منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى المودة العالمى

ســـاحة إلكـترونية جــامعـة
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 الهوامش والشروح 01 - 4932 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح 01 - 4932 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح 01 - 4932 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح 01 - 4932 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالأحد مارس 28, 2021 5:52 pm

الهوامش والشروح 01 - 128 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )      

الهوامش والشروح 01 - 128 على مدونة عبدالله المسافر بالله

الهوامش والشروح 01 - 128 فى المثنوي المعنوي الجزء السادس د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح [ الدفتر السادس ]
( النص )

( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) *

شرح ديباجة مولانا الدفتر السادس .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي
[ شرح الأبيات ]
( 1 - 9 ) : بالنسبة لحسن حسام الدين انظر الترجمة العربية للكتاب الأول ، مقدمة المترجم .
والقسم السادس هو هذا الكتاب السادس والأخير من المثنوى المعنوي ، ولأن المثنوى هو اقتراح حسن حسام الدين وقد أملى عليه . 
فهو الذي يجذبه ، وهو الذي يوحى به ، وهو الذي لا يفتأ يطالب مولانا جلال الدين بان يتمه ( عن الجذب وقيمة المستمع بالنسبة لقول

« 415 »

الأستاذ ، انظر الكتاب الثالث ، الأبيات 3604 - 6314 وشروحها ) .

وحسامى نامه اسم من أسماء المثنوى لم ينتشر كثيرا ، ولعل مولانا يشير بأنه من الأجدر أن يسمى المثنوى حسامى نامه مثلما يسمى الديوان الكبير " ديوان شمس تبريز " على اسم شمس الدين التبريزي ، وعن أن هذا الكتاب السادس هو تمام المثنوى بنص مولانا جلال الدين صراحة ، وبعد انتهاء مولانا من نظم هذا الكتاب السادس ( سنة 668 هـ ) 
ظل السنوات الأربعة الأخيرة من حياته لا ينظم شيئاً ( توفى سنة 672 هـ ) ومن ثم فإن ما دار حول ظهور جزء سابع ، ونسبه لمولانا ، أمر غير ثابت ، بل إن هناك من يرى أن الأبيات الأخيرة من الكتاب الخامس كانت تشير إلى أن مولانا كان ينوى أن يختم المثنوى عند الكتاب الخامس ، وانه قدم الكتاب السادس هدية لحسام الدين ( عبد الحسين زرين كوب : سرني ، جلد 1 ، ص 31 ، تهران ج 3 ، سنة 1368 هـ . ش )

ومع ذلك ففي البيتين رقم 6 ورقم 7 يعد مولانا بأنه إذا وصل الأمر ، سوف يفيض علينا ببيان أقرب من بيان المثنوى ، وهو ما لم يقدمه مولانا والمقدمة هنا وما سيرد في متن الكتاب يشير إلى أن الكتاب السادس هو الكتاب الأخير بالفعل ، هذا وإن كانت الكتب الخمسة السابقة قد لقيت ما لقيت من معارضة ، ولقيت آذانا بها وقر فإن هذا لا يعينه في شئ ، فهذه الصحف الستة في مقابل الجهات الستة ، أو التي تملأ جهات العالم الستة موجودة ، وميسرة لقرائها ومن الممكن أن " يطوف بها " ككعبة لروحه في كل آن وزمان ومكان من لم يطف بها من قبل ، وعلى الداعية أن يدعو فحسب ، وليس له شأن بقبول الناس أوردهم .

( 10 - 22 ) : ورد مثال نوح عليه السّلام في المثنوى أكثر من مرة ، بحيث استخدم مولانا تعبير الدعوة النوحية إشارة إلى الدعوة المستمرة والتي لا شأن لها بقبول الناس أوردهم ومثال : الكلاب تنبح والقمر في سيره ، أو الكلاب تنبح والقافلة تسير ورد من قبل في الكتاب الرابع ( انظر الأبيات 1465 وما بعده ) . والمثال هو " لا يضر السحاب نباح

« 416 »
 

الكلاب " ( معجم الأمثال العربية ، رياض عبد الحميد ، ج 4 ، ص 53 ، نشر جامعة محمد بن سعود سنة 1986 ) .
عن نوح عليه السّلام ورد في القرآن الكريموَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ وَهُمْ ظالِمُونَ( العنكبوت / 4 )

روى ابن عباس : إن قوم نوح كانوا يضربونه حتى يسقط ويظنوه إنه قد مات فيخرج في اليوم الثاني ويدعو قومه ، وفي البيت 15 إن كل إنسان ميسر لما خلق له ، وإن هذه هي الخدمة التي عليه أن يقوم بها ، وهذا هو واجب المرشد ، فالشيخ في قومه كالنبي في أمته ، وعليه أن يثبت على دعوته مهما واجه فيها من عنت . هذا هو قدره وهذه هي مسئوليته ، بل كلما زاد الناس في الإعراض ( الخل ) عليه هو إن يزيد في مجهود الدعوة ( السكر ) ، ألم ينتصر نوح في النهاية ؟ ! وكيف لا ينتصر من يثبت على دعوته ، ومن يكون الحق تعالى ظهيره ؟ !
 

( 23 - 28 ) : يترك مولانا ضرب المثال بسيدنا نوح ، وينتقل إلى الأولياء ، وما للأنبياء للأولياء ، إن الواحد منهم بمثابة ألف يستطيع أن يصمد للإنكار ، والاستهزاء والسخرية دون أن يحيد عن طريقه ، وتعبير واحدٌ كالألف . ورد في مقصورة ابن دريد وفي شعر للبحترى ، كما وردت في حديث نبوي ، ففي الحديث النبوي : [ ليس شئ خيرا من ألف مثله إلا الإنسان المؤمن ] .

وقال البختري :ولم أر أمثال الرجال تفاوتا * لدى المجد حتى عد ألف بواحدوفي مقصورة ابن دريد :والناس ألف منهم كواحد * وواحد كالألف إن أمر عنى( بديع الزمان فروزانفر : أحاديث مثنوى ، ط 5 ، تهران 1370 ، ص 184 ) .
إنه عبد الله ، جسده بمثابة الدن ، لكن روحه متصلة بالبحر الأعظم دائما ما يأتيه منه المدد ، أي بحر ؟ ! إن البحار إذا شاهدت هذا البحر توارت خجلا وحياءً ، إن هو إلا تقريب للمعنى ،

« 417 »

وإلا ، فما الصلة أصلا بين عالمنا هذا والعالم الآخر الباقي ؟ ! إن هي إلا عبارات نستخدمها نحن ، وإلا فإذا كان يمكن التعبير عن المعاني التي نحتاج إليها في عالمنا هذا بنعيب الغربان ، فذاك العالم في حاجة إلى تغريد البلابل نفس المشكلة التي يعود إليها مولانا جلال الدين ( انظر تفصيلاتها في شروح الأبيات 4722 - 4736 من الترجمة العربية للكتاب الثالث من المثنوى لكاتب هذه السطور ) .
 

( 29 - 35 ) : لا ينفى مولانا عالم الوجود ، إن لكل منا دوره ومكانه ، وفي " هذا السوق " طبقا للمشيئة الإلهية ، وكل خلق لفائدة ، ولم يخلق الله سبحانه وتعالى شيئا عبثا ، بل من وجود هذه المتضادات تظهر القدرة الحقيقية لله سبحانه وتعالى ، فالشوك للنار ،
والورد للمنتشي والخبث للخنزير ، والماء للتطهير ، والثعابين في الجبل والنحل أيضاً ، وإذا كان من يحسون بالمرارة يملئون العالم بالمرارة ،

فالعالم أيضاً ملىء بشهد المشايخ والأولياء والمرشدين ، فإذا كان السم موجودا فالترياق أيضاً موجود ، والقيمة الحقيقية في وجود هذه المتضادات و " الاختيار " بينها ( انظر فكرة لكل نبات حوضه الخاص في البستان في الكتاب الرابع من المثنوى ، الترجمة العربية لكاتب هذه السطور ، الأبيات 1083 - 1092 وشروحها ،

وفكرة أهمية وجود مغريات لكي يحقق الإنسان ذاته بمصارعتها في الكتاب الخامس ، الترجمة العربية لكاتب هذه السطور ، الأبيات 575 - 581 وشروحها ) .

( 36 - 43 ) : إن هذا التضاد هو الذي يقوم عليه هذا العالم ، هذا الصراع القائم بين متضادات العالم ، هذا الاختلاف وهذا التنافر هو أساس هذا العالم وهو قدره ، وهذه الحرب بين كل ذرة من ذرات هذا العالم والذرة الأخرى هي قوام هذا العالم ( قريب منها فكرة أن هذا العالم كله آكل ومأكول الواردة في مقدمة الكتاب الثالث ، انظر الترجمة العربية ، الأبيات 30 - 49 وشروحها ) .
وفكرة العظام الواردة في نهاية الأبيات هي نفس فكرة انتهاء الحرب بفناء الذرات في الشمس ، تماما كما أن الحرب بين الإيمان والكفر واجبة . أو هكذا من

« 418 »

المفروض ، حتى الانتصار النهائي لإيمان . والانتصار النهائي لإيمان المؤمن هو في الفناء في حقيقة الوجود وأصله والبحر الذي فاضت عنه ينابيعه ، كل الينابيع تعود إلى الجدول وهذا هو المعنى الحقيقي ، لقوله تعالى إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ( البقرة / 156 ) ، 
الغرض إذ من هذا المثنوى أن يساعدك في العودة إلى أصولك ، تصبح وليدا لها من جديد ، تكف نفسك عن لبن الدنيا وترضع لبن الأصول ( عن الفناء بالتفصيل انظر مقدمة الترجمة العربية للكتاب الثالث لكتاب هذه السطور تحت عنوان فلسفة البقاء في الفناء عند جلال الدين (ص 13 - 25 ) تترك هذا الماء المالح وتشرب من الماء الزلال ، وتأخذ أسرار الغيب من مصدرها .

( 44 - 50 ) : الغول في مصطلح مولانا جلال الدين أي شئ يبعد العبد عن طريق الله سبحانه وتعالى ، والغول في الصحراء يضل القوافل ويجعلها تترك الجادة وتمضى إلى الطرق الفرعية ، وكثيرون هم الذين يمضون بعيداً عن جادة الدين وتتفرع بهم السبل والطرق ، إنهم يظنون أنهم يبحثون في " الأصول " الشرعية بينما هم في الحقيقة قد سقطوا بعيدا عن أصل الأصول التي ينبغي أن ينصرفوا إليها ، أما الأولياء والواصلون فإن حربهم وسعيهم وجهدهم مبذول للوصول إلى " عين الوجود " لا " صورة الوجود " .

يقول السبزواري ( 6 / 412 ) إنه لا يصح أن يقال في عين أو في نور العين ففي ليست موجودة والخطاب يا نور العين . ليست حروب أوليائنا - وأحسبه صحيحاً - مثل حروب هذه الدنيا ، وذلك لأن قلوبهم موجودة بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء ( انظر للحديث البيت 779 من الترجمة العربية ، للكتاب الثالث وشروحه )

وعين الوجود ناظرة في كل أمر من أمورها إلى فعل الحق ، وهذا هو أساس الحرب الحقيقية التي يقوم بها الولي يهدف بها إلى الوصول إلى أصل الأصول ، وهي غير تلك الحرب التي تقوم في هذا العالم .

وفي داخل كل إنسان . ذلك أن العالم والإنسان كليهما قائم على عناصر أربعة متضادة ومتنافرة 

« 419 »

ومتقابلة ، ترى المرء هادئا في الظاهر وفي داخله ضجة وغوغاء بحيث يصرخ صرخة حافظ الشيرازي :
لن أدرى من يوجد في داخلي * أنا صامت وهو في ضجة وصخب أحوالك كإنسان وكبشر قائمة على عناصر متضادة هي التي تتقاتل فيما بينها ، ولا تنتهى هذه الحرب إلا بنهاية هذا البناء القائم على العناصر ، وذلك الذي يكون وجوده قائما على الحرب داخله ، كيف يتواءم مع الآخرين ، ومن هنا فالحرب قائمة بين البشر ولا حرب بين الأولياء فهم كنفس واحدة .

( 50 - 66 ) : وانظر إلى أحوالك ، أنت منجذب بين ملاك وشيطان ، بين داعى الخير وداعى الشر ، تتوالى عليك ، وأنت ممزق على رؤوس الطرق ، تجذبك حينا الطاعة ، وحينا المعصية ، فهل تستطيع وأنت موزع هكذا ، أن تقوم بقتال الآخرين ( العناصر ؟ )
لكن هذا الصراع هو ديدن البشر ، وهو طبيعة الحياة البشرية ، حياة الألوان المختلفة المتنافرة ، ولا سلام حقيقي إلا عندما يشريك الحق ويخلصك من دار الحرب هذه ، وتمضى إلى دار السلاملَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ( الأنعام / 137 )

حيث لا أضداد ، ولا ألوان ، ولا فناء بل بقاء سرمدي خالد ، وإن كنت لا تصدق فاقرألا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً( الإنسان / 13 )
فنفى عنها الضدين هناك حيث تتصالح الأضداد ، وحيث عالم اللالون أي انتقاء ظواهر هذا العالم وصفاته ( استعلامى 6 / 227 وانظر الأبيات 1127 - 1135 من الكتاب الأول ) ،

وإن أصل كل لون موجود في هذه الدنيا موجود في العالم الآخر ، وإن الآلام تجد مفهومها عندما تظهر أضدادها في العالم الآخر ، والعاشق يعلم طعم الفراق ، وكيف كان مرا عندما يغادر دنيا الفراق إلى دنيا الوصال ،
 وعالم الأحزان إلى عالم السرور الباقي ، وأن حروب العالم إنما تقوم على ابتعاد خلق هذا العالم عن الفطرة فكأن الصلح والسلام هو الأصل ، والحروب هي الفروع ، والحروب والتناقضات من صراع العناصر ، لكن لما كانت


« 420 »


الروح من الكبرياء أي من الأوصاف الإلهية ، أو من النفخة الإلهية ( انظر الكتاب الرابع البيت 2677 وشروحه ) .

هناك حروب أخرى إياك أن تعتبرها من قبيل حروب الدنيا ، وهي حروب الأنبياء ، أو الحروب التي قام بها رسول اللّه صلى اللَّه عليه وسلّم ، المغازي ، فالمقصود بها الرحمة للعالمين ، أن يدخل الناس - ولو برغم أنوفهم - في رحمة الله سبحانه وتعالى ، فالرسول صلى اللَّه عليه وسلّم مصداقا للحديث [ ما انتقم رسول الله صلى اللَّه عليه وسلّم لنفسه من شئ ] "

أحاديث مثنوى ، ص 185 " كانت حروبه سوقا للناس إلى الجنة ( أنظر الكتاب الثالث الترجمة العربية ، الأبيات 4550 - 4563 وشروحها )
وفي البيت رقم 66 : يقدم صورة أخرى للعبارة المشهورة " ما لا يدرك كله لا يترك كله " ( انظر الأبيات 17 - 20 من الكتاب الخامس وشروحها ) .

 
( 67 - 71 ) : وإذا كنت غير قادر على البحار المعنوية لأنها ليست في متناول يدك ، فهاك أحد البحار المعنوية ، بل هو بمثابة الجزيرة وسط هذه البحار ، تنزه فيها ، وهذا لن يتيسر لك إلا عندما تنظر إلى هذا الجدول المعنوي بعد أن تفصل عن سطحه ما علق به من شوائب وأدران . فاعلم أن جسدك حزمة من التبن تحتها بحر الروح، وإن كنت في الظاهر ذرة فأنت مائة شمس في الباطن ( كليات ديوان شمس، غزل 1787 ، ص 672 ).
حينذاك تسفر لك المعاني عن وجودها ، مرجانا وثمارا ، وهكذا المعاني دائما عندما تتجرد عن لباس اللفظ .


( 72 - 81 ) : في هذه الحالة ، هاك طريقة قراءة المثنوى إن كنت تريد أن تفهم منه شيئاً ، إن جردته من الحكايات والصور والألفاظ ، يصبح المتحدث " الشاعر " والسامع " القارئ " والكلام " الشعر " كيانا واحدا ، وإذا كنت لا تستطيع أن تدرك هذا فقارن بالطعام المادي بالخبز ، ألا يصير الأكل والآكل شيئا واحدا ويتحول هذا الخبز إلى معنى وروح ؟ !
( انظر لتفصيل هذه الفكرة الكتاب الثالث : الترجمة العربية ، الأبيات 4185 - 4192 وشروحها ) ،

 
« 421 »

حتى تعلم أن المعاني هي الثابتة ، وإن كان ثم مقامات ثلاث للصورة ( الآخذ والعاطى والشئ نفسه ) فإنها كلها تتوحد في المعنى ، والصور كلها تتحول إلى تراب ، لكن إياك أن تصدق أن المعنى أيضاً يمضى ، فالأعيان الثابتة مقيمة في عالم الروح ، وفي عالم الغيب وبأمر الله قد تكون في صور وقد لا تكون ، والكلام هنا عن فلسفة جلال الكبرى في وحدة الوجود ، فالوجود الحقيقي وجود واحد نرى تجليه في هذا العالم ( انظر الأبيات 440 - 452 وشروحها من الكتاب الرابع الترجمة العربية لكاتب هذه السطور ) ،

وأقرأ في القرآن الكريمأَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ( الأعراف / 54 ) فالخلق هو الصورة ، والأمر هو المعنى والروح . التي هي من أمر الله ، فالأمر " الروح " هي الراكب ، والخلق " الصورة ، الجسد " هي المركوب والجسد في هذا العالم " العتبة " والأمر في البلاط " عالم الغيب " وهذا هو التواصل المستمر بين العالمين ( عن الراكب والمركوب ، انظر الكتاب الأول : الأبيات 1977 - 1979 وشروحها ) .

وهكذا فالجسد مجرد قدر ، إطار فارغ ، لكن عندما يريد له الحق الامتلاء ، يأمر الروح بامتطاء الجسد ، وهكذا عندما يستدعيها يأمرها بالنزول والعودة إلى المطلق ( استعلامى 6 / 228 ) .

( 82 - 90 ) : كعادة مولانا عندما يرى أن سياق الكلام سوف يجره إلى ما لا يقال ، أو ما لا يمكن التعبير عنه ، أو ما يكون فوق فهم الحاضرين ، وعادة ما يتحدث مولانا عن حسرته على قلة الفهم الصحيح ، " مت حسرة على الفهم الصحيح " ( أنظر الأبيات 694 من الكتاب الأول و 3737 من الكتاب الثاني و 2100 من الكتاب الثالث و 904 من الكتاب الرابع )

ويعبر عنها الأفهام القاصرة هنا بأنها القدور الصغيرة التي تغلى سريعاً ، وأولئك الذين لم يجدوا من بستان الغيب إلا النذر اليسير ،
أو إلا الكلمات التي يخفى سبحانه وتعالى المعاني فيها ، لكن حتى هذه الرائحة ، إذا وصلت إلى مشامك تتبعها بوعيك ، فمن الرائحة تصل إلى أصلها وهي التي تحرك ، فحاذر أن نفقد الوسيلة إلى هذه الرائحة ، وأن تتوقف أنفك

« 422 »

المزكومة على الروائح الأخرى ، روائح الدنيا وأهواء النفس ، أو أن يفسد عليك عامي من العوام غير المأذون لهم الأمور ، هؤلاء متيبسون كالقديد على حبال الدنيا ، لم تشرق عليهم شمس المعرفة فتحولوا إلى جبال من ثلج ، حتى كلماتهم متجمدة باردة لا تدل على شئ .
 

( 91 - 101 ) : وعندما يزداد الثلج في الأرض ، فليس أمامك إلا أمثال " حسام الدين " ليزيح سيفه المعنوي وحماسه للطريق وشوقه إلى إكمال هذا المثنوى ، ليزيح هذا الثلج من فوق الأرض ، إن هذه الشمس المعنوية كفيلة بان تزيل كل ثلوج الأرض ، وهي شمس لا شرقية ولا غربية ، فهي كلها نور على نور ( النور / 35 )

والله يهدى لنوره من يشاء ، إن أمثال هذه الشموس المعنوية تكون قذى لكل منجم ، فكيف يعرفها ومطالعها ليست المطالع التي يعرفها ومسارها ليس المسار الذي يعرفه ، ومدارها ليس المدار الذي يتشدق به ، ولذلك فهو يحول بينك وبين هذه الشمس المعنوية ، فقل له كما قال إبراهيم الخليل عليه السّلاملا أُحِبُّ الْآفِلِينَ( الانعام / 76 ) .


وهكذا فمن جاهليتك ظننت القمر إليها ، وقوس قزح حزامه ، أتراك أصبحت غافلا عن أن القمر قد انشق ؟ ! ( القمر / 1 ) وهل ينشق الإله ؟ ! وألم تقرأ أيضاًإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ( الشمس / 1 ) أو لم تمر بك آيةوَالنَّجْمِ إِذا هَوى( النجم / 1 ) كلها هذه الكواكب والنجوم لا أثر لها في مصير حياتك ، إلا بمقدار ما يؤثر الخبز دون أن تضع في الحسبان إرادة صانع الخبز ، وألا يسبب الخبز نفسه الموت في بعض الأحيان ( انظر الكتاب الثالث ، الأبيات 4795 - 4797 وشروحها )

وكذلك الزهرة تأثيرها عليك لا يزيد عن تأثير الماء ، ألا يغص حلقك بالماء أحياناً ؟ !
إن حبك لهذه النجوم والكواكب يجعل كل نصيحة أقدمها لك تذهب أدراج الرياح . إن الكلام موجه في هذه الأبيات إلى علماء الدنيا أولئك الذين يربطون الأمور ببعض الظواهر والأسباب غافلين عن المسبب .


« 423 »


( 102 - 112 ) : وهذا هو بالضبط موقفك من المثنوى ، الذي يعبر عنه مولانا هنا بأنه مجرد نصيحة ، إنه نجم الكتب وقمر المعاني ، بل إنه يسمو على شمس الدنيا ويزيد عليها ، لقد خضعت له الأفلاك والكواكب ولا خضوع لك ، وأنت لا تخضع له ولا تعترف به إلا إذا فتح الله عليك بمفتاح خاص ، يفتح أختام قلبك ، ويجعلك باحثا عن الوحي ، فيناديك قائلًا : يا من استوعبك مكان تعال إلى اللامكان ، فما عكوفك على علم التنجيم وعلى ما يقوله لك المنجم . في حين أن هذه الكواكب والأنجم تلقن ذلك المنجم الذي هجر الروح وعكف على الألوان والصور . إنه لا يزال يرصد وينجم وهو غافل عن مقاليد السماوات .
 

قال رسول اللّه صلى اللَّه عليه وسلّم لما سئل عن المقاليد ، فأجاب : [ لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله وبحمده واستغفر الله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شئ عليم بيده الخير يحيى ويميت وهو على كل شئ قدير ] ( مولوى 6 / 22 ) .

 
( 113 - 128 ) : لا تزال النجوم في جدلها مع المنجم منتصرة للمثنوى على اهتمامات المنجم ، إذا كان المطلوب هو أن تهرع إلى الروح فإن هذا الكتاب هو روح الروح ، وهو لب الفكر ، إن كنت طالبا للفكر ، وعلى كل فإن ما نسميه فكرا ، هو النور ، ولفظ الفكر يستخدم من أجل تقريب المعاني ليس أكثر ، إنها كلها أمور تقريبية ، وإلا فإن نجمنا هذا لا يستوعبه برج في الأعالي ، وما تحدثت عن النجوم والأفلاك إلا من أجل تقريب المعاني عند ذوى العقول التي تجمدت عند مقولات بعينها تظل تلوكها ، وهي لا تزال تنادى العقل وهي لا تدرى أن هذا العقل عقال وأنها عقول الدنيا ، لا تستطيع أن تفكر إلا في الدنيا ، إن الأمر كله ليس مثلا لكنه مجرد مثال ( عن الفرق بين المثل والمثال انظر البيت 3409 من الكتاب الثالث و 462 من الكتاب الرابع وشروحها ) .
ومهما كان العقل حاداً إلا أنه واهى القدم ، أي أن منطقة جولانه محدودة ( أو بتعبير آخر لمولانا جلال الدين ، له قدم لكنها


« 424 »

قدم خشبية ، انظر الكتاب الأول البيت 2138 ) وعن العقول وتصنيفها انظر الكتاب الرابع ، الأبيات 1960 - 1968 وشروحها ، والأبيات 1985 - 1991 وشروحها ) .

إن هؤلاء العلماء المفكرين دائما ما هم في هوى أنفسهم ، كل مهمتهم أن يضخموا في ذواتهم ، لكن هناك أملا في أن يرتفع هذا الصنف من العلماء عن ذواتهم ، ألا يصبح المنى بشرا عندما يتصل بالروح ! !

إذن على هؤلاء أيضاً أن ينظروا إلى مرحلة ما بعد وجودهم ، لأن كل مخلوق ناظر إلى المرحلة التالية على مرحلة وجوده ، فالجماد يتجه إلى النباتية ، والنبات يتجه إلى الحيوانية والحيوان يتجه نحو الإنسانية فلماذا لا تتجه الروح نحو الأحبة ، وتستقر في الخلود ( عن تفصيل المراحل ، انظر الكتاب الثالث ، الأبيات 3903 - 3909 وشروحها )

وبهذا البيت يختم مولانا جلال الدين المقدمة الشعرية للكتاب السادس والأخير من كتب المثنوى ، تحدث فيها عن حسن حسام الدين الملهم والجاذب الذي يمثل مجموعة المريدين اللازمين للشيخ ، فلا شيخ بلا مريد ولا أستاذ بلا تلميذ ، ثم تحدث عن نظرية قيام هذا العالم ما دام باقيا على الحرب ، ولا تتوقف الحرب إلا بالفناء في الله .

 ثم تحدث عن فئة من العلماء والعقلاء والمنجمين يقفون عن الأسباب ولا ينظرون إلى المسبب ومن ثم فهم ينظرون إلى المثنوى بعين الاستخفاف والشك ، وفي النهاية لم يخف أمله من أن يرتقى هؤلاء العلماء بعقولهم حتى يصب عليهم النور صبا ويصبحوا من المدركين للحكمة العلياء .
.
الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء السادس د. أبراهيم الدسوقي شتا
* * * 
 أبيات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا 

* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح 01 - 4932 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 6.docx    الهوامش والشروح 01 - 4932 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالأحد مارس 28, 2021 5:53 pm

تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 6.docx 

تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 6.txt

تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 6.pdf



عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح 01 - 4932 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح 129 - 439 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح 01 - 4932 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالأحد مارس 28, 2021 5:54 pm

الهوامش والشروح 129 - 439 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )      

الهوامش والشروح 129 - 439 على مدونة عبدالله المسافر بالله

الهوامش والشروح 129 - 439 فى المثنوي المعنوي الجزء السادس د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح سؤال سائل عن طائر حط على ربض المدينة أرأسه أفضل وأعز أم ذَنَبه

( 129 - 133 ) : الفكاهة التي تبدأ بهذا البيت قال استعلامى ( 6 / 231 ) نقلا عن فروزانفر ( مآخذ / 197 ) أنها مستوحاة من بيت لسنائى ورد في الحديقة وهو " الطائر الذي يكون ذيله صوب المدينة ورأسه صوب القرية ، يكون ذيله أفضل من رأسه ( لم أتوصل إلى ترتيب البيت وموضعه في الحديقة ) وهمة الطائر مبذولة هنا إلى المدينة ( العقل . . . والطريق )
وليس إلى القرية ( الجهل والنفس ) ( لتفصيلات حول هذا المعنى انظر الكتاب الثالث ، الأبيات 517 - 523 وشروحها )
 
« 425 »
 
( 134 - 137 ) : وهكذا الإنسان ، يكون بقدر همته وبقدر اهتماماته ، فهمته هي الجناح الذي يطير به ، فمن كانت همته الدنيا فقيمته أيضاً تكون بقدر همته ، ومن كانت همته العشق سما به مهما تعرض في طريقه إليه من خير وشر ، والبازي حتى وإن كان أبيض وكان همه صيد الفئران ، فقد سقط من اعتبار الملك ولا يشفع له شكله ، والبومة وإن كانت ساكنة الخرائب وكان ميلها إلى الملك ، فهي بمثابة مائة بازى ، ليس الأمر بالصورة أو بالإدعاء ، لكن بالعمل ( انظر عن الادعاء 1439 وما بعده من الكتاب الثالث ) .
 
وثمة حديث رواه الأنقروى ( 6 - 445 ) [ إن الله يحب معالى الهمم ويبغض سفاسفها ] . وتوحى توصية جلال الدين بالهمة العالية والقوة والتسامى إلى سبقه الفلسفات المعاصرة ( عند نيتشه وفيخته مثلا ) في هذا المجال ( جعفري 14 / 100 ) .
 
( 138 - 147 ) : والإنسان كرم على المخلوقات ورزق في البر والبحر ليس لخلقته ، بل لأنه جدير بأسرار الغيب وإدراكها ، طموح على الدوام إلى الخروج عن وضعه ، تواق إلى الارتفاع عن جسده وعن إمكانات هذا الجسد ، لا تسعه الأرض على اتساعها ، فيجتاز طباق الجو ويمضى إلى أعماق البحار ، يستطيع أن يسمو على شهواته ونزواته ويصل إلى مرتبة الملائكية يميل دائما إلى من يشاركه في هذا النفس ، حتى ولو كانت عجوزا في الغابرين .
 
إن الذي يجعلك تميل إلى عجوز ولا تميل إلى صورة هو أن في العجوز روحاً ، هذه الروح هي التي تزاوج روحك وتمتزج بها ومن هنا يحدث الميل ، ولو نفثت الروح في صورة الحمام لملت إليها ولهجرت العجوز ( انظر الكتاب الثاني ، الأبيات 703 - 708 وشروحها ) .
 
( 148 - 159 ) : الحديث عن الروح ، ويعرض مولانا مراتب الروح فالروح عند مولانا ليست سوى الوعي والإدراك والمعرفة ، وكلما زادت ، معرفة الروح في إنسان ما بما هو خارج نطاق الاهتمامات المادية كان الجانب الروحي أقوى فيه ، الروح روح بقدر ما هي متصلة
 
« 426 »
 
بعالم الغيب وهذا هو ما يعبر عنه بالوعى والمعرفة أو بمعنى أصح العرفان ، وإن لم تزدن الروح بهذه المعرفة وهذا الوعي لكانت قيمتها أقل من جماد ، فهي ليست روحا إلهية ، والروح الأولى هي الروح التي انبتقت منها الحياة كلها ، هي الروح المسموح لها بالحظيرة القدسية ، أما روح الروح فهي الوجود المطلق للخالق . وفي رأى سبزوارى ( ص 415 ) أنها النفس الكلية الإلهية ، وينقل البيت " لا أحد يدلك على نفسك كما هي إلا قلبي المسكين المغتم " .
 
والروح تسمو دائما إلى الاتصال بها ، وليس وراء ذلك مطمح ، أما الروح الجديدة فهي روح آدم التي نفخها الله تعالى فيه وهي قادرة على إدراك الغيب ، والملائكة بالنسبة لها كأنهم الجسد ، ولم تكن هذه الروح موجودة عند إبليس ، ومن ثم لم يستطع الاتصال بالوجود المطلق ، كان عضو ميتاً مبتور اليد ، عاجزا ، فلم يدرك سر أمر الله له بالسجود ، كان الخيط الذي يربط بينه وبين الله مقطوعا
( الروح المشتركة ) ومن ثم عصى ولم يفهم ، لكن هذا العصيان لم يكن لينقص شيئاً من عالم الروح ، فهي تزاول نشاطها دون تدخل من إبليس ، وهذا العضو المبتور المطرود من رحمة الله سبحانه وتعالى ، لا يصيب فعلها بأي خلل طالما كانت صلتها بالخالق وبروح الروح مستمرة .
 
( 160 - 164 ) : بعد أن تحدث مولانا عن سر عصيان إبليس يريد أن يتحدث أن سر آخر ، لكن هذا السر الآخر ليس مبذولا لكل أذن ، فهو يريد أذنا أخرى ، أذنا باطنية غير هذه الأذن الظاهرة ، وخواص الببغاوات : أي أهل المعرفة والسكر ، هو النور ، أما درويش الصورة ، فهو ذلك الدرويش الذي توقف تصوفه على الشكل والظاهر والخرقة ولا يطمح إلى عالم المعرفة ، والزكاة هنا هي النصيب الخاص المبذول للخواص لا للعوام ، ولأن هذه الزكاة معنى من المعاني وليست شكلا
( بيتا من الشعر ) فإن درويش الصورة والظاهر يظل بلا نصيب منها ، وحمار عيسى هو الجسد الذي يحمل الروح ( عيسى ) وهو أيضاً المطالب النفسانية عند الناس .
وهو أيضاً الدرويش الذي لا يترقى مهما حمل من علم كالحمار الذي
 
« 427 »
 
حمل نبيا وظل حمارا كما هو ( انظر لتفصيل هذا المعنى الكتاب الثاني ، الأبيات 1851 - 1857 وشروحها ) والمعنى أن النفس لو كانت تعلم حقائق الغيب لما بخل الله عليها ولأمدها بما تريد منها ( استعلامى 6 / 133 ) .
 
( 165 - 184 ) : وهذا هو معنىالْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ( يس / 65 ) . فالختم هو الحرمان ، وعدم التذوق لعدم الجدارة والاستحقاق . وهذه الأختام التي وضعها الله على الأفواه ، إنما فتحت وحلت ورفعت بالدين الإسلامي ، فبالدين الإسلامي واتباع محمد صلى اللَّه عليه وسلّم يمكن أن تحل هذه الأختام ويفتح طريق المعرفة التي هي حرام على الكافر حلال للمؤمن ، إن معنىإِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً ( الفتح / 1 )
ليس خاصا بالرسول صلى اللَّه عليه وسلّم بل هو خاص بالمؤمنين جميعا ( انظر البيت 4306 من الكتاب الثالث ) وفي البيت 17 - إشارة إلى حديث نبوي [ إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر ] 
( انظر أحاديث مثنوى / 186 - استعلامى 6 / 234 )


و [ اهد قومي إنهم لا يعلمون ] دعاء للرسول صلى اللَّه عليه وسلّم قاله عندما ألقى بحجر في أحد . والجود العام هو الهداية ، وهو سيد الصنعة ، في هذا المجال ، مجال الهداية الممنوحة دون انتظار جزاء أو عوض ، والأبناء المذكورون في البيت 177 ، ليس المقصود بهم الأبناء الجسمانيين ، بل كل من تبعه باحسان صلى اللَّه عليه وسلّم وينص على هذا في البيت 178 خشية أن يفهم من حديث أنه يقصر الولاية على آل البيت رضوان الله عليهم ،
فيقول أن هذه النبوة حاصلة دون امتزاج الأجساد ، ويطلب مولانا من الله سبحانه وتعالى أن يسدل حجب ستره على هذه المعاني حتى لا تسقط في يد كل وضيع ومنكر وباحث عن العيب ( انظر في نفس هذا المعنى البيت 411 من الكتاب الرابع و 2892 من الكتاب الخامس )


المقصود بتلك الشمس : الحقيقة المحمدية التي لا يقوى مفكر على النظر إليها وكل خفاش لا يرى ضوء الشمس من عماه فينكره
 
« 428 »
 
( انظر 857 من الرابع ) وفي البيتين إشارة إلى قوله تعالى وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ ( الأعراف / 198 ) .
 
( 185 - 193 ) : العنوان السابق على هذا البيت ، يذم مولانا الأفكار المسبقة ويصفها بالبالية والعتيقة ، إن هذا أشبه بمخنث يخاف من عض الخراف ، في حين أن الخراف كلها خلقت للذبح ، وهناك مخنث يسأل قبل أن يمضى في الطريق ( الجديد الذي لا يعرفه ) وآخر يعود عن الطريق لمجرد رؤيته الخراف ، والخراف هنا رمز لكل فكرة بالية سقيمة تقف في الطريق وتخفيف المخنثين
( الذين لا يقوون على الطرق الجديدة ويخافون منها ) ويفسر يوسف بن أحمد ( 6 / 36 ) " وأراد بالمخنث الأول الذين يحضرون مجالس الأولياء ولا يقدمون على سؤال شئ منهم إلا بعد شدة الاضطرار لعدم اعتقادهم .
وبالمخنث الثاني الذين يرون جماعة المشايخ لكن لا يقدرون على الذهاب إلى حضورهم من شدة إنكارهم وعداوتهم لهم " .
والمقصود بالطريق الجديد هنا المثنوى نفسه ، فهذا هو الكلام الذي ينكره بعضهم ، وما إنكارهم له إلا لأنه جديد عليهم ، ولذا فهو يطلب من حسن حسام الدين الذي يصفه بأنه صقال الأرواح " صقال مرايا القلوب لتتقبل المعاني " .
هيا وجل المثنوى في أروع صورة ، وجرده من لباس الحروف لكي تتجلى معانيه ، وتقود نحو عالم الغيب ، ما دامت هذه المعاني بشيمتك وجذبك أيضاً قد نزلت من عالم الأرواح وعالم الغيب وسجنت في لباس الحروف ، فأنت الذي تستطيع كما يستطيع الخضر وإلياس ( وهما نبيان لا يموتان إلى يوم القيامة ) أن تقوم بالهداية فتنقلب الأرض من طهرها إلى سماء .
 
ولكني يا حسام الدين لا أستطيع أن أوفيك حقك ، من حسد أولئك الحاسدين الذين تضيق عقولهم عن فهم مثل هذه العلاقة السامية بين الشيخ والمريد ( انظر لتفصيل هذا المعنى الكتاب الثالث الترجمة العربية ، الأبيات 2112 - 2117 وشروحها ) وشرح حال الأحبة على سبيل الرمز
 
« 429 »
 
عند ذكر الآخرين ورد في الكتاب الثالث في الأبيات المذكورة كما ورد في الكتاب الأول ( خير لنا أن يجئ سر الأحبة في حديث الآخرين ، البيت 136 ) .
 
( 194 - 201 ) : إنغراس أقدام القلب في الطين كناية عن الانصراف عن مدح الصانع إلى مدح المصنوع ، فكل مدح غير مدح الحق لا يليق ، حتى ولو كان ذلك خوفا من الناس ، لأن الحديث عن عشق الحق لا يليق أن يطرح أمام كل إنسان ، لكن هذا الخوف مجرد عثرة في الطريق ، الست ترى أن تفكير أبى طالب في تشنيع العرب عليه على أنه تبع ولده ،
( والقضية فيها خلاف كبير بين السنة والشيعة ، فإجماع السنة على أن أبا طالب رفض النطق بالشهادتين وهو على فراش الموت خوفا من أن يعير بها ، ثم نطقها جزعا من الموت ، وإن العباس رضي اللّه عنه قال : إنه سمعه يهمس بها ، لكن الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم أنكر أنه سمعها ، سيرة ابن هشام ، ج 1 ، ص 184 ، طبعة البابي الحلبي سنة 1955 .
ويرفض الشيعة رفضا تاما فكرة أن أبا طالب مات دون أن ينطق بالشهادتين ، وينقل جعفري ( 13 / 131 - 136 ) 


روايات شيعية عن ابن بابويه وجعفر الصادق رضي اللّه عنه تشكك في روايات عدم إيمان أبي طالب ، وواضح أن مولانا جلال الدين يقبل الرواية السائدة ولا يشكك فيها ، ويرى أنه لو كان الله سبحانه وتعالى قد كتب الإيمان لأبى طالب في سابق علمه ، لآمن ، فضلا عن أن أبا طالب كان ذا بصيرة ، لكن هذه البصيرة ليست منفتحة على عالم الغيب .
 
( 202 - 211 ) : ( عن التردد وكيف أنه تفسير تكريم الإنسان بالاختيار ، انظر مقدمة الترجمة العربية للكتاب الخامس ، الإرادة الإلهية والحرية الإنسانية ، لكاتب هذه السطور ) ،


وفي تفسير نجم الدين كبرى للأمانة " وهي التي عبر عنها بالفوز العظيم وقد فسرنا الفوز العظيم بالفناء في الله والبقاء بالله وهو عبارة عن قبول الفيض الإلهى بلا واسطة وقد اختص الإنسان بقبول هذا الفيض وحمله من بين سائر المخلوقات لاختصاصه بإصابة رش النور الإلهى لقوله صلى اللَّه عليه وسلّم : [ إن الله خلق الخلق في ظلمة ورش عليهم من نوره ]
فكل روح أصابه نور الله صار مستعداً لقبول الفيض الإلهى بلا وساطة فكان
 
« 430 »
 
عرض الفيض عاماً على المخلوقات وحمل الفيض خاصا بالإنسان ، وحمله مخصوص بالقلب بلا واسطة ، ثم من القلب بواسطة العروق ( مولوى 6 / 40 ) .
 
( 212 - 221 ) : لا يزال مولانا في مناجاته التي يطب فيها من الله تعالى النجاة من " فتنة الاختيار " فتنة المسؤولية ، فتنة أن يكون المرء مسئولًا عن أعماله ، وينطلق مولانا في عنوان الأبيات إلى الاختيار على مستوى الأمم وهو هنا يمكن أن يترجم إلى السيطرة ، تكون كل الأسباب مجموعة في يد إحدى الأمم ، تغوص إلى أعماق المحيطات ، وتنطلق بين الكواكب والأقمار ، فإذا لم تكن ثم قوة روح إلى جوار هذه السيطرة ، كانت النتيجة وبالًا ، ويأتي قهر الحق لكي تفيق هذه الأمم من غلوائها وتعترف أن هناك إلها ، وأن التقدم العلمي المذهل إن لم تسنده حضارة روحية قوية وإيمان قوى ، تكون نتيجته معروفة ، وإن لم تصدق فانظر إلى مصائر الأمم ، يتحدث القرآن الكريم دائما أنهم كانوا أشد قوة وأكثر جمعاً ، وعمروا الأرض أكثر مما عمرها من يخاطبهم القرآن الكريم ، ومع ذلك بادوا ، وتلك مساكنهم تدل عليهم ، ويضرب المثل بفرعون على القوة التي لم يبلغها بشر ، أليس هو القائل " أنا ربكم الأعلى " إذن فاعلم أن فرعون موجودٌ ، في كل جبلة ، موجود في كل نفس ، ( أنظر الكتاب الثالث ، 1056 - 1059 و 1255 - 1258 وشروحها وانظر أيضا مقدمة الكتاب الذي بين أيدينا ) .
 
إن هذا البلاء يحول أبطال الطريق إلى مجرد إناث ، ( أنظر 1995 من الكتاب الخامس و 15 من الكتاب الذي بين أيدينا ) إن الإنسان الذي يسير على طريق واحد ومذهب واحد إنسان متوازن ، لكن الإنسان الذي يكون كبعير تحمل حملين غير متوازنين
( رأيين ومذهبين ودينين وأحياناً أكثر ! ! ) يفقد توازنه يصاب بالجنون ، إن مولانا يطلب أن يكون دائما بين أصابع الحق يقلب قلبه كيف يشاء ، يكون كأصحاب الكهف تَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ ، وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ .( الكهف / 18 )
أي لأنى دائما يا الله نائم عن قدرتى واختياري مستيقظ بين يدي مشيئتك ، ويقول نجم
 
« 431 »
 
الدين : أي التقليب بين الإفناء والإبقاء والترقي من مقام إلى مقام ومن حال إلى حال إلى أن بلغناهم مبلغ الرجال البالغين ووصلوا إلى درجات المقربين ( مولوى 6 / 42 ) .
 
( 222 - 229 ) : الطيران هنا هو السياحة في ما وراء هذا العالم المادي ، والتفكر في مراحل خلق الإنسان ومراحل وجوده ، ومرحلة وجود الإنسان كذرة في هذا الكون دائرة فيه دون هدف ودون قصد ، وقبل أن يتمثل إنسانا ذا جسد ، وروح ، وقت أن كان خاليا من كل مسؤولية ، ذرة من الهباء تحملها الريح حيث تشاء ، وذلك الوقت إن كان الآن قد صار منسيا ويصور لي غرورى الإنسانى ، أنى هكذا كنت منذ الأزل ، فإن وجودي في حال النوم ، حيث أسلب كل فكر وذكر وأبهة وعظمة ، وأتحول مرة ثانية إلى هباء ، ينبؤنى عما كنت ، عندما أنجو من العناصر الأربعة ( انظر 2112 من الكتاب الثالث )
 
والطبائع الأربعة ، وهي أساس هذا العالم المادي ، حينذاك أرتفع في عالم الروح متحرراً من الجهات ومن الطبائع ومن أصول الحياة المادية ، هذا هو رضاع الحياة الماضية أيام لم تبتل الروح بهذه الحياة المادية وبهذا الماء والطين .
 
وانظر إلى الناس بأية وسيلة يهربون من هذه المسؤولية الملقاة على عواتقهم مسؤولية الاختيار ، إنهم يهربون في عشرات المشاغل والملاهي وبعضهم يهرب إلى الخمر وإلى اللهو ، والله تعالى هو الذي يعطى الخمر والمخدرات هذه الخاصية ، ولديه مئات الآلاف مما يسلط على الإدراك .
 
( لتفصيلات على أن الإنسان يهرب بوسائله الخاصة من ذاته ومن نفسه انظر الأبيات 2683 - 2697 من الترجمة العربية للكتاب الرابع ، لكاتب هذه السطور وشروحها ) ويعود مولانا فيقول : إن هذه الحياة فخ ، والناس جميعا يسعون بطريقة أو بأخرى إلى الخلاص من هذا الفخ ، أو إيهام أنفسهم بأنهم تخلصوا من هذا الفخ بشكل أو بآخر ، وكلها ، ما عدا الفرار إلى الله تعالى وسائل معدومة القيمة ، تأثيرها خادع ووقتي .
 
« 432 »
 
( 230 - 235 ) : ثم إنك يا الله تعيد النفس مرة ثانية من هذا العدم ( النوم ) إلى سلطانها ، وإلى تسلطها ، فلا سلطان لها إلى الخروج من حبس هذا الزمن ، إلا بسلطان إلهييا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا ، لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ ( الرحمن / 33 ) ،
إن الشرط هنا هو الفناء ، ترك النفس ، الخروج عنها ، كيف تكون وجوداً ثم تريد أن تمضى إلى عالم العدم الذي هو أساس هذا الوجود ومعدنه ؟ !
تخلص أولا من ذاتكو أنيتك ووجودك ، ثم عُد إلى مصدرك ، ومن هنا فليس للعشاق دين ، فما حاجة العدم إلى الدين ؟ !
( عن العدم كأصل للوجود ومصنع له ، انظر الترجمة العربية للكتاب الخامس الأبيات 1960 - 1973 وشروحها ) .
 
( 236 - 244 ) : الإشارة في الأبيات إلى السترة الجلدية والحذاء الريفي وإياز تنظر تفصيلاتها بداية من البيت 1859 من الترجمة العربية للكتاب الخامس وهي أطول حكايات الكتاب الخامس وتشير إلى نظر الإنسان إلى نفسه ومعرفته مم خلق ، وقيمته أمام السلطان الأكبر ، كما يراجع البيت 359 وما بعده من نفس الكتاب الذي بين أيدينا ) ، والأمر كله فتح لباب العدم حتى تعرف قيمة الوجود ، لقد صار نديم السلطان بعد أن كان مجرد راع ، إن إياز لم يفعل ذلك لأنه كان يخشى الكبرياء ، لا ، لقد كان واصلا كاملا ( عن الواصل الكامل انظر الكتاب الثالث ، الأبيات 2410 - 2412 وشروحها ) بل كان يقوم بكل هذه الأمور يريد أن يفتح قبرا للأنية يهب منه نسيم الحياة الأبدية ، البقاء الذي لا يهبه سوى الفناء الكامل ( انظر مقدمة الترجمة العربية للكتاب الثالث ) .
 
( 245 - 250 ) : الحديث عن الروح التي تبتلى بهذه الحياة الدنيا وهي في الأصل خفيفة الحمل خفيفة السير ، وهذه المتع الدنيوية بالنسبة لها كأنها السلاسل التي تقيد حركتها حتى وإن كانت سلاسل ذهبية ، فهي تلقى بها في جب دار الغرور محرومة من أرض الروح التي تستطيع أن تتجول في كل مكان ، وهذه الدنيا وإن بدت جنة إلا أنها جحيم ، ومثلما
 
« 433 »
 
يكون الجحيم برداً وسلاما بالنسبة للمؤمنقُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ[ ولا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها فتكون على المؤمن بردا وسلاما كما تكون على إبراهيم ] ( أحاديث مثنوى / 181 )
والحسناء التي تتحول إلى جحيم عند الصحبة أو المعاشرة هي الدنيا ( 251 - 256 ) : تجاهل فروزانفر أصل الحكاية التي تبدأ بهذه الأبيات ، وتبدو من المأثور الشعبي الذي كان شائعا قبل مولانا جلال الدين ، وقد البس مولانا شخوص الحكاية رموزا شديدة الوضوح ، ويترك مولانا سياق الحكاية من البيت 261 ويتحدث عن المعجب بتقواه كأنه إبليس الذي كان قبل العصيان طاووس الملائكة ، لكن علمه كان محدودا فلم يدرك معنى تكريم آدم ومعنى السجود له فعصى ، وهكذا علماء الظاهر وعلماء الكتب وعلماء المدارس أو كما عبر عنه مولانا بعلم أهل الحس ( الكتاب الأول ، بيت 1020 ) .
 
وبهذا العلم لا يمكن أن تدرك حقائق العشق وحقائق العالم الآخر ، فلا تغتر بهذا العلم مهما كانت عمامة صاحبه كبيرة ( انظر حكاية الفقيه ذي العمامة الضخمة في الكتاب الرابع ، الأبيات 1578 - 1690 وشروحها ) إنها كلها أدوات تعريف ، سواء العمامة أو اللحية ، إنه يريد أن يقول أنه عالم ، أما العارف فيعرف بنوره البازغ .
 
( 283 ) : بالرغم من أن الغلام الهندي بمثابة الابن ، إلا أن النظام السائد في المجتمع لا يعطيه الحق في أن تكون ابنة سيده مطمحا له ، هذا مفهوم ، أما ما يحدث في سياق القصة فيذكر بتلك القصة الأخرى المشهورة في الكتاب الأول ، قصة الجارية التي أخذت تذوى ، وعالجها الطبيب فعرف أن مرضها لمفارقة حبيبها الصائغ السمرقندي ، وعندما يستدعى الصائغ السمرقندي يعطى دواءً لكي يذوب أمامها ، وتنجو من حبه ، والواقع أن إخضاع هذا القبيل من الحكايات لأي منطق لا يصل بها إلى نتيجة ، حتى ولو قيل في قتل الصائغ السمرقندي أنه من قبيل قتل الخضر عليه السّلام للغلام ( انظر الحكاية وتعليقاتها في الكتاب الأول
 
« 434 »
 
الأبيات 35 - 246 وشروحها ) . والحكاية التي بين أيدينا أيضاً من هذا القبيل ، لقد جعل السيد من عاطفة عبده تجاه ابنته مادة للسخرية والضحك ، والقى بالعبد بين براثن مارد يلوط به ، أكان البيان عن سخرية الدنيا بعشاقها ، إذ تبدوا كالعروس وهي مدمرة في الحقيقة تحتاج إلى إعادة صياغة هذه الصورة الشعبية البشعة ؟ ! أجل فعندما يكون الحديث عن الخروج عن إطار المنطق والمعقول ، لا يهم مستوى التعبير ! !
 
( 318 - 322 ) : المراد من الحكاية أن كل نعيم للدنيا هو في ظاهره كهذه العروس وفي باطنه كهذا العتل الذي لاط بفرج العبد الهندي ، ونعيم الدنيا كالسراب يبدو من بعيد ماءً ، وهي عجوز نتنة مصداقا للحديث النبوي الشريف [ يؤتى بالدنيا يوم القيامة على صورة عجوز شمطاء زرقاء أنيابها بادية لا يراها أحد إلا كرهها فتشرف على الخلائق فيقال لهم : أتعرفون هذه فيقولون : نعوذ بالله من معرفتها ، فيقال هذه الدنيا التي تفاخرتم بها وتقاتلتم عليها ] ( مولوى 6 / 54 ، أحاديث مثنوى 187 ، انقروى 6 - 1 / 85 ) وتشبيه الدنيا بالعجوز التي تزوجت ألف زوج تشبيه شائع جدا في الأدب الفارسي وفي بيت شهير لحافظ الشيرازي ، وقد نقل الأنقروى بيئاً لم يذكر قائله : إن الدنيا عروس جميلة الصورة لكن كل من اتصل بها أعطاها عمره صداقا لها .
 
( 326 - 334 ) : إن العظماء في الدنيا بمثابة الموتى المحمولين على كواهل الخلق ، قال صلى اللَّه عليه وسلّم [ إياكم ومجالسة الموتى ، قالوا ، وما الموتى يا رسول الله صلى اللَّه عليه وسلّم ، قال صلى اللَّه عليه وسلّم : الأغنياء ] وفي رواية أخرى ، أهل الدنيا ، أنهم محمولون على كواهل الخلق و " ملعون من ألقى كله على الناس " ( جعفري 13 / 169 ) حياتهم من عرقهم وأعمالهم غرامة عليهم ، فلا تكن حملا على أحد ، لكن كن كالجواد المسرع تمشى على الأرض ،وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً( الفرقان / 63 ) وإن المؤمن هو الذي يقوم بكل أعماله بنفسه لا يكلف بها أحد ولا يعتمد فيها على أحد ، أما هذا الكفور ، فيظل محمولا على كواهل
 
« 435 »
 
الخلق ، يصبح كالميت ، يحملونه إلى قبره ، ويشير في الأبيات التالية إلى ما أشار إليه ابن سيرين في منتخب الكلام في تفسير الأحلام ، أن من يُشاهد ميتا محمولا في النوم ، فهذا يدل على أنه سوف يصل إلى الرفعة والمنصب والجاه ، ( عن استعلامى 6 / 242 )
فكأن مولانا يزاوج بين أولئك الذين يعيشون عالة على الخلق محمولين على أعناقهم وبين الموتى بالفعل ، إياك أن تعيش متكاسلا لا تقوم بعمل ، فإن جزاء هذا أن تصاب بالنقرس في قدميك ، سوف يأتي يوم تضيق هذا المركب ، تعجز وتصاب بالملل ، وتحس بعالمك من حولك قد تحول إلى خراب ، فلم تعد لك صولتك ولم يعد الخلق يتحملونك ، اعترض على هذا المركب الصعب الأن مهما بلغت مغرياته وفكر في ذلك اليوم الآتي لا محالة .
 
( 335 - 339 ) : الأبيات هنا قائمة على رواية لثوبان ، روى عنه رضى اللّه عنه أنه قال : قال رسول الله صلى اللَّه عليه وسلّم من يضمن لي شيئا أضمن له الجنة ، قال ثوبان فقلت أنا يا رسول الله ، فقال صلى اللَّه عليه وسلّم لا تسأل الناس شيئاً أضمن لك الجنة ، فكان ثوبان لا يسأل الناس شيئاً حتى سقط يوما سوطه فنزل وأخذه ولم يأمر أحد أن يناوله إياه ( مولوى 6 / 56 ) ولذا قال ابن عطاء الله السكندرى ، " ربما استحيا العارف أن يرفع حاجته إلى مولاه اكتفاه بعلمه ومشيئته فكيف لا يستحى أن يرفعها إلى خلقه "
وفي بيت لحافظ :
يا حافظ لا ترق ماء وجهك أمام باب كل سافل * ولنحمل حاجتنا إلى قاضى الحاجات
 كما قال ابن عطاء في الحكم " لا ترفعن إلى غير حاجة فكيف يرفع حاجتك عنك من لا يستطيع أن يرفع حاجته عن نفسه " ( انقروى 6 - 1 / 89 ) .
وعن أبي عبد الرحمن عوف بن مالك الأشجعي قال : كنا عند رسول الله صلى اللَّه عليه وسلّم تسعة أو ثمانية أو سبعة فقال : ألا تبايعون رسول الله ، وكنا حديثي عهد ببيعته فقلنا ، قد بايعناك يا رسول الله فقال ، قال : ألا تبايعون رسول الله فبسطنا أيدينا وقلنا قد بايعناك يا رسول الله ، فعلام نبايعك . ؟ ! قال :
أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً والصلوات الخمس ، وتطيعوا ، وأسر كلمة خفيفة ولا
 
« 436 »
 
تسألوا الناس ، فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم فما يسأل أحد يناوله ] ( جعفري 13 / 170 ) . كان رسول الله صلى اللَّه عليه وسلّم يركب الحمار ويخصف النعل ويرقع القميص ويلبس الصوف ويقول من رغب عن سنتي فليس منى . ( جامع 2 / 117 ) .
 
( 340 - 345 ) : لكن الله إن أمر فاصدع بما أمر الله سبحانه وتعالى ، فالله في بعض الأحيان قد أمر النبي صلى اللَّه عليه وسلّم بان يأخذ من أموال الأغنياء ، فقالخُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها، وهناك بعض الأوامر الإلهية تبدو لك سيئة ، كقتل الخضر للغلام ، وخرقة للسفينة ، وهناك كثير من الناس ظهروا كعلماء جهابذة لكنهم مردودون من الله مثل بلعم بن بعوراء الذي نزلت فيه كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ، إن الأمر الإلهى في بعض الأحيان يكون في الظاهر صعبا مؤلم التنفيذ ، لكن هذا في ظاهر الذي يبدو كالصدف ، لكنه ملىء الدر في الباطن ، دعك من هذا الكلام إذن ، وعد إلى تلك المناجم التي تحتوى على الذهب الخالص ، والتي لا تناقض فيها بين قسوة الظاهر ولطف الباطن .
 
( 346 - 357 ) : إن عابد الصورة عندما يعطى للصورة طريقاً إلى قلبه يندم في النهاية ، ويعبر عن ندمه هذا بحركة يديه ، أنظر إلى اللص عندما يحمل إلى إقامة الحد إنه إنما يستخدم يديه في التشنيع والتفجع والتضجر كما تفعل النساء ، والحزين المذكور في البيت التالي إشارة إلى الغلام الهندي ، وهكذا فنحن جميعاً نعلن عن نفورنا من فعل السوء ونشنع عليه ، لكن بعد فوات الأوان ، فتوبتنا هي توبة الفراشة ( لتوبة الفراشة انظر الكتاب الرابع 2287 - 2294 وشروحها ) إن هذا يشبه ما ورد في الآية الكريمة وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ وأوهن الله كيد الكائدين مستوحاة من الآية الكريمة إن الله موهن كيد الكاذبين ( الأنفال 18 ) والكلام كله مصداق " توبة الكذابين على أطراف لسانهم " ( أنقروى 6 - 1 / 93 ) .
 
« 437 »
 
( 358 - 361 ) : الآية الكريمةكُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ( المائدة 64 ) والنسيان من انعدام العزموَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً( طه 115 ) فالتوفيق في طريق الحق شرطه حسن النية ، وإلا فإن الحق لا يوفق العبد فيما يزعم أنه مزمع عليه ، فالصدق هو الروح الربانية ( البيت 303 من الكتاب الرابع ) .
 
( 362 - 382 ) : الحكاية الواردة هنا من الحكايات التي تجاهل فروزانفر البحث عن مصدر لها ، وتبدو من حكايات المعاني التي يلبسها مولانا شخوصاً لكي يوضح معانيها ، فالرجل صاحب الدار في عماه ( الظاهري والباطني ) لا يرى من يطفئ الشمع وهو أمامه ، مثل ذلك الكافر الذي يكيد في قلبه فيوهن الله كيده وهو لا يعلم من عمى قلبه من الذي يوهن هذا الكيد ( عن وقوف الله لكيد الكافرين بالمرصاد أنظر الكتاب الثالث الأبيات 1094 - 1098 وشروحها )
حتى على سبيل العقل إن لم يكن لك قلب ، كيف تدعى أن لك عقلًا ثم تنكر وجود الخالق ، ألا يقول لك عقلك أن الشئ المتحول يلزمه محولا ؟ !
أهناك تعاقب ليل ونهار دون أن يكون هناك رب ؟ ! أثمة منزل دون بناء ؟ ! وخط دون خطاط وشمع دون مشعل لهذا الشمع، وإذا كانت هذه الصنعة حسنة أفلا يلزمها صانع قدير؟!
دعك من هذا ، إنك نفسك تنوى التي ولا تستطيع أن تنفذ نيتك هذه ؟ ! ألا يدلك هذا القهر الدائم لك ولنواياك على وجود قاهر لك ؟ ألم تعرف الله حتى بفسخ عزائمك ، لقد أعددت للأمر كله عدته ، رسمته وقدرته وعملت حساباته ومع ذلك لم يتم ، فكيف لم تفهم ؟
( عن معرفة الله بفسخ العزائم أنظر الأبيات 4465 - 4475 من الكتاب الثالث وشروحها ) لقد عرفت إذن أنه قاهرك ، فيها ، قم بحربه وافعل كما فعل النمرود ، هيا وتعلق بعدد من النسور يحملونك إلى السماء لكي تقوم بقتاله ، وتطلق سهامك عليه
( انظر 4140 و 4863 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ، أتراك وأنت في العدم نجيت منه ، أليست كفه التي صورتك وجوداً من العدم ،
 
« 438 »
 
فكيف تستطيع إذن أن تنجو من كفه وأنت وجود ، إنك مجرد مصنوع مخلوق ، وهو الصانع والخالق ، تريد أن تفر كي تفارقك التقوى إلى الأبد ، فإنك قد سفكت دماءها بهذا .
 
( 383 - 389 ) : إن شهواتنا هي التي تسمر أقدامنا في هذا العالم المادي وتبعدنا عن طريق الله ، فدعك منها ، واتجه إلى الله سبحانه وتعالى فإنك ترى الفتوحات تتوالى عليك من مجرد اتجاهك " فمن تقرب منه باعاً تقرب منه هو ذراعاً ، ومن سعى إليه مشياً سعى إليه هو هرولة " وإن كنت لا تصدق ، فاستفت قلبك ، فإن كان قلبك مضيئاً بذكره فسوف يدلك على الطريق ، استفت قلبك ولو أفتاك المفتون ( أحاديث مثنوى / 186 )
وما أكثر المفتين الذين يبعدونك عن طريق القلب ، سل تسلم ، وكن بين يديه كالميت بين يدي الغسال ، لا رغبة ولا نية ولا خطة ولا فعل ، حينذاك تنزل عليك الرحمة الإلهية ، وما دمت لا تستطيع الهرب فجرب الخدمة ، هذه يد لن تستطيع أن تقطعها فقبلها ، سوف ينقلك من قهره إلى لطفه ، وفي الحقيقة أنت لا تملك سوى هذا إن قدرت عليك ، وهب أنك سوف تتجاهل هذه الحقيقة ، فهل توارت الشمس بالحجاب لأن أعمى أغلق عينيه حتى لا يراها ؟
 
( 390 ) : إياز هو مثال العبد الصالح والعارف الكامل الواصل ( انظر الأبيات 2151 ، 3253 ، 3287 من الكتاب الخامس ) وفي الكتاب الخامس ذكرت قصة اياز وسترته الجلدية وحذائه الريفي بكل تفصيلاتها ، كما ذكرت قصة أخرى عن طاعته للملك دون سؤال في حكاية عطية الجوهرة ( الأبيات 4037 - 4120 من الكتاب الخامس ) لكن الحكاية الواردة هنا لم يعن أحد بالبحث عن مصدر لها .
 
( 406 - 412 ) : يحتج الأمراء الثلاثون على مهارة أياز وفهمه لأسئلة السلطان ولما يريده السلطان دون أن يسأل وإحاطته وحبه بما كان يسأل عنه الأمراء الثلاثون ، بان الأمر عطاء من الله سبحانه وتعالى ، هذه هي الحجة الجبرية المذكورة في العنوان ، ويرد السلطان بأن الأمر ليس عطاءٌ فحسب بل هو أيضاً جهد ، وينتهز مولانا جلال الدين الفرصة فيسوق
 
« 439 »
 
أمثلة وشروحاً حول رأيه في حرية الإنسان وكونه مختاراً وليس مجبراً ، وهذا يشبه تماماً حجة إبليس الذي قال الله تعالى " بما أغويتني " بينما قال آدم وحواء " ربنا ظلمنا أنفسنا " ، ويوفق مولانا فالقضاء حق والجهد حق وهو أشبه هنا بالكسب الذي يكون للعبد وقت الفعل الذي يقول به المعتزلة ، وعلى كل حال نوقشت هذه القضية بشكل مفصل في مقدمة الترجمة العربية للكتاب الخامس .
 
( 413 - 424 ) : الخلاصة في هذه الأبيات أن قراراتنا وترددنا وإقدامنا على أمر ونفورنا من أمر آخر كلها دلائل على مسؤوليتنا عن أفعالنا ، وما دمنا مسئولين فنحن مختارون ، فكيف تكون المسؤولية على مجبر ؟ ثم أن القدرة على الاختيار بين عملين لا يمكن أن يكون فيهما جبر ما دمت تستطيع أن تقوم بكلا العملين على نفس المستوى الجيد ، وإن كان عليك أن تختار بين عمل تستطيع القيام به وعمل لا تستطيع القيام به ، فسوف تقوم بالتأكيد بالعمل الذي تستطيع القيام به ، ثم إذا لم تكن مسئولًا لماذا يقتص منك ؟ لماذا يقام عليك الحد ، أتشك إذن في عدالة أحكم الحاكمين ؟ !
 
( 452 - 439 ) : لكل عمل صورة ظاهرة ومرئية وصورة غيبية ، ليس من اللازم أن تكون شبيهة بالصورة الظاهرة للعمل ، أو تكون مشابهة له على أي وجه من الوجوه ( أنظر لعدم تشابه الأفعال مع نتائجها أو على عقابها أو ثوابها الكتاب الثالث الأبيات 3445 - 3455 وشروحها ) ، والقضاء المذكور هو القضاء الإلهى ، والكلب الكسول كناية عن النفس ، والمعنى مأخوذ هنا من حديقة سنائى " الكلب المرابط في الحظيرة وإن كان سميناً ليس كالعربى يحسن في الصيد " ( البيت 313 ص 78 من حديقة الحقيقة ، انظر الترجمة العربية المشروحة لكاتب هذه السطور ) والرجولة كل الرجولة أن يتحمل المرء نتيجة أعماله ، وأن يكون موقناً أنفَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ( الزلزلة 7 - 8 ) وإياك ووساوس النفس ، إنها من قبيل الذرات أمام شمس الحقيقة ولا
 
« 440 »
 
تسطيع أن تخفيها ، وهذه الذرات ( الهباء ) موجودة أمام شمس الدنيا فهل تستطيع أن تخفيها ، مثلها كل ما يدور في ذهنك من وساوس وأفكار ظاهرة أمام شمس الحقائق ، وتكون مسئولًا عنها ، مثابا أو معاقبا بها .
.
الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء السادس د. أبراهيم الدسوقي شتا
* * * 
 أبيات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا 

* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح 01 - 4932 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح 440 - 690 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح 01 - 4932 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالأحد مارس 28, 2021 5:55 pm

الهوامش والشروح 440 - 690 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )

 الهوامش والشروح 440 - 690 على مدونة عبدالله المسافر بالله      

الهوامش والشروح 440 - 690 فى المثنوي المعنوي الجزء السادس د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح قصة ذلك الصياد الذي كان قد لف نفسه في العشب  
( 440 - 450 ) : إن نور الحق دائماً ما يجلى ما يدور في بواطننا من أفكار للوهلة الأولى ولكن ثمة أموراً أخرى من ذواتنا ومن ظروفنا تدفعنا إلى تجرع الخديعة والانصراف عن الإلهام الأول الذي يكون حقيقياً في الغالب ، ومن أهم الظروف التي تدفعنا إلى ذلك الحاجة والحرص والفقر بدرجاته ، ويروى مولانا الحديث النبوي
[ كاد الفقر أن يكون كفراً ]
( أحاديث مثنوى / 45 - كنوز الحقائق 2 / 93 ) والقصة هنا في مغزاها تشبه إلى حد كبير قصة الثعلب الذي جر الحمار إلى الأسد الواردة في الكتاب الخامس ( ابتداء من البيت 2328 ويقطعها مولانا كعادته ثم يعود إليها خلال الكتاب الخامس فلا تنتهى إلا في البيت 2880 ) .
 
والقصة التي بين أيدينا قصة الصياد الذي يتظاهر بالزهد ويصيد الفريسة بشبكة الدين من القصص التقليدى في الآداب الشرقية عموماً ورد في أصلها في أكثر من مصدر في العقد الفريد وفي ربيع الأبرار وإرشاد الأديب وكتاب الأذكياء ولم يلتفت فروزانفر إلى أن سنائى نظم حكاية تشبهها في بعض أجزائها وفي هدفها ( انظر الترجمة العربية لحديقة الحقيقة لكاتب هذه السطور الأبيات 11660 - 11669 وشروحها ) ( مآخذ / 197 ) والطائر الذكي في الحكاية كناية عن الإنسان الذي يمتلك خبرة ناقصة وعلماً ناقصاً ومع ذلك يغتر به فيورده موارد الهلاك ، وربط الذقن أو الفك كناية عن فعل ذلك عند أول موت المرء .
 
( 451 - 456 ) : يخرج مولانا عن سياق القصة ويتحدث عن هذه الحياة التي تمر بها الروح في سيرها التطورى بضعة أيام ، فهل تركن إلى العناصر التي هي أصل الجسد وتنسى أنها من طريقة أخرى في النفوس والعقول ؟ إن هذا هو عدم وفاء منها أن تنسى أصلها وألا تحن إليه دائماً ، فالحنين والشوق هو مطيتها إلى العودة إلى الروح المطلق .
 
« 441 »
 
( 457 - 462 ) : إن اغترار الروح برفاق الدنيا ، ونسيانها لأصلها من هذا الغرور يجعلها تشبه طفلًا يترك داره ، ويجذبه الرفاق فيستغرق معهم في اللعب ، ويأتي اللص فيسرق ثيابه وهو منهمك في اللعب فإن حل الليل ، وآن أوان العودة إلى المنزل ولم يعد للعب طعم ، التفت فلم يجد ملابسه ، فلا هو يستطيع أن يداوم اللعب ولا هو يستطيع أن يعود إلى المنزل، أتستهين بهذا المثل، أقرأ إذن في القرآنإِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ( محمد 36 ).
 
( 464 - 471 ) : الكلام على لسان الصياد ، إن الخلق يسرقون ثيابك ، " الستر ، الحفظ ، الشخصية ، الوقت " فاحتفظ بها ، إياك أن تفقدها ، وقبل أن يحل عليك ليل الأجل عد عن هذا اللعب واقلع عنه ، وإن كنت قد فقدتها لا تجزع ، فهناك مركب يجعلك تلحق بهذا اللص الذي سرق ثيابك ( نفسك ) ، إنه مركب التوبة ، ولا تظن أن الوقت قد ضاع ، فإن مركب التوبة يوصلك إلى الأعالي ، المهم أن تظل مستعداً دائماً بمركب التوبة ، وحذار أن يختم على قلبك فتفقد مركب التوبة أيضاً ، ويغلق أمامك باب التوبة الذي يظل مفتوحاً حتى تطلع الشمس من مغربها ( انظر الكتاب الرابع الأبيات 2503 - 2508 وشروحها ) .
 
( 472 - 482 ) : القصة الواردة هنا لها شبيه في جوامع الحكايات لمحمد عوفي ، وتكاد تطابق أيضاً نادرة في النوادر التي تنسب لجحا ، وهي أقرب إلى التراث الشعبي والدعوة هنا إلى الحزم عند المصيبة ، وعدم الطمع وإلا زادت الخسائر وتوالت ولم تقتصر على الخسارة الأولى .
 
( 483 - 488 ) : عودة إلى حكاية الطائر والصياد . فها هو الطائر ينصح الصياد بعدم الخلوة ، فلا رهبانية في الإسلام ورهبانية أمتي الجهاد ( حديثان نبويان ) والإسلام دين الجماعة والجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة عبداً مملوكاً أو امرأة أو صبياً أو مريضاً ( انقروى 6 - 1 / 119 ) كما أن " خير الناس أنفعهم للناس " والمرء بشر في
 
« 442 »
 
النهاية ينبغي أن يعيش بين البشر وليس حجراً ليعيش بين المدر ، فعش بين الأمة التي قال عنها إمامها ونبيها [ أمتي هذه أمة مرحومة ] للحديث روايتان ( أمتي هذه أمة مرحومة ليس عليها عذاب في الآخرة أما عذابها في الدنيا الفتنة والزلازل والقتل والبلاء ) رواه البيهقي في شعب الإيمان عن أبي موسى و [ أمتي أمة مرحومة مغفور لها متاب عليها ] رواه الحاكم في الكنى عن أنس ( انقروى 6 - 1 / 120 ) .
 
( 489 - 494 ) : يجيب الصياد الذي يتظاهر بأنه زاهد بأن هذا الكلام ليس مطلقاً ، فليس كل عقل يتصف بالرسوخ والثبات ، وهذه العقول التي لا تتصف بالرسوخ والثبات هي بمثابة الحجر والمدر ، وأغلب الناس عقولهم من هذا القبيل ، وهم جميعاً كالحمر أقصى أمانيهم قوتهم وهمهم بطونهم ، وكل باحث عن الميتة يكون ميتاً ، والرهبانية هي مصاحبة أمثال هؤلاء الناس ، بل إن مصاحبة الحجر والمدر ( أي الخلوة في الجبل ) أفضل ، لأنه لم يسمع أحد أن الحجر والمدر قد قاموا بإيذاء أحد ، وحدث ولا تسل عن إيذاء الناس للناس .
 
( 495 - 499 ) : ويقول الطائر : وكيف يبدي المرء شجاعة إن لم يتصد للشر ؟ تقول أن الناس أصبح ديدنهم الأذى ، فلماذا لا تقوم بمقاومة هذا الأذى ، أليس جهاد الظلمة فرض ؟
أليس رسول الأمة هو نبي السيف وهو القائل [ بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله تعالى وحده لا شريك له وجعل رزقي تحت رمحى وجعل الذل والصغار على من خالف أمرى ] ( 315 / 125 ) وقال كعب :إن الرسول لسيف يستضاء به * مهند من سيوف الله مسلول.
 
« 443 »
 
( 500 - 513 ) : يقول الصياد : إن الجهاد واجب إن وجدت عليه قدرة وقوة . فإن لم توجد فقد شرع الرسول الفرار ( ! ! ) مصداقا للحديث النبوي [ الفرار مما لا يطاق من سنن الأنبياء ] ( أحاديث مثنوى / 189 )
ويرد الطائر : إن الذي يعشق الوحدة هو ذلك الذي لا يعامل الخلان بصدق ، إنما يجعلهم ينفضون من حوله ، فإن عاملهم بصدق التفوا حوله وكانوا له قوة ومكنة ، ولا تترك جوار يعقوب ، أي لا تترك أولياء الله والشيطان بالنسبة للمؤمن بمثابة الذئب بالنسبة للقطيع
 وروى عن الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم أنه قال [ الشيطان ذئب الإنسان كذئب الغنم يأخذ الشاة القاصية والشاذة ] ( أحاديث مثنوى / 191 ) ،
وأن ذلك الذي يحيد عن سنة الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم وينبت عن الجماعة إنما تسفك دمه ذئاب الأهواء وذئاب المذاهب وغيلان الصحراء الذين يتظاهرون بأنهم مرشدون وناصحون ، فالسنة هي الطريق والجماعة هي الرفيق وما سوى هذا بعدٌ عن الجادة وضياع في مهامه الأهواء ، ولكن إياك اعتبار الغافلين قادة ومرشدين والمهتدين بالصورة مشايخ وأدلاء وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً، إنه صديق مزور مزيف يصادقك ويصاحبك وكل همه أن يسلب ما لديك ، فهو يتحين الفرص من أجل ذلك ، يجدك في شدة ، وبدلًا من أن يعينك ، يأخذ ما لديك ، وربما تكون عينه عليه من البداية ،
فهو يعرفك من أجل أن ينتفع منك ، ثم إياك ومصادقة الجبان ، فإنه عندما يحتاج الأمر إليه ، يخوفك ، ويلقى بالدروس والمواعظ من أجل العودة عن الطريق ، والطريق هو امتحانه الأكبر ،
ففي كل دغل آفة ، وفي كل منحنى كمين ، وطريق الدين لا يزال الشيطان يقف لك فيه بالمرصاد ، يخوفك ويأمرك بالفحشاء ، ويلقى إليك كل لحظة بفتنة ،
ولذلك فطريق الدين في حاجة إلى رجال ، وليس في حاجة إلى مخنثين ، ومعلوم أن الرجل هو ذلك الذي يثبت في الطريق ويصمد ، إنه كالغربال أي الطريق يميز الدقيق من النخالة .
 
« 444 »
 
( 515 - 528 ) : الطريق بين ولائح ، سار فيه الكثيرون ووصفوه فهو ملىء بآثار الأقدام ، إن هؤلاء الواصلين بمثابة السلم الذي تترقى عن طريقه إلى الدرجات العلا ( وصف سنائى الطريق في الحديقة بأنه سلم : حديقة الحقيقة الترجمة العربية لكاتب هذه السطور الأبيات 218 - 225 وشروحها ) ، إنك حتى إن عشت بعيداً عن الجماعة ولم يمزقك الذئب فلن تذوق طعم السرور ، إن السرور مع الجماعة ، حتى الحيوان ، حتى الحمار إن سار في جماعة كان سيره أفضل وتعرضه للضرب أقل ، فما بالك بالبشر ، حتى الأنبياء ومع مالهم من تمكن وتأييد إلهي ، يبحثون عن الصحاب ومن أجل ذلك يبدون المعجزات ، والطبيعة في الجماعة وليست في الانفراد ، كتجمع الجدران فتصير منازل ومخازن ، يتجمع القلم والمحبرة فيصير كتاب ، يجتمع رجل وامرأة فتصير جماعة وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ( الذاريات 49 ) .
 
( 529 - 538 ) لقد طال الجدل بين الصياد والطائر ، والجدل غالباً ما يطول ( كما طال في الكتب السابقة بين المتجادلين حول الكسب والتوكل في الكتاب الخامس وحول الجبر والاختيار في الكتاب الخامس أيضاً وحول لزوم الأنبياء في الكتاب الثالث وحول لزوم الدين والأنبياء في الكتاب الرابع وفي هذه المجادلات يبسط مولانا حجج المتجادلين حتى وإن لم يكن في صف بعضهم ، لكنه يترك النقاش فجأة لأنه يبعده عن خدمته الحقيقية وهي العشق والفقر ، ولأنه يطيل في المثنوى وهو يريده خفيفاً هينا . إن الطائر الجائع الضعيف هش الروح ( مثل الحمار في الكتاب الخامس )
يكون اقتناعه بآرائه هشاً ويمضى خلف الإغراء ،
 فالطائر بعد أن جادل رأى الحب " فنسى جدله وانصرف إليه ، ورغم أن الصياد حاول أن يصرفه عنه ( في الظاهر مثل كثير من رعاة العصر الذين يصدون المريدين بشتى الذرائع ليزيدوهم إصراراً )
فيزداد الطائر إصراراً ، ويأكل الحب لأنه مضطر ، ولا اثم على المضطرفَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ( البقرة
 
« 445 »
 
173 ) لقد صاد الصياد الطائر وهو يعظه ويصده ، لقد وضع الحب من أجل أن يأكله الطائر ، ومع ذلك كان يصد الطائر عن أكله ، لأنه يعلم أن " الإنسان حريص على ما منع " .
 
( 539 - 546 ) يوجه مولانا الحديث إلى كل من يندم بعد العصيان أن الدعاء لازم قبل السقوط ، لكن ما فائدة الاستغاثة بعده ؟ وماذا يفيد الندم بعد خراب البصرة ؟ وماذا يفيد ترياق الحياة بعد موت سهراب ؟ كان ذلك واجباً قبل المصيبة لا بعدها . ما فائدة نواحك بعد موتى ؟ :لا أحسبنك بعد الموت تندبني * وفي حياتك ما زودتنى زادي( انظر الكتاب الخامس الأبيات 478 - 485 وشروحها ) توسل بالقرآن وبسوره يس عند وسوسة الشيطان ، ودق العصى ببعضها قبل أن يتمكن اللصوص من القافلة لا بعد أن يكون اللصوص قد أتوا عليها .
 
( 547 - 561 ) : الحكاية هنا ليست حكاية بالمعنى المفهوم لكن مولانا يلبس البيت الأخير أسلوب الحكاية ، ومن هنا تجاهل الشراح البحث عن أصل لها على أساس أنها من مبتكرات مولانا ، إنه يقدم صوره للحارس الذي يصرخ بعد ضياع كل شئ ، يصرخ حين لا يجب الصراخ ، يقوم بعمله في غير موضعه وبعد فوات وقته ، يكون سخرية للساخرين وهكذا ، عندما يعيش المرء عمره كله تحت سيطرة شيطان الفضيحة ، فماذا عسى المعوذتان والفاتحة والقرآن كله تنفعها بعد ضياع عمره ؟
بدلًا من الندم ، اتجه إلى الله سبحانه وتعالى ، وتب فهو القائل ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ( الحديد 230 ) ،
فسواء قمنا بما ينبغي علينا في أوانه أو في غير أوانه فمن قال أن مغفرتك ورحمتك - جل شأنك - تحتاج إلى أوان ؟
 
« 446 »
 
( 562 - 564 ) : كالعادة ، يحاول الطائر ( الإنسان المخدوع ) أن يضع ذنب سقوطه على الصياد ( الشيطان ) وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ ، سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ ،إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ *( إبراهيم 22 )


بل قال الصياد الذي صمم على أن يلعب دوره للنهاية ، بل أنت المخطىء أنت الذي أكلت أموال اليتامى ، وليس أنا ، وهذا جزاء من يأكل أموال اليتامى ظلماإِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً( النساء 10 )
وهكذا المفتون المضلون في كل زمان ومكان يزينون السوء ، ثم يطيلون ألسنتهم بالوعظ والنصح والفتوى على المسيئين .
 
( 565 - 574 ) : من هنا لا يدور الحديث على لسان الطير الذي سقط في الفخ بالطبع بل على لسان كل مذنب يود أن يعود إلى الحضرة الإلهية ، ما يجرى داخل الإنسان من متناقضات تحتاج حياته كلها وتضيع هذه الحياة كلها باللامنطقية وبالعبث ، تناقضات القلب وتأرجحه بين تسام إلى ما لا يبلغه الملائكة ، وانحدار إلى ما لا يصل إليه الشياطين ، تكون قاصمة للظهر ،
فيقال أيها الحبيب انظر إلى نظرة عطف واربت بيدك على رأسي ، فإن نهاية كل هذا التردد والتناقض تكون منك أنت ، وتكون عند اللقاء بك ، وأنا مشوق إلى هذا اللقاء ، يجافي النوم عيني ، ومن ذا الذي يقول أن اللاشيىء لا ينبغي عليه أن يطمح إلى اللانهائى ؟
حتى ولو لم نكن جديرين ، فأنت الماحي لأحزاننا ، وأنت الذي تبدل سيئاتنا إلى حسنات ، وأنت الذي أتيت بنا من العدم إلى الوجود ،
فأي استحقاق للوجود كان عندنا ونحن المخلوقون من تراب حقير حتى تمنحنا الوجود ، تهبنا جواهر عشرة ، هي الحواس الخمسة الظاهرة والخمسة الباطنة ( عن الحواس الباطنة انظر البيتين 3718 ، 3719 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ، وكله منك ، والتوبة أيضاً عطاء منك يا ربنا .
 
« 447 »
 
( انظر الكتاب الأول البيت 2216 ) عن التوبة والكتاب الثاني الأبيات 1655 - 1657 عن أن قبح الأعمال يغلق طريق التوبة ) واقتلاع شوارب التوبة كناية عن السخرية من توبة الهازل غير الصادق في توبته .
 
( 575 - 580 ) : لقد تهدم حانوت جسدي ومنزل عقلي من هذه المتناقضات التي أسقط فيها ، ومن حقي أن أصرخ عندما يعتصر قلبي ، فهو كل ما تبقى لي ، ولا يعتصر قلبي سوى الشوق لك والحنين إلى لقائك ، فهل تراني أهرب منك ، وأنت سبب خيارى وأصل وجودي ، وما الروح وأنت أهل الروح ، وماذا يكون العبد إن لم تكن ألوهيتك ، لقد مللت روحي لأننى أحيا بدونك ، فاقبض هذه الروح وخلصني من الوحدة التي أحيا فيها ، فأي فضل وأي علم وأي ذكاء لا يوصل إليك ! !
الجنون والانجذاب هما الطريق إليك ، إذن فلأكن مجنوناً مجذوباً ، وكفاني اختفاءً وحياءً ، لأقفز من تحت هذا الغطاء الذي أغطى به كل ما أحس به ، ذلك الغطاء المتمثل في ما تعارف عليه الناس من تصبر وتظاهر بالوقار ورعاية لما يتطلبه المركز الاجتماعي والجاه الدنيوي ، لأقفز دفعة واحدة ، فكلما فكرت أحجمت ، الأمر في حاجة إلى تصرف .
 
( 581 - 597 ) : وها هو الحبيب يسد أمامنا الطريق ، أي طريق ؟ بل أن كل الطرق تنتهى به ، ومن نكون نحن حتى تحاول أن تتجاوز الطريق الذي يسده علينا ، وبأي شئ ؟
بعرجنا ؟ بعقولنا التي تعرج أو أو هامنا الكسيحة ؟
ما أشبهنا عندما نفكر في أن تتصدى له بغزلان تتصدى لأسد ، فماذا أمامنا سوى التسليم والرضا ، نحن أسارى الأكل والنوم لكنلا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ ( البقرة 255 ) ، وهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ ( الأنعام 14 ) إنه ينادينا ، يصيح بنا ، تخلقوا بأخلاقى ، ولا بد أنه يتجلى لنا وإلا أترانا نكون مفتونين هكذا بحبيب لا نراه ؟
بل نراه ويتجلى لنا " في كل معنى رقيق رائق بهج " بل أن هذا التجلي هو الذي يجعلك وأنت مجرد قبضة من تراب طموحاً إلى درجة الطمع في الخلود ، إلى
 
« 448 »
 
معرفة سر الأحياء ، وإذا لم يكن يهبك القوت ( قوت العلم والذوق والعشق والفيض والفكر والفن والإبداع والاختراع ) من حيث لا تدرى ، إنك تتوجه إليه لأنك تعرف أن كل ما يهبط عليك من خير إنما يهبط عليك منه ، لست أقل من قط انظر ، هذا قط يقف على جحر ، لقد صاد منه فأراً ، وقط ثان يطوف بالسطوح ، لقد صاد منها مرة طيراً ، والناس أهواء ومذاهب وأعمال وحرف ، وهناك من يأخذ قوته من أبواب أصحاب القلوب ( انظر الكتاب الثالث الترجمة العربية الأبيات 307 - 312 وشروحها ) ،
وفوق كل هؤلاء ذلك الذي عكف على باب الله ، ذلك لأنه يعلم أنه كل ما يجده إنما يجده من الله فانصرف عن الأسباب إلى المسبب وعن الوسائط إلى معطيها ، وهذا هو عمل الرجال الحقيقيين وغيرهم مجرد أطفال يلعبون في تراب هذه الدنيا بضعة أيام حتى يحين أوان الرحيل ( انظر شروح الأبيات 4348 - 4367 من الترجمة العربية للكتاب الثالث ) ،
إن ذلك الذي يستيقظ من نوم غفلة الدنيا إن لم يتجه إلى هذا الباب فلا سبيل له إلا الشيطان ، إنه يستيقظ قليلًا ، ثم يوسوس له الشيطان فيظل نائماً ، لكن العاشق المشتاق ، يناديه صوت الماء ، فيرى المحبوب فيمضى إليه ، كما يمضى الظمآن إلى الماء مستهدياً بخريره
 ( انظر التفصيلات ومعاني أخرى مشتقة من هذه الفكرة الترجمة العربية الكتاب الثالث الأبيات 4403 - 4405 وشروحها والترجمة العربية للكتاب الرابع الأبيات 745 - 753 وشروحها ) .
 
( 598 - 609 ) : الحكاية المذكورة في هذه الأبيات ، ترمز إلى أحوال الغافلين عن الحق وهو حاضر بين أيديهم ، أو من يبحث عن المحبوب ، فإذا جاء الوصال لم يكن له نصيب فيه ونام ، والمهم كما يقول مولانا أن يكون الوصال نصيبك ، وألا تكون من المقطوعين المبعدين مهما كان جهدك ، فالتوفيق هو الأساس لا الجهد
( انظر في هذا المعنى الكتاب الثالث الأبيات 839 - 841 وشروحها ) وقد ورد أصل القصة في أسرار التوحيد في
 
« 449 »
 
مقامات أبي سعيد لمحمد بن المنور ( ص 67 - 68 من الأصل الفارسي وانظر الترجمة العربية للدكتورة إسعاد قنديل ص 79 - 80 ، الدار المصرية للتأليف والترجمة ب . ت . ) كما وردت في منطق الطير للعطار وفي معارف بهاء والد ( والد مولانا جلال الدين ) ،
وللكاتب المصري المعاصر نجيب محفوظ قصة رمزية تحت عنوان زعبلاوى عن إنسان يبحث عمن يسمى زعبلاوى ، ويسكر وعندما يفيق من السكر يخبروه أن زعبلاوى كان طوال فترة سكره يتحدث معه .
وطبخ اللوبياء المذكورة في البيت كناية عن التمتع بصحبة المعشوق ، ومولانا متفائل دائماً بالنسبة للمعشوق الذي يجد في الطلب ، فقد يوافيه الحبيب وقد يجد هو الحبيب على حين غفلة ( انظر حكاية عاشق طويل الهجران آخر الكتاب الثالث وأول الكتاب الرابع ) ، ولعب النرد كناية عن الاستغراق في لعب الدنيا ولهوها ، وفي البيت رقم 610 ما أصابنا فهو منا ، من بيت شعر لناصر خسرو أصبح مثلًا سائراً . ( انظر ديوان ناصر خسرو ص 499 ، طبعة طهران ، وداستانهاى أمثال الأمير قلى أميني ص 34 ، أصفهان 1351 ) .
 
( 610 - 617 ) : يترك مولانا الحكاية ليتحدث عن العشاق الحقيقيين أولئك الذين لا يروحون في نوم الدنيا ، بل يتميزون بقلوب مستيقظة متنبهة مراقبة لا تغيب ( عنه ) طرفة عين ، لم يعد هناك جوز ( أقل متعة من متع الدنيا ) يلهيهم ، ويا أيها العاذل الذي تدعونا دائماً إلى متع هذا العالم وتريد أن نحيد عن هذا الطريق ، طريق العشق ، فمن ذا الذي ينصح من راحوا في صحارى جنونه وافتتنوا بجماله ، أتأمرنا بالهجران ؟ !
أترانا بعد أن ذقنا قطرة من هذا المحيط نستطيع أن نحيد عنه ، ألم يكفك الهجران الذي عشنا فيه ، والفراق الذي أمضنا ، تدعوننا بالمجانين ؟ إن الجنون الحقيقي هو الغربة عن هذا الطريق ، وهذا هو الحق ، إنهم يرمون المجنون بالحجارة لأنه يقول الحق بلا رياء ( غزليات شمس تبريزى ، ص 9 - 10 ، 1335 ه . ش ) هات قيودك كلها ، فسوف أحطمها ، فلا قيد
 
« 450 »
 
هناك يستطيع أن يمنعني إلا قيد الهوية الإلهية المقيد به الأنبياء والأولياء ، إن سلسلة هؤلاء القوم هي جديلة الحبيب الفواحة بالمسك العاري عن الأسماء والصفات " ( مولوى 6 / 93 ) ( انظر أيضاً الكتاب الثالث 3852 ) فإن العشق ومراعاة ما درج عليه الناس لا يجتمعان .
 
( 618 - 631 ) : العرى هنا هو تعرية الروح من رداء البدن ، والملابس في لغة مولانا كناية عن الحجب وكناية أيضاً عن الجسد الذي يحجب الروح ، وأن هذا الأمر لا يستطيع أن يتحدث به إلا ذلك الذي خلع كل ما تعارف عليه الناس من حياء وخجل ومراعاة لما تعارف عليه الناس ، ولم يعد يهتم بما سوى الله ، فالعاشق هو الذي لا يبالي بحياء أو فكر ، ثم يخاطب المعشوق : لقد حرمت الروح النوم من سحرك الحلال ، أنت مستغن عنا في هذا العالم ،
 فهيا جرب صبرنا ، وهب أن للصبر حلقا داوم الضغط عليه ، فبهذا يسعد قلب العاشق ،
 أليس العاشق يسعد بابتلاء معشوقه له وكلما زاد هذا الابتلاء كان دليلًا على أن المعشوق يفكر في العاشق للحظة ،
ولحاظ المعشوق رحمة مهما كان التعبير عنها ، الموت منه حياة والسم شهد والشوك ورد ،
 ومن لم يحترق في نار الحبيب لم يذق جنته ، إن القلب داره ومنزله فماذا يحدث إن أحرقه ، إن إحراقه للدار يجعلها أكثر عمراناً وألقاً ، إنه يعوضها بألف دار ، لا بل يعوضها بالجنان الخالدة ، إن الشمع لا يتألق إلا إذا احترق وهذا الأسد الهصور ( مولانا في حالة سكر )
لا يفعل شيئاً جزافاً والعمران في الخراب ، ويواصل مولانا يخاطب المعشوق الحق " بالأب " ربما ليبرر لنفسه أن يطلب عدم النوم من الذي لا ينام وذلك كي يرى أحوال الساهرين في عشقه والذين جنوا وجداً به ، وأصبح العشق مبتلعا إياهم وكأنه أفعى ضخمة تبتلع كل شئ ، إنهم كالفراش والعشق كالنار ، وصل ثم احتراق ويرى بعض المفسرين أن مضمون البيتين 630 و 631 يشير إلى توبة العطار الشاعر المعروف وإراقته لجعبه في النهر ، وقد ناقش استعلامى هذا الأمر ( 6 / 254 )
في حين أن الحكاية التي تروى عن توبة العطار الشاعر تختلف عن هذه الحكاية المذكورة
 
« 451 »
 
تماماً ، والعطار هنا لا يخرج عن أي كاسب في هذه الدنيا ، وإراقة الجعب في النهر كناية عن نبذ الأسباب والخروج عن كل ما في الدنيا في سبيل العشق الأزلي الأبدي الحقيقي .
والرمي بها في النهر أي الإلقاء بها في تيار العشق الذي يتجه إلى وجهة واحدة عليا ولا يعود كل ما ألقى فيه .
 
( 632 - 635 ) : المزور المخاطب هنا هو ذلك الذي يدعى العشق وليس عنده من العشق شئ ، أو ذلك الذي يتجه بعشقه إلى غير المعشوق الخالد ، ولا يدرك العشق الحقيقي ، وينظر إلى العشاق الحقيقتين بعين الشك والارتياب ، إنه يقيس الأمور بعلمه يقول اعلم كذا ولا اعلم كذا ، إنه احتيال سار كالوباء بين الناس ، أخرج منه إلى عالم الحي الذي لا يموت والقيوم على كل سعى تقوم به ، حينذاك تكون جديرا بان تمنح الرؤية والمعرفة ، ولا تقل أنك في سكر ، إنك سكران من المخيض ولست سكرانا من العشق الإلهى ، وهناك أنواع من اليقظة تزرى بأنواع من سكر السكارى ( انظر الكتاب الثالث ، الأبيات 685 - 720 وشروحها )
دعك من هذا السكر الذي تدعيه حتى تكون أنت نفسك موصلا السكر للمريدين واهبا إياهم هذا السكر ، ودعك من هموم الدنيا المتفرعة العديدة وكن مهتما بالعالم الذي لا تقلب فيه ولا تغير بل استواءٌ واستقامة ، وكفاك فخراً بهذا السكر الذي يشاركك فيه الكثيرون ولست منغمسا وحدك فيه .
 
( 637 - 647 ) : الحديث عن السكارى الحقيقيين سكارى خمر الحب الأزلية ، سكارى الحبيب ، إنهم حقا كثيرون لكنهم كنفس واحدة فهم جميعا وجود واحد ذائب في وجود الحبيب و " المؤمنون كنفس واحدة " ، وكل كثير رخيص إلا هذه الكثرة ، فهل الشمس المنتشرة ذليلة رخيصة ؟ !
إن العلو الحقيقي والسمو الحقيقي والكبرياء الحقيقي موجود مع هذه الجماعة ، فكن معها حينذاك تكون في أرض الله الواسعة أي القلب ( انظر الكتاب الرابع ، الأبيات 1760 - 1764 وشروحها ) إن هذا السكر نادر ندرة وجود البازي
 
« 452 »
 
الأشهب ( عن البزاة البيض في مقابل الغربان ، انظر الكتاب الرابع ، البيت 1700 وشروحه ) في هذه الأرض المقدسة أرض القلب هناك ما هو أسمى من هذا البازي الأشهب ، سئل السيد برهان الدين هل للطريق إلى الله نهاية ، فقال الطريق له نهاية ، والمنزل لا نهاية له ( مولوى 6 / 96 )
إن إسرافيل هو المختص بنفخ صور الأحياء ، وبصوره يتبدل موتى الجسد إلى أحياء الروح ، ومن ثم فهو متميز ، فكن أنت أيضاً مثله آخذاً بأيدي الموتى إلى الحياة الخالدة ، يوم ترى الناس سكارى وما هم بسكارى فإن أولئك الذين يقولون لا أعلم كذا ولا أعلم كذا إنما يمزحون في الحقيقة ، إنه يكررها ونفى النفي إثبات ، فدعك مما لا يعلم ومن النفي ، وادخل فيما تعلم أي الإثبات ، كن معبراً عن الواقع ، تراني شققت عليك بهذا الحديث ؟ ! دعني أفسره لك بهذه اللطيفة
عن ذلك الأمير التركي الثمل ، فما بالك تستفيض في النفي ، وأصل هذا الوجود .
 
( 648 ) : الحديث المذكور في العنوان " إن لله شرابا أعده لأوليائه إذا شربوا سكروا وإذا سكروا طابوا وإذا طابوا طاشوا وإذا طاشوا طاروا وإذا طاروا بلغوا وإذا بلغوا وصلوا وإذا وصلوا اتصلوا وإذا اتصلوا انفصلوا وإذا انفصلوا فنوا وإذا فنوا بقوا وإذا بقوا صاروا ملوكا في مقعد صدق عند مليك مقتدر " وفي رواية " إذا طابوا طربوا " ( مولوى 6 / 97 )
أما الأبيات المذكورة في العنوان ، أما البيت الأول فهو شطرة من رباعية ليست لمولانا أو للعطار أو سنائى ولم أتوصل إلى قائلها ، أما البيت الثاني فهو لفريد الدين العطار ( ديوان فريد الدين عطار نيشابورى ، البيت رقم 9824 ، ص 518 من الديوان ، ط 3 ، طهران 1339 ه . ش )
والبيت الذي يليه لسنائى ( حديقة الحقيقة ، الترجمة العربية ، لكاتب هذه السطور ، البيت 661 ) ويبدو أن أصل القصة من الروايات الشعبية التي كانت سائدة في الأناضول في عهد مولانا إبان حكم السلاجقة الترك للأناضول .
 
« 453 »
 
( 649 - 653 ) : يترك مولانا قصة الأمير التركي الذي انتبه من سكره فلا يعود إليها إلا في البيت 708 ، والمطرب المذكور في البيت التالي كناية عن المرشد الذي يأخذ بيد المريد في حالة سكره فلا يشذ ولا يضل ولا يشطح ، وهو الذي ييسر له عالم الصفاء الروحاني والصفاء الرباني وشأنه شأن مطرب الجسد يمحو عنه غبار الأحزان المتراكمة ( مولوى 6 / 98 )
 
فهذا المطرب الروحاني هو الذي يجر مريديه نحو السكر الإلهى بخمره الإلهية وفتوحاته الربانية ، ومن " نفس " هذا المطرب تحدث القوة من بعد الضعف والصحو من بعد السكر ، ولمطرب الجسد خمره ولمطرب الروح خمره ، والشطرة الثانية تقرأ عند بعض المفسرين مُطرب بفتح الميم وهم المضيق ، والدنيا عند بعض العارفين بمثابة المضيق لا بد للمريد فيها من الشيخ يأخذ بيده ويعبر به ، وكلاهما مطرب ، أي مطرب الجسد ومطرب الروح ، وشتان ما بينهما وإن تشابها في الحروف ، والفرق بينهما كالفرق بين أبى الحسن الوزير الجواد وأبى الحسن الآخر الوزير سلاخ الفقراء
( انظر الكتاب الرابع ، الترجمة العربية لكاتب هذه السطور ، الأبيات 1170 - 1240 وشروحها ) وبالرغم من أن كلمتي آسمان ( السماء ) وريسمان ( الحبل ) متشابهتان في الفارسية ، ولكن شتان بينهما فيما يتعلق بالمعنى ، ويضرب المثل في الفارسية على التشابه في المظهر بين شيئين بينهما في المعنى بون شاسع .
 
( 654 - 661 ) : ينطلق مولانا إلى الحديث عن المظاهر أو الألفاظ وكيف توقع في الظن والخطأ ، واللفظ بمثابة الجسد ، فأي فرق تراه بين المجوسي والمسلم فيما يتصل بالجسد ، ألم يقل الكفار للرسلإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا( إبراهيم / 94 ) . وما هذا الجسد بالنسبة للروح إلا كإطار ، كوعاء تماما ، كجرة ، وقيمة الجرة بما فيها ، فجسد العارف ملىء بالعلم والفيض ، وجرة الفاسق والكافر ملئية بالسم الزعاف ، فانظر دائما إلى ما تحتويه القدور لتكون ملكا ، وإلا إذا وقفت على النظر إلى
 
« 454 »
 
الظاهر تضل ، وهكذا الألفاظ والمعاني فالألفاظ بمثابة الأجساد وبمثابة القدور والمعاني بمثابة الأرواح وبمثابة المحتوى ، وليس كل إنسان بقادر على التمييز ، فهناك عين للجسد لا تستطيع النظر إلا إلى الأجساد مهما كانت ذات فنون وقدرات على رؤية الظاهر ، ولكن أين فنون الجسد من فنون الروح ، وأين قدرات الجسد من قدرات الروح ؟ !
وهكذا أيضاً هذا الكتاب الذي بين يديك قد يكون مشتملا على هزل وقد ترد فيه حكايات خارجة ، هي هكذا لمن ينظر إلى ظاهرها وصورتها ، لكنها بالنسبة لمن يدرك المعاني هادية للسبل ، وألم يقل الله سبحانه وتعالى في شأن القرآن العظيم يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً( البقرة / 26 ) فالكفار والجهال من الحيرة في إدراك حقائق الأمثال يقولونما ذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًافبجهلهم زاد إنكارهم على الإنكار فتاهوا في أودية الضلال بقدم الجهالة ، فيضل به كثيرا ممن أخطأهم رشاش النور في بدء الخليفة ، فمن أصابه النور فقد اهتدى ومن أخطأه فقد ضل ، فمن أخطأه ذلك النور في عالم الأرواح فقد أخطأه نور الإيمان هنا ،
ومن أخطأ نور الإيمان فقد . أخطأ نور القرآن ، فكان القرآن لقوم شفاء ورحمة ولقوم شقاء ونقمة ( عن تفسير نجم الدين كبرى ، نقلا عن يوسف بن أحمد المولوي 6 / 100 ) .
 
( 662 - 668 ) : وهكذا فعند ما ينطق العارف كلمة الخمر ، متى يقصد الخمر المعلومة لديك وكل شئ في نظره فإن ، فلا ينظر إلا إلى معاني الأشياء ، إنما تفهم أنت ما يستطيع فهمك أن يصل إليه ، إن ما يصل إليه فهمك هو ظاهر الألفاظ هو هذه الخمر الدنيوية خمر الشيطان وأم الخبائث ، وهكذا تظن خمر العارف وهي من كل هذا براء ، ولكل شراب مطربه الذي يستدعيه ، فإن وجد المطرب لا بد وأن يوجد الشراب وإن وجد الشراب لا بد وأن يوجد المطرب .
وشراب الدنيا في حاجة إلى مطرب الدنيا ، أما شراب الروح ففي حاجة إلى المرشد والشيخ وهو مطرب الروح ، حلقات متصلة شرب يؤدى إلى خمار وخمار يؤدى إلى شرب وإلى ذهاب إلى الحان ( في الجسد والمعنى ) هما معا كميدان له بداية ونهاية ،
 
« 455 »
 
البداية تؤدى دائما إلى النهاية ، والقلب ( موضع العشق ) كأنه الكرة في صولجان ( المشيئة ) ، وكما أن الأذن توجد حيث يوجد الرأس ( انظر الكتاب الثالث ، البيت 2774 وشرحه )
وإن كان في هذه الرأس هيام ما فإن الأذن تتبعه لأنها مجرد تابع ، ثم يندمجان معا التابع والمتبوع والمطرب والمخمور . وفي تفسير آخر للشطرة الثانية من البيت السابق ، عندما يكون باطن الإنسان فارغاً من نور الإيمان ويكون قلقا من الصفراء التي تجتاحه ، فإن هذه الصفراء تجره إلى السوداء والماليخوليا وخيال الباطل فتبعد المرء عن الحقيقة .
 
( 669 - 674 ) : يحاول مولانا العودة إلى حكاية الأمير التركي والمطرب لكن المعاني تجرفه مرة ثانية ، وتصالح السرور والألم أي وصول العاشق إلى مرتبة يكون فيها ألم الفراق عليه وسرور الوصال سيين لديه ، فيكون فانيا في المحبوب ممحوا فيه ، لا يرى لنفسه رغبة أو إرادة . وهكذا أيقظ أميرنا إياه المطربين ، أي طلب من يقوده من عالم السكر إلى عالم الصحو ، والبيتان الأخيران من الأبيات العربية مشروحان في قصة من قصص الكتاب الأول .
 
وفي تعليق للأنقروى ( 6 - 1 / 159 ) أن الأبيات توحى بقول المجنونفلاحت فلا والله ما ثم مانع * سوى أن طرفي كان عن حسنها أعمى
 
توهمت قدما أن ليلى تبرقعت * وإن لنا ما بيننا ما يمنع اللثما( انظر الترجمة العربية للكتاب الأول 3063 وما بعده وشروحها ، والبيت الأخير ، انظر الكتاب الثالث الترجمة العربية لكاتب هذه السطور ، الأبيات 1345 - 1354 وشروحها ) .
ولابن الفارض :وقد رفعت تاء التخاطب بيننا * وفي رفعها عن فرقة الفرق رفعتى( انقروى 6 - 1 / 160 ) كما يذكر السبزواري ( ص 421 ) البيتين :
 
« 456 »
 
ولا تسمح بوصلك لي فإني * أغار عليك منك فكيفى منىويذكر للحلاج :بيني وبينك إني ينازعني * فارفع بلطفك إنيى من البينولابن الفارض :فلم تهونى ما لم تكن في فانيا * ولم تفن ما لم تجتلى فيك صورتي
 
( 675 - 680 ) : مصدر الحكاية التي تبدأ هنا يقول فروزانفر ( مآخذ ، ص 201 ) عن نبهان مولى أم سلمة رضي الله عنها ، أنه حدث أن أم سلمة حدثته أنها كانت عند رسول الله صلى اللَّه عليه وسلّم وميمونة قالت : بينما نحن عنده إذا أقبل ابن أم مكتوم فدخل عليه وذلك بعد أن أمر بالحجاب ، فقال رسول الله صلى اللَّه عليه وسلّم احتجبا منه ، فقلنا يا رسول الله صلى اللَّه عليه وسلّم أليس هو الأعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا ، فقال رسول الله صلى اللَّه عليه وسلّم أفعميا وان أنتما ؟ ! ! ألستما تبصرانه ؟ ! !
ورواية مولانا أقرب إلى رواية أخرى لهذا الحديث وردت في تفسير أبى الفتوح الرازي ( مآخذ / 202 ) .
والغيرة المذكورة فيما بعد إشارة إلى حديث نبوي [ إن سعدا لغيور وأنا أغير منه والله أغير منا ومن غيرته حرم الفواحش ما ظهر منها وما باطن ] ( انظر الترجمة العربية للكتاب الأول ، البيتان 1723 - 1724 وشروحهما )
والبيت رقم 680 مختلف التفسير عند استعلامى فهو يرى أن المعنى أن العجائز يحقرن أزواجهن ، وهو تفسير بعيد بل أولى التفاسير ما جاء في ظاهر البيت : إذا كانت الغيرة تصدر عن الجمال لأن الجميل هو الذي يغار من أن ينظر إلى غيره لأنه طعن في جماله ، وهو أعز ما يتدلل به وتجاهل له وهو المعتاد على لفت الأنظار ( وعن قيمة الحجاب بالنسبة للمرأة ولعفافها وإن لم يرها رجل ، انظر الكتاب الثالث ، الترجمة العربية ، الأبيات 3705 - 3709 وشروحها ) .
 
( 681 - 690 ) : الحديث عن الجمال المحمدي ، جمال باطني ومعنوي لا مثيل له في الكونين أي الدارين ، وذلك لأنه يستمد جماله من الجمال المطلق ، ومن الغيرة التي
 .

الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء السادس د. أبراهيم الدسوقي شتا
* * * 
 أبيات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا 
* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح 01 - 4932 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح 693 - 1115 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح 01 - 4932 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالأحد مارس 28, 2021 5:57 pm

الهوامش والشروح 693 - 1115 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )       

الهوامش والشروح 693 - 1115 على مدونة عبدالله المسافر بالله

الهوامش والشروح 693 - 1115 فى المثنوي المعنوي الجزء السادس د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح حكاية قول بلال رضي اللّه عنه أحد أحد 
( 897 - 914 ) : كان أبو بكر الصديق يجد رائحة مألوفة لديه أي يجد في صيحة بلال أحد أحد طعم الإيمان الحقيقي ، ولم أجد في السيرة وصية من أبى بكر رضي اللّه عنه لبلال رضي اللّه عنه بأن يكتم إيمانه عن سيده ( انظر ابن هشام القسم الأول ص 317 من طبعة 1955 بتحقيق مصطفى السقا وآخرين )
 
لكن مولانا يصور بلال في عشقه للأحد ، ذلك العشق الذي يجعله يعود عن نيته في كتم إيمانه حتى يجعل الله له فرجا ، والمقصود بمحمد عدو التوبات ذلك العشق لمحمد صلى اللَّه عليه وسلّم الذي يجعل المؤمنين بدينه يضعونه في موضع بحيث يكون أحب إليهم من أنفسهم ، ويكون البلاء أهون من كتمه وإنكاره ،
 
 فكيف يمكن إنكار عشق فيه حياة الخلود والنجاة من الموت ؟ كيف يمكن التوبة عن عشق يملأ العروق والأوردة بحيث لا يترك مكاناً لأي شعور آخر ؟ وفي البيت رقم 909 إشارة إلى حكاية العبد المؤمن هلال التي سترد فيما بعد
 
( بداية من البيت 1116 ) ومن الممكن أن تكون أيضاً إشارة إلى ضعف بلال ونحول جسده كالهلال ، وبلال يتحدث عن نفسه وكأنه قمر يستمد نوره من الشمس ، وحينا يكون في اكتمال وحيناً في نقصان بقدر ذلك النور الذي يأخذه من الشمس ( شمس الحقيقة محمد صلى اللَّه عليه وسلّم ) إنه يتبعها كما يتبع الظل الشمس ، وهذا هو قضاء العشق ،
 العشق يجعل من المرء كقشة في مهب الريح تتحرك حيثما تحركها الريح ، قيامة تجعل كل مرضعة تذهل عما أرضعت وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ، فهل من عزم على أي عمل أو إرادة له والقيامة قائمة ، ويقدم مولانا صورة من الواقع المعاش ، إن العاشق كذلك القط الذي يحمل في
 
« 472 »
  
جوال لينقل إلى مكان آخر ، وهو عادة لا يحمل بل يجر ، يكون حيناً في منخفض وحيناً في مرتفع ، لا يملك من أمر نفسه شيئاً ، ولا يملك قراراً ولا راحة .
 
( 915 - 930 ) : ينطلق مولانا في الحديث المحبب إلى نفسه : العشق ، وإذا حل العشق فانصتوا ، اصمتوا وانصتوا ، ولا حظوا ما تفعله مشيئة الحق ( قضاء العشق ) ، إن العشاق كأنهم حجر الطاحون يدورون ليل نهار وينوحون ، إن هذا الدوران شاهدٌ على وجود النهر الطامى الموجود ، وأصلهم المندفع نحو البحر الكلى ونحو أصل الوجود ، وإذا كنت لا ترى هذا الجدول الكلى ، فانظر إلى ساقية الفلك ، تدور ، فإن لم يكن ثم نهر كلى كيف يدور ؟ !
وإذا كنت تدور ولا يقر لها قرار فكيف تطمع في أن يقر لقلبك قرار ؟ !
( المعنى من ناصر خسرو :
أي استقرار تنشده تحت الفلك * ما دام الفلك نفسه لا يقر له قرار
( ديوان ، ص 9 ) إن العشق لك بالمرصاد ، فلا تنشد فيه الاستقرار ، فهو الذي يحطم كل ما تشبثت به ، وهو يمحو كل ما تتلتفت إليه سواه ، إن هذه العناصر في ترتيبها وفي جيشانها وفي فورانها تدلك على حركة هذا البحر الكلى ، إن كنت لا تدرى عنه شيئاً كل العناصر منجذبة إلى بعضها بالنسق في حركة دائبة
( انظر لتفصيل الفكرة الكتاب الثالث ، الأبيات 4402 - 4423 وشروحها ) أن هذه القذى والغثاء
 
( العناصر الأربعة ) تتحرك بهذا البحر الشريف بحر العشق وتشبيه الشمس والقمر بثورى الطاحون على أساس أنهما يحفظان دوران الفلك من ناحية ومن ناحية أخرى يمثلان دليلا واضحا على دوران لا تخطئه العين على إسراع الكواكب من منزل لمنزل وتغير تأثيرها من السعد إلى النحس ومن النحس إلى السعد ، وهذا العالم كله في تغير وتبدل .
 
وعن أن العالم في تغير وتبدل وأن قانونه الأزلي هو الحركة دقت الفلسفات والكتب المقدسة منذ أقدم العصور ففي الريح ويدا كتاب الهنود أن القانون الخالد هو قانون الحركة ومنه ظهرت السماوات والأرضيين كما طرح أرسطو مبدأ الحركة
 
« 473 » 
 
وهيراكليطوس هو القائل نحن لا ننزل نفس النهر مرتين ففي المرة الثانية نتغير سواء نحن أو النهر ، وقد انتقل المبدأ إلى الفلسفة الإسلامية اعتماداً على بعض نصوص القرآنيَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ( الرحمن / 29 ) .وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ( النمل / 88 ) ( جعفري 13 / 352 - 354 ) .
 
ويقول السبزواري ( ص 423 / 424 ) : لأن العالم بحسب السلسلة العرضية الزمانية آنا فآنا في حركة وتبدل وبحسب السلسلة الطولية مرتبة فمرتبة في تغير واستكمال ، ففي كل لحظة نزع صورة ناقصة من حيث النقصان وخلع صورة ولبس صورة . وانظر في ذاتك أيها الإنسان إلى الشروق والغروب وإلى النوم واليقظة وانظر في زمانك إلى ربيع وخريف وصيف وشتاء ، وانظر إلى أحوالك هناء وسرور وحزن وشجن وضحك وبكاء ، وكلها بيد المشيئة يقوم بتصريفها كيف تشاء .
 
( 931 - 943 ) : إذا كانت الكليات ( العناصر ) خاضعة أمام مشيئته بهذا الشكل منجذبة إليه عاشقة له في يد مشيئته كالكرة في الصولجان يوجهها حيث يشاء ، فكيف تكون يا قلب العاشق وأنت بالنسبة لها كذرة في محيط الكون تظل ساكنا أمام هذه المشيئة ؟ !
الست تخشى عقابه وهذه الكواكب تتعرض لعقابه إذا حادت عن الطريق مثقال ذرة ، ألا تعاقب الشمس بالكسوف بواسطة الذنب وتسود فتكون كقاع القدر ؟ !
ألا يعاقب السحاب بالبرق يسوطه بسوط من نار ؟ !
ألا يسبير السحاب ويزجيه كيف يشاء فيمطر على واد ويجدب على آخر بمشيئته هو جل شأنه وبإرادته ؟ ! وهكذا العقل ينبغي أن يكون تحت حكم المشيئة ، فإذا اعوج كان كسوفه ، وإنك لتؤخذ بقدر جرمك فإن الله لا يظلم مثقال ذرةوَهُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ( الأنعام / 3 ) .
 
( 944 - 958 ) : دعك من هذا ، وتحدث عن هداية الحق ورعايته لعبيده وألطافه معهم وتجاوزه عن ذنوبهم ، فهذا هو العيد ، والناس تطيب أفواههم بذكر الحق فكأنهم يتجرعون الشهد ، هذه الرعاية هي الإقبال الحقيقي ، وأي توبة عن العشق تنفع إذا حلت هذه الرعاية ،
 
« 474 » 
 
في هذه اللحظة لا عقل يراعى أو يهادن أو يكتم خوفا من الكفار ، فقد ثمل العاشق بالفيض الإلهى وغلبه السكر ، وهو مستعد لرهن جسده والتخلي عنه ، فقد صار جسده مفعما بخمر الإله الياقوتية ولم يعد يحس بشئ غيره ، فطاب مجلسه وامتلأ بالوجد والسماع ، فهيا أحرق العود دفعا للحسد ، فالعشاق في البلاء يحسدون ، وعربدتهم تقع منى موقعا حسنا ، والعشاق كلهم صاروا رفاقا ، بلال مع هلال ، وجراح بلال كأنها الورد وزهر الرمان والجسد المحطم روضة إقبال ، ألا فليأت هذا اليهودي الكافر وليحطمه فإن كان الجسد في عذاب فالروح في هناء ، وأشم عبير الحبيب
( الشطرة الثانية من 955 من بيت شهير للرودكى ) لقد امتلأ بلال بالمصطفى والمصطفى ببلال حتى أنه سمع دبيب قدمه ليلة المعراج "
روى أنه صلى اللَّه عليه وسلّم قال : يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام فإني سمعت دق نعليك بين يدي في الجنة ، ( مولوى 6 / 141 ) .
وعند جعفري ( 13 / 348 ) عن ابن عباس قال : ليلة أسرى نبي الله صلى اللَّه عليه وسلّم ودخل الجنة فسمع من جانبها وجسا قال : يا جبريل :
ما هذا ؟ !
قال هذا بلال المؤذن ، فقال نبي الله صلى اللَّه عليه وسلم لما جاء إلى الناس قد أفلح بلال رأيت كذا وكذا . وهكذا فإن هذه الأقوال جعلت الصديق رضي اللّه عنه متأكدا من أن بلال أن يسمع نصيحته ويكتم إيمانه .
 
( 959 - 974 ) : يصور أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم بأمر بلال رضي اللّه عنه ولكن بأسلوب مولانا جلال الدين الذي يصور بلالا نسيج وحده متعرضا لتعذيب الكفار ، ويصر مولانا على تسميتهم باليهود ، لا لشئ إلا لاختلاف جنسه عن جنسهم فهو طائر ميمون الجناح والقوادم يطير في فضاء الحقيقة ، وهو بازى السلطان وقع في خرابة البوم ( انظر قصة البازي والبوم بداية من البيت 1135
من الترجمة العربية للكتاب الثاني من المثنوى ) ويضرب المثل بغضب اليهود في اللغة الفارسية للحقد المستقر في القلب والذي لا يمضى
 
« 475 » 
 
ولا يهدأ ، ولا ذنب له إلا كونه بازيا مثلما لم يكن ليوسف عليه السّلام ذنب عند اخوته إلا حسنه ، وهكذا مثلما يفعل البوم بالبازى ، يقوم الكفار بتعذيب بلال ، ولا ذنب لبلال رضي اللّه عنه إلا أنه عاشق حلت به القيامة ولا إمكان في توبته ، وهذا أمر محال جداً .
 
( 975 - 983 ) : ظاهر الحديث انه حديث أبي بكر الصديق رضي اللّه عنه لكنه في الحقيقة من إفاضات مولانا جلال الدين عن العشق ، فالعشق من أوصاف الله سبحانه وتعالى ومتوجه إليه ومن ثم فهو خالد وباق ، والتوبة وصف الخلق وهي حادثة وفانية ، فالتوبة بمثابة الدودة والعشق بمثابة أفعى ،
ولهذا قال الجنيد : " إذا فسرت المحدث بالقديم لم يبق له أثر " ( مولوى 6 / 143 ) والعشق إذن من صفات الله الغنى ولهذا فكل عشق غير عشق الله هو عشق مجازى ، والله تعالى هو الذي يخلق عشقه في قلب عبده ،يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ( المائدة / 54 ) ( انظر 2178 الكتاب الخامس ) ،
 
وذلك أن الجمال الحقيقي هو جمال الله ، وأي جمال آخر إنما يكون شعاع من انعكاس هذا الجمال ، فإذا ذهب افتضح العشق المجازى ، عاد النور إلى أصل النور وبقي الجسد خاليا منه ، مجرد جدار ذهب عنه ضوء القمر ( انظر الترجمة العربية للكتاب الثالث ، الأبيات 552 - 559 وشروحها ) .
 
( 984 - 993 ) : المبصرون أي العارفون بأسرار الغيب يكون للوجود المطلق ( منجم الذهب ) ذلك أنه أصل الجمال وأصل الغنى الذي لا ريب فيه ولا شك ، وكل من ساوى الزيف ( الدنيا ) بهذا الذهب النضار الحقيقي ، انصرف عنه الذهب الحقيقي ، وانصرف عنه الزيف إلى العدم ، وفنى العاشق للزيف والمعشوق أي الزيف ( ضعف الطالب والمطلوب ) لكن العشق الرباني هو شمس الكمال والروح نوره والأجساد ظله ( مولوى 6 / 145 )
والناس إن حرمت منها ماتت كأسماك حرمت من النبع ، والأمر هو عالم الغيب ، وأمر نوره أي أصل نوره ( سبزوارى / 427 ) ، ونحن وكل المخلوقات ظلال له ( استعلامى 6 / 272 ) ولأن المتحدث وجد مستمعا في مستوى المصطفى صلى اللَّه عليه وسلّم في الوصل إلى عوالم الغيب فقد
 
« 476 » 
 
أفاض بحيث صارت كل شعرة من جسده لساناً ، وهكذا يستفيض المتحدث إن وجد مستمعا من جنسه ، فإن لم يجد نامت قريحته ، وأسير الله في الأرض أي عاشق الحق الذي يعيش بجسده في سجن هذه الدنيا .
 
( 994 - 1012 ) : يواصل مولانا قصة شراء أبى بكر لبلال رضي اللّه عنه وعرض الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم أن يكون شريكا في الثمن أو شريكا في هذا الإقبال ، وانطلق أبو بكر متفائلا ، فما أيسر هذه الصفقة فاليهودي لا يعرف قيمة بلال مثلما لا يعرف الأطفال قيمة الجوهر ، أليس الشيطان المضل يشترى عقول البشر بمتاع الغرور ؟ ! ألا يأتي الساحر ويبيع للناس ضوء القمر على أنه قماش ؟ ! ( أنظر الكتاب الثالث ، البيت 1164 ) ، ( قصة شراء أبى بكر لبلال رضي اللّه عنه يقصها مولانا طبقا لما ورد في طبقات ابن سعد " 3 / 165 " ) .
 
 لكن الأنبياء يعلمون الناس التجارة الحقيقية ، التجارة مع الله ، ومع ذلك فإن الشيطان قبح في أعينهم هذه التجارة ، وهكذا ديدن الشيطان يفرق بسحره بين المرء وزوجه ، وهذا الجوهر - أي بلال - بيع بثمن بخس لأن الشيطان خاط عين بائعه فلم يشعر بقيمة البضاعة الموجودة في يده ، إنه حيوان فكره منصرف إلى الجسد ، وإلى المرعى فمتى يفكر في جواهر الروح ، التي صار بها الإنسان جديرا بأن يوصف بأنه خلق في أحسن تقويم ( التين / 4 ) ( وانظر 963 من الكتاب الخامس )
 
ولا يمكن أن يعبر عن معنى هذه الآية الكريمة ومفادها ، فإنك تفسر أحسن التقويم بأن الإنسان خلق في تناسب عضوى وليس الأمر كذلك بل المقصود تلك الروح التي هي النفخة الإلهية وهي عالمٌ من العجائب العظيمة ، ولو أفضت في بيان قيمة هذه الروح وعوالمها لما تحملت أنا ، ولما تحمل المستمع ، فالصمت أولى .
 
( 1017 - 1019 ) : الصادق في دينه يحترم الصادق في دينه ولو تسلط عليه ، فلو كان هذا اليهودي صادقا في دينه ، لما اضطهد بلالا وعذبه ، لصدقه في دينه ، لكنه لأنه غير صادق في دينه فهو يظن أن باقي الخلق وأهون في دينهم يمكن لهم النكوص عنه ، وهناك
 
« 477 »
  
مثل فارسي يقول : " الكافر يظن الناس جميعا على دينه " .
 
( 1020 - 1029 ) : إن كلام أبى بكر رضي اللّه عنه لم يكن صادرا عنه ، فلإخلاصه في عبادته جرت ينابيع الحكمة من فمه " فمن أخلص لله أربعين يوما ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه " . وإن الله يقول الحق على لسان عبده ( انقروى 6 - 1 / 236 ) . وعند السبزواري ( ص 424 ) : إن روح المؤمن لأشد اتصالا بروح الله من اتصال شعاع الشمس بها . ومن ثم فإن هذه الحكمة التي جرت على لسان أبى بكر لم تكن من قبيل كلام هذا العالم بل من عالم لا جهات فيه ولا زمان ولامكان ، من عالم الغيب ( انظر 351 من الكتاب الخامس )
 
ولماذا تستغرب أن تفيض الحكمة عن لسان أبى بكر والله سبحانه وتعالى بضربة عصا موسى عليه السّلام فجر الماء من الصخر ولم يستطع أحد أن يقول من أين انفجر هذا الماء ، وإن الأمر هو قدرة الله وما الحجر إلا ذريئة ؟ ! ونور العين هل تراه من شحمة العين ؟ !
 
وسمع الأذن هل تراه من عظمة الأذن ؟ ! إنها كلها عوامل ظاهرة لتخفى القدرة الإلهية التي هي أساس كل شئ ومنبع كل شئ ومصدره ، والأذنان من الرأس جزء من حديث نبوي [ المضمضة والاستنشاق سنة والأذنان من الرأس ] أي الفروع تابعة للأصل . وعند السبزواري
 
( 428 ) وفي رواية الأنفان والأنفان هما الأذنان لأنه في تطبيق العالمين الكبير والصغير الأذنان بمنزلة المشرق والمغرب ، وكلها مراتب نازلة للروح أو كما يقول العطار :
الجسد ليس من الروح بل عضو ينفصل عنها والروح ليست من الكل بل جزء منفصل عنه
 
( 1035 - 1038 ) : لقد تحير اليهودي وتوله عند رؤيته للغلام الأبيض البشرة الأسود القلب لأنه كان من جنسه ، وهكذا عباد الصورة لأنهم صور بلا أرواح يميلون إلى الصورة ولو كانت نتنة الباطن ، لكن الأصل اليهودي في المماحكة والمفاصلة يغلب فعاد إلى العناد حتى زاده أبو بكر رضي اللّه عنه نصابا من الفضة .
 
« 478 »
  
( 1046 - 1063 ) : إن بلال من قبيل الذهب النضار سود ظاهره ليخفى عن غير أهله مثلما يسود وجه الذهب ليحفظ من اللصوص ( انظر 2172 من الكتاب الرابع ) وهكذا بصيرة الجسد لا ترى سوى ألوان الجسد لكنها لا تستطيع أن تدرك جمال الروح ، وهكذا فلأنك لم تنظر إلى ما في الصندوق ( الجسد ) من در ( الروح ) فرطت فيه سريعا ، فما أسعدك بجهلك سعادة الزنجي بسواد وجهه لأنه لا يراه ، لقد بعت إقبالك فربما كان وجود هذا الأسود في بيتك سببا في نجاتك من الكفر ، فقد وصلك الإقبال في صورة عبد ( انظر 3510 من الكتاب الثالث )
 
فهيا اهنأ بعبدك الجديد حلو الظاهر سىء الباطن ، فلكم دينكم ولى دين ، وأي دين عند الكافر ، هو الظاهر حتى ولو كان الباطن شديد السوء ، فما أشبه بجواد خشبى عليه سرج من الأطلس ، وكقبور الكفار ظاهرها الزينة والفخامة ، لكن باطنها جهنم ( انظر الكتاب الثالث ، الأبيات 130 - 137 وشروحها ) وكأموال الظلمة والسحابة الخالية ذات الرعد ، والوعد الكاذب كأي ظاهر مؤمل ، ولكنه لا يسفر عن باطن ذي قيمة .
 
( 1071 - 1079 ) : إن عناية الحق تجرى على لسان الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم ومن ثم فمن العسير التعبير عن هذه العناية الإلهية بالألفاظ الأرضية ، لكن من المناسب أن نذكر بعض الأمثلة الصغيرة لهذه العناية التي لا تحدها حدود ، أرأيت عناية الشمس في إنبات النبات ؟ !
( العارف الكامل في تربية المريدين ) وهل شاهدت فعل الماء الزلال في الرياض ( الفيض الرباني في نفوس العارفين ! )
فهكذا فعل الله في كل أجزاء الأرض دون أسباب وعوامل ظاهرة ، وكلها من الأمور غير المعهودة لكنها من تأثير القدرة ، وكيف يمكن لك أن تقيس القدرة بالعقل ، لقد اتفق الجميع على أن العقل مقلد في الأصول الشرعية أي أن عليه أن يؤمن بها دون مناقشة ، وهو أيضاً مقلد في الحروف وإذا سألك العقل ، ما الهدف من سير أهل الذوق وأرباب القلوب ما عليك إلا أن تجيب عليه قائلًا : بطريقة لا تعرفها ، والسلام ! !
 
« 479 » 
 
( 1080 - 1099 ) : يعاتب المصطفى صلى اللَّه عليه وسلّم أبا بكر رضي اللّه عنه على أنه لم يجعله شريكا في صفقة شراء بلال ويخاطب أبو بكر رضي اللّه عنه الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم قائلًا : هو حر لوجهك فإن كنت اشتريته فأنت السبب في عتقه ، وكلانا عبيد لحيك ( الإسلام ) فاتخذنى عبداً لك ، واتخذني رفيقاً لك ، لا ينفصل عنك
( صديق غار إشارة إلى ثاني اثنين إذا هما في الغار ، وتضرب في الفارسية للصداقة الحميمة ) فالعبودية لك هي حرية بالنسبة لي ، لقد أحييت العالم ، وجعلت جمعا من العوام من خاصة خاصة الله ،
لقد وجدت بلقائى بك كل أحلامى القديمة التي كنت أظنها ضربا من المحال ونوعا من الاختلال ، وبك صار المحال حالا ، كنت أحلم أن الشمس تسلم على ، وتسحبنى إلى عنان السماء ، وعندما لقيتك صار الأمر واقعا ، بل صارت تلك الشمس التي كنت أراها في النوم حقيرة في ناظرى ، الجنة التي فتحتها أمامى جعلت الرياض حقيرة في ناظرى والنور الذي رايته في وجهك أزرى بالنور الذي كنت أبحث عنه ، وكنت أنشد الجنة ، فوجدتها بقربك ،
ووجدتك تحتوى على الجنان ، وفي الأنقروى نقلا عن شرح الحكم ( 6 - 1 / 248 )
 قال بعض العارفين : إن في الدنيا لجنة عاجلة من دخلها لا يشتاق إلى الجنة الآجلة ، قيل ما هي ؟ قال : معرفة الله . ما هذا ؟
أتراني بهذا الكلام أمدحك ، إن أي مدح بالنسبة لك هو قدح وهجاء ، وما أشبهنى بذلك الراعي ، الذي كان يثنى على الله بكلام استهجنه موسى عليه السّلام ( انظر الكتاب الثاني الترجمة العربية ، البيت 1724 وما بعده )
 
ومع ذلك فقد قبله الله سبحانه وتعالى :
فإن فضل رسول الله ليس له حد فيعرب عنه ناطق بفم انقروى 6 - 1 / 250 ( 1100 - 1115 ) : تنتهى قصة بلال وعذابه في سبيل الدين بلقائه بمحمد صلى اللَّه عليه وسلّم ، النعمة المهداة للبشر ، ويجدها مولانا ، فرصة للحديث عن هذه الهداية الجديدة ، وهذا الإقبال الذي وصل إلى البشر من العالم القديم الأزلي الباقي الذي من ديدنه أن يوصل إلى هذا العالم
  
« 480 »
  
أنطافه وعناياته أولًا بأول ، وهذه العناية المتمثلة في محمد صلى اللَّه عليه وسلّم هي العلاج لكل مساكين العالم ولكل فاقدى الحيلة " أحيني مسكينا وأمتنى مسكينا واحشرنى في زمرة المساكين " ، إنه السبيل والطريق إلى العالم الحي الباقي ، فها هو الفرج ، وقد زال الجرح ، ورفعت الأغلال والإصر ، وإن لم تكن تبحث عن المساكين فكيف تذهب شمس بهذه العظمة إلى كوخ هلال
 
( القصة التالية ) أو من صنف بلال ، وكيف تنادى أرحنا يا بلال بآذانك للصلاة لتفرغ من مشاغل هذا العالم ؟ !
هيا يا بلال وأعلنها فلقد صرت معي ونجوت من العدو ، هيا فها هي الصلاة بشرى لكل محزون تنفث في روحه قائلة له : هيا أيها المدبر قم ، فها هو طريق الإقبال قد فتح أمامك ، قم من هذا السجن وهذا العفن وهذا القمل ، هيا اتخذ هذا الطريق ، فلقد نجوت ، أخف سرك هذا واصمت ، ولا تتحدث به إلى من ليس أهلا له ، لكن هيهات ، فالعاشق لا بد أن يتحدث ، كيف يخفى السر وهو يظل قائلا ها أنا ذا ( انظر الكتاب الثالث ، الأبيات 4735 - 4739 وشروحها )
 
إنها طبول عديدة يدقها هذا العشق ليعلن عن نفسه ، لكن من حرم ومن ليس بأهلها لا يسمع فلا تأبه به ، ولا تهتم ، فإنه حتى إذا حمل إلى الجنان فلن يحس بالريحان والندى ، وإن أخذت الحور بيده لتحمله إلى الجنان لن يحس إلا بأنها تعتصر يده ولن يحس إلا بالألم ، وسوف يتساءل ويندهش ، ما هذا الشد والجذب ؟ !
 
دعني في نوم الغفلة ( الدنيا ) دعني في أحلامى ، أحلامك ؟ ! إن هذا هو ما تطلبه في أحلامك ، فافتح عينيك لترى هذا القمر الذي تحلم به ، أترى إلى أي مدى أنت تتألم ، وهكذا يتألم الأعزاء ، فهذا الخفاء يكون من دلال المعشوق على العاشقين ، فمهما كنت تطلب فأنت طالبه ، إذ ليس ثمة حق سواه ، وليس ثمة مطلوب سواه ،
 
والأعزاء يفهمون ويصبرون ويسعدون ، فأشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأولياء ثم الأمثل فالأمثل ، لكن من محيت عن عينه رؤية الحقيقة ، يظل ضائقا بالبلاء ، ومع ذلك فهو يبتليهم لعل وعسى ، ولعله يسمع صراخهم ودعاءهم ، ومن هذا القبيل أيضاً زيارة الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم لهلال نزيل منزل أحد عميان القلوب .

.
الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء السادس د. أبراهيم الدسوقي شتا
* * * 
 أبيات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا 
* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح 01 - 4932 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح 693 - 1115 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح 01 - 4932 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالأحد مارس 28, 2021 5:58 pm

الهوامش والشروح 693 - 1115 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )       

الهوامش والشروح 693 - 1115 على مدونة عبدالله المسافر بالله

الهوامش والشروح 693 - 1115 فى المثنوي المعنوي الجزء السادس د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح حكاية قول بلال رضي اللّه عنه أحد أحد 
« 457 »
تصاب بها فلك الأقمار والشموس المتلألئة على هذا الفلك ، فإن هذا الجمال يغيبتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَهي غيبة عن الأبصار لا عن الحقيقة والليل هو ليل الاستتار ( في مقابل نهار التجلي ) ، وعند غيبة الجمال يتبجح القبح فتطير الخفافيش ( أي الأنفس التي لا طاقة لها على مواجهة ، نور شمس الجمال المطلق )
ولا تنظر الطواويس أي أهل الكبرياء والتنفج وأولئك الذين زينوا ظواهرهم ، دون بواطنهم إلى أقدامهم أي نفوسهم وهي مواطن القبح فيهم والتي تدلهم ، على حقيقة قبحهم ونقصهم ، كما كان الحذاء الريفي والسترة الجلدية لإياز مملوك محمود الغزنوي يذكره دائما بأصله ، ( انظر لتفصيلات الكتاب الخامس ، الأبيات 1859 وما بعده و 2051 وما بعده و 3253 وما بعده والبيت 390 من الكتاب الذي بين أيدينا وشروحها ) .
 
ثم إن الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم يتجلى بجماله لكي يحس كل قبيح بقبحه ويحاول أن يستمد من هذا الجمال ، ثم يخلص مولانا إلى أن الحديث عن الجمال المحمدي لا يستوعبه مقال ولا يستطيع مقال أن يعبر عنه ، والله تعالى أمرنا بالقصد في كل شئ ، وفي الحديث والكلام بالطبع .
 
( 693 - 700 ) : في البيتين 691 - 692 يعود مولانا إلى حكايته ، لكنه لا يلبث أن يتركها ليعاود إفاضاته عن الجمال المحمدي وهو الجمال المطلق الساري عن الجمال الكلى في كل الكون ، فهو الجمال الذي يحسده العقل الطالب للكمال والباحث عن المعرفة ( انظر الترجمة العربية للكتاب الثالث الأبيات 2528 - 2538 وشروحها )
وهو يعبر عن هذه الغيرة بكثير من التشبيهات والأمثال ، " أراد أن الولي الكامل عقله كمحمد وروحه كعائشة فكما غار رسول الله صلى اللَّه عليه وسلّم على حسن عائشة ، وعلمت عائشة فأشارت بيدها لتخفى صورتها ، فغيرة العقل على حسن الروح من هذا القبيل ، إذا أرادت التكلم فلعلمها بغيرة العقل من عمى القلوب ، لئلا يعلموا صوتها ، بل مثلت وأشارت وكنت فيفهم العارف .
وهذا المثنوى ناثر لمئات الألوف من أسرار خفية ورموزات علية رحمانية ولو كان مشتملا على بيان حسن
 
« 458 »


وعز المعشوق الحقيقي جل وعلا لكن على وجه التمثيل والكناية لأن العقل الغيور لا يرضى بالتصريح فيطلع على أسرار العشق المحارم ( من أذن لهم ) لا غير ( مولوى 6 / 105 ) .
ولا حاجة بالعقل إلى هذه الغيرة ما دامت الروح خفية هذا الخفاء ، أتراه من فرط المحبة التي يكنها العقل للروح ؟ ومن هو أهل لها يراها مهما أخفيتها ومن هو غير أهل لها لا يراها مهما كانت واضحة ظاهرة .
وكيف تخفيها أيها العقل الغيور والشمس في كبد السماء لا تجد أثرا منها ما لم يسمح لها ، وكيف تضع النقاب على وجهها ونورها يشع من وراء هذا النقاب ؟ ! والجواب : إنني من فرط الغيرة التي أحس بها تجاه هذا المحبوب أريد أن أخفيه حتى عن نفسي ، أغار عليه من عيني أن تراه ومن أذني أن تسمعه ، إذن فلماذا تتحدث ؟ ! ألست تخاف أن تفصح عما لا يجب الإفصاح عنه أمام من ليس بأهل له ؟ ! فيها أيتها الروح وهيا أيها القلب أصمتا تماماً .
 
( 701 - 707 ) : يحاور مولانا قلبه وروحه ويسمع الرد منم هذا القلب والروح : إن الصمت عند أهل المعنى حديث ( انظر الكتاب الثالث عن آفة الحال إدراك المقال ، وعن غسل الدم بالدم وعن الصمت المحال والنار في صوف وقطن ، الترجمة العربية ، الأبيات 4725 - 4739 وشروحها )
لكن الأمر هنا ليس على شاكلة النار في صوف وقطن بل هو على شاكلة الشمس التي تحاول أن تداريها فتمزق الحجب ، إن هذا الحديث ضروري ومهم ولا مندوحة عنه ولا محيص عنه ولا مهرب ، إن بحر المعاني تجيش غواربه فيتحول جيشانه هذا إلى زبد على وجهه ، أليست الحقيقة العليا هي القائلة : كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق فبى عرفوني " ، اعرف نفسك إذن أيها المخلوق ، أنت زبد البحر الكلى ، ومن ثم فإن الكلام حجاب واخفاء الكلام هو عين إظهاره ، إنك لا تتحدث بل تشير وتومىء فيزداد الكلام من هذه الإيماءات والإشارات ،
هذا يفسره وهذا يزيد منه ، وهذا يؤوله ، فتحدث أنت إذن حتى ينشغل الناس بكلامك عما تعبر عنه ، فأنت تراهم
 
« 459 »
 
ينظرون إلى هذا البلبل الذي يغرد حينا ما بجمال الروضة فينصرفون عن هذا الجمال ، ويتوهون في البحث عن الدليل وينصرفون عن عبير الحقيقة ! !
 
( 708 - 724 ) : المطلع الموجود في العنوان من غزل لم أعرف قائله وإن كان أقرب ما روى إليه غزل لفخر الدين العراقي مطلعه :
أأنت قلبٌ أم فاتنة أو روح أو أحبة . . . لست أدرى * أنت كل الوجود . . . والخلاصة أنني لست أدرى هذا أو ذاك والشطرة الثانية من البيت وردت بمعناها من نفس هذه الغزلية لفخر الدين العراقي ، في البيت السادس والسابع : ما ذا تريدين من هذا المسكين الحائر ، لست أدرى . . .
( ديوان فخر الدين العراقي ، ط 6 ، تهران ، 1370 ، صص 182 - 183 )
 
ويعود مولانا إلى قصة ذلك الأمير التركي ومطربه ، والمقصود بالطبع أن على المرء أن يتحدث عما يدريه وإلا فعليه أن يصمت وإلا باخ الحديث وبأخت المعاني ، فما هذا النفي وما هذا السلب ، إنك تسأل سؤالًا مباشراً فأجب عنه بجواب مباشر .
 
( 725 - 727 ) : لقد وصف التركي من قبل بأنه أعجمي لا يفهم ، وها هو التفسير يأتيه على لسان المطرب ( المرشد ) : إن المقصود بكل هذا النفي هو الوصول إلى الإثبات ، فما لم يصل المرء إلى مرحلة الفناء فإنه لا يصل إلى مرحلة البقاء ( انظر مقدمة الترجمة العربية للكتاب الثالث البقاء في الفناء ) ، ألست تعتبر الموت نفياً للذات ؟ إن الأسرار كلها تتكشف لك بهذا الموت ، ويتحول نفيك إلى إثبات .
 
( 728 - 735 ) : الحديث المذكور في العنوان يتكرر كثيراً عن الصوفية ومر شرحه في الكتاب الرابع ( أنظر البيت رقم 1372 وشروحه من الكتاب الرابع والأبيات 3672 - 3678 وشروحها من الكتاب الثالث ) والبيت المذكور لسنائى من ديوانه ( ص 52 ) فالفناء ينبغي أن يكون كاملًا حتى يمكن إدراك الحياة الآخرة ، فإياك أن تقف عند درجة وتظن أنك
 
« 460 »
 
بها قد أدركت الفناء ، ينبغي ألا تنقص درجة واحدة من درجات الوصول إلى الله تعالى مهما أطلت فيها ومهما بدى لك أنك وصلت " فمن ظن أنه قد وصل فقد انفصل " ، وإنك لن تصل إلى مرحلة غرق السفينة والذي فيه نجاتها من ملك ( نفس ) يأخذ كل سفينة غصبا إلا إذا وضعت فيها الحمل الأخير والحمل الأخير هو آخر وساوس النفس ومغريات الهوى إن هذا بمثابة النجم الطارق الشارق في ليل الضلالة الداجي لمطاردة شيطان النفس ،
أي أن سفينة الوعي أي الحياة المادية ، تتجلى عليها شمس الروح ، فإن لم تمت هذا الموت الإختيارى ، فقد طال عليك نزع الروح ، وطالت عليك سكرات الموت ، لأنك تكون متعلقاً بالدنيا متشبثاً بها . فيا أيها المحبوب ، يا شمعة جميلة حسناء من شموع مدينة طراز ، بادر بالموت الاختياري ، ولن تتجلى لك شمس الحقيقة ما لم تمت أنجم الذات وذهب ليل الجهالة .
 
( 736 - 740 ) : الحديث من المطرب ( المرشد ) إلى الأمير التركي ( النفس الدنية الجهول ) الذي سحب هراوته ليضرب المطرب يقول له : اضرب نفسك بهذه الهراوة فإن عين جسدك التي هي بمثابة قطنة في إذنك تسد طريق وعيك ، إنك لا تضربني بل تضرب انعكاس وجودك الدنيوي فىّ ، لقد ضايقك منى قولي لست أدرى لست أدرى ، ولم تنتظر حتى أتم ، بل أحسست أنني أقصدك أنت لأنك لا تدرى شيئاً ، وهذا هو ما أغضبك ( انظر لانعكاس شعور الآخرين في الطرف المقابل البيت 3252 من الكتاب الثالث )
والإشارة في البيت 740 إلى ما ورد في الكتاب الأول الأبيات 1304 وما بعده قصة الأرنب والأسد وتكررت في أكثر من موضع من كتب المثنوى الستة ) .
 
( 741 - 747 ) : هذه الفكرة أيضاً من الأفكار التي تكررت في المثنوى كثيراً : إن الأشياء تتكشف بأضدادها ، وفي هذه النشأة الأولى لا تتميز الأشياء إلا بأضدادها ومن ثم لا إثبات إلا بنفي ، فلا لحظة توجد فيها إلا وفي داخلها من فخاخ الشهوات الكثير ، وذا اللباب خطاب من المطرب للأمير التركي وهو للسخرية لأن الأمير في حالة سكره فاقد للعقل
 
« 461 »
 
بالفعل ، إن الحق إذا أردته فهو لا يكون بلا حجاب طالما أنت في حالة الحجب وإن كنت تريده بلا حجاب فاختر الموت ، ليس موت الدفن في التراب بل هو موت الخصال الذميمة والميلاد الثاني في الخصال الحميدة المرغوبة ، مثل موت الطفولة والميلاد في حالة الرجولة ، ومن وصل إليه فقد محيت عنه الألوان وتجلى في النور وصار حزنه سروراً ،
 
وهو ما يعبر عنه مولانا في ديوان شمس :
كنت ميتاً فأصبحت حياً كنت باكياً فأصبحت ضاحكاً * لقد حلت دولة العشق وللعشق دولة خالدة فلى عين شبعى ولي روح شجاعة * ولي جرأة الأسد وصرت متألقاً ككوكب الزهرة ( غزل 1993 ص 539 )
 
( 748 - 754 ) : إن لم تكن تصدق أن هناك حياً مات في الله وفنى فيه وولد الميلاد الثاني في هذه الدنيا فاستمع إلى حديث الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم بشأن أبى بكر الصديق رضي الله عنه [ من أراد أن ينظر إلى ميت يشمى على وجه الأرض فلينظر إلى أبن أبي قحافة ] كما ورد [ من أراد أن ينظر إلى شهيد يمشى على وجه الأرض فلينظر إلى طلحة بن عبد الله ]
 
( أحاديث المثنوى ص 194 ) إن روحه فانية في عالم الغيب وإن كان جسده رضى اللّه عنه لا يزال يدب على الأرض ، ومن ثم فإن الموت بالنسبة لأبى بكر لا يعنى انتقال روحه ، فقد انتقلت ، ولن يفهم أحد هذا إذا قاسه بعقله ، فليس الانتقال هنا انتقالًا بالقدم كما هو مفهوم عند أولئك العوام الذين لا يفهمون المصطلحات الصوفية ، لأنها ذوق ، ومن ذاق عرف ، فلن يكون الأمر مفهوماً ،
( ورد مضمون هذا المعنى أيضاً في الكتاب الثالث : انظر الترجمة العربية ، الأبيات 3431 - 3437 وشروحها ) أنه ليس كسفر المرء من بلد إلى بلد بل كسفر النطفة إلى النهى ، وكسفر البوص إلى مرحلة أن يصبح سكراً ( انظر الكتاب الرابع 553 -
 
« 462 »
 
556 وشروحها ) ، أن أبا بكر هو من هنا أمير المحشرين - المحشر الأول إفناء الذات في هذه الدنيا والمحشر الثاني هو محشر الآخرة ، فإن كنت لا تؤمن بالحشر أنظر إلى أبى بكر كي تكتسب هذا الإيمان .
 
( 755 - 765 ) : إذا كان هذا هو حال أبى بكر الصديق لقربه من محمد صلى اللَّه عليه وسلّم فما بالك بمرتبة محمد صلى اللَّه عليه وسلّم والخلفاء الأربعة نقاط أربعة من عرقه " إن الله تعالى نظر إلى روح رسول اللّه صلى اللَّه عليه وسلّم قبل إيجاد العالم فظهر منها ستة قطرات من العرق النوراني فخلف من الأربع قطرات أرواح الخلفاء الأربعة وخلق من قطرة الأرز ومن قطرة الورد الأحمر "
( مولوى : 6 / 114 ) : فإذا كان أبو بكر أميرا في القيامة فمحمد هو القيامة نفسها إنه القيامة لأنه دائماً ممحو في صلاته ناظر إلى الرفيق الأعلى من الجنة ، فهو الحشر وكان كلما سئل عن القيامة قال : بعثت أنا والساعة كهاتين ويعقد ما بين إصبعيه ( أحاديث المثنوى / 118 ) إنه من عظمته ومهابته قيامة حاضرة
( انظر الأبيات 1480 - 1482 من الكتاب الرابع وشروحها ) وإن سئل صلى اللَّه عليه وسلّم عن القيامة فإن هذا يعنى أن السائل لم يدرك بعد عظمة الرسول وأنه كان قيامة على الكفر وعلى الترفة والاستعباد والطغيان والانتهاز ، ومحمد هو الذي ولد مرة ثانية في هذه الدنيا ، أنه هو الذي ولد مرتين مرة بالجسد ، ومرة بإفناء الصفات وفي عالم الروح ،
ومن هنا قال الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم : موتوا قبل أن تموتوا ، ذلك لأنه هو الذي جرب الموت قبل الموت وعرف ما فيه من الفوائد الرحمانية والعطايا الإلهية ، لقد تحدث الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم ، إلى أتباعه عن تجربة فقد مات قبل الموت ،
ومن هذه الميتة الأولى كان صيته وكان صوته ، فإن أردت أيها السالك أن تفهم وأن تعرف ، فشرط المعرفة هنا هي الذوق ، كن مثله وسر على منواله حتى تفهمه ، فليس ما تريد أن تفهم سواءً كان نور أو ظلاماً ،
 إن سرت على طريق العقل تيسر لك كل ما يمكن للعقل أن ييسره ، وإن سرت على طريق العشق أدركت قبساته ، ويكفيك هذا القدر من الدلائل والبراهين على وجود الموت الاختياري التبديلى ،
 
« 463 »
 
فهذا على قدر فهمك وهمتك ، فقد قلت مراراً أنني مت حسرة على الفهم الصحيح ( البيت 2100 من الكتاب الثالث ) وحيثما وجد غذاء يوجد آكلة ولا فائدة من معنى يطرح أمام من لا يدركه .
 
( 766 - 781 ) : إذن فهذا العالم كله في نزع وفي موت ، تموت خلايا وتتجدد بدلًا منها خلايا أخرى ، وليس الماء الذي يجرى في الجدول هذه اللحظة هو نفس الماء الذي كان يجرى في اللحظة السابقة ، ( انظر الكتاب الأول : البيت 1150 في كل لحظة لك موت ورجعة ) وما دام الناس كل لحظة في نزع وموت فإن كل ما يتشدقون به من ألفاظ يكون من قبيل الوصايا التي يوصى بها المحتضرون أولادهم ، فانظر إلى كل شئ على أنه غارب ومنته ومنقض حتى لا تفاجأ بالنهاية ف :
لو فكر العاشق في منتهى حسن الذي يسبيه لم يسبه ( بيت لأبي العلاء المعرى ) .
 
ولا تظنن أن النهاية بعيدة فكل آت آت ، وكل آت بعد حين فهو آت ، المهم أن تبعد عن عينيك الأغراض الدنيوية وألا يكون اهتمامك بها فحسب ، وإن عجزت عن ذلك فلا تستسلم لهذا العجز ولا تقف عليه ، فمع عجزك يكون الله معك " ويفعل بالضعيف حتى يتعجب القوى " ، وذوو الأقدام المحطمة الذين سلموا هم أول من وصل إلى المقصد ، هذا العجز قيد ،
 
فانظر إليه - وتضرع إلى الإله الواحد الذي يستطيع أن يحل عن قدمك هذا العجز ، فالإنسان في خسرإِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ( العصر / 2 ) .
 
وهذا هو الحكم العام ولا يستطيع أن ينجيه من هذا الخسر إلا الإله ، وراجع نفسك ما الذي قيد قدمك ، أتراه الشر الذي سعيت فيه وأثقلت به هذا القدم ، أو الصمم الذي أصاب أذنك ، أم الادعاء الذي تدعيه من أنك كسرت أصنام الأهواء في حين أنك كنت تنحتها وتقيمها وتزيد فيها ، أكنت منصرفاً إلى صنمك ترى ذكره واجباً ولا ترى ذكر الموت واجباً ، أجل ، الموت أمامك في كل لحظة رأيته وجربته في فقدك الأحباب يذوون أمامك وينتهون أمامك ، وتتسرب منهم الحياة ، لكنك
 
« 464 »
 
لا تحس إلا إذا داهمك الموت وأخذ بحلقك ، ومن شدة ضربه لجسدك المنفوخ كالطبل يرتفع صياحك ، وهكذا أنت ضيعت عمرك في كسب العلوم الدنيوية قائلًا إنك محيط بدقائق الأمور ، وغفلت عن سر الموت الذي لم تدركه إلا لحظة وقوعه فحسب .
 
( 782 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت في رأى لاستعلامى أنها لم ترد قبل مولانا في مصدر ما وإن وردت بعده في مصادر عديدة . وإن كانت توحى بان احتفالات الشيعة الباكية بعاشوراء تعود إلى ما قبل العصر الصفوي في القرن العاشر الهجري وإن كان الصفويون قد بلوروها وأضافوا إليها كثيراً من المظاهر والشعائر ( انظر مقال الهوية الشيعية واحتفالات عاشوراء في مجلة الهلال عدد يونيه 1992 لكاتب هذه السطور ) .
 
( 784 ) : المقصود شمر بن ذي الجوشن قاتل الحسين رضى اللّه عنه في كربلاء وقد صار علماً على الشر في المأثور الشيعي المعاصر ويزيد هو يزيد بن معاوية .
 
( 796 ) : المقصود كما أن لمحمد بن عبد الله صلى اللَّه عليه وسلّم وزنه وقيمته فللحسين رضى اللّه عنه وشهداء كربلاء قيمتهم ، وإذا كانت الأذن عزيزه يكون القرط عزيزاً أي كل ما يتعلق بالعزيز عزيز وهو مثل فارسي سائر .
 
( 802 - 810 ) : إذا كانت روح هذا السلطان من سلاطين الدين قد فرت من سجن الدنيا فلم التأسف والبكاء ؟ ولماذا التحسر على أنه قد انطلق من قيود الدنيا إلى عالم لا قيود فيه ؟
إن يوم أن تخلصوا من هذه الحياة الوضرة هو يوم العيد ويوم الحرية ولا ينبغي الاحتفال بالبكاء بل بالفرح والسرور ، بل لتبك جهلك الذي جعلك تنوح هكذا ، إنك تنوح لأنه غادر الدنيا ،
 
فأنت لا ترى سوى الدنيا ، ولو رأيت الآخرة لضحيت بهذه الدنيا ولصرت شجاعا مقدماً ، وإذا اتصلت ببحر الغيب لصرت سخى الكف ، فمن رأى الجدول لا يبخل بالماء ( انظر لأفكار أخرى في هذا المعنى الكتاب الثالث الأبيات 3421 - 3428 وشروحها والكتاب الخامس الأبيات 3782 - 3787 وشروحها )
 
« 465 »
 
( 811 - 825 ) : يضرب مولانا مثالًا للإنسان الذي يقف عند الدنيا وعندما يراه من زينتها وزخرفها بالنملة ( تكرر مثال النملة وإدراكها المحدود في المثنوى انظر على سبيل المثال لا الحصر : الترجمة العربية للكتاب الرابع الأبيات 3721 - 3726 وشروحها ) والحبة هي هذا العالم المحدود الذي نعيش فيه إذا قيس بالبيادر ( الأكوان والدار الآخرة ) ، والإنسان ذرة بالقياس إلى عطارد ونملة عرجاء بالقياس إلى سليمان
( المرشد الكامل والنبي الذي دانت له المخلوقات كلها ) ( انظر الترجمة العربية للكتاب الرابع البيت 1287 والأبيات التي تليه مع شروحها ) وهكذا يقدم مولانا المضادات كلها ( وبضدها تتميز الأشياء ) والإنسان بقدر ما يراه ، وقيمة المرء ما قد كان يدركه ( وفي رواية يعلمه ) ثم يدق مولانا على معنى سبق أن قدمه في الكتاب الأول
 ( انظر الكتاب الأول - البيت 1416 ولتفصيل الفكرة راجع الأبيات 1406 - 1417 وانظر أيضاً الكتاب الخامس الأبيات 3676 - 3695 وشروحها )
والدن هو الروح الكاملة وهو رجل الحق وهو البصيرة النفاذة والإدراك ، وإذا كان هذا الإدراك متصلًا بعالم الغيب ، فإنه يكون بحراً من المعارف والعلوم والبصائر يزرى بنهر جيحون ، أما الأقوال التي ينطقها فإنها تكون درا لأنه يكون ناطقا بالله معبراً عنه ، يكون نطقه أحمدياً ،وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى، إنه يستمد من البحر مباشرة ،
فكلامه كله در بحر ، وكل من تخلق بخلقه وسار على هدية يكون له نصيب من البحر ، أليس للسمكة في نهاية الأمر نصيب من البحر وهذا النصيب مهما كان ضئيلا فإنه يدل على البحر كله ،
( انظر افتتاحية المثنوى ، مل هذا الماء من ليس بحوته البيت رقم 17 من الكتاب الأول )
 
ويعود مولانا : إن العين قاصرة ترى في محمد صلى اللَّه عليه وسلّم وسيلة إلى البحر وقمرا إليه بينما هو في الحقيقة هدف ومستقر في حد ذاته ، وهكذا العين الحولاء ترى الدن غير البحر والبحر غير الدن بينما في الحقيقة أنهما واحد لا يتجزأ لا حدود ولا فواصل بين الأول والآخر فالأول هو عين الآخر والآخر هو عين الأول . قال
 
« 466 »
 
نجم الدين : هو الأول في عالم لاهوته والآخر في عالم ملكوته والظاهر في عالم ناسوته والباطن في عالم جبروته وهو إشارة إلى وحدانية ذاته المحيط بالكل ولأجل هذا يبتدأ به ويختم عليه ، وفي قوله وهو بكل شئ عليم من الحقائق اللاهوتية والحقائق الجبروتية والدقائق الملكوتية والشقائق الناسوتية وهذا يفيد أن الله عار من التغير والتبدل والتحيز والتحول باق على وصف واحد ( مولوى : 6 / 124 ) .
 
( 826 - 829 ) : إن هذا الأمر يبدو غامضاً لكن إدراكه لا يكون إلا عن طريق البعث ، أي أن تختار الإرادة الإلهية العبد وتجذبه وتصل به إلى مراتب عليا من مراتب الإدراك ، وهذا يكون بالسير والسلوك ولا يكون عن طريق الجدل وشرطه الأول الفناء ، والناس جميعا قد أخطأوا إذ يخافون من العدم ويخشونه والعدم هو الملجأ والملاذ وهو أصل الوجود ومخزنه ( انظر الكتاب الثالث الأبيات 3772 - 3773 وشرحهما والكتاب الخامس الأبيات 4182 - 4186 وشروحها )
 
ومن ثم فإن إدراك العلم الباطني لا يكون إلا بترك العلم الدنيوي ( الصبر وانتظار العطايا وعدم التعالم ، كذاك تستطيع أن تصل إلى الوئام والسلام مع الله إذا حاربنا في الدنيا
( وليست النظرية الحربية القائلة أن السلام يفرض عادة بالحروب إلا ترجمة دنيوية لهذه الفكرة ) وهكذا فالوجود الحقيقي تصل إليه عندما تبدأ الوجود العددي والشطرة الثانية تعبير عن مثل فارسي : أن التفاح لم له نصيب فيه وليس لمن طالت يده ، والتفاح بالطبع من نعم الدنيا
( وهنا نعم الدار الآخرة أيضاً عند مولانا ) فالأمر بالتوفيق لا بالجهد ونعوذ بالله من جهد بلا توفيق ( انظر في الكتاب الثالث قصة فرعون مصر وموسى التي تبدأ من البيت 840 ) .
 
( 830 - 835 ) : إنك أنت أيها الإله الذي تمنح هذه البصيرة الناظرة إلى الوجود الصوري قوة النظر إلى الوجود الحقيقي أي العدم . ولماذا لا تكون البصيرة ناظرة إلى العدم وهي التي جاءت أصلًا من العدم ( كل شئ يحن إلى أصله من الأفكار الرئيسية في المثنوى وفي
 
« 467 »
 
الافتتاحية كل من ظل بعيداً عن أصوله ، ظل منجذباً لآنات وصوله البيت رقم 4 من الكتاب الأول )
فإن هذه البصيرة التي تنظر إلى أصلها ترى الوجود كله معدوماً ( من عدم إلى وجود ) ومن وجود إلى عدم في دورة متتالية ) وترى هذا العالم محشراً ( هي أقرب إلى فكرة الآكل والمأكول الواردة في صدر الكتاب الثالث ) لكن هذه الحقائق تظل دوماً محجوبة وناقصة في عيون أولئك الذين لم ينضجوا ، إن هذه الحقائق من قبيل نعم الجنان المحرمة على من كتب عليهم الجحيم ، وإن كان الحق سخياً يهب دنياه للكافر والمؤمن ،
 
وهكذا هذه النعمة التي بين يديك ، تكون مرة في فمك ، لأن الشهد الخالص يكون مرّاً في فم من لم يكن نصيباً له ، فالخبيثات للخبيثين ، إن ذلك الذي حرم من شهد الجنان هو ذلك الذي لم يكن وفياً للعهد الذي أخذ عليه في يوم العهد والميثاق ، لقد رجع في الصفقة ومن رجع في صفقته لا بد وأن يخسر كل شئ .
 
( 836 - 850 ) : تعالوا نتحدث معا بالمنطق الذي تفهمونه : إن إدراك عالم الغيب والبعث إنما يشمل به الله من يكون مشترياً جديراً بهذا السوق وهل تتحرك اليد في التجارة إن لم يكن هناك مشتر ( إن لم يكن ثم طالب فلا عطاء ) إن الأحمق يطوف في السوق وكل همه أن يشاهد البضائع ( أولئك الذين يقفون في الدنيا موقف المتفرجين فلا هم باعة ولا هم مشترون همهم المشاهدة فحسب ) لكن نظرة من يريد أن يشترى تختلف في أنه يميز ويقارن ، يكون بأجمعه منتبهاً إلى ما في السوق من بضائع ، أما المتفرج فهو يمضى الوقت
 ( يحيا حياته ويمضى عنها دون أن يحس بها ) إنه لا يملك ما يشترى به ، فلماذا يجادل في الثمن إلا من أجل السخرية والاستهزاء ، انه يقيس الربح ، انه لا يتاجر فلا رأس مال له ، وليس لديه أي استعداد لأن يكون ممن تنطبق عليهم الآية الكريمة إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ. . .بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ فإن لم تدفع الثمن وقنعت في هذا العالم بدور المتفرج خسرت كل شئ ، والأمر جد لا هزل فيه ، وهكذا فرأس مال الدنيا معلوم ، ورأس مال
 
« 468 »
 
الآخرة هو العشق المفنى ، وهو العينان الدامعتان اللتان تعدلان كل ما في الدنيا من نعيم ، فيها أطلب واسع واجتهد وداوم على الخدمة ، فما لم تسع لن يجود هذا المنجم بالياقوت ، وأطلق بازيك في صيد حديث الأرواح ودعك من النتيجة ، وتوخ أسلوب نوح أي قم بالدعوة دون اهتمام بقول الناس وردهم ( انظر الكتاب الرابع الأبيات 3584 - 3587 وشروحها ) ويروى الأنقروى ( 6 - 1 / 202 ) " مروا بالمعروف وإن لم تفعلوه وانهوا عن المنكر وإن لم تجتنبوه كله " .
 
( 851 - 865 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت وردت في مقالات شمس الدين التبريزي ( انظر مقالات شمس تبريزى تصحيح محمد على موحد 1 / 124 ) والذي يدق للسحور هنا كناية عن الداعي إلى الله وفي منزل خال كناية عن الذي يدعو من لا يستجيب ،
وهو يدعو أيضاً في غير أو ان ، لكن متى كان على الداعي أن ينتظر أواناً لدعوته ثم إنه يدق في صبح الطرب أي صبح انكشاف الأسرار ولا شأن له بحزن الدنيا أو سرورها ومن الأبيات 860 - 865
 
يتحدث عن معجزات الأنبياء مع الجمادات التي تبدو أمام العوام جثة جامدة وهي مليئة بالحياة بالنسبة للأنبياء ( انظر الكتاب الثالث الأبيات 1008 - 1021 وشروحها والكتاب الرابع 2410 - 2421 وشروحها ) وعن ماء النيل كماء بالنسبة لقوم موسى ودم بالنسبة لقوم فرعون انظر الكتاب الثالث البيت 3030 والكتاب الرابع البيت 3422 ) .
 
( 866 - 876 ) : يواصل الموقظ للسحور حديثه والحديث هنا لمولانا جلال الدين بالطبع :
أنظر إلى ما يفعله الناس من أجل الحق : إنهم ينفقون الأموال ، يتجشمون المشاق ويتعرضون للأهوال ساعين إلى بيت الله صائحين لبيك اللهم لبيك ، فهل تراهم قالوا ما لهذا البيت خال ، لا ، إنهم يدركون أنه موجود ، لكن
 
« 469 »
 
لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُإنه مختبىء كالروح ، انه يرى قلبه مملوءاً بمحبة الله تعالى وهناك الكثير من الدور العامرة بالناس ، لكن أصحاب الأنظار النفاذة يرونها خالية :إني لأفتح عيني حين أفتحها * على الوجود ولكن لا أرى أحداً
إنها مليئة بأولئك الذين لا يعدون أن يكونوا صوراً فانية ، من الذين يعيشون في الدنيا وهي كل همهم ومبلغ علمهم ، وإذا علمت وأدركت أن الكعبة هي بيت الله فإنك إن طلبته تجده أمامك ، فهل تخلو صورة خصها الله بنورة من حضور الله ؟ وهل يخلو ولى من أولياء الله من قبس من النور الإلهى ؟
 
 ألا يكون الله تعالى موجوداً في قلبه حاضراً لديه ، إن الولي دائم الحضور والناس في حاجة إليه ، ألم تسأل نفسك لماذا لا يتساءل الحجيج ما لنا لا نسمع أحداً ينادينا ومع ذلك نقول " لبيك " ؟ بل إنهم يسمعون النداء ، بل أن لبيك هي عين النداء
( انظر الكتاب الثالث الأبيات 189 - 199 وشروحها ) فيها يتولد كل لحظة نداء من الأحد ، وكل ما تريده ابحث عنه في الكعبة يوم عرفة يوم الحجيج ، الوجود كله أم القرى وحكم المكين إلى المكان سرى ( سبزوار / 424 ) وفي المثل الفارسي " الحاج بالحاج يلتقى في مكة " .
 
( 877 - 883 ) : يواصل الداق للسحور إجابته : إنهم يعلمون بفراستهم ( وهي من نور الله ) أن هذا القصر الخالي من الممكن أن يوصله بالله ، وهو بمثابة الكيمياء القديمة التي تحول النحاس إلى ذهب ، وما هذا الدق إلا وسيلة لتحميس الجذب وهو ما يعبر عنه بأن وترى الجهر والخفيض ( الموسيقى - الشماع ) هي التي من الممكن أن تجعل هذه البحور للعرفة تجيش بالعطاء ، وماذا في هذا ، والناس يضحون بأرواحهم جهاداً في سبيل الحق عندما يقاتلون في سبيله ،
 
ومنهم من يصبر على البلاء صبر أيوب عليه السّلام وصبر يعقوب عليه السّلام على فراق يوسف عليه السّلام ، ومن صبره هذا بكى حتى على فقد بصره ، إن كل إنسان يبحث عن وسيلة للتقرب إلى الله تعالى ، فمنهم من يتقرب إليه بالصبر على فقد المحبوب ، وهناك طرق إلى الله تعالى بعدد أنفاس بني آدم ، وأنا - والجواب لمن يدق
 
« 470 »
 
للسحور - أتقرب إليه بدقى للسحور في هذا المكان الخالي ( انظر في الكتاب الأول حكاية الشيخ العازف للصنج بداية من البيت 2083 ) .
 
( 884 - 892 ) : إن هذه هي التجارة الرابحة ، وإن كنت تريد مشترياً يجعلك رابحاً في تجارتك فاجعل عبادتك خالصة لله تعالى وقدم إليه بضاعتك واقرأ قوله تعالىإِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ( التوبة 11 )
 
إنك تقدم إليه مالًا ملوثاً بأدران الدنيا ، يهبك في مقابله نوراً طاهراً مقتبساً من نوره ، نوراً يقتبس العلوم والمعارف ، وتهبه هذا الجسد الفاني شهيداً فيعطيك الخلود الباقي والملك الذي لا يبلى ، وتدمع في مناجاتك دمعا مالحاً يعطيك في مقابله الكوثر الذي لا يعد الشهد إلى جواره شيئاً ، وتذكره فتأوه آهة حرى ، يرفعك بها درجات ودرجات من جاه الآخرة الذي لا يعد جاه الدنيا إلى جواره شيئاً ، أليست الآهة الحرى هي التي فتحت الطريق لإبراهيم عليه السلام إلى أعلى الدرجات ، وسماه الحق تعالى أواهاً فقالإِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ( التوبة 115 - يونس 75 )
 
إنها هي التي تمنح القرب ، وهل فوق القرب من جاه ، إنك في هذا السوق تعطى علائق الدنيا وتأخذ الملك الحاضر ، وتعلم هذه التجارة من الأنبياء ، هم الوحيدون الذين يستطيعون القيام لك بالدلالة في هذا السوق ، فإن بضاعتهم دائماً في ازدياد وأرباحهم في علو بحيث لا يستطيع الجبل أن يتحملها ، وكل هذا من عطايا الملك .
 
( 893 ) : العنوان السابق لهذا البيت يتناول جزءاً من سيرة بلال بن رباح رضى اللّه عنه صحابي الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم ومؤذنه وأحد السابقين في الإسلام المتعرضين للآلام والتعذيب في سبيله ، ولم يكن سيد بلال يهوديا بل هو أمية بن خلف من رؤوس الكفر في قريش ، لكن مولانا يذكر الكفر كلمة واحدة ، وبالنسبة لسحرة فرعون انظر الأبيات 1723 وما بعده من الكتاب الثالث وشروحها والأبيات 4123 وما بعده من الكتاب الخامس ، وبالنسبة لجرجيس وهو أحد الأنبياء أن الكفار كانوا يقتلونه ثم يعود حياً بالعشق الإلهى ( انظر 1244 من الكتاب
 
« 471 »
 
الخامس ) وفي الفارسية مثل يقوله من يتعرض دائماً للعذاب والآلام بأن نبيه جرجيس .
وقد مر في الكتب الأخرى للمثنوى بعض جوانب أخرى من سيرة بلال رضي اللّه عنه ( انظر الكتاب الثالث الأبيات 3519 وما بعده وشروحها ) وسيرة بلال رضي اللّه عنه متعددة المصادر منها سيرة ابن هشام وطبقات ابن سعد وأهم من تناول السيرة من السابقين على مولانا فريد الدين العطار في منظومة منطق الطير .
.
الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء السادس د. أبراهيم الدسوقي شتا
* * * 
 أبيات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا 

* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح 01 - 4932 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح 1116 - 1488 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح 01 - 4932 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالأحد مارس 28, 2021 5:59 pm

الهوامش والشروح 1116 - 1488 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )      

الهوامش والشروح 1116 - 1488 على مدونة عبدالله المسافر بالله

الهوامش والشروح 1116 - 1488 فى المثنوي المعنوي الجزء السادس د. أبراهيم الدسوقي شتا

قصة هلال الذي كان عبدا مخلصا لله صاحب بصيرة غير مقلد
( 1116 ) : تتناول القصة هنا هلال مولى المغيرة بن شعبة وهو في روايات الصوفية من الأولياء المكتومين وبناءً على رواية نقلها فروزانفر ( مآخذ / 203 - 204 ) عن نوادر الأصول " روى أبو الدرداء قال : كنت مع رسول الله صلى اللَّه عليه وسلّم فقال يدخل من هذا الباب رجل من أهل الجنة فقام رسول الله صلى اللَّه عليه وسلّم إلى الصلاة ، فقال أبو الدرداء فخرجت من ذلك الباب فمضيت ، فنظرت هل أرى أحدا فلم أر أحدا ، فدخلت فقعدت إلى الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم فقال أما أنك لست به يا أبا الدرداء ثم جاء رجل حبشي ، فدخل من ذلك الباب وعليه جبة صوف فيها رقاع من ادم رام بطرفه في السماء حتى قام على رسول الله صلى اللَّه عليه وسلّم فسلم عليه ، فقال : كيف أنت يا هلال ؟ ! فقال بخير يا رسول الله ، جعلك الله بخير ،
 
فقال صلى اللَّه عليه وسلم : ادع لنا يا هلال واستغفر لنا فقال :
رضى الله عنك يا رسول الله وغفر لك ، فقال أبو الدرداء ، فقلت استغفر لي يا هلال ، فأعرض عنى ثم عاودت الثانية
فأقبل على رسول الله صلى اللَّه عليه وسلّم ثم قال : أراض أنت عنه يا رسول الله ، قال نعم ، قال : رضى الله عنك وغفر لك ، ثم خرج وهو رام بطرفه إلى السماء وما يقلع ، فقال صلى اللَّه عليه وسلّم : لئن قلت ذاك إن قلبه لمعلق بالعرش أما أنه لن يبقى فيكم أكثر من ثلاثة أيام فأحصيت الأيام ،
فلما كان اليوم الثالث ، وصلى رسول الله صلى اللَّه عليه وسلّم الفجر خرج من المسجد ونحن معه ، فخرج يوم دار المغيرة بن شعبة فلقى المغيرة خارجا من داره ، فقال له : آجرك الله يا مغيرة ، فقال ، يا رسول الله ما مات في دارنا الليلة أحد ،
قال : بلى توفى هلال فالتمسه رسول الله صلى اللَّه عليه وسلّم فوجده في ناحية الدار في اصطبل له خارا على وجهه ساجدا ميتا ، فأمر أصحابه فاحتملوه وولى أمره رسول الله بنفسه حتى دفن ثم اقبل على أبى الدرداء ،
فقال : يا أبا الدرداء أما أنه أحد السبعة الذين بهم كانت تقوم الأرض وبهم كنت تستقون المطر بل هو خيرهم " وفي العنوان إشارة إلى من وصلوا إلى تحقيق الحقيقة وهم في ثياب العبودية ومنهم لقمان ويوسف عليهما السلام ، ومعنى كان مسلما لكنه كان أعمى ،
 
أي كان مسلما لكنه كان أعمى عن عوامل الباطن فلم يدرك قيمة عبده هلال ، والبيت المذكور لسنائى الغزنوي من حديقة الحقيقة ( البيت رقم 384 ) والمعنى أن الغافل يعلم أن الله موجود لكنه لا 
« 482 » 
 
يستطيع أن يدرك مدى عظمته ، ولا حل إلا أن يفتح الله بصيرته ليرى بها الغيب ويستطيع أن يدرك جوانب هذه العظمة ، والعبارة الموجودة في آخر العنوان ذكرها الأنقروى ( 6 - 1 / 257 )
على أنها حديث نبوي ومن تعليق للأنقروى على البيت الآخر المذكور في العنوان ( في هامش النص ، لأنه ليس موجوداً في كل النسخ ) أنه مأخوذ من قول الإمام على رضي اللّه عنه .حياة القلب علم فاغتنمه * وموت القلب جهل فاجتنبه
 
( 1118 - 1122 ) : المثل الذي ساقه مولانا هنا يبدو وأنه كان من الفكاهات التي كانت شائعة في عصره ، ويضرب بها المثل على الإنسان الذي يكون أكثر تقهقرا في سلوكه بحيث يكون يومه شرا من أمسه وغده شرا من يومه فتحل به اللعنة " من استوى يوماه فهو مغبون ومن كان يومه شرا من أمسه فهو ملعون " .
 
( 1123 - 1129 ) : الحكاية المذكورة هنا تبدو مثلًا ، فالنفس المتقهقرة بمثابة ذلك الجواد الحرون الذي يمضى في سيره القهقرى فلا يصل إلى الهدف ( يذكر بناقه قيس ، انظر الكتاب الرابع ، الأبيات 1535 - 1542 وشروحها ) فإذا كانت النفس حرونا همها الدنيا ، فاجعل ذيلها نحو الهدف الذي تريده ، اجعل سير النفس القهقرى يكون سير الروح إلى الكمال ، عندما تجعل شهوتها دبر ظهرها ، يكون العقل ، ليس ذلك العقل الذي تعلمه ، بل العقل الشريف العالم بالروح والمتصل بها والذي لا يعارضها .
 
( 1130 - 1135 ) : ما أسعد أولئك الذين يسيرون في طريق الحق قدما لا يتقهقرون ولا يتراجعون ، يعرفون أن الطريق مهما طال ومهما كان صعباً فهو مقطوع لا محالة ، وانظر إلى موسى عليه السّلام الذي قال :لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً ( الكهف / 60 ) ( انظر أيضاً الكتاب الثالث ، الأبيات 1969 - 1971 وشروحها ) لقد كانت لديه الإرادة والنور الإلهى والتوفيق الرباني ( وهما دائما مع الإرادة التي هي في مصطلح الصوفية الطلب
 
« 483 » 
 
والإقامة عليه ) هذا سير جسده فما بالك بسير روحه ( سير العارف في كل لحظة حتى عرش المليك البيت 2182 من الكتاب الخامس ) هؤلاء هم الفرسان الحقيقيون ، همالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ( الواقعة / 10 ) .
 
( 1136 - 1139 ) : يضرب مولانا مثالا آخر : ذلك المسافر الذي هده البرد الشديد ، فوصل إلى قرية ، وأراد أن يدخل دار ليستريح ، فهتف به هاتف من داخل الدار ، بل دع متاعك خارج الدار وادخل واسترح " دع نفسك يا بنى وتعال " وهكذا فإن أردت تلك الدار ، وإذا أردت أن تستريح منها من وعثاء الطريق وآلام الدنيا ، فدع كل ما أنت متعلق به باذل فيه جهدك صارف إليه قلبك ، تجرد ثم ادخل .
 
( 1140 - 1144 ) : يذكر مولانا هلالًا على أنه كان أستاذاً في الطريقة نور قلبه بنور الله ، كان سائساً في اصطبل الأمير ، هذا ظاهره ، لكنه كان سلطان سلاطين الطريق قال عنه الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم [ ما أطلت الخضراء ولا أقلت الغبراء مثل يقين هذا العبود لو أقسم على الله أن يغفر لأهل الأرض جميعاً لفعل ]
وفي رواية المولوي أن عمراً رضى اللّه عنه حضر غسله مع الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم والراوي في الرواية ليس أبا الدرداء لكنه أبو هريرة ( مولوى 6 / 164 - 165 )
لكن الأمير والمقصود سيد هلال لم يكن يدرك من أمره شيئاً كان ينظر إليه نظرة إبليس إلى آدم وعلى أنه مجرد ماء وطين ، لم يكن ير داخله تلك الروح العظيمة التي ميزت آدم ، لقد رأى الحواس ولم ير أصل الحواس ، وهذه هي النظرة التي أضلت الكفار عن الأنبياء وقالوا لهمإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا.
 
( 1145 - 1154 ) : المنارة هي الجسد ، والبازي الملكي هو الروح ، وهناك آخر يرى الطائر مجرد طائر إنه مؤمن لكنه ليس عارفاً ، وثالث يكون من العارفين فيرى الإفاضات العلمية والأنوار الروحانية الموجودة عند الطائر ذلك لأنه ينظر بنور الله ، فالطير هو العلم ، والشعرة هي اليقين . وهكذا فضع عينيك على هذه الشعرة الدقيقة في فم الطائر حتى تنكشف
 
« 484 »
 
لك الأمور ، إن الأول ركز على الطين المصور المنقوش في الوحل ( الجسد ) لكن الآخر رأى العلم والعمل وقوله : سواء افترضت أنها ثلاثمائة طائر أو طائران : أي سواء أفترضت هذا العلم وهذه الطاعة قليلة أو كثيرة ، والرجل الأوسط : المؤمن الذي لا يعترف بالباطن ( سيد هلال ) هو الذي يرى الطائر ، لكنه لا يرى الشعرة ، وهي النور ، وهو نور مستمر ومتواصل لأنه متصل بالنور الإلهى ( كاتصال الدن بالبحر فيكون له ما للبحر ولا ينفذ ماؤه ) . ليس الأمر عنده مستعاراً لكنه أصلى .
 
( 1155 - 1163 ) : عودة إلى قصة هلال : لقد مرض هلال ، ولم يدر سيده بمرضه ، فهو مجرد عبد لا يفتقد إذا غاب ، لكن في حين كان سيده لا يدرى عنه شيئاً ، فإن سيد البشر الرحمة المهداة فقد علمه ، لأن علمه وأصل إلى كل مكان فهو مستمد من الوحي ، فها هو القمر وفي أثره النجوم [ أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ] .
 
( 1172 - 1174 ) : هلال العرش أي ذلك الموجود السماوي المتصل بعرش الله ، إنه متخلق بأخلاق الملائكة ، جاء إلى الدنيا لتفقد أحوال أهلها ، فهو جاسوس على القلوب ( عن عبارة لأحمد بن عاصم الأنطاكي : جالسوهم بالصدق فإنهم جواسيس القلوب ) ( استعلامى 6 / 280 ) .
 
( 1180 - 1191 ) : إن محبته صلى اللَّه عليه وسلّم محت عن الإصطبل كل ما فيه من سمات ( مثلما محت عن الدنيا كل ما فيها من أدران وأوشاب ) لقد شم هلال رائحة الرسول كشذى غير معهود وسط هذا المحيط مثلما شم يعقوب عليه السّلام رائحة يوسف عليه السّلام من القميص فارتد بصيراً ، إنها رائحة التجانس ، لا يشمها إلا من كان من جنسها
( انظر الكتاب الرابع 2670 - 2675 وشروحها والكتاب الذي بين أيدينا 2980 - 2990 )
ولهذا تكون المعجزات : إنها بالنسبة للعدو قهر لكنها بالنسبة للحبيب إبرازٌ للتجانس وجذب وجلب ، فالحبيب مؤمن سواء رأى المعجزة أو لم يرها ، ومن ثم ألهم الله سبحانه وتعالى أبا بكر الصديق رضي اللّه عنه عندما رويت له معجزة
 
« 485 »
  
المعراج ولم يكن قد قابل الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم بأن قال : إن كان قد روى ذلك فقد صدق ، ولم ينكر حتى وهو على البعد ، وهكذا يبرز هلال محبته وشوقه إلى الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم ولا يسأله حتى أن يدعو له بالشفاء ، إن مجرد الرؤية رويت في هلال أرضاً ظمأى ، وأشرقت بها الشمس في باطنه .
 
( 1192 - 1197 ) : وهكذا كان هلال آمناً من الغرق في هذا البحر مثلما كان عيسى عليه السلام آمناً على الماء ، وأضاف الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم لو ازداد يقيناً لمشى على الهواء ، مثلما كان الهواء مركب الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم ليلة المعراج ، إن مجرد رؤية هلال للرسول منحته إحساساً بالعلو والتسامى وحررته من العبودية والدونية ، وأنقذته من الفقر الجسدي ، ونقلته إلى الغنى الروحاني الذي لا فقر بعده .
 
( 1198 - 1207 ) : ينطلق مولانا جلال الدين في حالة هلال الخاصة التي تبدلت تماماً بمجرد إشراق شمس الكائنات عليها ، إلى الحديث عن أن الإنسان عموماً يستطيع أن يتخلص من كيفيته ( حاله ، وضعه الحاضر وواقعه المر المداس المهان ) وهذا التخلص من الكيفية يعنى ارتفاع المرء عن ظروفه وتساميه عن واقعة وتعلقه بالعالم المطلق ، هنا ينجو من دنسه وتعلقه بالدنيا وشهواتها ونزواتها وانغماسه فيها وجعلها مبلغ علمه ومنتهى إدراكه واهتمامه ،
 
وهذا التعلق بالعالم المطلق يجعله إنساناً واهبا للأحوال والكيفيات وليس محبوساً في إطار محدود من أطر الدنيا ، فشرط الخلاص من الكيفية هو الطهارة من الحالة التي يجد فيها المرء نفسه في الدنيا ، طهارة الظاهر وطهارة الباطن ، فإن الله طهور لا يقبل إلا طهورا .
 
 وقال القشيري : للظواهر طهارة وللسرائر طهارة ، فطهارت الأبدان بماء مطهر وطهارة القلوب بالندم والخجل . ( مولوى 6 / 173 ) .
وعند الانقروى أن قول مولانا هو مصداق لهذا البيت :ما لم تقامر بنفسك كلية * فأنت جنب نجسأنقروى : 6 - 1 / 274


« 486 » 
 
لكن كيف يكون ذلك ؟ ! كيف لا يقترب الدنس من الماء وطهارته لا تكون إلا بالماء ؟ !
وإلى من يلجأ المذنب لكي يتوب إذا كان شرط اقترابه أن يكون طاهراً من الذنب ؟ !
كيف لا اقترب من حوض ماء الطهور ولا يوجد خارج هذا الحوض إلا التراب ؟ !
وكيف لا أختلط بالطاهرين ما دمت لن أحصل على هذه الطهارة طالما أنا موجود بين المذنبين ؟ !
إن الماء أي كرم الله تعالى يقبل المذنبين والدنسين ويطهرهم جميعاً دون أن يلحق بي أدنى دنس .
 
( لتفصيل هذه الفكرة انظر الكتاب الخامس ، الأبيات 201 - 236 وشروحها ) . وما البديل لهذا ، هل يقضى المشتاق في شوقه والمتحسر في حسرته ؟ !
 
( 1208 - 1222 ) : ما دام الحديث عن الهلال فلا بد أن يتداعى الحديث عن البدر ، وما البدر إلا ذلك المريد الكامل الذي قبل نور الشيخ بأجمعه ، وهو بالنسبة لمولانا حسن حسام الدين الذي لقبه مولانا بلقب ضياء الحق ، وهو يحتوى على نور لا يشاهده الدنسون والأشرار
 
 ( شر الطيور ) فالخفاش لا يستطيع أن ينظر إلى الشمس ، والناقصون لا يقبلون نور هذا البدر ولا يحسون به لأنه محجوب عنهم بشدة ضوئه ولمعانه وتألقه وارتقائه المستمر في مدارج الطريقة ومراحلها ، وفرق كبير بين نور البدر ونور الهلال ، وما دمنا قدم تحدثنا عن هلال فلنتحدث قليلا عن نور البدر ، ذلك أن هناك اتحاداً بين البدر والهلال
 
( فالأولياء كنفس واحدة ) والمغايرة بينهما من حيث الصفات لا من حيث الذات ( مولوى 6 / 175 ) ، لكن هذا ليس المقصود ، فالهلال هو السالك الذي يرتقى في مدارج الطريق مرحلة بعد مرحلة في سماء ليل الحياة المظلمة ، وهذا هو الطريق الصحيح بالنسبة للسالكين . فكيف يتم النضج دون تدرج ؟
 
إن الأمر ليس من قبيل " السلق " بل هو تحمل لنار الطريق قليلا قليلا وبتأن ودون عجلة - لقد خلق الله الدنيا في ستة أيام - وكان يستطيع أن يخلقها ب " كن فيكون " وكان يستطيع أن يخلق الإنسان بنفس الأمر لكنه خمر طينته أربعين صباحا ( أحاديث مثنوى / 198 ) وذلك لكي يعلم الإنسان أن الأمور تؤخذ بالتدريج ، فالتأنى من صفة الرحمن والعجلة من الشيطان .
  
« 487 » 
 
( 1223 - 1227 ) : إن هذا ليس مثل الساذج الذي يقطع الطريق عدواً كي يصل إلى مرتبة الإرشاد وهو لا يزال طفل الطريق . ما أشبه هذا بقول العطار :
لقد تحملت كثيرا من المشاق عمرا طويلا * حتى فتح لي باب واحد بمائة مذلة وأنت كيف تصل إلى هذا الباب بهذه السرعة * وكيف تصل إلى السطح من الدرجة الأولى ( سبزوارى / 432 )
 
وما أشبهه في تسلقه وارتكانه على غيره بثمرة القرع الواهية تتسلق على شجرة شامخة ، لكن لأن جذورها ليست ممتدة في الأرض لا تلبث أن تصفر وتسقط ، بينهما لا تحس الشجرة لا بتسلقها ولا بسقوطها ،
 
وقد لا يرى الناظر وجودها الهزيل بين أغصان الشجرة المتساقطة ، وما أكثر المتسلقين في هذا العالم يقفون على أكتاف الآخرين فإذا سقطت الأكتاف سقوطا وإذا لم تسقط سقطوا أيضاً ، وما اشقى ذلك الذي لا يرتكن على ذاته بل يرتكن على أكتاف الآخرين ، وما أشبهه بذلك الجمال المستعار الذي يأتي من الخضاب يزول ، بزواله ويحل محله قبح لا يحتمل .
 
( 1228 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت مأخوذة من التراث العربي ومن أبيات نسبت في ربيع الأبرار لرحال بن ممدوح الحميري وفي عيون الأخبار لأحد الأعراب :
عجوز ترجى أن تكون فتية * وقد غارت العينان واحدودب الظهرُ
تدس إلى العطار سلعة أهلها * وهل يصلح العطار ما أفسد الدهرُ
 
أما راوية الزمخشري :
فما غرنى إلا خضاب بكفها * وكحل بعينيها وأثوابها الصفر
أتوني بها قبل المحاق بليلة * فكان محاقا كله ذلك الشهر
ألا ليتهم زفوا إلى مكانها * شديد القصيرى ذا عرام من النمر
إذا شد لم ينكل وإن هم لم يهب * جرىء الوقاع لا ينهنه بالزجر
 
« 488 » 
 
كما أن الأبيات التي نسبها الزمخشري في ربيع الأبرار لأبى طلق عدى بن حنظلة التميمي تقترب من مضمون الحكاية وهما :إستعينى بقطرة من جمال * هي خير من كل ما تصنعينا
ذاك أدنى للحسن من أن تخفى * بخيوط الكتان منك الجبيناوأشار الشاعر الفارسي خاقانى ( القرن السابع اهجرى ) إلى هذا المعنى في قوله :
لا تخدعى القلب بألوان الدنيا فليس هذا بالجدير * فكيف يجعل الخضاب من العجوز شابة ( عن مآخذ فروزانفر ، صص 204 - 205 )
 
( 1234 - 1242 ) : يترك مولانا الحكاية فلا يعود إليها إلا من البيت 1274 ، ويقدم الصورة المقابلة للشاب الذي يريد أن يأخذ مكان الشيخ والمرشد ، أولئك الذين شابوا وشاخوا ولم يتركوا التحامق ولم يقلعوا عن إيذاء الخلق ، ولم يقلعوا عن الحرص ، وأولى بالشيخ أن يترك الحرص ، وحتى الكلب عندما يشيخ وتتساقط أسنانه يقلع عن عقر الناس ويكتفى بأكل البعر ، لكن هؤلاء الشيوخ الذين يخفون شيخوختهم بملابسهم الأنيقة الغالية ، ويتصابون ويرتكبون الموبقات ، وليس هناك عند الله أكثر سقوطا من شيخ عاص فاسق هؤلاء هم حطب جهنم ، وملائكة العذاب في انتظار سلخ جلودهم على فحوى " من جاوز الأربعين ولم يغلب خيره شره فليتبوأ مقعده من النار " ( مولوى 6 / 178 ) ،
 
ومع ذلك يود هؤلاء لو يعمرون ويسعدون أيما سعادة عندما يدعو لهم بطول العمر ، ولعله يريد أن يزيد في رصيد شره وذنوبه ، في حين أنه لو علم أنه لو أخذ سريعا لكان خيراً له وأولى به أن يرد هذا الدعاء على قائله .
 
( 1243 - 1247 ) : وما أشبه هذا الدعاء بطول العمر بذلك الشحاذ الذي دعا لذلك الجيلاني بأن يرده الله إلى أهله ، فإذا بالجيلانى يقول له : إذا كنت تقصد هؤلاء الأهل الذين ابتعدت عنهم لشرورهم فردك الله أنت إليهم ، إن الجيلاني رد دعاء السائل الذي دعاه له بنية الخير
 
« 489 » 
 
وهكذا الأراذل والسفهاء يقتلون المعاني السامية في نفوس قائلها فلا ينطقون بها ، وينزلون بهم إلى مستواهم في الحديث على أساس " أن الله يلقن الحكمة على لسان الواعظين بقدر همم المستمعين " ( أحاديث مثنوى ، ص 198 ) ، كما ورد على لسان الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم [ نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن ننزل الناس منازلهم ونكلم الناس على قدر عقولهم ] ( مولوى 6 / 179 ) .
 
( 1248 - 1255 ) : يدل العنوان على أن مولانا سوف يعود إلى حكاية العجوز لكنه لا يعود إليها وإن كان قد قام بوصفها ووصف كل أولئك الذين هم على شاكلتها : أولئك الذين يتوقفون عند شهوة معينة أو هوس معين ثم لا يتحركون وكأنهم هذه العجوز الذي تريد أن تعيش في غير زمنها ، فلا أساس لهم ولا رأس مال حتى قابلية القيم انعدمت عندهم ، لا هم يعطون ، ولا معاني لديهم ، ولن تكون لديهم ، لا لسان لهم يتحدثون به ، لا عقل لديهم يفكرون به ، ولا غيبة لديهم ولا صحو ، ولا دلال ولا جمال ، بل عفن فوق عفن ، لا حماس لطريق أو لشئ ، ألا يلتقى المرء بكثيرين على هذا النسق في حياته اليومية ؟ !
 
( 1256 ) : اللطيفة التي تبدأ بهذا البيت تجاهل شراح المثنوى الإشارة إلى أصولها وهي تذكر بحكاية واردة في الكتاب الثاني عن حكاية جحا وابنه ، حينما كانا يشهدان جنازة وكان أحدهم ينوح خلف النعش واصفا القبر دون أن يذكره فقال ابن جحا لأبيه : تراهم يأخذونه إلى منزلنا ؟ ! ( الأبيات 3127 - 3138 من الكتاب الثاني ) ولا بد لهذه الحكاية من أصل .
 
( 1265 - 1273 ) : يقدم مولانا صوراً أخرى لذلك الذي لا يتميز بأي سمات أو صفات فلا هو بالبازى ( الشيخ ) ولا هو بالطاووس ( حسن الظاهر ) ولا هو بالببغاء ( الفصيح أو الشاعر ) ولا هو بالبلبل ( المطرب أو المنشد أو القوال ) ولا هو بالهدهد ( الدليل والقادم بالرسائل ) ولا هو باللقلق ( الوقور المتسامى ) فماذا يكون ؟ !
 
وينصح مثل هذا الصنف من الناس : هيا ما دمت حتى الأن لا تتميز بأي ميزة بحيث يشتريك الناس ، فاسم إلى دكان الفضل ، فالله مشتريك مصداقا لقوله تعالى : إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ ( التوبة / 111 ) ، وثق
 
« 490 »
  
بأنك الرابح لأن الله سبحانه وتعالى يقول في حديث قدسي [ إنما خلقت الخلق ليربحوا علىّ ولم أخلقهم لأربح عليهم ] ( أحاديث مثنوى ، ص 58 ) .
 
( 1274 ) : لولا بعض الأبيات التي أضافها جعفري من نسخة مزيدة من المثنوى لكان المعنى غامضا بحيث وقع استعلامى في الخطأ ففسر الذهاب إلى العرس بأنه طلب الزواج أو الرغبة في الزواج والواقع أنها مدعوة في عرس .
 
( 1288 - 1296 ) : الكلام هنا موجه إلى العجوز وفي نفس الوقت إلى كل أولئك الذين يعيشون عالة على مواجيد غيرهم وكدهم وسعيهم وأولئك الذين يتشدقون بكلام المشايخ ، وما هذه الأقوال إلا كالخضاب على الوجه القبيح ليس منه في شئ ، ثم يأتي الموت ذلك المحك ، الذي يظهر الزيف من الصحيح ، ولا ينفع مقالٌ في يوم الفعال ، إنه عالم الصمت ، فليتك أيها المدعى تسكت قبل أن تلحق بهذا العالم ، وأجل صدرك من الصدأ الذي ران عليه يتفتح ويصير قابلا للحقائق ، تنقش عليه الصور والعلوم والمعارف ، وينزل عليه الفيض ، ألم أقل لك من قبل إن كتاب الصوفي ليس من الحروف المكتوبة على الأوراق ، بل إن قلبه دفتر أبيض كالثلج ( البيت 160 من الكتاب الثاني )
 
وألم يقل لك غيرى إن علم العشق ليس موجودا في كتاب ، إنك تستطيع أن تعود شابا جميلا لكن ببركة فيض الشيخ ، كما فاض دعاء يوسف عليه السّلام على زليخا فردها جميلة شابة ، وألم تكن نخلة مريم جافة لا تثمر ، لكن حرقتها ودعاءها وحاجتها جعلتها تساقط عليها رطبا جنيا ( انظر 3498 من الكتاب الرابع ) .
 
( 1299 - 1315 ) : بدأ مولانا إحدى الحكايات هنا ثم تركها بعد بيت واحد ولم يهتم شراح المثنوى بالبحث عن أصل للحكاية عن أساس أنها تبدو من اللطائف الشعبية التي كانت سائدة في زمانه ، وينطلق مولانا من فكرة أن حركة نبض عرق اليد تدل على ما في القلب إلى فكرة أن كل خفى وراءه ما يحركه ويدل عليه ( انظر لتفصيل الفكرة الكتاب الرابع ، الترجمة العربية ، الأبيات 125 - 155 وشروحها ) ، وحين يكون القلب ثملا فإن ذلك يبدو في منظر
 
« 491 » 
 
العينين ، وهكذا حتى أعلى قيمة في هذه الحياة وهي معرفة الحق ، فقد أرسل الرسل بالمعجزات التي لا تجرى على يد بشر عادى لكي يدل على نفسه ، ومن بعد الرسل هناك الأولياء وكراماتهم وهؤلاء يؤثرون فيمن حولهم ، ويعطونهم مما لديهم ، فتنتقل إليهم السعادة من السعداء مصداقا للقول المأثور " من أراد أن يجلس مع الله فليجلس مع أهل التصوف " ( مولوى 6 / 187 )
 
وإذا كانت المعجزة قد أثرت على الجماد فحولت الحجر إلى متحدث وانشق القمر وتحولت العصا إلى حية وتحدث الحصى وأن الجزع ، وكلها آثار ليست من هذه الجمادات تخلقها تلك الروح الحلوة التي تجلى تأثيراتها على الجمادات فما بالك بالبشر ، لا بد وأنهم سوف يتأثرون إذا لم تكن قلوبهم أقسى من الحجارة ، إنها كمائدة عيسى عليه السّلام نزلت من السماء دون انقطاع ، وهي كذلك النخل الذي هزته مريم وكان جافا فتساقط رطبا جنيا ، وهذه المعجزات لا بد لها من روح كاملة هي روح المرشد الذي يستطيع أن يجعل المريد يتقبلها ،
 
هذا إذا كان طائر هذا البحر ولم يكن طائر بريا لا يستطيع أن ينزل بحر المعنى والفضل الإلهى " وهكذا الناقص لا يصل إلى الكرامات وكلما رأى كرامة ظنها استدراجاً " لأنه لا إخلاص له ولا استعداد لديه فالكامل في الحقيقة في خصوص الكرامات برئ من النقصان والهلاك ، لأنه قادر على التمييز بين الكرامة والاستدراج يعلم محل إظهار الكرامة ومحل إخفائها ، فكل ما ظهر منه موافق لإرادته تعالى فإذا أثرت في ضمير التابع قيل لها كرامة ، ( مولوى 6 / 189 - 190 ) .
 
( 1316 - 1325 ) : لا يزال مولانا يتابع الحديث في هذه النقطة : إن الأمور كلها عطايا :
فعطية من لم يؤذن له الإنكار والعجز وعدم الفهم ، وعطية النجى الملازم القدرة على الفهم والتقدير والتقبل ، فإن لم تجد في نفسك أثرا للمعجزة والكرامة فتتبع الظاهر لكي تصل إلى الباطن ، فإن الظاهر عنوان الباطن ، فالآثار الظاهرة على الحواس مخبرة عن المؤثر ، واللسان ترجمان القلب ، ولديك دلائل كثيرة على هذا الأمر . فإنك إن نظرت إلى الدواء لن
 
« 492 » 
 
تستطيع أن تدرك قوة الشفاء فيه ، فإذا انتقلت من القوة إلى الفعل أدركت قيمة هذا الدواء من الشفاء الذي تصل إليه عن طريقه ، وفي كل ما تراه ولا تعرف آثاره يكون كل ما تراه قشرا ويكون اللب مختفيا في داخله ، وكلها آثار الحق ، ودلائل وجوده المطلق ، وإنك متعلق بالمظهر والأثر والعلامة ، ومنصرف عن واهب الأثر ، وهكذا تعلقك بالخلق : فأنت متعلق بإنسان لجماله أو لجاهه أو لسطوته أو لماله ، لكنك تنصرف عن سلاطين الدين أولئك الذين طبقت شهرتهم وآثارهم الشرق والغرب ، وهذا كلام لا نهاية له أيها العظيم ، لكن متى كانت هناك نهاية لطلب العلم الإلهى ، إنني أدعو الله ألا يصرفنا عنه أبداً ! !
 
( 1332 ) : إشارة إلى الآية الكريمةإِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا ، أَ فَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ ، اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ( فصلت / 40 ) . والمقصود هنا أن الكافر لا يقبل علاجا . قال نجم الدين كبرى " أفمن يلقى في النار وهي الطبيعة الإنسانية النفسانية الحيوانية التي هي منشأ دركات جهنم خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة ، أي منظور بنظر عنايتنا محفوظ من شر نفسه بفضل رعايتنا وقوله اعملوا ما شئتم إشارة إلى كلاءتهم إلى هوى أنفسهم فإنهم بالطبع يهوون إلى الدرك الأسفل ( مولوى 6 / 192 ) .
 
( 1337 ) : في النص حمزه يرست وفي ترجمة كلمة حمزة اختلاف ، فالأنقروى والمولوي واستعلامى ترجموها بحساء البرغل ، بينما يرفض فروزانفر هذه التسمية رفضا تاماً ويترجم حمزه بالجر جير ( حواشي معارف بهاء ولد ، ج 2 ، ص 186 - 188 )
ويحتج بمعاجم لغوية وأشعار عربية تراثية ويرد ترجمة يوسف بن أحمد المولوي ، وتبعه في هذا سعد صادق كوهرين في معجمة " فرهنگ لغات وتعبيرات مثنوى " ج 4 ، ص 166 - 167 ، من طبعة طهران 1341 انتشارات دانشكاه طهران ) .
 
( 1339 ) : إشارة إلى الآية الكريمةوَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ( البقرة / 195 ) .
 
« 493 » 
 
( 1343 - 1351 ) : يترك مولانا سياق الحكاية ويتحدث عن مرض من الأمراض الشائعة بين الخلق ويشبهه بالسل " من الشائع قديما أن مريض السل يظن نفسه في تحسن وهو يسرع نحو الهاوية " هذا المرض هو أن أي إنسان يتعرض لبعض المشاكل يصب غضبه وصفعه على الآخرين وكان للآخرين دخلا في الأمر ، ويرى مولانا أن الأمر كله من الشيطان وربما يقصد أن هذا الذي أبتلى من الله بدلا من أن يتوجه إلى الله ليرفع عنه البلاء يسول له الشيطان أن ينفس عن نفسه في ظلم الآخرين وإيذائهم فهو يفهماعْمَلُوا ما شِئْتُمْ
على أساس أنه مطلق اليد في الخلق ، بدلا من أن يعالج المريض نفسه ويلجأ إلى الله تعالى يبحث عن عيوب الخلق وهو إنما يعالج نفسه بالهوى ، ويغفل عن الجزاء ، إن الشيطان الذي سول له ذلك هو الذي وسوس لآدم بأن شجرة القمح هي السبيل إلى الخلود والحياة الدائمة وقال لهما أي لآدم وحواء ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ ( الأعراف / 20 ) لكن إياك أن تنسى أن هذه الصفعة ردت لإبليس ، وكان آدم كالجبل فيه السم والترياق
 ( الصورة من حديقة سنائى البيت رقم 429 من الترجمة العربية لكاتب هذه السطور ، دار الأمين ) وما الترياق في وجود آدم إلا الاستعداد للتوبة والاعتراف بالذنب والسير في طريق الحق .
 
( 1352 - 1360 ) : التوكل الخليلي إشارة إلى توكل الخليل إبراهيم عليه السّلام ، وهو يذبح إسماعيل عليه السّلام اعتمادا على الحق وعلى أنه سوف ينجيه ( انظر أيضاً البيت 4177 من الكتاب الثالث )
والإشارة إلى عبور موسى عليه السّلام وقوم موسى للبحر ، وليس النيل ، كما هو موجود في النص ، والمقبل هو الذي ينجو من الخطر المحقق ، ويزل ، ثم يعود إلى وعيه ، وكلها من عطايا الحق سبحانه وتعالى ، لكن لم إذا يكن لديك اليقين في أن الله تعالى سوف ينجيك لا تضع نفسك في مواقع الخطر والزلل ، فمن منارة الغرور وعبادة الذات ، كم سقط كثيرون ممن لم يكن لهم هذا الإقبال ، فدقت رؤوسهم ، مثل قوم عاد الذين أهلكت ظواهرهم وبواطنهم بريح
 
« 494 »
 
الصرصر ، وإذا كنت لا تستطيع السير على الحبال فسر على الأرض ، وجناحاك من الورق فلا تطر بهما ، وهنا إشارة إلى قصة إسماعيل بن حماد الجوهري ، مؤلف الصحاح ، الواردة في معجم الأدباء لياقوت ( ج 6 / 157 ) إذا اعترته وسوسة فانتقل إلى الجامع القديم بنيسابور فصعد إلى سطحه وقال : أيها الناس إني عملت في الدنيا شئيا لم أُسبق إليه فسأعمل للآخرة أمرا لم أسبق إليه وضم إلى جنبيه مصراعي باب وربطهما بحبل وصعد مكانا عاليا من الجامع وزعم أنه يطير فوقع فمات .
 
( 1361 - 1365 ) : يعود مولانا إلى قصة المريض والصوفي في بيت واحد ثم ينتقل إلى الحديث عن تقدير عواقب الأمور ، ولو أن ذلك الطائر قدر عواقب الأمور لرأى حبل الشراك ولم ير الحبة ، ولو أن كل امرئ نظر إلى عواقب الأمور لحفظ جسده ونفسه من مصائب كثيرة ، وسيدنا محمد صلى اللَّه عليه وسلّم هو النموذج لتقدير العواقب وهو القائل [ ما رأيت في الخير والشر كاليوم ، إنه صورت الجنة والنار حتى رأيتهما ، دون الحائط ] ( أحاديث مثنوى / ص 199 ) .
 
( 1366 - 1387 ) : إن النظر إلى العاقبة يستوى مع النظر إلى العدم كأساس للوجود ويشير مولانا إلى أنه تحدث عن هذا الموضوع كثيراً ( انظر على سبيل المثال لا الحصر ، الأبيات 492 إلى 496 والبيت 2595 من الكتاب الأول ، طبعة استعلامى والكتاب الثاني ، البيت 690 والكتاب الثالث البيتان 3373 و 3374 والكتاب الخامس الأبيات 1027 - 1036 ومواضع أخرى عديدة ) ويقدم مولانا بعض الأفكار الجديدة حول هذا الموضوع
 
( وان كان بعضها قدم أيضاً ) وتدور أيضاً حول فكرة أن الصانع لا يصنع فوق شئ مصنوع ، إن كل صنعة فكرة ، البداية من العدم ، ثم بناء على عدم ، فالوجود قبل أن يكون صوريا يكون فكرة ويكون خيالًا ثم يكون حقيقة وبناء ، ومن ثم فإن من سذاجة الإنسان أن يهرب من هذا العدم ولا يطلب منه : فيطلب العلم من المدارس مع أن علم المدارس علم متغير ومتبدل ، ويطلب
  
« 495 »
  
الزرع من الأرض ، ويطلب الكسب من الحوانيت ، إن كل بحث أوله العدم ، فكيف يتوقى الإنسان من العدم وكيف يهلع منه ؟ إن العدم هو الوجود غير المرئى وهو الوجود المطلق ( انظر أيضاً الأبيات 809 ، 810 ، 922 ، 2779 ، 3577 من الكتاب الذي بين أيدينا ) إن العدم هو بحر المراد ، فالموت زاد بينما نسميه عدما ورقى بينما تعتبره تنزلا وبداية بينما تعتبره أنت نهاية ، ما هذا الظن السىء ، وكيف تنظر إلى الوجود وهو عدم تفر من العدم وهو وجود ؟ إنه سر صنعته التي لا تعرف عنها شيئاً وسوف تعرف ذلك غداً ( لتفصيل هذه الفكرة انظر الكتاب الخامس الأبيات 421 - 459 وشروحها ) .
 
( 1389 ) : الحكاية الواردة هنا كما أشار مولانا منقولة عن فريد الدين العطار دون تحديد لمنظومة . وهي واردة في مصيبت نامه للعطار ( ص 276 من نسخة تحقيق د . نوراني وصال ، تهران ، زوار ، 1338 ه . ش ) وواضح أن الطفل هنا نموذج للعبد الذي لا يعرف لطف الحق ويفرمنه ، وأم الطفل رمز للطبع والنفس ومحمود رمز لسلطان السلاطين الذي ينظر إلى قهره ولا يدرى أحد لطفه ( استعلامى 6 / 290 ) .
( 1392 ) : يشير إلى مولانا إلى أن القصة موجودة بتفصيلاتها عند العطار ، والحقيقة أنها لا تزيد في تفصيلاتها عما يرويه مولانا جلال الدين هنا .
 
( 1406 - 1412 ) : يقدم مولانا المستفاد من الحكاية : فمحمود في رأى مولانا هو الفقر الذي تخوف منه دائما أم الطبع أو النفس التي يسول لها الشيطان الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ ( البقرة 268 )
ولو علم كل إنسان قيمة الفقر وأن المصطفى صلى اللَّه عليه وسلّم فخر به فقال [ الفقر فخرى ]
ودعا لنفسه به فقال [ اللهم أحيني مسكيناً وأمتنى مسكيناً واحشرنى في زمرة المساكين ] لدعا الله أن يجعله في هذا الطريق المحمود العاقبة ( انظر الكتاب الأول البيت 2357 والكتاب الخامس البيت 674 والأبيات 715 - 717 وشروحها )
وأنها أم الطبع تلك التي تخوفك من الفقر مثلما كانت أم الغلام الهندي تخوفه من السلطان محمود بالرغم من 
 
« 496 »
  
أنه رأى على يد محمود من الإقبال ما لم يكن يحلم به ، فإذا سلك طريق الفقر فإنك سوف تبكى سروراً مثلما كان الغلام الهندي يبكى في حضرة محمود . وهكذا يأخذ الجسد طريق روحك ويخدعك بأنه يربيك ويظهر رقة مفسدة ، ورقة الأم دائماً ما تكون مفسدة بل يلزم أب العقل ، وقسوته أكثر فائدة للطفل من رقة الأم وحنانها ، وهذا الجسد ظلوم ، لأنه يسد عليك طريق الروح ، ويوهمك أن فيه الحماية لك في حين أنه كهذا الدرع المكون من حلقات متراصة لا يرد حرّاً ولا يحمى من برد .
 
( 1413 - 1429 ) : لكن هذا الجسد ، هذا الرفيق السىء لازم للطريق ولا يخلو من فائدة ، فإنه يعلم الصبر ويجعلك دائماً منتبهاً إلى الطريق ، ويشرح الصدر لأن صبرك هو طريق الفرج ، ثم هل يتجلى القمر إلا في ظلمة الليل ؟ وهل يتجلى جمال الورد إلا إذا كان محاطاً بالأشواك ؟ ( لتفصيل الفكرة انظر مقدمة الترجمة العربية للكتاب الرابع والأبيات 575 - 581 من الترجمة العربية للكتاب الخامس وشروحها ) ،
أنظر إلى الصبر كيف يحول الفرث والدم إلى لبن سائغ للشاربين ؟ أو أقرأ قوله تعالى وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشَّارِبِينَ ( النحل 66 )
أو فارجع إلى أول بيت في الكتاب الثاني ( تنبغى مهلة كي يصير الدم لبناً سائغاً ) ، وألم يكن كل ما ناله الأنبياء من دولة سرمدية خالدة نتيجة صبرهم على المنكرين الكفار وعلى أذاهم ، دعك من كل هذا وانظر إلى الناس : أليس كل من تراه يحيا في رفاهية إنما يكون ذلك من صبره على كسبه وتحمله ، وبالتالي فأن كل من لم يمارس كسباً بصبر بقي عارياً محروماً ، وهكذا فإنك إن لم تصبر على الأليف الوفي لا نقطعت عنه ووقعت بين براثن الآفلين ، علمت إذن من هو الأليف الوفي ، ومع من ينبغي أن يكون أنسك ، مع الذي لا يأفل ، مع من تزداد بالألفة معه علماً وعطاءً كالذهب النضار ،
مع ذلك الذي يقدر عملك ، يجيزك على الحبة بسبعمائة حبة وقد يضاعف لك ، إنه أعلم بطبعك ، وأعلم بما يرضى هذا الطبع ، تراك تترك هذه الألفة
 
« 497 » 
 
العظيمة ، ثم تمضى وتكون ألفتك مع الذئاب ! ! دعك من الذئاب ، ولتكن ألفتك مع تلك الروح الجميلة، تلك الروح الأليفة التي لا تضيعك ولا تخوفك ولا تبيعك ولا تلقى بك في بئر الغرور.

.
الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء السادس د. أبراهيم الدسوقي شتا
* * * 
 أبيات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا 
* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح 01 - 4932 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح 1489 - 1914 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح 01 - 4932 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالأحد مارس 28, 2021 6:00 pm

الهوامش والشروح 1489 - 1914 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )       

الهوامش والشروح 1489 - 1914 على مدونة عبدالله المسافر بالله

الهوامش والشروح 1489 - 1914 فى المثنوي المعنوي الجزء السادس د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح حكاية الصوفي والقاضي 
ففي الحديث القدسي [ عبدي أطعني كما أمرتك ولا تعلمني ما يصلحك ] 
وأيضاً قبل من قبل في الأزل بلا علة ورد من رد في الأزل بلا علة " ( أنقروى 6 - 1 / 344 ) ، وحين تأتيك جذبة الحق وكأنها الطائر يطير من عشه عند وصول معرفة الغيب وصبح المعرفة ، فدعك من عباداتك وفكرك وذكرك ، فهي بمثابة الشمع أمام نور الشمس وإذا طلع الصباح بطل المصباح ، وحينذاك تتفتح منك عين البصيرة فلا تبصر إلا الله ، تراه في كل شئ في اللباب وفي القشور ، تتجلى لك الذرة والهباء عن شمس البقاء ، وتدرك أن القطرة هي دليلك إلى البحر .
 
( 1501 - 1506 ) : الحديث عن القضاة العدول وتفسير مولانا أن عدل الأرض جزءٌ من عدل السماء ، فإن رأيت قاضياً عادلًا ففكر في عدالة السماء فهي تدل عليها مثلما تدل القطرة على البحر ، ذلك أن الجزء يحمل كل سمات الكل ، ويتحدث مولانا عن الشفق كموضع لقسم الله في القرآن في حين يرى أن الله لم يقسم بالشفق ، بل قال فلا أقسم بالشفق ( 6 / 295 ) ( الانشقاق 16 ) في حين يرى بعض المفسرين أن لا هنا زائدة وأن الله سبحانه وتعالى أقسم بالشفق ( مولوى 6 / 216 )
وهو الأصوب ، وهو في رأى مولانا قسم بالتجلي البشرى لشخصية المصطفى صلى اللَّه عليه وسلّم ( انظر الكتاب الثاني والضحى نور ضمير المطفى الأبيات 296 - 298 ) مثال النملة التي تحجبها حبة عن البيدر مر قبل ذلك ( انظر الكتاب الذي بين أيدينا الأبيات 811 - 815 وشروحها ) والنملة هي مثال لذلك الذي يظن أن الوجود هو نفس هذه الحياة المادية ويغفل عن بيدر الوجود المطلق .
 
( 1507 - 1513 ) : في البيت 1507 يذكرنا مولانا فحسب بأصل الحكاية ثم يعود إلى إفاضاته فيخاطب الظالم الذي يمد له الله في طغيانه ويغفل عن الجزاء ، وهذه غفلة أو نسيان أو حجب أسدلت على عين الباطن فلم تعد تدرى شيئاً ، أو هو في الحقيقة استمراء للظلم وتلذذ به تلذذاً وحشياً لأن المظلوم ساكت صامت مستسلم ولا يرد على الظلم الذي حاق به ، لكن الظالم مع ذلك غير مستريح ، ومن المستحيل أن يتمتع بذلك الصفاء الذي ينشده ( لتفصيلات
 
« 501 »
 
الفكرة أنظر الترجمة العربية للكتاب الثالث الأبيات 355 - 359 وشروحها والأبيات 4564 - 4574 وشروحها ) إنك لا تدرى شيئاً عن حقوق المظلوم عليك لأن هذه الحقوق خافية عليك وأنت محبوس بها وأن هذا من عقوقك للحق فلو لا عقوقك للحق ما عقت الناس ، وأن الظالم ليمد في ظلمه حتى يأخذه العقاب الإلهى ( المحتسب ) أخذ عزيز مقتدر ، فصف جدول قلبك وكيانك ووجودك من كدره هذا ، ولا يقوى على هذا إلا المجنون .
 
( 1516 ) : الجبار : هو الهالك في الشرع أو الهالك أثناء تنفيذ حكم شرعي وجباراً أي هدراً ولا دية له - عن الأنقروى 6 - 1 / 354 ( قال صاحب السقاية رجل ضرب امرأته في أدب فماتت فعليه الدية والكفارة وكذا الأب والوصي في الولد الصغير عن أبي حنيفة ) وإذا ضرب الأب ابنه على تعليم القرآن أو الأدب فمات قال أبو حنيفة عليه الدية ولا يرثه وقال أبو يوسف ومحمد رحمه الله عليهما يرثه ولا شئ عليه .
 
( 1520 - 1530 ) : الدية على العاقلة : أي أن الدية على غير البالغ أو السفيه تدفعها عصبته ( انظر البيت 2472 من الترجمة العربية لكتاب الثالث وشروحه ) ، والآمن هو غير المسؤول إن وقع أذى على من يوقع عليه الحد الشرعي ، وهو غير الأب ، فالأب إن ضرب ابنه وهلك فإنما يضربه لأن خدمته واجبة عليه شرعاً ويضربه لأمر يخصه ، أما القاضي فلا دية عليه ولا مسؤولية لأنه يضرب من أجل الشرع ، وحكم المعلم كحكم القاضي ،
إن المعلم إذا ضرب الصبى فإنما يضربه لتأديبه وتعليمه فإن هلك فلا دية عليه لأنه لم يضربه لشئ في نفسه أو لغرض في داخله ، وينتقل مولانا إلى الحديث عن قطع رأس الذات أو النفس بسيف ذي الفقار وذو الفقار اسم لسيف الأمام على رضي اللّه عنه ، وهو هنا كناية عن سيف الحق وسيف الشرع وسيف الدين
( انظر 3671 من الترجمة العربية للكتاب الثالث ) فإذا فنيت بهذا السيف فأنت آمن من العقوبة خال من المسؤولية إذ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى ( الأنفال 17 ) وفي هذه الحالة فإن المسؤول ( الضامن ) هو الله تعالى .
 
« 502 »
 
( 1531 - 1538 ) : يمنع مولانا جلال الدين نفسه عن الاسترسال في هذه القضايا الفقهية لأنها خارج إطار هذا الكتاب وخارج بضاعة هذا الدكان ، وقبل ذلك اعتذر مولانا عن الاسترسال في مناقشة قضية كلامية خشية مضى لذة نقاط العشق منه ، وخشية أن يصير دورة دوراً مختلفا ( الترجمة العربية للكتاب الثالث البيتان 1375 ، 1376 وشروحها )
ويضرب مولانا الأمثال فلكل حانوت بضاعته التي يلتمس منها ، ومن ثم فإن هذا الكتاب أي المثنوى هو حانوت التوحيد ، وكل ما تراه غير التوحيد صنم فحطمه ، وما هذه الألفاظ التي صبت فيها المعاني ، وما هذه الحكايات التي تراها إلا من قبيل ذكر الأصنام في سورة النجم ونطق الشيطان أو أحد الكفار بتلك الكلمات التي تلت الآيتينأَ فَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى( النجم 19 - 20 )
ثم صمت الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم فإذا بصوت يصيح " تلك الغرانيق العلى وان شفاعتهم لترتجى " ( جعفري 13 / 539 )
وقد قال بعض المفسرين إن الكفار كانوا يقاطعون الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم عند قراءته لهذه الآيات فذكر آية الغرانيق كي يسكت الكفار ومن ثم سكتوا وسجدوا ( استعلامى 6 / 297 ) ،
 
وهذه هي الفتنة التي ما تزال لها ذيول حتى الآن ( آيات شيطانية مثلًا للمرتد سلمان رشدى ) والحكاية كلها مختلفة من الرواة وإن كان ابن سعد قد أورده في طبقاته وابن جرير الطبري في تاريخه وبعض المفسرين عند تفسيرهم قوله تعالى وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌوهي روايات قال فيها ابن كثير " ولكنها من طرق كلها مرسلة ولم أرها مسندة على وجه صحيح " والأمر كما توصل إليه سيد قطب أن الكفار سجدوا عند تلاوة الآيات ( دون ذكر للغرانيق ) من شدة تأثير القرآن الكريم إن سبب السجود " كامن في ذلك السلطان العجيب للقرآن ، ولهذه الإيقاعات المزلزلة في سياق هذه السورة " ( سيد قطب : في ظلال القرآن ، مجلد 6 ، 3419 - 3422 من ط 12 دار الشروق ، 1406 ه / 1986 م ) ولم لا ؟ ولم تكن هذه هي المرة الوحيدة التي تأثر بها الكفار
 
« 503 »
 
بالإسلام والروايات عن تأثر عمر رضي اللّه عنه قبل إسلامه بآيات من سورة طه ، وشهادة الوليد بن المغيرة للقرآن وغيرهما وغيرهما متواترة ، المهم في هذا المجال أن الرواية على علاتها كانت تذكر قديماً دون حساسيات أو حرج ، وها هو مولانا يقارن إدخاله بعض الهزل في المثنوى عن عمد ( حتى يجذب العوام ) وهو نفس التعليل الذي قدمه سنائى لإدخال الهزل في الحديقة وهو أن أكثر الناس من العوام ( انظر الترجمة العربية لحديقة الحقيقة لكاتب هذه السطور الأبيات 11261 - 11263 وشروحها )
وينصرف مولانا عن هذا الموضوع الشائك بعيد الغور شديد الغموض ، فالآية ليست من السورة والأمر كله فتنة وخير لك من أن تعطى أذنك لسليمان الطريقة ( الشيخ الكامل ) ولا تهيج الشياطين ( الضالين والشكاكين ومشعلى الفتنة ) .
 
( 1539 - 1549 ) : عودة إلى حكاية القاضي والصوفي ، وثبت العرش ثم انقش مثال معناه :
فصل في دعواك حتى أحكم فيها ، وينظر إلى المدعى عليه فيستبعد أن يحكم على مثل هذا الميت فالشرع للأحياء والقادرين والأغنياء وليس للموتى ( موتى الجسد وموتى العلم وموتى التقافة وأولئك الذين فرغوا من الداخل وماتت هويتهم ) ، ثم ينتقل مولانا إلى فئة فنيت ذواتهم وماتوا قبل أن يموتوا ولا صورة لهم ولا جسد ، ومن ثم فإن الديات قد انهالت عليهم من ذات الحق . وفي الحديث القدسي : من أحبني قتلته ومن قتلته فأنا ديته . انقروى 6 - 1 / 362 ) وقال الإمام القشيري " التوبة بقتل النفوس غير منسوخة في هذه الآية إلا أن بني إسرائيل كان لهم قتل أنفسهم جهراً وهذه الأمة توبتهم بقتل أنفسهم معنى "
( نفس المصدر ) ( انظر عن البقاء في الفناء مقدمة الترجمة العربية للكتاب الثالث وهناك مضمون مشابه في الأبيات 2960 - 2966 من الكتاب الرابع )
وجرجيس آخر الأنبياء روى أنه قتل وعاد حياً أكثر من مرة ( انظر ) البيت 893 من الكتاب الذي بين أيدينا ) فالسالكون إلى طريق الحق يفنون في كل خطوة وفي كل فناء خطوة جديدة إلى وجود جديد ( انظر الأبيات من 1145 - 1150 من الكتاب الأول )
 
« 504 »
 
( 1555 - 1574 ) الحي هنا هو رجل الحق بأنفاس الله ، ومن ثم فالموتى هم أهل الدنيا مصداقاً للحديث النبوي الشريف ، وذلك لأن من رده رجل الخلق فقد رده الحق " ألسنة الخلق أقلام الحق " ، ومن رده أهل الدنيا وآذوه ، يكون أذاهم مثل أذى القصاب للذبيحة ، لكن القصاب ينفخ في الذبيحة فتفنى ، والله ينفخ النفخة الإلهية في العبد فيظل حياً بها إلى الأبد ( عن هذه الصورة انظر أيضاً البيت 4684 من الكتاب الخامس )
أنظر إلى الفرق بين فناء الصوفي وفناء أهل الجسد ؟ فناء الصوفي زينة له وفناء أهل الجسد شين لهم ، على كل حال ، كيف أحدثك عن هذه النفخة الإلهية وهي التي لا تتأتى في كلمات ، ولا تعبر عنها ألفاظ هيا أخرج من قاع الدنيا إلى أعلى صرح الوجود ، تحس بما أقوله من كلمات .
 
( 1575 ) : قال صلى اللَّه عليه وسلّم [ لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ] ( أحاديث المثنوى / 200 ) . ومن وصايا الإمام على رضي اللّه عنه " يا بنى اجعل نفسك ميزاناً فيما بينك وبين غيرك فاحبب لغيرك ما تحب لنفسك واكره له ما تكره لها ولا تظلم كما لا تحب أن تظلم وأحسن كما تحب أن يحسن إليك واستقبح من نفسك ما تستقبح من غيرك وارضه لهم بما ترضاه لهم من نفسك " ( عن جعفري 13 / 549 )
 
( 1576 ) : إشارة إلى المثل السائر " من حفر بئراً لأخيه وقع فيه " وليس حديثاً كما ذكر مولانا .
 
( 1583 - 1586 ) : يتحدث القاضي عن الرضا ( انظر البيت 1573 من الكتاب الأول وعن القضاء انظر أيضاً الكتاب الأول 1236 - 1242 الترجمة العربية ، وانظر أيضاً الترجمة العربية للكتاب الثالث البيت 1363 ) وعلى الإنسان أن يرى جزاء عمله حتى ينفتح بستان قلبه ( انظر الأبيات 135 - 140 من الكتاب الرابع وشروحها ) .
 
( 1587 - 1609 ) : المتحدث الحقيقي هنا ليس القاضي لكنه مولانا : والحديث هنا عن قيمة
 
« 505 »
 
البكاء والإشارة إلى الآية فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ ( التوبة 82 ) وبرغم أن الخطاب هنا للكفار فمن الممكن أن يعتبر به المؤمنون على أساس أن كثرة الضحك تميت القلب ( مولوى 6 / 337 ) والدمع هنا من خشية الله ومن الشوق إليه وليس كل عبوس مضرا ، بل من عبوس الوالدين يكون النفع للولد ، ومقدمة الجنة هو البكاء وألا يبكى المؤمن عند ذكر النار ، إذن فباب الجنة مفتوح أمام الباك الذي يتحرز من النار ويعمل عمل أهل الجنة ، فالفرح الحقيقي من الممكن أن يوجد في هذا البكاء
( انظر الأبيات 2481 - 2485 من الكتاب الأول ) وإن مع العسر يسرا أي كما قال نجم الدين كبرى " مع عسر المجاهدات يسر المعرفة " ( مولوى 6 / 338 )
والنعال المعكوسة أي العلامات المعكوسة والتي يدل ظاهرها على غير باطنها والتي تضلل السالك ( انظر الكتاب الأول البيت 2488 والكتاب الخامس البيت 416 والبيت 2753 من ترجمة كاتب هذه السطور )
وقد فسر الدكتور كفافى النعال المعكوسة بأنهما نعلان يشير أثرهما إلى اتجاه مضاد لا تجاه الهدف وقد كان بعض المحاربين يعكس اتجاه نعال فرسه ليضل من يقتفون أثره ( ص 308 من الكتاب الأول ترجمة كفافي )
ومن ثم لزم المشير ولزم رفيق الطريق ولزم القائد والمرشد والدليل ، فالأمور تبدو معكوسة ولا ينبؤك مثل خبير واقرا في الكتاب أَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ ( الشورى / 38 ) والزم الصمت ، واسمع وتعلم وخذ العبرة من صلاة الجمعة ، فالرحمة تنزل على الصافين الساكتين المنصتين للإمام ، فكن صامتا لأن من صمت نجا ، ولا تشهر نفسك لكيلا تكون هدفا للسهام ، والرسول صلى اللَّه عليه وسلّم بالرغم من أنه أتم الدين وأكمل النعمة إلا أنه أوصى بالاقتداء بالنجوم أي الصحابة  فقال صلى اللَّه عليه وسلّم : [ أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم أهديتم ] ومن ثم فالأمر قائم إلى يوم الدين ، فإن كان الصحابة قد مضوا فأنت مطالب باتباع الأولياء والمرشدين ، فالحديث ذو شجون والكلام يجر بعضه بعضاً ، ولا تكون لك سيطرة على الأمر ، فسرعان ما يجرك الهوى ، ويحيد بك عن الطريق ، فالمسموح له بالحديث هو الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم الذي
 
« 506 »
 
قيل فيه وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى ، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى ( النجم / 3 - 4 ) ،
فالبلاغة هي الصمت ، وذرة الصدق أفضل من مائة مقال ، وأن تعيش " الحال " أفضل من أن تكون بليغاً ( عن المقال والحال انظر الترجمة العربية للكتاب الثالث ، البيت 4730 وشروحه ) .
 
( 1610 - 1618 ) : برغم سياق الحكاية ينقلب القاضي إلى مرشد والصوفي إلى مريد سائل يسأل القاضي عما يؤرقه من تناقضات في مظاهر الكون وفي قضاء الحق وتجليه في مظاهر مختلفة ، ما لهذا يحصل على الذهب وذاك يحصل على الزيف مع أن المنجم واحد ؟ ! ولماذا يكون هذا يقظا والآخر ثملًا ، وإذا كانت الجداول ( البشر ) تجرى بماء واحد ، فلماذا يكون ماء المؤمن صافياً عذباً زلالا ويكون هناك كافر ماؤه ملح أجاج ؟ ولماذا التفاوت والاختلاف بين الصبح الصادق والصبح الكاذب ؟ مع أن المصدر هو شمس البقاء الأزلية ، ولماذا يكون عقل أحدهم مضيئاً منيراً وعقل الآخر مظلما كدراً ؟ ،
وطريق الله طريق واحد فكيف يحتوى هذا الطريق على هادي الطريق ودليله ومرشده ويحتوى على غيلان الطريق المضلين ؟ ، ولماذا تلد البطن الواحدة العاقل والسفيه والصالح والطالح ، ما دام الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم قد قال أن الولد سر أبيه ؟ !
( انظر الترجمة العربية للكتاب الرابع ، البيت 3117 وشروحه ) . لماذا هذا التعدد وهذه الكثرة كتجليات للوحدة ؟ ! لماذا تظهر هذه الاختلافات مع أن الله ( المصدر ) إليه واحد ؟ !
 
( 1619 - 1630 ) : يجيب القاضي ( المرشد ) إن الأمر لا تناقض فيه ، فكيف يقاس المعشوق بالعشاق ؟ ! ألا ترى أنه بالرغم من أنه لا عاشق بلا معشوق ولا معشوق بلا عاشق هناك كثير من الاختلافات في أحوالهم ؟ ! فكلما ازداد المعشوق جمالا ازداد العاشق نحولًا . . .
وكلما زاد المعشوق دلالا وعزة وكرمة ازداد العاشق وجداً وهياما وذلا واضطرابا ، إن هذه الخليقة التي تراها متناقضة إلى هذا الحد كلها زبد على سطح البحر فاضت منه ولكنها ليست هو ، والبحر يحتوى على الدر يحتوى على السبه ( حجر رخيص )
فهل يقال أن هذه المظاهر والآثار هي عين البحر الذي بلا كيفية ، ولا يحيط به أحدٌ علما ؟ ! والخالق المطلق ليس نداً لمخلوقاته
 
« 507 »
 
وليس ضدا لها ، قال الإمام على رضي اللّه عنه : بتشعيره المشاعر عُرف أن لا مشعر له ومضادته بين الأمور عرف أن لا ضد له وبمقارنته بين الأشياء عرف أن لا قرين له ، ( عن جعفري 13 / 563 ) فلا خالق هناك يستطيع أن يخلق ضده ، فالاضداد كثيرة والأنداد كثيرة ، والمثل لا يخلق مثله ، وأسرار الخليفة ( مد البحر وجزره ) لا كيفية لها وغير قابلة للوصف ، وانظر :
إن أقل ظاهرة من ظواهره هي روحك ، ومع ذلك فإنك لا تستطيع أن تدرك كنهها ولا يستطيع أحد أن يفسر أبعادهاوَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ، قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا( الإسراء / 85 ) .
 
( 1631 - 1642 ) : يواصل القاضي ( المرشد ) : تراك تريد أن تدرك كنه هذا البحر ، وعقلك بكل ما أوتى من قوة لا يستطيع أن يدرك كنه قطرة واحدة منه ، وتساؤلاتك كلها تبقى محدودة بنطاق الألفاظ وضيقها ، وأين ألفاظك وأين معرفتك المحدودة من العقل الكلى أو ما خلق الله ومنه فاضت الخليقة وهو أيضاً عاجز عن إدراك منهجه ، يستنجد بالجسد ويسأله :
أتراك حصلت على النذر اليسير من المعرفة عن بحر المعاد ؟ !
ويرد الجسد : كيف وأنا دائما مجرد ظل لك كيف أدرك ما لم تستطع إدراكه ؟ !
ويرد العقل : إنها الحيرة هي التي تقلب كل الموازين : تكون الشمس في خدمة الهباء ويفر الأسد أمام الغزال والبازي أمام السلوى ، يطلب القوى العون من الضعيف ( انظر عن الحيرة البيت 2486 من الترجمة العربية للكتاب الأول و 1377 من الترجمة العربية للكتاب الثالث و 969 من الترجمة العربية للكتاب الرابع ) ولم لا ؟ ،
ألم يكن الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم مع عظمته وقربه يطلب الدعاء من المساكين ؟ ! وفي رواية الجامع الصغير " كان يستفتح ويستنصر بصعاليك المسلمين ( انظر أحاديث مثنوى ، ص 200 ) وكيف تصدق أقوال المفسرين أن هذا كان من أجل التعليم . !
أيكون التعليم في إيداء الأمور على غير حقيقتها ؟ ! لا . . . بل كان صلى اللَّه عليه وسلّم يعلم أن كنوز المعرفة في قلوب الفقراء مصداقا لقوله تعالى في الحديث القدسي
[ أنا عند المنكسرة قلوبهم ] وهذه الأمور المعكوسة
 
« 508 »
 
( انظر البيت 1594 من الكتاب الذي بين أيدينا وشروحه ) تحير حتى الأولياء ، وإلا فإن كل جزء في الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم منبىء عن الحقيقة الإلهية ، ومن هذا الفعل المعكوس تعددت الفرق والمذاهب وليس ثم إلا حقيقة واحدة ، وكلها اختلافات في النظر ( عن اختلافات النظر ، انظر حكاية رسامى الصين والروم من الكتاب الأول وحكاية الفيل في الحجرة المظلمة ، ابتداء من البيت 1260 من الكتاب الثالث وانظر أيضاً حكاية سؤال موسى عليه السّلام لله تعالى : لم خلقت خلقا فأهلكته ، من الترجمة العربية للكتاب الرابع ، الأبيات 3001 وما بعده وشروحها ) .
 
( 1643 - 1651 ) : يواصل القاضي حديثه إلى الصوفي : إن هذا الكلام ليس بالبسيط وليس بالهين ، ولا تستطيع أذن الجسد أن تستوعبه بل لا بد له من اذن الروح ، فكل ما يتأتى للعبد إنما يتأتى له من الله من العطاء والمنع والنعم والبلاء ، وهكذا ديدنه مع كل خلقه بلاءٌ يعقبه نعمة ونعمة يعقبها بلاء ، ( انظر الترجمة العربية لحديقة الحقيقة ، حكاية الذي أراد أن يهب بردة لبهلول ، الأبيات 5339 - 5344 وشروحها ) .
 
وما حول الفخذة هو أحسن قطع الذبيحة ما حول الرقبة أسوأها ، والدنيا بأجمعها لا تساوى عند الله جناح بعوضة ولو كانت لما سقى الكافر منها شربة ماء بل هي للصالح والطالح على السواء ، لكن رحمته جل شأنه تكون للصالحين من خلقه فحسب الذين يصبرون على الضراء ولا ترتفع عقيراتهم بالصياح أو الشكوى ، والحضور هو حضور القلب والمنزل هو قلب المؤمن : ليكن الله سبحانه وتعالى حاضرا في قلبك ، لكي تصلك خلعه .
 
( 1652 - 1656 ) : يذكر سؤال الصوفي هنا بما ورد في الكتاب الخامس قصة ذلك الذي قال : ما كان أحلى الدنيا لو لم يكن موت ، وما كان أحلى ملك الدنيا لو لم يكن له زوال ، وعلى هذه الوتيرة من الترهات ( الأبيات 1762 - 1773 من الترجمة العربية للكتاب الخامس وشروحها ) . فالحقيقة غارقة في الحقيقة لأن المجاز لا ينتفى عند أهل الحقيقة لأن مراتب
 
« 509 »
 
الوجود تسمى حقيقة بعد حقيقة ( سبزوارى / 441 ) .
( 1657 ) : يضرب القاضي المثل هنا بقصة التركي والخياط التي وردت في كتاب الأذكياء لابن الجوزي ( مآخذ / 207 ) .
 
( 1663 - 1671 ) : يترك مولانا رواية الحكاية كعادته ليتحدث عن أهمية المتلقى بالنسبة للمتحدث فبقدر همة المستمع تكون قوة المتحدث ، مصداقا للحديث النبوي المذكور في العنوان ( انظر أيضاً البيت 1247 من الكتاب الذي بين أيدينا ، وانظر أيضاً الترجمة العربية للكتاب الثالث الأبيات 3604 - 3614 وشروحها )
 
والفكرة العامة أن كل شئ بقدر حاجة الخلق إليه ، يبكى الطفل فيفور ثدي الأم باللبن ، تهتز الأرض فينزل عليها المطر ، يريد الله سبحانه وتعالى أن ينزل معجزة الأنبياء والخلق أجمعين ، فيخلق الخليقة كلها من أجله لكي يتم الظهور عليها فلا ظهور له إلا بها فهو أول الأنبياء خلقا آخرهم بعثا ، وكان نبيا وآدم بين الماء والطين ،
وقال الله تعالى له : " لو لاك ما خلقت الأفلاك " ، والأولياء أيضاً ، يأتي بالبشائر من عالم الغيب لأن الآذان تهفوا إلى هذه البشائر ، وما دامت عاكفا على الدنيا فأنت والكلب سواء فالدنيا جيفة وطلابها كلاب ، والكلب نفسه ينجو من طبيعته الكلبية عندما يصاحب أهل الكهف ( الأولياء ) لكن ما العمل والعوام كلهم همهم النساء والطعام .
 
( 1675 - 1677 ) : إن هذه الخلافات بين الخلق صورة مصغرة للقيامة وحين يقع شجار بين اثنين يجاهد كل منهما في فضح أسرار الآخر، وهذا أشبه بالقيامة عند نفخ الصور حيث ينشر كل ما أسره المرء على الملأ.
 
( 1716 - 1723 ) : يترك مولانا الحكاية ( التي هي أيضاً داخل حكاية الصوفي والقاضي ) ويخاطب المريد : حتام أنت مولع بالحكايات والأساطير وأنت نفسك مجرد حكاية من
 
« 510 »
 
الحكايات تعجز عن الوصول إلى الحقيقة وتبتعد عن إدراك الواقع ( انظر البيت 1147 من الكتاب الثالث حيث تقدم فلسفة الحكاية والبيت 1662 من الكتاب الذي بين أيدينا ) وأنت العجب العجاب في ضحكك هذا ، أتراك تضحك والموت في انتظارك وأنت دائما في ضحك ( انظر حديقة سنائى ، الأبيات 6135 - 6137 ) ،
إنك تهزل والفلك يسخر منك ، ولا تنظر فقط إلى عطاياه بل وانظر أيضاً إلى أخذه ، وفكر في العواقب ( انظر لتفسير الفساد في الكون الترجمة العربية للكتاب الرابع ، الأبيات 1544 - 1614 وشروحها )
وهذا هو الفلك خياط عام يصنع الكساوي لأولئك الذين شاخوا في أعمارهم لكنهم لم يبلغوا عقول الأطفال ، ذلك أنهم يخضعون كل شئ على عاتق الفلك ، ويتحدثون عن سعده ونحسه ، ويتكدون منه ، بينما لا يملك من أمر نفسه شيئاً .
 
( 1734 - 1745 ) : الحكاية هنا ذات أصل عربى ورد في ربيع الأبرار للزمخشري " زحمت مريأة رجلا فقال : المستعان بالله ما أكثر كن ، قالت : يا هذا نحن على هذه الكثرة وأنت تبتغون ما وراء ذلك فليت شعري لو كان فينا قله ما كنتم تعملون . ( عن فروزانفر مآخذ 207 ) .
 
ومعناها أن أهل الدنيا لا يشبعون من لذائذها هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى لم يفطن إليها الشراح القدامى أن انغماس المرء في الشهوات حتى ولو كان طبيعيا فإن يجره إذا وصل إلى مرحلة التشبع إلى البحث عن الشذوذ واللجوء إليه ،
ثم يواصل مولانا الحديث :
وهكذا الإنسان مع الدهر : إن الإنسان يسب في الدهر ويشكو الزمن وأكثر الناس شكوى من الدهر هم أشدهم كلفا به وحرصا عليه ، وتعلقا بشهواته ، فما أن يخسر أدنى خسارة فيه حتى يجأر بالشكوى وتضيق الحياة في وجهه ، وإذا كسب فيه فإن يتجبر ويطغى ويركب على رقاب الخلق ، فلا هو بالشاكر في النعمة ولا هو بالصابر على البلاء ، وكل الناس لا يتأسون بإبراهيم الخليل عليه السّلام الذي وفي وصبر على نار النمرود ولا بإبراهيم بن أدهم الذي لم يركن إلى النعمة بل وهرب منها قاصدا الحقيقة : وبينما ألقى إبراهيم الخليل بنفسه في النار فلم
 
« 511 »
 
يحترق ، ألقى إبراهيم بن أدهم بنفسه في طريق الطلب واحترق بنار الطريق .
 
( 1746 - 1753 ) : لا يزال الصوفي ( المريد ) يسال القاضي الشيخ ويضرب الأمثال لوجود الخير والشر معا في الدنيا ، مع أن الله تعالى جلت قدرته يستطيع أن يجعل العالم خيرا محضاً .
 
( 1754 - 1764 ) : جواب القاضي هنا يشبه حديث مولانا في أكثر من موضع عن لزوم الشر إلى جوار الخير ، وأنه إذا كان العالم خيرا خالصاً لما أمكن التمييز بين الخير والشرير والصالح والطالح ، الموضع الأول في الكتاب الرابع تحت عنوان : بيان أن العمارة في الخراب والجمع في التفرقة ، ( الأبيات 2341 - 2353 ) والموضع الثاني في الكتاب الرابع أيضاً تحت عنوان سؤال موسى عليه السّلام الخالق سبحانه وتعالى : خلقت خلقا وأهلكتهم ( الأبيات 3001 - 3029 ) وفي الكتاب الخامس تحت عنوان في بيان قول الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم : لا رهبانية في الإسلام ، الأبيات 575 - 580 ) .
 
ويخلص مولانا في الأبيات التي بين أيدينا أن توجيه مثل هذه الأسئلة من قبيل الغفلة ، فمن اقترب من الحق علم أن كل ما يأتي منه خير . وقد عبر سنائى عن هذه الفكرة في حديقة الحقيقة أيضاً ( انظر الترجمة العربية ، الأبيات 426 - 461 وشروحها )
وقال بعض السادات : أذنبت ذنبا وأنا أبكى عليه منذ ستين سنة ، واجتهدت في العبادة لأجل التوبة من ذلك الذنب ، فقيل له ما هو ؟ ! قال : قلت مرة لشئ ليته كان كذا ! !
وقال بعض المشايخ : لو قرض جسمي بالمقاريض ، كان أحب إلى أن أقول لشئ قضاه الله ليته لم يقضه . ( انقروى 6 - 1 / 424 ) .
 
( 1765 - 1774 ) : الحكاية الواردة في هذه الأبيات مأخوذة عن رواية وردت في ذيل زهر الآداب للحصرى " وكسا مزيد المدني امرأته قميصا فشكت إليه غلظته وخشونته فقال : أترينه أخشن من الطلاق . ( عن فروزانفر ، مآخذ 208 ) .
 
( 1775 - 1786 ) : المقصود من الحكاية السابقة هل الفقر والبلاء والآلام والمحن أشد وطأة
 
« 512 »
 
على العبد أو البعد عن الله ؟ ! هل مكافحة الهوى على مرارتها وقسوتها أقل مرارة من البعد عن الحق أو أكثر مرارة ؟ !
هل الصيام والجهاد على قسوتهما أقسى أو أن يمتحن المرء بالبعد عن ربه ؟ ! من دعاء كميل المشهور عن أمير المؤمنين " فهبين يا إلهي وسيدي ومولاي وربى صبرت على عذابك فكيف أصبر على فراقك " ( عن جعفري 3 / 592 ) .
 
يكفيك أن تسمع مواساته أثناء المك ، وأنت تسأل : كيف اسمع مواساته ؟! 
ألست تدعو ربك أثناء البلاء وأثناء المحنة ؟ 
اعلم أن نفسك دعوتك هذه هي إجابته جل شأنه بلبيك ، فالدعاء عين الاستجابة ، وإذا كان البلاء يجعلك قريبا من الله تناديه فيستجيب لك فكيف تفر من هذا البلاء ؟! 
وإذا لم يكن لديك ذوق التلقي ، ألست تحس في حالات المرض والبلاء بأنك قريب من الله ؟! تكفيك اذن هذه اللذة ويكفيك هذا القرب ، وعلى هذا النسق العلاقة بين أولئك الحسان ( المرشدين والأولياء ) ومرضى القلوب ( السالكين في طريق الحق ومرضى النفوس )
وهم وإن لم يفصحوا إلا أن إشاراتهم ( رسائلهم ) تغنى ، ففي الإشارة غنى عن العبارة ، وإلا فإن من القلب إلى القلب كوة ، ولا يوجد عاشق يفكر في معشوقه دون أن يفكر معشوقه فيه ، ( انظر الترجمة العربية للكتاب الثالث ، الأبيات 4396 - 4415 وشروحها )
 
وإذا كنت مغرما بالقصص والحكايات فاقرأ حكايات العشاق ، ففيها الكفاية ، فقط يجب أن تكون ناضجاً بقدر الكفاية ، ولست مغلياً نصف غلية على طريقة الترك في النضاج اللحم ( انظر 3751 من الكتاب الثالث ) ،
 لكنك أيها السالك الذي لا يدرك عمق هذه المعاني ولا تصادف منك قلباً مفتوحاً قد عشت عمرك وتعلمت ما تعلمت ، لكنك كلما تعلمت ازددت فجاجة على فجاجتك ، فعلمك الذي تتعلمه ليس من أجل الحق بل من أجل الخلق ، ذلك أنك سرت في طريق غير طريقه ، فكل من صار تلميذاً للحق صار أستاذاً ،
أما الذي يسير في طريق آخر فيتجمد بل يسير القهقرى لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وهناك من أضله الله على علم فمثله " كالكلب " ولا يصل حتى إلى مستوى البشر ، فلا أنت اتعظت بمهلك والديك ، ولا أنت اعتبرت بما جرى لك من أحداث في حياتك .


الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء السادس د. أبراهيم الدسوقي شتا
* * * 
 أبيات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا 
* * *
.
يتبع 

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح 01 - 4932 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح 1489 - 1914 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح 01 - 4932 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالأحد مارس 28, 2021 6:01 pm

الهوامش والشروح 1489 - 1914 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )       

الهوامش والشروح 1489 - 1914 على مدونة عبدالله المسافر بالله

الهوامش والشروح 1489 - 1914 فى المثنوي المعنوي الجزء السادس د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح حكاية الصوفي والقاضي 
« 513 »
 
( 1787 - 1790 ) : اللطيفة الموجودة في هذه الأبيات مما رواه الأفلاكى عن مولانا أنه لقى راهباً في الطريق فسأله : هل أنت أسن أو لحيتك قال الراهب : أنا أسن من لحيتي بعشرين عاماً ، فقال مولانا : أيها المسكين ما ظهر بعدك نضج وشد وأنت على ما أنت عليه تحضره السواد والفساد والسذاجة ، ويلك !! ( فروزانفر 2080 مناقب العارفين للأفلاكى ، ج 1 ، ص 139 ) وشهوة الثريد كناية عن شهوات الدنيا وتربية الجسد .
 
( 1791 - 1800 ) : الخطاب بالطبع ليس للراهب بل لكل من أضلتهم شهوة الحياة الدنيا من الغافلين العاكفين عليها : إنهم كلبن المخيض الحامض لم يقوموا باستخلاص التجليات الروحانية ( الزيت ) منه فيبقى على حالته ، وهم أيضاً كالعجين لم تنضجهم نار السلوك ، بالرغم من طينتك أنت قد خمرها الحكيم العليم ( انظر البيت 1222 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ،
 
وأنت كعشبة في طين على رأس تل ، ليست ثابتة أو ممتدة الجذور ، تهتز وتميل مع كل ريح ( هوس ) ، ولذلك فأنت مثل قوم موسى في التيه ، لا وجه ولا طريق ولا هدف ولا أمل في الوصول ، وما ذلك إلا لاتخاذهم العجل .
 قال تعالى فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ ( المائدة 26 ) وما ذلك إلا لتمسكهم بالدنيا وقعودهم عن القتال مع موسى عليه السلام وقولهم له إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ، فها أنت مثلهم تهرول ،
لكنك لا تصل إلى شئ ، ولن تصل إلى شئ ، ما دمت مثل قوم موسى الذين أُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ حتى ولو بقيت ثلاثمائة سنة ، وثلاثمائة سنة بصحبة أهل الكهف كانت كفيلة بتحويل كلب إلى مذكور مع الأولياء في آية واحدة في القرآن الكريم
( عن العجل وقوم موسى انظر سورة طه آية 88 وانظر البيت 3322 من الترجمة العربية للكتاب الرابع ).
 وسوف تظل مثل قوم موسى إلا أن تطرد هيامك بالعجل من قلبك ، وتتوب إلى بارئك ، وتقوم بقتل نفسك التي بين جنبيك ، حينئذ يتحول غضبه جل شأنه إلى لطف ونعمة ، لكن هذا لن يحدث ما دام الطبع
 
« 514 »
 
الحيواني مسيطرا عليك جاعلًا الدنيا منتهى أملك ومبلغ علمك .
 
( 1801 - 1809 ) : إذا كنت تريد دليلًا على نعم الله عليك فاسأل أعضاءك هذه التي تظن أنها خرساء وهي في الحقيقة مفصحة عن آلائه جل شأنه متحدثة بألف لسان ، اسألها تحدثك عن حياتها ، وتفصح لك عن نعم الله الذي رباها وأنشأها من العدم وابتلاها بالخير والشر فتنة ، ونمو الأعضاء وامتلاؤها ونضرتها إنما يدل على حال سرور ولذة حين خلقها وحين نموها ، ومن ثم فإنها تضمر وتزداد نحولًا عند الشدة والحزن ، وها هي أعضاؤك مائلة أمامك ، لكن ذلك الإحساس باللذة والمتعة من هذا الخلق العظيم والذي يستوجب شكر النعمة انتفى عن حواسك الخمسة وعن عالمك المحسوس فبقيت غافلًا عنه ، وكل ما حولك في الكون دليل على ذلك ، والطبيعة تعلمك فأية نعمة زالت بزوال أسبابها الظاهرة ؟ ألا ينضج الصيف محصول القطن ويذهب الصيف ويبقى لك محصول القطن ؟ ! وألا يأتي الشتاء بالثلج ويمضى الشتاء ويبقى الثلج " الذي تحتفظ به " ؟ فهل القطن نعمة الصيف وهل الثلج من عطاء الشتاء ؟
 
( 1810 - 1816 ) : وهكذا أعضاؤك : كل عضو من هذه الأعضاء ينبئ عن نعمة كامنة فيه وهبها لك أحسن الخالقين ، والمرأة التي تلد الأبناء إنما نذكرها كل منهم بحالة خاصة من أحوال اللذة ، وتمضى اللذة وتظل آثارها ، ولماذا المرأة بالذات ؟
إن كل شجرة تلد الثمار إنما تلدها بقدرة الواهب اللطيف وبأنعامه الإلهية الخافية ، فليس كل حمل برجل وامرأة ، ولديك حمل مريم البتول عليها السلام
( انظر الآيات 16 - 18 من سورة مريم والأبيات 3702 - 3707 من الترجمة العربية للكتاب الثالث ) والنار ألا توضع تحت الماء ومع ذلك يكون من آثارها ذلك الزبد الذي يغلى؟.
 
( 1817 - 1829 ) : هذه الأعضاء التي تحسبها جماداً تكون من قبيل آخر عند أولئك السكارى بالوصل الإلهى ، إذ أنها تحمل صور الأحوال التي تمر بها حالًا بعد حال ،
 
« 515 »
 
والخطاب الإلهى الملىء باللطف يناديها أولًا بأول ويكشف لها الأحوال ، لكنها لا تستطيع أن تعبر عما تدركه الأبصار أو تسمعه الآذان ، فهي " مواليد " لكنها ليست من أركان الدنيا الأربعة ، ويعود مولانا فيقول : أية مواليد ، إن مواليد هنا لفظ تقريبي فحسب من أجل الإرشاد والتعليم ، لكنها في الحقيقة تجليات ، ومن الأوفق هنا الصمت فآفة الحال المقال ، ودع سلطان المقال ومليكه ( الحق ) ليتحدث ، ولا تتفاصح فإن هذا الصنف من الناس لن يدرك شيئاً مما تقول ، إنه ممتلئ وجداً وهياماً يسمع حديثاً من غير قبيل حديثك ، فانضم أنت أيضاً إلى السامعين ، وهذان الصنفان : الجسماني والروحاني من آثار الوصال كلاهما له جماله الخاص به ،
 
وانظر إلى مظاهر الطبيعة من حولك موت وحشر ونشر ثم موت وحشر ونشر ، تتوالى الفصول ، فهذا الصيف المتجدد يذكرك بالشتاء ورياحه الباردة وزمهريره القارس ، وهذه الفاكهة الموجودة في الشتاء تذكرك باللطف الإلهى الذي أنضجها في الصيف ، وتذكرك بالشمس عندما تبسمت وأخصبت عرائس الرياض ، فأولدتها وردا وريحانا وفاكة وأبا .
 
( 1831 - 1840 ) : إنك لو كنت ماهراً وذكياً عميق الفكر ، إذا إجتاحك الحزن من هذا التمزق الذي تعايشه بين الأرضي والسماوي ، فإنك تستطيع أن تخاطب هذا الحزن قائلًا :
أيها الحزن المنكر للعطايا الإلهية ، إن لم تكن هذا الألطاف الإلهية منصبة عليك ، فلماذا في كل لحظة يتنضر وجودك ويتجدد دمك ، وتنهمر عليك الأفكار ، وما هذه الأفكار منك إلا عصارة هذه الالطافات ، وهي من زهر وجودك المتجدد كماء الورد من الورد ، فهل ينكر ماء الورد
( الفكر ) الألطاف الإلهية ( الورد ) ؟
 
إن الكافر المتخلق بأخلاق القردة تكون أقل نعمة من هذه النعم الروحانية حراماً عليه ، لكن أولئك الذين يتخلقون بأخلاق الأنبياء فلهم النور ولهم الغيث ، والشكر مهما كان البلاء من أخلاق الأنبياء ، أما القردة والخنازير وعبد الطاغوت فديدنهم الجدل مع الخالق والعاطى ، وانظر إلى عاقبة هؤلاء وعاقبة أولئك ، ولا تغرنك المظاهر ، فالعمران ملىء بالكلاب المسعورة والخراب ملىء بالكنوز المدفونة ، وهذه المظاهر
 
« 516 »
 
هي التي تضلل عبدة الظاهر من الفلاسفة الذين لا يجاوزون حواسهم ، فلا تتذاكى ، فإن أولئك الذين يظنون أنهم يشقون الشعرة من ذكائهم ومهارتهم ، هم أولئك المدموغون بالله ( سنسمه على الخرطوم - انظر البيت 1434 من الكتاب الذي بين أيدينا ) .
 
( 1841 ) : كلمة بقية المذكورة في العنوان لا محل لها إذ لا توجد أجزاء من القصة في الكتاب الذي بين أيدينا أو في كتاب آخر من كتب المثنوى . ولعله يشير إلى أن حكاية أخرى في هذا المجال قد سبقت في الكتاب الثالث وسوف يشير إلى هذا الأمر في البيتين 1848 ، 1849 .
 
ومجال القصة هنا التذاكى والشطط حيث انتقل من الحديث عن الفلاسفة إلى الحكاية ، فهم من تذاكيهم وشططهم يقعون بعيداً عن الحقيقة مثل رامى السهم الذي كلما شد القوس أكثر ليلقى السهم بعيداً ابتعد عن الكنز الذي يقع تحت موطىء قدمه ، والقصة ذات أصل في مقالات شمس الدين التبريزي ( كل من هو أكثر فضلًا أبعد عن المقصود ، كل من هو أكثر غموضاً في فكره أكثر بعداً ، هذا عمل القلب ليس عمل المخ )
( مقالات شمس تبريزى بتصحيح محمد على موحد 1 / 75 ) كما يعلق مولانا شمس على الحكاية تعليقاً آخر " كل من ألقى السهم أبعد كان أكثر حرماناً إذا تبقى خطوة واحدة حتى يصل إلى الكنز ، فأية خطوة في حد ذاتها ، وأية خطوة هذه ) ( مقالات شمس تبريزى 1 / 76 )
وهذا ما عبر عنه أبو اليزيد البسطامي بتعبير آخر " خطوة من جهدنا وخطوة أخرى بأمر الحق " وقد أشار مولانا إلى نفس هذا التعبير في المثنوى ( البيت 1550 من الكتاب الرابع ) ( انظر استعلامى 6 / 311 ) .
 
( 1848 - 1849 ) : إشارة إلى حكاية الذي كان يطلب رزقاً حلالًا بلا كسب في عهد داود النبي الواردة في الكتاب الثالث من المثنوى الأبيات 2308 - 2505 ) .
 
( 1854 - 1859 ) : الخفض والرفع هنا كناية عن ظهور مظاهر القدرة الإلهية على الخلق بأشكال متفاوتة وكلها خير وبقدر الحاجة ، والمزاج الممتزج هو جريان الحياة الجسدية المبنية على أربعة من الأمزجة قائمة على العناصر الأربعة للوجود في معتقد القدماء ، القدرة الإلهية
 
« 517 »
 
إذن هي التي تحكمها تقيم الوجود على هذه الأضداد ولا حافظ لها إلا اللطف الإلهى ، وكل هذا التضاد فتنة ( يبلوكم بالخير والشر فتنة ) ويرى بعض المفسرين أن الأبيات تعبر عن الحديث النبوي : [ إن الله لا ينام ولا ينبغي أن ينام يخفض القسط ويرفعه ] ( استعلامى 6 / 312 ) .
 
( 1860 - 1871 ) : أن الدنيا قائمة على جناحي الخير والشر ، ويؤمن مولانا جلال الدين على خلاف اعتقاد القدماء أن الأرض كرة معلقة في الفضاء أو الأثير وفي البيت 4767 من الكتاب الذي بين أيدينا يخاطب الأرض مرة أخرى قائلًا " انهضى من بين الفلك أيتها الأرض " ولا يمكن أن يكون هذا التعبير إلا إذا اعتبر الأرض كرة معلقة في الفضاء وفي موضوع آخر يردد مولانا هذا التعبير على لسان حكماء المدرسة دون أن يبدي اعتراضه أو تأييده ( انظر الأبيات 2494 - 2500 من الكتاب الأول ) ،
 
إن من هذا الاختلاف في أحوال الكون تكون الأرواح في خوف أو في رجاء ، ويكون أهل هذه الدنيا بين رياح الشمال ورياح السموم مرتعدين كأوراق الأشجار - ومن هذا الخوف تتولد الاختراعات ومشروعات العمران والتغلب على الطبيعة ، لكن الإنسان المتعمد على ذلك العالم الآخر لا خوف لديه ولا رجاء ولا رعدة ولا هزة لأنه يتحد بالوجود المطلق ولا لون هناك للوجود المطلق ، والوجود المطلق كأنه عالم من الملح يطهر ويمحو كل الألوان ،
 
ومن هذا التعبير الإنجيلى تتداعى المعاني والصور ، فالدن ذو اللون الواحد هو دن عيسى عليه السلام الذي وضع فيه الثياب عندما عمل عند صباغ ومن هذا الدن ذي اللون الواحد كان يخرج كل ثوب مصبوغاً باللون الذي يطلبه صاحبه ، وإذا كان الملح الحقيقي يقوم بمحو كل الألوان فما بالك بملح المعاني ؟
 
إنها في تجدد دائم ، ليس ذلك التجدد الذي هو ضد القديم ولكن ذلك التجدد الذي هو بلا نظير ولا ضد ولا ند ، فكلها مفاهيم مادية وليس هناك في ذلك العالم موضع للمفاهيم المادية ، ولأضرب لك مثالًا بهذا التجدد ، وهذا اللون الواحد ، ألم يكن المصطفى صلى اللَّه عليه وسلّم بنوره الإلهى دنا
 
« 518 »
 
ذا لون واحد اصطبغ به المجوسي والمسيحي واليهودي الذي أدخل في دينه ، انه شمس السر ، والعالم ظلال وقد طوت هذه الشمس كل هذه الظلال .
 
( 1872 - 1888 ) : لكن هناك اتحاداً في اللون على نسق آخر ، إنه يحدث في يوم الحشر ، حيث تبدو على ظاهر كل إنسان أفعاله وأقواله ، فالناس كما يعيشون يموتون ، وكما يموتون يحشرون ، والناس يبعثون على نياتهم ( انظر ص 3664 من الكتاب الرابع و 2593 - 2601 من الكتاب الخامس )
 
ويشبه هذا أن تحول أفكارك إلى سطور مكتوبة على كتاب ، أو أن تقلب الثوب فتصير بطانته هي وجهه ، تظهر البواطن آنذاك ملونة كأنها الثور الأرقط ، وتبدو الأمم بمئات المذاهب ، لكنها تهدف جميعها إلى رؤية الحق ، لكن لما كانت بواطنها على مئات الألوان فإن الخيط الذي يغزله ذلك المغزل يخرج على مائة لون ، لكن هذا الدور
 
( وهو الفترة من الزمان التي يتميز بسمات معينة من الممكن أن تفصله عن دور آخر )
هو دور تعدد القلوب وتعدد الألوان ، هو دور غياب الإيمان : يوسف في الجب والذئب في القطيع ، وفرعون على دست الحكم ، وذلك من أجل أن تتمتع هذه الفئة بالرزق فترة من الزمن ، ويلهيها الأمل الذي يهزأ منها ، هذا في حين أن عظماء الرجال من الأولياء والمرشدين تظل داخل غابة الدنيا تنتظر النداء من الحق ،
فتخرج من مكانها ، ويبدي الله سبحانه وتعالى الحق واضحاً وصريحاً وجلياً لا لبس فيه ، حينذاك يكون المحك والفيصل والمعيار هو جوهر روحه ، أما أولئك الكفار الذين يشبهون الثيران البلقاء لتلونهم وتلون بواطنهم ، فهم حصب جهنم ، وأهل الله يطفون فوق موج هذا الطوفان وكأنهم الطيور المائية ، وتذهب صقور الطريق إلى ساعد السلطان
 
( الصورة وردت أيضاً في ديوان شمس ) أما الديدان فتذهب إلى البعر وإلى القاذورات ، فليس سكر الحكمة جديرا بالغراب وذلك كله مصداقاً للآية الكريمة لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ( الأنفال 42 )
 أي أن الله تعالى يبدي لهم حقيقتهم على ظواهرهم ثم يأخذهم بها أخذ عزيز مقتدر .
 
« 519 »
 
( 1889 - 1896 ) : لا يليق كل شئ بكل إنسان ، وكل ميسر لما خلق له ، والمرء بقدر همته وسعيه وإرادته ، فالغريز لا يناسب قهر النفس ، والجهاد ليس من عمل المرأة ( لهو ليس مقرر عليها شرعاً ) ، وقليلٌ ما هن من بطلات الطريق مثل مريم عليها السلام ، وفي الحديث : الكمل من الرجال كثير ، ولم يكتمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ومريم ابنة عمران ( أحاديث مثنوى / 202 )
ومن هنا فأولئك الرجال ضعاف الإرادة سوف يبعثون يوم القيامة نساءً ، ذلك أن اليوم هو يوم العدل والجزاء ، حيث ينال كل إنسان ما طلبه ، ويؤوب كل امرئ إلى محل أوبته ، وكل شئ يجرى بشكل طبيعي جريان سنة الله في خلقه مثلما تبث الشمس حرارتها ، وينزل المطر من السحاب .
 
( 1997 - 1900 ) : وعالم الدنيا مختلف عن عالم الآخرة تماما ، فإذا كان عالم الآخرة هو اللطف ، فإن عالم الدنيا هو عالم القهر وإذا اخترتها فقد اخترت القهر ، وانظر إلى الدنيا ، لمن دامت ؟ ! ولمن استمر نعيمها ؟ ! وخفف الوطء فما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد ، وانظر إلى فخاخها تأخذ بالطائر المحلق في الأعالي ، وما الذي تبقى من أهل الدنيا ؟ ! فبر محدوب الظهر لا تلبث أن تذروه الرياح .
 
( 1901 - 1914 ) : مثلما يسر الله لكل إنسان ما خلق له ، يسر له أيضاً قرينه ، وكل من هو من جنسه ( من شعر سعدى : كل طائر يطير في سرب من جنسه ) وهكذا فالمرء على دين خليله فلينظر أيكم من يخالل ، ومن هنا ، كان جلوس الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم وأنسه مع الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم ، بينما كان أبو جهل جليسا لعتبة وذي الخمار ( الأسود العنسي )
الذي أاعى النبوة في اليمن في أواخر عهد الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم ، وكل مخلوق وهمته ، فجبريل والملائكة ميالون تواقون إلى سدرة المنتهى ، وعبد بطنه تواق إلى المائدة ، أما العارف فيهفو إلى نور الوصال والمتفلسف يجرى وراء الخيالات التي يسوقها ،
( انظر البيت 1128 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ،
 
وهلم جرا . . . فالله تعالى يرزق الإنسان الرزق بما جبل عليه طبعه ، يزرق العارف أنوارا من باطنه ، ويرزق كلاب الدنيا وعبادها برزق قيمته كماء النخالة الذي يوضع أمام
 
« 520 »
 
الكلاب ، وإذا كنت مقيما على طبعك راضيا به لا تبغى الانصراف عنه ، فلماذا إذن تنفر من هذا الرزق ؟!
ولماذا تنصرف عنه إذن ؟! وإذا لم يكن فيك طبع الرجولة ، فعليك بثياب النساء ،
وما أقرب إلى هذا إلى قول سنائى الغزنوي :
إنك لا تملك القدرة على الاستغناء فلا تهزل بأحاديث الدراويش * وإذا لم تكن لك وجوه العيارين فلا تقلع روحك كالأخساء عبثا فاذهب كالنساء وتعامل مع العطور والأصباغ * أو تعال كالرجال وألق بالكرة في الميدان ( ديوان سنائى ، ص 484 )
.
الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء السادس د. أبراهيم الدسوقي شتا
* * * 
 أبيات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا 

* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح 01 - 4932 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح 1915 - 2382 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح 01 - 4932 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالأحد مارس 28, 2021 6:04 pm

الهوامش والشروح 1915 - 2382 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )       

الهوامش والشروح 1915 - 2382 على مدونة عبدالله المسافر بالله

الهوامش والشروح 1915 - 2382 فى المثنوي المعنوي الجزء السادس د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح قصة تلك الخريطة للكنز
( 1915 - 1928 ) : الحديث عن الكنوز المخبوءة كثير في أعمال الصوفية ، ولعل النظر هنا إلى الحديث القدسي " كنت كنزا مخفيا ، فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق فبى عرفوني " ، ( انظر البيت 2541 وما بعده من الترجمة العربية للكتاب الرابع ) ( استعلامى 6 / 316 ) إن ما رآه الفقير المتوسل لم يره في النوم ، فأين منه النوم وهذه الأحوال تتوالى عليه والواقعة هي التحول الباطني الذي تنتج عن الأحوال ، وهذا الكنز مقسوم لذلك الذي داوم على الطاعة والضراعة ، ولو فشا أمره فلن ينال أحد منه مقدار حبة ، لكن الأمر قد يطول ، فلا تيأس ، واجعل وردك الدائملا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ( الزمر / 53 ) .
 
قال المولوي " فأراد بالكنز وبكتاب الكنز مرتبة الوحدة وخزينة الحقيقة ، وأراد بالرقعة الكتاب الذي كتبت فيه المعاني متعلقة بالحقيقة وأسرارها التي هي كنز الحقيقة ، وأراد بالدرويش الذي هو طالب الأرزاق المعنوية بلا تعب وهو إما أن يلاقى مرشداً يرشده وهذا لا يحتاج إلى كتاب كنز الحقيقة فإن المرشد له كتاب كنز الحقيقة ، وإما يحتاج إلى كتاب كنز الحقيقة ولا يجد من يرشده إليه فهذا يتوجه إلى قاضى الحاجات لييسر له الأرزاق المعنوية " ( مولوى 6 / 274 ) .
 
لكن البشير لم يمض عن الدرويش إلا بعد أن أوصاه بأن يجاهد وألا يعتمد كل الاعتماد على هذه البشارات بل عليه أن يمضى ويجاهد .
 
« 521 » 
 
( 1924 - 1929 ) : بالرغم من أن الشاب لم يكن نائما ، إلا أن هذه الوقائع لا تظهر إلا في حالة الغيبة ، لم يسعه جلده من الفرح ، لا لأنه وجد خريطة كنز بل لأن الله تعالى استجاب لدعائه من وراء الحجب ( عن الدعاء والاستجابة وفرح العبد بالاستجابة لا بالعطاء ، انظر الترجمة العربية للكتاب الثالث ، الأبيات 2333 - 2335 والبيت 2389 وشروحها )
بهذا الدليل أن الله سمع الدعاء يرتفع العبد من حضيض التراب إلى أوج الأفلاك ، لقد وجد الدليل على أن أذن الباطن وعين الباطن صارتا نافذتين من وراء الحجب وأن هذا الخطاب وهذه العلاقة سوف تستمر ولن تقتصر على هذه المرة الوحيدة .
 
( 1935 - 1945 ) : لا يزال الفقير في حالة تردد : كيف يحفظ الله تعالى مثل هذه الخريطة في مسودات الوراق ؟ !
 " كيف يحفظ الأرواح العظيمة أرواح الأولياء والمرشدين في الخلق والخرق ؟ ! كيف يحفظ الكنوز في الخرابات ؟ !
وكيف حصل عليها اعتباطاً ، مهما جاهد العبد فإنه لابد وإلا يدرك في نفسه أهليته لعطايا الله الممتدة المتواترة التي لا تعد ولا تحصى ؟ ! !
 
إنها إرادة الخالق الذي يغمر بنور المعرفة قلب المؤمن دون أن يقرأ كتاباً من الكتب ، وانظر إلى موسى عليه السّلام ، ألم يكن يبحث عن الدليل والبرهان من الله لكي يصدقه فرعون والدليل في جيبه ، الدليل اليد البيضاء ، ( انظر آية 32 سورة القصص ، والعبارة 6 من السفر الرابع ، سفر الخروج من التوراة ) ،
 
 لكن : لا شئ يستبعد عن الإنسان ، بل إن هذه السماوات السامية ما هي إلا مجرد انعكاس لمدركات الإنسان ( كل ما هو معروف عنها إنما هو من تصور الإنسان لها ) .
 
يقول السبزواري ( شرح مثنوى ، ص 450 ) :
" أي أن حقيقة الأمر بخلاف ما يقوله بعض أهل العلم الذين يعتبرون مدركات الإنسان موجوداً ظلياً للأجسام ويعتبرونها انعكاسا لها وأمر الانعكاس على عكس هذا تماما لأن الإدراك والتعقل لا يكونان بأن تترقى صورهما وتحذف بالنفس الناطقة كما يقول بعضهم ، ولا هي تتأتى للعقل بالمشاركة أو عن
  
« 522 » 
 
طريق نزول النفس على الشكل الباقي والصوري من العقل الفعال أو عالم الذكر الحكيم في الباطن بل إن النفس الناطقة تصعد وتتصل بل وتتحد وتفنى في الأرواح المرجدة وتصير عالمة بعلمها وتلك العلوم قبل الكون ومنشأ الكون وخصوصاً عند أهل الإشراق القديم والمتألهة والإشراقيين الإسلاميين مثل صدر المتألهين الشيرازي صاحب الأسفار إن إدراك الكليات العقلية بمشاهدة العقل ذوات نورية وبالنسبة لعقول الطبقة المكافئة وجود محيط بكل كلى عقلي وذات نورانية ومجردة أزلية وأبدية
وباقية ببقاء الحق تعالى " وبعبارة أخرى : أليست من مدركات عقل الإنسان الذي فاض عن العقل الكلى الذي هو أول خلق الله ( أول ما خلق الله العقل )
إياك أن تظن أن هذا الكلام واضح ، وإلا فكيف أفشى أسرار العنقاء أمام الذباب ؟ ! ( في شعر حافظ : ليست العنقاء صيدا لأحد فلملم شبكتك ) ( عن استعلامى 6 / 317 ) .
 
( 1973 - 1981 ) : إن العقل هو الذي ييأس ويحبط ويمضى عن طريق لا فائدة ميسرة منه ، أما العشق ، فهو لا يبالي وصل أو فصل ، فاللذة في الطريق وليست في الوصول ، في مجرد الطلب والرجاء ، في الصبر والمشقة ، فالعقل باحث عن النفع والعشق باحث عن البلاء ،
 
روى عن العطار : " أن رجلين أحدهما عاقل والثاني عاشق قرآ كتاباً بأن في المحل الفلاني خزينة لا تفنى ، وعندها محبوب أوصافه لا تشرح وإن لم يوجد هناك ، اذهب يا هذا من هذا المقام تجد : الطريق على ثلاثة أحجار ،
مكتوب على الأول : يا ذاهب الطريق إن ذهبت على هذا الطريق لا تجد خزينة ولا محبوباً لكن قدامك بلدة إن ذهبت إليها تجد كارا ( أي عملا ) ،
وعلى الثاني إما ما لا تجد محبوبك أو لا تجده ، وعلى الثالث : إن ذهبت على هذا الطريق تمحى ، فتشاورا ، فقال العاقل لا أذهب إلى طريق الفناء ، لأن نتيجته غير معلومة ،
  
« 523 » 
 
فأنا أذهب جانب ذاك الطريق الذي نتيجته بلدة عظيمة ، وقال العاشق : أنا متضجر من نفسي بعلة العشق لأنى لم أجد محبوبى ، فأذهب جانب الفناء والمحو فذهب ووجد محبوبه والكنز " ( مولوى 6 / 381 ) ولأن العاشق هكذا فإن الحق يعطيه بلا سبب طاهر ولا دليل ولا وسيلة أي خرقا للأسباب والعلل ، ولذلك فالعاشق يقامر بكل وجوده بطهر ( لا ينبغي عوضا ولا منفعة ) وربما يكون المعنى مشتقاً من الحديث القدسي : الفتوة أن ترد نفسك إلى طاهرة كما قبلتها منى طاهرة " .
وهذه المقامرة بطهر ينبغي أن تكون خارجة عن أي مذهب ( التعصب للمذهب عقبة في الطريق ) ، إنه بحث عن الخلاص لا عن المخلص ، كما أن العشاق لا يمتحنون ربهم ، ( عن امتحان العبد لله انظر الترجمة العربية للكتاب الرابع ، الأبيات 353 - 386 وشروحها ) إنهم يضحون فحسب لأنهم يعلمون أن في فنائهم بقاء بالحق ( انظر البقاء في الفناء مقدمة الترجمة العربية للكتاب الثالث ) .
 
( 1984 - 1990 ) : فرق إذن بين الملك ( العاقل ) والفقير ( العاشق ) ، فإن الملك سرعان ما مل برغم انه لم يكن يعمل بنفسه ، الفقير لم يمل ، كان يستعذب الألم ، مثلما يلعق كلب جراحه بلسانه ليقوم بتسكينها ، والعاشق يعكف على آلامه لا يستطيع حتى أن يبوح بها : فمن يا ترى يمكن أن يكون مقدرا لآلام العاشق والوجد لا يدركه إلا من يكابده ؟ !
وأي دواء يمكن أن يقدمه طبيب لجنون العشق ، والطبيب نفسه إن أصيب بهذا المرض لكفر بكل كتب الطب ولحاها بدمه ؟ !
وكيف والطب ناتج عن العقل والعقول كلها من تصوير هذا المعشوق ؟ !
والحسان كلهم مجرد قناع حسن أمام حسنه ( لجرعة الحسن التي تمثل بها البشر وتشربها كل الحسان ، انظر الكتاب الخامس ، الترجمة العربية ، الأبيات 372 - 379 وشروحها ) فليس أمامك إذن أيها العاشق إلا أن تشكو حزنك وهمك لنفسك .
 
( 1991 - 1996 ) : ومن هنا فأن ذلك الفقير قد أخذ في الدعاء ، والدعاء سعى ( انظر الكتاب الثالث الترجمة العربية ، الأبيات 2320 - 2340 وشروحها ) وكان
 
« 524 » 
 
يسمع الاستجابة في قلبه ( انظر بيان أن قول المتضرع يا الله هو عين قول الحق لبيك ، الترجمة العربية للكتاب الثالث ، الأبيات 189 - 199 وشروحها ) ، إن الداعي للحق يظل على دعائه مهما لم يستجب له ، إنه تماما مثل الحمامة التي ألفت سطح منزل مهما تزجرها تعود إليه .
 
( 1997 - 2004 ) : الخطاب من مولانا جلال الدين لمريديه وملهمه وخليفته على الطريقة حسن حسام الدين : يا حسام الدين از جر ذلك المريد الذي ألف صحبتك كما تألف الحمامة سطح منزل من المنازل ( يفسر استعلامى 6 / 321 بأن جلال الدين يقصد بالحمامة هنا نفسه ، وهذا ليس معقولا إلا من قبيل التعبير المعكوس الذي يلجأ إليه مولانا أحيانا )
ثم يخاطب المستمع عموماً : إن طائر الروح لا يزال يحوم حولك مهما زجرته ما دمت من أهل الروح . إنها لا تستطيع إلا تعكف عليه وإلا كانت مستحقة للعقاب في قانون العشق حتى تعود من عشق التراب ( الجسد ) إلى عشق القمر ، إلى مليك العشق .
 
( 2005 - 2103 ) : يقول مولانا مخاطباً حسن حسام الدين : أنت منتهى سيرى مثلما كانت السدرة في ليلة المعراج منتهى سير جبريل عليه السّلام ، فقال للرسول صلى اللَّه عليه وسلّم : تقدم فلو تقدمت أنا قيد أنملة لاحترقت ، وأنت عيسى الطريق وأنا سقيم وهو هنا يعبر عن حسن حسام الدين الواسطة والوسيلة إلى عالم اللاهوت تجدد فيه الحياة وتحيى موات قلبه ، ( مثلما كان عيسى عليه السّلام يحيى الموتى ) ،
وأنت يا حسن تستطيع بجذبك أن تجعل بحر المعاني يجيش ويغلى في داخلي ويتحول إلى أشعار ، إنني في بحران ، وعندما تكون أنت لي فإن بحر المعاني يكون لي ، إن هذا الأنين يظهر بعض المعاني ، لكن الغياث يا الله من معان لا يستطيع البيان أن يعبر عنها ،
عن أبي هريرة رضي اللّه عنه : حفظت من رسول الله صلى اللَّه عليه وسلّم وعاءين من العلوم فبثثت أحدهما ولم أبث الآخر ، فلو بثثته لقطع هذا البلعوم منى " ( مولوى 6 / 386 ) .
ولا تستطيع الألفاظ أن تستوعبها ، ونحن كالناى ، له
  
« 525 » 
 
طرفان ، طرف في الفم ( افتتاحية المثنوى : بشنو از نى : استمع إلى الناى ) وطرف آخر هو ما تسمع منه هذه الأنعام ، لكن حذار : إنني أقصد بالناحيتين الناحية التي تكون في فم نافخ الناى ، وناحية أخرى في الطرف الآخر ، فكل ما يبثه الناى قادم من الطرف الآخر ، هو من أنفاسه ، وإن لم يكن لهذا الناى حديث معه لما فاض منه هذه الشهد الزلال .
 
( 2014 - 2031 ) : يقطع مولانا استرساله كالعادة خشية الانزلاق إلى التعبير عما لا ينبغي التعبير عنه ، ما الباعث يا ترى إلى أن ينفجر هذا البحر من المعاني منك ؟ ! تراك بت بالأمس عند ربك يطعمك ويسقيك مصداقا للحديث النوبى الشريف [ أنا لست كأحدكم فأنى أبيت عند ربى يطعمني ويسقيني ] ( انظر البيت 1642 من الكتاب الرابع )
وكان من نتيجة ذلك أن سقت بحر عالم الغيب ، بحر النار في بحر المعاني ، فانقلبت كنار إبراهيم عليه السّلام بردا وسلاما ؟ !
إن أحد لا يستطيع أن ينكرك يا حسام الدين فمثله كمثل من يخفى الشمس بقبضة من الطين ، وهل يستطيع البشر العاديون العاكفون على الطين إخفاء الشمس ؟ !
ومن شمسك يتحرك الحجر في الجبل إلى ياقوت ، وإن أبطالا من أمثال رستم هم الذين يستطيعون تقدير بطولتك حق قدرها ، وكيف أتحدث بأسرارك إلى الناس ، وما أحوجني إن أردت أن افصح عن أسرارك أن ألجأ إلى فعل على رضي اللّه عنه عندما أراد أن يثبت سرا فطأطأ رأسه في بئر وأخفى بالسر ،
( يقول استعلامى أن الرواية سقطت إلى مولانا جلال الدين من العطار في منطق الطير وانظر البيت 2233 من الكتاب الرابع وشروحه وأضيف هنا أن هناك إشارة أخرى لسنائى على الحادثة وردت في الحديقة في البيت 3302 )
 أما أنا وقلبي ينوء بهذه الأسرار إلا أنني أضرب بها بين الغوغاء وما أحوجني إلى أن أبثها في الخلاء ، فاعطني شراب العشق ثم انظر إلى حالي ، ولا تخرجني من هذا السياق طالبا منى أن أكمل لك حكاية الفقير والكنز ، فنحن الأن غارقون في الشراب الإلهى ، ويا أيها الفقير الذي تود أن تصل عن
  
« 526 » 
 
طريق إكمالى الحكاية إلى كنزك ، لتعلم أنى لا أحس بذاتى ، فهذا الشراب الذي أحتسيه لا يستوعب شعرة من حطام الدنيا إلى جواره ، فقدمه أيها الساقي يا حسام الدين ، وأهزأ بأولئك الذين يتفنجون عليك ، إنه يقاوم ما لا سبيل إلى مقاومته ويقتلع لحيته عبثا ، فليخسأ عاذلك ، إن حيله واضحة وتزويره ظاهر للعيان .
 
( 2032 - 2050 ) : إن ما يتأتى من عالم الغيب بعد مائة عام يراه الشيخ بحذافيره ( إشارة إلى قصة تنبؤ أبى يزيد البسطامي بمولد أبى الحسن الخرقانى وصفاته وأماراته وشكله قبل مولده بأكثر من مائة عام ، أنظر الترجمة العربية للكتاب الرابع ، الأبيات 1802 - 1850 و 1925 - 1934 وشروحها ) ومن هنا يكرر مولانا جلال الدين أن ما يراه العامي في المرآة يراه الشيخ في قطعة من الطوب اللبن ، والأجرد كناية عن المتجرد عن الدنيا والملتحى المنصرف عنها والبيت مثل سائر ( انظر البيت 3566 من الكتاب الثالث )
 
فدعك من كل هذا وامض إلى بحر المعاني ، ألست ابنا لآدم فما بالك تتحدث عن اللحى كثيرا وكأنك قذى اشتبك بشعرها ؟ ! ولست قذى ، فأنت جوهرة عظيمة بل إنك تزرى بالجواهر العظيمة ( لقيمة الإنسان انظر مقدمة الترجمة العربية للكتاب الرابع ) ، إنني أقصد بالبحر بحر الوحدانية ، ( افتتاحية المثنوى : ملّ هذا الماء من ليس بحوته ، البيت 17 ) وبما أن بحر الوحدانية لا يقبل الشرك فإن أسماكه ودرره سواء
 
( ما للأنبياء للأولياء ) والذي يرى تميزا بين فئة وأخرى هو الأحول ، لكننا مع ذلك نذكرهم كاثنين لفظا لأننا نخاطب مصابين بالحول لا يعرفون لغتنا ، والأحدية تبدو لك عندما تتجه إلى منطقة الأحدية ، فإما أن تحدث مرة حديث العامة ، واصمت مرة ،
فليس الخواص في حاجة إلى حديث ، أو تحدث حديث الخواص عندما تراهم ، واصمت أمام الجهال ، وكن كالدن المختوم الفوهة ، وإلا حطمتك حجارة جهلهم ،
 
وتعامل مع هؤلاء الجهال بالمداراة ، واستخدم عقلك الموهوب من الله ، واصبر على ما يحيق بك من أذى الجهال
 
« 527 » 
 
، فالصبر يصفى منك القلب ، ولتعتبر بنوح عليه السّلام الذي كلما كان يمر على قومه سخروا منه ، فكان هذا الصبر جلاءً لمرآة قلبه وتجلى فيها النصر الإلهى .
 
( 2051 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت قال فروزانفر ونيكلسون ( مآخذ / 209 ) أن مصدرها كتاب تذكرة الأولياء لفريد الدين العطار ويرى استعلامى أن ما ورد بعد الحلاج في تذكرة الأولياء يعد من إضافات النساخ ولا يمكن أن يحتوى على سيرة لأبى الحسن الخرقانى المتوفى سنة 425 ( 6 / 322 - 323 ) وهذا غريب ، فما العجب في أن يضمن العطار
( المتوفى سنة 618 ) سيرة الخرقانى المتوفى سنة 425 ؟ !
وفي رواية العطار يذكر أن الزائر كان أبا علي بن سينا ، ولعل من المناسب أن يجعل مولانا الزائر مجرد درويش ، والحكاية تذكر هنا بنماذج عديدة في الأدب العالمي وفي تراث الإنسانية عن عظماء كانت آثارهم تملأ الآفاق وقعيدة المنزل لا ترى فيهم ما يراه الآخرون
( زوجة سقراط مثلا - ولأندريه جيد رواية عما كتبته زوجتان لأديب عظيم في سيرته بعد وفاته )
ويضرب القرآن الكريم مثلا بالمرأة التي لا تدرك عظمة زوجها بامرأة نوح وامرأة لوط ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ( التحريم / 10 ) .
 
كما يذكر جلبنازلى ( 333 - 330 / 6 ) نماذج أخرى من تاريخ المتصوفين الترك ، كما يذكر أسماء متصوفة آخرين اعتلوا الأسد .
 
( 2068 ) : انظر الأية رقم 68 من سورة طه ، والبيت 1797 من الكتاب الذي بين أيدينا والبيت 3323 من الكتاب الرابع .
 
( 2075 - 2090 ) : يتحدث الشاب عن قيمة الشيخ ، والعسس هنا كناية عن أولئك الذين يقفون في طريق العاشقين ، أفي وجود ضياء الشيخ يوجد العسس الذين يتجولون في ليل الظلمات ، ولهذا النور تسجد السماوات ، إنه نور يفوق نور شمس الفلك فهو نور
  
« 528 » 
 
شمس الحق وشمس الشمس ، التي تحل في كوكب حمل المعرفة ، فتصبح الدنيا بأجمعها ربيعا نضراً ، فمتى يحولنى الشيطان عن الطريق ؟ ! إن ما دفعني إلى رحلتي رؤية الشيخ ليس هباء حتى يحولنى عنه مجرد حديث عابث فارغ ( ريح ) ،
أي عجل ؟ ! وأي سامرى ؟ ! هذا الذي تسمينه عجلا من جهلك سطعت عليه الأنوار الإلهية فصار قبلة للكرم ، إن العجل صار معبودا لا لأنه عجل بل لأن السامري نثر عليه قبضة من أثر الرسول ( انظر البيت 3334 من الكتاب الرابع )
وألم تكن القبلة بيتا للأصنام قبل أن يسطع عليها النور المحمدي ؟ !
وهذا الكلام الذي تقولينه لو أنه جرى على لسان أحد الكمل لما كان كفراً ؟ !
وألم يسلم الشيطان نفسه طبقاً للحديث النبوي [ أسلم شيطانى على يدي ] ( انظر البيتين 289 و 290 من الكتاب الخامس ) وهذا الذي تتحدثين عنه بهذه الاستهانة هو الخبير بحب الله على الحقيقة ، وهو مظهر للعزة الإلهية ، إنه أسمى من الملائكة المقربين
( الإنسان أن تغلب على جانب الطين صار أسمى من الملائكة لأن الملائكة خير محض من الخليقة ولا فضل لهم على عبادتهم )
وهكذا لم يكن سجود الملائكة لآدم عبثا بل لهذا السبب " والقشر يسجد للب " أي أن التجليات الصورية وهي بمثابة القشر تسجد خضوعاً للتجليات المعنوية ( يكون القشر عادة متعفنا حول اللب وكأنه ساجد ) ( استعلامى 6 / 325 )
روى عن نجم الدين كبرى " قال أبو الحسن الخرقانى : صعدت إلى العرش لأطوف به فطفت عليه ألف طواف ورأيت قوما يطوفون حول العرش فعجبوا من سرعة طوافى وما أعجبني طوافهم ، فقلت من أنتم وما هذه البرودة في الطواف ؟ ! قالوا :
نحن ملائكة ونحن نور وهذا طبعنا ، فقالوا : ومن أنت وما هذه السرعة ؟ ! فقلت :
أنا آدمي فىّ نار ونور وهذه السرعة من نتائج نار الشوق ( مولوى : 6 / 398 ) .
 
والبيت 2085 إشارة إلى مضمون الآية 8 من سورة الصف ، والبحر لا يصير نجسا من فم كلب مثل فارسي سائر ، غريب حقا أن ينكر إنسان هذا النور ، لأنه في حالة الشيخ
  
« 529 » 
 
أظهر من أن يحتاج إلى عين باطنة أو سير وسلوك ، لكن هذا هو حال الخفاش لا يستطيع أن يخرج في ضوء الشمس ، فينكر هذه الشمس مع أن نورها يملأ الآفاق
 
( تكرر المثال كثيرا في المثنوى ، انظر على سبيل المثال لا الحصر الأبيات 107 و 184 و 686 وشروحها من الكتاب الذي بين أيدينا ) .
 
( 2091 - 2099 ) : يستمر جواب الدرويش على زوجة الشيخ ، وهو في الحقيقة إفاضات مولانا جلال الدين ، إن أرواح رجال الحق هي بمثابة الأمواج العالية التي تبلغ أضعاف أضعاف طوفان نوح ، ومع ذلك فقد أنكرها واستهان بها ابن نوح
 
( انظر الترجمة العربية للكتاب الرابع ، الأبيات 3361 - 3367 ) ، " والكلاب تنبح والقافلة تسير " مثل عربى تكرر في المثنوى أكثر من مرة ( انظر 1465 - 1467 من الكتاب الرابع والبيت 14 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ،
 
والجزء هو الروح الباحثة عن الله وهي مقام الشيخ الخرقانى ، " وعجوز في الغابرين " ، هي زوجة الشيخ وهنا إيماءة إلى زوج لوط التي لم تؤمن به ، فنجى وقومه إلا إياها ، إن العارف هو روح الشرع وروح التقوى أي هو المنتهى والحقيقة للتقوى ، ولم يصل إلى ما وصل إليه إلا بعد عمر من الزهد ، وما وصله إلى الحقيقة إلا حصاد غرس الزهد الذي غرسه .
 
( 2100 - 2110 ) : لا يزال مولانا في الحقيقة هو الذي يتحدث على لسان الدرويش عن مقام الشيخ : إن الشيخ هو الأمر بالمعروف ، بل هو المعروف نفسه ، إنه هو الذي يكشف أسرار الغيب ، بل هو نفسه سر الغيب ، ولعله ناظر إلى الحديث القدسي " الإنسان سر من أسرارى " ( استعلامى 6 / 325 )
 
إنه ملك الدنيا وملك الآخرة ، هو اللب وما سواه قشر وغثاء ، إنه المعبر عن الوحدة مع الحق بقوله " أنا الحق " ( الحسين بن منصور الحلاج ) ( انظر لتفصيلات أخرى عن الفكرة الترجمة العربية للكتاب الرابع الأبيات 2102 - 2134 وشروحها ) وما ذا يبقى بعد فناء العبد إلا الحق ؟ ! ( انظر مقدمة الترجمة
 
« 530 » 
 
العربية على الكتاب الثالث ، وانظر عن لا وإلا الكتاب الأول ، البيت 3067 والترجمة العربية للكتاب الخامس البيت 590 ) ،
ثم يعود إلى المرأة ، وإلى كل منكر لمقام المعارف متطاولا عليه ، فكأنه يبصق على القمر ، فترتد بصقته إلى وجهه ولا يلحق بمقام القمر أدنى أذى ، ومن الإله تنهمر عليه اللعنات وكأنها زوج أبى لهب التي لا يفتأ المؤمنون في ترديد اللعنة عليها حتى يوم الدين كلما قرأواتَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ، إن علامات العظمة وإمارات النور الإلهى بادية على الولي ، وكل من يعتبره شرها وأكولا ، لا يزيد عن كلب ، وبما أن ما هو للنبي يكون للولي ،
 
فأن الأفلاك إنما تدور من أجله ، بل وخلقت من أجله ، ألم يقل الله لنبيه " لولاك ما خلقت الأفلاك " ( انظر 1668 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ، أنه رحمة العالمين ، وبأمثالهم ترزقون ، فكأن العالم كله يطلب منه القوت ، فكيف يكون متسولا وآكلا بالمجان ؟ !
( انظر الكتاب الخامس الأبيات 2341 - 2362 وشروحها ) .
 
( 2111 - 2118 ) : إنك تزينه متسولا شحاذا وذلك لأن الأمور معكوسة ( انظر لتفصيل الفكرة الولي الشحاذ ، الكتاب الخامس ، الترجمة العربية من 2700 - 2710 وشروحها ) إنه زبدة الأرواح كما تجد به كل المخلوقات زبدتها وكمالها ( تجد البحار الدر والأرض الكنوز والزهور ) إن إعطاء الصدقة ليس دليلا على غنى المتصدق وعلى فقر المتصدق عليه ، فالأغنياء في حاجة إلى عناية الدراويش .
ولحافظ :
أيها الغنى لا تبد كل هذه العنجهية والكبرياء فالرأس والذهب في كنف همة الدرويش ( عن استعلامى 6 / 326 ) فالزكاة في الحقيقة تزكية للغنى وليست للفقير ، ومن هنا اشتق اسمها .
 
( 2136 - 2138 ) : المقصود أن كل رجال الله يتميزون بهذه القدرات الروحانية ، كرامات الأولياء حينا محسوسة ومنظورة وحينا مكتومة وخفية " فالأنبياء مأمورون بإظهار
  
« 531 » 
 
المعجزة والأولياء مأمورن بإخفاء الكرامة " ( أسر التوحيد في مقامات أبي سعيد ، تأليف محمد بن المنور ، عن استعلامى 6 / 327 ) .
 
( 2144 ) : أي أن تحمله للمرأة ليس من أجل إشباع الشهوة ، ( في البيت 2150 تصريح بالمعنى ) وكل ما يتوجه به الشيخ أبى الحسن الخرقانى إلى المريد ، لأن المريد وهو في الطريق إليه داخل الوسواس عن كيفية تحمل الشيخ لمثل هذه المرأة .
 
( 2146 - 2159 ) : عن سكر الجمل ، انظر الأبيات 818 - 827 من الترجمة العربية للكتاب الثالث وشروحها ، والعوام هنا المقصود بهم زوجة أبى الحسن الخرقانى التي لا تدرك سر عظمة الشيخ بالرغم من أنها تعيش معه تحت سقف واحد ، والولي الحقيقي هو الذي لا يهتم بالعوام أو بالخواص ، بل يكون سره وصحوه وسكره وغيبته وحضوره مع الله ، وهذه العوالم التي يقطعها الشيخ ، ملحمة ذات كر وفر لا نهاية لها ، إلا ذلك المتضوع الذي يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار ( النور / 243 ) ،
فما بالك بوجوده وذاته وهو نور خالص ، وهذا النور لا يقبل الوصف ، بل كل ما نقدمه نحن عند الحديث عنه مجرد أقوال تنزل بمستواها من أجل أن يفهم المريد ، ويتعلم ، ويتحمل أثقال الخلق ، ويصل عن طريقها إلى سنن الأنبياء ، أولئك الذين ذاقوا من بلايا الكفار والأخساء الكثير ، ولولا هذا ما نصروا ، ولولا هذا ما تجلت الحقيقة الإلهية ، لأن الضد يتجلى بالضد وليس للحقيقة الإلهية ضد ، وإنما يظهر ضد عطاياه في البلايا التي يصبها أعداؤه على أصفيائه ، فيكون تجليه في قلوب أصفيائه رد فعل لهذه البلايا من أولئك وصبر هؤلاء ( أنظر الأبيات 100 - 109 وشروحها ) .
 
( 2160 - 2176 ) : وفيما عدا الحقيقة الإلهية ( التي لا ضد لها ولا ند ) فإن الله سبحانه وتعالى يظهر كل شئ بضده ، هذه هي سنة الله في خلقه ، لقد خلق الإنسان مظهرا لتجليه ، فهو الخليفة ، وهو صاحب الصدر في كل المخلوقات ، نفخ فيه من روحه ،
  
« 532 » 
 
وهذا هو الصفاء الذي لا حدود له ، لكنه في الوقت نفسه جعل له ضد من إبليس وظلمه وكدره وعصيانه ، يقف له كل مرصد ويجرى فيه مجرى الدم ، ولذلك حتى قوم الصراع المستمر الذي يظهر فيه جوهر الإنسان ، وتنجلى فيه قدراته ، وهكذا تستمر الأضداد في كل دورة من دورات الخق ، هابيل وقابيل ، إبراهيم عليه السّلام والنمرود ،
ثم موسى عليه السّلام وفرعون ، ثم محمد المصطفى صلى اللَّه عليه وسلم وأبى جهل ، ولكي يفصل الله تعالى في هذه الحروب ، كان لا بد وأن ينصر أنبياءه بوسائل غير دنيوية وغير صورية ( فالله يتجلى في مقابل جفاء الكفار وغلظتهم وعدتهم وعتادهم ) فسلب من النار صفة الإحراق فلم تحرق إبراهيم عليه السّلام ، وجعل الصيحة نكرا على قوم ثمود ، وأرسل الصرصر على قوم عاد ، والأرض المستوية التي تحفظ ما عليها ساخت بقارون ،
 إنها كلها تجليات لغضب الله ، وميدانها الإنسان وهذه الحرب المستمرة بين الخير والشر ، هي نفس الفكرة التي أقام عليها الفليسوف المعاصر على شريعتي فلسفة التاريخ عنده على أساس أنه صراع بين التوحيد والشرك أو بين الأنبياء الرعاة والفراعين والملأ والمترفين ، انظر ( إسلام شناسى 1 / 41 ) .
 
ويقول مولانا جلال الدين أن الولاية بعد النبوة إذن ففي كل دورة ولى قائم ( الكتاب الثاني ، البيت 818 )
 
( 2177 - 2186 ) : ولا يكون تجلى الحق في هذه الحروب المصيرية فحسب ، بل انظر إلى قهره عندما يحل بسائر البشر ، فيحول الدواء إلى داء ، وما يمد الجسد بالحياة إلى سبب للموت ، فيغص الحلق باللقمة ، ويختنق آكلها ، وتصبح الملابس التي تقى الحر والبرد والبأس ثقلا على الجسد فتيجرد منها لابسها ، وماذا تجديك هذه الأمثال وأنت لم تنضج بعد ( لم تصل إلى مستوى جرتى ماء لا تنجس إذا غسل فيها شئ نجس كما يقول الفقهاء ، بل أنت جرة واحدة ) ،
 ولو كنت ممن يعتبرون ويتعظون لاعتبرت بعذاب يوم الظلمة الذي حاق بقوم شعيب ( انظر 189 من سورة الشعراء ) حيث سطعت عليهم شمس حامية سبعة
 
« 533 »
  
أيام ، ثم أظلتهم سحابة ، فلما احتموا بها أمطرتهم نارا ، فلما لجأوا إلى بيوتهم لم تمنحهم الظل الذي كانوا يرجون ( مولوى 6 / 310 ) ، وأهر عوا إلى شعيب عليه السّلام ولكن هيهات ، وإن كنت تريد تفصيلات عما حاق بهم فارجع إلى كتب التفاسير ، وإن لم يكن ثم قهر الله ، فمتى كان لعصا أن تلحق بفرعون على جبروته كل هذا العذاب والهوان ، وألا يكفيك هذا المثال ؟ ! .
 
( 2187 - 2197 ) : إن فعل الله يحدث بشكل قد لا يستطيع أن تدركه ، إنه سريع ولا يصدق ، بحيث أنك لا تستطيع أن تبصره ، إن لك نظرا وإدراكا باطنا لكنه صدىء من قلة الاستخدام ، عين آسنة متجمدة فارجع البصر ، تحرك ، وارجع البصر كرتين ، وإلا فإن استخدامك لهذه العين الآسنة لا يوصلك لشئ ، وإمعان النظر يحتاج إلى إيمان بالغيب ، وبدون هذا تكون كل أعمالك دقا للحديد البارد ، فاحمل حديدك إلى داود الإرشاد والطريق فقد ( ألنا له الحديد ) ،
 
فالمرشد هو النار للحديد البارد ، وهو إسرافيل نافخ الصور للأجساد الميتة ، وهو شمس الروح للقلوب المتجمدة ، تذيب ما ران عليها من صدأ الجسد ، لكنك مع كل ما أقوله لك تترك كل ذلك ، ومن الأوهام والخيالات التي التفت بك وطمست عين إدراكك ، وختمت على قلبك ، لتسرع نحو ذلك الذي تجد عنده علم المحسوسات ، مع أنه نفسه أعمى مثلك وقد يكون أكثر ضلالا منك ، فيها أيها السوفسطائى ، أو أيها المستنجد به ، املأ فمك الكلمات الضخمة ، وتفيهق ، واهزل ، لكن لا تتحدث بهذا إلى الخلق وإلا كان الأمر فضيحة ، ويعود مولانا فبين أن النظر بالحركة وإمعان النظر أي تحريكه ، فالروح عندما تكون في البدن تسمى ( جان ) لكنها عندما تخرج من البدن تسمى روان ( ومن معانيها في الفارسية الجاري والسائل والماشي ) ، وهذا هو الفرق بين الجمود والحركة ،
هكذا قال الحكيم ، ( قال استعلامى 6 / 330 أن بعض المفسرين ذكروا أن الحكيم المقصود هنا هو ابن سينا الذي سمى الروح ( جان ) بالروح
  
« 534 » 
 
الحيوانية والروح ( روان ) بالنفس الناطقة ) ويرى مولوى ( 6 / 312 أن المقصود هو سنائى ) ، وذلك أن كل من هو متصل بالأمر فإنما تخرق له الأسباب والعلل ، فلو أراد الورد من الشوك لكان له ، وليس له أن يطلب الأشياء من أسبابها كما يفعل سائر البشر غير الواصلين .
 
( 2198 - 2210 ) : إن معجزة هو عليه السّلام دليل على قدرة رجال الحق الممنوحة لهم من الله ، فعندما سلطت عليهم الريح الصرصر ، رسم هود دائرة حول المؤمنين ، فلم تكن الريح تصيبهم بأدنى أذى ،
وهكذا فاعلم أن سفينة نوح عليه السّلام ليست على سبيل النجاة الوحيد ، كما أن طوفان نوح ليس الطوفان الوحيد فهناك أنواع عديدة من الطوفانات ولطف الله لا حق بكل شئ ، والملك في الأرض أمان لها ،
فالجنود يصطفون بناءً على حرص الملك للفتوح ولتثبيت الملك ، فيكون الأمان للخلق ، ومن قصد الملك رسوخ الملك ،
 إذ لا رسوخ للملك دون أمان للناس ، وفي خوف حمار الطاحون من الضرب يكون لك الماء ، ويكون لك طحن الحبوب واستخراج الزيت منها ، والخوف هو الذي يحرك الثور لجر المتاع وليس بهدف جر المتاع ،
وهكذا من الخوف جعل الله لك المنافع في هذه الدنيا ، هذا الخوف والرجاء هما عماد العالم ، فرجاء التاجر في الكسب هو الذي " يسمره " في حانوته ،
وليس إصلاح العالم هدفا له ، إن كل العالم ملىء بالراجين في النفع والخائفين من العقاب ، وإذا قام كل منهم بواجبه لانتظمت أمور هذا العالم تلقائياً ، ولا تظنن أن الطالح فقط هو الذي يخاف فالصالح أيضاً يخاف ، ولولا ذلك ما قال سيد الصالحين [ إلا أن يتغمدني الله برحمته ] ، والخوف هو أيضاً عطية من الله تعالى ، وإلا فهل يخاف الإنسان من نفسه ؟ !
 
( 2211 - 2224 ) : إن ذلك الذي بعث هذا الخوف في نفوسنا لا يدرك بالحواس الظاهرة ، لكنه أقرب إلينا من حبل الوريد ، ولا تدركه الأبصار ، وهو يدرك الأبصار وهو
  
« 535 » 
 
اللطيف الخبير ، ولو كان الأمر بالبصر الحدسي لكان لكل دابة ما أدركه ولى عظيم مثل أبى اليزيد البسطامي ، فذلك الذي جعل هذا الجسد مركبا للروح ، وجعل من السفينة مركبا لنوح ونجاة له ، لكن إرادة الله الغالبة قد تجعل من وسيلة النجاة التي تتوسل بها هلاكا لك ،
 
وهكذا فحزنك وسرورك وخوفك ورجاؤك اللذان يتواليان عليك بمثابة الطوفان والسفينة ، وإن جذور هذا الخوف لا تستطيع أن تدركها ،
فما أشبهك بأعمى لكمه فظ ، وكان في نفس الوقت يسمع صوت بعير فظن أن البعير قد رفسه ، فهذا الأعمى يصف الشئ بقدر إدراكه له ، ولأن هذا الإدراك غير حاسم فإنه يتردد في وصف ما حاق به ، ولأن هذا الخوف - كأي خوف - لا بد أن يكون من خارج الإنسان إلا أن الإدراك الباطني هو الذي يستطيع أن يحدد كنهه ، ويعرف معالمه ، ثم يدرك أن أصله ليس من هذا العالم بل من العالم الباقي .
 
( 2225 - 2231 ) : يقصد بالذي يدعو نفسه حكيما أهل الاستدلال وحكماء المدرسة الذين يعتبرون الخوف من الوهم والخيال ، ويقول مولانا : إنه لا وجود حقيقي للوهم لكنه كل وهم يستمد من حقيقة أو واقع ، فحتى الناس يشترون النقد الزائف أملا في أن يكون حقيقة ( انظر 2939 من الكتاب الثاني )
 
 الأبله يشترى الزائف على أمل أنه ذهب ، وعلى هذا فحتى الكذاب عندما يخلق ، فإنما يختلق لكي يحمل الناس اختلاقه محمل الجد ، فإذا كان الكذاب يرى للصدق كل هذا الضياء والرواج ، فأولى به أن يكون شاكرا للصدق لا منكرا له ، لكن هل لدى الوقت أيها المتفلسف للرد عليك ؟
 
إن ذلك يصرفنى عن الحديث عن ألطاف الله بعباده ، الذي تندرج تحته كل هذه الأجزاء .
 
( 2232 - 2254 ) : والولي هو نوح بالنسبة لك ، وصحبته هي السفينة ، فاطلب هذه الصحبة ، وأنج من طوفان أهل الدنيا ، وأهرب من أهلك وأقاربك وأصدقائك هروبك من الأسد والحية ( انظر باب الأقارب في حديقة سنائى وانظر أيضا جلبنارلى 363 / 6 . ) إنهم
 
« 536 » 
 
يصرفونك إلى الدنيا ، ويمتصون زادك المعنوي ، وإن كانت لك قطرة من ماء الحياة والبحر الروحاني امتصوها منك ، وتركوك غصنا جافا لا تصلح لشئ ، فلا يمكن أن يصنع منه سلة ، ولا يمكن أن يصنع منه قوس ، فحتى الرجل الذي يصير على مثال هذا الغصن الجاف ، لا تتأتى منه عبادة بحرارة وخشوع
وإلا فما معنى :وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى ( النساء / 142 )
قال نجم الدين كبرى : لأنهم يذكرونه بلسان الظاهر القالبى لا بلسان الباطن القلبي ( مولوى 6 / 319 )
وإن ما أتحدث عنه عن أولياء الله بمثابة النار من أدركه حق إدراكه احترق ، وأولى بي أن اترك هذه الإفاضات وأعود إلى قصة الفقير والكنز ، فهذه النار التي أتحدث عنها لا تفرق بين غصن وغصن ، ولا تفرق بين واقع وخيال ، إنها النار التي تندلع من الروح ولا تقنع بأقل من الفناء الكامل ، فكُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ( القصص / 88 )
وما أشبه فناء السالك في الحقيقة الإلهية بانمحاء حرف الألف ( الوحدة ) في كلمة بسم ، إن الحروف الصماء لم تتحمل الوحدة فكيف تتحملها أنت ؟ لكن هذه الألف وإن حذفت من كلمة بسم ، لكي يتم الوصال بين الباء والسين ، متضمنة فيها وأولى بها أن تصمت ولا تنطقها ،
 
 فإنك إن قلت " ما رميت إذ رميت " دون أن تقول : قال الله ، لا بأس فإنها متضمنة فيها ، فكن فانيا مثلما يفنى الدواء ويدق فيدفع العلل
( انظر لتفصيلات الفكرة الترجمة العربية للكتاب الرابع ، الأبيات 2341 - 2352 وشروحها ) .
 
( 2255 - 2263 ) : يقتبس مولانا الآية رقم 37 من سورة لقمان وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ، والحديث عن المثنوى بأنه لا غاية له ولا نهاية من ناحية المعنى ،
وإن كانت له نهاية من ناحية الألفاظ ، لأنه شرح لكلمات الله ولا نهاية لكلمات الله ، وهكذا فما دام الخالق يصور القالب الترابى فإنه ييسر لي تقطيع عروض المثنوى ، وهكذا فحتى عندما يفنى
 
« 537 » 
 
التراب ( الصورة الشعرية ) فإن بحار المعاني لا تزال تجيش بالزيد ، والخلق دائما في تجديد ، فالغابات تحترق وتنمحى ثم تنمو في مكانها غابات أخرى ، فبحار الخلق لا تنفد ، فكم من الكتب سوف تظهر فتسد النقص وتزيد على ما فات ،
 
ومن هنا قال رسول الله صلى اللَّه عليه وسلّم [ حدثوا عن البحر ولا حرج حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج - حدثوا عنى ولا حرج فرب حامل فقه غير فقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ، حدثوا عنى بما تسمعون ولا تقولوا إلا حقا ومن كذب على بنى له بيت في جهنم يرتع فيه . ] ( أحاديث مثنوى / 204 ) - انقروى ( 6 - 2 / 30 ) . وعند السبزواري ( ص 460 ) : [ تكلموا في آلاء الله ما استطعتم ، فإن البحر لا ينزف وسر الغيب لا يعرف وكلمة الله لا توصف ]
 
بحر العطاء المستمر الذي لا ينقطع ، ثم يخاطب مولانا نفسه : عد من حديث البحر ، فليس كل الحاضرين ممن يتحملونه ، وعد إلى قصة صاحب خريطة الكنز ، ويرى استعلامى أنه يقصد باللعبة الفقير صاحب الكنز ، ( 6 / 333 ) لكن المقصود هنا حديث المجاز عموما وهو ما يقوى عليه المريدون ، والفكرة مأخوذة من حديقة سنائى على أن البداية تكون من المجاز ،
 فالطفلة لا تصلح للأمومة ، ومن ثم تشغل بالدمية حتى تصل إلى دور أمومتها ، والطفل يهلو بسيف خشبى لكي يصبح غازيا حين يكبر ويمسك بالسيف الحقيقي ، فالطفولة هي عالم الصورة ، والرجولة وطور النضج هو عالم الروح والمعنى ( انظر الترجمة العربية لحديقة الحقيقة ، الأبيات 6962 - 6970 وشروحها )
فكأن مولانا يقول هنا : دعك من عالم المعنى وعد إلى عالم الصورة ، حتى يشغل هؤلاء الأطفال باللعب ومن اللعب يصلون إلى الجد ( فالمجاز قنطرة الحقيقة ) .
 
( 2264 - 2273 ) : يتعامل مولانا مع أبطال حكاياته كشخوص حية ، فعندما يبتعد عن الحكاية ، يصور لمريديه أن بطل الحكاية لا يزال يناديه ويطلب منه أن يتم قصته ، إن صوته في ضمير مولانا وإن لم يسمعه المريد ، هذا التعاطف وحس المشاركة بين
 
« 538 » 
 
مولانا جلال الدين وبين شخوصه سمة من أهم السمات التي تمنح حكاياته جانبا من الواقعية ، ولعله سبق في رفع الحائط الوهمي بين الكاتب وبين موضوعاته ، ومن المظنون انه إبداع من إبداعات مدارس الكتابة المعاصرة . وقد ترك مولانا هذه الحكاية من البيت 1997 ،
 
ويعبر مولانا عن بطل حكايته بأنه صار بخياله شريكا له في أسراره ، إنه مثله ينصرف عن كنوز المادة إلى كنوز المعنى ، إنه - أي الفقير طالب الكنز - كنز في حد ذاته لأنه باحث عن الحبيب ، والباحث عن الحبيب متصل به ، والوجود كله مرآة أمامه وما تجليه المرآة هو جمال الحق ،
 
انظر البيت رقم 34 من الكتاب الأول :إن مرآتك غامت دنسا * صداً الطبع عليها طمسافإن مدحت ما تراه في المرآة فإنك تمدح الحق ، وإذا نظرت في المرآة دون خيال أي دون تفكير في وجودك الفردى والصوري ، فإنك إن أدركت قبسا من الحقيقة ، لما بقي شئ من وجودك .
 
ويقول الأنقروى : أن هذا أشبه بما قاله ابن الفارض ( 6 - 2 / 33 ) :سلامي مجازى عليه لإنما * حقيقته منى إلى تحيتي
لها صلواتي بالقيام أقيمها * وأشهد فيها أنها بي صلتولما بقي شئ من معرفتك ، وعندما تصبح جاهلا بعالم الصورة تطل المعرفة الحقيقية ، حيث يسمع الواصل من اللهإِنِّي أَنَا اللَّهُ، ففي عالم الحقيقة لا متحدث في الحقيقة إلا الله ، إن مدح انعكاس الصورة في المرآة هو في الحقيقة مدح لأصلها ، ومن هنا لم يتردد الملائكة في السجود لآدم عندما أمروا بذلك ، لأن الله تعالى محا عن أبصارهم الحول فلم يعتبروا الحق ورجل الحق اثنين بل اعتبروهما واحدا ، والشهادة نفسها لا تطرح وجودا آخر ، ولا إله إلا الله هي كل الوجود الصوري والمعنوي ، ( انظر 2104 من الكتاب الذي بين أيدينا ) .
 
( 2274 - 2284 ) : يدرك مولانا أن الحديث سوف يتجه منه إلى وجهة أخرى ، وها هو الحبيب يجرى من آذاني ، ينبهنى ، يأمرني بأن اكشف عن الأسرار ، فلن تكشف ،
 
« 539 » 
 
وربما حاق بك الأذى ، مثلما حاق بآخرين كالحلاج مثلا الذي ابتلاه الله بالشنق لأنه وضع الأسرار أمام من لا يستحقونها ( استعلامى 6 / 334 ) ،
لكني أنا الذي أقول وأنا الذي اسمع ، فمن يقول أنني أبوح أمام أحد بالأسرار ؟ ، لكن هيا تحدث عن مشقة الطلب ، وعن قسوة الطريق وآلامه ، وعن صاحب الكنز ، فإن همم من يجلسون إليك ، لا تصل إلى ما هو أكثر من هذا ، فهم يتجرعون من سم الدنيا القاتل كأساً بعد كأس ، وحرمت عليهم الراحة ، وهم يزيدون في آلام أنفسهم ، وكل ما يقومون به من عمل إنما يقومون به من أجل ابتعاد أكثر وأكثر عن عين الراحة ، عين الفيض الإلهى والمعاني السامية ، وكل هذه السدود واهية لا تدوم ، فهل تستطيع قبضة من التراب أن تطمس البحر الإلهى ؟ ! إن هذه العين الفياضة بالمعاني لا تزال تقول : أنا معكم ، متصلة بكم ، ومتصلة به في ذات الوقت ، ومائي لا نفاد له ، فماذا حدث لكم ؟ ! أيأكل المرء التراب ويترك الماء ؟ !
.
الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء السادس د. أبراهيم الدسوقي شتا
* * * 
 أبيات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا 

* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح 01 - 4932 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح 2383 - 3022 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح 01 - 4932 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالأحد مارس 28, 2021 6:25 pm

الهوامش والشروح 2383 - 3022 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )       

الهوامش والشروح 2383 - 3022 على مدونة عبدالله المسافر بالله

الهوامش والشروح 2383 - 3022 فى المثنوي المعنوي الجزء السادس د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح قصة المسافرين الثلاثة المسلم والمسيحي واليهودي
يدرك مولانا أن الحديث سوف يتجه منه إلى وجهة أخرى ، وها هو الحبيب يجرى من آذاني ، ينبهنى ، يأمرني بأن اكشف عن الأسرار ، فلن تكشف ،
وربما حاق بك الأذى ، مثلما حاق بآخرين كالحلاج مثلا الذي ابتلاه الله بالشنق لأنه وضع الأسرار أمام من لا يستحقونها ( استعلامى 6 / 334 ) ،
لكني أنا الذي أقول وأنا الذي اسمع ، فمن يقول أنني أبوح أمام أحد بالأسرار ؟ ، 
لكن هيا تحدث عن مشقة الطلب ، وعن قسوة الطريق وآلامه ، وعن صاحب الكنز ، فإن همم من يجلسون إليك ، لا تصل إلى ما هو أكثر من هذا ، فهم يتجرعون من سم الدنيا القاتل كأساً بعد كأس ، وحرمت عليهم الراحة ، وهم يزيدون في آلام أنفسهم ، وكل ما يقومون به من عمل إنما يقومون به من أجل ابتعاد أكثر وأكثر عن عين الراحة ، عين الفيض الإلهى والمعاني السامية ، وكل هذه السدود واهية لا تدوم ، فهل تستطيع قبضة من التراب أن تطمس البحر الإلهى ؟! 
إن هذه العين الفياضة بالمعاني لا تزال تقول : أنا معكم ، متصلة بكم ، ومتصلة به في ذات الوقت ، ومائي لا نفاد له ، فماذا حدث لكم ؟ ! أيأكل المرء التراب ويترك الماء ؟ !
 
( 2285 - 2294 ) : فافتح عينيك إذن ، ما دمت قد عرفت أن أمراض العين تكون من قهر الله ، وأن غشاوة الختم من غضبه تعالى عليك ، وانظر أي شئ اتخذته بدلا ، بئس ما اخترت ، لكن إياك أن تيأس ، فإذا تاب العبد أنسى الله الحفظة ذنوبه وأنسى ذلك جوارحه ومعامله من الأرض حتى يلقى الله وليس عليه شاهد بذنب ( جامع 1 / 22 ) ، ( التفصيلات انظر الترجمة العربية للكتاب الخامس 1835 - 1858 وشروحها ) .
 
ولا يزال الناس شرهم إليه طالع وعطاؤه إليهم نازل ، يجازى البعاد بالوداد ، ولا يزال يدعو مسئ النهار ليتوب بالليل ومسئ الليل ليتوب بالنهار ، فتتفجر الأشواك بالبراعم والورود ، ويكون قرن الحية تميمة للمحبة ( في معتقد القدماء ) ( استعلامى 6 / 335 ) ويجعل الرمل طحيناً للخليل ( انظر الكتاب الثاني - البيت 382 والبيت 220 ) ويؤوب الجبل مع داود ( انظر الكتاب الثالث الترجمة العربية 1471 - 1474 وشروحها ) إن الله سبحانه وتعالى يعطى أولياءه العوض من لدنه عن أذى الخلق ونفورهم .
 
( 2295 - 2306 ) : ها هو الفقير يجأر إلى الله تعالى بالشكوى وولى الاظهار أي
 
« 540 »
 
مبدي الأسرار ، إن ما حدث قد حدث من شيطان العجلة ، لأن " التأنى من الرحمن والعجلة من الشيطان " ( انظر البيت 2399 من الترجمة العربية للكتاب الثالث ) ، وإحراق الفم للتعجل في أكل أقدر مثل فارسي سائر ، إن حكاية الكنز كلها من إلهام الله ، ولا يستطيع أن يحل هذه العقدة سوى من عقدها أي الله تعالى ، إنه كلام سهل ، لكن معانيه بعيدة الغور ،
فمتى تكون المعاني الإلهية سهلة ، إن حقيقة كلام الحق يمكن إدراكها بإلهام الوحي لا بالتفسيرات الصورية ، ويبدي الفقير يأسه : تراه لم يكن مجيدا في الدعاء ومخلصا فيه ليس أمامى إلا أن ائتلف مع حياة الفقر ، إن أي ثبات على الدعاء وعلى العبادة إنما يكون منك أنت ، هو انعكاس لمشيئتك
 
( عن الانعكاس انظر البيت 3252 - 3256 وشروحها من الترجمة العربية للكتاب الثالث ) ونفس هذه المشيئة هي التي تسيرنا في النوم ، وحفظ الله يحفظنا ونحن بلا حول ولا قوة ، ونحن نيام وعهدنا مع الله وعهد الله معنا باق ، فلا نحن نرد " ببلى " حين يقال أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ ( انظر سورة الأعراف / 172 ) ومع ذلك فهو بربوبيته يحفظ علينا عبوديتنا .
 
( 2307 - 2319 ) : يستمر كلام الفقير بحسب السياق ، لكن المخاطب في الحقيقة هو مولانا جلال الدين ، والليل ليل الاستتار والنهار نهار التجلي ، والليل كأنه ظلمة باطن الحوت ، تستكين فيه الأجساد والنفوس ، وتهاجر الأرواح وتحلم كما يحلم الفيل بالهند ، ( الموطن الأصلي ) ، لكن الله سبحانه وتعالى يرد الأرواح إلى الأجساد بمشرق الشمس ،
 
( انظر الترجمة العربية للكتاب الخامس ، الأبيات 1722 - 1740 ) ، ويفنى في ضوء النهار كل ما صنعته تدابيرنا ( إذا طلع الصباح بطل المصباح )
ونعود إلى حياتنا المادية ، وننطلق في التسبيح مثلما انطلق يونس عليه السّلام في التسبيح عندما خرج من بطن الحوت ( الأنبياء 87 / 88 ) بل كان يونس يسبح وهو في بطن الحوت ( انظر الترجمة العربية للكتاب الثالث ، الأبيات 4515 - 4519 وشروحها ) وتدرك مع ذلك أن الليل
 
« 541 »
 
كان رحمة بك ، فأنت في كنفه سبحانه وتعالى دون حول منا أو قوة ، وكنا نظن أنفسنا في ضلال ، مثلما كان موسى عليه السّلام يظن نار الطور نارا وهي نور ، ونحن يا إلهي نعانى من البحر الذي يحط عليه الغثاء أي البصيرة التي تحط عليها المادة ( انظر 809 و 810 من الكتاب الذي بين أيدينا ) بيد أن سحرة فرعون بمجرد إيمانهم أدركوا الحقيقة ، ففرحوا عندما قطعت أيديهم وأرجلهم ( لتفصيل الفكرة أنظر الترجمة العربية للكتاب الثالث ، من 1723 إلى 1735 وشروحها والترجمة العربية للكتاب الخامس من 1311 - 1314 وشروحها ) .
 
( 2320 - 2330 ) : ( عن ترك المسبب والتعلق بالسبب أي التشبث بالأسباب الظاهرية للأشياء انظر الترجمة العربية للكتاب الثالث ، الأبيات 3152 - 3160 وشروحها ) ،
لكن هذه القاعدة قاعدة المسبب والأسباب لا تنطبق على أولياء الله أو من يعبر عنهم مولانا باسم الأصحاب ، لأن الله سبحانه وتعالى يسبغ عليهم لطفه فيكونون في صدر الخليقة دون هذه الأسباب التي يظن الخلق إنها أسباب الرفعة ، ولماذا أولياء الله فحسب ؟ ! إنما يصل عطاءه إلى المستحق وغير المستحق ، إنهم يهبهم حريتهم ( الحرية الحقيقية في العبودية لله وحده ) ،
 
ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي في أعناقهم ، وإلا فإن خلعة الروح موهوبة منه لكل حي ، ومتى كان مستحقا لها في العدم ،
 
( دون أن تصدر منه طاعة أو يزاول عبادة ) ثم يوجه مولانا الدعاء لله تعالى : إنك أنت يا إلهي الذي حولت الأعداء إلى أصدقاء ، وأسبغت على الشوك أكمام الورود ، فاجعل يا إلهي من هذا التراب خصبا ذا ثمار من الفكر والعمل ، واجعل مرة ثانية شيئا ممن لم يك شيئا وخلقته ، إن الدعاء منك أيضاً يا لله فأنت القائل :ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ
( انظر أيضاً البيت 2217 من الترجمة العربية للكتاب الثالث ) وفي ليل الدنيا ، نحن سفن كسيرة ، تسيرها في بحار رحمتك فتملأها بعطاياك، ( ومن هذا الدخل يكون الإنفاق بالنهار).
 
« 542 »
 
( 2331 - 2342 ) : لا ينبغي أن تفهم من الأبيات أن مولانا من المؤمنين بالجبر ( عن القضية بالتفصيل انظر مقدمة الترجمة العربية للكتاب الخامس ) ، إن قدرة الحق مسلطة على الكون كله ، وهذا ليس جبرا بل معنى الجبروت " ( البيت 621 من الكتاب الأول ) والكلام هنا أيضاً عن الجبروت ، ففي غفلة الخلق ، لا غنى عن رحمة الحق ، ولا قيمة هناك لرأى أو لفن ، ولا نجاة إلا بالدعاء ، إنني مجرد كالألف ، وباطني كحلقة الميم ضيقة من الفراق والشوق ، وإذا كنت ضعيف الروح ، فأية استقامة تأتيتى من الوعي بالبدن ، إنها النفس تطل بمطالبها ، والغفلة وانعدام الوعي اشتغال النفس بهذه الدنيا ، أما العقل واليقظة فإشارة إلى اشتغال الروح بعالم المعنى ، والسالك بينهما في تأرجح والتواء ، ويوجب البعد من حيث ظن السالك انه قرب ، فادع وأنت تحس بالإملاق ، وليس معنى الإملاق هنا هو الإملاق المادي بل الإملاق والفقر بكل صروفه وألوانه .
 
( 2343 - 2353 ) : العريان هنا هو من لا يمتلك شيئا ، ولكي تكتمل أيضاً صورة الغرق في الدمع ، ولا عين لي : أي أحس بالحياء أمامك ، إنه يطلب الدعاء الباكي ، فإذا كان الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم قال [ اللهم ارزقني عينين هطالتين تشفيان القلب بذروف الدمع من خشيتك قبل أن تكون الدموع دما والأضراس جمراً ] ( مولوى 6 / 334 ) ،
 
إذا كان الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم ما ماله من سبق قد قال هذا ، فما بالك بي - الحقيقة ما بالك بنا - نحن الغارقون في غفلة الدنيا حتى رؤوسنا ؟
 
إن هذا التمني من الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم من الممكن أن يكون شفاعة لكل أمة وقطرة واحدة من هذا الدمع كافية لنجاة الإنس والجن ، إذا كان الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم وهو روضة من رياض الجنة قد طلب الدمع مع عدم حاجته إليه ، فما بالك بك وأنت الأرض البور التي تحتاج بالفعل إلى هذا الدمع ؟
 
إن حرصك على نعم الدنيا هو الذي يجعلك بعيدا عن هذا المعنى ، فأنفض يديك منه ، وداوم على الدعاء فما علاقتك بقبول الحق أورده ، ألم تسمع قوله تعالى في الحديث القدسي : [ عبدي أطعني على ما
 
« 543 »
 
أمرتك ولا تعلمني ما يصلحك ] ( مولوى 6 / 335 ) ، فكر في نعم الآخرة التي لا ينضجها إلا دمع العين .
 
( 2360 - 2382 ) : يعلق مولانا على ما حدث للفقير الذي أخذ يشد القوس عند إطلاق السهم بكل قوته مع أن الأمر كان ضع سهما في القوس ثم اتركه يسقط ، ولم ترد كلمة الشد ، هكذا كل من يطلبون الله ( الكنز الحقيقي ) بطرق ملتوية وبعيدة ، إنه أقرب إليك من حبل الوريد ، وكلما أطلقته بعيداً طاش سهمك وابتعدت عن الحقيقة ( انظر تعليقات البيت 1842 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ويذكر الأنقروى رباعية :الحبيب أقرب إلى منى * والأعجب أنى بعيد عنه
/ ماذا أفعل ومع من أستطيع أن أتحدث * فهو إلى جواري وأنا مهجور عنه( 6 - 2 / 56 - 57 ) ويستشهد جعفري ( 14 / 129 )
 
 بهذه الأبيات لحافظ الشيرازي :
لسنوات والقلب لا يفتأ يطلب منا كأس جمشيد * إنه يطلب من الغريب ما هو في حوزته .
والجوهرة الخارجة عن صدف الكون والمكان * تطلب من التائهين على ساحل البحر .
ومسلوب القلب الذي يكون معه الله في كل حال * لم يكن يراه وينادى من على البعد يا الله .
ومن هنا فأن من يطلب الحقيقة عن طريق الفلسفة يكون ظهره دائما إلى الكنز كلما جد في الطلب كلما زاد ابتعاده ، والله تعالى يقول : وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا( العنكبوت / 69 )
 
ولم يقل " جاهدوا عنا " وما أشبههم جميعا بكنعان بن نوح ، كانت السفينة في متناول يده ، وكان أبوه يدعوه ، وكان هو يسعى نحو الجبل ليكون فيه
 
« 544 »
 
هلاكه ، فهل تتعظ جبال " الفكر " و " قمم " الفلسفة ؟ إنه يهلك نفسه ، ويعمل فكره ، ويقضى عمره ولا يصل إلى شئ ، فالتعب رخيص على روح الجاهل ، فالجاهل هو الذي يشعر بالعار من التعلم ومن سؤال المرشد ويستقل بصنعة قبل أن يتعلم دقائق الصنعة ( انظر الترجمة العربية للكتاب الخامس ، الأبيات 1421 - 1429 وشروحها )
 
هذا التذاكى حجاب في الطريق ، فدعك من التذاكى وقدم الانكسار ، فالله تعالى قال في الحديث القدسي : [ أنا عند المنكسرة قلوبهم ] ، وكل علماء المدرسة هؤلاء غيلان في طريق الحق ، ( الغول في المأثور الفارسي مخلوق أسطورى يضلل السائرون في الصحراء ويجعلهم يحيدون عن الطريق ) ومن هنا قال صلى اللَّه عليه وسلّم [ أكثر أهل الجنة البله ] ،
 
أي أولئك الذين يتركون التذاكى ، ولا يرون لأنفسهم فضلا ولا جهدا ( لتفسير معنى البله عند مولانا انظر الترجمة العربية للكتاب الرابع ، الأبيات 1418 - 1424 وشروحها ) إن كل التذاكى يكون من أجل المنافع الدنيوية ، أما التسليم والتواضع وإنكار فضل النفس إنما يكون من البله الذين يعتبرون أنفسهم أطفالا رضع أمام الأم ( انظر الأبيات 699 - 703 و 3112 من الترجمة العربية للكتاب الخامس ) .
 
ومن دعاء نقله الانقروى :
[ اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين ولا أقل من ذلك ] والحديث النبوي : [ من انقطع إلى الله كفاه الله سائر مؤنته ورزق من حيث لا يحتسب ومن انقطع إلى الدنيا وكله الله إليها ] ( 6 - 2 / 13 ) .
 
( 2383 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت وردت قبل مولانا في مقالات شمس ( مآخذ / 210 ومقالات شمس نسخة موحد 2 / ص 54 ) .
 
والحكاية مليئة بالإيحاءات ، فاليهودي والمسيحي والمسلم الذين ترافقوا في سفر جياع ، وعندما يرزقون رزقا ، فإن أول ما يفكر فيه اليهودي والمسيحي هو أن يتكاتفا معا من أجل أن يحرم المسلم ويظل جائعا ولا ينجو المسلم إلا بالمبادرة ، وإلا بأن يفوت الفرصة على اليهودي والمسيحي ويحرمهما معاً ، وهكذا الدنيا مليئة بغير المتجانسين الذين ينبغي عليهم التعايش معا ، مثلما يتعايش العقل مع النفس


« 545 »
 
والشيطان في الإنسان الواحد وينتصر عليهما ، انتصر المسلم على المسيحي واليهودي ، أو هكذا يجب .
 
( 2391 - 2401 ) : بالموت يتفرق الجميع ، وتطير الطيور المحبوسة في سجن الدنيا ، كل يطير مع من هم من جنسه ( مثل فارسي ) يحركه جناحان : شوقه إلى منبته وأصله أي الجنة ، وذكرى إقامته فيها قبل أن يهبط إلى سجن الدنيا ، وكل يعود إلى حيث كان يشتاق ، " الناس كما يعيشون يموتون وكما يموتون يبعثون " وكل عنصر من عناصر البدن يعود إلى أصله ، ما هو من التراب إلى التراب ، وما هو من رب الأرباب إلى رب الأرباب ( انظر لتفصيل الفكرة الترجمة العربية للكتاب الثالث ، الأبيات 4424 - 4439 وشروحها ) .
 
 وما مكوثنا في الدنيا إلا لتجمدنا من علائقها ونعيمها ، ثم تفتت تلك الأجزاء ، وتذوب الثلوج بسطوع شمس الحقيقة ، وتتحرك الجمادات ويمضى كل إلى أصله ( 2403 ) : في المتن من مطبخ " إني قريب " إشارة إلى الآية 186 من سورة البقرةفَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِوالمراد أن المهدى سبب والرزق كله من الله سبحانه وتعالى ، والأبيات العربية إشارة إلى حديث نبوي [ الضيافة على أهل الوبر وليست على أهل المدر ] ( أحاديث مثنوى / 206 ) .
 
( 2417 - 2420 ) : يحتج اليهودي والمسيحي على المسلم الذي يقترح القسمة بقول مأثور قال بعض المفسرين انه حديث نبوي ( ! ! ) وهكذا يحتجان بقول مسلم من أجل خداع المسلم ، ويجيب المسلم بأن المقصود بالقسام الذي يقسم نفسه بين هوى الدنيا والآخرة ( فالدنيا حرام على أهل الآخرة والآخرة حرام على أهل الدنيا )
 
وهذا أي قسمة العبد نفسه بين دينه وهواه إشراك ، كان منطق المسلم مستقيماً ، فليأخذ كل نصيبه يأكله أو يدخره للغد فهذا شأنه ، لكن النوبة كانت نوبتهما إن كانت القوة والغلبة لهما بحكم انهما اثنان لا بد أن ينزل على رأيهما .
 
« 546 »
 
( 2426 ) : ( لتسبيح الجماد وعبادته ، انظر الترجمة العربية للكتاب الثالث ، الأبيات :
1008 - 1027 والكتاب الأول الأبيات 515 - 520 و 842 - 2120 وشروحها ) .
 
( 2438 ) : النور الأخر هو تجلى ذات الحق التي انحمى فيها الطور وموسى عليه السّلام وذلك اليهودي ( استعلامى 6 / 362 ) الحالم .
 
( 2452 ) : إشارة إلى الآية الكريمةقالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ ، قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي( الأعراف / 143 ) .
 
( 2457 - 2459 ) : اليهودي المقيم على دينه الذي يحلم بموسى عليه السّلام يهودي محمود العاقبة ، أي قد يدرك إن فهم الديانة الموسوية على حقيقتها حقيقة خاتم الأنبياء ويتبعه ، ومن هنا فمن الواجب ألا تحتقر كافرا ، فمن يدريك بعاقبته ، وإلام سينتهى ؟ ! [ إن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل الجنة ثم يختم عمله بعلم أهل النار وإن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعلم أهل النار ثم يختم عمله بعمل أهل الجنة ] ( جامع 1 / 79 ) .
 
( 2460 - 2463 ) : يزايد المسيحي على اليهودي ، فينقل رؤياه على الأفلاك حيث الفلك الرابع مثوى عيسى عليه السّلام في المأثور الإسلامي ( انظر الترجمة العربية لحديقة الحقيقة ، الأبيات 5755 - 5767 وشروحها ) والمقصود بفنون الفلك قدرته .
 
( 2466 ) : توحى حكاية اليهودي والمسيحي والمسلم والتسابق في أهمية الرؤيا لمولانا بحكاية أخرى وردت شبيهتها في سندباد نامه ، كما ورد في نثر الدر للآبى " قالوا وجد بعير وأرنب وثعلب جبنة فاصطلحوا على أن تكون لأكبرهم سنا ، فقال الأرنب : إني ولدت قبل أن خلق الله السماوات والأرض ، فقال الثعلب صدق وإني شهدت ولادته ، فأخذ البعير الجبنة ، وقال : من رآني يعلم أنى لم أولد البارحة ، ( عن مآخذ فروزانفر ، ص 210 ) .
 
( 2467 ) : إشارة إلى الحديث المنسوب إلى الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم " كبروا الكبر " ( انظر البيت 2050 من الترجمة العربية ، للكتاب الرابع ، ولمولانا موقف آخر في تعريف
 
« 547 »
 
الشيخ انظر الترجمة العربية للكتاب الرابع الأبيات 2160 - 2168 وشروحها ) ، وهناك حديث نبوي آخر [ ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف شرف كبيرنا ] .
 
( 2472 ) : لم يهتم أحدٌ من مفسري المثنوى بالبحث عن أصل الحكاية الواردة تحت عنوان " مثل " .
( 2489 ) : هذه قمة في فكر مولانا جلال الدين الواقعي الذي يهديه إلى كل المتشدقين بالتاريخ الذهبي والأمجاد الماضية ، إن الذي يفوز في النهاية هو الأقوى ، فما حاجة الجمل إلى التاريخ أمام البقرة وأمام الكبش ، إنما يحتاج الضعيف إلى التاريخ ليثبت لنفسه حقوقا لا يستطيع أن ينالها .
 
( 2505 - 2506 ) : لقد نفج اليهودي والمسيحي في الفضل ، وتذاكيا على المسلم ، لكن المسلم كان قد بادر وأكل الحلوى فما حاجته إلى الصعود إلى السماء ، أو رؤيا الجبال التي تذوب وتنشق ؟ إنه كن في حاجة إلى الحلوى ، أكلها والسلام ، هذا الدرس العميق يقدمه جلال الدين الذي قدمه الغرب لنا كصوفى غارق في رؤى السماوات ، وكأنه كان يوجهه إلى مسلمى اليوم الغارقين في أحلام الماضي ورؤى المجد الذي ضاع ، واليهودي والمسيحي يغيران على أملاكهم وأموالهم وأرضهم وإنتاجهم وهم لا يقفون ولا يبادرون ، وها هو اليهودي والمسيحي يعترفان بأن هذه هي الرؤيا الصادقة حقيقة ، إن حلمه حقيقة وواقع ملموس .
 
( 2507 - 2516 ) : يعود مولانا جلال الدين إلى الدروس وكأنه يفر من الموضوع إلى ما فجر القصة في الأصل ؛ عيب التذاكى والتظاهر بالمهارة وعرض الفضل ، إنك لست مخلوقا لهذا ، إنك مخلوق للعبادة ولمعرفة اللهوَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ( الذاريات / 65 ) ، وإن هذه المهارة وهذا التذاكى لا يعنيان شيئاً في طريق الحق ( انظر 1403 من الكتاب الرابع ) وانظر إلى الأذكياء من قبلك : السامري الذي صنع العجل
 
« 548 »
 
الذهبي وأغرى بني إسرائيل بعبادته ، وقارون الذي أتقن صنعة تحويل المعادن الخسيسة إلى معادن نفيسة ، وأبى جهل الذي وقف أمام دعوة الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم ، وانظر إلى نهاياتهم ، لقد رأى موسى عليه السّلام بفضله النار عيانا لم يعرفها عن طريق الاستدلال ، أليس الطبيب يستدل على المرض من البول والبراز فياله من دليل نتن ، إن مجرد استنادك على الدليل يجعلك على عماك مثلما تدل العصا وهي موجودة في يد الأعمى ، وإن صاحب الضجة والجلبة والفتق والرتق وذلك الجاه الدنيوي عندما يصل إلى الحقيقة ،
 
 يقول لك :
اعذرنى فأنا لا أرى ، أتراك تستطيع أن تراها وأنت منغمس في هذا الصخب ؟ ! ( 2517 ) : سيد ملك ترمذ فيما يبدو حاكم مدينة ترمذ في عصر محمد خوارزمشاه ، وما يروى عن سيد ملك ترمز والمهرج " دلقك " ( دلقك بالفارسية تعنى مهرج واعتبرها بعضهم اسما ) ربما من بقايا ذكريات مولانا جلال الدين منذ عهد طفولته ( وقد مرت حكايات عنه في الكتاب الثاني من البيت 2341 والكتاب الخامس من البيت 3509 )
إن لب الحكاية هنا عن موضوع التذاكى والتظاهر بالمهارة مما يوقع المدعى في مشاكل لا حصر لها ، فعندما يطلب سيد ملك ترمذ رسولًا مسرعاً يأتي المهرج على وجه السرعة ليقول إنه لا يستطيع القيام بالمهمة التي يريدها الملك ، غافلا عن الضجة التي أحدثها ، والبلبلة التي حدثت من رؤية المهرج يجد كل هذا الجد ، ثم الشك في أن للأمر ما وراءه من مخاطر محدقة بالمملكة ، والصورة التي يقدمها مولانا في هذا الصدد شديدة الحيوية
 
 كما يشير مولانا ( في البيت 2544 ) إلى سوء سياسة محمد خوارزمشاه مع ولاته ، وعداوته لهم ، وتجريده الحملات التأديبية عليهم مما كان له أثره فيما بعد في انهيار المملكة بسهولة شديدة على يد الغز والمغولي .
 
( 2555 - 2565 ) : إن هذه الضجة التي أحدثها المهرج تذكر مولانا بشئ آخر : أولئك الصوفية الذين لا يعرفون من السلوك أو من التصوف شيئا إلا المظهر والاعلام
 
« 549 »
 
والبيارق والمواكب والولائم ، ومع ذلك فهم يتشدقون بأنهم ذوو فنون في الطريق ، ويتنفجون بالمشيخة ، وكان الواحد منهم أبو يزيد البسطامي في زمانه ، ولا أحد منهم لديه أدنى دليل على أنه مقبول في عالم المعنى ( انظر الترجمة العربية للكتاب الرابع ، الأبيات 1740 وما يليها الترجمة العربية للكتاب الخامس من 2436 إلى 2441 )
 
أولئك الصوفية الذين لم يدركوا أمارة واحدة من أمارات الطريق ، ولم يتلقوا إشارة واحدة من الجانب الآخر بأن عباداتهم مقبولة ، ولم ينفتح أمامهم طريق من القلب إلى القلب ، وله أماراته ، تريد أن أحدثك عن هذه الامارات ؟ !
 
 لا . . . لا تكشف لهم الستار عن هذا الباب ، وإلا وصلت دعاويهم إلى ادعاء معرفة .
 
( 2566 - 2574 ) : ها هو الوزير يتدخل لكي يبين أنه أكثر حرصاً على الأمير من حرص الأمير على نفسه ، وليوقع المهرج المسكين في شر أعماله ( وكم من المهرجين ضيعتهم فكاهة في مجلس أو حديث عابر لا يقصد منه شئ ) ، في الانقروى : ويلٌ لمن يحدث فيكذب ليضحك به القلب ، ويل له ويل له ، إن العبد ليقول الكلمة لا يقولها إلا ليضحك بها الناس يهوى لها العبد كما بين السماء والأرض وإنه ليزل عن لسانه أشد مما يزل عن قدمه .
 
 ( 6 - 2 / 96 ) . إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث . إن هذا المهرج الداهية لا بد أنه يخفى شيئا وأراد أن يبوح به لكنه غير رأيه ، إن وجهه ينبئ عن مصائب جسام ، وهذا مصداقا الآية الكريمةسِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ( الفتح / 29 ) ، إن الأمر واضح للعيان ، لكن الخبر يكذبه وهذا أدعى إلى الشك والحذر من الشر الكامن في هذا الإنسان .
 
( 2577 ) :يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ(الحجرات / 12) .
 
( 2582 - 2584 ) : الطبل هنا رمز على الوجود الملىء بالمتناقضات ، لكن ( الصوت ) هو
 
« 550 »
 
الذي ينبئ عن الطبل ، فارغا كان أو ممتلئا ، مشدودا أو رخوا ، ( انظر البيت 733 من الكتاب الرابع ) وقد يكون الضرب هنا بمثابة الألم الذي يصاب به الإنسان فيجعله يبوح عن مكنون الضمير ، وذلك حتى يطهر المرء ، " فالصدق طمأنينة والكذب ربية ، دع ما يريبك إلى ما لا يريبك " ، ( مولوى 6 / 361 ) .
 
( 2591 ) : يشير مولانا على لسان المهرج ، إلى قاعدة في تنفيذ الحدود وهي عدم التعجيل في إنزال الحد ، ويفرق بين الغضب على حدود الله ، والغضب من أجل الهوى ، ففي الأول ينبغي أن يتريث السلطان ، وفي الثاني من المفهوم أنه لا يتريث حتى لا يسترضيه أحد .
 
( 2596 - 2600 ) : هب أن البلاء سوف يأتي من ناحيتي ، وهب أنك بالقضاء على سوف تأمن هذا البلاء ، لكن حذار فالقضاء يدخر كثيرا من البلايا المؤكدة غير هذا البلاء المحتمل الذي سوف يأتي من ناحيتي أنا ، فادفع البلاء عنك بالتصدق على روحي ، ألم تسمع قول المصطفى صلى اللَّه عليه وسلّم [ الصدقة ترد البلاء وتزيد العمر ] ، وقوله صلى اللَّه عليه وسلّم : [ داو مرضاكم بالصدقة ] ( أحاديث مثنوى / 208 ) .
 
وليس من قبيل الصدفة أن تعطل عين الحلم ، فالحلم على من تظنه مذنبا وعدم تعجيل العقوبة له من قبيل الصدفة أيضاً . وعن أبي جعفر رضي الله عنه قال : " البر وصدقة السر ينفيان الفقر ويزيدان في العمر ويدفعان عن سبعين ميتة سوء " . ( جعفري 14 / 174 ) .
 
( 2602 - 2604 ) : الحديث بمصطلحات الشطرنج .
 
( 2605 ) :رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا سُبْحانَكَ( آل عمران / 191 ) . ولابن الفارض :فلا عبث والخلق لم يخلقوا سدى * وإن لم تكن أفعالهم بالسديدة( عن الانقروى 2 - 6 / 104 )
 
( 2608 - 2614 ) : إن العقاب الذي تنزله بالفقير والمسكين عندما يكون في موضعه


« 551 »
 
إنما ينجيه من بلايا كثيرة ، فقد يرده عن فعل ما يستوجب عقابا أشد وأنكى ، والبيت رقم 1661 تكرار المعاني وردت في الأبيات 4014 - 4020 فارجع إلى الأبيات وشروحها في الترجمة العربية ، وأساسها أن العقاب لا يقع على ذات الشخص بل يقع على الصفة السيئة فيه ، وفكرة شق الجرح لتطهيره من الصديد وردت فيما سبق ضمن أفكار عديدة تعبر عن معنى واحد هو أن من الخراب ما قد يكون عمارة ( انظر الترجمة العربية للكتاب الرابع ، الأبيات 2341 - 2353 وشروحها ) .
 
( 2617 - 2629 ) : إشارة إلى الآية الكريمة أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ( الملك / 22 ) ، وفي البيتين التاليين يطالب المهرج الملك بان يستشير في أمره ، فمن الشورى يقل الضلال ، والأمر بالشورى تنزل على الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم فقال له وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْر ِومدح المؤمنين بأن أمرهم شورى بينهم ( انظر البيت 1596 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ،
 
 واستعانة العقول ببعضها للوصول إلى الحق فكرة تتكرر كثيرا عند مولانا جلال الدين ، وغيرة الحق هي تجلى الحق بالكبرياء والقهر عندما يحول أحد المريدين نظره إلى ما سوى الله والغيرة هنا بمعنى امتزاج التجليات الصورية والمعنوية بحيث تختفى الحقيقة عمن ليسوا بأهل لها ، " وسيروا " إشارة إلى قوله تعالى قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ( العنكبوت / 20 ) .
 
 إلا أن الأمر هنا بالسير للبحث عن رجل الحق حيث يوجد الإقبال والرزق ، وعقل الرسول المقصود به العقل الكامل ، والمقصودون ورثة هذا العقل وهم الأولياء الكاملون ، ولا تخلو الأرض منهم ، فكن بين الناس ودعك من الترهب ، وفكرة أن هناك من بين كل فئة من هو على رأسها فكرة دق عليها ناصر خسرو كثيرا من أجل إثبات الإمامة ( فالإمام هو رأس الصالحين والمجتبى على كل الخلق ) ( ديوان ناصر خسرو ص 173 ) . لكن مولانا يقصد هنا الولاية ( الولاية هي التي حلت محل الإمامة
 
« 552 »
 
عند الصوفية ) ويشتم من هذه الأبيات فكرة عن الإمام الغائب ، وأنه غائب عن الأنظار لكنه موجود بين الخلائق وهو من تأثير الفكر الشيعي الإثنى عشرى ويفصح مولانا أن الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم قد نهى عن الرهبانية ( انظر أيضاً البيت 483 من الكتاب الذي بين أيدينا ) وذلك على أساس أن البحث والطلب يكونان بين الناس ، ودائما اعتبر مولانا الاعتزال نوعا من التنطع الذي لا ينفق مع روح الإسلام ، فاللقاء مع الأولياء هو إكسير البقاء ، ( انظر الترجمة العربية للكتاب الرابع الأبيات ، 592 - 594 وشروحها والبيت 1069 من الكتاب الذي بين أيدينا ) .
 
( 2630 - 2639 ) : يدق مولانا على فكرة الاجتباء والانتقاء : فالصالحون كثيرون لكن من بينهم من هو أصلح ( طبق ناصر خسرو الفكرة على كل ما في الكون ، انظر الديوان ص 173 ) ،
وهؤلاء الصلح معترف بهم من سلطان البشر ، ومن ثم فالتمس منهم الدعاء لأن دعاءهم مقرون بالاستجابة ،
وهم قبلة البشر ، والتحري عن القبلة مكروه في حالة إعلانها ، ومن ثم فحجة من يجادل الأولياء داحضة ، ومن يولى وجهه عن القبلة المعلومة لا شك أنه يتبع قبلة باطلة ، فلماذا تشيح بوجهك عمن يمنحك التميز وتجلب نفوره منكوَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ. . .حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ( الشورى / 16 ) ،
 
وإنك تجد دائما ما تصبو إليه إذا كنت بين عشاق الحق أولئك الذين يشاركونك الألم ، وإذا اخترت أحدا عنهم كان لك بئس القرين ( الزخرف / 38 ) ،
 
وعند مولانا فريد الدين العطار :
لحظة واحدة من صحبة رجال الله * أفضل من مائة سنة من التقى وفي خطاب الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم :
[ يا علي إذا تقرب الناس إلى خالقهم بأنواع البر فتقرب إلى الله بأنواع العقل تسبقهم درجة وزلفى عن الله ] ( انقروى 6 - 2 / 109 ) .
 
« 553 »
 
( 2640 ) : يضرب مولانا مثلا عن صداقة عدم المتجانسين وعما تفضى إليه من بلايا بحكاية صداقة الفأر والضفدعة ( انظر عن التجانس وعدمه الترجمة العربية للكتاب الرابع ، الأبيات 2655 - 2680 وشروحها والبيت 2909 من الكتاب الذي بين أيدينا ) والقصة مأخوذة عن خرافات ايسوب ( فرزوانفر مآخذ نقلا عن نيكلسون ، ص 211 ) وفي البيت 2644 يشير إلى الحديث " الجماعة رحمة والفرقة عذاب " ( جامع 1 / 145 ) ويترك مولانا القصة فلا يعود إليها في البيت 2637 .
 
( 2646 - 2655 ) : جيشان النطق يعنى انطلاق الكلام ، وفقدان النطق أو انقطاعه يعنى السكون والسكوت ، وحبل الحديث دائما ما يكون متصلا بين الأحبة ، والصمت هو البذي يسود عندما يتجالس الأعداء وهكذا ينشرح القلب عندما يرى الجيب ، ويغرد البلبل عندما يرى الورد ، وهكذا أيضاً عندما التقى موسى بالخضر ، جاشت المعاني وطلب منه موسى أن يبلغا مجمع البحرين ( الكهف / 61 )
أو بتعبير الصوفية نقطة التقاء وجود هذه الدنيا بوجود الحياة الآخرة حيث يكون سر الخلود ، وتعود السمكة المشوية إلى الحياة وتتخذ سبيلها في البحر سربا ( انظر البيت 1970 من الكتاب الثالث ) ،
وبتأثير الولي تكون حياة الخلود للمريد ، واللوح هو باطن رجل الحق تدرج فيه أسرار الوجود ، والمريد يقرأ أسرار الكون في جبهة الشيخ ، والحبيب ( الولي ) هو هادي الطريق ، ومن هنا قال المصطفى صلى اللَّه عليه وسلم : [ أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ] لكن لا تجادل ، سلم نفسك له واستسلم ، فالجدل بمثابة الغبار وانظر ، ولا تتحدث فالبصر أولى ، وتوق عثرات اللسان بالصمت ، واستمع إلى أحاديث عالم الغيب .
 
( 2656 - 2672 ) : يواصل مولانا جلال الدين الحديث عن إرشاد رجال الحق بأمثلة من سير الأنبياء صلوات الله عليهم ، بداية من آدم عليه السّلام الذي كان مظهرا للوحي والدليل انه عُلم الأسماء على حقيقتها ، لا بعد أن تلاعب بها البشر ، وأهانوها ، بحيث أصبحوا يطلقون


« 554 »
 
على المخنث اسم أسد ( قد تكون تورية على أساس أن اسم أرسلان وهو أسد بالتركية كان يطلق على العديد من الأمراء في زمانه ) ، ومن بعد آدم كان نوح عليه السّلام مظهرا لهذا الوحي ، ومكث فيهم ألفا إلا خمسين ، قلبه مظهر للوحي ، وهذا دون أن يتعلم فلا هو قرأ الرسالة ( القشيرية ) ولا قرأ قوت القلوب ( لأبى طالب المكي ) فكل ما تعلمه نوح تعلمه عن طريق القلب لا عن طريق الشروح ولا عن طريق التفاسير ، كان الفيض الإلهى هو معلمه ، ذلك الفيض الذي يجعل حتى الأخرس ينطق ، ومنه أيضاً ينطق الطفل ، ولم لا ؟ !
 
ألم يؤت عيسى عليه السّلام هذا العطاء الذي جعله ينطق ، وهو في المهد ؟ !
 
ولم البشر فحسب ، الجبل أيضاً حينما ذاق حلاوة هذا الشراب ، أوب مع داود عليه السّلام ورجع منه الغناء والغزل ( انظر البيتين 2501 و 2834 من الترجمة العربية للكتاب الثالث ، وانظر سورة الأنبياء الآية 79 ) ، وأي عجب أن يؤوب معه الوحش والطير وقد ألنا له الحديد ؟ !
 
ناهيك بمعجزات سليمان عليه السّلام ، فتلك الرياح التي كانت رجوما على قوم عاد كانت حمالة له ، ناقلة له الأخبار والأنباء .
 
( 2673 - 2676 ) : لقد كررنا هذا الكلام كثيرا وهو كلام بلا نهاية ، فلنعد إلى حكاية الفأر والضفدع ومصباح الوعي أو العقل هنا أي يا مسبباً لنور الروح ( للوعى بمعنى الروح انظر البيت 1455 من الكتاب الرابع والبيت 734 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ، وتتمدد الصلة بين الفأر والضفدع بأنها علاقة عشق ، وحديث العشاق بأنه أنين .
 
( 2677 - 2693 ) : إن الصلاة مفروضة على عامة المؤمنين لخمسة أوقات ، هي لقاء بين العاشق والمعشوق ، ومن هنا فالعشاق في صلاتهم دائمونالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ( المعارج / 23 ) قال الشيخ الأكبر " وإن كان بين الصلاتين أمور " ( مولوى 6 / 373 ) ، فإن خمار السكر بالخمر الإلهية الذي في رؤوسهم لا يهن أو لا يستقر لا بخمس صلوات ولا بخمسمائة الف صلاة ، والعاشق لا يقنع بالحديث الذي قاله الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم
 
« 555 »
 
لأبى هريرة : [ زر غبا تزدد حبا ] ( جامع 2 / 27 ) ، إنهم أسماك بحر الحياة ، لا صبر لهم عن الماء لحظة واحدة ، فهل يشبع المصاب بالاستسقاء من الماء ؟ ! ( انظر الكتاب الثالث ، البيت 3190 - 3911 )
 
أنظر : إن حركة العالم كلها قائمة على العشق ، العشق هو الذي يجذب تماسك أجزاء العالم ، وأجزاء البدن ، والأضداد ، العشق هو الذي يحفظ الحياة
( انظر لتفصيلات الفكرة الترجمة العربية للكتاب الثالث ، الأبيات 4400 - 4423 وشروحها ) . إن العاشق منصرف بكليته إلى المعشوق انصراف وامق إلى عذرا ،
( وامق وعذرا عاشقان أسطوريان في التراث الفارسي القديم وانتقل إلى التراث الإسلامي ونظمها شعرا الشاعر العنصري والشاعر فخر الدين أسعد الجرجاني ) ، فهل يمكن أن يزور المرء نفسه غباً ؟ !
 
العاشق والمعشوق نفس واحدة ، فهل يحب إنسان نفسه على نوبات ؟ ! إن هذا الأمر لا يمكن إدراكه بالعقل ، بل بالموت والفناء حيث يبقى العاشق ببقاء المعشوق ( للبقاء في الفناء انظر مقدمة الترجمة العربية للكتاب الثالث ) وهل من العقل أن تفنى النفس ؟ !
وكيف يطلب منك قتل هذه النفس وهو الرحيم الودود أن لم يكن في قتلها حياة لك ؟ !
 
( 2694 - 2711 ) : يعود مولانا إلى ضراعة الفار للضفدع ، أي فأر وأي ضفدع ، إن الفار هنا رمز للسالك ، والضفدع رمز للمرشد الهادي المقيم في بحر الوجود ، والسالك يعبر عن شوقه ، ذلك الشوق ، الذي يشبه الاستسقاء ، فالمستسقى لا يشبع من الماء ، هو جائع إلى محبوبه ذلك الجوع الذي لا يعرف الشبع ، فجد أيها الغنى بزكاة الجاه ففي الحديث " زكاة الجاه إغاثة اللهفان " ( استعلامى 6 / 352 ) .
 
وذلك لأن " الموت كفارة لكل مسلم " ( انقروى 2 - 6 / 126 ) . فهبني أيها الغنى لست مجدا في الطلب ولا مستقيما في السلوك ، فأين لطفك وشمس رحمتك الساطعة على المستحق وغير المستحق ، إن الشمس تشرق على القمامة ، ولا يصيب نورها ضرر من هذه القمامة ، بل إنها بلطفها تحول هذه
 
« 556 »
 
القمامة إلى وقود يسطع بالنور في الحمامات ، تحولها من نجس إلى زينة ، تجعل من القمامة سماداً ينبت الورود والرياحين والثمار ، هل فهمت إذن معنى تبديل الله السيئات إلى حسنات ؟ ! ( الفرقان / 70 ) ، وإذا كان هذا فعل رحمته ولطفه بالخبيثين فماذا يفعل بالطيبين وعباداتهم ؟ ! إنه يعطيهم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ( انظر البيت 3408 من الكتاب الثالث ) . 
.
الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء السادس د. أبراهيم الدسوقي شتا
* * * 
 أبيات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا 
* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح 01 - 4932 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح 3023 - 3409 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح 01 - 4932 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالأحد مارس 28, 2021 6:27 pm

الهوامش والشروح 3023 - 3409 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )   

الهوامش والشروح 3023 - 3409 على مدونة عبدالله المسافر بالله       

الهوامش والشروح 3023 - 3409 فى المثنوي المعنوي الجزء السادس د. أبراهيم الدسوقي شتا

حكاية ذلك الرجل الذي كان يتقاضى راتبا من محتسب تبريز

وقد أورد الأنقروى الأبيات التالية لسعدى الشيرازي في نفس المعنى :
- تلقيت قطعة طين طيبة الرائحة ذات يوم في حمام .
- فقلت لها : أمسك أنت أم عبير * فقد ثملت من رائحتك المحببة .
فأجابت : كنت مدرة لا تذكر * لكنني عاشرت المحبوب فترة .
فأثر فيّ كمال الجليس * وإلا فأنا نفس التراب .

كما أن البيتين التاليين يبينان نفس المعنى :أصحب أخا كرم تحظى بصحبته * فالطبع مكتسب من كل مصحوب.فالريح أخذة مما تمر به * نتنا من النتن أو طيبا من الطيب. ( أنقروى 6 - 2 / 190 - 191 ) والنفس قابلة للطبع ، والمرء على دين خليله ، والجار ثم الدار والرفيق قبل الطريق ( أحاديث مثنوى / 212 ) وانظر : حتى تراب القبر يعامل بقيمة من يودع فيه ، وقد يكون مزارا إذا دفن فيه جسد طاهر :

« 572 »

والناس صنفان موتى في حياتهم * وآخرون ببطن الأرض أحياء 
كما قال الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم : [ من زار قبرى بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي ] . 
وقال صلى اللَّه عليه وسلم : [ من زار قبرى وجبت له شفاعتي ] .


( 3023 ) : البيت المذكور في العنوان لأكثر من شاعر ، وضمنه البحتري في إحدى قصائده ( 1 / 94 من طبعة دار المعارف ) وفي الهامش ذكر أن البيتين في الغالب لعدى بن الرعلاء وهو شاعر جاهلي أو لصالح بن عبد القدوس المقتول على يدي المهدى بتهمة الزندقة .

والحكاية المذكورة ذات سوابق في كتاب المستجاد من فعلات الأجواد تأليف ابن علي محسن بن علي التنوخي كما وردت في الجزء الثالث من إحياء علوم الدين للغزالي ، وكيمياى سعادت ( الملخص الفارسي لإحياء علوم الدين للغزالي ) ( عن فروزانفر مآخذ / 213 ) وليس بطلها في الروايات السابقة على مولانا هو بدر الدين عمر محتسب تبريز الذي لم تذكر الشروح متى وفي أي عصر كان يعيش وهل هو شخصية حقيقة أو شخصية وهمية.


( 3034 - 3037 ) : شمس العرب هو محمد صلى اللَّه عليه وسلّم ، والمؤمنون يعتمدون على شفاعته ، ومن كان اعتماده عليه صلى اللَّه عليه وسلّم أي خوف له من أمثال أبى لهب ، ( قرآن كريم / سورة 111 ، وانظر البيت 432 وما بعده من الكتاب الثاني ) والاعتماد على السحاب أي الاعتماد على المبدأ أو الأصل ، وسحرة فرعون متى كانوا يهتمون بقطع أيديهم وأقدامهم ( انظر الكتاب الرابع ، البيت 2100 وشروحه والكتاب الخامس الأبيات 4123 - 4139 وشروحها ) . والأسد هو الولي الكامل .

 
( 3038 - 3040 ) : قد يتبادر السؤال : كيف يستطيع فرد أن يكون حماية للجماعة وعونا لها ؟ ! ويجيب مولانا : عندما يكون هذا الفرد أمة وحدة ، فإن روح الجماعة تكون كامنة فيه بحيث لا تستطيع مجموعة من البشر تفتقر إلى روح الجماعة أن تتصدى له ، ويضرب مولانا المثل بجعفر عن أبي طالب وفدائيته في القتال المعتمدة في المقام الأول على روح الجماعة


« 573 »


( عن جعفر ، انظر 3580 من الكتاب الثالث و 2060 من الكتاب الرابع وعن روح الجماعة انظر 2042 و 3288 - 3290 من الكتاب الرابع ) وروح الجماعة هي الإيمان الساري في الجماعة والذي يعتبر قوة وحده .

( 3050 - 3066 ) : ظاهر الكلام هو الحديث عن جعفر بن أبي طالب رضي اللّه عنه ، لكن الحديث هنا عن رجال الحق عموماً ، ويضرب مولانا الأمثال بالنجوم والشمس والفئران والقط ، فمهما كان عدد النجوم فإنها لا تطلع متى طلعت الشمس ، ومهما كان عدد الفئران فإن قطا واحدا يتغلب عليها ، مع أنها لو تميزت بروح الجماعة لاستطاعت أن تمزق القط إربا ، إنها الروح ، روح الإيمان ، وروح الجمع وهي ضد التفرقة وتستطيع أن تتغلب عليها مهما كان عددها ، إلا لولا هذه الروح هل كان أسد واحد يستطيع أن يمزق مئات من حمر الوحش ؟ !

إنها عطية الله ، وليست الشجاعة فقط هي التي تنتصر ، بل يمكن أن تكون عطية الجمال الذي يجندل البشر ، بحيث تقطع النسوة أيديهم من جمال يوسف عليه السّلام ويصير ملك غلاما لفتاة لجمالها ، ومن نفس هذا النور يكون لإنسان في ليل الدنيا المظم التفريق بين الخير والشر .

ويضيف الانقروى : قال أبو هريرة رضي اللّه عنه : " ما رأيت أحسن من رسول الله صلى اللَّه عليه وسلّم كأن الشمس تجرى في وجهه " . وعن جابر بن سمرة رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلّم في ليلة فجعلت انظر إلى رسول الله صلى اللَّه عليه وسلّم وإلى القمر وعليه حلة حمراء فإذا هو عندي أحسن من القمر " ( 6 - 2 / 200 ) .


( 3067 - 3079 ) : هذا النور الذي كان ليوسف عليه السّلام ولموسى عليه السّلام وللأولياء جميعاً جعل ظواهرهم نورانية مثل بواطنهم ، ثم يشير إلى نور موسى عليه السّلام وكيف كان يشع من وجهه فلا يطيق أحد النظر إليه " مكث موسى بعدما تغشاه نور رب العالمين وانصرف إلى قومه أربعين ليلة لا يراه أحد إلا مات حتى أنه اتخذ لنفسه برنسا وعليه برقع لا يبدي وجهه لأحد مخافة أن يموت " ( قصص الأنبياء للثعلبي ، ص 174 ، عن فروزانفر ، مآخذ / 214 - سرني 1 / 303 ) ووردت في مصيبت نامه للعطار والرسالة القشيرية وأصلها من سفر


« 574 »

 
الخروج ( 34 / 35 ) .

ويلعب مولانا على موضوع البرقع ، ويضيف أن الله أوصاه بأن يتخذ حجاباً من خرقته ، لأن الخرقة مشبعة بالنور ، فلا يؤثر فيها هذا النور ، فلباس العارف من كثرة التصاقه به يصبر على نوره ، في حين أن أي شئ آخر لن يصبر على هذا النور حتى ولو كان جبل قاف ( اندك جبل الطور من التجلي ) ، هي قدرة الله التي جعلت أبدان أوليائه تتحمل هذا النور الذي لم يتحمله الطور ، وما أجساد رجال الله وقلوبهم إلا على مثل المشكاة والزجاجة التي ضرب الله بها المثل لنوره وأين المثل هنا من الممثول ( النور / 35 ) ؟ ! !


( 3080 - 3086 ) : ألا تصدق أن قلوب أولياء الله تسع هذا النور الإلهى إذن فاقرأ قول الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم : [ ما وسعتنى أرضى ولا سمائي ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن ] ، وهذا ما لا يصل إليه ملك مقرب ، إنها معرفة تتم فحسب عن طريق القلب الذي هو بمثابة المرآة تنعكس فيها الأنوار الإلهية ، وبأمثال هؤلاء الذي ينعكس النور الإلهى على مرايا قلوبهم تنهمر الرحمة الإلهية ، وكم من القلوب التي وسعت الكونين بل ووسعت ما لا يسعه هذان الكونان ، وأنواع السرور التي تشعر بها هذا القلوب لا تصل إليها أنواع السرور التي تحدث من خمسين عرس ، وأي بيان يستطيع أن يعبر عنها . ويعلق السبزواري ( ص 478 - 479 )


لأنها تتحقق بتحقق مراتب الوجود من العوالم العشرة ، تسعة منها علوية فلكية وعالم واحد سفلى عنصرى ومراتب الوجود ستة أحدها الكون الجامع وهو المرآة وبقيتها خمس مراتب مرتبة الأحدية ومرتبة الواحدية وهي حضرة الأسماء والصفات ، ومرتبة الجبروت أي الأرواح المجردة المرسلة ، ومرتبة الملكوت الأرواح المجردة المضاعفة ، ومرتبة الملك أي عالم الشهادة والأجساد الطبيعية وهذه المراتب الخمسة للوجود بتعينات هذه العوالم العشرة بمقتضى النكاح الساري في جميع الذراري في عرس واحتفال ، والكون الجامع هو الإنسان الكامل هو الواسطة والمرآة 
 

( 3087 - 3099 ) : عودة إلى رواية نور موسى عليه السّلام والحجاب الذي صنعه من خرقته ،

« 575 »

والذي ما كان الحديث حتى يتحمله إذا لم يكن قد صنع من تلك الخرقة التي تشبعت بالنور من وجد موسى عليه السّلام وعشقه للخالق سبحانه وتعالى ، لقد ائتلفت هذه الخرقة بالنور مثلما يتحمل المحترق النار ، لم يكن نورا عادياً ، كان نور الرشاد ، كان ذلك النور الذي حرم " صافورا " ابنة شعيب وزوج موسى عليه السّلام من تلك العين الناظرة إلى الدنيا وفتحت منها عين الباطن فلما رأت اللذة المتأتية من مشاهدة الباطن ، ضحت بعينها الصورية الأخرى ، وتمنت لو كان لها ألف عين لضحت بها من أجل مشاهدة هذا الجمال ، لقد حصلت على الكنز وبعد الحصول عليه في الخرابات أيمكن أن يذكر أحد رواقه ومنزله ؟ !

إن ذلك النور الباطني الباطن بمثابة الكنز ، والعين الجسدية بمثابة الخرابة فهل يأسف أحد على ضياع العين الجسدية إذا ظفر بهذا النور ؟ ! وقال الشاعر :ما لي سوى روحي وباذل روحه * في حب من يهواه ليس بمسرف. ( انقروى 6 - 2 / 205 )

 

( 3100 - 3114 ) : ونور الحق في صورة يوسف عليه السّلام ، كان ساطعا بحيث كان ينعكس على نوافذ الدور والقصور عندما يمر في الطرقات فكان الناس يعلمون انه يمر ، كانوا يعرفون نور الحق من مروره ، وكان هذا النور ينعكس حتى على الجدران ، فاطلب هذا النور وافتح كوة قلبك تجاه نور وليك ومرشدك ، وابدأ في المشاهدة ، فإن هذا المشاهدة هي العشق الحقيقي ، وبه يحل النور في الصدر ، وفي يدك أن تنظر إلى الوجوه المحبوبة ، وجوه رجال الحق ، وذلك إذا ركزت تفكيرك في أولئك الرجال ، وصحبتهم كمياء تحول المعادن الخسيسة إلى معادن ثمينة ، والقشور إلى لباب ، ويتحول الأعداء إلى أصدقاء ، فكن جميلا ترى الوجود جميلا ، وظلال الرجال هي التي تنمى بساتين الأرواح ، وأنفاسهم تحيى قتلى الغم ، أليس هو سبحانه وتعالى الذي أعطى يوسف عليه السّلام ملكة تعبير الرؤيا فوق جماله ، لقد جره الحسن إلى السجن ، بينما رفعه العلم إلى أعلى عليين ( التعبير مأخوذ من حديقة سنائي ) .

« 576 » 

( 3115 - 3124 ) : عودة إلى حكاية المدين الذي جاء على أمل محتسب تبريز الجواد ، وحديث شديد العاطفية ملىء بالوجد لمولانا عن تبريز موطن مرشده وأستاذه ومثار وجده شمس الدين التبريزي ( حديثه عنها كحديثه عن بخارى في قصة عاشق صدر جهان في الكتاب الثالث ) فهي دار السلام بالنسبة له ، وهو محمول فوق محفة من ورود الآمال ، وتبريز هي روضة الرجال ، ومنها يأتي نسيم المحبوب كما كانت رائحة قميص يوسف تأتى نحو يعقوب عليهما السلام في أرض كنعان ، وكعادة مولانا جلال الدين عندما يشفه الوجد ينطلق بأشعار عربية ، وعلى لسان المريد الذي يخف إلى حلال مشاكله ، يتحدث عن رحلة في صحراء شاسعة على ناقة ( رحلة الحج ) ، حيث الجنة على الأرض وحيث مناخ الصدور ، وبهاء الفردوس ، فالنور لا يزال ينزل من فوق العرش على أهل تبريز ( ربما ببركة شمس الدين التبريزي ) فتسعد أرواحهم بهذه الأنوار .


( 3133 - 3152 ) : بينما يواصل مولانا حكايته لا يزال يتحدث عن عيوب الاعتماد على الدنيا وأهل الدنيا مهما كانوا يتمتعون به من مزايا ، ويفيق ذلك المدين من غشيته الواقعية عندما سمع خبر وفاة المحتسب وغشيته الروحية عندما وضع اعتماده كله على إنسان يفنى ولم يضعه إلى الحي الذي لا يموت ، وعندما انصرف عن المسبب معتمدا على الأسباب ، فمهما كان عطاء السيد ( المحتسب ) أين هو من عطاء الله الوهاب ؟ !

الله سبحانه وتعالى يهب الأصول التي بدونها لا تقوم الفروع التي كان يهبها المحتسب : فلا قلنسوة بلا رأس ، ولا ذهب دون يد تعد الذهب ، ولا دابة دون عقل يسوسها ولا شمع دون عين تبصر النور ، ولا راتب دون عمر ينفقه ، ولا منزل إلا بأرض ، بل إن رحمته جزءٌ من تلك الرحمة الكلية الإلهية ، والذهب من خلق الله وليس من خلقه ،

والرزق من الله وهو مجرد سبب ، إن رحمتك أيها الإله بنا رحمة أزلية ، كانت قبل أن توجد ، كل ما في الكون خلق لنا من قبل أن توجد ، فرحمته وعطاؤه سبقا خلقنا وأعدا لنا ما اشتقت منه طبائعنا وأعاننا على التعايش مع
  

« 577 »


هذه الطبيعة التي خلقها قبلنا ، وأراد أن يعرفنا عليه فجعل آدم عليه السلام دليلا عليه ومرصدا يطل علينا منه ومظهراً لآياته وأوصافه ، خلق آدم على صورته ( انظر الكتاب الرابع 1195 ) إن الوجود الصوري للإنسان بمثابة شبكة الأصطرلاب ، تثبت صفات الأزل وتبينها ، وهذا الوجود الهش ( العنكبوتى ) للإنسان وضع فيه من العلوم والفنون ما جعله يعلم به أسرار الغيب والروح المطلق لكافة المخلوقات " وعلم آدم الأسماء كلها " ، لكن هذا الأصطرلاب يريد منجما يستخدمه لكي يصل به إلى هذه الأسرار ، وإلا سقط فيها محتقرا بين أيدي العوام يعتبرونه هذا الجسد الذي يشترك فيه مع الدابة ، هؤلاء المنجمون القادرون على استخدام هذا الأصطرلاب هم الأنبياء .


( 3153 - 3159 ) : لكن بالرغم من وجود الأنبياء فإن أهل الأزمنة المتتالية سقطوا في بئر الغرور ، واغتروا بهذه الدنيا ، وما أشبههم في هذا بالأسد الذي أسقطه أرنب في البئر ( انظر الكتاب الأول ، الأبيات 1313 - 1317 ) ،

وكل ما تراه في بئر الغرور هذا صورة لأصل موجود في عالم الغيب ، فما هجومك على الصورة وتركك للأصل ؟ !

إن هذا هو سبب هلاكك في هذا البئر ، وذلك الأسد لأنه كان مقلدا تجرع خداع الأرنب ( انظر للفرق بين المقلد والمحقق ، البيت 3095 من الكتاب الثالث والبيت 2778 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ، لقد خدع من خياله هو ، إن هذه الصورة ليست عطية حقيقية لكنها من عطاء ماء البئر إنها مجرد غش من ذلك الغشاش .


( 3160 - 3164 ) : وهكذا أنت أيضاً بالنسبة لعدوك ، محدود في مضيق هذه الدنيا وفي الجهات الستة وفي رأى في الحواس الستة ( الحواس الخمسة والحس المشترك ) ، وهي ما لم تتنور بنور الله لا تخلو من الخطأ .

 ( مولوى 6 / 435 ) أو يرى السبزواري أنها أغلاط المدارك الستة لأن للإنسان خمس مدارك ظاهرة يدرك بها عالم الشهادة والصورة وواحد لدرك العالم الباطن وهو العقل ( ص 395 ) .
إن جذور عداوة العدو انعكاس لقهر الله تعالى ،

  
« 578 » 

فاطلب كشفها من الله تعالى ، ثم إن حقد العدو عليك لا بد وأنه نابع من عيب فيك أنت فعالج عينيك أولا وعالج نفسك أولا ، إن عدوك مرآة لك ، انعكس عليها جرمك أنت ، وبدلا من أن تعالج نفسك حتى ترى صورة حسنة في المرأة ، إذا بك تحطمها ، كيف تحطم المرأة والعيب فيك أنت ( انظر الكتاب الثاني ، البيت 2698 والفكرة أصلا مأخوذة من حديقة سنائى ، الترجمة العربية ، الأبيات 4035 - 4042 ) .


( 3165 - 3169 ) : وهاك مثل آخر على سوء تقدير الإنسان : هل يأتي ذلك الإنسان الذي يؤمن بالنجوم على انعكاس صورة نجمة في الماء ويحثوها التراب ويعتبرها نحسا ؟ ! إنها مجرد صورة وهو يخلط بها وبين النجمة الحقيقية ، وعندما يحثوها بالتراب وتختفى تظن أن النجمة الحقيقية قد اختفت ، إن النجمة في السماء ، مثلما تكون جذور الخير والشر في داخلك أنت وتطلبها وتبحث عنها ، اطلب نجمة النحس من السماء . وقد يكون المقصود بالمرآة هو المؤمن مصداقاً للحديث النبوي : [ المؤمن مرآة المؤمن ] ( انقروى 6 - 2 / 220 ) .

( 3170 - 3181 ) : ما هذا الذي أقوله ؟ ! بل انظر إلى حيث لا جهة ، إلى من لا تحده الجهات ( انظر البيت 1021 من الكتاب الذي بين أيدينا والبيت 351 من الكتاب الخامس ) ،

فلا نحس ولا سعد من النجوم ، وإليه يرجع الأمر كله ، وكل ما تأتيك به الحواس الخمسة والجهات الستة انعكاس للعطية الحقيقية ، فارجع إليه ، واطلب منه ، حتى ولو كانت عطايا الآخرين عدد الرمل ، فإنك لن تستفيد منها شيئا إلا فترة العمر وهو عمر قصير ، أما عطية الحق لرجال الحق فإنها تستمر أبد الدهور ، فارجع إليه وافن فيه

( انظر مقدمة الترجمة العربية للكتاب الثالث ) ، إنه يطعى قوت الروح من المعرفة ومن الفيض ومن النور ( انظر 1268 من الكتاب الثالث وقوت الأرواح البيت 2113 من الكتاب الثالث ) وإن السمنة المختفية هي القدرة الباطنية التي تجعل الإنسان مستغنيا عن السمنة المادية ، إن رجل الله يحيا كما

« 579 » 

يحيا الجن بالرائحة ( هكذا في معتقد القدماء ، انظر 3072 من الكتاب الثالث ) حتى الروح ليست سند الحياة ، لكنه عشق الروح للحق " من عاش بالعشق لم يمت أبداً " ، فاطلب منه العشق ، فبالعشق تحيا الروح ، واطلب منه رزق الروح من المعرفة والنور لا الطعام .

 

( 3182 - 3193 ) : إن كل الكائنات تتجلى فيها آثار الوجود الحق ( انظر الكتاب الذي بين أيدينا من 3147 - 3150 ) مثل انعكاس النجمة في الماء ( انظر 3165 )

والحقيقة عبر القرون واحدة ، والحق هو الحق ، لكن تجلياته هي التي تتغير ، مثلما يمر الماء في الجدول ثم يحل محله ماء آخر ( إنك لا تنزل نفس الجدول مرتين ) ، هذه التجليات ليست تامة ، لكن أساسها ثابت ، وهذه الصفات التي تتجلى فينا معتمدة على صفات أخرى معنوية ، هي نجوم عالم المعنى تشاهد صورتها في وجودنا العابر الفاني ،

إن عشق الحسان على سبيل المثال هو مجرد صورة لعشق الجمال الكلى ( انظر الترجمة العربية للكتاب الخامس الأبيات 372 - 379 وانظر مقدمة الترجمة العربية للكتاب الرابع ، ص 14 ) .


نقل الأنقروى ( 6 - 2 / 225 ) عن ابن الفارض :وكل مليح حسنه من جمالها * معار له بل حسن كل مليحة. ومن ثم عندما يفنى الحسن يعود إلى أصله ( عندما يفنى كل شئ في الحقيقة يعود إلى أصله انظر الكتاب الثالث ، الأبيات 4424 - 4440 وشروحها ) . إن كل الصور انعكاس له ، وعندما تنظر جيدا فليست كل الكائنات إلا إياه ، ( أساس فلسفة جلال الدين أن كل الموجودات فاضت عن الله تعالى ) .


( 3194 - 3201 ) : عودة إلى قصة المدين ومحتسب تبريز ، إن مولانا يجعل من محتسب تبريز في مرتبة أكمل الواصلين بحيث يقضى حاجة المدين بعيداً عن موازين هذا العالم ، وفيما سبق كان المدين يتأسف ويبدي ندمه على أنه حمل حاجته إلى المخلوق ولم يحملها إلى الخالق ، لكن عقله المدرك يعود فيقول له : ما هذا الحول ؟ ! ما هذه الإثنينية ؟ ! إن الخل هو


« 580 »


الدبس والدبس هو الخل ، أي أن عطاء الحق وعطاء رجل الحق من مصدر واحد ، وإن كان أحدهما شديد الحلاوة كالدبس والآخر كالخل ، إنه من تصور فهمك أن تظن أن السيد المحتسب كغيره من الناس ، وهذا يثير غيرة الحق الذي لا بد وأن تثور غيرته ، من أجل أوليائه ، فكيف تعتبر هذا السيد الذي جاوز الأثير بجوده ومآثره مثل بقية الخلق الذين يشبهون الفئران القابعة في جحورها ولا تقوى على الخروج في ضوء الشمس ؟ !

إنك أن فعلت هذا تكون كإبليس الذي لم ير من آدم إلا الطين ولم يدرك روح الحق التي نفخت فيه وكانت سبب الأمر بالسجود ، وإياك أن تعتبر مدرك شمس الحقيقة مثل أهل الدنيا ( الخفافيش ) ،
 إن خلقته وإن كانت مثل الناس بالصورة ، إلا أنه رباني لأن الله سبحانه وتعالى لا يتجلى على مثال الصورة ، إنه أدرك شمس الحقيقة ، وزال عنه جمود الصورة وجمود الإنسانية ، وفيه رائحة من الحق مثلما يحمل زيت الورد رائحة الورد ويختلف بهذا عن زيت السمسم .


( 3202 - 3224 ) : إن رجال الحق عندما بدلوا ، لم يعودوا من الخلق ، أي لم يعد بينهم وبين الخلق وجه مشاركة ( عجنت أجسادهم أيضاً من النور ، الكتاب الثالث البيت 8 ) ، فدعك من كل خياراتك هذه وصحيح بصرك بالنسبة لهم ، إنهم أرواح فحسب والإنسان روح ، فكيف يأمر الله الملائكة بالسجود لآدم إذا كان يعتبر آدم مجرد جسد من تراب فحسب ؟

 لقد كان السجود لآدم لأنه روح ، روح واصلة ومتصلة بالوجود الحقيقي وجزء منه ، لكن هذا الوجود الصوري مجرد جدول ، وتجلى الحقيقة فيه بمثابة تجلى صورة تفاحة من هذا الجدول من شجر توجد خارجه ، لكن الإنسان من جرد هذا القبس المتجلى على هذه الصورة يمتلئ بمعارف الغيب ( الثمرة دليل على الشجرة وصورة الثمرة دليل على الثمرة ) فلا تكن مثل أولئك الذين نزلت فيهم الآية الكريمة ،وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ ( الأنعام / 39 ) ،

وما حاق بهم هذا الجزاء إلا لأنهم كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ( الأنعام / 5 ) ،

لكنك إن أسلمت أمرك كله لله ، ونشدت الحقيقة ، صارت رؤيتك هي رؤية الحق ، وفعلك فعل الحق ، مثل أحمد المصطفى صلى اللَّه عليه وسلّم الذي نزلت فيه الآية الكريمة وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ

« 581 »


اللَّهَ رَمى( الأنفال / 17 ) ، إن هذه الكوة التي تتجلى فيها شمس الحقيقة هي التي تدل عليها [ من رآني فقد رأى الحق ] ( انظر البيت 2253 من الكتاب الثاني ) ، ومن ثم فطاعته هي طاعة الحق ،مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ( النساء / 80 ) .

إن هذا النور ذاتي في محمد المصطفى صلى اللَّه عليه وسلّم وليس رهنا بنور قادم من الكواكب تغيب بغياب هذه الكواكب ، لكنه منور بالنور الذي لا ينقطع ( عن الفرق بين النور والضياء ، انظر الترجمة العربية ، للكتاب الرابع ، الأبيات 16 - 21 وشروحها ) ،

إن محمد صلى اللَّه عليه وسلّم وإن كان مثل كل الأنبياء كوة لنور الحقيقة ، لكن نور الحقيقة لا تغيب عن هذه الكوة أبدا ولا يخفيه سحاب ( من أدران العالم ) ،

فهناك ألفة وأنس ومحبة بين هذه الكوة وبين مصدر النور ، ومن هذا النور تنبت الثمار المعنوية إنها حاضرة مقطوفة ، تقدم إليك في سلة ، وفي طبق ، دون تعب منك ، ومن ثم فهو صلى اللَّه عليه وسلّم منبع السعادة والإقبال ، وليس عيبا أن أسمية شجرة ففي ظلاله يستظل الخلق ، ومن ثماره المعنوية يغفر للخلق :

فاق النبيين في خلق وفي خلق * ولم يدانوه في علم وفي كرم
وكلهم من رسول الله ملتمس * غرفا من البحر أو رشفا من الديم
وواقفون لديه عند حدهم * من نقطة العلم أو من شعله الحكم ( من قصيدة البوصيري عن مولوى / 6 / 443 ) ،

إنها شجرة الإقبال تكون منها السعادة لكل من يستظل بها ، وهذا هو الطعام النوراني الحقيقي الذي به تزيد الروح صحة والجسد بهاء ، لكن طعام الدنيا الذي يجلب المرض والاسهال لا تسمه طعاماً ، إنه أشبه بعقار المحمودة ( السقم ونيا ) الذي يجلب الاسهال ، ويسميه مولانا أحياناً طعام الفلك ، ويعلن عن عدم رغبته فيه أو ميله إليه :
إن خبز هذا الفلك وماءه كالسيل بلا وفاء * وأنا تمساح أشتاق إلى المحيط ( كليات ديوان شمس ، غزلية 441 ، ص 203 )
وإذا كان هذا الجسد المحمدي مظهرا لكل هذه التجليات الإلهية ومصدرا لكل هذه الأنوار


« 582 »

الروحانية فلماذا تسمية جسداً ،وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ، لا تعتبره ترابا بل اعتبره كحلا للعين وجلاء للبصر ، وكيف تطلب نور النجوم ، وقد سطع عليك النور الإلهى ؟ !

وكيف تعتبره - من وقاحتك وجهك - وجودا جسدياً ، وهل يبقى المدر جافا وقد غرق في بحر الفيض الإلهى ؟ !
وألا يتشرب حتى هذا الجسد بعض هذا الفيض الرباني ؟ !
إنه قمر وكل من يُلجأ إليهم سواه أهلّه ، إنه قمر النور الإلهى ، وهو غالب بطل مثل رستم فهل تصمد أمام رستم امرأة عجوز فانية ؟ !
إن هذا الإله طالب في أثرك وغالبٌ على تدابيرك وذلك حتى لا تجد سبيلا إلا اللجوء إليه واليأس مما في يد الخلائق والطلب منه ( تمهيد للعودة إلى قصة المدين ) .

( 3225 - 3229 ) : هكذا يخاطب المدين نفسه ، كيف تعتبر " السيد المحتسب " منفصلًا عن خالقه ؟ إنه وسيلة الخالق في إجراء أمره ، وإذا كان قد عاد إلى خالقه فقد فنى فيه وعاد إلى أصله ، وكيف يكون العبد منفصلًا عن سيده مفارقاً إياه ؟

إنك إن نظرت إلى العبد والسيد على أنهما اثنان ، فقد ارتكبت الشرك وفقدت المعرفة بالنص ما دمت لم تفهم ديباجته ، إنها كلها وسائل إلى المعرفة ولن تصل إلى المعرفة ما دمت قد فقدت الوسيلة إليها وأخطأت الخطأ الذي لا يزال الناس جميعاً يقعون فيه ، وهي أنك تنظر إلى الطين ، وتعتبر الجسد شيئاً والروح شيئاً عندما تنظر إلى الأولياء ، لا ، أنظر إليهما على أنهما شيىء واحد ، وإلا صار وجودك كنبات المرخ ذاك الذي تحمى به النار يضيع ويصير بددا بمجرد اشتعال النار .

( 3230 - 3240 ) : يترك مولانا قصة المدين ثانية ويدخل في قصة أخرى مفادها أنك إذا تركت الطريق الأصلي الذي يفضى بك إلى الحقيقة فيستوى بالنسبة لك كل طريق إذا ضللت وسوف تكون النتيجة واحدة مثل ذلك الذي كان يسمى عمر وفشل في شراء الخبز من جميع حوانيت مدينته مدينة كاشان المشهورة بتشيعها ، والقصة تبدو أنها من المأثور الشعبي الذي كان سائداً في صراع المذاهب إيان العصر الذي عاش فيه مولانا جلال الدين وما سبقه وما 

« 583 »

تلاه من عصور ولم يهتم فروزانفر وبقية شراح الحديقة بالبحث عن أصل لها . والقصة لها شبيه في الكتاب الخامس ( من البيت 846 ) حكاية البحث عمن يسمى أبو بكر في سبزوار .
وما هذا الفشل إلا من الحول الذي يجعل الناس يظنون أن أولياء الله جسد وروح وليسوا روحاً خالصة ( عن الحول انظر البيت 327 من الكتاب الأول والبيت 828 من الكتاب الثاني )

ويقص مولانا الحكاية بسخريته المعهودة ومن ضيق أفق الرجل الذي ينتقل بين الحوانيت مصمماً على أن اسمه عمر ، وضيق أفق أصحاب الحيوانيت الذين يصممون على عدم إعطائه الخبر ، ولو كان الرجل واسع الأفق لفهم من الحانوت الأول ، ولقال إن اسمه على فما قيمة الأسماء وأولياء الله كلهم نفس واحدة ؟

فلو لم يكن الرجل أحول لما ابتلى بالجوع في مدينة كاشان . ولم لم يكن الباعة من المصابين بالحول لما أهمهم اسم الرجل في شئ .

 

( 3241 - 3257 ) : الأحول ذو النظرتين حرم من الشرب لأنه كسر الزجاجة عندما صمم من حوله على أنها زجاجتان وقال له أستاذه اكسر أحديهما فكسرها ولم تكن توجد أخرى بالطبع ( الكتاب الأول الأبيات 328 - 333 )

وإذا كان هذا هو مصير الأحول ذي النظرتين فما بالك بمن هو موزع النفس والنظر بين عشرات المهاوس والنزوات والشهوات في هذه الدنيا :
المال والجاه والمنصب والنساء ، وويلك ، ستظل مثل عمر في كاشان ، ولن تنال شيئاً ، ما دمت تنتقل من اتجاه إلى اتجاه ومن مكان إلى آخر ، وحيثما يبدو لك النفع الدنيوي ، وتنتقل من مذهب إلى المذهب ومن اتجاه سياسي ومسلك فكرى إلى اتجاه سياسي آخر ومسلك فكرى آخر ،
وأنت مستعد لبيع أمك في سبيل هذا النفع ، وليس ثم في الدارين إلا حقيقة واحدة هي الحبيب ، وإن عرفته نجوت من التنقل الذي لا طائل من ورائه ولا نفع فيه ،

ولو أنك رأيت في رجل الله ورجل الحق بعض الثمار ، فلا تظن أن كل الأشجار تنبت الثمار ، حتى ولو تساوت الأشجار في الهيئة والصورة وما أشبهك ببلقيس حين دخلت الصرح فحسبته لجة فكشفت عن ساقيها ( النمل 44 ) فلا تنظر إلى هذا البلور وانظر إليه حقيقة في وجود رجل 

« 584 » 

الحق ، إن القيم الروحانية التي يحملها كل إنسان مختلفة فلا تتعامل مع أولياء الحق كما تتعامل مع غيرهم ، فإن لديهم ماء الخضر عليه السلام الذي لا يموت من شربه ، وليس الماء الذي تشرب منه الوحوش والحيوانات ، والقمر فيه حقيقي وليس صورة قمر ، تلك الصورة التي أضلت الأسد وأسقطته في البئر ( انظر الكتاب الثالث الأبيات 2740 وما بعده وشروحها والأصل من الكتاب الأول البيت رقم 1059 وما يليه ) .

( 3258 - 3272 ) : عودة إلى قصة المدين : لقد رق له أحدهم وتوسل بالكدية وطاف بكل مدينة بتبرير يجمع له الأموال ، لكن متى كانت الكدية تصلح ؟ متى كان المتكدى يغتنى ؟ إن رجلا كريما واحداً قد يغنى يكون أداة في يد الله سبحانه وتعالى يسيره للمعروف ، ومن ثم يكون شكر هذا المتفضل من شكر الله لأنه مصداقاً للحديث النبوي [ من لم يشكر الناس لم يشكر الله ] وفي الجامع الصغير [ أشكر الناس لله أشكرهم للناس ]

وقال أبو الصلت عبد السلام بن صالح بإسناده عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم [ يؤتى بعبد يوم القيامة فيوقف بين يدي الله عز وجل فيأمر به إلى النار فيقول : أي رب أمرت بي إلى النار وقد قرأت القرآن ؟

فيقول الله : أي عبدي إني أنعمت عليك ولم تشكر نعمتي فيقول : أي رب أنعمت على بكذا شكرتك بكذا وأنعمت على بكذا فشكرتك بكذا فلا يزال يحصى النعم ويعدد الشكر فيقول الله تعالى :

صدقت عبدي إلا أنك لم تشكر من أجريت لك نعمتي على يديه وإني قد آليت على نفسي ألا أقبل شكر عبد لنعمة أنعمتها عليه حتى يشكر من ساقها من خلقي إليه ] ( جعفري 14 / 288 - 289 ) ( أحاديث مثنوى 213 )

حتى حنان الأم ، الله سبحانه وتعالى هو الذي يسره فيها لكنه سبحانه وتعالى أمرنا بشكر الأم على أساس أنها هي الوسيلة ( لتفصيل الفكرة أنظر الترجمة العربية للكتاب الثالث الأبيات 323 - 330 وشروحها )

 إن حق المنعم من البشر ملحق بحق الحق الذي هو أصل كل النعم ، أما أن الله سبحانه وتعالى قال في حق خير البشر ( صلى اللَّه عليه وسلّم )صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً( الأحزاب 56 ) لأنه صلى اللَّه عليه وسلّم مشفع في أمته وأمورهم كلها تحال

« 585 » 

عليه ،يَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ(النحل 89).


( 3273 - 3307 ) : يقف المدين على قبر المحتسب ويقدم مرثية فيها كل صفات الجود الواردة في الشعر العربي فهو الظهير والمرتجى والغوث وهو والد الفقراء وعشيرتهم ، وهو البحر ، منه يكون السحاب الذي يمطر حتى على البعيدين عنه ،

ويضيف مولانا بعض الصفات الواردة في التراث الصوفي : فهو شمس الحقيقة التي تشد من الأزر ، وهو الروح الموجودة في خرائب الجسد وهو الذي لم يعبس قط في وجه أحد " تراك إذا ما جئته متهللًا ، كأنك تعطيه الذي أنت سائله " و " وما قال لا قط إلا في تشهده لولا التشهد كانت لاؤه نعم " ، وهو متصل القلب ببحر الغيب وواهب الفيض ، وهو شبيه بميكائيل في كيل الأرزاق 
( أنظر الكتاب الخامس الأبيات 1589 وما بعده وشروحها ) وهو عنقاء جبل الجود والسخاء


( أنظر الأبيات 839 ، 3712 من الكتاب الرابع ) وهو أعظم من هباته من حاتم ، فحاتم يهب الرزق الذي ينفد وهو يهب الأسباب التي لا تنفذ ، وهو في كل نفس من أنفاسه يهب حياة لموتى الفقر والمعوزين وليس المقصود الغنى المادي كما يقول الأنقروى ( 206 / 249 )


 فالأغنياء هم الموتى مصداقاً للحديث النبوي [ إياكم ومجالسة الموتى قالوا ومن الموتى يا رسول الله ، قال صلى اللَّه عليه وسلّم الأغنياء ] فالكنوز المذكورة هي كنوز الحكمة كما ورد في ديباجة الكتاب الثالث ويأخذ من كنز الحكمة الأموال العظيمة التي لا تكسر ولا تورث ميراث الأموال وقال الحكيم الترمذي الجود التام بذل العلم فإن متاع الدنيا عرض زائل ينقصه الإنفاق والعلم عكسه فإنه دائم وباق " ( انقروى 6 - 2 / 250 ) .


( لعل مولانا يتجه بمدحه إلى الشيخ ) ويخلص من المدح إلى أنه الراعي والناس كالقطيع ، وهي صفة من صفات الأنبياء ( يرى يوسف بن أحمد المولوي أنه وإن كان الخطاب للمحتسب إلا أن المقصود هو النبي صلى اللَّه عليه وسلّم 6 / 454 ) وذلك مصداقاً لقول رسول الله صلى اللَّه عليه وسلّم : ما بعث الله نبياً إلا رعى الغنم ، قيل : وأنت يا رسول الله قال : نعم ، ويسوق

« 586 » 


حكاية عن سيدنا موسى عليه السلام ، أرجعها فروزانفر إلى تاريخ البيهقي ( مآخذ 215 ) وأرجعها استعلامى ( 6 / 385 ) إلى البيهقي ونظام الملك في سياست نامه ، ومن ثم كان رعى الغنم - في رأى لمولانا - اختباراً للأنبياء وليرى الله هل هم جديرون برعى الأصفياء والأولياء والناس عموماً أو غير جديرين بها وهكذا كل أمير وكل مسؤول [ كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ] ، والراعي الذي يجيد الرعاية هو الذي يمنحه الله تعالى رعاية الأرواح ، وهكذا محتسب تبريز المتوفى ، لا بد وأن الله سبحانه وتعالى قد منحه الرئاسة في آخرته ، لأنه أحسن استغلال الرئاسة في دنياه .

 

( 3314 - 3332 ) : العالم المقصود هنا هو عالم الروح ، وقد يكون المقصود هو المحتسب " عالم يمشى على قدمين " بتعبير سنائى ، لا إنه من المستحيل أن يسع باطن الأرض هذا العالم ، بل إنك طائر محلق نحو عالم الغيب لكن ظلك لا يزال مبسوطاً على عالم الشهادة ، أنت حي بآثارك مثلما تكون الروح حية بآثارها والجسد الذي يحملها نائم أو غافل ، ولا يدرك أحدٌ هذا السير والجولان للروح ، لأن الروح هي من أمر الله قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي

والياقوت الناثر للسكر والعقيق القاضم للسكر هو الفم حلو الحديث في المأثور الأدبي الفارسي ، والقلب هنا مرتبة من مراتب السير الباطني أو الأطوار ، والنفس مقصود به حديث المعرفة وذو الفقار سيف الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم أهداه إلى علي رضي الله عنه ، ومثال الفاختة التي تهتف كوكو أين أين مر ذكره في الكتاب الثالث ( أنظر في الأبيات 1299 - 1305 وشروحها )

 

ويضيف إليها مثلًا ثانياً من الواقع المعاش ، ويتلاعب بين لفظي ماكو أي مكوك النساج ولفظ كو أي أين فكأنه أصبح نساجاً يتحدث دائماً قائلًا " ماكو ، ماكو " ويرى الأنقروى ( 6 - 2 / 257 ) أن الخطاب هنا قد يكون من مولانا لشمس الدين التبريزي ، كما يرى أن المحتسب قد ضاقت به الأرض لأن كل شئ يحن إلى أصله وفي المجلد الأول كل من يبقى بعيداً عن أصوله ظل منجذباً لآنات وصوله


« 587 »
  

( 3332 - 3335 ) : مائة نوع من البروق كناية عن تجليات الحق المختلفة وهي التي لا تشرق من شرق أو من غرب لكنها تشرق على الشرق والغرب ( استعلامى 6 / 386 ) ،

كان عقل المحتسب في جزر ومد ، والجزر كناية عن الافتراب من الأمور الدنوية ، والمد كناية عن الميل إلى العالم الآخر وقد غاب عن الدنيا ( الجزر ) وتعلق بالمد ( العالم الآخر ) ، والواضح أن الخطاب هنا اختلط فيه خطاب المدين للمحتسب بخطاب مولانا جلال الدين لشيخه وإن لم يحدده .

 

( 3340 - 3354 ) : يعود المدين فيخاطب المحتسب على قبره : لقد رجعت إلى الله ، وعلىّ أيضاً أن أرجع إليه ، فمأوى الجميع إليه وما الآية الكريمةوَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ( يس 32 ) إلا دليل على هذا ، إنها كلها صور عند النقاش يحضرها أنى شاء ويرسمها ويمحوها أنى شاء يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ ( الرعد 39 ) ،

وهكذا يفعل الله أيضا مع كل مدركات الإنسان ، ويقدم مولانا جلال الدين عدة صور لما يطرأ على الخليقة من تغير فهي المتغيرة المتبدلة وهو سبحانه وتعالى الخالد الذي لا يفنى والثابت الذي لا يتغير ، والخلق في يد خلقه كالمادة في يد الصانع يصور منها ما يشاء من صور وأشكال وأدوات .

فإلى متى تظل الكمامة على عينيك ، ولو رفعت هذه الكمامة لافتتن المصنوع بالصانع هياماً ووجداً ، وليست كل عين جديرة بأن ترفع عنها هذه الكمامة ، ولا تكن كالسفهاء الأجلاف ولا تنظر بعيونهم ، وكن مستقلًا في نظرتك وفي سمعك ، كن صاحب رأى ودعك من آراء ، الآخرين ، وكن صاحب عقل ودعك من التقليد .

 

( 3355 - 3372 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت لم يهتم أحد من مفسري المثنوى بأن يبحث عن مصدر لها ، ويرى استعلامى ( 6 / 388 ) أن كل الحكايات التي يرويها مولانا عن الخوارزمشاهيه من وضعه ، وخوارزمشاه هنا هو علاء الدين محمد خوارزمشاه آخر الأسرة الخوارزمشاهية التي انتهت بالغزو المغولي ، وليس من المهم أن يكون عماد الملك وزيراً

 
« 588 »

  
له ، وإن كان زرين كوب يرجح أنه عماد الملك ساوه الذي كان صاحب حظوة عند خوارزمشاه في أخريات أيامه وكان في يده الحل والعقد ( سرني 1 / 309 ) ، فعماد الملك هنا رمز للمرشد وخوارزمشاه رمز للمريد الذي لديه جانب من الذوق وفي حاجة إلى المرشد وصرف قلبه عن مغريات الدنيا ( الجواد في هذه الحكاية ) والبيت المذكور من إلهي نامه " حديقة الحقيقة " لسنائى الغزنوي هو البيت 11180 منها ( انظر الترجمة العربية لكاتب هذه السطور البيت وشروحه ) والإنسان الحقيقي هو هيكل التوحيد كما قال الإمام على عندما سئل عن الحقيقة فقال : نور يشرق من صبح الأزل فيلوح على هياكل التوحيد آثاره ( سبزوارى ص 483 ) ،

 
ويرى مولانا جلال الدين أن الشئ الذي يجذب انظر لايهم أن يكون المرء محروماً منه ، بل لأن الحق يضفى عليه صفات خاصة تجعله مقبولًا ، وهذه هي جدلية مهمة ، تبين رأى مولانا جلال الدين الدائم في وجود قوة خاصة للأشياء المغرية ، إن خوارزمشاه معجب بالجواد لكنه يعرف أنه ليس من حقه ، ويستغفر ، ويحوقل ، لكنه يزداد تعلقاً به ( ليس الوسيلة الوحيدة للانصراف عن الشهوات هو كبتها ) ، ويفسر مولانا هنا بأن خوارزمشاه كلما قرأ الفاتحة كلما زاد هوساً ، الأمر إذن ابتلاء ، و " المزين في الحقيقة هو الله " و " ما رأيت شيئاً إلا ورأيت الله فيه " ( انقروى 2 - 6 / 277 ) .

 
إنه لا يزال - سبحانه وتعالى - يبتلينا بالأغيار ( كل ما هو غير الحق ) ، فان ابتلانا فهذا تمويه علينا ، وإن صرف عنا البلاء فهذا امتحان لنا ، وإلا فان خوارزمشاه كان مفتوناً بجواد حي ، فما بالك بالكفار المنجذبين إلى عبادة أصنام حجرية على هيئة الجياد والثيران ، إن الكافر يرى أن الصنم بلا مثيل في بهائه وجماله ، إنها الجاذبية ، الجذبة ، ولا تسأل عن هذه الجاذبية فهي خافية جداً ، فلا تسألني عنها ، فلا العقل يستطيع أن يدركها ولا الروح نفسها تستطيع أن تدركها ، فحاول أنت أن تدرك سرها إن كنت تستطيع .
 

( 3380 ) : فسر استعلامى البيت ( 6 / 389 ) بأنه كالهلال في طلب النور من الشمس ، وكذلك

 
« 589 » 

 
فسره المولوي ( 6 / 467 ) ، والشمس المذكورة هنا شمس الحقيقة ومن ثم قد يكون المقصود أنه كان صوفياً واجداً لها مثل هلال الصحابي الشهير الذي ذكرت حكاية عنه ( انظر الكتاب الذي بين أيدينا 1155 - 1225 وشروحها ) .
 

( 3395 - 3409 ) : الأبيات هنا مناجاة في السر يقوم بها عماد الملك " المرشد " أمام الله طالباً الصفح لمن طلب منه الوساطة لدى الملك ولم يطلب العون من الله مباشرة ، ومن يكون هو أمام القدرة الإلهية ؟ 

إنه يكون كالشمع والذبالة أمام الشمس الساطعة ، وهذا يكون من قبيل الكفران بالنعمة ، فالعطاء كله من الله ، والشكر يوجه لغيره وما أشبه البشر بخفافيش الظلام تلك التي تغمض عينها عن الشمس وتأكل دودة ربتها الشمس بليل ، ولا تذكر الشمس بل تنكرها ، وأين هي من ذلك الصقر الملكي الساكن ساعد السلطان الملازم له حاد البصر الناظر إلى الحقيقة ؟ 

وهؤلاء من كفرانهم بالنعمة معرضون دائماً للعقاب الإلهى ، وما هذا العقاب الإلهى الذي ينزل بهؤلاء الجاحدين إلا من أجل أن يثوبوا إلى رشدهم ويتجهوا إلى خالقهم .
.
الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء السادس د. أبراهيم الدسوقي شتا
* * * 
 أبيات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا 
* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح 01 - 4932 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح 3023 - 3409 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح 01 - 4932 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالأحد مارس 28, 2021 6:28 pm

الهوامش والشروح 3023 - 3409 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )      

الهوامش والشروح 3023 - 3409 على مدونة عبدالله المسافر بالله

الهوامش والشروح 3023 - 3409 فى المثنوي المعنوي الجزء السادس د. أبراهيم الدسوقي شتا

حكاية ذلك الرجل الذي كان يتقاضى راتبا من محتسب تبريز
وقد أورد الأنقروى الأبيات التالية لسعدى الشيرازي في نفس المعنى :
- تلقيت قطعة طين طيبة الرائحة ذات يوم في حمام .
- فقلت لها : أمسك أنت أم عبير * فقد ثملت من رائحتك المحببة .
فأجابت : كنت مدرة لا تذكر * لكنني عاشرت المحبوب فترة .
فأثر فيّ كمال الجليس * وإلا فأنا نفس التراب .
 
كما أن البيتين التاليين يبينان نفس المعنى :أصحب أخا كرم تحظى بصحبته * فالطبع مكتسب من كل مصحوب.فالريح أخذة مما تمر به * نتنا من النتن أو طيبا من الطيب. ( أنقروى 6 - 2 / 190 - 191 ) والنفس قابلة للطبع ، والمرء على دين خليله ، والجار ثم الدار والرفيق قبل الطريق ( أحاديث مثنوى / 212 ) وانظر : حتى تراب القبر يعامل بقيمة من يودع فيه ، وقد يكون مزارا إذا دفن فيه جسد طاهر :
 
« 572 »
 
والناس صنفان موتى في حياتهم * وآخرون ببطن الأرض أحياء 
كما قال الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم : [ من زار قبرى بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي ] . 
وقال صلى اللَّه عليه وسلم : [ من زار قبرى وجبت له شفاعتي ] .
 
( 3023 ) : البيت المذكور في العنوان لأكثر من شاعر ، وضمنه البحتري في إحدى قصائده ( 1 / 94 من طبعة دار المعارف ) وفي الهامش ذكر أن البيتين في الغالب لعدى بن الرعلاء وهو شاعر جاهلي أو لصالح بن عبد القدوس المقتول على يدي المهدى بتهمة الزندقة .
والحكاية المذكورة ذات سوابق في كتاب المستجاد من فعلات الأجواد تأليف ابن علي محسن بن علي التنوخي كما وردت في الجزء الثالث من إحياء علوم الدين للغزالي ، وكيمياى سعادت ( الملخص الفارسي لإحياء علوم الدين للغزالي ) ( عن فروزانفر مآخذ / 213 ) وليس بطلها في الروايات السابقة على مولانا هو بدر الدين عمر محتسب تبريز الذي لم تذكر الشروح متى وفي أي عصر كان يعيش وهل هو شخصية حقيقة أو شخصية وهمية .
 
( 3034 - 3037 ) : شمس العرب هو محمد صلى اللَّه عليه وسلّم ، والمؤمنون يعتمدون على شفاعته ، ومن كان اعتماده عليه صلى اللَّه عليه وسلّم أي خوف له من أمثال أبى لهب ، ( قرآن كريم / سورة 111 ، وانظر البيت 432 وما بعده من الكتاب الثاني ) والاعتماد على السحاب أي الاعتماد على المبدأ أو الأصل ، وسحرة فرعون متى كانوا يهتمون بقطع أيديهم وأقدامهم ( انظر الكتاب الرابع ، البيت 2100 وشروحه والكتاب الخامس الأبيات 4123 - 4139 وشروحها ) . والأسد هو الولي الكامل .
 
( 3038 - 3040 ) : قد يتبادر السؤال : كيف يستطيع فرد أن يكون حماية للجماعة وعونا لها ؟ ! ويجيب مولانا : عندما يكون هذا الفرد أمة وحدة ، فإن روح الجماعة تكون كامنة فيه بحيث لا تستطيع مجموعة من البشر تفتقر إلى روح الجماعة أن تتصدى له ، ويضرب مولانا المثل بجعفر عن أبي طالب وفدائيته في القتال المعتمدة في المقام الأول على روح الجماعة


« 573 »
 
( عن جعفر ، انظر 3580 من الكتاب الثالث و 2060 من الكتاب الرابع وعن روح الجماعة انظر 2042 و 3288 - 3290 من الكتاب الرابع ) وروح الجماعة هي الإيمان الساري في الجماعة والذي يعتبر قوة وحده .
 
( 3050 - 3066 ) : ظاهر الكلام هو الحديث عن جعفر بن أبي طالب رضي اللّه عنه ، لكن الحديث هنا عن رجال الحق عموماً ، ويضرب مولانا الأمثال بالنجوم والشمس والفئران والقط ، فمهما كان عدد النجوم فإنها لا تطلع متى طلعت الشمس ، ومهما كان عدد الفئران فإن قطا واحدا يتغلب عليها ، مع أنها لو تميزت بروح الجماعة لاستطاعت أن تمزق القط إربا ، إنها الروح ، روح الإيمان ، وروح الجمع وهي ضد التفرقة وتستطيع أن تتغلب عليها مهما كان عددها ، إلا لولا هذه الروح هل كان أسد واحد يستطيع أن يمزق مئات من حمر الوحش ؟ !
إنها عطية الله ، وليست الشجاعة فقط هي التي تنتصر ، بل يمكن أن تكون عطية الجمال الذي يجندل البشر ، بحيث تقطع النسوة أيديهم من جمال يوسف عليه السّلام ويصير ملك غلاما لفتاة لجمالها ، ومن نفس هذا النور يكون لإنسان في ليل الدنيا المظم التفريق بين الخير والشر .
 
ويضيف الانقروى : قال أبو هريرة رضي اللّه عنه : " ما رأيت أحسن من رسول الله صلى اللَّه عليه وسلّم كأن الشمس تجرى في وجهه " . وعن جابر بن سمرة رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلّم في ليلة فجعلت انظر إلى رسول الله صلى اللَّه عليه وسلّم وإلى القمر وعليه حلة حمراء فإذا هو عندي أحسن من القمر " ( 6 - 2 / 200 ) .
 
( 3067 - 3079 ) : هذا النور الذي كان ليوسف عليه السّلام ولموسى عليه السّلام وللأولياء جميعاً جعل ظواهرهم نورانية مثل بواطنهم ، ثم يشير إلى نور موسى عليه السّلام وكيف كان يشع من وجهه فلا يطيق أحد النظر إليه " مكث موسى بعدما تغشاه نور رب العالمين وانصرف إلى قومه أربعين ليلة لا يراه أحد إلا مات حتى أنه اتخذ لنفسه برنسا وعليه برقع لا يبدي وجهه لأحد مخافة أن يموت " ( قصص الأنبياء للثعلبي ، ص 174 ، عن فروزانفر ، مآخذ / 214 - سرني 1 / 303 ) ووردت في مصيبت نامه للعطار والرسالة القشيرية وأصلها من سفر
 
« 574 »
 
الخروج ( 34 / 35 ) .
ويلعب مولانا على موضوع البرقع ، ويضيف أن الله أوصاه بأن يتخذ حجاباً من خرقته ، لأن الخرقة مشبعة بالنور ، فلا يؤثر فيها هذا النور ، فلباس العارف من كثرة التصاقه به يصبر على نوره ، في حين أن أي شئ آخر لن يصبر على هذا النور حتى ولو كان جبل قاف ( اندك جبل الطور من التجلي ) ، هي قدرة الله التي جعلت أبدان أوليائه تتحمل هذا النور الذي لم يتحمله الطور ، وما أجساد رجال الله وقلوبهم إلا على مثل المشكاة والزجاجة التي ضرب الله بها المثل لنوره وأين المثل هنا من الممثول ( النور / 35 ) ؟ ! !
 
( 3080 - 3086 ) : ألا تصدق أن قلوب أولياء الله تسع هذا النور الإلهى إذن فاقرأ قول الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم : [ ما وسعتنى أرضى ولا سمائي ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن ] ، وهذا ما لا يصل إليه ملك مقرب ، إنها معرفة تتم فحسب عن طريق القلب الذي هو بمثابة المرآة تنعكس فيها الأنوار الإلهية ، وبأمثال هؤلاء الذي ينعكس النور الإلهى على مرايا قلوبهم تنهمر الرحمة الإلهية ، وكم من القلوب التي وسعت الكونين بل ووسعت ما لا يسعه هذان الكونان ، وأنواع السرور التي تشعر بها هذا القلوب لا تصل إليها أنواع السرور التي تحدث من خمسين عرس ، وأي بيان يستطيع أن يعبر عنها . ويعلق السبزواري ( ص 478 - 479 )
 
لأنها تتحقق بتحقق مراتب الوجود من العوالم العشرة ، تسعة منها علوية فلكية وعالم واحد سفلى عنصرى ومراتب الوجود ستة أحدها الكون الجامع وهو المرآة وبقيتها خمس مراتب مرتبة الأحدية ومرتبة الواحدية وهي حضرة الأسماء والصفات ، ومرتبة الجبروت أي الأرواح المجردة المرسلة ، ومرتبة الملكوت الأرواح المجردة المضاعفة ، ومرتبة الملك أي عالم الشهادة والأجساد الطبيعية وهذه المراتب الخمسة للوجود بتعينات هذه العوالم العشرة بمقتضى النكاح الساري في جميع الذراري في عرس واحتفال ، والكون الجامع هو الإنسان الكامل هو الواسطة والمرآة .
 
( 3087 - 3099 ) : عودة إلى رواية نور موسى عليه السّلام والحجاب الذي صنعه من خرقته ،
 
« 575 »
 
والذي ما كان الحديث حتى يتحمله إذا لم يكن قد صنع من تلك الخرقة التي تشبعت بالنور من وجد موسى عليه السّلام وعشقه للخالق سبحانه وتعالى ، لقد ائتلفت هذه الخرقة بالنور مثلما يتحمل المحترق النار ، لم يكن نورا عادياً ، كان نور الرشاد ، كان ذلك النور الذي حرم " صافورا " ابنة شعيب وزوج موسى عليه السّلام من تلك العين الناظرة إلى الدنيا وفتحت منها عين الباطن فلما رأت اللذة المتأتية من مشاهدة الباطن ، ضحت بعينها الصورية الأخرى ، وتمنت لو كان لها ألف عين لضحت بها من أجل مشاهدة هذا الجمال ، لقد حصلت على الكنز وبعد الحصول عليه في الخرابات أيمكن أن يذكر أحد رواقه ومنزله ؟ !
 
إن ذلك النور الباطني الباطن بمثابة الكنز ، والعين الجسدية بمثابة الخرابة فهل يأسف أحد على ضياع العين الجسدية إذا ظفر بهذا النور ؟ ! وقال الشاعر :ما لي سوى روحي وباذل روحه * في حب من يهواه ليس بمسرف. ( انقروى 6 - 2 / 205 )
 
( 3100 - 3114 ) : ونور الحق في صورة يوسف عليه السّلام ، كان ساطعا بحيث كان ينعكس على نوافذ الدور والقصور عندما يمر في الطرقات فكان الناس يعلمون انه يمر ، كانوا يعرفون نور الحق من مروره ، وكان هذا النور ينعكس حتى على الجدران ، فاطلب هذا النور وافتح كوة قلبك تجاه نور وليك ومرشدك ، وابدأ في المشاهدة ، فإن هذا المشاهدة هي العشق الحقيقي ، وبه يحل النور في الصدر ، وفي يدك أن تنظر إلى الوجوه المحبوبة ، وجوه رجال الحق ، وذلك إذا ركزت تفكيرك في أولئك الرجال ، وصحبتهم كمياء تحول المعادن الخسيسة إلى معادن ثمينة ، والقشور إلى لباب ، ويتحول الأعداء إلى أصدقاء ، فكن جميلا ترى الوجود جميلا ، وظلال الرجال هي التي تنمى بساتين الأرواح ، وأنفاسهم تحيى قتلى الغم ، أليس هو سبحانه وتعالى الذي أعطى يوسف عليه السّلام ملكة تعبير الرؤيا فوق جماله ، لقد جره الحسن إلى السجن ، بينما رفعه العلم إلى أعلى عليين ( التعبير مأخوذ من حديقة سنائي ) .
 
« 576 » 
 
( 3115 - 3124 ) : عودة إلى حكاية المدين الذي جاء على أمل محتسب تبريز الجواد ، وحديث شديد العاطفية ملىء بالوجد لمولانا عن تبريز موطن مرشده وأستاذه ومثار وجده شمس الدين التبريزي ( حديثه عنها كحديثه عن بخارى في قصة عاشق صدر جهان في الكتاب الثالث ) فهي دار السلام بالنسبة له ، وهو محمول فوق محفة من ورود الآمال ، وتبريز هي روضة الرجال ، ومنها يأتي نسيم المحبوب كما كانت رائحة قميص يوسف تأتى نحو يعقوب عليهما السلام في أرض كنعان ، وكعادة مولانا جلال الدين عندما يشفه الوجد ينطلق بأشعار عربية ، وعلى لسان المريد الذي يخف إلى حلال مشاكله ، يتحدث عن رحلة في صحراء شاسعة على ناقة ( رحلة الحج ) ، حيث الجنة على الأرض وحيث مناخ الصدور ، وبهاء الفردوس ، فالنور لا يزال ينزل من فوق العرش على أهل تبريز ( ربما ببركة شمس الدين التبريزي ) فتسعد أرواحهم بهذه الأنوار .
 
( 3133 - 3152 ) : بينما يواصل مولانا حكايته لا يزال يتحدث عن عيوب الاعتماد على الدنيا وأهل الدنيا مهما كانوا يتمتعون به من مزايا ، ويفيق ذلك المدين من غشيته الواقعية عندما سمع خبر وفاة المحتسب وغشيته الروحية عندما وضع اعتماده كله على إنسان يفنى ولم يضعه إلى الحي الذي لا يموت ، وعندما انصرف عن المسبب معتمدا على الأسباب ، فمهما كان عطاء السيد ( المحتسب ) أين هو من عطاء الله الوهاب ؟ !
الله سبحانه وتعالى يهب الأصول التي بدونها لا تقوم الفروع التي كان يهبها المحتسب : فلا قلنسوة بلا رأس ، ولا ذهب دون يد تعد الذهب ، ولا دابة دون عقل يسوسها ولا شمع دون عين تبصر النور ، ولا راتب دون عمر ينفقه ، ولا منزل إلا بأرض ، بل إن رحمته جزءٌ من تلك الرحمة الكلية الإلهية ، والذهب من خلق الله وليس من خلقه ،
والرزق من الله وهو مجرد سبب ، إن رحمتك أيها الإله بنا رحمة أزلية ، كانت قبل أن توجد ، كل ما في الكون خلق لنا من قبل أن توجد ، فرحمته وعطاؤه سبقا خلقنا وأعدا لنا ما اشتقت منه طبائعنا وأعاننا على التعايش مع
  
« 577 »
 
هذه الطبيعة التي خلقها قبلنا ، وأراد أن يعرفنا عليه فجعل آدم عليه السلام دليلا عليه ومرصدا يطل علينا منه ومظهراً لآياته وأوصافه ، خلق آدم على صورته ( انظر الكتاب الرابع 1195 ) إن الوجود الصوري للإنسان بمثابة شبكة الأصطرلاب ، تثبت صفات الأزل وتبينها ، وهذا الوجود الهش ( العنكبوتى ) للإنسان وضع فيه من العلوم والفنون ما جعله يعلم به أسرار الغيب والروح المطلق لكافة المخلوقات " وعلم آدم الأسماء كلها " ، لكن هذا الأصطرلاب يريد منجما يستخدمه لكي يصل به إلى هذه الأسرار ، وإلا سقط فيها محتقرا بين أيدي العوام يعتبرونه هذا الجسد الذي يشترك فيه مع الدابة ، هؤلاء المنجمون القادرون على استخدام هذا الأصطرلاب هم الأنبياء .
 
( 3153 - 3159 ) : لكن بالرغم من وجود الأنبياء فإن أهل الأزمنة المتتالية سقطوا في بئر الغرور ، واغتروا بهذه الدنيا ، وما أشبههم في هذا بالأسد الذي أسقطه أرنب في البئر ( انظر الكتاب الأول ، الأبيات 1313 - 1317 ) ،
وكل ما تراه في بئر الغرور هذا صورة لأصل موجود في عالم الغيب ، فما هجومك على الصورة وتركك للأصل ؟ !
إن هذا هو سبب هلاكك في هذا البئر ، وذلك الأسد لأنه كان مقلدا تجرع خداع الأرنب ( انظر للفرق بين المقلد والمحقق ، البيت 3095 من الكتاب الثالث والبيت 2778 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ، لقد خدع من خياله هو ، إن هذه الصورة ليست عطية حقيقية لكنها من عطاء ماء البئر إنها مجرد غش من ذلك الغشاش .
 
( 3160 - 3164 ) : وهكذا أنت أيضاً بالنسبة لعدوك ، محدود في مضيق هذه الدنيا وفي الجهات الستة وفي رأى في الحواس الستة ( الحواس الخمسة والحس المشترك ) ، وهي ما لم تتنور بنور الله لا تخلو من الخطأ .
 ( مولوى 6 / 435 ) أو يرى السبزواري أنها أغلاط المدارك الستة لأن للإنسان خمس مدارك ظاهرة يدرك بها عالم الشهادة والصورة وواحد لدرك العالم الباطن وهو العقل ( ص 395 ) .
إن جذور عداوة العدو انعكاس لقهر الله تعالى ،
  
« 578 » 
 
فاطلب كشفها من الله تعالى ، ثم إن حقد العدو عليك لا بد وأنه نابع من عيب فيك أنت فعالج عينيك أولا وعالج نفسك أولا ، إن عدوك مرآة لك ، انعكس عليها جرمك أنت ، وبدلا من أن تعالج نفسك حتى ترى صورة حسنة في المرأة ، إذا بك تحطمها ، كيف تحطم المرأة والعيب فيك أنت ( انظر الكتاب الثاني ، البيت 2698 والفكرة أصلا مأخوذة من حديقة سنائى ، الترجمة العربية ، الأبيات 4035 - 4042 ) .
 
( 3165 - 3169 ) : وهاك مثل آخر على سوء تقدير الإنسان : هل يأتي ذلك الإنسان الذي يؤمن بالنجوم على انعكاس صورة نجمة في الماء ويحثوها التراب ويعتبرها نحسا ؟ ! إنها مجرد صورة وهو يخلط بها وبين النجمة الحقيقية ، وعندما يحثوها بالتراب وتختفى تظن أن النجمة الحقيقية قد اختفت ، إن النجمة في السماء ، مثلما تكون جذور الخير والشر في داخلك أنت وتطلبها وتبحث عنها ، اطلب نجمة النحس من السماء . وقد يكون المقصود بالمرآة هو المؤمن مصداقاً للحديث النبوي : [ المؤمن مرآة المؤمن ] ( انقروى 6 - 2 / 220 ) .
 
( 3170 - 3181 ) : ما هذا الذي أقوله ؟ ! بل انظر إلى حيث لا جهة ، إلى من لا تحده الجهات ( انظر البيت 1021 من الكتاب الذي بين أيدينا والبيت 351 من الكتاب الخامس ) ،
فلا نحس ولا سعد من النجوم ، وإليه يرجع الأمر كله ، وكل ما تأتيك به الحواس الخمسة والجهات الستة انعكاس للعطية الحقيقية ، فارجع إليه ، واطلب منه ، حتى ولو كانت عطايا الآخرين عدد الرمل ، فإنك لن تستفيد منها شيئا إلا فترة العمر وهو عمر قصير ، أما عطية الحق لرجال الحق فإنها تستمر أبد الدهور ، فارجع إليه وافن فيه
( انظر مقدمة الترجمة العربية للكتاب الثالث ) ، إنه يطعى قوت الروح من المعرفة ومن الفيض ومن النور ( انظر 1268 من الكتاب الثالث وقوت الأرواح البيت 2113 من الكتاب الثالث ) وإن السمنة المختفية هي القدرة الباطنية التي تجعل الإنسان مستغنيا عن السمنة المادية ، إن رجل الله يحيا كما


« 579 » 
 
يحيا الجن بالرائحة ( هكذا في معتقد القدماء ، انظر 3072 من الكتاب الثالث ) حتى الروح ليست سند الحياة ، لكنه عشق الروح للحق " من عاش بالعشق لم يمت أبداً " ، فاطلب منه العشق ، فبالعشق تحيا الروح ، واطلب منه رزق الروح من المعرفة والنور لا الطعام .
 
( 3182 - 3193 ) : إن كل الكائنات تتجلى فيها آثار الوجود الحق ( انظر الكتاب الذي بين أيدينا من 3147 - 3150 ) مثل انعكاس النجمة في الماء ( انظر 3165 )
والحقيقة عبر القرون واحدة ، والحق هو الحق ، لكن تجلياته هي التي تتغير ، مثلما يمر الماء في الجدول ثم يحل محله ماء آخر ( إنك لا تنزل نفس الجدول مرتين ) ، هذه التجليات ليست تامة ، لكن أساسها ثابت ، وهذه الصفات التي تتجلى فينا معتمدة على صفات أخرى معنوية ، هي نجوم عالم المعنى تشاهد صورتها في وجودنا العابر الفاني ،
إن عشق الحسان على سبيل المثال هو مجرد صورة لعشق الجمال الكلى ( انظر الترجمة العربية للكتاب الخامس الأبيات 372 - 379 وانظر مقدمة الترجمة العربية للكتاب الرابع ، ص 14 ) .
 
نقل الأنقروى ( 6 - 2 / 225 ) عن ابن الفارض :وكل مليح حسنه من جمالها * معار له بل حسن كل مليحة. ومن ثم عندما يفنى الحسن يعود إلى أصله ( عندما يفنى كل شئ في الحقيقة يعود إلى أصله انظر الكتاب الثالث ، الأبيات 4424 - 4440 وشروحها ) . إن كل الصور انعكاس له ، وعندما تنظر جيدا فليست كل الكائنات إلا إياه ، ( أساس فلسفة جلال الدين أن كل الموجودات فاضت عن الله تعالى ) .
 
( 3194 - 3201 ) : عودة إلى قصة المدين ومحتسب تبريز ، إن مولانا يجعل من محتسب تبريز في مرتبة أكمل الواصلين بحيث يقضى حاجة المدين بعيداً عن موازين هذا العالم ، وفيما سبق كان المدين يتأسف ويبدي ندمه على أنه حمل حاجته إلى المخلوق ولم يحملها إلى الخالق ، لكن عقله المدرك يعود فيقول له : ما هذا الحول ؟ ! ما هذه الإثنينية ؟ ! إن الخل هو
 
« 580 »
 
الدبس والدبس هو الخل ، أي أن عطاء الحق وعطاء رجل الحق من مصدر واحد ، وإن كان أحدهما شديد الحلاوة كالدبس والآخر كالخل ، إنه من تصور فهمك أن تظن أن السيد المحتسب كغيره من الناس ، وهذا يثير غيرة الحق الذي لا بد وأن تثور غيرته ، من أجل أوليائه ، فكيف تعتبر هذا السيد الذي جاوز الأثير بجوده ومآثره مثل بقية الخلق الذين يشبهون الفئران القابعة في جحورها ولا تقوى على الخروج في ضوء الشمس ؟ !
إنك أن فعلت هذا تكون كإبليس الذي لم ير من آدم إلا الطين ولم يدرك روح الحق التي نفخت فيه وكانت سبب الأمر بالسجود ، وإياك أن تعتبر مدرك شمس الحقيقة مثل أهل الدنيا ( الخفافيش ) ،
 إن خلقته وإن كانت مثل الناس بالصورة ، إلا أنه رباني لأن الله سبحانه وتعالى لا يتجلى على مثال الصورة ، إنه أدرك شمس الحقيقة ، وزال عنه جمود الصورة وجمود الإنسانية ، وفيه رائحة من الحق مثلما يحمل زيت الورد رائحة الورد ويختلف بهذا عن زيت السمسم .
 
( 3202 - 3224 ) : إن رجال الحق عندما بدلوا ، لم يعودوا من الخلق ، أي لم يعد بينهم وبين الخلق وجه مشاركة ( عجنت أجسادهم أيضاً من النور ، الكتاب الثالث البيت 8 ) ، فدعك من كل خياراتك هذه وصحيح بصرك بالنسبة لهم ، إنهم أرواح فحسب والإنسان روح ، فكيف يأمر الله الملائكة بالسجود لآدم إذا كان يعتبر آدم مجرد جسد من تراب فحسب ؟
 لقد كان السجود لآدم لأنه روح ، روح واصلة ومتصلة بالوجود الحقيقي وجزء منه ، لكن هذا الوجود الصوري مجرد جدول ، وتجلى الحقيقة فيه بمثابة تجلى صورة تفاحة من هذا الجدول من شجر توجد خارجه ، لكن الإنسان من جرد هذا القبس المتجلى على هذه الصورة يمتلئ بمعارف الغيب ( الثمرة دليل على الشجرة وصورة الثمرة دليل على الثمرة ) فلا تكن مثل أولئك الذين نزلت فيهم الآية الكريمة ،وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ ( الأنعام / 39 ) ،
وما حاق بهم هذا الجزاء إلا لأنهم كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ( الأنعام / 5 ) ،
لكنك إن أسلمت أمرك كله لله ، ونشدت الحقيقة ، صارت رؤيتك هي رؤية الحق ، وفعلك فعل الحق ، مثل أحمد المصطفى صلى اللَّه عليه وسلّم الذي نزلت فيه الآية الكريمة وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ
 
« 581 »
 
اللَّهَ رَمى( الأنفال / 17 ) ، إن هذه الكوة التي تتجلى فيها شمس الحقيقة هي التي تدل عليها [ من رآني فقد رأى الحق ] ( انظر البيت 2253 من الكتاب الثاني ) ، ومن ثم فطاعته هي طاعة الحق ،مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ( النساء / 80 ) .
إن هذا النور ذاتي في محمد المصطفى صلى اللَّه عليه وسلّم وليس رهنا بنور قادم من الكواكب تغيب بغياب هذه الكواكب ، لكنه منور بالنور الذي لا ينقطع ( عن الفرق بين النور والضياء ، انظر الترجمة العربية ، للكتاب الرابع ، الأبيات 16 - 21 وشروحها ) ،
إن محمد صلى اللَّه عليه وسلّم وإن كان مثل كل الأنبياء كوة لنور الحقيقة ، لكن نور الحقيقة لا تغيب عن هذه الكوة أبدا ولا يخفيه سحاب ( من أدران العالم ) ،
فهناك ألفة وأنس ومحبة بين هذه الكوة وبين مصدر النور ، ومن هذا النور تنبت الثمار المعنوية إنها حاضرة مقطوفة ، تقدم إليك في سلة ، وفي طبق ، دون تعب منك ، ومن ثم فهو صلى اللَّه عليه وسلّم منبع السعادة والإقبال ، وليس عيبا أن أسمية شجرة ففي ظلاله يستظل الخلق ، ومن ثماره المعنوية يغفر للخلق :
فاق النبيين في خلق وفي خلق * ولم يدانوه في علم وفي كرم
وكلهم من رسول الله ملتمس * غرفا من البحر أو رشفا من الديم
وواقفون لديه عند حدهم * من نقطة العلم أو من شعله الحكم ( من قصيدة البوصيري عن مولوى / 6 / 443 ) ،
إنها شجرة الإقبال تكون منها السعادة لكل من يستظل بها ، وهذا هو الطعام النوراني الحقيقي الذي به تزيد الروح صحة والجسد بهاء ، لكن طعام الدنيا الذي يجلب المرض والاسهال لا تسمه طعاماً ، إنه أشبه بعقار المحمودة ( السقم ونيا ) الذي يجلب الاسهال ، ويسميه مولانا أحياناً طعام الفلك ، ويعلن عن عدم رغبته فيه أو ميله إليه :
إن خبز هذا الفلك وماءه كالسيل بلا وفاء * وأنا تمساح أشتاق إلى المحيط ( كليات ديوان شمس ، غزلية 441 ، ص 203 )
وإذا كان هذا الجسد المحمدي مظهرا لكل هذه التجليات الإلهية ومصدرا لكل هذه الأنوار
 
« 582 »
  
الروحانية فلماذا تسمية جسداً ،وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ، لا تعتبره ترابا بل اعتبره كحلا للعين وجلاء للبصر ، وكيف تطلب نور النجوم ، وقد سطع عليك النور الإلهى ؟ !
وكيف تعتبره - من وقاحتك وجهك - وجودا جسدياً ، وهل يبقى المدر جافا وقد غرق في بحر الفيض الإلهى ؟ !
وألا يتشرب حتى هذا الجسد بعض هذا الفيض الرباني ؟ !
إنه قمر وكل من يُلجأ إليهم سواه أهلّه ، إنه قمر النور الإلهى ، وهو غالب بطل مثل رستم فهل تصمد أمام رستم امرأة عجوز فانية ؟ !
إن هذا الإله طالب في أثرك وغالبٌ على تدابيرك وذلك حتى لا تجد سبيلا إلا اللجوء إليه واليأس مما في يد الخلائق والطلب منه ( تمهيد للعودة إلى قصة المدين ) .
 
( 3225 - 3229 ) : هكذا يخاطب المدين نفسه ، كيف تعتبر " السيد المحتسب " منفصلًا عن خالقه ؟ إنه وسيلة الخالق في إجراء أمره ، وإذا كان قد عاد إلى خالقه فقد فنى فيه وعاد إلى أصله ، وكيف يكون العبد منفصلًا عن سيده مفارقاً إياه ؟
إنك إن نظرت إلى العبد والسيد على أنهما اثنان ، فقد ارتكبت الشرك وفقدت المعرفة بالنص ما دمت لم تفهم ديباجته ، إنها كلها وسائل إلى المعرفة ولن تصل إلى المعرفة ما دمت قد فقدت الوسيلة إليها وأخطأت الخطأ الذي لا يزال الناس جميعاً يقعون فيه ، وهي أنك تنظر إلى الطين ، وتعتبر الجسد شيئاً والروح شيئاً عندما تنظر إلى الأولياء ، لا ، أنظر إليهما على أنهما شيىء واحد ، وإلا صار وجودك كنبات المرخ ذاك الذي تحمى به النار يضيع ويصير بددا بمجرد اشتعال النار .
 
( 3230 - 3240 ) : يترك مولانا قصة المدين ثانية ويدخل في قصة أخرى مفادها أنك إذا تركت الطريق الأصلي الذي يفضى بك إلى الحقيقة فيستوى بالنسبة لك كل طريق إذا ضللت وسوف تكون النتيجة واحدة مثل ذلك الذي كان يسمى عمر وفشل في شراء الخبز من جميع حوانيت مدينته مدينة كاشان المشهورة بتشيعها ، والقصة تبدو أنها من المأثور الشعبي الذي كان سائداً في صراع المذاهب إيان العصر الذي عاش فيه مولانا جلال الدين وما سبقه وما 
« 583 »
 
تلاه من عصور ولم يهتم فروزانفر وبقية شراح الحديقة بالبحث عن أصل لها . والقصة لها شبيه في الكتاب الخامس ( من البيت 846 ) حكاية البحث عمن يسمى أبو بكر في سبزوار .
وما هذا الفشل إلا من الحول الذي يجعل الناس يظنون أن أولياء الله جسد وروح وليسوا روحاً خالصة ( عن الحول انظر البيت 327 من الكتاب الأول والبيت 828 من الكتاب الثاني )
 
ويقص مولانا الحكاية بسخريته المعهودة ومن ضيق أفق الرجل الذي ينتقل بين الحوانيت مصمماً على أن اسمه عمر ، وضيق أفق أصحاب الحيوانيت الذين يصممون على عدم إعطائه الخبر ، ولو كان الرجل واسع الأفق لفهم من الحانوت الأول ، ولقال إن اسمه على فما قيمة الأسماء وأولياء الله كلهم نفس واحدة ؟
 
فلو لم يكن الرجل أحول لما ابتلى بالجوع في مدينة كاشان . ولم لم يكن الباعة من المصابين بالحول لما أهمهم اسم الرجل في شئ .
 
( 3241 - 3257 ) : الأحول ذو النظرتين حرم من الشرب لأنه كسر الزجاجة عندما صمم من حوله على أنها زجاجتان وقال له أستاذه اكسر أحديهما فكسرها ولم تكن توجد أخرى بالطبع ( الكتاب الأول الأبيات 328 - 333 )
 
وإذا كان هذا هو مصير الأحول ذي النظرتين فما بالك بمن هو موزع النفس والنظر بين عشرات المهاوس والنزوات والشهوات في هذه الدنيا :
المال والجاه والمنصب والنساء ، وويلك ، ستظل مثل عمر في كاشان ، ولن تنال شيئاً ، ما دمت تنتقل من اتجاه إلى اتجاه ومن مكان إلى آخر ، وحيثما يبدو لك النفع الدنيوي ، وتنتقل من مذهب إلى المذهب ومن اتجاه سياسي ومسلك فكرى إلى اتجاه سياسي آخر ومسلك فكرى آخر ،
وأنت مستعد لبيع أمك في سبيل هذا النفع ، وليس ثم في الدارين إلا حقيقة واحدة هي الحبيب ، وإن عرفته نجوت من التنقل الذي لا طائل من ورائه ولا نفع فيه ،
 
ولو أنك رأيت في رجل الله ورجل الحق بعض الثمار ، فلا تظن أن كل الأشجار تنبت الثمار ، حتى ولو تساوت الأشجار في الهيئة والصورة وما أشبهك ببلقيس حين دخلت الصرح فحسبته لجة فكشفت عن ساقيها ( النمل 44 ) فلا تنظر إلى هذا البلور وانظر إليه حقيقة في وجود رجل 
« 584 » 
 
الحق ، إن القيم الروحانية التي يحملها كل إنسان مختلفة فلا تتعامل مع أولياء الحق كما تتعامل مع غيرهم ، فإن لديهم ماء الخضر عليه السلام الذي لا يموت من شربه ، وليس الماء الذي تشرب منه الوحوش والحيوانات ، والقمر فيه حقيقي وليس صورة قمر ، تلك الصورة التي أضلت الأسد وأسقطته في البئر ( انظر الكتاب الثالث الأبيات 2740 وما بعده وشروحها والأصل من الكتاب الأول البيت رقم 1059 وما يليه ) .
 
( 3258 - 3272 ) : عودة إلى قصة المدين : لقد رق له أحدهم وتوسل بالكدية وطاف بكل مدينة بتبرير يجمع له الأموال ، لكن متى كانت الكدية تصلح ؟ متى كان المتكدى يغتنى ؟ إن رجلا كريما واحداً قد يغنى يكون أداة في يد الله سبحانه وتعالى يسيره للمعروف ، ومن ثم يكون شكر هذا المتفضل من شكر الله لأنه مصداقاً للحديث النبوي [ من لم يشكر الناس لم يشكر الله ] وفي الجامع الصغير [ أشكر الناس لله أشكرهم للناس ]
 
وقال أبو الصلت عبد السلام بن صالح بإسناده عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم [ يؤتى بعبد يوم القيامة فيوقف بين يدي الله عز وجل فيأمر به إلى النار فيقول : أي رب أمرت بي إلى النار وقد قرأت القرآن ؟
 
فيقول الله : أي عبدي إني أنعمت عليك ولم تشكر نعمتي فيقول : أي رب أنعمت على بكذا شكرتك بكذا وأنعمت على بكذا فشكرتك بكذا فلا يزال يحصى النعم ويعدد الشكر فيقول الله تعالى :
صدقت عبدي إلا أنك لم تشكر من أجريت لك نعمتي على يديه وإني قد آليت على نفسي ألا أقبل شكر عبد لنعمة أنعمتها عليه حتى يشكر من ساقها من خلقي إليه ] ( جعفري 14 / 288 - 289 ) ( أحاديث مثنوى 213 )
 
حتى حنان الأم ، الله سبحانه وتعالى هو الذي يسره فيها لكنه سبحانه وتعالى أمرنا بشكر الأم على أساس أنها هي الوسيلة ( لتفصيل الفكرة أنظر الترجمة العربية للكتاب الثالث الأبيات 323 - 330 وشروحها )
 
 إن حق المنعم من البشر ملحق بحق الحق الذي هو أصل كل النعم ، أما أن الله سبحانه وتعالى قال في حق خير البشر ( صلى اللَّه عليه وسلّم )صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً( الأحزاب 56 ) لأنه صلى اللَّه عليه وسلّم مشفع في أمته وأمورهم كلها تحال
« 585 » 
 
عليه ،يَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ(النحل 89).
 
( 3273 - 3307 ) : يقف المدين على قبر المحتسب ويقدم مرثية فيها كل صفات الجود الواردة في الشعر العربي فهو الظهير والمرتجى والغوث وهو والد الفقراء وعشيرتهم ، وهو البحر ، منه يكون السحاب الذي يمطر حتى على البعيدين عنه ،
 
ويضيف مولانا بعض الصفات الواردة في التراث الصوفي : فهو شمس الحقيقة التي تشد من الأزر ، وهو الروح الموجودة في خرائب الجسد وهو الذي لم يعبس قط في وجه أحد " تراك إذا ما جئته متهللًا ، كأنك تعطيه الذي أنت سائله " و " وما قال لا قط إلا في تشهده لولا التشهد كانت لاؤه نعم " ، وهو متصل القلب ببحر الغيب وواهب الفيض ، وهو شبيه بميكائيل في كيل الأرزاق 
( أنظر الكتاب الخامس الأبيات 1589 وما بعده وشروحها ) وهو عنقاء جبل الجود والسخاء
 
( أنظر الأبيات 839 ، 3712 من الكتاب الرابع ) وهو أعظم من هباته من حاتم ، فحاتم يهب الرزق الذي ينفد وهو يهب الأسباب التي لا تنفذ ، وهو في كل نفس من أنفاسه يهب حياة لموتى الفقر والمعوزين وليس المقصود الغنى المادي كما يقول الأنقروى ( 206 / 249 )
 
 فالأغنياء هم الموتى مصداقاً للحديث النبوي [ إياكم ومجالسة الموتى قالوا ومن الموتى يا رسول الله ، قال صلى اللَّه عليه وسلّم الأغنياء ] فالكنوز المذكورة هي كنوز الحكمة كما ورد في ديباجة الكتاب الثالث ويأخذ من كنز الحكمة الأموال العظيمة التي لا تكسر ولا تورث ميراث الأموال وقال الحكيم الترمذي الجود التام بذل العلم فإن متاع الدنيا عرض زائل ينقصه الإنفاق والعلم عكسه فإنه دائم وباق " ( انقروى 6 - 2 / 250 ) .
 
( لعل مولانا يتجه بمدحه إلى الشيخ ) ويخلص من المدح إلى أنه الراعي والناس كالقطيع ، وهي صفة من صفات الأنبياء ( يرى يوسف بن أحمد المولوي أنه وإن كان الخطاب للمحتسب إلا أن المقصود هو النبي صلى اللَّه عليه وسلّم 6 / 454 ) وذلك مصداقاً لقول رسول الله صلى اللَّه عليه وسلّم : ما بعث الله نبياً إلا رعى الغنم ، قيل : وأنت يا رسول الله قال : نعم ، ويسوق
 
« 586 » 
 
حكاية عن سيدنا موسى عليه السلام ، أرجعها فروزانفر إلى تاريخ البيهقي ( مآخذ 215 ) وأرجعها استعلامى ( 6 / 385 ) إلى البيهقي ونظام الملك في سياست نامه ، ومن ثم كان رعى الغنم - في رأى لمولانا - اختباراً للأنبياء وليرى الله هل هم جديرون برعى الأصفياء والأولياء والناس عموماً أو غير جديرين بها وهكذا كل أمير وكل مسؤول [ كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ] ، والراعي الذي يجيد الرعاية هو الذي يمنحه الله تعالى رعاية الأرواح ، وهكذا محتسب تبريز المتوفى ، لا بد وأن الله سبحانه وتعالى قد منحه الرئاسة في آخرته ، لأنه أحسن استغلال الرئاسة في دنياه .
 
( 3314 - 3332 ) : العالم المقصود هنا هو عالم الروح ، وقد يكون المقصود هو المحتسب " عالم يمشى على قدمين " بتعبير سنائى ، لا إنه من المستحيل أن يسع باطن الأرض هذا العالم ، بل إنك طائر محلق نحو عالم الغيب لكن ظلك لا يزال مبسوطاً على عالم الشهادة ، أنت حي بآثارك مثلما تكون الروح حية بآثارها والجسد الذي يحملها نائم أو غافل ، ولا يدرك أحدٌ هذا السير والجولان للروح ، لأن الروح هي من أمر الله قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي
والياقوت الناثر للسكر والعقيق القاضم للسكر هو الفم حلو الحديث في المأثور الأدبي الفارسي ، والقلب هنا مرتبة من مراتب السير الباطني أو الأطوار ، والنفس مقصود به حديث المعرفة وذو الفقار سيف الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم أهداه إلى علي رضي الله عنه ، ومثال الفاختة التي تهتف كوكو أين أين مر ذكره في الكتاب الثالث ( أنظر في الأبيات 1299 - 1305 وشروحها )
 
ويضيف إليها مثلًا ثانياً من الواقع المعاش ، ويتلاعب بين لفظي ماكو أي مكوك النساج ولفظ كو أي أين فكأنه أصبح نساجاً يتحدث دائماً قائلًا " ماكو ، ماكو " ويرى الأنقروى ( 6 - 2 / 257 ) أن الخطاب هنا قد يكون من مولانا لشمس الدين التبريزي ، كما يرى أن المحتسب قد ضاقت به الأرض لأن كل شئ يحن إلى أصله وفي المجلد الأول كل من يبقى بعيداً عن أصوله ظل منجذباً لآنات وصوله
 
« 587 »
  
( 3332 - 3335 ) : مائة نوع من البروق كناية عن تجليات الحق المختلفة وهي التي لا تشرق من شرق أو من غرب لكنها تشرق على الشرق والغرب ( استعلامى 6 / 386 ) ،
كان عقل المحتسب في جزر ومد ، والجزر كناية عن الافتراب من الأمور الدنوية ، والمد كناية عن الميل إلى العالم الآخر وقد غاب عن الدنيا ( الجزر ) وتعلق بالمد ( العالم الآخر ) ، والواضح أن الخطاب هنا اختلط فيه خطاب المدين للمحتسب بخطاب مولانا جلال الدين لشيخه وإن لم يحدده .
 
( 3340 - 3354 ) : يعود المدين فيخاطب المحتسب على قبره : لقد رجعت إلى الله ، وعلىّ أيضاً أن أرجع إليه ، فمأوى الجميع إليه وما الآية الكريمةوَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ( يس 32 ) إلا دليل على هذا ، إنها كلها صور عند النقاش يحضرها أنى شاء ويرسمها ويمحوها أنى شاء يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ ( الرعد 39 ) ،
وهكذا يفعل الله أيضا مع كل مدركات الإنسان ، ويقدم مولانا جلال الدين عدة صور لما يطرأ على الخليقة من تغير فهي المتغيرة المتبدلة وهو سبحانه وتعالى الخالد الذي لا يفنى والثابت الذي لا يتغير ، والخلق في يد خلقه كالمادة في يد الصانع يصور منها ما يشاء من صور وأشكال وأدوات .
فإلى متى تظل الكمامة على عينيك ، ولو رفعت هذه الكمامة لافتتن المصنوع بالصانع هياماً ووجداً ، وليست كل عين جديرة بأن ترفع عنها هذه الكمامة ، ولا تكن كالسفهاء الأجلاف ولا تنظر بعيونهم ، وكن مستقلًا في نظرتك وفي سمعك ، كن صاحب رأى ودعك من آراء ، الآخرين ، وكن صاحب عقل ودعك من التقليد .
 
( 3355 - 3372 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت لم يهتم أحد من مفسري المثنوى بأن يبحث عن مصدر لها ، ويرى استعلامى ( 6 / 388 ) أن كل الحكايات التي يرويها مولانا عن الخوارزمشاهيه من وضعه ، وخوارزمشاه هنا هو علاء الدين محمد خوارزمشاه آخر الأسرة الخوارزمشاهية التي انتهت بالغزو المغولي ، وليس من المهم أن يكون عماد الملك وزيراً
 
« 588 »
  
له ، وإن كان زرين كوب يرجح أنه عماد الملك ساوه الذي كان صاحب حظوة عند خوارزمشاه في أخريات أيامه وكان في يده الحل والعقد ( سرني 1 / 309 ) ، فعماد الملك هنا رمز للمرشد وخوارزمشاه رمز للمريد الذي لديه جانب من الذوق وفي حاجة إلى المرشد وصرف قلبه عن مغريات الدنيا ( الجواد في هذه الحكاية ) والبيت المذكور من إلهي نامه " حديقة الحقيقة " لسنائى الغزنوي هو البيت 11180 منها ( انظر الترجمة العربية لكاتب هذه السطور البيت وشروحه ) والإنسان الحقيقي هو هيكل التوحيد كما قال الإمام على عندما سئل عن الحقيقة فقال : نور يشرق من صبح الأزل فيلوح على هياكل التوحيد آثاره ( سبزوارى ص 483 ) ،
 
ويرى مولانا جلال الدين أن الشئ الذي يجذب انظر لايهم أن يكون المرء محروماً منه ، بل لأن الحق يضفى عليه صفات خاصة تجعله مقبولًا ، وهذه هي جدلية مهمة ، تبين رأى مولانا جلال الدين الدائم في وجود قوة خاصة للأشياء المغرية ، إن خوارزمشاه معجب بالجواد لكنه يعرف أنه ليس من حقه ، ويستغفر ، ويحوقل ، لكنه يزداد تعلقاً به ( ليس الوسيلة الوحيدة للانصراف عن الشهوات هو كبتها ) ، ويفسر مولانا هنا بأن خوارزمشاه كلما قرأ الفاتحة كلما زاد هوساً ، الأمر إذن ابتلاء ، و " المزين في الحقيقة هو الله " و " ما رأيت شيئاً إلا ورأيت الله فيه " ( انقروى 2 - 6 / 277 ) .
 
إنه لا يزال - سبحانه وتعالى - يبتلينا بالأغيار ( كل ما هو غير الحق ) ، فان ابتلانا فهذا تمويه علينا ، وإن صرف عنا البلاء فهذا امتحان لنا ، وإلا فان خوارزمشاه كان مفتوناً بجواد حي ، فما بالك بالكفار المنجذبين إلى عبادة أصنام حجرية على هيئة الجياد والثيران ، إن الكافر يرى أن الصنم بلا مثيل في بهائه وجماله ، إنها الجاذبية ، الجذبة ، ولا تسأل عن هذه الجاذبية فهي خافية جداً ، فلا تسألني عنها ، فلا العقل يستطيع أن يدركها ولا الروح نفسها تستطيع أن تدركها ، فحاول أنت أن تدرك سرها إن كنت تستطيع .
 
( 3380 ) : فسر استعلامى البيت ( 6 / 389 ) بأنه كالهلال في طلب النور من الشمس ، وكذلك
 
« 589 » 
 
فسره المولوي ( 6 / 467 ) ، والشمس المذكورة هنا شمس الحقيقة ومن ثم قد يكون المقصود أنه كان صوفياً واجداً لها مثل هلال الصحابي الشهير الذي ذكرت حكاية عنه ( انظر الكتاب الذي بين أيدينا 1155 - 1225 وشروحها ) .
 
( 3395 - 3409 ) : الأبيات هنا مناجاة في السر يقوم بها عماد الملك " المرشد " أمام الله طالباً الصفح لمن طلب منه الوساطة لدى الملك ولم يطلب العون من الله مباشرة ، ومن يكون هو أمام القدرة الإلهية ؟ 
إنه يكون كالشمع والذبالة أمام الشمس الساطعة ، وهذا يكون من قبيل الكفران بالنعمة ، فالعطاء كله من الله ، والشكر يوجه لغيره وما أشبه البشر بخفافيش الظلام تلك التي تغمض عينها عن الشمس وتأكل دودة ربتها الشمس بليل ، ولا تذكر الشمس بل تنكرها ، وأين هي من ذلك الصقر الملكي الساكن ساعد السلطان الملازم له حاد البصر الناظر إلى الحقيقة ؟ 
وهؤلاء من كفرانهم بالنعمة معرضون دائماً للعقاب الإلهى ، وما هذا العقاب الإلهى الذي ينزل بهؤلاء الجاحدين إلا من أجل أن يثوبوا إلى رشدهم ويتجهوا إلى خالقهم .
.
الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء السادس د. أبراهيم الدسوقي شتا
* * * 
 أبيات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا 
* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح 01 - 4932 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح 3410 - 3856 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح 01 - 4932 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالأحد مارس 28, 2021 6:29 pm

الهوامش والشروح 3410 - 3856 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )       

الهوامش والشروح 3410 - 3856 على مدونة عبدالله المسافر بالله

الهوامش والشروح 3410 - 3856 فى المثنوي المعنوي الجزء السادس د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح عقاب يوسف الصديق بالحبس بسبب طلبه العون من غير الحق
"الأبيات هنا ( 3395 - 3409 ) :  مناجاة في السر يقوم بها عماد الملك " المرشد " أمام الله طالباً الصفح لمن طلب منه الوساطة لدى الملك ولم يطلب العون من الله مباشرة ، ومن يكون هو أمام القدرة الإلهية ؟ 
إنه يكون كالشمع والذبالة أمام الشمس الساطعة ، وهذا يكون من قبيل الكفران بالنعمة ، فالعطاء كله من الله ، والشكر يوجه لغيره وما أشبه البشر بخفافيش الظلام تلك التي تغمض عينها عن الشمس وتأكل دودة ربتها الشمس بليل ، ولا تذكر الشمس بل تنكرها ، وأين هي من ذلك الصقر الملكي الساكن ساعد السلطان الملازم له حاد البصر الناظر إلى الحقيقة ؟ 
وهؤلاء من كفرانهم بالنعمة معرضون دائماً للعقاب الإلهى ، وما هذا العقاب الإلهى الذي ينزل بهؤلاء الجاحدين إلا من أجل أن يثوبوا إلى رشدهم ويتجهوا إلى خالقهم ."
 
( 3410 - 3424 ) : وهذا هو ما حدث ليوسف عليه السلام عندما نسي الله في السجن وطلب من صاحب السجن أن يذكره عند الملك قال تعالى : وَقالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ ( يوسف 42 ) قال يوسف النبي عليه السّلام الذي كان يحاضر السجناء في التوحيد ، عندما غلبت عليه النفس وتذكر ما فيه من أسر أراد أن يتوسل بغير الله ، وبمن ؟ ! بمن سجنه ( ! ! )
وبسجين مثله في أسر الشهوات وأسر الدنيا لا يخلصه منها إلا الموت ، ولا ينجو من هذا المصير إلا من كان جسده في هذه الدنيا ، لكن روحه دائماً في أعلى عليين القرب ، وبالرغم من أن يوسف عليه السّلام كان نبياً ، لكن الشيطان وجد سبيله إليه ، وأنساه فكان العقاب ، قائلا له : انتبه يا هذا ، ممن تطلب العون ؟ !
وهل لجأت إلينا وخذلناك ، وكيف وأنت النبي تتصرف كالعوام ، كيف وأنت البازي تتصرف كالخفافيش ، وكيف وأنت العماد العظيم ترتكن على خشب مهترىء ! !
 
« 590 »
 
( 3425 - 3442 ) : لكن يوسف عليه السّلام عندما ذكر ذنبه وثاب إلى رشده واستغفر ربه منحه الله الأنس به ، والسكر بصحبته ، فلا بقي السجن سجنا ولا بقي الظلام ظلاما وهذا ديدن الله سبحانه وتعالى في خلقه ، فكلنا خرجنا من سجن الرحم ، وحتى ونحن في سجن الرحم كنا من عطايا الله مؤتنسين به نظن أنه هو العالم الوحيد ، وكنا هاربين نحو ظهر الأمام نخشى الخروج ، ( لتعبير آخر عن الفكرة انظر الترجمة العربية للكتاب الثالث ، الأبيات 50 - 60 وشروحها )
 
كنت سعيداً حتى وأنت في الرحم ، وهذا يثبت لك أن اللذة والمتعة تنبتان من داخلك أنت ، لا مما يحيط بك من قصور أو حصون أو بروج ، ألست ترى المرء يكون سعيدا في المسجد لقربه من ينبوع السعادة والبهجة ، وآخر تراه في البستان مكتئباً وحزيناً ؟ !
هذا القصر هو بدنك ، فدمر هذا البدن ، فالكنوز في الخرائب ، ألا يصل السكير إلى السعادة عندما يصبح ثملا مهدما ، دمر هذا الدار المليئة بالصور والنقوش فإن تحتها كنزا وعمرها بهذا الكنز ( لتفصيل هذه الفكرة انظر الترجمة العربية للكتاب الرابع ، الأبيات 2540 - 2568 وشروحها )
وهكذا فكل هذا ابتلاء ، أنت مبتلى بالصور مأخوذ ببريق الذهب وماء معرفتك مغطى بالزبد ، وروحك الوالهة ذلك العالم من العجائب محجوب عليها بحجاب الجسد ، إذن فكما يقول المثل الفارسي : إن ما حاق بنا هو منّا ، والمثل ورد أول ما ورد في شعر ناصر خسرو ( استعلامى 6 / 392 ) . نحن الذي نستطيع أن نكون ماء أو نكون زبداً ، أن نكون جسداً أو نكون روحا ، أن يكون اتجاهنا إلى شمس الحقيقة والنور والفيض أو نكون كالخفافيش نتجه إلى الليل ولا منجاة لنا إلا بهدى الله إنه يهدى من يشاء .
 
( 3446 - 3448 ) : إقليم " ألست " هو الجنة يوم عقد الميثاق أو أخذ العهد من ظهور بني آدم على العبودية للإله الواحد ( الأعراف / 172 ) والشراب الجديد هو الفيض الرباني الذي ينهمر من هذه الصلة المستمرة ، واللحد هو الجسد ، والعالم العظيم هو عالم الروح الملىء بالعجائب ، والسرار هو عالم الباطن وعالم الغيب .
 
« 591 »
 
( 3452 ) : عطارد حاد السير لأنه يقطع الفلك في مدة 88 يوم فقط ويدور حول الشمس في أقل من ثلاثة شهور .
 
( 3453 - 3464 ) : ينتقل مولانا خارج الحكاية إلى عوالمه الخاصة متحدثا عن حدة السير وسرعته : إذا كان القمر يقطع الأفلاك كلها في ليلة واحدة فكيف تنكر على من انشق القمر بإشارة منه أن يكون معراجه في ليلة واحدة ؟ ! كيف تنكر هذا على ذلك الدر الفريد اليتيم المصطفى صلى اللَّه عليه وسلّم ؟ ! إنك تنكر هذا لأنك تقيسه بمقياس حواسك أنت وبمقياس إدراكك أنت فكيف وأنت لا تزال كالفرخ داخل بيضة الحواس وبيضة الدنيا فكيف تدرك أحوال الأولياء الذين يسيرون خارج عالمك الضيق المحدود ويتحدثون مع الحق ؟ !
دعك من الحديث عن المعجزات وعن عالم الأولياء والأنبياء فلن يفهمها أحد ، عد إلى الحديث عن ذلك الجواد ، وحتى الحديث عن ذلك الجواد لن تفهمه ما لم ندرك أن الجمال كل الجمال هو هبة من الحق .
وينقل الأنقروى هنا ( 6 - 2 / 283 )
حديثا نبويا : [ لما أراد الله أن يخلق الخيل قال لريح الجنوب إني خالق منك خلقا أجعله عزا لأوليائي ومذلة لأعدائى وحمالا لأهل طاعتي ، فقالت الريح اخلق يا رب فقبض منها قبضة فخلق منها خلقا فرسا ] .
وهو يخرج المخلوقات عن طبعها ويجعل من كلب قرينا لأهل الكهف مذكورا معهم إلى يوم القيامة ، وهذا اللطف الإلهى لا يجرى على نسق واحد فعطاياه مبذولة لكل الخلق ، لكنها مرتبطة أيضاً بجدارة كل مخلوق ، فنصيب الجدار من إشراق الشمس غير نصيب الماء ونصيب الحجر من الشمس غير نصيب الياقوت ، إن النور لا ينعكس من الجدار لكنه ينعكس من الماء ( الجدار لا ينم على النور والماء ينم عليه ) .
 
( 3471 - 3482 ) : الدلال هو السمسار ، وعندما يكون مغرضا يكون مثيل يوسف عليه السّلام في الجمال مساويا لثلاثة أذرع من الكرباس وهو نوع من القماش الرخيص إشارة إلى الآية الكريمة وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ ( يوسف / 20 )
والبيت لسنائى ( انظر شرح البيت 3355 من الكتاب الذي بين أيدينا ) وهكذا الشيطان يقوم
 
« 592 »
 
بالسمسرة والبضاعة إيمانك ، يأتيك في حمى الموت ، ويريد أن يقايض على إيمانك بشربة ماء ، وفي الأبيات إشارة إلى حكاية وردت في مقالات شمس الدين التبريزي ( ج 1 ، ص 231 - 232 من نسخة محمد على موحد )
وفحواها انه أي شمس الدين - قرأ في طفولته حكاية في كتاب أن إبليس ظهر لشيخ عن النزع وقد تحلق حوله مريدون يطلبون منه أن ينطق بالشهادة وهو يحول وجهه عنهم ويقول : لا أنطق ، ومهما ألحوا عليه لم ينطق بها وعندما ارتفع صراخهم وضجيجهم وتساءلوا فيما بينهم إذا كان هذا هو حال الشيخ فماذا ستكون عليه أحوالنا ، أفاق الشيخ : قال ماذا حدث ، فقصوا عليه ما حدث ، فقال : لا علم لي بما كنتم تقولون ، لكن الشيطان كان قد زارني وأخذ يحرك قدحا من الماء المثلج أمامى
ويقول :
أظمآن أنت ؟ ! وأقول له نعم ، فقال : قل أن لله شريكاً وأعطيك إياه وكنت أحول وجهي عنه ، وأقوله له : لا أقول هذا ، وهكذا أنت أيضاً كالطفل تبيع الغالي بالرخيص ، وهناك أماني وآمال وصور في خيالك لكنك لا تدرى أن هذا كله خذاع وأن هذه الصور الضخمة الفخمة أمامك سوى يكون مآلها إلى الانمحاق مثلما يمحق البدر هلالًا .
 
( 3482 - 3489 ) : العاقل هو من تدبر العواقب ونظر إلى عواقب الأمور ، فالدنيا بمثابة الجوز المتعفن وكل شئ فيها مآله إلى زوال ( لتفصيل الفكرة انظر الترجمة العربية للكتاب الرابع الأبيات 1543 - 1617 وشروحها ) والفرق هنا أن خوارزمشاه كان ناظر إلى " حال " الجواد ، لكن عماد الملك كان ناظر إلى " مآله " " وكل نعيم لا محالة زائل " ولولا أن الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم كان قد نظر إلى مآل الدنيا وعاقبتها ، أتراه كان يسميها جيفة ويسمى طلابها كلاباً ؟ ! لقد أصاب " قول " عماد الملك الملك في الصميم لأن القول لم يكن صادرا عنه ، وترك عينه واختار عين الوزير لأن عين الوزير كانت أحد بصرا ، لكن كل هذه أسباب وذرائع ، لكي يبرد حب الجواد في قلب الملك ، ويغلق الباب على حسنه ، ولم يكن كلام الوزير إلا مجرد صرير لهذا الباب ، فالأبواب الإلهية تفتح وتغلق ، ونحن لا ندرك إلا صريرها .
 
( 3491 - 3502 ) : يترك مولانا القصة وينطلق في تحميد الخالق ذي الآثار العظيمة على
 
« 593 »
 
بواطن العباد ، يغيرها ويبدلها كيف يشاء ، يقيم من المواقع والعقبات أمام أفكارهم وتدابيرهم ، ويحولهم عن طريق " فسخ العزائم " إلى طرق أخرى ( عن فسخ العزائم انظر الترجمة العربية للكتاب الثالث ، الأبيات 4465 - 4475 وشروحها )
وما حديث القلب ( القول والرقى ) إلا من فعله تعالى ، وهي كلها مثل باب قصر السر ، وهذه الوساوس والرقى والأقاويل من قبيل صرير الباب وكل قول وكل حديث نفس ينبئ عما يجرى في الباطن ، وهل يفتح باب الحق أو يغلق ، فانظر في باطنك أتوجه أصوات الفتح أو أصوات الغلق ، فإذا كان الصوت في باطنك صور باب الحكمة الإلهية ، هو داعى الخير ، فإن بابا قد فتح لك من رياض الجنان ، وفي الحديث هذه الأصوات يظهر دليلها في أفعالك ، لكنك قد تكون لغيرك مكشوفة وكأنه يطل من " شرفة " ، ألست تحس بالراحة من فعلك الخير ، وتختفى هذه الراحة عندما ترتكب شراً ، أنت معيار نفسك ، فانظر إلى باطنك ، فأنت أدرى به من غيرك ، فلعلك تعلم أنه من الحمق والبله أن تترك نظرك أنت فيما يتعلق بك أنت ، وتسلم نفسك إلى أنظار الأخساء الذين يجذبونك نحو جيفة الدنيا وكأنهم النسور الجارحة ، ولك عين واسعة كأنها زهرة النرجس ، ومع ذلك تصبح كالأعمى تريد من يأخذ بيدك ، وتكتشف فيما بعد إنك من استعنت به للأخذ بيدك هو أكثر عمى منك ، فهل يكون غيرك أكثر دراية منك بأحوال نفسك
 
( 3503 - 3513 ) : لكنك لا زلت تقول أنك لا تستطيع وتريد من يأخذ بيدك ، حسنا ، إليك من يأخذ بيدك ، إنه حبل الله المتين ، الذي أمرك الله سبحانه وتعالى بأن تعتصم به ( آل عمران / 103 ) وهو ليس عند أحد ، لكنه في حوزتك أنت ، إنك إن فعلت ما أمرك الله به ، وانتهيت عما يأمرك الهوى به ، فقد استمسكت بحبل الله فكل ما حاق بالقوم إنما حاق بهم من الهوى ، لقد انقلب الهوى على قوم عاد ريحا صرصرا ( الحاقة / 6 وانظر البيت 1357 من هذا الكتاب ) . وكل ما يحيق بالناس يحيق بهم من هوى النفس وشهواتها ووساوسها ، السمكة
 
« 594 »
 
توقعها شهوتها إلى الطعم في المقلاة ، والمحصنة تترك حياءها من الهوى ، والعقاب الذي يوقعه الشرطي إنما يكون من جراء الهوى ( لأفكار وتعبيرات مشابهة انظر الكتاب الثالث ، الأبيات 1695 - 1699 وشروحها ) ، كل هذا يحيق بأتباع الهوى على الأرض فما بالك بشرطة الأرواح وأحكامها ، تلك التي تعذب هنا من الداخل ، ويوم القيامة يكون العذاب على الملأ ، وذلك عندما تنجو من جسدك ، وإنك تدرك هذه المعاني ما دمت غارقا في جب الإثم والفساد ، فهل تراك تتخيل أو تستطيع أن تتخيل أن هناك خارج هذا الجب رياضا وجنانا ، لك أن تعلم الأضداد من أضدادها فبضدها تتميز الأشياء ، فإن تركت الهوى شربت من نهر التسنيم في الجنة ، وكن ثابتا كالدوحة الباسقة لا تكن مثل العشب يميل عند أي هواء ( هوى ) وسل الله سبحانه وتعالى أن يهبك سلسبيل الجنة ودعك من هذه المساكن الواهبة ، فظل الله هو الباق .
 
( 3514 - 3527 ) : نهاية قصة خوارزمشاه وطمعه في جواد الغير ، إن الله عندما يريد يجعل لكلام رجل الحق تأثيرا يغلب على رأى صاحب البصر وعلى هواه ، إن الرجل العظيم خوارزمشاه لم يسأل نفسه ، كيف يضع الله رأس ثور على جسد جواد ؟ !
 
كيف يفعل ذلك وهو الذي أتقن كل شئ صنعاً ؟ ! إنه هو الذي خلق الأبدان متناسبة ، وجعل الأعضاء مناسبة للأبدان ، انظر إلى هذه الأجساد المتحركة وخليفتها كأنها القصور الشامخة العظيمة ، وجعل لها مخارج ذات اليمين وذات اليسار ومن فوق ومن تحت ، وجعل فيها صهاريج ، وضع في البدن بعضه حالات هي محل للفيض الروحاني صهاريجها الحواس ومياهها متغيرة وهناك أيضاً حواس باطنة ، وفي جوف هذه الخلقة عالم لا متناه ، وبين خيام الشعر فضاء زائد واسع كالصحارى والبراري ( مولوى 6 / 482 - 483 ) " أتزعم انك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر " ، ( انظر مقدمة الترجمة العربية للكتاب الرابع ، الإنسان ذلك العالم الكبير ) ثم انظر إلى صنعة الله كيف يبديها لعباده ، يجعل أحيانا من القمر - وهو في الخسوف - كأنه
 
« 595 »
 
الكابوس ( في خسوف القمر أثبت العلم الحديث أن كثيرا من الكوابيس تبدو للخلق ) ، وألم يجعل قاع الجب روضة على يوسف عليه السّلام ؟ ! كان راضيا وكان الله قد أبدى له أن الجب هو بداية العرش والملوكية ، أحياناً يكون القلب في قبض ، وأحياناً في بسط ( إصبعى اللطف والقهر والجمال والجلال اللذين فسر بهما الصوفية حديث المصطفى صلى اللَّه عليه وسلّم [ قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبه حيث يشاء ] ، وإذا لم يكن الأمر كذلك وأن الأمور قد تكون عكس ما تبدو عليه ، لماذا طلب المصطفى صلى اللَّه عليه وسلّم من الله سبحانه وتعالى قائلًا : [ اللهم أرنا الأشياء كما هي ]
إن ما قام به عماد الملك لم يكن إلا مكرا ، لكن الله سبحانه وتعالى هو الذي أرشده إلى هذا المكروَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ *( آل عمران / 54 ) ( ومن هنا فالقلب بين إصبعيه ) ( انظر لتفسير مولانا عن الإصبعين الكتاب الثالث ، البيت 2779 ) ، حتى مكرك وقياسك وجدلك وتفلسفك وفيهقتك الله تعالى هو الذي يضعها في قلبك ، يستطيع أيضا أن يمحو هذه الأشياء كلها ويضرم فيها نار الغيرة الإلهية ، ويشير الانقروى ( 6 - 2 / 305 ) إلى حديث نبوي هنا : [ من ضيع أيام حراثه ندم في وقت حصاده ] .
 
( 3536 - 3542 ) : في ثنايا الحكاية يتحدث مولانا جلال الدين على لسان الواصلين ، فهم يكتمون الأسرار حتى يبقى نظام الدنيا على ما هو عليه . ويشير الانقروى ( 6 - 2 / 303 - 304 ) إلى حديث الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم [ لو تعلمون ما أنتم ملاقون بعد الموت ما أكلتم طعاماً على شهوة أبداً ولا شربتم شرابا على شهوة أبداً ولا دخلتم بيتا تستظلون ولرقيتم إلى الصعدات تلدمون صدوركم وتبكون على أنفسكم ] .
 
( انظر الكتاب الأول البيت 2077 ) عماد الدنيا قائم على هذه الغفلة ، ( لتفصيل نفس الفكرة انظر الترجمة العربية للكتاب الرابع ، الأبيات 1324 - 1353 وشروحها )
ومعنى أن قدر المحنة يصبح نصف ناضج أي أن المريد الذي لم يصل إلى الحقيقة بعد قد يكون سماع الأسرار مضرا به ( استعلامى 6 / 397 ) ، إن ما يتركه الواصلون عند مغادرتهم الدنيا هو الصورة : هو الأذن والشفاة الظاهرة فلا سمع ولا نطق بها
 
« 596 »
 
ويعوضون عنها بشفاه المعنى التي تنطق بما لا يفهمه البشر وتلك الأذان التي تسمع ما لا يسمعه البشر ، إن كل العطايا التي كانت معنوية في عالم الجسد أصبحت محسوسة واضحة في عالم الروح . ألست تخفى البذرة التراب ، وإن صارت نباتاً ظهر على وجه الأرض ؟ ! ( 3547 ) : إشارة إلى الحديث الدال على الخير كفاعله ( انقروى ، 26 / 306 ) .
 
( 3552 ) : والإشارة هنا إلى الملوك " تحت الأطمار " ( انقروى 6 - 2 / 308 ) .
 
( 3553 ) : إشارة إلى الحديث النبوي الشريف : [ إذا بايعت فقل لا خلابة ولى الاختيار ثلاثة أيام ] ( انظر البيت 3498 من الترجمة العربية للكتاب الثالث وشروحه ) .
 
( 3559 ) : من حديث نبوي ورواه ابن ماجة عن ابن عباس رضي اللّه عنه في الجامع الصغير :
[ العائد في هبته كالعائد في قيئه ] ( جامع / 2 - 67 ) ، وفي رواية [ العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه ] ( مولوى 6 / 488 - جامع ) .
 
( 3572 ) : رؤية الفيل للهند في النوم كناية عن الحنين إلى الموطن ( حنين الإنسان أيضاً إلى موطنه الأصلي ) ( انظر الكتاب الثاني الترجمة العربية البيت 2239 وانظر الترجمة العربية للكتاب الثالث البيتين 4204 ، 4205 وشرحهما والترجمة العربية للكتاب الرابع الأبيات 3068 - 3073 وشروحها ) .
 
( 3575 - 3592 ) : في نهاية قصة المدين ومحتسب تبريز يسوق مولانا فيض معرفته في موضوع من الموضوعات المجبة إليه وهو أن في عمل الحق علل وأسباب لا تتطابق مع موازين الحياة المادية المحسوسة ، وبحر السرور يعنى الوجود المطلق وبحر عالم الغيب ( انظر الأبيات 809 ، 1382 ، 3280 من الكتاب الذي بين أيدينا )
 
واليقظة في النوم والألباب في انعدام الألباب تعنى أنه قد ينفتح في النوم عالم من السرور قد لا ينفتح في اليقظة ، وأن العقل في ترك العقل والتدابير في انمحاء التدابير ، وهكذا ، ففي ذل الفقر يكون الغنى الروحاني والدولة السرمدية ، إن الأضداد دائماً ما هي مختفية داخل بعضها ( انظر الكتاب
 
« 597 »
 
الأول البيت 1140 والبيتين 741 ، 3509 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ألست ترى الماء المغلى ، إن النار قد امتزجت بالماء ، ونار النمرود صارت على إبراهيم عليه السلام روضة زهور نضرة ، والمال يربو من الزكاة والصدقات أي الإنفاق ولذلك قال صلى اللَّه عليه وسلّم [ السماح رباح والعسر شؤم ] ( أحاديث مثنوى ص 217 ) و [ ما نقص مال من الصدقات قط ] إشارة إلى الحديث النبوي الشريف [ ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً وما تواضع أحد لله إلا رفعه ] ( الجامع الصغير 2 / 153 ) وفي الحديث النبوي : [ مثل الصلوات الخمس كمثل نهر جار عذب على باب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات ، فما يبقى ذلك من الدنس شيئاً ] ( انقروى 6 - 2 / 317 ) وعن الوجود المخبأ في العدم والأشياء التي تبدو بعكس ظواهرها ( أنظر الكتاب الخامس الأبيات 1010 - 1051 وشروحها وتأويل : لقد أخلص آدم في السجود لله فجعله مسجوداً للملائكة ) .
 
( 3593 - 3609 ) : في هذه الأبيات نبدأ آخر حكاية طويلة من حكايات المثنوى وبنهايتها ينتهى الكتاب السادس من المثنوى . وتسمى هذه القصة بقصة قلعة ذات الصور أو القلعة التي تسلب اللب ، ومعظم مفسري المثنوى يعتبرون هذه القصة ناقصة وبالتالي يعتبر المثنوى ناقصاً ، وهذه النظرة نشأت من معرفة أصول الحكاية ثم صمت مولانا عن إكمالها وفي الواقع
- والكلام لاستعلامى - أن القصة ليست ناقصة وبالتالي ليس المثنوى ناقصاً . لماذا ؟
 
في بداية المثنوى تمثل الروح العارفة بعالم الغيب بالناى الذي يشكو من أنه أجتث من منبته ، وقيد في عالم التراب ، والناس جميعاً يضجون من أنينه وشكواه ويبحثون عن أوان وصلهم ، هذه الشكوى الموجهة من الناى منبثة من كل المثنوى ، وفي الواقع فإن الأبيات الثمانية عشرة الأولى من المثنوى هي خلاصة خلاصته ، وفي الحكايات الأخرى الواردة في كل أجزاء المثنوى هناك شخصيات باحثة كما كان الناى يبحث ، هؤلاء الباحثون عن المبدأ العشاق للحق أحياناً يسرعون ويتعجلون ويسقطون ، وأحياناً يسقطون ضحايا للأنانية والنرجسية فيتعرضون
 
« 598 »
 
لغضب الحق ، وأحياناً يواصلون رحيلهم الروحي بصبر وصمت فتكشف لهم أسرار الغيب .
وفي الحكاية التي بين أيدينا يمثل كل ابن من الأبناء نمطاً من أنماط السلوك ، ويعتبر بعض شراح المثنوى الملك هنا بمثابة المرشد والأبناء الثلاثة بمثابة النفس والعقل والروح الباحثة عن المعرفة ، ويعتبرونها مراحل ثلاثة لكمال المريد ، وهذا التفسير ليس صحيحاً لأن الصفات التي يقدمها مولانا للأبناء الثلاثة لا تجعلهم مختلفين إلى هذا الحد بحيث يمثل كل واحد منهم مرحلة من هذه المراحل الثلاثة ، فالثلاثة عشاق لمعشوق واحد غير مرئى ، وكل واحد يدل الآخر - دون وجود روح المنافسة - على طريق الوصول إلى محبوبه ، فنحن بالفعل أمام ثلاثة أنماط من السالكين إلى طريق الحق ، وكأن مولانا كان يقول لمريديه قبل نهاية المثنوى أن السير في طريق الحق يتمثل في هذه الأساليب الثلاثة .
 
والأمير هو الإنسان عموماً وتكرر المعنى كثيراً في المثنوى ( وهو أشد وضوحاً في الحديقة ) ، ووالدهم هو عالم التراب هذا ، هؤلاء الأبناء يتركون والدهم طلباً للرحيل في الآفاق والأنفس ، ويريد والدهم أن يردهم إلى عالمهم ويحذرهم من الرحيل إلى قلعة ذات الصور ففيها صور قد تجرهم إلى عالم آخر ، وليست هذه الصور إلا تجليات عالم الغيب في عالم الشهادة .
 
وفيها توجد صورة ابنة ملك الصين تسلب لب الأبناء الثلاثة ،
بحيث ينسون العودة إلى والدهم ، هذه الصورة هي كأس خمر تهب الأبناء الثلاثة خمر الروح ،
وواهب الخمر ملك الصين رمز للخالق يصفه مولانا بأوصاف الحق ، فهو عالم ببواطن هؤلاء السالكين ، يهبهم أضعاف أضعاف ما فقدوه في عالم التراب .
 
هذه الحكاية هي في الواقع حكاية السلوك الصوفي يبدأ من بلاط ملك العالم وبعد قطع الفيافي والوهاد والجبال يحوزون وصال ملك الصين أي الوجود المطلق ، في هذا السلوك نرى ثلاثة من السالكين ،
كل منهم ممدوح عن الآخر " لكن أسلوب السلوك ليس واحداً ، فالأكبر من رؤيتة للصورة يرى أنه ينبغي على من هذا التجلي الصوري أن يبحث عن بنت ملك الصين ، لكنه متسرع يلقى بنفسه في بلاط ملك الصين دون أن يتأكد أن هذا
 
« 599 »
 
البلاط سوف يقبله أو لا يقبله ، ويتطف معه الملك ، لكن تسرعه يرديه وينتهى عمره دون أن ينضج ويرى النور ، ويحضر الابن الثاني على جثة أخيه في حضور ملك الصين ويشمله الملك برعايته ، لكنه لا يملك الاستحقاق ، ويعتبر عناية الملك به للكمال فيه ، ويطغى ويتمرد قائلًا أنا أيضاً ملك وابن ملك ، فيصميه سهم الملك ، لكن الابن الأصغر لا يبدي أي فضل أو ادعاء أو تسرع ، فلا هو متسرع كالأول ولا هو مغرور كالثانى ، بل ولا يذهب إلى بلاط ملك الصين لأنه فان في العشق قبل كل هذه المنازل ،
والإبنان الآخران يعدان نفسيهما من محبوبي الملك دون أن يقطعوا كل مراحل الكمال ،
وعندما يرمى الملك الابن الثاني بسهم ويصميه يبكى على جثته .
والحكاية ( أو بعضها وملخص شديد لها ) موجود في مقالات شمس الدين التبريزي ، وفي تفصيل مصير الابن الثالث الذي لم يرد في المثنوى يقص شمس الدين أنه بعد مصرع أخويه يثبت على حب الأميرة ، وبنصيحة مربية الأميرة التي تعجب بصدقة وثباته تهب لمساعديه وتضع ثورا ذهبياً تضعه داخله وتحمله إلى مخدع الأميرة ، فيسرق نقابها ويعرضه دليلًا على وصالها ثم يصمت شمس الدين فلا يكمل الحكاية بدوره
( انظر استعلامى 6 / 299 - 401 ومقالات شمس الدين التبريزي ، تحقيق موحد 1 / 246 - 247 وباختصار ص 269 - 270 )
لكن مولانا تحدث عن مصير الابن الثالث في حكاية تالية تبدو منفصلة ، لقد كان أكثر كسلا من أخويه فاختطف الصورة والمعنى ، إن صمت الابن الثالث وعدم محاولته يبين أنه وصل إلى تمام المعرفة ، وهذا يكفى - في رأى استعلامى ( 6 / 401 ) - لكي تكون للقصة نهاية .
 
وتفسير استعلامى يبدو معقولا : إلا في نهاية القصة ، فالنهاية جديرة ومتسقة بالفعل مع نسق التفكير الصوفي لكن من ناحية أخرى ، فالوصول لا يستوعبه حديث ، ونهاية التجربة لا يعبر عنها بالكلام ، ومن ظن أنه قد وصل فقد فصل ، والعارف دائما ما هو معرض للاستدراج ،
 
« 600 »
 
وقد يكون ظن الوصول من قبيل الاستدراج فيغتر العارف ، وفي غروره يكون موته المعنوي وإنزال رتبته ، ثم إن الحكاية كلها حكاية عشق ، ومن قال أن للعشق نهاية ؟ !
 
كل حكايات العشق في كتب المثنوى الستة لا نهاية لها تشبه النهايات التي توضع عادة للقصص ، فالمراد بها في الأصل بيان الأحوال التي تتوالى على العاشق ، ولا يُدرى لها نهاية ، فلماذا نريد نهاية للحكاية ؟ !
 
ويقدم مولانا صورة بشعور الأب تجاه أولاده وكيف انه يستمد منهم أسباب وجوده ومادة حياته نظرة إليهم تروى أوراق عمره الذابلة ، إنها عوامل روحانية ، وقنوات يصنعها الله تعالى لكي يجعل للحياة معنى ، إن كل وجودك قد صنع من أجزاء العالم ، أخذت جزءاً فيه من الأرض ، وجزءا من السماوات ، وجزءا من العناصر ، أتظن أنها لن تسترد منك ؟ !
 
كلها سوف تسترد منك اللهم إلا النفخة الإلهية ، الروح ، إنني أقول لك إن وجودك الجسدي عبث ، لكن هذا أمر نسبى ، إنه عبث بالنسبة للروح لكنه ليس كذلك بالنسبة لصنعة المحكم ، فالحكيم لم يخلق شيئا عبثا ( عن فكرة أن الأجزاء الأرضية من جسد الإنسان تعود إلى أصولها والروح تعود إلى أصلها ، أنظر الترجمة العربية للكتاب الثالث ، الأبيات 4424 - 4444 وشروحها ) .
 
وهناك تفسيران آخران للحكاية جديران هنا بالذكر : الأول قدمه ملا هادي السبزواري ( شرح مثنوى - ص 493 وما بعدها ) ويرى أن المقصود بالملك وأولاده الثلاثة ، العقل الكلي وأولاده النفس الناطقة القدسية والعقل النظري والعقل العملي ، والرحلة هي قطع العوالم القدسية : الملكوت والجبروت واللاهوت ، ومجىء الأمراء إلى قلعة ذات الصور هبوط من عالم العقول الكلية إلى العالم الصوري الجسماني ،
 
ومملكة الصين إشارة إلى نفس عالم الصورة العنصري والنفوس الهيولانية ، وقلعة ذات الصور المراد بها عالم البرزخ المثالي والصورة المثالية من الصور والنفوس الطبيعية التي شاهدتها النفس العلوية قبل هبوطها إلى العالم الجسماني في نشأة الأرواح المثالية ،
 
 وما تراه في عالم المحسوسات الجسماني هو شعاع من نفس تلك الصور المثالية ، والمقصود من بنت ملك
 
« 601 »
 
الصين البدن العنصري الذي تندرج وتنطوى فيه كل الصور ، وشدة تعلق النفس الملكوتية بصورة البدن العنصري الطبيعي ألقى بها في بئر البلاء ، لأن مشاغلها الحسية الطبيعية قد منعتها عن السير في الأصقاع الربوبية ، وقد عبر عنه بالبنت بسبب أنوثة العالم الجسماني وانفعال مادته ،
إذن فقلعة ذات الصور هي نفس هذا الهيكل الجسماني والبدن الطبيعي العنصري ، وكون أن له خمسة أبواب إلى البحر وخمسة أبواب إلى البر كناية عن الحواس الظاهرة والحواس الباطنة ، ولأن الأكبر يعبر عن النفس الناطقة لأنه لما كانت مدة هبوطه قد انتهت ، وتوفي بالأجل الطبيعي ، فقد أنهى ما تبقى من سيرة الكمال ،
بالرغم من أنه لم يتوصل إلى وصال صاحبة تلك الصورة التي رآها في القصر ،
يعنى أنه كان قد خرج ناقصا من الدنيا لأن النفس الناطقة متجهة إلى ذات الحق ،
وفي كل وقت تتجه إلى الكمال ، وعندما رفضت الجسد بالموت الطبيعي ،
وتخلصت من شواغل الحس المادي ، تجد حالة تجردها الأصلي وتصل إلى الكمال اللائق بها فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ، وسبب الموت الطبيعي هو هذا لا كما يقول الحكماء الطبيعيون . وهناك أسباب عديدة للموت لكنها ليست واقعية ، فالروح العلوية بذاتها متجهة إلى العالم العلوي ، وفي سبيلها إلى الكمال المطلق ، ولا يتم ذلك إلا بترك البدن ، ومن هنا يستقبل العارفون الموت بحب .
 أما الابن الأوسط فهو العقل النظري ، والأغلب أنه لما كان العقل النظري لا يسبب الكمال البشرى ، وإصابته بطعنة من باطن ملك الصين ، وعين الكمال عنده لنفس هذا القصور الذاتي استكمال ، وأيضا لأن النفس المسولة واللوامة والأمارة تتلقى من الجراح وتهلك قبل أن تصل إلى الكمال المترقب ،
أما الابن الأصغر فهو العقل العملي الذي يتملك ابنة البدن ، ويدبر معاشها ومعادها ، ويصل إلى وصال الصورة والمعنى .
أما التفسير الثاني فهو تفسير جلال الدين همائي ( تفسير مثنوى مولوى - داستان
 
« 602 »
 
قلعهء ذات الصور يا ذر هوش ربا - انتشارات دانشكاه تهران - تهران 1349 هـ . ش .
صص 26 - 32 ) ويرى همائي أن هجرة الأمراء من موطنهم إشارة إلى ذلك الصنف من السالكين لطريق الرشد الذين لا يقنعون بأفكار الموروثة ، ويقومون بأنفسهم وهمهم التحري عن الحق والحقيقة ، وأكبر خطر يواجه هذه الجماعة هو نفس هذا الفناء والخسران الأبدي الذي نصحهم أبوهم بتجنبه ، ويمثل أبوهم العقل الناظر إلى المصلحة الذي يدبر أمور الدنيا ، ومن ثم ينصحهم بعدم الذهاب إلى القلعة التي تخدع العقل وتوقع في العشق والفتنة وتسبب اضطراب الكسب والمعاش وتحصيل الجاه ،
وذلك لأن هذه الجماعة تفرط في رفاهيتها الموجودة في موطنها ، وهذا ناتج عن الغفلة .
فسفر الأمراء من الملك الموروث إلى ديار الصين وتجوالهم مثال على أحوال تلك الطبقة من المحققين الذين يغتربون عن أوطانهم ، ويلقون بأنفسهم كريشة في مهب ريح غير معلومة لديهم ، وهم في الواقع طلاب للمجهول ، بحيث يفتنون بصورة دون أن يعلموا صورة من هذه ، وما هو الطريق إلى وصالها .
 
وقلعة ذات الصور هي الدنيا ، كل صورة منها خادعة للعقل واللب في طريق البشر :
فصورة منها للمال والثروة ، وصورة أخرى للدولة والحكم ، وصورة ثالثة للإسم والجاه ، وكل منهم قطعت عليه صورة من هذه الصور الخادعة طريق العقل واللب ، لكن تلك الصورة التي كانت في القلعة هي صورة الجمال الذي يخلق العشق ،
وخواص البشر إن لم نقل أكثرهم مبتلون بهذا الفخ وهذه المحنة ، فإذا كان العشق المجازى منحته السعادة الأبدية التي يطلبها العارفون والمصطفون ، فإن نتيجته الشقاء الأبدي الذي حذر الوالد الأمراء الثلاثة منه .
 
ومملكة الصين كناية عن بداية منزل الغرائب والعجائب الروحانية التي يصل إليها السالكون في أودية السلوك الصوفي ، وتحدد مصيرهم النهائي الأبدي ، وهو صورتهم الفعلية الأخيرة في ذلك العالم .
والشيخ الذي يقابل الأمراء في أيام الحيرة والاضطراب ويكشف لهم سر الصورة ، هو شيخ الإرشاد المعين الذي أرسل من قبل قطب الوقت وولي العصر لهداية
 
« 603 »
 
الطلاب والسالكين ، وملك الصين هو القطب والغوث الأعظم أو ولي العصر ، وكمال كل سالك موقوف على عنايته واهتمامه الباطني ، والأمراء الثلاثة مثالٌ على أنواع السالكين الطالبين الظامئين في وادى الطلب لزلال التحقيق ، والذين يقسمون طبقا لأوضاعهم وأحوالهم الداخلية والخارجية وقربهم وبعدهم وحرمانهم وتوفيقهم في الوصول إلى منزل المراد ، يقسمون بشكل عام إلى ثلاث طبقات ،
وكل واحد منهم نموذج لطبقته ، وأساس هذا التقسيم مبني على درجة معرفة الطالب وقربه أو بعده عن المطلوب مع مراعاة مطابقة أصل الجهد والسعي مع العناية ، والطبقات الثلاث هي : الأكبر نموذج لأولئك الذين يرون أن الحصول على المقصود متوقف على جدهم وجهدهم وتنتهي أحوالهم دفعة واحدة .
 
لقد ظل عشق الصورة في قلبه ، ومن ثم رأى أن كماله الروحاني موقوف على انتهاء حياته .
والأوسط نموذج لأولئك الذين لا يقومون بأنفسهم بالجد والطلب لكن لقاءهم بالمشايخ وأرباب الحال يعطيهم الموهبة التي لا يعرفون قدرها فيفقدون هذه النعمة دون أن يحسوا ،
كان وصول الابن الأوسط أثناء جنازة أخيه مصادفة ، وحدث له فجأة ما حدث لأخيه ، ولم ينج من مصير أخيه ، والابن الأصغر يمثل أولئك الذين لا يسعون بل ينتظرون التوفيق والعناية الربانية ، وعندما يهب عليهم نسيم العناية ، يصلون إلى مقاصدهم .
 
( 3610 - 3623 ) : أساس حديث مولانا هنا أن كل القنوات التي تمد في العمر من الخارج لا دوام لها ، والرباعية المذكورة في العنوان لمولانا جلال الدين الرومي ( كليات ديوان شمس ، ص 1382 ، الرباعية رقم 778 مع اختلاف الشطرة الثانية إلى ومن سماع القصص لا تحل هذه العقدة ) ، والتجافي عن دار الغرور مذكورة في حديث نبوي
( انظر البيت 3083 من الكتاب الرابع ) ، القناة التي تستمدها من باطنك تغنيك عن كل القنوات التي تأتى من الخارج ، فإن تدفق الماء يستمر فيها ما دام متصلا بالبحر ( الفيض ، المعرفة ) ، وقرة العين لا ينبغي أن
 
« 604 »
 
تكون من الماء والطين فهي معرضة للموت والفناء ( والفشل والجحود والنكران ) وقد تكون مصدر ظمأ وليست مصدر إرواء ، وما أشبه ذلك الأمر بقلعة يأتيها الماء من الخارج ، فهي مرتوية ريانة ما دام السلم موجودا فإن قامت الحرب قطع عنها الماء وغرقت في بحر من الدم ، ولا يسد ظمأها إلا نهر عين من الداخل حتى وإن كان ماؤها ملحا أجاجا ،
 
 وهكذا يقطع عليك الموت تلك الأنهار التي تستعيض بها عن النهر الحقيقي ، ألا تقطع جيوش الموت وجيوش الخريف والشتاء الأوراق والفروع عن الأشجار الباسقة ،
بل أن ربيعها لا يكون ربيعا إلا إذا اقترن بوجه الحبيب ، ألست ترى أن الدنيا قد لقبت بدار الغرور ومن ثم فإن علامة وصول النور إلى قلب المؤمن " التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود والاستعداد للموت قبل حضوره " . . .
لقد خدعتك ، قالت : سوف أزيل عنك الألم ، كانت تخاطبك بحلو الحديث قائلة : ليبتعد الألم عنك ، لكنها عندما أحدقت بك الأخطار ، تركتك وانصرفت إلى سواك ، وما أشبهها في هذا الأمر بالشيطان الذي ورد ذكره ،
في سورة الأنفال : وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ ، فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ( الأنفال / 48 ) ( انظر لتفصيلات حول الأفكار الواردة في الأبيات الترجمة العربية للكتاب الثالث ، الأبيات 4039 - 4055 وشروحها ) .
 
( 3633 - 3643 ) : لا تظن انك غير مسؤول ، وانك سوف تأتى يوم القيامة وسوف تقول يا إلهي : كنت مخدوعاً ، فالاختيار في يدك ، ( عن الإرادة الإلهية والحرية الإنسانية انظر :
مقدمة الترجمة العربية للكتاب الخامس من المثنوى ) .
وهكذا فكلاهما : اللوطي والملوط به ، والمخدوع والخادع ، ومن قطع عليه الطريق إلى الله وقاطع الطريق عليه ( الحمار وآخذ الحمار ) ، كلاهما سوف يتعرضان للعقاب ، ذلك إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات ( أنظر الكتاب الخامس ، الأبيات 2220 - 2229 وشروحها ، حيث
 
« 605 »
 
شبه التوبة بالربيع الذي يقضى على خريف الذنوب ) . فالعرش يهتز من أنين المذنبين وإعلانهم التوبة ( اهتزاز العرش عند سعدى الشيرازي من بكاء اليتيم ) ،
مثل ذلك الإنسان الذي يتوب الله عليه ، ويقبل توبته ، يسعد في رياض الفضل والعطاء ، فالله سبحانه وتعالى على عبده التائب الآئب أكثر رحمة وحنانا من الأم بولدها ، يعلم المذنب آنذاك أنه كان يطرق باب هذا وباب ذاك ،
 يسلك هذه القناة وتلك القناة تاركا البحر الذي منه تستمد كل هذه القنوات ، وعندما يبدي الحق غيرته ، يسد أمامه طرق القنوات والوسائط ، فيصبح كالسمكة ، لا حياة لها بعيدا عن البحر ، ولا عوض لها عنه من القرب .
 
( 3651 - 3664 ) : يشبه مولانا قلعة ذات الصور ، بأنها حجرة زليخا التي ملأتها زليخا بصورها بحيث أن يراها يوسف عليه السّلام حيثما نظر عندما كان يحول بصره عنها وهذا كيدها ، والله تعالى جعل الدنيا مظهرا لآياته ، " وفي كل شئ له آية . . . تدل على أنه الواحد " ، وذلك من أجل ذوى الأبصار المستنيرة ، الذين يرون الله في كل شئ " أراه في كل معنى رقيق رائق بهج " ، فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ، وينقل الأنقروى ( 6 - 2 / 333 )
 بيت ابن الفارض :وكل شخص بدا لي أنه قدحى * وكل لحظٍ أراه فهو لي ساقى. يبديهما لشيطان ؟ ! بل إن الشيطان إن وجد هذه الجرعة وصار عاشقاً لا نقلب إلى ملاك ومن هنا قال صلى اللَّه عليه وسلّم ( ما منكم من أحد إلا وله شيطان إلا أن شيطانى أعانني الله عليه فأسلم ) ،
ومن هنا يصير الإنسان الذي يبلغ من الشر مبلغ يزيد بن معاوية ( قاتل أبناء الرسول ) خيرا خالصا وفي فضل صوفي عارف بلغ شأواً بعيداً في مدارج الروح مثل أبى اليزيد البسطامي ، ويفضل الملائكة ( عن أبي يزيد انظر الترجمة العربية للكتاب الخامس الأبيات 3396 - 3397 وشروحها ) .
 
( 3638 - 3676 ) : يذكر حديث الأب هنا بنهى الله سبحانه وتعالى لآدم عليه السلام عن
 
« 606 »
 
الأكل من الشجرة المحرمة ، فلو لم يكن الأب قد نهى أولاده عن الذهاب إلى القلعة لما فكروا أصلًا في الذهاب إليها ، وهكذا فالإنسان حريص على ما منع ( انظر البيت 854 من الكتاب الثالث ) ،
وأكثر الخلق لا يرون تجليات الحق بالجمال في هذا العالم ، وانظر إلى مولانا يفرق بين تلقى فئتين عن النهى : أهل التقى الذين ينهون النفس عن الهوى ، إن مجرد النهى يبغضهم في ما نهى عنه ، لكن أهل الهوى يقعون في ما نهوا عنه لمجرد أنه منهى عنه ، ألم يرد في شأن القرآن الكريم يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ ( البقرة 26 )
 
والمعيار : الإنسان نفسه إذا كان لديه الاستعداد للهدى أو الاستعداد للضلال ، والحمام الأليف المخلد إلى الأرض هو غالباً الذي يقع بين البوص " حبائل الدنيا ومغرياتها " ، لكن الحمام المحلق في سماء العرفان نادراً ما يقع في هذه المغريات .
 
( 3679 - 3689 ) : يعود مولانا إلى فكرة دق عليها في بداية المثنوى وهي الإنسان من فرط ثقته بنفسه وغروره بقدراته ، أحياناً يعتمد على حوله وطوله ، ويبدأ في عمل ما دون أن يستثنى أي دون يقول " إن شاء الله " ويعود مولانا - وهو في ختام الرحلة ونهاية المطاف - فيذكر بما سبق أن مر في حكاية مرض الجارية ومحاولة الأطباء علاجها دون جدوى ( الكتاب الأول الأبيات 25 - 247 )
كان كل منهم واثقاً في نفسه - الطباء والأبناء - عارفاً بفنه ، مقتنعاً بقدرته ، معتمداً على العلوم التي حصلها والأسباب التي أخذ بها ، والنتيجة ؟ ! الفشل الذريع لأن كل هذه أمور لا تنفع إذا كان الله لا يريد
( عن الاستثناء انظر 48 - 50 من الكتاب الأول و 1640 من الكتاب الثالث ) ،
إن الأشياء التي لا يريدها الله أن تتم لا تتم ، هذا هو لب الأمر ، قلتها ، وسأظل أقولها وإن كان هناك مائة كتاب فهي ليست سوى معنى واحد " لا وجود إلا لله ولا إرادة حقيقية إلا لله " ، والطرق كثيرة ، والمذاهب كثيرة بعدد أنفاس بني آدم ، لكنها تفضى إلى منزل واحد ، المبدأ والمعاد ، حتى في وجودك الجسدي أيها الإنسان إن شبعت ( وصلت إلى الحقيقة ) فإن كل المآكل تستوى أمامك لكن عند الجوع ( الحيرة عدم
.
يتبع
.
الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء السادس د. أبراهيم الدسوقي شتا
* * * 
 أبيات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا 

* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح 01 - 4932 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح 3410 - 3856 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح 01 - 4932 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالأحد مارس 28, 2021 6:30 pm

الهوامش والشروح 3410 - 3856 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )       

الهوامش والشروح 3410 - 3856 على مدونة عبدالله المسافر بالله

الهوامش والشروح 3410 - 3856 فى المثنوي المعنوي الجزء السادس د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح عقاب يوسف الصديق بالحبس بسبب طلبه العون من غير الحق
« 607 »
الوصول إلى المعرفة ) لا تبالى أي شئ تأكل ، تكون المآكل أمامك عديدة ، تجار أيها تأكل ، مهلًا إن الأصناف العديدة كلها بالنسبة للجائع صنف واحد ، ويعود مولانا إلى حكاية الجارية المريضة : كان كل هؤلاء الأطباء كالخيول الجامحة لا تدرى إلى أين تنطلق لا تدرى وجهتها ، فعندما يفقد المرء الوجهة ، يفقد كل شئ ، إن هذه الخيول لم تدرك أن ثمة فارس يركبها ، وأن الزمام ليس مفلوتاً ، لكن الفارس لا يأبه بها ولا يوجهها .
 
( 3691 - 3712 ) : أيتها الخيول الجامحة ، إن كل ما تعانون منه إنما هو من مكر هذا الفارس ، إنكم لا تدرون شيئاً لأنكم تركتم الإيمان به ومن ثم فأنتم تساقون نحو الأشواك وتحسبونها وروداً ( انظر الكتاب الثالث مكر ذلك الفارس أنه أثار الغبار فانطلقتا في أثره ، الأبيات 383 - 389 وشروحها ) ،
إن كل أولئك الذين يعتمدون على أنفسهم يقولون : لقد أخذنا بالأسباب ، أترى الآخذ بالأسباب فحسب يوصل إلى نتائج ؟ انظر إلى من أخذوا بنفس الأسباب ومع ذلك لم يصلوا إلى نتائج ؟ ؟ وإذا كنت قد أخذت بالأسباب ( ربطت ثوراً ) ثم وجدت النتيجة مختلفة ( وجدت حماراً ) ، فهذا أمر لا يتجاهل ولا بد أن نتساءل عن من بدل الأمور هكذا ، وتذكر قول الأمام علي رضي الله عنه " عرفت الله بفسخ العزائم وحل العقود ونقص الهمم " ( انظر الترجمة العربية للكتاب الثالث الأبيات 4458 - 4473 ) ،
انظر : أنت تمضى في أثر تجارة ما آملًا الكسب ولا كسب ، خسارة ثم دين ثم إفلاس ثم سجن ، أتظن أن التجارة هي أساس الكسب ؟ ، فلم يفلح تاجر ويخسر تاجر آخر ؟ ،
تحضر البئر لأخيك فتقع فيه أنت ، تتزوج غنية لتغتنى فتأتي هي على ما لديك بالفعل ، وتستدين ، كيف حدث هذا ؟ لقد رأيت فلاناً تاجر وكسب ، ورأيت آخر تزوج غنية فصار غنياً ، لكنها المقادير تضع غشاوة على العيون ، إن الله سبحانه وتعالى هو مقلب القلوب والأبصار ، إنه يبدي الماعز ( الذكي الخفيف الحاد ) حماراً ( في غبائه وعناده )
( انظر لتقليب الرب الكتاب الذي بين أيدينا البيت رقم 221 والمبدل البيت رقم 3696 ) ، إن الأمر ليس سفسطة ، بل إن الله تعالى يتم ما قدره في
 
« 608 »
 
علمه وسابق أزله ، لكنك اعتمدت على الطريق وعلى الأسباب ، وعلى خيالك ، ومنكر الحقائق لو فكر أن التفكير في خياله هو مجرد خيال ، لوصل إلى بداية طريق الحقيقة .
 
( 3713 - 3720 ) : البيت المذكور في العنوان من غزلية لسنائى الغزنوي ( ديوان سنائى - بسعى واهتمام مدرس رضوى ط 3 تهران 1362 ه . ش ، ص 970 ) ، وتعبير النفس اللوامة مأخوذ من القرآن الكريم ( سورة القيامة 2 ) ، وقد ذكر نجم الدين الرازي في مرصاد العباد ثلاث مراتب لتكامل النفس : النفس الأمارة بالسوء والنفس الملهمة والنفس المطمئنة والنفس اللوامة التي يوجهها الظالم إلى نفسه لأن لديه الاستعداد للطريق القويم لكنه يسلك طريق الضلال فيلوم نفسه ( مرصاد العباد ص 343 وانظر عن النفس المطمئنة البيت 572 من الكتاب الأول و 3419 من الكتاب الرابع و 558 من الكتاب الخامس )
والآية المذكورة في العنوان من سورة الملك ( انظر أيضاً تعليق آخر عليها في الترجمة العربية للكتاب الخامس الأبيات 2873 وما بعده وشروحها ) ،
ثم يشير مولانا إلى الأكل من الشجرة المحرمة المنهى عنها ، لقد تركا كل فاكهة الجنة واتجها مباشرة إلى تلك الشجرة المنهى عنها ، وهكذا فعل الأبناء اتجهوا مباشرة إلى القلعة المنهى عنها ، إنها قلعة توصف بوصف يذكر بوصف الجسد لها خمسة أبواب إلى البر
 ( الدنيا ، الحواس الخمسة الظاهرة ) ، أي أنه من الممكن حتى عن طريق قلعة ذات الصور الوصول إلى الحقيقة ، المهم أن تغلق أبواب البر وتفتح أبواب البحر وتصرف بصرك عن تلك الصور .
 
( 3721 - 3733 ) : يترك مولانا القلعة ويتحدث عن الدنيا ( ذات الصور ) إن زينتها لا تجلب السكر ، إنها كالأقداح البلورية لا تؤدى في حد ذاتها إلى السكر ، وهكذا يضيع عمر الإنسان في البحث عن الأدوات لا البحث عن معنى للحياة ، التضحية بالمعاني في سبيل المادة ، التضحية بالخمر في سبيل الكأس ، وهي ليست واهبة الخمر
( الفيض ، العطاء ) ، فافتح فمك نحو واهب الخمر ، فهيا أيها الإنسان : دعك من صورة القمح " الحياة المادية " وانظر : ألم
 
« 609 »
 
يتحول الرمل للخليل عليه السلام إلى قمح ؟ ( انظر 382 من الكتاب الثاني ) ، وما كل عكوفك على الصورة ألست ترى الصور تأتى جميعها من العدم ؟ ! ( انظر 2781 والبيت 3588 من الكتاب الذي بين أيدينا وشروحها ) ألست ترى الأيدي هي التي تنسج ، فانظر إلى فاقد الأيدي عندما ينسج ( إشارة إلى حكاية وردت في الكتاب الثالث انظر الترجمة العربية الأبيات 1707 - 1720 وشروحها )
والقلب أليست تتقاطر على الخيالات والأفكار من جزاء الهجر والوصال ؟ ما الفرق بينها إذن وبين هذا العالم الصوري ؟ ! أليست كلها خيالات ولا وجود لها في الحقيقة ؟ ويلاه ، والأمثلة التي أضربها قاصرة عن التعبير لك ، فلا دليل لها يكون محسوساً لديك ، وانظر إلى عدم التشابه بين المؤثرات والآثار ؟ ! هل الضرر الذي حاق بك يشبه النواح الذي تقوم به ؟ النواح صورة والضرر محسوس ، إنه جهد المقل حتى في التعبير ، وطالما قلت لك أن آفة الحال إدراك المقال ( الكتاب الثالث البيت 4730 وشروحه ) .
 
( 3734 - 3750 ) : إن قدرة الله على الخلق تجعله يصور عند الإنسان خيالات وأفكار ثم لا يلبث أن يلبسها لباس الحواس ( ألم يكن هذا الكتاب صورة في ذهن المؤلف ثم في ذهن المترجم والشارح ثم تولد كتاباً ؟ ! )
لقد كان الإنسان نفسه صورة عند الخالق ، ثم ألبسه لباس الجسد والحواس ، وكل ما يطرأ على هذا الوجود هو مجرد صور ، يترتب عليها خير أو شر ( سلوك محسوس ) فعندما تكون ثم نعمة يكون المرء شاكراً ، وعندما يتأخر عليه الخير يكون صابراً ، وإن كانت ثم رحمة فهو مستبشر نام ، وإن كان ثم جرح وعذاب فهو شاك باك ، والإنسان في كل ما يقوم به ، إنما يقوم به بناءً على أفكار هي مجرد صور تتم طبقاً لها سلوكيات معينة محسوسة ، إن تولدت في قلبه صورة الخضر يهاجر عن موطنه ، وإن تاق إلى مشاهدة عوالم الغيب انفصل عن الدنيا واختلى بنفسه ، هل لإحساس القوة صورة ؟ ! ومع ذلك فهو الذي يدعو إلى التعدي والظلم ، الفكر
 ( في مصطلح مولانا الخيال ) هو داعى الفعل ، وما هذه المشاغل والحرف والمعتقدات إلا من نتاج الأفكار التي تطورت إلى أفعال ، وكأنها
 
« 610 »
 
جماعة واقفة على سطح منزل تنعكس ظلال أجسادها على الأرض ، ونفس الصور تؤدى إلى أحاسيس ومدركات : كأس السرور في مجلس الشيخ يؤدى إلى الانسلاخ عن الذات وفقدان الوعي ، الملاعبة والجماع يؤديان إلى النشوة وفقدان الوعي ، الخبز والطعام يؤديان إلى القوة ، الظفر والنصر من السيف والدرع ، الصور تؤدى إلى ما لا صورة له ، وما لا صورة له يؤدى إلى ما له صورة ، العلم المكتوب صورة ، يؤدى إلى العلم الموجود في الصدور ( لا صورة ) ، وطلب العلم (لا صورة) يؤدى إلى اللجوء إلى الكتب والدرس والأستاذ (صور).
 
( 3751 - 3773 ) : إذا كانت كل هذه الصور ( الخليقة ) عباداً لمن لا صورة له ( الوجود المطلق ) ، فما بالك تنكر صاحب هذها النعم ذلك الذي صورها لك أحسن تصوير ، إنها كلها منه ، فما هذا الإنكار وما هذه الجحود ؟ ! إن الإنكار في حد ذاته إثبات في ذهن المنكر . إنه عمل معكوس يبدي غير ما هو واضح وحقيقي ( عن العمل المعكوس ، انظر الأبيات 1594 - 1641 و 1745 من الكتاب الذي بين أيدينا و 426 من الكتاب الخامس وشروحها ) .
 
فهل ينكر أحد ما لا وجود له ؟ ! لكني مع ذلك أستطيع أن أضرب لك مثالا محسوساً ، إن البناء الذي تراه هو صورة في فكر المهندس ، فهل رأيت طوبا وخشبا في فكر هذا المهندس ، فإذا كان هذا فاعلا محدوداً ، فلماذا تريد أن يكون الفاعل المطلق ذا صورة ؟ !
 
إنه من كرمه يبدي لنا الصور ( المحسوسات ) أحيانا من كتم العدم ويتحلى فيها ، إن هذا الجمال والقدرة التي تراها عند المخلوقات وهي قبس من تجليه بجماله وقدرته ، لكن هذا التجلي عندما يخفى عن من لا بصيرة لهم ، ينصرفون إلى هذا العالم المادي يلدون منه ، وهذا هو عين الضلال ، فكيف تلجأ الصورة إلى الصورة ، وكيف يلجأ محتاج إلى محتاج ؟ !
وكيف تكون الصور وهي عبيد آلهة ؟ ! إن هذا هو عين التشبيه ، ضراعتك ، فحسب هي السبل إليه وفناء ذاتك وأنيتك ، وعدم التفكر في ذات الحق
( وعن هذا التشبيه يقول الأنقروى نقلا عن شرحه لفصوص الحكم : إن المراد بخلق آدم على صورة الله ، ليس الصورة كما تفهم فليس لله صورة بل المقصود
 
« 611 »
 
الصفات ، ( 6 - 2 / 354 ) . " انظر وتفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في ذات الله ، البيت 3701 من الكتاب الرابع ) وإن لم تستطع الوصول ، فدع صورة تتولد فيك دون أنيتك ، إنك بمقاييسك الأرضية الذي تفسد كل شئ ( انظر الصورة التي لا نهاية لها ، والصورة التي لا صورة فيها في البيتين 3499 - 3500 من الكتاب الأول )
 
إن لذة تصور جمال المدينة التي تمضى إليها هي التي تدفعك - أيها السالك - إلى السفر وإلى الحركة ، إذن فمن الممكن عن طريق الباطن السفر إلى اللامكان وإلى عالم الغيب ، فاللذة التي تسوقنا هي غير المكان وغير الزمان ، إن الدافع إلى هذا السير والسلوك عاملٌ لا صورة له ، تراك حتى إن قصدت المحسوسات تقصد شيئا آخر غير المعنويات : تمضى إلى صديقك وهو محسوس قاصداً الأنس به وهو معنى ، فإن حركة الإنسان دائما هي نحو المعنى ، فالطرق كلها تؤدى إلى اللذة الخالصة ، لكن الناس تنظر إلى الذيل ، إلى الدنيا ، ويبتعدون عن الرأس ( انظر الحكاية الأولى في الكتاب الذي بين أيدينا ، البيت 129 )
 
أي عن عالم الغيب الذي هو مبدأ كل حركة ومع ذلك فإن هذه الرأس ليست مختفية عن عيون أولئك الضالين ، إنها تتجلى في عالمهم المادي ، إنهم يجدون العطاء أيضاً في هذا العالم المادي ( انظر ليس المقلد أيضاً محروما من الثواب ، البيت 499 من الكتاب الثاني )
 
 لكن آخرين خسروا الدنيا والآخرة ، فلا هم تدبروا آلاء الخالق في الدنيا ولا هم ساروا إليه ، لكن الذين يجدون الجزاء كله هم الذين يفنون بالكلية ، ومن الفناء يصلون إلى البقاء .
 
( 3774 - 3780 ) : عودة إلى حكاية قلعة ذات الصور : وها هم الأمراء الثلاثة يرون الصورة ، صورة الأميرة التي تبدو - كما سنعلم - تجليا لوجود لا يرى ( انظر 3801 وما يليه ) ،
لم يكن الأمر أمر جمال - فقد رأو من قبل أجمل منها ، لكنها كانت الكأس الذي وصل إليهم الجمال الحقيقي عن طريقه ( مثلما كان خمر قيس عن طريق ليلى وخمر يعقوب عن طريق يوسف الذي كان سما لاخوته ) ؛
( انظر لتفصيل أن الصورة هي الكأس والحسن هو الخمر
 
« 612 »
 
والله يعطى كل كأس ما فيها من شراب ، الترجمة العربية للكتاب الخامس الأبيات ( 3290 - 3309 وشروحها ) ،
إن سهام النظرات التي صوبتها الصورة إلى قلوبهم سهام لا قوس لها أي إنها سهام روحانية ، ولا أمان منها ولا حذر ( انظر البيت 906 من الكتاب الذي بين أيدينا :
العشق قهار ) ، إن أهل القرون قد هلكوا من عشقهم لأحجار وأصنام ، فما بالك إن كان المعشوق روحانيا ( انظر الكتاب الذي بين أيدينا ، الأبيات 795 و 3135 و 3185 وشروحها ) . إن هذه الفتنة الروحانية تتشكل في كل لحظة ، إن هذه الصورة ، لم تكن صورة ، كانت تجليا روحانيا طاغيا ، يثير العشق والجنون .
 
( 3784 - 3799 ) : لقد بدأ هؤلاء الأمراء الثلاثة يرون ويذوقون كل ما كان والدهم قد أحس به من البداية ، وهكذا الأنبياء والأولياء والمرشدون ، فالأنبياء قد أخبرونا بالعاقبة والمآل وإن كل ما نزرعه هنا نحصد منه شوكا ، وأن الجهات التي تذهب إليها طائرا لن تجديك نفعاً ،
ويوم تعلم ، تعض بنان الندم ، وأنت نفس الشخص ، لكنك ألست أنت الذي كنت تفعل الإثم وتعطى الأنبياء أذنا بها وقر ؟ ،
 
ومن ثم يسلط الله عليك نفسك اللوامة تشتد في لومك وعقابك وإيذائك ، لقد كانت أنيتك الحقيقية النزاعة إلى الحق مختفية خلف أنية الهوى ، وليتك علمت من البداية أن ما تراه واضحاً شديد الوضوح أمامك وكأنك تراه في مرآة إنما يراه الشيخ حتى إذا نظر في مواد لا تعكس الصور
( انظر البيت 168 من الكتاب الثاني و 2033 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ،
 
وهكذا يحدث الأمراء أنفسهم لائمين إياها على إهمال نصيحة الأب " المرشد " ، وتجاهل أوامر المليك ، واعتمادهم على عقولهم وأو هامهما ، فسقطوا في نفس الخندق الذي امتلأ برؤوس عشاق الأميرة
 ( الصورة من رواية شمس الدين ) ، وما كان أشبههم بمريض السل ، تبدو على الصحة والمرض ينخر في داخله ، وذكر الحق لا ينبغي عن وجود المرشد ، فأحياناً لا يوصل الذكر إلى جناب الحق عندما يكون رياءً وسمعة ، وعين المرشد المبصرة هي التي تدل على الذكر الحقيقي وتميز بين العبادة الحقيقية والذكر الحقيقي وبين
 
« 613 »
 
عبادة الرياء والسمعة والذكر الذي لا يجاوز التراق ، ويرى الأنقروى ( 6 - 2 / 366 ) : إن بنت ملك الصين هنا هي العلم اللدني المكتوم عن غير الخاصة ويروى ما رواه أبو هريرة عن أبي بكر عليه السّلام : حفظت من رسول الله صلى اللَّه عليه وسلّم دعاءين فأما أحدهما فنبأته وأما الآخر فلو نبأته لقطع منى هذا البلعوم " . وعن الحسن بن علي رضي الله عنهما :ورب جوهر علم لو أبوح به * لقيل لي أنت ممن يعبد الوثنا
 
( 3800 - 3812 ) : رغم الندم والألم يتساءل الأمراء عن صاحبة الصورة ، ترى من تكون ؟
لقد سقطوا وانتهى الأمر ، وبدلًا من العودة عن الطريق عزموا على مواصلته ، وظلوا يتساءلون حتى كشف لهم عن السر شيخ بصير ( ما علاقة الشيخ ببنت ملك الصين إذا كان دنيوية ؟ ليس عن طريق الأذن تعرف هذه الحقيقة بل عن طريق الإلهام ، إنها بنت ملك الصين ، والملك غيور
 
[ إن سعداً لغيور وأنا أغير منه والله أغير منها ومن غيرته حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ]
ملك الصين لا يمكن أن يكون هنا سوى رمز للحق يخفى الحقيقة حتى لا يسقط من ليسوا بأهل لها افتتاناً بها ، إنها غيرة الحق على أسراره ، وحتى الطيور المحلقة في أجواء الفضاء
 
( المرشدون ) الذي لم يصلوا بعد إلى مرحلة الكمال ولم يؤذن لهم لا يصلون إليها فما بالك بأولئك الذين زرعوا بذور الجهل ، وضربوا بنصيحة المرشد عرض الحائط ، ولم يسقطوا التدابير ، وليتهم اعتمدوا على عنايته وهي تكفى في هذا الطريق ، فهيا أيها الأمير
 
( يا ابن الخليفة ) ودع عنك التدابير وادعاء الفضل والاعتزاز بالعقل ، وكن بين يدي المرشد كالميت بين يدي الغسال يقلبه كيف يشاء ، ولا حيلة تنفع هنا ، ليس إلا الموت قبل الموت ، الموت عن الدنيا والحياة بالآخرة .
 
( 3813 - 3825 ) : يترك مولانا قصة قلعة ذات الصور ليسوق حكاية أخرى عن الاستسلام وعدم الطلب ( ناقش مولانا فكرة الأولياء الداعين والأولياء الصامتين في قصة رؤى الدقوقى في الكتاب الثالث فقد حرم الدقوقى من صحبة الأولياء لأنه تدخل في أمر الله ودعا ) وبطل
 
« 614 »
 
القصة هو صدر جهان ( يذكره مولانا بلقب صدر جهان والصدر الأجل ويرى استعلامى أنه أحد حكام آل برهان في بخارى ، وقد مر ذكره أيضاً في الكتاب الثالث في حكاية العبد الهارب منه والذي عاد إليه بعد أن عذبه الفراق . انظر الكتاب الثالث ابتداء من البيت 3688 )
والقصة غير مسبوقة وإن كان استعلامى يرى أن هناك حكاية تشبهها في الهى نامه للعطار وخصوصاً بالنسبة للخاتمة وإن كان ما يقصه لا يدل على أن شبه بالحكاية التي بين أيدينا ( استعلامى 6 - 412 ) وذكر فروزانفر
( مآخذ 219 ) مثيلًا ملخصا لها عن كتاب الجواهر المضيئة ( لم يذكر مؤلفه أو العصر الذي عاش فيه ، وانظر مناقب العارفين / 1 / 122 - 123 . )
وبالطبع يهدف مولانا بهذه الحكاية إلى الحديث عن الموت قبل الموت والنور هو المستعار والضياء هو النور الذاتي ، وهناك من الكواكب ما لا يستمد نوره من الشمس ، ويدق مولانا على فكرة قديمة أخذها عن سنائى هي أن الشمس هي التي تحول الحجارة إلى معادن ثمينة ، ويعبر عن هذه الفكرة دائماً في معرض التبديل الروحاني . لم يكن صدر جهان يمنح أحد يسأله بلسانه ، وكأنما كان شعاره الحديث النبوي الشريف [ من صمت نجا ] ( أحاديث مثنوى ص 219 ) .
 
( 3827 - 3829 ) : الحوار هنا بين صدر بخارى والشيخ وخاصة الحجة التي أفحم بها الشيخ صدر بخارى له أشباه في حوارات كثيرة بين دراويش وملوك ورويت عن بهلول أنه قالها لهارون الرشيد " إنما الزاهد أنت لأننى أزهد في ملك الدنيا وهو فان وأنت زاهد في ملك الآخرة وهو باق " .
 
( 3851 - 3856 ) : يعود مولانا إلى مبحث الموت قبل الموت " كل لحظة موت وحياة " ويعبر سنائى بأن الصوفية يقيمون في كل لحظة عيدين ( انظر الحديقة الترجمة العربية البيت رقم 5394 وشروحه ) ، وكل موت يؤدى إلى مرحلة من اكتمال ، من جماد إلى نبات ومن نبات إلى حيوان ومن حيوان إلى إنسان ومن إنسان إلى ملاك ثم إلى ما لا يحده وهم ( انظر الكتاب
 
« 615 »
 
الثالث الأبيات 3903 - 3909 وشروحها والكتاب الخامس الأبيات 800 - 810 وشروحها ) ، وليس ثم كمال إلا عن هذا الطريق ، وعنايته سبحانه وتعالى أفضل من مائة جهد فجذبة من الحق تساوى عمل الثقلين ، عنايته موكولة بالموت قبل الموت ( انظر سنائى مت قبل الموت أيها الصديق إن كنت تريد الحياة ، فمن هذا الموت صار إدريس إلى الجنان قبلنا - ديوان ص 52 ) . ونقل الأنقروى ( 6 - 2 / 372 ) : العناية تهدم الجناية وتوجب الهداية وتورث الولاية . بل إن هذا الموت نفسه موكول بالعناية ، فالعناية هي بمثابةالزمرد الذي يقتلع عين هذه الأفعى ( الدنيا ) وهذا في اعتقاد القدماء .
.
الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء السادس د. أبراهيم الدسوقي شتا
* * * 
 أبيات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا 

* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح 01 - 4932 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح 3857 - 4219 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح 01 - 4932 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالأحد مارس 28, 2021 6:32 pm

الهوامش والشروح 3857 - 4219 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )     

الهوامش والشروح 3857 - 4219 على مدونة عبدالله المسافر بالله

الهوامش والشروح 3857 - 4219 فى المثنوي المعنوي الجزء السادس د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح حكاية أخوين أحدهما أجرد والآخر أمرد ،
( 3851 - 3856 ) : يعود مولانا إلى مبحث الموت قبل الموت " كل لحظة موت وحياة " ويعبر سنائى بأن الصوفية يقيمون في كل لحظة عيدين ( انظر الحديقة الترجمة العربية البيت رقم 5394 وشروحه ) ، وكل موت يؤدى إلى مرحلة من اكتمال ، من جماد إلى نبات ومن نبات إلى حيوان ومن حيوان إلى إنسان ومن إنسان إلى ملاك ثم إلى ما لا يحده وهم ( انظر الكتاب
 
« 615 »
 
الثالث الأبيات 3903 - 3909 وشروحها والكتاب الخامس الأبيات 800 - 810 وشروحها ) ، وليس ثم كمال إلا عن هذا الطريق ، وعنايته سبحانه وتعالى أفضل من مائة جهد فجذبة من الحق تساوى عمل الثقلين ، عنايته موكولة بالموت قبل الموت ( انظر سنائى مت قبل الموت أيها الصديق إن كنت تريد الحياة ، فمن هذا الموت صار إدريس إلى الجنان قبلنا - ديوان ص 52 ) . ونقل الأنقروى ( 6 - 2 / 372 ) : العناية تهدم الجناية وتوجب الهداية وتورث الولاية . بل إن هذا الموت نفسه موكول بالعناية ، فالعناية هي بمثابةالزمرد الذي يقتلع عين هذه الأفعى ( الدنيا ) وهذا في اعتقاد القدماء .
 
( 3857 - 3882 ) : يسوق مولانا حكاية هازلة لعلها تخفف عن المريدين هذا السيل من الفيض ، وليس الهزل مقصودا لذاته فقد أشار مولانا نقلا عن سنائى أن هزله ليس هزلا لكنه تعليم ( انظر البيت 3550 من الكتاب الرابع و 1247 من الكتاب الذي بين أيدينا - وقد اعتبرها استعلامى من المأثور الشعبي ، 6 / 414 ) .
 
( 3857 - 3882 ) : ليس من المفهوم ما هو المقصود بيت العزاب هنا هل هو موضع كان العزاب من غير المتزوجين يجتمعون فيه من أجل اللهو أو مكان أشبه بالبنسيونات الحديثة يقيم فيه من لا أسر لهم من المغتر بين وعابري السيل ، وإن كان قد اتضح فيما بعد انه خانقاه ، على كل حال من الواضح أن البيت لم تكن فيه إقامة مشتركة ولم يكن هناك من داع لسوق هذه الحكاية الطويلة لبيان أن ذرة من العناية الإلهية خير من مائة احتياط
( شعيرات في الوجه تحمى أكثر من كثير من الاحتياط )
والحكاية تدل على واقع اجتماعي شديد التدنى لم يكن ليغيب عن نظر مولانا جلال الدين الذي صوره الغرب كمحلق في السماوات العلا ، لكنه يستفيد من هذه الحكايات ، وأشباهها لبيان معان شديدة العمق من أجل المريدين من غير ذوى العلم والثقافة ،
وفي البيت رقم 3872 لا يزال استعلامى يفسر " حمزه خوار " بآكل حساء البرغل وقد سبق أن ناقشنا هذا الموضوع في تعليقات البيت 1332 من الكتاب الذي بين أيدينا فليطلب من موضعه .
 
« 616 »
 
( 3883 - 3900 ) : يعود مولانا فيتحدث عن العناية الإلهية وأهميتها بالنسبة للعبد ، وعلى العبد ألا يعتمد على الطاعات ، لأن الشيطان قد يذرى طاعة عمر أدراج الرياح ، فالعناية من الله ، والطاعات من جهدك أنت ، وانظر إلى بعض تجار الحياة ، إنك لو وضعت مائة قفل على بابك فإن اللص لا يتورع عن سرقتك لكن ختما واحدا من الشمع يضعه شرطي على بابك يهلع اللصوص من مجرد رؤيته ، طاعاتك كالأقفال المائة وحفظ الله كختم الشرطي ، لكن هذا لا يعنى أنني أصرفك عن الطاعات بل داوم عليها ، لكن كن حريصا حذرا دائم التنبه من وساوس النفس وشهوات الدنيا ، فإن حصلت بعدها على العناية الإلهية ، فاشعر بالأمان ، والعارف على كل حال يقظ متنبه عابد حتى في نومه مصداقا للحديث النبوي : [ نوم على علم خير من عبادة على جهل ] ( جامع 2 / 188 ) . إن الأمر أشبه بالسباحة في بحر لجي :
فالعارف ساكن مطمئن والجاهل يتخبط بكلتا يديه وقدميه يسير على العمياء ويغرق ، ذلك أن بحار الغيب لا شطآن لها ، وطالب معرفتها لا يشبع مصداقا لقوله صلى اللَّه عليه وسلّم : [ منهومان لا يشبعان طالب علم وطالب دنيا ] ،
ويفسر مولانا الخبر بأنه ما دام قد وضع العلم في مقابل الدنيا فلا شك أنه غير علم الدنيا ، وليس هناك سوى الدنيا إلا الآخرة .
 
( 3901 - 3927 ) : عودة إلى حكاية الأمراء الثلاثة وقلعة ذات الصور : لقد صاروا جميعا يعانون همّا واحدا ، ويتحملون حزنا واحدا ، ويواجهون هذه المشكلة بسلوك واحد ، ويحترقون في أتون واحد هو أتون العشق . وها هو الأخ الأكبر يقوم بينهم خطيبا يذكرهم بما كانوا عليه فيما مضى قبل أن يفتنوا : إنه يذكرهم بأنهم كانوا الناصحين للناس بالصبر وطالما قالوا لكل ممتحن إن الصبر مفتاح الفرج . فكيف لا يلجأون إلى هذا المفتاح ؟ ! ماذا جرى ؟ !
هل نسخ هذا القانون الأزلي ؟ !
إن هذا العالم قد خلق في ستة أيام وكان سبحانه وتعالى يستطيع أن يخلقه بحرفى " كن " والأن وقد جاء دورنا في تجربة هذا العلاج الناجح ، مالنا أصبحنا كالنساء لا نفعل إلا النواح ؟ !
هيا أيها العاقل اعمل ، وأيها اللسان انصح ، وأيها
 
« 617 »
 
المليك حرك لحيتك ومر بالصفح عنا " إشارة إلى حكاية السلطان محمود الغزنوي وعصابة اللصوص في الكتاب الذي بين أيدينا " ؛ ( انظر الأبيات 2825 و 2847 و 2918 ) ، هذا أو أن الرجولة فأظهرها ، كيف تكون عالي الصوت خطيبا مفوها واعظا ناصحا عند مصائب الآخرين ، فإذا وقعت أنت في المصيبة أخذت في النواح والعويل ، إن ما قمت به من أعمال خلال عمرك الطويل لا بد وانه قد جعل منك مستعدا للحرب والمقاومة فيها ، لقد آن أو ان النزال ، وحافظ على رئاستك وعلى كرامتك ، لا تفقد مظاهر رجولتك ، والدور عليك الآن في اللعب ، فانشط وعد إلى طبيعتك .
 
( 3928 - 3947 ) : على ذكر وجوب عودة المرء إلى طبيعته يذكر مولانا جلال الدين حكاية أخرى هازلة ، صمت المفسرون عن البحث عن مصدر لها ، ويقدم مولانا شخصية الفقيه ساخرا ، فقد كان من الممكن أن يعتذر عن الشراب دون أن يحدث هذه الضجة المبالغ فيها إظهارا لزهده وورعه ، ثم يترك مولانا سياق الحكاية لحديثنا عن أهل المعنى عندما يبتلون بصحبة أحد من أهل الدنيا أو أهل الظاهر ، إن الحق سبحانه وتعالى يسقى خواصه من خمر ليست هي خمر الدنياإِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً( الإنسان / 5 ) ،
هذه هي معرفة عالم الغيب وعندما يعرضون خمرهم على من لم يؤذن له بها يعرض عنها ، وينصرف إلى قشور المعرفة ، فمتى كانت المعدة تستريح من القش ؟ ! إن هذه القشور التي يهرع إليها أهل الدنيا هي حطب جهنم ، وإذا أضرمت النار في لب أنضجته ولم تحرقه ، إن الحق الحكيم ، دائما يفرق بين القشور واللباب ، وهو أدرى بها ،
 
وهذه هي سنته في خلقه ، إن هذا ليس إحراقا بل إنضاج ، " نار المحنة تحرق الفج الجاهل وتنضج العالم العارف العاقل " ، وهكذا أيضاً خمر الكرام ، هي إنضاج ونور لأهل المعرفة ، لكنها سم زعاف لأرباب الجهل ، والله تعالى ينبه عباده المخلصين دوما ، ويبتليهم لكي يعودوا إلى طبيعتهم ، ولو لم يفعل ذلك لحرموا من عطائه ومكافأته .
 
« 618 »
 
( 3949 - 3952 ) : إن الله تعالى جلت قدرته يستطيع أيضاً أن يسلب العقل من الرأس ، حتى الشمس التي تبث النور هي أيضاً أسيرة في يد الحق ، ويجعل الفلك يدور حول نفسه إن أمره بذلك ، والعقل الذي يسيطر على عقل آخر ويوجهه إنما يحمل قبسا من نور الله ، فالعقول بمثابة قطع الشطرنج في يد القدرة يوجهها حيث يشاء .
 
( 3964 - 3970 ) : المقصود أن المرأة تتطبع بما يعودها زوجها عليه ، أحياناً يعطف وأحيانا يقسو ، لكن لا غنى لأحدهما عن الآخر ، هذه هي لعبة الحياة ، لا غالب فيها ولا مغلوب ، بل إن كل عنصر يكمل الآخر ، وليست هذه اللعبة قاصرة على الزوج والزوجة ، بل هي لكل معشوق وعاشق ، القديم والحادث ، والجوهر والعرض ، فكلاهما يلتف حول الآخر ويطوف حوله ، مثل التفاف العاشقين ويس ورامين ، وكل عشق سواء كان جسديا أو روحانيا فيه هذا الالتفاف بين العاشق والمعشوق ، لكن له صوراً أخر ، لكني ذكرت الزوجة والزوج على سبيل المثال لأنه مثال واضح ، ومولانا ناظر في هذه الأبيات إلى قول الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم في خطبة الوداع ، [ اتقوا الله في النساء فأنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ] ( مولوى 6 / 541 )
 
( 3974 - 3993 ) : ليس التقاء الجسدين في رأى مولانا مجرد شهوة وتطفاً ، بل هو التقاء روحين في المقام الأول ، وهكذا نسي الفقيه زهده وورعه " المصطنع " ، ونسيت الجارية خوفها وتمنعها ، ويطول اللقاء ، ليضبطهما الملك متلبسين بالجرم المشهود ، لكن الأمر لا يثير عنده سوى بعض الغضب ثم السخرية من الفقيه " الورع " الذي سقط من أول مجلس شراب ، ويسوق مولانا على لسان الملك سمة محببه في الملك في تصرفه تجاه الرعية بأن يرضى لهم ما يرضاه لنفسه وأن يطعمهم مما يطعم وذلك مصداقا للحديث النبوي الشريف :
[ إخوانكم خولكم جعلهم الله فتية تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يديه فليطعمه من طعامه ويلبسه من لباسه ولا يكلفه ما يغلبه فإن كلفه ما يغلبه فليعينه ] ( جامع / 1 - 14 ) . ويعود
 
« 619 »
 
الابن الأكبر للملك ( في قصة قلعة ذات الصور ) إلى الحديث : لقد حدث قبل ذلك أن أعاد الكثيرين إلى طبيعتهم ، وحثهم على الصبر ، فهيا تصبر ، وعد إلى نفسك الصابرة برجولة ، واستخدم هذا العقل المفكر دليلا لك إلى الصبر ، مثلما كان صبر محمد صلى اللَّه عليه وسلّم على الكفار وأذاهم سببا في معراجه وقربة من الله سبحانه وتعالى ، وهكذا يكون لك الصبر جناحا تحلق به إلى أوج العرش والكرسي .
 
( 3994 - 3999 ) : لقد كان من المفهوم في الأبيات السابقة أن الأمير يوصى نفسه بالصبر عن طلب المحبوب ، وإيثار السلامة ، لكن الأمور تجرى على غير ما هو مفهوم فالصبر المطلوب هنا هو الصبر في طلب الحبيب ، قال كبيرهم هذا ، وانطلقوا في طريقهم ، فلم يعد الأمر في أيديهم ، وهكذا انطلقوا إلى بلاد الصين ، فإن كان طريق الوصل مسدودا ، فالقرب بقدر الإمكان محمود ، أو ما لا يدرك كله لا يترك كله ، والعاشق يظن أن طريق الوصل خطوتان وقد وصل ، أو يقول أبى اليزيد البسطامي " خطوة بالجهد وأخرى بالتوفيق " ، ( استعلامى 6 / 420 وانظر البيت رقم 1550 من الكتاب الرابع ) ، لم يكن الأمراء وحداء في هذا الطريق ، فمن قبلهم كم من أناس تركوا الملك ، مثل إبراهيم بن أدهم ( انظر البيت 727 من الكتاب الرابع ) ، وكم من نبي صبر من أجل المحبوب ، ألم يدخل إبراهيم عليه السّلام نار النمرود ؟ ! وألم يسلم إسماعيل عليه السّلام رقبته للذبح ؟ !
 
( 4000 - 4013 ) : يقدم مولانا جلال الدين نموذجا آخر من الملوك الذي شردهم العشق ، وزهدهم في عروشهم وسطوتهم وصولجانهم ، ويقدم سيرة امرؤ القيس الشاعر الجاهلي الشهير من وجهة نظر صوفية ، فامرؤ القيس لم يترك الملك إلا لمقتل والده ، وقولته الشهيرة " اليوم خمر وغدا أمر " ، وذهابه مستنجدا بملك الروم ، ومقتله غيلة أو بمؤامرة ، إلى آخر هذه الروايات غير الثابتة ، بل هو في رواية مولانا جلال الدين ترك الملك زهدا ، وترك النساء المتراميات عليه لجماله تعففا ولأن جمالهن صوري ، وانطلق يبحث عن الملك الخالد
 
« 620 »
 
ملك العشق ، والجمال الخالد جمال الحقيقة ، واحترف الملك صناعة الطوب اللبن في تبوك ، وها هو ملك الروم يعرض عليه ملك الدنيا ، لكن امرئ القيس يبوح له بالسر الذي شرده ، سر العشق ، فيجره إلى عالمه بهمسة واحدة ، ويسيحان معا في البلاد ، ولم يكونا أول الملوك أو آخرهم ، فالعشق قد ارتكب هذا الأمر كثيرا ، ( خاصة بالنسبة للملوك الذين أصبحوا أنبياء وأولياء بوذا والنعمان بن المنذر ولهراسب في الشاهنامه وإبراهيم بن أدهم وغيرهم وغيرهم ) ، ( استعلامى 6 / 421 ) إن العشق بمثابة الثقل الأخير الذي يوضع في سفينة الحياة الوتيرية الهادئة الناعمة ويجعلها تمخر عباب بحر الحقيقة الهائج .
 
( 4014 - 4023 ) : يعود إلى قصة قلعة ذات الصور والأمراء الثلاثة ، الذين نسوا مملكة والدهم ، وطافوا بمملكة الصين أملا في التقاط " حبوب " المعرفة ، كانوا يعلمون أنهم يملكون سرا خطيراً لا يملكون البوح به حتى بينهم وبين أنفسهم ، ولو كانوا قد باحوا به ، لفنوا وانعدموا دون نتيجة تذكر ، ولضحوا بأنفسهم بشروى فقير وبثمن بخس ، فالعشق من غيرته قاتل ، حتى في أوقات الرضا ، فما بالك إن كان غاضبا ، إنه أشبه بالأسد الذي يهاجم مرج الروح ، لكن دعه يقتل ، فإن في قتله هذا حياة الأبد وعيشة الخلود ( انظر مقدمة الترجمة العربية للكتاب الثالث ، وانظر الأبيات 3835 - 3839 من الكتاب الثالث وشروحها ) إن الأمراء الثلاثة يتحدثون بالكناية والرمز فأي لغة هذه التي تصلح للعشق ، إن الخوف - خوف نتيجة البوح - يسيطر عليهم سيطرة شديدة ، الخوف من غيرة الحق ، ومن عواقب ذيوع السر ، ومن ثم كانوا يتحدثون إلى بعضهم بلغة الكناية التي لا يفهمها " الأغيار " ممن لم يجربوا عالم العشق .
 
( 4024 - 4034 ) : يسمى مولانا هذه اللغة الخاصة لغة العشق ب " منطق الطير السليماني " ( انظر الكتاب الثاني ، البيت 3774 والكتاب الرابع الأبيات 851 - 858 وشروحها ) وفي هذه اللغة مصطلحات يعرفها أعزاء الحق ، وهي ليست من قبيل الألفاظ التي نجد معانيها في
 
« 621 »
 
المعاجم ، ويسمى هذه اللغة بلسان الطير ، وهي لغة لا يعرفها الغافلون والسذج ، حتى وإن تشابهوا مع سليمان عليه السّلام ( أو مع الأولياء ) في الصورة والجسد ، فأشباه سليمان عليه السّلام هم الأولياء الواصلون ، أما الشيطان وإن سرق الخاتم وتشبه بسليمان وجلس على كرسيه ، فلم يكن له بهاء سليمان ولا معرفة سليمان ولا فهم سليمان للغة الطير
( انظر تفصيلات في الترجمة العربية للكتاب الرابع البيت 1264 وما يليه ) ، لقد كان تعليم سليمان من الإله ، ومن ثم أعلن ذلك بقوله عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ( النمل / 16 ) .
وما دمت لا تفهم لسان طيور الهواء ( الأولياء والعارفين ) فافهم أنك لا تملك علم الباطن مثل سليمان ، ولم تر الطيور المقصودة التي هي من لدن الله تعالى ، ومن أين لك أن تفهم وهذه الطيور كطائر العنقاء ( الأسطورى ) تعيش فيما وراء جبل قاف ( في ما وراء حدود هذا العالم المادي ) ،
هذا اللهم إلا أولئك الذين انشغلوا بعلوم الدنيا وسطع في قلوبهم شعاع في نور الحقيقة إتفاقاً وعلى سبيل الصدفة ، لكنهم لم يتشبثوا به فمنوا بالفراق ، لكن هذا الفراق ليس فراقاً نهائياً ، فإن من ذاقه مرة لم ينسه ولم تنقطع صلته به ، وهذا الفراق فراق مصلحة من أجل ألا يذوب ذلك الجسد الروحاني ( الذي وجد قبساً من الروح ) وينتهى كلية ، ومن أجل أن يساعد في المسيرة الروحانية ، فاطلب من المرشدين الصلاح ، ولا تسرق مصطلحاتهم ويضيف الانقروى ( 6 - 2 / 403 ) " مشاهدة الأبرار بين التجلي والاستتار " وينقل عن سعدى بيتين عربيين :أشاهد من أهوى بغير وسيلة * فيلحقنى شأن أضل طريقا
يؤجج نارا ثم يطفى برشة * لذاك تراني محرقا وغريقا
 
( 4035 - 4051 ) : يشير مولانا إلى أن الأمراء الثلاثة كانوا يستخدمون فيما بينهم مصطلحات خاصة بهم ، ويتحدث عن لغة زليخا ( امرأة العزيز ) الخاصة التي كانت تتحدث بها عن يوسف عليه السلام ، وكان صويحباتها يعرفن كنايتها ويفهمن لغتها الخاصة ، والرواية هنا ذات أصول وردت في كتاب بحر المؤدة في أسرار المحبة المنسوب إلى أحمد
 
« 622 »
 
الغزالي وفي كتاب شرح التعرف لإبراهيم بن المستملى البخاري ( 1 / 106 ) ( عن فروزانفر مآخذ 219 - 20 ) ويطور مولانا الروايتين المذكورتين ، فعندما تذكر زليخا شيئاً محببا من قبيل " ليونة الشمع " أو " طلوع القمر " و " اخضرار عود الصفصاف " وما إليه فهذا يعنى أن الحال بينها وبين يوسف على خير ما يرام ، وإن ذكرت شيئاً منفراً فمعنى ذلك أنها تعاني من الحبيب الهم والفراق ، لقد كانت زليخا لا تتحدث في الواقع إلا عن يوسف ، مهما ذكرت من أسماء ، كان ذكر يوسف طعامها عند الجوع وماءها عند العطش ودواءها عند المرض ، وفراءها عند البرد " في رواية شرح التعرف ورووا في قصص زليخا أنها عندما كانت تغلبها المحبة كانت الصفات كلها تتحول إلى يوسف ، فعند البرد كانت تنطق اسم يوسف فتشعر بالدفء بحيث يتصبب منها العرق ، وكانت إذا نظرت إلى يوسف حدث لها نفس الشئ ، وعند الحر كانت تذكر يوسف فتشعر بالراحة وكذلك عند العطش والجوع كانت تذكر اسم يوسف أو تنظر إليه فتستغنى عن الطعام والشراب ، ( شرح التعرف 1 / 106 ) .
 
( 4052 - 4067 ) : أنظر إلى زليخا إنها تذكر يوسف المحبوب في كل ما تقول ، ما تلفظ من قول إلا وفيه إيماءة أو إشارة أو ذكر ليوسف ، فما بالك بأولئك العوام الذين يذكرون اسم الله على طرف اللسان ، ولا حضور له سبحانه وتعالى ولا عشق في قلوبهم ، شتان ما بينهما ، فما كان اسم يوسف يفعله في زليخا ، كان اسم الله يفعله في عيسى عليه السّلام ، إن الروح المتصلة بالحق ، ذكرها ذكره ، وذكره ذكرها
أو كما قال ابن الفارض :
ففي الصحو بعد المحو لم أك غيرها * وذات بذاتى إذ تجلت تجلت
فوصفى إذن لم يدع اثنين وصفها * وهيئتها إذ واحد نحن هيئتى
فإن دعيت كنت المجيب وإن أكن * منادى أجابت من دعائي ولبت
( انقروى 6 - 2 / 406 ) ،
إنها روح تكون خالية من نفسها ممتلئة بالله سبحانه وتعالى ، ومصداقاً للقول المأثور " كل إنا بما فيه ينضح " ، فلا ذكر إلا الله ، ولا وجود إلا الله ، ولا فعل


« 623 »
 
يصدر عن الولي ورجل الحق إلا عن الله ، ومن هنا يقوم الأولياء بخوارق العادات فلا هي تجرى على أيديهم ولا بحولهم بل بحول الله تعالى وطوله . ( انظر 202 من الكتاب الثاني و 905 من الكتاب الرابع ) ، إن رضا الولي وابتسامه وتهلل وجهه إنما هو رضا الوصل وسروره ( انظر الترجمة العربية للكتاب الرابع الأبيات 3242 - 3254 وشروحها ) .
وما هذا الحزن والاكتئاب عند بعضهم إلا لأنهم مطرودون عن عتبة الحق مبعدون عنها ، ذلك أن كل إنسان يحس في قلبه بمائة مراد ، تتفرق به السبل والأودية فلا يبالي في أي واد هلك ، وهذا ليس من مذهب العشق ولا الوداد فليس ثم إلا وجهه ونقل الأنقروى عن ابن الفارض :وعن مذهبي في الحب مالي مذهب * وإن ملت يوماً عنه فارقت ملتى
ولو خطرت لي في سواك إرادة * على خاطري سهواً قضيت بردتى
( انقروى 6 - 2 / 407 ) ،
والشمس نفسها على عظمتها وجلالها بين الكواكب هي مجرد نقاب أمام هذا الوجه ، إنها مظهر من مظاهر تجلى الحق ، والذي لا يعرف الوجه من النقاب يكون مشركاً ( انظر آية 24 من سورة النحل والأبيات 577 - 580 من الكتاب الرابع وشروحها )
 
فالحق بالنسبة للعشاق هو كل شئ ، هو النهار وهو الرزق وهو القلب وهو حرقة القلب مثلما تحصل الأسماك من البحر على كل شئ ( انظر إننا أسماك وأنت بحر الحياة من الكتاب الثالث البيت 1342 وشروحه )
 
والعاشق كالطفل الرضيع والحق بالنسبة له كاللبن الذي يرضعه سواء عرفه أو لم يعرفه لا محيص له منه ولا مهرب له عنه ، ولا تدبير له في سواه ، إنه مثل تلك الورقة المستديرة التي تكتب فيها سورة من القرآن على نية شفاء المريض أو عودة الهارب ، فإذا كان المرء يؤمن بهذه الورقة ، فأولى به أن يؤمن أنه لا مهرب من الحق ، ولا محيص منه ، ويؤمن أنه مرتبط به إيماناً لا يقل عن إيمانه بتأثير هذه الورقة التي تحفظ المريض بين دفتيها وترد الهارب ، فالفاتح هو الله ، والمفتوح هو السر المراد ، والروح وإن كانت ذاهلة ، إلا أنها ليست ذاهلة في عودتها ، فهي عودة طبيعية مثل عودة السيل إلى البحر ، إن البحر


« 624 »
 
هو الذي يدعوه ، لا جدول ماء ولا غيره ، وعندما ما يجد أحدهم النداء ، نداء البحر ، فإنه يضيع فيه . ويصير بأجمعه غريقاً في البحر ومن هذا الغرق يجد الوجود الحقيقي ، مثلما تضيع البذرة في التراب ، وبعدها تتخلق شجرة ذات ورق وثمر ووجود حقيقي ( أية حبة غرست في الأرض ولم تنبت ، فكيف يكون ظنك هذا بحبة الإنسان ؟ كليات ديوان شمس غزلية 911 ص 367 ) وفي الشطرة الثانية إشارة إلى قصة صدر جهان آنفة الذكر والفقيه الذي تظاهر بالموت لينال العطاء ( انظر 3850 من الكتاب الذي بين أيدينا ) .
 
( 4068 - 4084 ) : البيتان العربيان المذكوران في العنوان لم أعثر لهما على أصل . عودة إلى قصة الأمراء الثلاثة وقد وصلوا إلى الصين متوارين مختفين . وها هو الأخ الأكبر يجد نفسه قريباً من الهدف لكنه لا يناله ، ويفقد صبره واحتماله . ودخل في مرحلة اللامبالاة ، وعدم تحمل الانتظار ، وهكذا نكون كلنا عندما نقترب من الهدف ، وأصعب ما في صعود الجبل صعود قمته ، ما هذا الانتظار وما هذا القلق وإلى متى تحمل هذه الواقعة التي تفت العضد وتفل الطاقة ؟ ! إن تحمل هذا الفراق من علامات النفاق ، أصبر على المحبوب وهو قيد خطوات ؟ ! إن هذا ليس من العشق في شئ ، وعلام أخاف ؟ أعلى الرأس ؟ إن العشق يهب رؤوساً بدلًا من هذه الرأس ، وأية حياة هذه أشبه بالموت بل إن الموت أفضل منها ، إن السيف لا يقتل روح العاشق " من عاشق بالعشق لم يمت أبداً ، إنه ينفض الغبار ، غبار أدران الدنيا وأدران الجسد عن هذه الروح
[ فالسيف محاء الخطايا ]
 
( حديث نبوي ) ، وعندما ينتفى غبار الجسد فإن قمر الروح يتألق من تحت سحاب الجسد وغبار الدنيا ، إنني دائماً في عشق هذه الحسناء أغنى لحناً واحداً غناه من قبلي الحسين بن منصور الملاح " إن في موتى حياتي " ألست أدعى أنني من الطيور المائية طيور هذا البحر (التعبير من مقالات شمس الدين وانظر 3782 من الكتاب الثاني و3490 من الكتاب الثالث)،
 
فإذا كنت حقاً من هذه الطيور فلماذا أصرخ من طوفان البلاء ؟ ! وهل يهلع السالك من غرق سفينة جسده ، إنني أدعى العشق ،
 
« 625 »
 
كيف ؟ وجسدي حي وروحي حية ، إنني مدع ، لكنني مدع ولست كذاباً ، أدعى العشق وإن كنت غير جدير بالوصال ، إنني أشبه الشمع تقطع رقبتي فأزداد ضياء ( الصورة من شعر منوحهرى الدامغاني المتوفى سنة 432 ه ) ، إن عشاق الحق إذا احترق كل ما يملكون فإنما يكفيهم ويعوضهم إن يتألق عليهم شعاع واحد من نور الحق وأعزاء الحق لا يحتفون ، لقد جاهد إخوة يوسف في أن يخفوا يوسف عن أبيهم لكن آية واحدة من آيات الحق ( القميص ، بل ريح يوسف في القميص ) دلت يعقوب عليه وجعلت حيلة أخوة بدداً .
 
( 4085 - 4107 ) : يقوم الأخوان الآخران بنصح الأخ الأكبر : لا تكن غافلًا عما يحيط بك من أخطار ، لا تحرك آلامنا ، إنك لست موقناً من الوصول ، فكيف تلقى بنفسك في الخطر لمجرد الاحتمال والشك في إنك سوف تصل تقوم بهذه الفعلة ، دون أن تعدلها عدتها ، وما هي عدتها ؟ إنها تدبير الشيخ المرشد الذي يأخذ بيدك ، كيف يستطيع سالك مبتدىء أن يمضى إلى نهاية الطريق ؟ لقد كنت معتمداً على العقل ، وها أنت بقولك هذا تدل على أن عقلك قد ضاع منك ، فلا بد لك من عقل المرشد ، فإن لم تكن مظفراً فعش في ظل مظفر ، وإن لم تكن ذا بصيرة فتتبع خطو ذي بصيرة ( انظر الكتاب الثالث الأبيات 276 - 279 وشروحها ) ،
 
وكيف بك تمضى دون مرشد ؟ ألست ترى الفخاخ حولك ؟ وكلها جراح تبدو لك في صورة الدواء ( عن الفخاخ انظر الكتاب الثالث 269 - 275 وشروحها ) انظر الحية تمسك في يدها ورقة شجرة يظنها الطائر قوتاً فيسقط في فم الحية ( الصورة مكررة في البيت 281 من الكتاب الثالث ) ، ويمكن أن تكون الإشارة هنا إلى المثل العربي القائل " المال حية " انظر البيت 5290 من الكتاب الخامس ) ،
والتمساح يصيد الطيور التي تطحن الديدان العالقة بأسنانه مائدة شهية ، نعم ، هذه هي صورة الدنيا تماماً ، تمد إليك صنوف النعيم ، لتقتلك ( ثبت طبياً أن الأمر حقيقة وليست مجازاً ، والموت بالأمراض المستعصية وأمراض القلب نسبتها الأكبر في الدول المرفهة ) ،
إنني أضرب لك صوراً من مكر الحيوان فكيف بالإنسان ومكره وهو سيد على كل
 
« 626 »
 
هذه الحيوانات قد غلبها وسيطر عليها بمكره ، فإياك من نفاقه وتظاهره ، يكون أحدهم متظاهراً بتقوى على الأصغر بن الحسين السجاد رضي الله عنه ، لكنه يخفى خنجره القاتل في كمه ، يتهلل في وجهه ، وفي قلبه كل سحر أهل بابل ( انظر عن الملكين ببابل ، البيت 539 من الكتاب الأول والبيت 797 من الكتاب الثالث والرابع 2674 والخامس 623 - 626 ) أو كما يقول عليه السلام عن بعضهم [ ألسنتهم أحلى من السكر وقلوب الذئاب ] ( انقروى 6 - 2 / 415 ) .
 
( 4108 - 4119 ) : إن متاع الدنيا قليل ، ونورها كالبرق الخاطف لا يدوم ، وبعدها ظلمة مترامية ، ومفازة دون شعاع من نور ، فإن قنعت بنور البرق حرمت من نور ربة الشرق ، فتتفرق بك السبل في الظلام ، وتتوه وتضل بلا دليل ، بل إنك عندما ترى الدليل تنصرف عنه ، وأنت في سعيك وبحثك عن جاه الدنيا تتخبط ، ففرق بين طالب الجاه وطالب الله ،
 
إنك ترى أنك في نهاية الطريق ، وأنت لا زلت في بدايته ، بل إنك لم تبدأ الطريق أصلًا ، إنك تقطع الطرق على الظن ، ولو أنك تسير مع مرشد لقطعت الطريق الأصلي في عشر معشار ما قطعت فيه كل هذه الطرق ، وهذا بعيد عنك وعن رشدك بعد أن قرأتإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً *( يونس 36 ) فتركت ربة الشرق وسرت في نور البرق .
 
( 4120 - 4136 ) : الحديث يبدو من الأخوين إلى الأخ الأكبر لكنه من إفاضات مولانا جلال الدين في الحقيقة يحدث المغرورين المبتعدين عن دائرة الإرشاد ، واركب سفينتنا أيها الضال خطاب نوح عليه السلام في الحقيقة إلى ولده كنعان ( انظر تفصيلات الكتاب الثالث ، الأبيات 1310 - 1335 وشروحها ) ،
 
واربط سفينتك بسفينتنا أي الحق وجودك بوجودنا ، إن العمى عيب واحد ، لكن العمى والابتعاد عن المرشد في نفس الوقت هو العمى المركب ، أتراك تهرب من مجرد الاتباع والاقتداء إلى المتاهات والضلال ، فيا لك من هارب من بعوضة إلى عقرب وهارب من القطر إلى اليم ، وهارب من شدة الأب وحرصة على تأديبك بالشدة إلى
 
  « 627 »  
صحبة الشواذ وإلى الفتنة وإلى الشر ( انظر شدة الأب خير من حنان الأم الكتاب الذي بين أيدينا الأبيات 1437 - 1443 وشروحها ) وانظر إلى سيدنا يوسف عليه السّلام ، لقد أخذ الإذن من أبيه لكي يرتع ويلعب ، وأخذته يرتع ويلعب هذه من أحضان أبيه وألقت به قاع البئر ( انظر الكتاب الثالث البيت 417 ) ،
ولو لم يكن أبوه قد أذن له ، لضاع وانتهى في غيابة الجب ، وهكذا فكل أعمى البصيرة وسالك مغرور غير خبير يعصى أوامر الشيخ ، فإنه يحرم من فيضه ، وقد تكون فيه نهايته ومهما يناديه عيسى الإرشاد ، هيا تعادل فأنا البشير معي قميص يوسف ألقيه على وجهك فترتد بصيراً ، فتعال أيها الحمار العجوز العنيد الكسول ، واختر الشيخ ، فلا كان هناك غير الشيخ قائداً أو دليلًا ، ولا أقصد بالشيخ ذلك الذي شيبته الأيام
( انظر لشيخ العقل وشيخ الأيام الكتاب الرابع الأبيات 2160 - 2168 وشروحها وانظر أيضاً الكتاب الأول 2943 )
 
إن هذا الشيخ هو الذي يستطيع أن يخرج بك من الظلمات إلى النور ، ويوفر عليك المجهود ، فتنجو بفضله من عبادتك للظلمة وانغماسك في الضلال .
 
( 4137 - 4150 ) : إن الشيخ لا يطلب منك سوى شرط واحد : أن تستسلم له بكليتك وألا تجادل أو تناقش وأن تبرأ من كل حول وقوة لك ، إن السهم لا ينطلق إلا بالقوس ، وأنت لن تنطلق إلى السماء إلا بقوس الشيخ ، لن تكون أكثر قوة من النمرود الذي أراد أن يطير إلى السماوات محلقا بأجنحة عشرة نسور فلم يجده ذاك نفعا ،
 
وكان يستطيع أن يصل عن طريق إبراهيم عليه السّلام لو أنه أطاعه ، إن المرشد هو السلم إلى السماء ولا سلم سواه ، لماذا تفكر دائما في سفر الجسد ، إن سفر الروح لا وسيلة له سوى المرشد ، انظر : ألا تسافر أحاسيس الناس وهم نيام ثم تعود عند اليقظة ؟
 
( انظر الأبيات 1691 - 1700 ، البيت 2100 من الكتاب الأول وشروحها ) ،
والمعارف أيضاً يمضى إلى مئات العوالم وهو جالس مستريح في مكانه ، وإذا لم يكن هذا السير الروحاني قد حدث له فمتى عن له وتيسر له أن يخبر عن الولايات البعيدة ( انظر الكتاب الرابع ، الأبيات 1802 وما بعدها وشروحها ) وهم متفقون في هذا لا
 
« 628 »
 
يختلفون كعلماء الظاهر ، ذلك أن عملهم كحضور الكعبة وسط النهار في حين أن علم علماء الظاهر كالتحرى ( البحث ) عن الكعبة ( جهة القبلة ) في الليل الداجى .
 
( 4151 - 4154 ) : لا يزال إبراهيم عليه السّلام يحذر النمرود أو بمعنى أصح لا يزال يبين للسالك العاصي الذي يريد أن يسير في هذا الطريق وحده وكلها في إطار نصح الأخوين لأخيهم الأكبر ، هيا أيها النمرود ودعك من أجنحة النسور واطلب أجنحة من الرجال ، ودعك من عقلك الجزئي الذي يسير به في طريق عالم الغيب وهو لا يصلح إلا للدنيا وإلا لما تمليه عليه الحواس ( انظر البيت 1559 من الكتاب الثالث والبيت 2723 من الكتاب الذي بين أيدينا )
ودعك يا قليل الهمة من جيفة الدنيا ( انظر 1042 من الكتاب الرابع و 3485 من الكتاب الذي بين أيدينا )
 
وعقول الأولياء بمثابة جناح جبرئيل تطير حتى سدرة المنتهى مرحلة بمرحلة ، إنني - والكلام على لسان إبراهيم عليه السّلام للنمرود - بازى السلطان ، لي صلابة البازي وطهره وزهده وملازمته السلطان - الخالق - وبمعونة جناح واحد منى تستطيع أن تصل أنت أيضاً إلى ساعد السلطان
( انظر الغزلية رقم 441 ، ص 203 من ديوان شمس الدين التبريزي ) فحتام تسير على العمياء ؟ إنما يلزم لكل حرفة وكسب أستاذ فكيف تمضى بلا أستاذ ؟ ! ( لتفصيل الفكرة انظر الكتاب الخامس ، الأبيات 1425 - 1431 وشروحها ) .
 
( 4156 - 4172 ) : عودة إلى حديث الأميرين إلى أخيهما الأكبر ويبين مولانا في هذه الأبيات صراحة أن بنت ملك الصين ليس لها وجود صوري وإن ملك الصين نفسه وجود روحاني ومعنوي وأن معظم السالكين والباحثين بالرغم من أنهم وجدوا ارتباطاً روحانياً مع هذا الوجود ، إلا أنهم لم يصلوا قط إلى بنت ملك الصين وهي سر من أسرار الغيب ،
وكل ما قاله لك الشيخ امض وفقاله ، لا تخدعه ، ولا تشح عنه بوجهك ، إن الناس جميعا يقولون إن ملك الصين " لم يلد " ( الإخلاص / 3 ) ، وأنهمَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً( الجن / 3 ) ، ومن قال هذا فقد عرض روحه للدمار ، فإن الملك يطلب منه إثبات ما لا سبيل إلى إثباته ، وهناك
 
« 629 »
 
خندق ملىء برؤوس فصلت عن أجساد أصحابها لأنهم " جدفوا " بهذا الباطل وخاضوا فيه ، وهكذا كانت نهايتهم مهما كان سيرهم ، وهكذا السائر مائة عام على العمياء ودون هداية المرشد ، وأقرأ يا أخانا قول الله تعالى وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ( البقرة / 195 ) .
 
( 4173 - 4188 ) : يجيب الأخ الأكبر مستبعداً أن الأوان أوان انتظار المرشد أو انتظار الدليل ، إن الزرع قد استوى على سوقه وقد آن أوان المنجل والحصاد ، أي صبر والعشق قد أضرم النار في مقام الصبر ، فكفاكم حديثا ، وكفاكم تحذيرى بالخطوب ، فلا صبر عندي ، مات صبري ولكم طول البقاء ، أي رأس تخاطبه وأي عقل تخاطبه ، لقد انقلبت رأساً على عقب ، أنت تحدث الآن قدمي ، فهل تفهم القدم ؟ !
لقد سقط البعير من شدة الحمل ولم يعدله من حل سوى الذبح ؟ !
أي خندق وأية رؤوس مقطوعة ، إنها مجرد مزاح إلى جوار هذا الألم الذي أحس به ، فهل أخفى الهوى ؟ !
وهل يمكن إخفاءه ؟ ! كأنني أدق الطبول تحت الغطاء ! !
 
فإما أن أرى محبوبى وأما أن أفقد رأسي ، وجدير بهذا الرأس أن يفقد في سبيل هذا الهدف ، وأولى بالحلق الذي لا يتحمل شراب الهوى أن يذبح ، أو كما نقل الأنقروى عن ابن الفارض ( 6 - 2 / 426 ) :
وانى إلى التهديد بالموت راكن * ومن هوله أركان غيرى هدتوأولى بالعين التي لا تبصره أن تعمى ، والأذن التي لا تسمع سره أولى بها أن تقطع ، واليد التي تخلو من هذه العطية عطية رؤية الحبيب أولى بها أن تقطع بيد القصاب ، والقدم التي لا تتنزه في رياض أسراره أولى بها أن تغل في الأغلال حتى تستريح منها الرأس ! !
 
( 4189 - 4198 ) : يقدم مولانا عنوانا جديداً ، إن الأخوين ينصحان أخيهما الأكبر بأن يدق باب المرشد ، وما وقر في ذهن الأخ الأكبر أن أبواب الله كلها واحدة ، وأنه من الممكن أن يدق على باب ، بينما ميسر له الله العطية من باب آخر ، إنه " معه " أي مع الله سبحانه وتعالى . والله يقولوَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ، والله
 
« 630 »
 
سبحانه وتعالى يعرف بفسخ العزائم ونقض الهمم ، ( انظر الكتاب الثالث ، الأبيات 4465 - 4470 وشروحها ، والبيت 3695 والبيت 3489 من الكتاب الذي بين أيدينا ) يقول الأخ الأكبر : إنني سوف أصل إلى بغيتي إما في هذا السفر وإما عند عودتى ( إشارة إلى الحكاية التي تبدأ بالبيت 4220 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ، المهم أن أحافظ على المعية ، ألا يفارق قلبي أنه جل شأنه معي وذلك مصداق للآية الكريمة : وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ ( الحديد / 4 ) ،
 
والمهم أن يظل هذا القول في أذني ، لقد قال ( وهو معكم ) بحيث يطرد عن القلب اليأس من أن يظن أنه مختوم عليه ، وحتى يجاهد ويسعى ولا يدرك أن الحبيب موجود في قلبه ، وأنه ليس عليه أن يبحث خارج هذا القلب . فاطلب المعية كما كان يطلبها الحسين بن علي رضي الله عنه في دعاء عرفة : " إلهي ترددى في الآثار يوجب بعد المزار فاجمعنى بخدمة توصلني إليك " ( جعفري ، 14 / 452 ) .
 
وحتى يدله بعد السعي والسير والسفر أن مطلوبك في الدار وأنت تبحث خارجها إنه يريد - أحيانا - من العبد أن يسير في الطريق العكسى وأن يبذل جهدا خارقا في طريق المعرفة ، ويستخدم مولانا الفريضة الرياضية التي تصل إلى الحل الصحيح من فرض خطأين ( استعلامى 6 / 431 ) ، بعدها يعلم العبد ، بعدها وليس قبلها ، المهم أن يسعى ، والله يحقق طلبه من أي باب آخر .
 
( 4199 - 4201 ) : ويشير مولانا إلى أنه قد تحدث عن هذه الموضوعات في أجزاء سابقة - ويضرب المثل بقصة الشيخ أحمد خضرويه الذي كان مدينا في آخر أيامه - ومع ذلك فقد اشترى كل الحلوى التي يحملها بائع متجول وأعطاها لغرمائه دون أن يستطيع دفع نصف دينار هي ثمن الحلوى ، لكن بعد صراخ ابن بائع الحلوى يصل الفتوح ، ويحصل على المبلغ المدين به وفوقه نصف دينار هي حق بائع الحلوى . ( انظر الكتاب الثاني ، الأبيات 379 - 447 وشروحها ) .
 
( 4202 - 4219 ) : ولله - جل شأنه - في خلقه شؤون ، إنه يلقى في قلبك الخوف من
 
« 631 »
 
المكان الذي يكون لك فيه - وليس في غيره - مطمع ويكون لك في الطمع نفسه فائدة ، إذا يعطيكه الله تعالى من موضع آخر ، وفي هذه الألعاب المقلوبة حكمة أخرى ومصلحة ( انظر 1641 و 1745 وشروحها من الكتاب الذي بين أيدينا ) ،
فلماذا طمعك إذن من هذه الناحية ما دام يريد أن يصرفك عنها ، هذه هي حكمته وهذا هو صنعه ، لكي تزداد فيه تحيرا ، وتقر بعجزك وجهلك ، ويوصل لك اليقين بعالم الغيب وتزداد حيرة في المنتجع ، ( المكان الذي تطلب منه القوت ) والمصرف : مصرف القلوب الذي يجذبها من ناحية ويصرفها إلى ناحية أخرى . فترى نفسك تطلب الرزق من عمل ثم يأتيك الرزق من عمل آخر ، فلماذا إذن وجهك نحو العمل الأول وهو يعلم أن الرزق سوف يأتيك الرزق من عمل آخر ، هذا من أجل حكمة نادرة في علم غيبه جل شأنه ، حتى يدفعك إلى التحير في خلقه والتحير عبادة الواصلين ، ومن ثم قال أحد الصوفية : " يا دليل المتحيرين زدني تحيرا " ( انظر الكتاب الثالث ، الأبيات 1108 - 117 وشروحها ) .
ويواصل أكبر الأمراء : وها أنا في حيرة ، هل أصل إلى الحبيب من سعيى هذا أو سأصل إليه من طريق آخر خارج هذا الطريق الذي أسعى به وهو جسدي وذلك بعد أن ينتفى جسدي ، ها أنتم ترون أنه من الممكن بعد التضحية بالجسد أن يحدث المطلوب ، هل يكون مرادي من وصلى هذا ، أو من عالم الغيب المختفى خلف ذات البروج ؟ !


.
الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء السادس د. أبراهيم الدسوقي شتا
* * * 
 أبيات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا 

* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح 01 - 4932 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: الهوامش والشروح 4602 - 4932 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   الهوامش والشروح 01 - 4932 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالأحد مارس 28, 2021 6:33 pm

الهوامش والشروح 4602 - 4932 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )     

الهوامش والشروح 4602 - 4932 على مدونة عبدالله المسافر بالله

الهوامش والشروح 4602 - 4932 فى المثنوي المعنوي الجزء السادس د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح عودة إلى تفصيلات قصة الأمير وملازمته لحضرة الملك
( 4603 - 4609 ) : عودة إلى قصة الأمراء الثلاثة ، كان الأمير قد توقف في الجزء الأخير من القصة - قبل أن يقطعها مولانا بقصة جحا وزوجته والقاضي على أنه قد جاء إلى الحضرة دون الاستعداد الكافي ، وأن هذا الاستعداد أيضاً عطاءٌ من الله سبحانه وتعالى ، وها هو الأمير في مقام الحيرة ،
فبالنسبة له لا يمكن إدراك الوجود المطلق بموازين عالم المادة ، وربما كان من الأوفق هنا أن نقول أن ملك الصين هو فعلًا رمز القطب أو الغوث وأنه وإن بدى روحانيا خالصاً في بعض أجزاء الحكاية إلا أن مولانا مهد بوصفه السابق للعارف بالحديث عن ملك الصين أيضاً ، كوجود صوري ، فالملك في نظر الأمير هو الأفلاك السبعة ممثلة في قبضته من الطين ( وهكذا كل إنسان انظر مقدمة الترجمة العربية للكتاب الرابع " الإنسان ذلك العالم الكبير ) ،
 
وفي أثناء هذه الحيرة التي فرضت الصمت ، كانت روح الأمير مع روح الملك في حديث مستمر ، كان الأمر غريباً جداً أمام الأمير ، إن الملك كله معنى من المعاني فما هذه الصورة التي له ، إنها صورة حقاً لكنها ليست ككل الصور ،
وذلك الكلام المستمر الذي يجرى دون لسان يخلصك وينجيك من كل كلام ، فما دمت مشغولًا به لن تكون لك علاقة بكلام البشر ،
وذلك السقام الذي أنت فيه ينجيك من كل سقام ، وعلى الأمير إن أراد أن يفنى في ملك الصين أن يعبر وجوده الجسدي ، وبعدها لن يراه مجرد قبضه من طين ، وسوف يراه كله معنى ، وعلى هذا يطلب الأمير من الجسد أن يخلص الروح حتى يتصل بالوجود المطلق .
 
( 4610 - 4621 ) : في هذه الأبيات يصف مولانا التجليين الصوري والباطني للأمير ، إن ملك الصين يكرم روح السالك ، وهذا النضج المعنوي الروحاني ذوبان لجسد السالك ، ومن ثم فإن هذا الذوبان هو نمو وتعال ، ومن هنا يتهلل العاشق به ولا يذبل بل يقول " زيدونى " ، إن هذه
 
« 646 »
 
اللحظة ، لحظة ارتباط السالك بعالم الغيب قيمتها خارج حساب المكان والزمان ، وكل ما يفعله السالك في هذه اللحظة عندما يكون رجل حق ، في هذه اللحظة لا يوزن بموازين الطاعة والمعصية ويقول الأمير : إذا كان الملك قد قال أن العشاق غير الجديرين بابنته أو مدعى أسرار الغيب ينبغي أن يعدموا ، فسوف أطلب أن أعدم في كل لحظة لا مرة واحدة ، وعن ابن الفارض :ولم تعسفى بالقتل نفسي بل لها * به تسعفى أن أنت أتلفت مهجتي
وقال آخر :ما لي سوى روحي وباذل روحه * في حب من يهواه ليس بمسرف( انقروى 6 - 2 / 499 ) ، ( للعشاق في كل لحظة موت 3886 من الكتاب الثالث )
إن الرأس التي تقطع في سبيل هذا العشق تعوض بمئات الرؤوس ، ولا زلت أيضاً مستعداً للتضحية بهذه المئات من الرؤوس ، إن الرأس التي أتحدث عنها رأس أخرى والقدم التي أتحدث عنها قدم أخرى ، ومن هنا فكل المجالس تنتهى ، إلا مجلس العشق ، فالعاشق متجدد ، وفي كل لحظة يزداد مجلس عشق الحق حرارة ، وهذه الحرارة ليست في هذا العالم بل في اللامكان ، في عالم الغيب ومن ثم فهو حار بحيث لا تساوى حرارة الجحيم شررا واحداً منه .
 
( 4622 - 4628 ) : عندما يتحدث مولانا عن نار العشق وكيف أن الجحيم منها شرر واحد يذكر الحديث النبوي المذكور أكثر من مرة في المثنوى وهو أن النار تقول للمؤمن عندما يعبر الصراط " جز يا مؤمن فإن نورك أطفأ ناري "
والعبارة المذكورة في العنوان : نورك أطفأ لهيبى ، هذا النفس أي نفس العشاق الحار هو الذي يطفئ لهيب الكفر ، فأودع نار كفرك آهة العاشقين حتى تطفئها ولا تجعلك محترقاً بها في نار جهنم ، ويضيف أيضاً فكرة جديدة وهي أن الجنان أيضاً لا تتحمل العاشق ، فإنها رغم عظمتها لا تعد شيئاً إلى جوار عظمته " لا جزاء للعاشق إلا وجه الله " .
 
« 647 »
 
( 4629 - 4633 ) : عودة إلى قصة الأمراء الثلاثة أو قصة الأمير الأكبر : كان الأمير قد وصل إلى بلاط ملك الصين ، لكن هذه القطرة لم تكن قد وصلت بعد إلى مرحلة يتيسر لها فيها أن تذوب في البحر ، كان يحترق انتظاراً لابنة ملك الصين ، وكان يتحمل الفراق وكأنه خلع الأضراس ، وبلغ عمره آخره ، وحان أجله ، لكنه مقيم على معنى المعشوق ولا علاقة له بتجليات المعشوق في عالم الصورة ، إنه يريد المحبوب بغير حجاب ،
مهما كانت تجلياته الصورية العظيمة ، فان عين الحقيقة دون هذه التجليات أعظم ، إن روحي قد ألقت عنها لباس الجسد ، ومن ثم فإن وجوده المطلق قد ألقى عنه لباس الخيال أي التجلي الصوفي ، والآن أجد نفسي مستعد للالتحاق ببحر الوجود المطلق ، إنه وصال بعد الموت ، بينما وصال الرجال يكون قبل الموت .
 
( 4634 - 4647 ) : هكذا ، وإلى هنا ينبغي عليك أن تصمت ، فمن بعد هذه المرحلة . . . لا تعبير . وصلنا إلى البحر ، فدعك من الجواد والسرج ( البيان ) ولم يعد يصلح لك إلا المركب الخشبي ، الزورق وهو الصمت ، قد يكون هذا الصمت ، يلقى بك في الملال ، لكن عن هذا الصمت حديث وولولة في عالم العشاق ،
 لكنك لأنك منفصل عن هذا العالم لا تسمع ، وكما أنك تتعجب من صمته يتعجب هو أيضاً من ثقل سمعك ( إن ما يلقن للواصلين في عالم الغيب هو أن اصمتوا الكتاب الخامس البيت 2242 )
( الشفة صامته والقلب ملىء بالأصوات 2240 من الكتاب الخامس ) إن العاشق هو الذي يدرك ، وغير العشاق إلى جواره لا يعرفون ، كنائم إلى جوار حالم لا يدرى بما يجرى في أحلامه ، ويصل العاشق إلى مرحلة انكسار المركب الخشبي " الصمت " ، وكالسمكة يصبح غريقاً في بحر الأبدية ،
 لكنه الواصل الكامل لا يمكن وصفه فلا هو صامت ولا هو متحدث ولا اسم هناك يعبر عنه ، وهو لا يستوعب وصفه حديث ، على كل حال ، ليكن معلوماً لكن أنني أعتبر ما تسمعه من كلام هنا تعبيراً ركيكاً عما أريد قوله ، لكن هذا هو أفضل ما وجدته من العالم المحسوس .
 
« 648 »
 
( 4648 - 4671 ) : يلتقى الابن الأوسط بالملك في جنازة أخيه ، ومع أن الملك يعرفه إلا أنه يسأل متعمداً " من يكون هذا ؟ يبدو أنه سمكة من نفس البحر " أي يبدو أنه أيضاً سالك يريد أن يصل إلى بحر الغيب وبإكرامه لذلك الأخ الأوسط صاده أيضاً وجعله مفتوناً بالوجود المطلق ، وذلك الملتاع في مصيبة أخيه ،
رأى أن روحاً جديدة قد نفثت في جسده ، لقد كانت العطية عظيمة ، مجرد التفات من الوجود الحقيقي ، وهو التقات بلا حول ولا طول ولا جهد ، لقد قامت ضجة عالية في قلبه ، فلم يكن قلبه متوقعاً لها ، وانعكست مشاعره هذه على كل ما حوله ، فحتى الجمادات اكتسبت روحاً جديدة ووصلها فيض العطاء ، كل ذرة أخذت تتضخم أمامه وتكشف عن أسرارها ،
وكل شئ مما هو موجود حوله أخذ يكتسب معنى جديداً ، لقد انقلب إلى روح منفصل عن الجسد ، والروح عندما تنفصل عن الجسد يصبح العالم كله أمامها جديداً ، ليس هذا فحسب بل إن كثيراً مما لم تكن تراه تبدأ تراه من جديد ، لقد كان يقرأ في الكتب عن هذه الأحوال ، لكنه خبرها عياناً الآن وتجلت أمامه ، وليس ذلك إلا من عناية ذلك الملك العظيم الذي كحل عينيه بكحل المعرفة ، لم يكن الكحل من يده ، بل من غبار مطيئته ، فكأنه قبض قبضة من أثر الرسول ،
وأخذت الفيوضات تنهمر عليه وهو يصيح : هل من مزيد ، لقد كان في روضة من المعاني تختلف عن تلك الرياض التي ترونها والتي يمكن أن تصبح صعيداً زلقاً أو يصبح ماؤها غوراً ، إنها روضة نامية من القلب ، دائماً في ازدياد ، ربيعها دائم ومتجدد ، وكل ما تعلمه من علوم ، حتى العلوم التي تعترف بها والتي ترى أنها ذات طعم ، حتى علوم القلب هي مجرد باقة أو باقتان من هذه الرياض فليس كل من ذاق منها استطاع أن يعبر عن كل ما ذاقه ،
 
وإننا لنشعر بالضعف تجاه هذه الباقات ، لأنك لم تدرك هذه الروضة ولم تدرك قيمتها ، وأغلقت أبواب الروضة أمامك لأن مفاتيح هذه الأبواب ضاعت منك وأنت مشغول بهموم العيش وإن فرغت منها لحظة ، انصرفت باحثاً عن النساء ، ثم طف عندك هذا الميل وهذا الهوس فانقلبت من حية إلى تتبين ذي سبعة رؤوس إلى
 
« 649 »
 
جهنم ، تحتاج إلى مدينة من الخبز والنساء ( انظر النفس تنين 3 / 1053 ) .
 
( 4672 - 4681 ) : مزق شبكة الدنيا التي تحيط بك ، واحرق حبوب الحرص وافتح أبواباً جديدة لهذه الدار ، كن عاشقاً ، ولا تكن شحاذاً ملحاحاً يعتمد على تنغيم صوته وتباكيه ورفع هذا الصوت ، ولا تكن كالصدى مردداً لأقوال الآخرين بل ذق أنت وأعرف أنت ، كل ما لديك انعكاسات وردود أفعال ، تقليد ، تسر لأسباب شهوانية " مما تجلبه القوادة "
 
وتغضب لأسباب خارجية " غضب الشرطي " الذي يظهر إخلاصه لسيده بالتجبر على الضعفاء ، إنك تنبهر بشئ ، تنبهر بآراء الآخرين وأقوال الآخرين بل ونجاح الآخرين " وأحياناً مظاهر الآخرين " وتحاول تقليدهم ، متى تصبح " نفسك " ؟
 
متى يكون اعتمادك على نفسك ؟ بحيث يكون كل ما تحصل عليه لك ولا ينال أحد منه شيئاً ، كل ما تحصل عليه يكون لك ولا يشاركك فيه أحد . يقول الأنقروى ( 6 - 2 / 511 ) وكان شيخنا أبو مدين يقول في فتوح الغير أطعمونا لحماً قديداً أي لا تنقلوا إلينا من فتوح غيركم إلا ما يفتح عليكم في قلوبكم يرفع بهذا همة أصحابه لطلب الأخذ من الله ) .
 
( 4682 - 4686 ) : الكلام لا يخرج عن نوعين : إما وحى وإما هوى ، وما لا يكون من الوحي فهو من الهوى ، وإن كان هذا القول لا يبدو لك صحيحاً ، فهيا اقرأ من سورة النجموَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى( النجم 3 - 4 ) ،
 
فليكن لك الوحي يا أحمد فأنت جدير به " وما للأنبياء يكون للأولياء " ، أما أرباب الجسد فتصلح لهم وسائلهم من تحر وقياس ودرس وقراءة وقال وقيل ، فهؤلاء لا يدركون الوحي ، فهم مضطرون ، والمضطر يأكل الميتة ، لكن من يقبل الوحي يكون كمن هو داخل الكعبة ، لا يتحرى عن جهة القبلة ( لا رسم للقبلة داخل الكعبة 1172 من الكتاب الثاني ) .
 
( 4687 - 4717 ) : ماذا يحدث لو أن القياس والتحري لم يعط نتيجة ؟ حرقة البدعة والضياع في السبل والطرق ، وطالما ضربت لكم الأمثال ، سيروا في القرون وانظروا ،
 
« 650 »
 
واستخدموا القياس فهل كانت كل ريح حمالة للعرش كما حملت سليمان عليه السلام ؟ لا بل حملت قوم عاد ، كما يحمل القصاب الحمل ، يحمله ليذبحه ، ثم قلبت الفراء من وجهه الجميل إلى وجهه القبيح وشتان ما بين الوجهين ( التعبير مأخوذ من الإمام علي رضي الله عنه " لبس الإسلام لبس الفر ومقلوباً " ( من الخطبة 107 من نهج البلاغة تحقيق وترجمة فيض الإسلام ص 324 )
 
فكانت دماراً حطمهم ، وحطم الذيول التي يتشبثون بها ، بعد أن أمنتهم ( انظر الكتاب الرابع الأبيات 125 - 130 وشروحها والكتاب الذي بين أيدينا الأبيات 2198 - 2200 وشروحها والأبيات 4831 - 4836 وشروحها )
 
فهيا حطم الهوى قبل أن يحطمك الهوى كما حطم قوم عاد ، والرياح أنواع يا بنى يسرها الله سبحانه وتعالى كيف يشاء " ريح للظفر وريح للحراسة ريح للطلق وريح للولادة ريح تسير السفن وريح تؤلم الأسنان " ( انظر الكتاب الرابع الأبيات 130 - 149 ) .
 
( 4718 - 4736 ) : الدنيا بمثابة حلق يبصق علينا جميعا ، وأفواهنا لا تأكل إلا التراب ، أليس الطعام الذي نأكله مهما كان شهيا والشراب الذي نشربه يتحول إلى لحم وجلد ، أليس اللحم والجلد هو في النهاية تراب طريق ، ما أشبه الطعام بتراب يرتق الطين ثم يتحول إلى تراب ، مثلما تتحول كل الألوان والصور والجنسيات إلى تراب ،
كل الألوان وزينات الدنيا تتحول إلى تراب ، كلها أقنعة وثمة لون واحد يبقى ، ما كان لله ، صبغة الله ( البقرة / 138 والبيت 770 من الكتاب الأول و 1349 من الكتاب الثاني )
أو اللون الواحد ( البيت 504 الأول ) أو اللالون ( 2479 و 3490 من الكتاب الثاني ) أو اتحاد اللون ( 1316 من الكتاب الخامس )
 
وهي كلها ليست واحدا من هذه الألوان لأنها لا ألوان ، معنى ممتد على كل الخليفة ليس له لفظ يعبر عنه ، وكل الألوان غيره أعراض ، مثل الألوان التي تطلى على رقاب الإبل ، ومن الواضح أن صبغة الله لا لون لها ، هل هناك لون للتقوى والصدق واليقين ؟ !
هل هناك لون للكفر والشك والنفاق ؟ !
إن الحسن والقبح لا لون ولا مفهوم صوري لهما ، إن
 
« 651 »
 
انعكاسهما فقط هو الذي يبدو على الوجه ، سرور دائم أو عبوس دائم ، وما أشبه هذه الصور بتماثيل من عجين يلعب بها الطفل ، ويعض عليها بالنواجذ ، ثم يأكلها ، إنه دائما في عناد من أجلها ، والله الحمد إنه في عناده هذا لا قوة له .
 
( 4737 - 4754 ) : انظر إلى الأطفال و ( الرجال الأطفال ) ، وماذا يصنعون في الدنيا من شر وفتنة وظلم ؟ انظر عندما يجتمع الجهل والسلاح معاً ! ! " سيف في زنجي ثمل ، البيت 1438 من الكتاب الرابع " إن من العصمة ألا تجد في طلب البسطة لا تجتهد أو كما قال علي رضي الله عنه " من العصمة تعذر المعاصي ( انظر الكتاب الثالث ، البيت 3382 ) والإنسان الجائع المحتاج متجه دائما إلى الله ، وبعيد عن وساوس الشيطان ( الجوع طعام الله ، الكتاب الخامس ، البيت 297 ) ،
انظر إلى أولئك الذين امتلأت بطونهم كيف يعرض عليهم تجار السوء بضائعهم ( من جنس ومخدرات وخمر وشذوذ يجعل البطن المليئة تشتهى ! ! ) فيضيع العقل كما ضاع الجسد ، فياله من خالق عظيم ذلك الذي يجعلنا نتقاتل على تراب " وأحيانا على وهم وخيال وأحيانا على ما يدمرنا " ، يجعلنا كالأطفال نتشاجر على التراب ، وشتان ما بين الطفل والبالغ : الطفل مهما كان ضخما وكبيرا المتلق بهذا التراب الملون ، والبالغ الذي وصل إلى كماله الروحي والمعنوي شتان ما بين الفاكهة الناضجة وما بين الحصرم ، ( انظر الكتاب الثالث ، الأبيات 1795 - 1800 وشروحها ) .
إنه في شك وتردد ، ترى هل يصل إلى مرتبة أن يكون عنبا ناضجا ، هل يترك مرحلة الفجاجة والحصرمية ؟ ! !
 
( 4755 - 4772 ) : لا يزال المتردد الذي يرى نفسه حصرما ويتوق إلى الوصول إلى النضج يتساءل : ليس لي رجاءٌ في شئ قط ، لكن الله سبحانه وتعالى يقول :لا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ( يوسف / 87 ) وانظر البيت 984 من الكتاب الثالث ) وطالما مدلنا موائد كرمه ونعمه وقال لنا لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ( الزمر / 53 ) ،
 ومهما كنا يائسين من أنفسنا ، نسقط في حفر الكآبة والقنوط ، لكنه عندما ينادينا بالعطاء علينا أن نمضى إليه
 
« 652 »
 
راقصين سعداء مسرورين ، كأننا جياد تسرع إلى مرعاها ، هنالك يكون الإسراع بلا خطو ، والشراب بلا كأس ، ليست حركة الجسد بل حركة الروح ، إلى عالم الروح ، حيث المعاني ولا أجسام ، والشموس ولا ظلال ، أليست الجدران العالية تحجب أنوار القمر ؟ ! فإن انهارت وصار خلاء ، سطع القمر ( انظر 553 - 559 من الكتاب الثالث ) .
 
وما القصور ، وما الجدران ، وما الشرف ، وما الأسوار ، إن الجبل ليندك إن سطع عليه هذا النور ، بل ليندك من شوقه إلى هذا النور ، لقد اندك لأنه تجلى على ظاهره ( الأعراف / 143 ) والبيتان 25 و 26 من الكتاب الأول )
فما بالك إذا كان قد سطع على باطنه ، لكان قد تفتت لتنال كل ذرة فيه نصيبها من النور ، انظر إلى الجائع يتفتح عندما يجد رغيف خبز ، فما بالك بالنور والغذاء الروحي وقوت الملائكة والأبدال ، إن هذا النور يساوى أيتها الأرض التمزق إلى آلاف القطع ، فانهضي من بين الفلك ، ترى هل كان مولانا جلال الدين يعتبر الأرض كرة معلقة في فضاء الفلك ، كرة معتمة إن تمزقت سطع عليها النور ؟ !
الله أعلم ، الخلاصة هنا إنه إن لم يكن ثم حياة مادية ، تراب ، يسطع النور على كل شئ ، لكن الأرض على كل حال هي مهد الأطفال ( طه / 53 ) ،
( المهد متأرجح ومتحرك ) وهي لازمة طالما كان البشر أطفالا ، فإن نضجوا وبلغوا مبلغ الرجال ضاقت بهم الأرض . ويا أيها المليك ، وسع عليهم هذه الدار ، فإن فيها أيضاً بعض الناضجين البالغين ، وهم في حاجة أيضاً إلى الحركة .
 
( 4773 - 4791 ) : عودة إلى قصة الأمراء الثلاثة وقلعة ذات الصور : وها هو الأمير الثاني الذي تعرض لعناية ملك الصين ونال من ألطافه ، يدخل في " الحال " الذي أرداه : ها هو يسقط صريعا للوسوسة وأن ما وصل إليه إنما بحوله هو ووحى قلبه هو ، ويصبح " مستغنيا " عن عنايات ملك الصين إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى ( العلق / 6 - 7 )
( انظر قصة كاتب الوحي وسطوع نور الوحي المحمدي عليه ، البيت 3241 وما بعده من الكتاب الأول ) ويشير مولانا في العنوان إلى ملك القلب ويقصد به ملك الصين أو الوجود
 
« 653 »
 
المطلق ، ومعنى لا علم له عن صورة الملك أي أن الجرح الذي أصابه لم يكن هناك دخل لوجود الملك الصوري فيه ، لقد كان الراتب الروحي يصل إليه دون دخل منه ، كان قوتا مستطابا ، لأنه لو كان الرزق الذي وعد به بالمؤمن هو الطعام والشراب لما رزق غير المؤمن منه ( انظر 1563 و 1862 من الكتاب الرابع )
لقد ظن الأمير نفسه قمراً ، ناسيا أن القمر نفسه يستمد ضياءه من الشمس ذات البهاء ، وأن الأنبياء والأولياء فحسب هم الشموس الساطعة ذات الأنوار المستمدة من ذواتها ، لقد استغنى الأمير وانتهى الأمر ، ولم يعد الملك ذو الألطاف في رأيه إلا مانعا في الطريق ( غبار يقف على وجه القمر ) ،
لقد أحس الأمير " بأنيته " ، وتولدت فيه نفسه الأمارة بالسوء ، ظن أن المعرفة ( الماء ) نابعة من داخله ( جدوله ) وحين تتولد النفس داخل الإنسان ، فنها تفتح كل أبواب الشرور ألعن من الحرص وألعن من الحسد ، ثم نفسْ السوء التي تنظر إلى كل الوجود فتراه شيئا قبيحا ، لكن الملك كان يعلم بكل ما يدور في داخلهأَ لا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ، ولقد تأمل الملك من هذا الجحود العطاياه الغيبية وأخذ يخاطب الأمير الجحود ( الإنسان المنكر على وجه العموم ) بخطابه القاسى : لماذا هذا الشر الصاعد برغم العطاء النازل .
 
( 4792 - 4810 ) : حذار من غيرة المليك التي تثار عندما يتوجه العشاق إلى أنفسهم وإلى كل ما سواه وانعكس هذا على الأمير ، وحسر طائر الدولة ظله عنه ، وافتضح كل شئ وتمزق حجابه ، وضربه بجناح غضبه ، وانصرف عنه منتحيا جانبا ، وبدأ يحس بأن هذا الانعامات التي تتوالى ،
وأفاق الأمير من سقطته وزال عنه سكر الكبرياء ، وبدأ الذنب يدق رأسه ، وبعد السكر يكون الخمار ، وهكذا كان آدم عندما آكل من الشجرة المحرمة شجرة الحنطة ( البقرة / 25 ) فبدت له سوءته ، وطرد من جنة الله ، لقد شرب الأمير شربة النفس والغرور ،
فانقلب من طاووس يتبختر في رياض الجنة ، إلى بوم ينعق في خرابة الدنيا ، لقد انقلب عز آدم إلى مجرد حراث يسوق بقرة ، وأخذ يخاطب نفسه : أيتها الكافرة " الهندية " ،
 
« 654 »
 
لقد جعلت أسد الروح مجرد أسيرا لذيل بقرة النفس الأمارة ، لقد اخترت قمح الغرور ، فانقلبت كل حبة منه إلى عقرب لادغ ، وتغلبت عليك الأنية ، فعقدت قدمك عن الانطلاق بقيد يزن خمسين منَّا ، لماذا انقلبت على مليكى ؟ !
 
لماذا كفرت بالنعمة التي صبها على صبا ؟ لقد أفاق ، واستغفر ، وتاب وأناب واستعان على هذا كله بالألم والإيمان ، فلا كانت هناك للإنسان قوة واستغناء ، فهو عندما ينجيه الله من الصبر على الحرمان يطمع في الزيادة وصدارة المجلس ، ولا كان للإنسان قدرة على الظلم ، فهو حينئذ ظلوم جهول لا يؤدى حقا لله ولا للناس ، وأولى بالإنسان إذا أراد أن ينجو أن يكون مبتلى مشغولا ببلائه ، ذلك أن نفسه كافرة بالنعمة ميالة إلى الشر ( انظر عن صفات النفس ، الكتاب الثالث الأبيات 2550 - 2558 وشروحها ) .
 
( 4811 ) : نموذج آخر لمن انصبت عليه الأنعام الإلهية ثم صار نموذجاً في الكفر والضلال : النمرود مدعى الألوهية والواقف في وجه أبى الأنبياء إبراهيم عليه السّلام ، والحكاية المروية هنا يرى فروزانفر أنها ترجع إلى الكتاب المسمى عجايب نامه ،
كما نقل رواية شبيهة بها وردت في كتاب جوامع الحكايات ولوامع الروايات لمحمد عوفي ( مآخذ / 226 - 228 ) وعن عزرائيل ودوره في قبض أرواح الأموات ، لتفصيلات انظر : الكتاب الخامس الأبيات 1651 - 1684 وشروحها ) .
 
( 4829 ) : الرواية المذكورة هنا عن شيبان الراعي ذكرت رواية شبية بها عن أبي حليم حبيب بن سالم الراعي ( انظر كشف المحجوب ، الترجمة العربية لكاتب هذه السطور وآخرين ، ص 113 - 114 )
أما شيبان الراعي فهو أبو محمد الدمشقي وكان صديقا لسفيان الثوري ومعاصرا للشافعي وأحمد بن حنبل رضي الله عنهما ( انظر تعليقات كفافى على ترجمة الكتاب الأول ، ص 484 ) والكرامة المنسوبة هنا ، والحكاية هنا أيضا ، مذكورة في الكتاب الأول أيضاً في معرض ذكر دائرة هود حول المؤمنين ( انظر الكتاب الأول الأبيات 860 -
 
« 655 »
 
863 ) وأشار فروزانفر ( مآخذ 10 - 11 ) إلى أصل الحكاية أنها وردت في حلية الأولياء لأبي نعيم ط مصر ج 8 / 318 ) وبالنسبة لهود عليه السّلام ودائرته انظر تعليقات كفافى على البيت 855 من الكتاب الأول وانظر تعليقات الأبيات 4687 - 4717 من الكتاب الذي بين أيدينا ) .
 
( 4837 - 4844 ) : يخاطب مولانا المؤمن بالطبيعة ، اعلم أن الطبيعة هي الأخرى في حكم التصريف الإلهى ، ولا تنكر نص القرآن الكريم ، أو أن استطعت فامنع قراءته ، واقض على كل من يعلمه ويقرأه ويتدبر آياته ويفهمها بقلبه ، إن كل هذا من ضلالك وعجزك ، وكم كان لك من قبل من أصناف العجز ، نجاك الله منها مرحلة بعد مرحلة وأنت لا تدرك ولا تفهم ، ويوم أن تفهم ، سيفتضح عجزك على الملأ ولا تملك له رداً ، اعترف إذن بعجزك ، وتحير في الخليقة ، فالحيرة عبادة ، تجعلك في ظل الحبيب الحي الباقي ، وافهم عجزك في الدنيا ، وعجزك في الآخرة ومت قبل الموت ، واختر دين العجائز متمثلًا بقول الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم [ عليكم بدين العجائز ] ( مولوى 6 / 641 )
وانظر إلى زليخا امرأة العزيز ، لقد ارتدت شابة بدعاء يوسف ( يوسف وزليخا للجامى استفادت من هذا ، انظر الترجمة العربية لعبد العزيز مصطفى ) والرواية ذكر فروزانفر أنها وردت في كتاب بحر المحبة المنسوب إلى أحمد الغزالي " فتحير يوسف من ضعفها وعجزها وكبر سنها لأنه كان لا يعلم أنها حية أو ميتة ، فقال له جبريل إن الله تعالى يقول اقض حاجتها ، فقال لها ما حاجتك ؟ قالت أنى أريد أن أكون لك زوجة وأنت لي زوجاً ،
 
 قال ما أصنع بك فإنك عجوز فقيرة عمياء كافرة فنزل جبريل عليه السلام فقال يا يوسف إن الله تعالى يقول إن كانت عجوزاً فأنا أجعلها صبية وإن كانت فقيرة فأنا أجعلها غنية وإن كانت عمياء فأنا أجعلها بصيرة وإن كانت كافرة فأنا أجعلها مؤمنة لأنها تحب من يحبنا بلا واسطة فمسح جبريل عليها فصارت أحسن من زمانها وهي بكر فآمنت بالله القدير وأسلمت " ( عن فروزانفر مآخذ 227 )
وعن الحياة في الموت انظر مقدمة الترجمة العربية الكتاب الثالث . و " مت بالإرادة تحيا بالسعادة " انقروى ( 6 - 2 / 536 ) .
 
« 656 »
 
( 4845 - 4878 ) : عودة إلى قصة تربية النمرود " وفي رواية شداد بن عاد " لقد ربى النمرود كما يربى العارفون ، يربيهم الله سبحانه وتعالى بلا واسطة ، وهكذا لطفه وكرمه جل شأنه ، انظر إلى أيوب عليه السلام ، لم يقض عليه الدود بأمر الله تعالى " حتى أن الدود لما يقع على جراحة كان يرفعه عن الأرض ويضعه على جراحة ليأكل " ( مولوى 6 / 642 ) ،
( وعن تعليم الأمهات وصنعة الله في حنان الأم انظر الكتاب الثالث الأبيات 328 - 330 وشروحها )
ويعود إلى حكاية النمرود : لقد يسر الله تعالى له كل شئ وهو الذي كان بلا والد ولا والدة ولا إنسي حوله ، كان يريده أن يعلم أن كل ما فيه من تربية الله سبحانه وتعالى ، ثم ماذا كانت النتيجة ؟ لقد صار محرقاً للخليل عليه السلام ، وهكذا الأمير في محضر ملك الصين لقد تجبر فختم الله على قلبه فخفيت عليه ألطافه ، تماماً مثل النمرود
( انظر الحكاية البيت 378 والبيت 4140 وشرحيهما من الكتاب الذي بين أيدينا ) ،
 
وفي الأبيات التالية يخلط مولانا بين رواية إبراهيم عليه السلام والنمرود ورواية موسى وفرعون
( انظر الكتاب الثالث الأبيات 840 وما بعده وشروحها ) ، ترى إذا كان الآخرون من الكفار يقولون وجدنا آباءنا ، ما حجة هذا النمرود الذي لم يعرف له أباً أو أماً ، وبم يحتج : إنه لم يرث الملك عن أبيه حتى نقول : ظلوم ابن ظلوم ، لقد وجد الانعامات الإلهية مباشرة ، أتدري ما السر ، إنه النفس الغشوم ، هي كلب وخنزير وذئب مفترس وأفعى
( انظر شروح الأبيات 4792 - 4810 من الكتاب الذي بين أيدينا ) فليت المرء يقرا الحديث النبوي [ طوبى لمن ذلت نفسه وطاب كسبه وحسنت سريرته وكرمت علانيته وعزل عن الناس شره ] ( جامع 2 / 54 ) ،
 
 لكن وآسفاه إنك جلد لم يدبغ بعد ولم يصبح أديما طائفياً يصلح لأن يكون خفاً للمحبوب ( قرينا للحق ) ، والسهيل هو رجل الحق وقد ورد تشبيه رجل الحق بالسهيل ، والصورة كلها في ديوان شمس تبريز " يلمع سهيل شمس الدين التبريزي في اليمن وإلا لصار الجلد غير المدبوغ أديماً طائفيا في كل مكان " ( عن استعلامي 6 / 467 ) وكان أهل الطائف يدبغون الجلد في
 
« 657 »
 
شعاع نجم السهيل ومنه يأخذ لونه ( انظر لغت نامه على أكبر دهخدا الطبعة الأولى من النسخة الجديدة المعدلة ج 1 ص 1351 تهران انتشارات دانشكاه تهران - خريف 1372 ه . ش ) ولماذا أطيل عليك في الكلام إن القرآن الكريم كله شرح لخبث النفس ، وهلاك القرون ، وفساد الدنيا من جراء فسادها .
 
( 4879 - 4890 ) : كان مصير الأمير الثاني قد حسم ، لقد تحركت غيرة الملك ، لقد كان محواً ، وجوداً غير مرئى ، وتسير الحكاية بين الوجود المطلق والوجود الصوري للملك بشكل متواز ، وقتل الأمير بسهم من الملك ، عندما تجلى غضب " المريخ " في وجوده ، لكن القتل كان بشكل غير متعمد ، وهذا الوجود المتوازى جعل مفسرا مثل همائى يفسره بأنه الغوث والقطب ، وهو أكثر إقناعاً لأن الله لا يقتل ، ولا يقتل دون أن يدرى : قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ ( في رواية سابقة عن البسطامي قتل مريدوه أنفسهم دون أن يدرون انظر الكتاب الرابع الأبيات 2102 - 2139 وشروحها ) ،
المهم أن الملك علم بأن السالك المغرور قد قتل بعد أن رأى سهماً ناقصاً من كنانته ، لقد سأل الحق ، فقال الله إن السهم الذي أصماه من كنانته ،
 وهنا يتجلى الوجه الآخر ، وجه الرحمة ، لقد عفا عنه المليك ، لكن السهم كان قد قضى عليه ، ومن هنا أخذ ينوح عليه ويبكيه ، إن العاشق والمعشوق في الحقيقة واحد ، وإن لم يكن كذلك ، فكيف يكون كليا ، كيف يجمع بين الأوصاف المتناقضة ، كلها تجليات أوصاف الحق ، يتجلى على أحدهم بالطف ويتجلى على الآخر بالقهر ، وقد يتجلى على أحدهم باللطف وبالقهر الواحد تلو الآخر ، وربما يكون مولانا ناظراً إلى حديث يرويه الصوفية " من أحبني قتلته ومن قتلته فأنا ديته ، ( استعلامى 6 / 467 وانظر الكتاب الرابع البيت 2966 وشروحه ) ،
 
 والعاشق القتيل مع أنه قتل ، أخذ يردد الشكر ، لقد فنى الجسد ولم تفن الروح ، فنى الجسد ، وأصبح المعنى باتصاله بالحق خالداً ، لقد أو ذي الجلد وكان ثمن إيذائه الوصول إلى الحبيب ، لقد تمسك بأهداب سرج الملك ( الغوث ) ومن هذا التمسك وصل إلى إلى الكمال ، وفي بيت واحد
 
« 658 »
 
يعبر مولانا عن مصير الأمير الأصغر ، كان أكثرهم استسلاماً لم يبد فنا ولا حيلة ، فاختطف الصورة والمعنى ، وفي نسخة جعفري ( 14 / 607 ) أبيات زائدة ( ومعظم المفسرين والباحثين لا يعتبرونها ) أن الأصغر أخذ الفتاة والملك والخلافة ، وليس ذلك إلا نتيجة للذلة والعجز والضراعة ، وإن كان مولانا يشير في الحكاية التالية مجرد إشارة إلى أن هذا بالفعل كان مصير الابن الأصغر .
 
( 4891 - 4916 ) : هنا لطيفة يقصها مولانا ويرى استعلامى أنها لا توجد في مصدر قبل المثنوى ( 6 / 468 ) ، لكن الأبناء الثلاثة هنا لم يقصوا أية حكاية عن كسلهم ليثبتوا للقاضي أيهم أكسل الجميع ، والمعنى المفهوم ضمناً أن الأصغر لم يقص أية حكاية لإبداء كسله أنه حتى لا يريد أن يقص حكاية من أجل الحصول على الثروة والميراث كله لأن معظم الأبيات التالية تتحدث عن فضيلة الصمت ،
ويعلق مولانا بأن العارفين هم أكثر من في الدارين كسلًا ، فهم في ألطاف الله بمجرد تسليم القلوب له ، ولا يحسبون حساباً لفعلهم وكسبهم ، فهم في انتظار الأمر ، وبما أن العوام يفتقدون هذه الصلة فهم في كد ليل نهار وليس معنى هذا أن مولانا يدعو إلى عدم العمل فهو يقول ازرع ثم توكل
 
( انظر الكتاب الأول الأبيات 951 ، 621 - 645 ، 1473 - 1503 والكتاب الرابع 1384 - 1402 والكتاب الخامس من 2965 وما يليه والبيت 650 ، 1448 من الكتاب الذي بين أيدينا )
وهكذا يطلب القاضي من الأبناء الوارثين الثلاثة الكلام " مما يؤكد ما ذهبت إليه في أول تفسير هذه الأبيات ، ويحمل كلام مولانا هنا مضمون قول الإمام علي رضي الله عنه " تكلموا تعرفوا فإن المرء مخبوء تحت لسانه " فإن اللسان " وهو الحجاب الصغير لا يستطيع أن يغطى مئات المعاني الموجودة داخل القلب ، والصدق له رائحة ، والكذب أيضاً له رائحته
 ( انظر الكتاب الثالث الأبيات 160 - 171 وشروحها )
هذا مثلما ينبئ كل نسيم عن المكان الذي يهب منه ، مثلما تنبىء رائحة القدر عما فيه ، قال تعالى وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ محمد 30 وانظر الكتاب الثالث البيت


« 659 »
 
790 وما يليه وشروحها ) ، وإن لم يكن في القدر شئ ، فإن صوت الدق عليه ينبئ عما إذا كان سليماً أو مكسوراً . والمقصود بالمعرفة في ثلاثة أيام من مقارنة أحواله وتصرفاته .
 
( 4917 - 4932 ) : يرى استعلامى أن المثال هنا غير مرتبط بتيار الحديث ( 6 / 469 ) عن الصمت وعن كسل العارفين . والواقع أنه مرتبط أشد الارتباط ، فنصيحة الأم نصيحة من جانب واحد متناسية أن للشبح أيضاً أماً ، وهو ما فطن إليه الطفل الصغير بتلقائية ودون تعلم . ثم يواصل مولانا حديثه عن الصمت وكيفية معرفة الشخص إن صمت والحيلة هي الصمت أمامه أيضاً ( انظر الكتاب الثالث : الصبر مجن عظيم الأبيات 1837 - 1856 وشروحها )
 
والإشارة في الأبيات إلى التواصل الإيحائى أو التلباتى في المصطلح الحديث فعندما تصمت الألسنة تكون القلوب في تواصل ( هذا لمن سلموا أمورهم لله فإنه يلقى في قلب كل منهم ما يقوله الآخر ) حين ذاك يكون الضمير مساعداً على التواصل لأنه يكون في نور سهيل اليماني والمقصود بالميمنة هنا يمين القلب موضع الصدق . ترى هل كان يريد أن يبلغ رسالة أخيرة ! ! !
إذا كنت قد صمت عن الكلام في هذا الجزء من المثنوى فإنك تستطيع إن إستنار قلبك أن تواصل معي الحديث عن طريق القلب ! .
 
*
تم بحمد الله تعالى رب العالمين
عبدالله المسافر بالله
.
الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء السادس د. أبراهيم الدسوقي شتا
* * * 
 أبيات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا 

* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

الهوامش والشروح 01 - 4932 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 6.docx    الهوامش والشروح 01 - 4932 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالأحد مارس 28, 2021 6:34 pm

تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 6.docx 

تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 6.txt

تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 6.pdf



عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الهوامش والشروح 01 - 4932 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الهوامش والشروح 01 - 3858 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
» الهوامش والشروح 01 - 4242 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
» الهوامش والشروح 01 - 4814 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
» الهوامش والشروح الأبيات من 01 - 4018 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
» ديباجة مولانا الدفتر السادس .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى المودة العالمى ::  حضرة الملفات الخاصة ::  حضرة مولانا جلال الدين الرومي-
انتقل الى: