الحمد لله على نعمه التي لا تحصى، وعطائه الذي لا يستقصى، أحمده كما ينبغي لجلاله، وكريم عطائه، وعظيم سلطانه،
وصلاة الله وسلامه ورحمته وبركاته على نبيه المصطفى وآله وصحبه
اللهم يا عماد من لا عماد له ، ويا ذخر من لا ذخر له ، ويا حرز من لا حرز له ، ويا ناصر من لا ناصر له
ويا مؤيد قلوب العارفين ، ويا مستراح مذاهب المتوكلين ، ويا شاهد مجالس الخائفين يا مقيل عثرة العاثرين ، يا أرحم الراحمين
((الكيس هو الذي يعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها))
عن أبي يعلى شداد بن أوس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني ) رواه الترمذي وقال حديث حسن
يقول الإمام أحمد الرفاعي رضي الله عنه
(( ثقل مرض الموت، أول قناطر المعرفة بالله عند المحجوبين، ولهذا قيل لنا: موتوا قبل أن تموتوا . حضرة الموت تكشف الحجب، كما ورد: "الناس نيام، فإذا ماتوا انتبهوا". ))
قال سيدي أحمد الرفاعي رضي الله عنه في شرح هذا الحديث فالعمل بسر هذا الحديث هو المعرفة نعم إن المعرفة من العبد والتعريف من الله تعالى وهي أشرف وأعظم الهدايا التي يهديها إلى عباده فإن الله تعالى إذا أراد أن يختار عبداً من عبيده ويفضله على نفسه من سواه من خلقه ويطلع في سره شمس المعرفة ينظر إليه بعين الفضل والرحمة ويفتح له أبوا ب الهداية ثم يكرمه بالانتباه ويوقظه من نوم الغفلة وينعم ويمن عليه بشرح القلب ويذهب عنه موت القلب بالفهم ويذهب عنه الوهم ويكرمه بالحياء والخوف واليقين ويذهب عنه الشك وجراءة الأمن.
" الكيس " معناه الرجل الحازم الذي يغتنم الفرص ، ويتخذ لنفسه الحيطة حتى لا تفت عليه الأيام فيخسر الدنيا والآخرة
وقوله :" من دان نفسه " أي حاسبها ونظر ماذا فعل فيما آمره الله عز وجل، وماذا ترك مما نهاه الله عز وجل عنه، هل قام بما أمر الله عز وجل به وهل ترك ما نهي عنه ؟؟
وإذا رأى من نفسه تسيباً في الواجب استدركه إذا أمكن استدراكه وقام به أو غيره ، وإذا رأى من نفسه وقوعاً بشيء مما نهي عنه وندم وتاب واستغفر.
وقوله :" عمل لما بعد الموت " أي عمل للآخرة ، لأن بعد الموت فإنه من الآخرة وهذا هو الحق ، والإصرار أن الإنسان يجتهد في طاعة ربه ويعمل لما بعد الموت فإذا فرط ومضت عليه الأيام وأضاعها في غير ما ينفعه في الآخرة فليس بكيس ولا فطن .
الكيس هو الذي يعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها ، وصار لا يهتم إلا بأمور الدنيا ، فيتبع نفسه هواها في التفريط فيما أمر به وما نوهي ، ثم يتمنى على الله الأماني ، فيقول : الله غفور رحيم ، وسوف أتوب إلى الله في المستقبل وما شابه من ذلك وسوف أصلح من حالي إذا كبرت وما أشبهه من الأماني الكاذبة التي يمليها الشيطان عليه فربما يدركها وربما لا يدركها.
على الإنسان الكيس الفطن أن ينتهز الفرص وأن لا يضيع من وقته فرصة إلا فيما يرضي الله عز وجل وأن يدع الكسل والتهاون والتمني، كما قال الحسن البصري رحمه الله: " ليس الإيمان بالتمني واعلم فإن التمني لا يفيد شيئا ولا بالتحلي، ولكن الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل ) رياض الصالحين..ج/1.
وعليك محاسبة النفس في كل لمحة ولحظة لأن العمر قصير والناقد بصير واعلم أخي وحبيبي
عليك أن تنظر في أعمالك وأحوالك وأقوالك ليومك أو في شهرك أو في أي لحظة من عمرك ، فإن وجدت من حسنة فلتحمد الله عليها وما وجدت من سيئة فنح عليها فقف بباب الله عز وجل متضرعاً تصرع الخائف المسكين نادماً على ما اقترفت من فعل السيئة واستغفر الله
واعلم أخي الفاضل إن أهمية محاسبة النفس من طرق التربية نهي النفس عن الهوى ، و تصبيرها ومكابدتها ومداراتها ومحاسبتها زكاة أو تزكية النفس وطهارتها موقوفة على محاسبتها .
واعلم إن صلاح القلب بمحاسبة النفس ، وفسادها بإهمالها والاسترسال معها ، وهذا حال أهل الغرور ومن أهمل محاسبة نفسه فليعلم إنه في ضياع قد خسر الدنيا والآخرة.
واعلم إن محاسبة النفس لا تكون إلا بعد تصحيح التوبة إلى الله تعالى وأن تقلع عما نهاك عنه وأن تتجنب كل ما نهيت عنه وأن تتبع فعل الخيرات وترك المنكرات وأن تعزم عزماً أكيداً على أن لا تعود للذنب وتقترفه وإياك أن تتوب في الظاهر وأنت مصر عل قبائحك في الباطن فتكون كالمنافقين الذين قنعوا برضا المخلوقين واسخطوا عليهم رب العالمين وإياك ثم إياك أيها الأخ الحبيب أن تجعل توبتك سبباً لحصول مناك بل اجعلها عبودية وتقرباً خالصاً لمولاك فتكون من الخواص ومن أرباب التحقيق والإخلاص فشتان بين توبة محب مشتاق وبين من تاب للخوف والإشفاق الأول هاجه الشوق لشهود الجمال والثاني حذره الخوف سطوة الجلال
وإياك أخي الفاضل أن تغتر بوعد الأماني والتسويف فتحرم نيل القرب في المقام المنيف ولكي لا أطول عليك فلي رسالة قصيرة لعلها تكون لك ذخراً ومعيناً (( من دام في التوبة على مقتضي الحزم والعزم فهو الصادق الصديق البالغ بسيره مقاصد الطريق ))
وأسأل الله المولى القدير أن يسدد لنا خطانا ويجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه
يتبع بعون الله
وصلِّ اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم الطيبين الطاهرين
وارضَّ اللهم عن القائمين على هذا المنتدى المبارك عامة وارضَّ اللهم عن خادم هذا المنتدى خاصة وارزقه الصلاح والفتوح من عندك إنك علام الغيوب
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته