المسار للصهيونية المسيحية في أوروبا القرن الـ (19)
لاقت هذه الأفكار كثيرا من القبول مع مطلع القرن (19م) الذي "شهد حركة إحيائية، تستعيد الحركة الطهرية فتأسست في لندن عام (1807م) جمعية لنشر المسيحية بين اليهود، وعمل القس لويس واي Lewis Way، الذي أصبح عام (1809م) مديرا للجمعية على ترويج فكرة عودة اليهود إلى فلسطين تحقيقا للنبوءات" ولكن سرعان ما تحولت هذه الجمعية من دعوة اليهود إلى المسيحية إلى دعم الفكرة الصهيونية.
ويذكر أيضاً في هذا المجال هنري دراموند، عضو مجلس العموم البريطاني الذي تخلى عن عمله السياسي بعد زيارة الأرض المقدسة ونذر حياته لتعليم الأصولية المسيحية وعلاقتها بضرورة عودة اليهود إلى فلسطين.
انتقل الاهتمام الأوروبي باليهود إلى فرنسا؛ حيث انطلقت من هناك لأول مرة خطة لإقامة "كومونولث يهودي في فلسطين، مقابل القروض اليهودية للحكومة الفرنسية، ومساهمة اليهود في تمويل حملة نابليون بونابرت لاحتلال المشرق العربي بما فيه فلسطين". ويعد نابليون بونابرت هو أول رئيس دولة يقترح استعادة دولة يهودية في فلسطين.
وتوالت الدعوات السياسية والدينية في القرن الـ(19م) لتشجيع توطين اليهود في فلسطين؛ الأمر الذي ساهم في تهيئة الظروف والمناخ المناسبين لولادة الصهيونية اليهودية السياسية.
ويعتبر اللورد بالمرستون (1784-1865) وزير خارجية إنجلترا، ورئيس وزرائها فيما بعد، من أشد المتحمسين لتوطين اليهود في فلسطين.
التقط اللورد شافتسبري الذي كان يعد واحدا من القوى القيادية الكامنة وراء "جمعية نشر المسيحية بين صفوف اليهود"؛ حيث كان "صهيونيا مسيحيا (تجاوزا) جاء في الطليعة على صعيد استخدام حكومة دولته المسيحية في سبيل العمل على إيجاد دولة يهودية في فلسطين".
كان اللورد شافتسبري يؤمن بضرورة التنقيب عن آثار فلسطين للتدليل على صدق الكتاب المقدس وصحة ما ورد فيه، وقد تقدم على ما سبق في أثناء انعقاد مؤتمر لندن عام 1840 بمشروع إلى بالمرستون "لتوطين اليهود في فلسطين؛ لأنها في رأيه «أرض بغير شعب لشعب بلا أرض» ولم تكن مبادرة بالمرستون ودعوات اللورد شافتسبري مجرد صدفة، فقد جمعت هذه الاتجاهات الصهيونية ما بين السياسي (السلطة والقوة)، والمنبر الإعلامي (الرأي العام)، والتوراة التي كان يمثلها اللورد..".
كان شافتسبري يطلق على اليهود دائما تعبير «شعب الله القديم». وقد عمل جاهدا لإعادة اليهود إلى فلسطين؛ لأنهم مفتاح الخطة الإلهية لمجيء المسيح ثانية، والأداة التي من خلالها تتحقق النبوءة التوراتية.
واحتل شافتسبري مكانا بارزا في تاريخ الحركة الصهيونية (ذات الديباجة) المسيحية (أو ذات التوظيف المسيحي)، ورأى في "اليهود شيئا حيويا بالنسبة إلى أمل المسيحيين في الخلاص. وتحولت عودة اليهود إلى فلسطين في الوقت الملائم سياسيا، واستيطان اليهود في فلسطين إلى أمنية سياسية بالنسبة لإنجلترا".
ولا يخفى على القارئ للإستراتيجيات البريطانية الربط بين حصار مشروع محمد علي النهضوي والتوسعي وإعادة اليهود ليكونوا عقبة أمام أي مؤامرات شريرة مستقبلية من تدبير محمد علي أو خلفه.
بين التوراة.. والأطماع
لا يمكن في هذا المقام نسيان القس "وليم هنري هتشلر" ابن المبشر الذي عمل في السفارة البريطانية بفيينا، وكان "يحترم اليهود احتراما شبه أسطوري"، وكان من المؤيدين بحماس لتيودور هرتزل، وبذل كل ما لديه من أجل القضية الصهيونية لمدة تناهز الثلاثين سنة.
وقد كان مهندس وعد بلفور؛ الأمر الذي رحب به الذين ينتمون إلى اتجاه "السابقية" ومن الصهيونيين المسيحيين.
وهكذا صار توطين اليهود في فلسطين مسألة تداخلت فيها المعتقدات التوراتية والطموحات الإمبريالية السياسية والإستراتيجية، وعلى هذه القاعدة تعددت الدعوات الأوروبية التي التقت بالمخططات الصهيونية السياسية؛ خاصة بعد عقد المؤتمر الصهيوني الأول، ولم تتوقف المجموعات المسيحية التي نراها انحرفت عن المسيحية أن تدعم توطين اليهود في فلسطين واعتبارهم شعبا مختارا، وفلسطين هي أرضهم الموعودة.
الحصيلة النهائية لما سبق هي تبلور مجموعة من المفاهيم مثلت قاعدة فكرية وسياسية ودينية لمسيرة الصهيونية المسيحية، خاصة وقد بدأت تحتضنها القارة الجديدة -أي الولايات المتحدة الأمريكية- والتي ستمثل منعطفا مؤثرا بالنسبة لها، ويمكن إيجاز هذه الحصيلة في العناصر الآتية:
1-اليهود هم شعب الله المختار، وأنهم يكونون بذلك الأمة المفضلة على الأمم.
2-هناك "ميثاق (وعد) إلهي" يربط اليهود بالأرض المقدسة في فلسطين.
3-ربط الإيمان بعودة السيد المسيح بقيام دولة صهيون؛ أي بإعادة تجميع اليهود في فلسطين حتى يظهر المسيح فيهم.
اقرأ في الموضوع:
الإحياء الصهيوني المسيحي في أوروبا.
الصهيونية المسيحية في الولايات المتحدة.
** باحث مصري
http://www.islamonline.net/Arabic/mafaheem/political/2006/09/02b.shtml