مفاهيم التصوف الاستخلافى:
دلالات مصطلح التصوف: لمصطلح”التصوف” دلالتين أساسيتين :
أولا: الدلالة الاصليه “التاريخية”: وهى محل خلاف ، فقد اختلف الباحثون في اشتقاق كلمة صوفي إلى أراء متعددة ، والراى الراجح - فيما نرى- أنها مشتقة من الصوف ويقال الصوفي للرجل إذا لبس الصوف، وكثير من الصوفية يرون هذا الرأي ومنهم السراج الطوسي في كتابه (اللمع)، وأيده ابن خلدون وآخرون منهم الإمام ابن تيميه. وبناء على هذا فان الدلالة الاصليه التاريخية للمصطلح مشتقه – على الأرجح- من لبس الصوف كعلامة كانت تميز الصوفية في مراحل تاريخية سابقه،حيث كان برمز إلى الزهد كقيمه أساسيه في التصوف.
الدلالات التبعية “اللاحقة”: وهى دلالات متعددة، حيث تعددت تعريفات التصوف بتعدد المواقف منه ،و الزوايا المنظور منها إليه،وعناصره التي يتم التركيز عليها ..
تعريف التصوف الاستخلافى : أما التعريف الذي نرجحه ، والمستند إلى الاستخلاف كفلسفة ونظريه في المعرفة ومنهج إسلاميين فهو تعريف التصوف بأنه: الترقي الروحي للإنسان المقيد تكليفيا بمفاهيم وقيم وقواعد الوحي الكلية وتكويني بالسنن الالهيه الكلية والنوعية التي تضبط حركه الوجود الشهادى الشامل للوجود الاستخلافى “الإنسان” والتسخيرى “الطبيعي “. وهذا الترقى الروحي يمثل البعد التكليفى لسنه “الكدح إلى الله “النوعية ، المشار إليها في الايه “يا أيها الإنسان انك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه ” والذي مضمونه أن تأخذ حركه الإنسان شكل فعل غائي محدود بغاية مطلقه (الالوهيه) وفعل مطلق( الربوبية) ، والذي يحدد – ولا يلغى – بعدها التكويني الذي مضمونه أن حركة الإنسان تتم عبر ثلاثة خطوات: المشكلة فالحل ، هذا التعريف يستأنس بتعريف الإمام ابن القيم للتصوف والذي مضمونه أن التصوف (…زاوية من زوايا السلوك الحقيقي وتزكية النفس وتهذيبها لتسعد لسيرها إلى صحبة الرفيق الأعلى، ومحبة فإن المرء مع من أحب)..هذا التعريف للتصوف يمثل مضمون التصوف الاستخلافى ،القائم على الربط بين التصوف ومفهوم الاستخلاف بأبعاده الفلسفية والمعرفية والمنهجية، وبالتالي يلزم منه تكريس الاستخلاف بأبعاده المتعددة” السياسية والاقتصادية والاجتماعية…
انطلاق التصوف الاستخلافى من التصوف السني: واستناد التصوف الاستخلافى لهذا التعريف للتصوف ، والذي يقيده ” تكليفيا ” بمفاهيم وقيم وقواعد الدين الكلية ، يعنى انه ينطلق من التصوف السني القائم على الضبط الشرعي للاعتقاد والسلوك الصوفي ،والمتضمن للالتزام بالضوابط الشرعية لهما، من خلال موافقة مذهب أهل ألسنه ، القائم على الضبط الشرعي لاعتقاد وسلوك المسلم ، ومفارقه الاعتقاد بالمفاهيم الاجنبيه ” كالحلول والاتحاد ووحده الوجود” ، والسلوك المخالف للكتاب والسنة.
الالتزام التصوف الاستخلافى باليات الضبط الشرعي للاعتقاد والسلوك الصوفي: اتساقا مع ما سبق فان التصوف الاستخلافى يلتزم بآليات الضبط الشرعي للاعتقاد والسلوك الصوفي التي قررها علماء أهل السنة – وكذا أعلام التصوف السني- ومن هذه الآليات :
ا/عدم مخالفه الكتاب والسنة : يقول الإمام النووي(أصول طريق التصوف خمسه: تقوى الله في السر والعلانية، وإتباع السنة فى الأقوال والأفعال ، والإعراض عن الخلق في الإقبال والإدبار، والرضا عن الله فى القليل والكثير ، والرجوع إلى الله في السراء والضراء )(رسالة المقاصد في التوحيد والعبادة وأصول التصوف/ ص 20).
ب/ التمييز بين الأصيل والمدسوس: يقول الإمام ابن تيميه (وان سمع شي من ذلك- اى الحلول والاتحاد- منقول عن بعض أكابر الشيوخ فكثير منه مكذوب ، اختلقه الافاكون من الاتحادية المباحيه الذين أضلهم الشيطان) (مجموع الفتاوى ، كتاب التصوف ص74) .
ج/ التمييز بين الصوفية وأدعياء التصوف : يقول الإمام السيوطي (قد كثر في التصوف الدخيل على القوم ، تشبهوا بأهله وليسو منهم، فادخلوا فيه ما ليس منه، فادى ذلك إلى اسائه الظن بالجميع، فوجه أهل العلم التمييز بين الصنفين، ليعلم أهل الحق من أهل الباطل )(الرسالة القشيريه، ص 16).
د/ حمل المقولات “الصوفية ” على وجهها الصحيح الذي يتفق مع الشرع: يقول الإمام ابن تيمية ( وفي كلام أهل التصوف عبارات موهمة في ظاهرها بل وموحشة أحيانًا، ولكن تحتمل وجهًا صحيحًا يمكن حملها عليه، فمن الإنصاف أن تحمل على الوجه الصحيح … ) (مجموع الفتاوى /ص337).
رفض التصوف البدعى: والتصوف الاستخلافى هو نقيض للتصوف البدعى ” الذي يطلق عليه – خطا – اسم التصوف الفلسفي”، والمستند إلى مفاهيم أجنبيه “كالحلول والاتحاد ووحده الوجود”، والذي لا يلتزم بالضبط الشرعي للاعتقاد والسلوك الصوفي، يلزم منه تكريس ثنائيه الاستكبار- الاستضعاف.
خطا اسم “التصوف الفلسفي”: قسم بعض الباحثين المعاصرين التصوف إلى قسمين هما:
اولا:التصوف السني: ويستند إلى مذاهب أهل السنة الفقهية والاعتقاديه – وعلى وجه الخصوص المذهب الاشعرى .ثانيا: التصوف الفلسفي: ويستند إلى مفاهيم وعقائد أجنبية ، ويتضمن عدة مذاهب هى: أ. مذهب الحلول.ب. مذهب الاتحاد ج. مذهب وحدة الوجود، غير أن تسميه القسم الثاني من أقسام التصوف بالتصوف الفلسفي خاطئة لعد أسباب أهمها: أولا: أن هذا الاسم قائم على افتراض مضمونه أن مصدر هذه المفاهيم والعقائد الاجنبيه هو الفلسفة ، وهو افتراض خاطئ ، لان المصدر الاساسى لهذه المفاهيم هو بعض الديانات الشرقية القديمة- الوثنية- (كالهندوسيه القائلة بالحلول ووحده الوجود) . ثانيا: أن هذا الاسم يوحى بالتعارض المطلق بين الفلسفة والتصوف، بينما هناك مذاهب فلسفيه تتعارض مع التصوف ، وكما أن هناك مذاهب فلسفيه تتفق مع التصوف. ثالثا: أن هذا الاسم يوحى بالتعارض المطلق بين الفلسفة والدين بينما هناك مواقف ومذاهب فلسفيه تتعارض مع الدين ، وأخرى تتفق معهما..رابعا: أن نقيض السنة هو ألبدعه – وليس الفلسفة- وبالتالي فان نقيض “التصوف السني” هو “التصوف البدعى “.خامسا: أن هذا الاسم يوحى بان التصوف يتعارض مع التفكير العقلاني – لان الفلسفة هي نمط من أنماط التفكير العقلاني- بينما الاستناد إلى الحدس كوسيلة للمعرفة-كما في التصوف – لا يلزم منه بالضرورة نفى الاستناد العقل كوسيلة للمعرفة – كما في الفلسفة –
التصوف الاستخلافى وأبعاد الوجود الانسانى : ينطلق التصوف الاستخلافى من التصور – الاسلامى - للوجود الانسانى ، الذي مضمونه أن الوجود الانسانى وجود مركب وليس وجود بسيط ، فهو ذو أبعاد متعددة، وانه يجب الإقرار بالقيمة المتساوية لهذه الأبعاد المتعددة ، فهو بهذا يثبت الوجود الانسانى بأبعاده المتعددة – ومن ثم يثبت فاعليته- وقد ساهم في هذا انه يستند إلى التصوف السني الذي لم يلزم من تأكيده على بعض أبعاد الوجود الانسانى إلغاء أبعاده الأخرى. فهو نقيض لنمط أخر من أنماط التصوف ، يلزم منه تكريس الاستضعاف بإلغائه للوجود الانسانى – بإلغائه لبعض أبعاده – ومن ثم إلغاء فاعليته ، ومن ثم فتح الطريق أمام الخضوع للاستكبار بإشكاله المتعددة – لذا يمكن أن نطلق عليه اسم التصوف الاستضعافى- والعلة في ذلك انه يستند إلى التصوف البدعى ” الذي يطلق عليه – خطا – اسم التصوف الفلسفي،والذي يتطرف في التأكيد على بعض أبعاد الوجود الانسانى ، لدرجه إلغاء أبعاده الأخرى .
الأبعاد السلبية والايجابية للوجود الانسانى: فالبعد السلبي للوجود الانسانى ” التحرر من القيود المفروضة على مقدره الإنسان على الترقي” لا يلغى البعد الايجابي له ” المقدرة على الترقى” فكلاهما متساويان في القيمة، واولويه البعد الأول على البعد الثاني اولويه ترتيب لا اولويه تفضيل. وقد اقر التصوف السني البعد الأول دون إلغاء البعد الثاني يقول أبو الحسن الشاذلي : ( التصوف : تدريب النفس على العبودية ، وردها لأحكام الربوبية ). أما التصوف البدعى فقد تطرف في تأكيد على البعد الأول ، لدرجه إلغاء البعد الثاني، ممثلا في تحرره من الضوابط ألتكليفيه ” بالقول بسقوط التكاليف” والتكوينية” بالقول بخرق العادة المضطردة ” ، التي وضعها الإسلام لضمان استمرار مقدره الإنسان على الترقي الروحي والمادي .
الأبعاد ألروحيه والمادية: والبعد الروحي للوجود الانسانى ” الترقي الروحي اى إشباع الحاجات الروحية ” ، لا يلغى البعد المادي له “الترقى المادي اى إشباع الحاجات المادية ” ، بل يحدده كما يحدد الكل الجزء فيكمله وبغنية، وقد أكد التصوف السني على البعد الأول، من خلال قوله بالاولويه القيميه- وليست الوجودية- للبعد الأول دون إلغاء البعد الثاني ، في حين تطرف التصوف البدعى في تأكيد البعد الأول ، لدرجه إلغاء البعد الثاني .
الأبعاد الذاتية والموضوعية: كما أن البعد الذاتي للوجود الانسانى ” تصور الذات للغايات”، لا يلغى البعد الموضوعي له ” لفعل اللازم لتحقيق الغايات “، فالعلاقة بينهما لا تخرج عن إطار جدل المعرفة من الموضوعي (المشكلة التي يطرحها الواقع) إلى الذاتي (الحل الذهني) إلى موضوعي مره أخرى من اجل تغييره (تنفيذ الحل في الواقع بالعمل). وقد اختار التصوف السنى تأكيد البعد الذاتي للوجود الانسانى،وهو ما يتضح في التركيز على النفس ، لكنه لم يلغى البعد الثاني ،فى حين تطرف التصوف البدعى في تأكيد على البعد الأول لدرجه إلغاء البعد الثاني فسقط في هوه الذاتية المطلقة وهو ما يتضح في : تصوره الهرمي للمعرفة (من الموضوعي إلى الذاتي)كبديل للتصور الجدلي للمعرفة(من الموضوعي إلى الذاتي إلى الموضوعي )
الأبعاد الفردية والجماعية: كما ان البعد الفردي للوجود الانسانى ” الترقي الفردي:اى حل المشاكل الخاصة” لا يلغى البعد الجماعي له ” الترقي الاجتماعي: اى حل المشاكل العامة”. فالجماعة بالنسبة للفرد كالكل بالنسبة للجزء تحده فتكمله وتغنيه ولكن لا تلغيه . وقد اختار التصوف السني التأكيد على البعد الفردي للوجود الانسانى، ممثلا في التركيز على الفرد دون إلغاء البعد التانى ، فى حين تطرف التصوف السني في تأكيد على البعد الأول لدرجه إلغاء البعد الثاني وهو ما يتضح من قوله بالعزلة والخلوة المستمرة ، وكذلك تصوره الصفوى القائم على تقسيم الناس إلى عامه وخاصة وخاصة الخاصة.
التصوف الاستخلافى والضبط الشرعى لمفهوم “الأحوال والمقامات “: ويقوم التصوف الاستخلافى على الضبط الشرعي لمفهوم” الأحوال والمقامات ،الذي أشار إليه أعلام التصوف الاسلامى من خلال:
أولا: اعتبار أن الأحوال والمقامات هى درجات “مراحل” الترقي الروحي للإنسان ونستند في ذلك إلى تقرير القرآن أن الوجود الإنساني ينبغي أن يكون في صعود دائم عبر درجات كما في قوله تعالى ﴿ يرفع الله الدين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات﴾،وقوله تعالى ﴿ ورفعنا بعضكم فوق بعض درجات ﴾. و أوجه الاختلاف بين الأحوال والمقامات، أن الأحوال تمثل الدرجات الذاتية لهذا الترقي الروحي ، متمثله في الأنماط الانفعالية والمعرفية ، التي تجئ كمحصله لالتزام الإنسان بمجموعه من القواعد التي تحدد للإنسان ما ينبغي أن يكون عليه وجدانه وتفكيره. بينما المقامات تمثل درجات هذا الترقي الروحي الموضوعية، متمثله في الأنماط السلوكية، التي تجئ كمحصله لالتزام الإنسان بمجموعه القواعد ، التي تحدد له ما ينبغي أن يكون عليه سلوكه.
ثانيا: رفض تصور التصوف البدعى للأحوال والمقامات ، والقائم على أن لهذا الترقي الروحي نهاية هي الوصول إلى الله تعالى “بالحلول أو الاتحاد او الوحدة “) ، وان كل درجه من درجات هذا الترقي الروحي تنعدم بالانتقال إلى درجه اعلي ، لأنه يتعارض مع العقيدة الاسلاميه ،والاخذ بتصور للأحوال والمقامات – يقارب تصور التصوف السني لها – مضمونه انه ليس للترقي الروحي للإنسان نهاية ، وان كل درجه من درجات هذا الترقي الروحي لا تنعدم بالانتقال إلى درجه اعلي ، وهنا نستأنس بقول الإمام ابن القيم (اعلم أن ترتيب هذه المقامات ليس باعتبار أن السالك يقطع المقام ويفارقه وينتقل منه إلى التالي بعده ، كمنازل السير الحسي، وإنما هذا الترتيب ترتيب المشروط المتوقف على شرط المصاحب له )( مدارج السالكين: 1/ 108 -109 ).
التصوف الاستخلافى والضبط الشرعي لمراتب الولاية في الفكر الصوفي : اثبت أهل السنة بمذاهبهم المتعددة الولاية استنادا إلى ثبوتها بنصوص يقينية الورود قطعيه الدلالة كقوله تعالى ( أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ، الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ ، لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ ، لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) (يونس:62-64 )، يقول ابن تيميه( ومن أصول أهل السنة : التصديق بكرامات الأولياء وما يجري الله على أيديهم من خوارق العادات في أنواع العلوم والمكاشفات ، وأنواع القدرة والتأثيرات …)( مجموع الفتاوى 3/156 ). واختار الفكر الصوفي الاسلامى بيان مراتب هذه الولاية ودرجاتها،وعبر عن هذه المراتب بمصطلحات كالأقطاب والابدال والأوتاد والنقباء والنجباء … غير أن إثبات أو نفى هذه المراتب ، ظل محل خلاف في الفكر الاسلامى بين مذاهب متعددة:
أولا:مذهب الإثبات: فهناك المذهب الذي يثبت هذه المراتب والدرجات، استدلالا ببعض النصوص، واحتجاجا بأقوال بعض العلماء، كما يفصل هذه المرتب و الدرجات ويبين خصائصها :فقد استدل هذا المذهب ببعض النصوص، ومنها ما أورده جلال الدين السيوطي في رسالة ( الخبر الدال على وجود القطب والأوتاد والنجباء والابدال ) المتضمنة في ( مجموع الحاوى للفتاوى ) . ومن هذه النصوص : روى الطبراني _في الأوسط _ عن انس (رضي الله عنه ) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) (لن تخلو الأرض من أربعين رجلا مثل خليل الرحمن , فيهم يسقون ,وبهم ينصرون , ما مات منهم احد الا أبدل الله مكانه آخر) ( قال الحافظ ابو الحسن الهيثمى في مجمع الزوائد اسناده حسن).
ثانيا:مذهب النفي : وهناك المذهب الذي ينفى هذه المراتب والدرجات ، ويرى أنها لا أصل لها في الشرع ، وأنها تستند إلى مفاهيم بدعيه ( كالحلول والاتحاد ووحده الوجود ) ،كما يستند هذا المذهب إلى نقد بعض علماء أهل السنة للنصوص الواردة فيها
ثالثا: مذهب الإثبات المقيد: والتصوف الاستخلافى يستند إلى مذهب الإثبات المقيد ، الذي يتجاوز موقفي الإثبات المطلق والنفي المطلق ، ويلتزم بموقف قائم على إثبات هذه المراتب والدرجات ، في حال اتساقها – أو عدم تعارضها- مع مفاهيم وقيم وقواعد الدين الكلية ، ونفى هذه المراتب والدرجات في حال تعارضها مع هذه المفاهيم والقيم والقواعد .
من الإجمال إلى التفصيل : فهذا الموقف يتجاوز مذهب الإجمال اى المذهب الذي يضع حكما كليا بالرفض أو القبول لهذه المراتب والدرجات، إلى المذهب التفصيل اى المذهب الذي يميز بين الكيفيات المتعددة لهذه المراتب والدرجات:
الكيفية الأولى : الاستناد إلى المفاهيم الاجنبيه ( المرفوضة) : فهناك الكيفية التي تستند إلى مفاهيم ونظريات ذات مصدر أجنبي ، تتعارض مع الإسلام كدين “كالحلول والاتحاد ووحده الوجود”، وهذه الكيفية مرفوضة من أعلام التصوف المعتبرين، لأنهم رفضوا هذه المفاهيم والنظريات الاجنبيه كما ذكرنا اعلاه.
الكيفية الثانية: الاستناد إلى مفاهيم وقيم وقواعد الدين(المقبولة) : وهناك الكيفية التي تستند إلى المفاهيم والقيم والقواعد الكلية للدين ، والفهم الصحيح للدين ، كما قرره السلف الصالح وعلماء أهل السنة ، وهذه الكيفية مقبولة . ويمكن الاستئناس هنا بإقرار بعض السلف وبعض علماء أهل السنة بمراتب ودرجات الولاية ، لكن بكيفية تتسق مع مفاهيم وقيم وقواعد الدين الكلية.
درجات للترقي القيمى – الروحي وليست درجات للوجود: بناء على ما سبق فانه يمكن القول أن مضمون مراتب ودرجات الولاية هي أنها درجات للترقي الروحي – القيمى للإنسان (كما تقرر الكيفية الثانية المقبولة )،وليست درجات للوجود (كما تقرر الكيفية الأولى )،فهي درجات لتحديد لحركه الإنسان – بما هي فعل غائي – بفعل مطلق ” الربوبية” وغاية مطلقه ” الالوهيه ” أو درجات للكدح إلى الله تعالى بالتعبير القرانى (يا أيها الإنسان انك ادح إلى ربك كدحا فملاقيه )،اى هي درجات للعبودية والعبادة ، وليست إلغاء لتوحيد الربوبية والالوهيه. كما أنها درجات للصلاح ، قال تعالى (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً) (النساء).
مراتب الولاية لا تفيد القطع إلا بورود نص : ومراتب الولاية – في الكيفية الثانية المقبولة – لا تفيد القطع إلا في حاله وجود نص يفيد ذلك ، كما هو الحال عند الأنبياء (عليهم السلام ) والرسول (صلى الله عليه وسلم )الصحابة( رضي الله عنهم)، لأنه لا يمكن القطع بدخول احد الجنة أو النار ما لم يرد نص يفيد ذلك . قال الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) (إن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل الجنة، ثم يختم له بعمل أهل النار، وإن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل النار، ثم يختم له بعمل أهل الجنة) ( رواه الشيخان من حديث ابن مسعود )
الضبط الشرعي لمفهوم الولاية والتمييز بين الولاية الخاصة والعامة : وقبول مراتب ودرجات الولاية – في الكيفية الثانية – مشروط بالالتزام بالضبط الشرعي لمفهوم الولاية ، والتمييز بين الولاية الخاصة والولاية العامة، فالولاية لغة : لها معنيان: المعنى الأول القرب ( معجم مقاييس اللغة : 6/141) . والمعنى الثاني النصرة ( مفردات ألفاظ القرآن ، للراغب الأصفهاني ، ص 885).الولاية اصطلاحا: علاقة مضمونها القرب والنصرة، بين طرفين هما العبد وربه، فهي من جهة العبد التزام بشروطها الذاتية (التي عبر القران عن جملتها بالأيمان)، والموضوعية(التي عبر القران عن جملتها بالتقوى)، ومن جهة الله تعالى وعد بنفي الخوف والحزن،والبشرى في الدنيا والاخره. قال تعالى( أَلا إنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ ) [يونس : 62 – 64] .
أقسام الولاية: وللولاية قسمان:
القسم الاول: ولاية خاصة: وهى علاقة قرب ونصره بين الله تعالى وفرد معين ، وهذا القسم من أقسام الولايه يكون بواسطة الوحي، و يستلزم العصمة، وهو مقصور على الأنبياء والرسل، وبالتالي فانه بختم النبوة وانقطاع الوحي بوفاة الرسول (صلى الله عليه وسلم) انتهى هذا القسم من أقسام الولاية.
القسم الثانى: ولاية عامه: وهى علاقة قرب ونصره بين الله تعالى ومن التزم بشروط الولاية(الذاتية والموضوعية) بدون تعيين، لعموم الخطاب القرانى إلى الالتزام بشروط الولاية (الايمان والتقوى) ،يقول ابن كثير في تفسير الايه ( يُخْبِر تَعَالَى أَنَّ أَوْلِيَاءَهُ هُمْ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ كَمَا فَسَّرَهُمْ رَبّهمْ فَكُلّ مَنْ كَانَ تَقِيًّا كَانَ لِلَّهِ وَلِيًّا). وهذا القسم من أقسام الولايه لا يكون بواسطة الوحي ، بل بالالتزام بالوحي .ولا يستلزم العصمة إنما العدالة . لان الوحي والعصمة مقصوران على الرسل والأنبياء. وتتفاوت درجات الولاية العامة. مع اختصاص ألصحابه(رضي الله عنهم) فى الامه المحمدية بأعلى هذه الدرجات لقربهم من الرسول(ص)،ولشهادة القران لهم بالولاية.بناء على ما سبق فان المقصود بمراتب الولاية بعد وفاه الرسول )(صلى الله عليه وسلم ) وختم النبوة مراتب الولايه العامة، وليس مراتب الولاية الخاصة المقصورة على الأنبياء (عليهم السلام)،ويترتب على هذا انه لا يجوز المساواة في الدرجة، بين من نال اى مرتبه من مراتب الولاية العامة ، بعد وفاه الرسول (صلى الله عليه وسلم ) والأنبياء لان لهم درجه الولاية الخاصة ، كما لا يجوز المساواة بينه وبين ألصحابه (رضي الله عنهم ) ، لان لهم الدرجات العليا للولاية العامة.
أقسام الولاية ألعامه: وتنقسم الولاية إلى قسمين :
الأول :ولاية تكليفيه :متصلة بالالتزام بمفاهيم وقيم وقواعد الوحي الكلية ، والاجتهاد في المفاهيم والقيم والقواعد الجزئية،وتتضمن المجددين والعلماء بالدين.
الثاني:ولاية تكوينيه: وتتصل بالالتزام بالسنن الالهيه التي تضبط حركه الوجود الشهادى، الشامل للوجود الاستخلافى “الانسانى ” والتسخيرى “الطبيعي” ، وتتضمن الحكام العادلين وزعماء الامه عبر التاريخ الاسلامى…
مفهوم وحده الوجود : يتناول المفهوم طبيعة العلاقة بين وجود الله تعالى- الخالق ( اى الوجود الواحد غير مادي)، ووجود العالم أو الطبيعة - المخلوق (اى الوجود المتعدد المادي)، وهو مفهوم يقوم أولا على إثبات الوجود الأول، وثانيا على تقرير وحده الوجوديين الأول والثاني .
صيغتان للمفهوم : ويندرج تحت مفهوم وحده الوجود كثير من المذاهب ،ويمكن إدراج هذه المذاهب تحت صيغتين لوحده الوجود:
الصيغة الأولى: الوحدة المطلقة- الذاتية : وهى الصيغة الشائعة لمفهوم وحده الوجود،وهى إذ تلتقي مع الإسلام وصحيح الأديان السماوية في إثبات وجود الله تعالى – الخالق (اى الوجود الواحد غير المادي)، فإنها تتطرف في هذا الإثبات لدرجه إلغاء وجود العالم أو الطبيعة -المخلوق ( اى الوجود المتعدد المادي) ، فهي تقوم على الإثبات المطلق للوجود الالهى، والذي لا يسمح باى وجود (حقيقي) للوجود الكوني – الطبيعي. وهى إذ تقرر وحده الوجوديين الأول والثاني، فإنها تفهم هذه الوحدة على أنها خلط ومزج بين الوجوديين، فهي تقوم على الوحدة المطلقة بينهما.كما ترى أن الوجود الكوني – الطبيعي هو تجلى ذاتي للوجود الالهى (اى ظهور عين الوجود الالهى)، وترتب على هذا التجلي الذاتي إنكار اى وجود حقيقي للوجود الكوني – الطبيعي.
تناقضها مع التصور الاسلامى: هذه الصيغة تتناقض- فى ذاتها وفى ما يلزم منطقيا منها – مع التصور الاسلامى الصحيح للعلاقة بين الوجود الالهى والوجود الكوني الطبيعي، والمستند إلى مفهومي التنزيه و التوحيد، فمضمون مفهوم التنزيه أن وجوده تعالى غير محدود بالحركة خلال الزمان، أو الوجود في المكان، ولا تتوافر للإنسان امكانيه إدراكه لحواسه وعقله، وبالتالي يترتب عليه عدم جواز الخلط والدمج بين الوجودين الالهى والطبيعي بخلاف هذه الصيغة لوحده الوجود. كما أن مضمون مفهوم التوحيد إفراد الوجود المطلق -وليس إفراد الوجود- لله تعالى،
عدم تبنى الفلاسفة والمتصوفة المسلمين لها بالكامل: وقد عبر عن هذه الصيغة من صيغ وحده الوجود كثير من المذاهب الاجنبيه :الشرقية كبعض الأديان الشرقية القديمة"كالهندوسية والغنوصيه والطاوية…"، والغربية كبعض الفلسفات الغربية "القديمة كالافلاطونيه والافلاطونيه المحدثة…، والحديثة كالهيجليه…، والمعاصرة كالبرجسونيه…". أما في إطار الفكر الاسلامى فلا يمكن الجزم بالتبني الكامل لاى من الفلاسفة أو المتصوفة المسلمين المعتبرين لهذه الصيغة من صيغ وحده الوجود لتناقضها- في ذاتها وفى ما يلزم عنها- مع الإسلام كما سبق ذكره، ومرجع اعتقاد بعض الفقهاء المسلمين بتبني بعض الفلاسفة والصوفية المسلمين لهذه الصيغة، اعتقادهم بأنها الصيغة الوحيدة لوحده الوجود . لكن حاول بعض الفلاسفة والمتصوفة المسلمين تنميه وتطوير هذه الصيغة لتتفق مع مفاهيم الدين الاسلامى ، وقد أدت عمليه التنمية والتطوير إلى ابتعادهم عن هذه الصيغة من صيغ وحده الوجود ، و اقترابهم من صيغه أخرى لوحده الوجود - نعرض لها أدناه -بدرجات متفاوتة.
الصيغة الثانية:الوحدة المقيدة - الصفاتيه: أما الصيغة الثانية فهي تقوم على إثبات الوجود الالهى(الواحد غير المادي)، غير أنها لا تتطرف في هذا الإثبات لدرجه إلغاء الوجود الكوني – الطبيعي(المتعدد المادي)، باعتبار أن لكلاهما وجود حقيقي، لكن الأول مطلق والثاني محدود، وهى إذ تقرر وحده الوجوديين الأول والثاني، فإنها تفهم هذه الوحدة على أنها ارتباط واتصال -لا خلط أو مزج- ، وتمييز - لا فصل – فهي تقوم على الوحدة المقيدة بينهما. كما أنها ترى أن الوجود الكوني – الطبيعي هو ظهور صفاتي للوجود الالهى ، وليس ظهور ذاتي" تجلى " له ، اى ظهور ما دل على الوجود المطلق الذي ينفرد به الله تعالى ، وليس ظهور عين هذا الوجود المطلق) باعتبار أن الأخير غير متحقق" بشكله المطلق" إلا في الاخره- ومن أشكاله رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة(وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظره) - ولا يلزم منه إلغاء وجود سواه تعالى بل تبديله بوجود أخر . ولا ترتب على هذا الظهور الصفاتى إنكار الوجود الحقيقي للوجود الكوني – الطبيعي .
عدم تناقضها مع التصور الاسلامى: التصور الاسلامى للعلاقة بين الوجود الالهى والوجود الكوني الطبيعي، يستند إلى حل لمشكله الوحدة والتعدد ، يتجاوز كل من مذهبي الوحدة (وحده الوجود بصيغته الأولى "الشائعة- الاجنبيه") والتعدد (تعدد الالهه)،إلى مذهب قائم على الجمع بين الوحدة والتعدد ، كما هو ماثل في مفهوم التوحيد الذي يقول بوحدة الخالق وتعدد المخلوقات، وان لكل من الخالق والمخلوق وجود حقيقي، لكن وجود الأول مطلق ووجود الثاني محدود، كما انه لا يرتب على الإقرار بالوجود الالهى والروحي،إنكار الوجود المادي (جزئيا أو كليا) ، وبالتالي فان التصور الاسلامى ينظر إلى الإنسان كوحدة نوعيه من الروح و المادة، و يوازن بين حاجات الإنسان الروحية والمادية. وبمقارنه هذا التصور مع الصيغة المقيده- الصفاتيه للمفهوم- المشار إليها أعلاه- نخلص إلى أنه لا تناقض بينهما .
ألصيغه مثال متحقق جزئيا عند العديد من المتصوفة المسلمين: هذه الصيغة ظلت مثال- نظري - للمتصوفة المسلمين سعوا لتحقيقه في مذاهبهم، لكنه تحقق جزئيا فقط – وليس بصوره كامله - في واقع مذاهب العديد منهم ، لأنها يلزم منها نفى الوجود المادي (جزئيا)، دون أن يصل إلى درجه مفهوم وحده الوجود في صيغته الشائعة - الاجنبيه في نفى الوجود المادي (كليا)، كمحصله لأسباب متعددة ، أهمها محاولتهم التوفيق بين هذه ألصيغه ومفاهيم الدين الاسلامى.
الكرامات: اثبت أهل السنة بفرقهم المختلفة كرامات الأولياء ، غير أن هناك مذهبين في إثباتها، و بالتالي تفسيرها:
الأول:مذهب الإثبات المطلق:ومضمونه إثبات الكرامة دون تقييد مضمونها تكوينيا، فالكرامة يمكن أن تتم بانقطاع اضطراد السنن الالهيه التي تضبط حركه الوجود،وإلغاء السببية ، اى إلغاء علاقة التلازم بين السبب والمسبب،وهو ما عبر عنه أصحاب هذا التفسير بتعريف الكرامة بأنها " خرق للعادة "، والمقصود بالعادة عند أصحاب هذا التفسير العادة المضطرة اى السنن الالهيه. غير أن هذا التفسير لا يوضح الفرق بين الكرامة والمعجزة، لذا رفضه عدد من متأخري الأشاعرة و المتصوفة منهم ألسبكي القائل (معاذ الله أن يتحدى نبي بكرامه تكررت على ولي، بل لا بد أن يأتي النبي بما لا يوقعه الله على يد الولي، و إن جاز وقوعه فليس كل جائز في قضايا العقول واقعا . و لما كانت مرتبة النبي أعلى و أرفع من مرتبة الولي ، كان الولي ممنوعا مما يأتي به النبي على الإعجاز و التحدي، أدبا مع النبي )( طبقات الشافعية، ج 2، ص 320 ).
الثاني:مذهب الإثبات المقيد: وهو المذهب الذي يستند إليه التصوف الاستخلافى ، ومضمونه إثبات الكرامة مع تقييد مضمونها تكوينيا بالتزام حتمية السنن الالهيه التي تضبط حركه الوجود ، وبالتالي فان الكرامة هي تكريم الله تعالى لشخص صالح، فيمنحه قدره تفوق قدره تفوق قدره غيره من أشخاص عاديين، دون انقطاع باضطراد السنن الالهيه التي تضبط حركه الوجود،ودون إلغاء السببية ، اى دون إلغاء علاقة التلازم بين السبب والمسبب- فهي ظهور صفاتي وليس ذاتي "كما في المعجزة" للفعل الالهى المطلق - وطبقا لهذا التفسير يجوز الأخذ بالتعريف الكرامة بأنها"خرق للعادة"، بشرط أن يكون المقصود بالعادة ما اعتاد عليه الناس لا العادة المضطردة، ورد في شرح العقيدة الطحاويه (فالمعجزة في اللغة كل أمر خارق للعادة ،وكذلك الكرامة في عرف ألائمه أهل العلم المتقدمين، ولكن كثير من المتأخرين يفرقون في اللفظ بينهما...وجماعها الأمر الخارق للعادة...وإنما ينال من تلك الثلاثة بقدر ما يعطيه الله ،ويعلمه ما علمه الله إياه، ويستغنى عما أغناه الله ،ويقدر على ما اقدره الله عليه من الأمور المخالفة للعادة المضطردة أو لعاده اغلب الناس ،فجميع المعجزات والكرامات لا تخرج عن هذه الأنواع )(مكتبه الدعوة الاسلاميه،القاهرة،ص 499 ) .
----------------------------------------------------------------
- للاطلاع على مقالات أخرى للدكتور صبري محمد خليل يمكن زيارة المواقع التالية:
1/ الموقع الرسمي للدكتور/ صبري محمد خليل خيري | دراسات ومقالات https://drsabrikhalil.wordpress.com
2/ د. صبري محمد خليل Google Sites
https://sites.google.com/site/sabriymkh/
نحو تصوف استخلافي :دراسة في أصول ومفاهيم التصوف الاستخلافى(2)
د. صبري محمد خليل / أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه في جامعه الخرطوم