إنجيل يوحنا بدوره يستعرض يوحنا المعمدان بأسلوبه اللاهوتي الخاص، ومن المتفق عليه بين علماء الكتاب المقدس
أن إنجيل يوحنا ليس «تاريخ حياة» بل مجرد تقديم فكري عن يسوع
وذلك يغلب عليه الطابع اللاهوتي والفلسفي الماورائي لأقوال يسوع وتعاليمه بل ومعجزاته أيضًا فيه،22
في إنجيل يوحنا يسأل الكهنة اليهود يوحنا عن ماهيته ودوره، فينفي أنه المسيح أو أنه إيليا الجديد
أو أنه حتى نبي، وعندما سألوه عن لماذا يعمد أشار إلى «الآتي من بعده»يوحنا 1/13-27
ولعلّ خلاصة نظرة الإنجيل الرابع عن يوحنا المعمدان يمكن تأطيرها بما يلي:يوحنا 1/6-9
ظهر إنسان أرسله الله اسمه يوحنا، جاء ليشهد للنور من أجل أن يؤمن الجميع بواسطته
لم يكن هو النور بل شاهدًا للنور، فالنور الحق الذي ينير كل إنسان كان آتيًا إلى العالم
مقتله
تزوج الملك هيرودس من هيروديا زوجة أخيه وكان هيرودس يخاف يوحنا
إذ قال له بأنه لا يجوز زواجه بزوجة أخيه فهذا لا يحل له لذلك، سجن هيرودس يوحنا وكانت هيروديا حاقدة على يوحنا من ذلك
وفي عيد ميلاد الملك هيرودس دعا العظماء والقواد لعشاء فاخر
ودخلت ابنة هيروديا (سالومي) لترقص فسرّ هيرودس الملك والمتكئين معه وقال الملك لها أطلبي ما تشائين
وسوف يتحقق حتى ولو نصف مملكتي وأقسم على هذا أمام الجمع فخرجت الصبية لعند أمها وتشاورت معها
وطلبت رأس يوحنا المعمدان على طبق فحزن الملك جداً لأجل القسم
وأرسل الملك سيافاً وأمره أن يأتي برأس يوحنا وأتي برأسه للصبية، والصبية بدورها أعطته لأمها 1 ودفن الرأس في دمشق
وبذلك مات بعد ما يقرب السنتين على بداية تعليمه العلني وقبل سنة من موت من بشّر به
وعندما سمع تلاميذه بموته جاؤوا وأخذوا جثته ووضعوها في قبر إن تاريخ موت يوحنا المعمدان في 29 آب
والمعتمد في التقويم الكنسي ليس تاريخاً موثوقاً لأنه ليس مرتكزاً بقوة على مصادر موثوقة ويقول العهد القديم
بأنّ مكان دفنه هو السامرة وتوجد رفاته في كنيسة القديس سلفستر في روما، في حين يوجد رأسه في ضريح بقلب مسجد بني أمية في دمشق
في كتب الأبوكريفا والتقاليد اللاحقة
لم يتم تداول شخصية يوحنا المعمدان على نطاق واسع في الكتب الأبوكريفية،
فعلى سبيل المثال لم يرد اسمه في «الإنجيل العربي» حتى في مقطع عماد يسوع على أنّ عددًا آخر من هذه الأناجيل
قد أضافت بعض التفاصيل اللاحقة لسيرته بعض منها أثبتته كتابات آباء الكنيسة في القرون اللاحقة،
فذكر موقع ميلاده على أنه عين كارم إلى الجنوب من القدس حيث بنى الآباء الفرنيسكان ديرًا
على اسمه لا يزال حتى اليوم المكان التقليدي لولادته، وقد قال رئيس الدير دانيال من عام 1113
أنّ راهبًا من دير القديس سابا، أخبره بوجود تقليد متناقل بين أهالي عين كارم، حول كون المنطقة
هي منطقة ميلاد يوحنا المعمدان، وتعتبر هذه الإشارة الإشارة الوحيدة التي تعود لما قبل الحملات الصليبية
حول موقع الميلاد، الذي أعاد إثباته عدد من المؤرخين الجدد كأرنست هونيغمان
تقديم رأس المعمدان لهيروديا، بريشة دي فلادنيس من القرن السادس عشر
الأناجيل القانونية لا تشير إلى مقتل والد يوحنا النبي زكريا، غير أن الأبوكريفا والتقليد ومنهم إنجيل الطفولة ليعقوب،23
نقلوا أن هيرودس الملك لما أطلق حملته لقتل أطفال بيت لحم كما هو وارد في إنجيل متى،
هربت أليصابات بطفلها إلى الجبال والبراري وقضت هناك ست سنوات، وبعد ذلك توفيت وظل الصبي يوحنا مقيمًا في البرية،
إلى حين بدء دعوته النبويّة24 وجاء في هذه التقاليد أيضًا أن جند هيرودوس جاؤوا إلى النبي زكريا وسألوه عن مكان الولد،
فأجابهم أنه لا يعلم، فما كان منهم إلى أن قتلوه24 هناك رواية ثانية في الأبوكريفا لهذه الأحداث تقول أن النبي زكريا
حمل الطفل إلى القدس ووضعه على المذبح في هيكل الرّب، فعندما أدركه الجند ليقتلوه صلّى إلى الله لكي ينفذ الطفل،
فخطفه ملاك إلى بريّة تدعى «بريّة الزيفانا»، ولأن الجنود لم يجدوا الطفل قتلوا والده زكريا بين الهيكل والمذبح،24
وفي رواية ثالثة أن أليصابات عندما سمعت أن جند هيرودس يريدون قتل أطفال بيت لحم وما جاورها،
هربت نحو براري تلك المنطقة للاختباء، ولكنها لم تجد مكانًا تختبئ فيه، فصلّت إلى الله لتجد مخبئًا فانشقّ جبل قريب،
فاختبأت داخله مع طفلها، إلى جانب وجود ملاك أمّن حماية لهم24
نالت الرواية الأولى شعبية أكبر في أوساط آباء الكنيسة، وفي تقليد الكنيسة الكاثوليكية
وكذلك الأرثوذكسية الشرقية والمشرقية
فإن زكريا قد قُتل على يد جند الملك هيردوس، في حين صمتت الرواية الرسمية عن طريقة موته
وعن وضع يوحنا وأمه خلال هذه الفترة الطويلة، من مولده وحتى بداية نشاطه العلني
وفقًا لتقليد بيزنطي يعود للقرن الخامس فإنه بعد خمس أشهر من ولادة يوحنا،
ظهر ملاك الرب لأليصابات وأخبرها أنها يجب أن تفطم الصبي
وتبدأ في تعويده على تناول الجراد والعسل البري وهو الطعام الذي ذكرته الأناجيل الرسمية
على أنه طعام يوحنا المعتاد وهناك تقليد آخر ينصّ على أن يوحنا بدأ دعوته العلنيّة في سن الثلاثين
وهو السن الرمزي لكمال البلوغ، كما أنه السن التقليدي لبداية دعوة يسوع
ومن المعروف وجود التزامن في دعوتي يسوع ويوحنا،
إلى جانب أن العهد القديم ينصّ أن أبناء اللاويين يجب عليهم بداية خدمتهم الكهنوتية في سن الثلاثين
حسب رواية إنجيل العبرانيين، فإن يسوع لم يكن يريد أن يذهب للاعتماد على يد يوحنا،
وقال لأمه مريم: «لم أرتكب أي خطأ يوجب أن أعتمد على يديه»،
وفي رواية أخرى أن يوحنا عندما شهد حلول الروح القدس على يسوع خلال العماد وفق رواية الأناجيل الرسمية،
سقط على ركبتيه وقال: «أنا ألتمس إليك، يا رّب، أن تعمدني»، لكن يسوع أجابه:
«ما كُتب يجب أن يتم، ويجب الوفاء به»25 وفي رسالة منسوبة للقديس كليمنت الإسكندري
فإن يوحنا المعمدان لم يتزوج البتّة وظلّ عازبًا طوال حياته وأشارت تقاليد أخرى أن هيروديا لم تشف غليلها بقتل المعمدان،
فعمدت إلى غرز إبر في لسانه، ثم قبلت دفنه خارج المدينة أما في إنجيل نيقوديمس الذي يعود للقرن الخامس،26
فقد جاء أن يوحنا بعد وفاته ذهب إلى الجحيم وقام هناك بنشر الكرازة في «مثوى الأموات»،
فبشّر بأن يسوع سيأت بدوره إلى مثوى الأموات منتصرًا بذلك على الموت، وليدخل الصالحين من الأموات إلى النعيم
بعد أن كان مغلقًا منذ سقوط آدمو حتى قيامة يسوع، وكان من أول الداخلين إلى النعيم هو يوحنا نفسه؛
وعمومًا فإن هذه الروايات بمجموعها «تعطي لمحات عن حالة الضمير المسيحي
وأساليب التفكير في القرون الأولى من العصر المسيحي»26
نظرة المذاهب المسيحية ليوحنا المعمدان