو مطلوب، لزم تعلق الإرادة الإلهية بايجاد العالم لتوقف حصول المطلوب الذي هو عبارة عن كمال الجلاء والاستجلاء عليه.
14 / 9- ولما كانت الشئون الإلهية ذاتية وكان الاستجلاء التام للذات لا يحصل الا بالظهور في كل شأن منها بحسبه ورؤيته نفسه من حيث ذلك الشأن وبمقدار ما يقبله من إطلاقه وتعينه وخصوصية.
فتوقف كمال رؤيته على ظهوره في جميع الشئون ولما كانت الشئون مختلفة من حيث خصوصياتها وغير منحصرة، وجب دوام تنوعات ظهوراته سبحانه بحسبها لا الى أمد ولا غاية، وهذا هو سر كون الحق خلاقا على الدوام الى ابد الآباد.
15 / 9 - لما كانت المراتب من وجه محصورة في الظهور والبطون والاعتدال والانحراف المعنويين ثم الروحانيين ثم المثاليين ثم الحسيين وكمال الجمع ونقصانه اقتضى الامر استمرار حكم الظهور والاظهار بالإيجاد.
واستمرار وجود الانحراف والاعتدال والنقص والكمال للاكمال، بحسب المراتب والمواطن وخصوصياتها وخصوصيات القوابل، كالهيئات الاجتماعية والأحوال والتركيبات المتعقلة في الصور والامزجة، والتضعيفات العددية الدائمة الحكم والمتناهية الآجال.
16 / 9 - ثم ارجع وأقول : اعلم ان مستوى النور من كونه يدرك ويدرك به هو المسمى بالضياء ومحتده عالم المثال كما مر .
وله ، اى لعالم المثال مرتبة عامة من حيث هي تسمى عالم المثال المطلق وله مرتبة خاصة ذات تقيدات يختص بعالم خيال النوع الإنساني وكل متخيل ، وبه نبهت في الفص الإسحاقي ان الناس في خيالاتهم المقيدة على قسمين.
وذكرت من حال كل قسم ما يسر الله ذكره : وسأذكر هنا تتمات توضح المقصود ان شاء الله تعالى .
17 / 9 - فأقول : من جملة احوال احد القسمين هو ان كل من غلب على خياله الصفات التقيدية واحكام الانحرافات الخلقية والمزاجية ، فإنه لا يدرك مشرع خياله ومحتده من عالم المثال ولا يتصل به عن علم وشهود وان كانت الوصلة غير منقطعة .
ومن حصل له سير في خياله المقيد حتى انتهى الى طرفه المتصل بعالم المثال المطلق بحيث يتأتى له التجاوز من خياله الى عالم المثال، فإنه يدخله فيدرك فيه ما شاء الحق ان يريه منه.
بل قد يخرج منه كما بينا في الفص الإسحاقي الى عالم الأرواح ثم الى فسيح حضرة العلم، فيستشرف على جملة من المغيبات والكوائن المقدر ظهورها في عالم الحس .
18 / 9 - فالمعبر إذا سمع الرؤيا ممن رآها وسأله تعبيرها لعدم علمه بما رأى وما المراد من تلك الصور الممثلة له.
وكان المعبر تام المعرفة بالتعبير وبمواطن الرؤيا، فإنه يشخص الرؤيا في خياله، فإذا شخصها اسراها الى ان يدخله عالم المثال ، فيرى نسبة تلك الرؤيا من عالم المثال ويستدل بتلك النسبة على الرؤيا وتتضمنه .
بل قد يعديها الى عالم الأرواح وما بعدها حتى يقع على الامر الذي قصد ابدائه في تلك الصورة الممثلة بها فيخبر عن المراد، ويسمى ذلك الاخبار تعبيرا، وما وجد في الرؤيا من خلل يفضي بعدم المطابقة بين المعنى المقصود إبانته والتعريف به وبين الصورة الممثلة.
علم ان ذلك من كدورة الباطن صاحب الرؤيا وانحراف مزاجه وفساد هيئة دماغه واختلال أحواله الحسية، كالكذب وسوء سيره والانهماك على امر خسيس ينغمس به أوقاته وأحواله المحمودة بحيث يستهلك احكام صفاته وأحواله المحمودة في ضمن ذلك الوصف الغالب.
والامر بالعكس إذا كان الحال بالعكس واليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم: أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا .
19 / 9 - ثم نبه في حديث أخر على كليات اقسام الرؤيا وحكم الاعتدال فيها والانحراف فقال صلى الله عليه وسلم الرؤيا ثلاث :
رؤيا من الله ، وهي التي ظهور حكمها موقوف على تهيئة واستعداد معتدلين وصفاء محل وطهارة نفس ليتأتى لصاحبها تلقى ما يصل اليه من التعريفات الإلهية والاستجلاء الروحانية والمعنوية بواسطة الصور المثالية .
ثم قال صلى الله عليه وسلم: رؤيا تخزين من الشيطان، وهي التي قلنا انها نتيجة الانحرافات المزاجية والكدورات النفسانية وفساد الهيئة الدماغية ونحو ذلك مما سبق التنبيه عليه.
ثم قال صلى الله علييه وسلم: ورؤيا مما حدث المرء به نفسه، وهذه من آثار الصفات الغالبة الحكم على نفس الرائي حال رؤيته مثل هذه الرؤيا، واثر الحال القاهر ايضا الذي يتلبس الرائي.
20 / 9 - ثم اعلم: ان من اقوى الأسباب الموجبة اطلاع النائم على ما يراه ، وهو توحد توجهه وجميع همه وميله الى الاعراض عن جل احكام الكثرة.
وترجيحه: تعطيل تصرفاته المتنوعة طلبا للراحة لشعور نفسانى من خلف حجاب الطبع، يقضى بان الراحة منوطة بالاعراض اللازم لما ذكر، هذا ترجيحه، وان لم يتحقق اصل هذه المسألة وعموم حكمها في سائر الأنواع الاطلاعات .
21 / 9 - واما مواد الصور التي يتمثل له من حيث هي لا من حيث معانيها فهي الأشياء المصاحبة له من عالم حسه ويقظته وآثار الأوصاف والأحوال الغالبة عليه حينئذ.
كما سبقت الإشارة اليه، فان لهذه الأمور اندراجات بعضها مع بعض طبيعية وعقلية معنوية، ولتلك الامتزاجات بعضها مع بعض احكام تسوى في صورة التمثيل.
فيظهر حسنا وقبحا بحسب درجات الاعتدال والانحراف الطبيعي والمعنوي الخصيص بالصفات والأحوال والعلوم والاعتقادات، ولآخر انفاس اليقظة التي يتلوه النوم سلطنة قوية بحسب ما كان
الباطن به حالتئذ مغمورا.
فان لم يكن الباطن مغمورا بشيء وخلا بالكلية من الخواطر والتعلقات وخواص الأفعال والصفات القريبة العهد بالشخص كان ذلك سببا معينا في مزيد الاطلاع وصحة ارتسام ما اطلع عليه النائم في نفسه .
22 / 9 - واما تأخر ظهور حكم المنافاة فإنه دليل على علو مرتبة النفس لكونها أدركت ما سيكون في العوالم العالية جدا ، القريبة من حضرة العلم وعالم المعاني المجردة.
فلا بد من فترة واقعة بين زمان الاطلاع وزمان ظهور حكم ما وقع الاطلاع عليه في الحس بمقدار ما يقتضي مكث ذلك الامر في كل سماء الى ان ينصبغ بحكمه ويأخذ حصته من ذلك الفلك وما فيه.
ثم يمر متنازلا الى الفلك الذي هو دونه، وهكذا الى آخر فلك طلبا للاستتمام ومستصحبا قوى ما يمر عليه.
فان لكل كائنة وامر يظهر في هذا العالم من حال انفصاله المعنوي من مقام القلم الأعلى واللوح المحفوظ واتصاله بالعرش ثم الكرسي وفي كل سماء، منزلا ومقاما، وذلك لما مر بيانه.
23 / 9 - وقد ورد في الحديث: ان الامر الإلهي يبقى في الجو بعد مفارقته سماء الدنيا ثلاث سنين حتى يصل الى الأرض ويتصل بالمحل المختص به. وهذا من المكاشفات المجربة والمتفق عليها.
24 / 9 - وسرعة ظهور حكم الرؤيا وما عبرت به دليل على ضعف نفس الرائي وان صفت فإنها لم تفق على الترقي والعروج لتدرك صور الأمور والكوائن المقدر وقوعها في العوالم العالية ، بل كان غاية عروجها حال اعراضها عن التعلقات البدنية والشواغل الكونية الجو الذي بين الأرض وبين الفلك الأول.
فأدركت بذلك القدر من الصفاء الذي استفاد به بعض الكوائن في أثناء الجو، فلم يتأخر ظهوره. وهذا حال اهل البداية من السالكين، وقد جربنا ذلك كثيرا في أصحابنا واصحاب غيرنا من الشيوخ، وكذلك في أنفسنا زمان البداية.
25 / 9 - ورأيت من الشيخ الامام العارف المحقق سعد الملة والدين محمد المؤيد الحموئى قدس الله نفسه الزكية انه كان يرى الكوائن في، عالم المثال المطلق ويعلم حالتئذ ان المرئي صورة معلومة ذلك الشيء المتعين في علم الحق ازلا مثلت له وانه لأبدي ، ظهور ذلك الشيء في الحس بصورة ما رآه هناك دون تغير ولا تبديل.
26 / 9 - ورأيت غير واحد من ممن له هذه الرؤية غير ان أكثرهم لم يكن له علم بان الذي رآه عبارة عن عين ثابتة من جملة المعلومات المتعينة في علم الحق ازلا وابدا على وتيرة واحدة مثلت له صورتها في عالم المثال المطلق وانه سيدخل هذا العالم الحسي بتلك الصورة .
27 / 9 - واما ما شاهدته وذقته وجربته من ذوق شيخنا رضى الله عنه وأرضاه فأعظم واعلى من ان يتسلق الفهوم اليه او يستشرف العقول عليه.
فإنه كان يستجلى المعلومات الإلهية في حضرة العلم ويخبر عن كيفية تبعية العلم للمعلوم وكون العلم لا اثر له في المعلوم، بل المعلوم يعين تعلق علم العالم به ويعطيه ذلك من ذاته.
فان كان علم العالم علما ذاتيا أزليا: كان العطاء من المعلوم عطاء ذاتيا أزليا، لان تعين المعلوم في العلم الإلهي الأزلي تعين أزلي ابدى على وتيرة واحدة وان كان علم العالم علما انفعاليا حادثا كان تعلقه بالمعلوم تعلقا حادثا انفعاليا مثله هذا.
مع تبعية العلم من حيث تعلقه للمعلوم لى كل حال، وكان يشهد الاستعدادات التي للناس جزئياتها وكلياتها ويشهد نتائجها وما يستمر كل استعداد منها الى منتهى امر كل انسان في مرتبة شقائه وسعادته، وكان إخباره عنه تابعا لنظرة مخصوصة ينظر بها الى الشخص.
اى شخص أراد الاستشراف على كنه حاله وما يستقبله الى حين مستقره في مآله في مرتبة نقصه او كماله ثم يخبر ولا يخطئ.
28 / 9 - شاهدت ذلك منه في غير واحد وفي غير قضية من الأمور الإلهية والكونية ، واطلعت بعد فضل الله وببركته على سر القدر ومحتد الحكم الإلهي على أشياء ، وبشرنى بالاصابة في الحكم بعد ذلك في ما احكم به بسبب هذا الاطلاع ونيل ما يتعلق الإرادة بوقوعه بموجب هذا الكشف الأعلى ، فلم ينخرم الامر على ولم ينفسخ.
والحمد لله المنعم المفضل.
.