مطلب في الفرق بين الوارد الرحماني والشيطاني والملكي وغيره .كتاب الإسفار عن رسالة الانوار فيما يتجلى لأهل الذكر من أنوار
كتاب الإسفار عن رسالة الانوار فيما يتجلى لأهل الذكر من أنوار المتن للشيخ الأكبر ابن العربي وشرح الشيخ عبد الكريم الجيلي رضي الله عنهما
بسم الله الرحمن الرحيم[ مطلب في الفرق بين الوارد الرحماني والشيطاني والملكي وغيره ]تفرق بين الواردات الروحانية النورية الملكية ، والواردات الروحانية النارية الشيطانية ، بما تجده في نفسك عند انقضاء الواردات .وذلك أن الوارد إذا كان ملكيّا ، فإنه يعقبه برد ولذة ، ولا تجد له ألما ولا تتغير لك صورة ، ويترك علما . وإذا كان شيطانيّا ، فإنه يعقبه تهريس في الأعضاء ،......................................................................................................................................................يقول الشيخ عبد الكريم الجيلي : -مطلب في الفرق بين الوارد الرحماني والشيطاني والملكي وغيره وينبغي لك أن ( تفرق بين الواردات الروحانية الملكية والواردات الروحانية النارية الشيطانية بما تجده في نفسك عند انقضاء الواردات ) .( وذلك أن الوارد إذا كان ملكيّا فإنه يعقبه برد ولذة ) كما كان حال النبي صلى اللّه عليه وسلم في بدء الوحي ، فإنه صلى اللّه عليه وسلم كان حالة تحنثه في غار حراء إذا أتى إليه جبريل عليه السلام بوحي أخذه البرد وأتى إلى بيت خديجة رضي اللّه تعالى عنها وهو يرتعد من البرد فيقول : دثروني دثروني ( ولا تجد له ) أي للوارد ( ألما ) لأن الوارد الملكي لا يرد إلا على روحانيتك وهي لا تتألم منه لأنه من جنس عالمها بل تستلذ به ، وإنما انحرف المزاج لوروده لأنه لما ورد على النفس وشغلها بما ألقي إليها عن تدبير الهيكل وأخذها عنه دفعة واحدة انزعج المزاج لذلك وانجرف ( ولا تتغير لك صورة ) الوارد إن كان وروده عليك في عالم المثال وإن كان في عالم المجردات فلا تتغير لك صورة أثره فيك ( و ) إذا صدر عنك ( يترك ) لك ( علما ) لأن الوارد الملكي لا يأتي إلا بخير ( وإذا كان ) الوارد ( شيطانيّا فإنه يعقبه تهريس في الأعضاء ) والهرس الدق ومنه الهريسة"103"
وألم وكرب وحيرة وذلة ، ويترك تخبيطا ، فتحفظ ، ولا تزل ذاكرا بقلبك حتى ينزعه اللّه عن قلبك ، وهو المطلوب .....................................................................................................................................
يقول الشيخ عبد الكريم الجيلي : -( وألم وكرب وحيرة وذلة ) وتتغير لك صورتك ( ويترك تخبيطا ) وذلك لأن الشيطان من مارج من نار فإذا ورد على القلب زادت حرارته وأخذه الخفقان وغلى ذلك الدم وتموج في مجاريه وتعبت العروق والأعصاب من شدة حركته وتموجه ، فإذا صدر عنه دفعة خدرت المفاصل وسكن اضطراب العروق فأدى ذلك إلى ألم وتهريس في الأعضاء وكرب لغلبة الحرارة على القلب وحيرة في النفس لأنها متأهبة لما يرد عليها من الحق ، فإذا كان الوارد شيطانيّا ظنت النفس أنه إلهي فتوجهت إلى قبوله فرأت سرعة تغيره واستحالته لأنه مخلوق من نار فأدى ذلك إلى تحيرها ، ولهذا إذا صدر يترك تخبيطا لأنه حير النفس وأزعج المزاج ويعقبه ذلة لأنه ذليل من حين طرد ولعن فلا يكون أثره إلا على وفق طبعه ، وبعد أن علمت الفرق بين الواردات الشيطانية والملكية وورد شيطان عليك ( فتحفظ ) منه بالتوجه والمراقبة ، واحذر أن يتخلل مراقبتك فتور فإنك متى فترت مراقبتك ظهر الشيطان فيك بسلطانه ، ولا يرد عليك أبدا إلا إذا تخلل الفتور لمراقبتك ومتى لم يتخلل فلا يرد أبدا ، وإذا ورد تخلله وجمعت نفسك على التوجه خسيء وذهب عنك وهو منكوب مطرود تطرده الملائكة الموكلة بك فإن اللّه يحفظ من اشتغل به وأعرض عن غيره ، وإلى هذا أشار الشيخ رضي الله تعالى عنه بقوله ( ولا تزل ذاكرا بقلبك حتى ينزعه اللّه عن قلبك وهو المطلوب ) فإن اللّه جليس من ذكره والشيطان مبعود عن اللّه تعالى فلا يجمع اللّه والشيطان مجلس أبدا .مطلب في بيان الفرق بين الخاطر الشيطاني والملكي وينبغي لك أن تفرق بين الخواطر كما فرقت بين الواردات ، فإذا خطر لك خاطر في محظور أو مكروه فاعلم أنه من الشيطان بلا شك ، وإذا خطر لك خاطر في مباح فلتعلم أنه من النفس بلا شك ، فخاطر الشيطان بالمحظور والمكروه ، اجتنبه فعلا كان أو تركا ، والمباح أنت مخير فيه فإن غلب عليك طلب الأرباح فاجتنب المباح واشتغل بالواجب والمندوب ، غير أنك إذا تصرفت في المباح فتصرف فيه على حضور أنه مباح ، وأن الشارع لولا ما أباحه لك ما تصرفت فيه فتكون مأجورا في مباحك لا من حيث كونه مباحا بل من حيث إيمانك به أنه شرع من عند الله ، وإن خطر لك خاطر في فرض فقم إليه بلا شك فإنه من الملك ، وإذا خطر لك خاطر في"104"
***....................................................................................................................................يقول الشيخ عبد الكريم الجيلي : -مندوب فاحفظ أول الخاطر فأثبت عليه ، فإذا خطر لك أن تتركه لمندوب آخر هو أعلى منه أو أولى بك فإن الخاطر الثاني قد يكون من إبليس فلا تعدل عن الأول وأثبت عليه واحفظ على الثاني وافعل الأول ولا بد ، فإذا فرغت منه أشرع في الثاني فافعله أيضا فإن الشيطان يرجع خاسئا بلا شك ، هذا كلام الشيخ رضي اللّه تعالى عنه. وإنما تعرض الخواطر الردية لمن يفتر عن الذكر والمراقبة ، وأما من لم يفتر فلا تعرض له إلا الخواطر المحمودة . واعلم أن الخواطر أربعة : ملكي ونفسي وشيطاني وقد عرفتها وإلهي وستعرفه إن شاء اللّه الواردات أربعة بلا واسطة . قال الشيخ رضي اللّه تعالى عنه : إن الوارد الإلهي يرفع الوسائط الروحانية ليسري في كلية الإنسان ويأخذ كل عضو بل كل جوهر فرد فيه حظّا من ذلك الوارد الإلهي من لطف وكثافة ولا يشعر بذلك جليسه ولا يتغير عليه من حاله الذي هو عليه من جليسه شيء ، إن كان يأكل بقي على أكله في حاله أو شربه أو حديثه ، الذي هو عليه في حديثه فإن ذلك الوارد يعم وهو قوله تعالى :وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ[ الحديد : الآية 4 ] انتهى .وعلى هذا المنوال هو الخاطر الإلهي فإنه يعم الواجب والمباح والمندوب والمحظور من حيث العلم لا من حيث العمل والترك ، فإنهما مخصوصان بالملك والنفس والشيطان وليس لهما دخل في الوارد الرباني لأنه لا يأتي بهما وإنما يأتي ، بالعلم ، ولو كان أتى بهما لكان آمرا بالفحشاء ، واللّه لا يأمر بالفحشاء وهو للأنبياء عليهم الصلاة والسلام بحكم الأصل ولغيرهم بالتبعيّة ، ووارد إلهي بواسطة الملك وهو إذا ورد على صاحبه وكان قويّا لما يرد به من الإجمال ، غاية فعله في الجسم أن يضجعه ويغيبه عن إحساسه ولا تصدر منه حركة أصلا بوجه من الوجوه ، سواء كان من الرجال الأكابر أو الأصاغر ، وهكذا قال الشيخ رضي اللّه تعالى عنه . وقال : وإنما يضجعه لأن نشأة الإنسان مخلوقة من تراب ، قال تعالى :مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى ( 55 )[ طه : الآية 55 ] وإن كان فيه من جميع العناصر لكن العنصر الأعظم التراب ، قال تعالى فيه أيضا :إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ[ آل عمران : الآية 59 ] والإنسان في قعوده وقيامه بعيد عن أصله الذي منه نشأ فإن قعوده وقيامه وركوعه فروع ، فإذا جاءه الوارد الإلهي وللوارد الإلهي صفة القيومية وهي في الإنسان من حيث جسميته بحكم العرض ومن حيث روحه بحكم الأصل وهي المدبر هو الذي كان يقيمه ويقعده ، فإذا اشتغل الروح"105"
....................................................................................................................................
يقول الشيخ عبد الكريم الجيلي : -
الإنساني المدبر عن تدبيره بما يتلقاه من الوارد الإلهي من العلوم الإلهية لم يبق للجسم من يحفظ عليه قيامه ولا قعوده ، فرجع إلى أصله وهو لصوقه بالأرض المعبر عنه بالاضطجاع ، ولو كان على سرير فإن السرير هو المانع له من وصوله إلى التراب ، فإذا فرغ روحه من ذلك التلقي وصدر الوارد إلى ربه رجع الروح إلى تدبير جسده فأقامه من ضجعته ، فهذا سبب اضطجاع الأنبياء عند نزول الوحي ، انتهى .
كلام الشيخ رضي اللّه تعالى عنه . ووارد طبيعي وهو لا يرد إلا على النفس الحيوانية عند استماع النغمات الحسنة والأصوات الطيبة ، فإذا ورد على صاحبه غيبه عن الإحساس وأظهر فيه الاضطراب والتخبّط والحركة وقد تكون دورية وهو مخصوص بأهل السماع المقيد بالنغمة ووارد شيطاني وقد عرفته .مطلب ظهور الرقيقة الجبريلية على قلب الولي فصل اعلم أن الملائكة صلوات اللّه تعالى وسلامه عليهم لا ترد على الأولياء بوحي وحكم لأن ذلك من خواص النبوة والرسالة ، وقد سد هذا الباب بوجود محمد صلى اللّه عليه وسلم وقال صلى اللّه عليه وسلم : « إن النبوة والرسالة قد انقطعت فلا نبي بعدي ولا رسول » « 1 » ، وإنما ترد....................................................................................................................................يقول المحقق والمصحح د. عاصم الكيالي :( 1 ) لم أجده بهذا اللفظ إنما ورد بألفاظ وروايات أخرى منها ما رواه مسلم في صحيحه ، كتاب الإمارة ، باب وجوب الوفاء ببيعة الخلفاء ، الأول فالأول . ورواه البخاري في صحيحه كتاب الأنبياء ، باب ما ذكر عن بني إسرائيل . ورواه أبو داود في سننه ، كتاب الفتن والملاحم ، باب ذكر الفتن ودلائلها ، حديث رقم 4252 ، لفظه عن ثوبان ، قال : قال رسول اللّه : « إن اللّه تعالى زوى لي الأرض ، أو قال : إنّ ربي زوى لي الأرض فأريت مشارقها ومغاربها ، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوى لي منها ، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض ، وإني سألت ربي تعالى لأمتي أن لا يهلكها بسنة بعامّة ولا يسلّط عليهم عدوّا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم ، وإن ربي قال لي : يا محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يردّ ولا أهلكهم بسنة بعامة ولا أسلّط عليهم عدوّا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بين أقطارها أو قال بأقطارها - حتى يكون بعضهم يهلك بعضا وحتى يكون بعضهم يسبي بعضا ، وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلّين ، وإذا وضع السيف في أمتي لم يرفع عنها إلى يوم القيامة ، ولا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان ، وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون ، كلهم يزعم أنه نبي ، وأنا خاتم النبيين ، لا نبي بعدي . ولا تزال طائفة من أمتي على الحق . قال ابن عيسى : ظاهرين - ثم اتفقا لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر اللّه تعالى » . ورواه غيرهم ."106"
....................................................................................................................................يقول الشيخ عبد الكريم الجيلي : -رقائق الملائكة على قلوب الأولياء بشرع الرسول فيعلم الولي ما جاءت به ، وهو شرع الرسول صلى اللّه عليه وسلم من غير أن يطالع الكتب ويأخذ ذلك عن علماء الرسوم فيكون على بصيرة من ربه ، وقد تظهر رقيقة من الحقيقة الجبريلية لولي من الأولياء ، وتنزل على قلبه بحكم يخالف ما نص عليه الفقهاء ، فيتخيل أنه قد أوحي إليه وأنه قد وصل إلى درجة النبوة ، وأن تلك الرقيقة هي جبرائيل وليس الأمر كما توهمه ، وهو ما أخطأ في كشفه وإنما أخطأ في نظره وحكمه والأمر على ما نقوله ، وذلك أن الفقهاء لا يأخذون الأحاديث التي يأخذونها ، ويحكمون بموجبها إلا من الرواة فقد يكون بعضها من الموضوعات وتقبله الفقهاء كلهم أو بعضهم لاعتمادهم على رواته ، وقد يكون بعضها من الصحاح ولا تقبله لعدم ثقتهم ببعض رواته ، فهم مع غلبة ظنهم وتعديلهم وتجريحهم ، وإذا كان الأمر على هذا فقد تنص الفقهاء على أمر بلغوا إليه باجتهادهم ورأيهم ولا يوافق الشرع المقرر في نفس الأمر ، وإن كان هو شرعا أيضا لأن اللّه تعالى اعتبر حكم المجتهد وإن أخطأ وجعل له من الأجر نصف ماله إن أصاب ، وإذا نزلت رقيقة الملك على قلب الولي أعلمته بما هو الأمر عليه في نفسه لا أنها تأتي إليه بحكم لا يأتي به الرسول ، هذا ما لا يقول به أحد من أهل الكشف إلا من لم ير به أستاذ متشرّع ، فما يحصل للولي من تنزل رقيقة الملك إلا ثلج الصدر باليقين الحاصل له منها بالشرع المقرر في نفس الأمر ، ولهذا إذا صدرت عنه يأخذه البرد والقشعريرة لثلج صدره فافهم . وللشيخ رضي اللّه تعالى عنه في هذا المقام كلام طويل وأطناب عظيم إن أوردناه طال الأمر ، وستقف على شيء منه في هذا الكتاب إن شاء اللّه . وقد يشهد الكمل من الأولياء حقيقة محمد صلى اللّه عليه وسلم وهي تتلقى من حقيقة جبرائيل عليه السلام الشرع الذي نزل عليها في الحياة الدنيا ، فيعقله هذا الولي بالطبيعة لأن خطاب الحقيقة الجبريلية في ذلك المشهد إنما هو للحقيقة المحمدية وللولي بحكم التبعية ، وأصحاب هذا المشهد هم أنبياء الأولياء ، وإذا وردت عليها الواردات الإلهية أو الملكية أو الشيطانية وأنت في خلوتك ومراقبتك فاحذر أن تتوجه إليها فتشغلك عن الذكر والتوجه فتنقطع رابطتك التي اتصلت بها فإنها ما صارت ملكة لك ، ولا تخف من قوة ما أتى به إليك الملك فإن الذكر يحفظه اللّه عليك ، وأنت إذا حصلت الحق حصلت كل شيء ، وإذا فاتك الحق فاتك كل شيء ."107"
واحذر أن تقول ماذا ، وليكن عقدك عند دخولك خلوتك أن اللّه ليس كمثله شيء .....................................................................................................................................يقول الشيخ عبد الكريم الجيلي : -( واحذر ) عند ورود الواردات عليك ( أن تقول : ماذا ) يعني أي شيء هو هذا ، فإن هذا القول هو عين التوجه إليه ، ويجب عليك أن تحلي نفسك بعقدين ( وليكن عقدك ) أي عهدك واعتقادك الأول الذي هو أصلك الذي تبني عليه جميع أحوالك ( عند دخولك إلى خلوتك أن اللّه ) الذي قصدت الوصول إليه بخلوتك وتفريغ قلبك ومراقبتك ( ليس كمثله شيء ) أي ليس مثل مثله شيء ، فتفرض المثل من باب فرض المحال وتنزهه عن المماثلة ، وهذا أعظم في التنزيه لأنك إذا نزهت مثله عن المماثلة فهو أحق به ، وكذلك يقول : مشير الملك ووزيره عند نصحه له : مثلك لا يليق به هذا ، ولا يجسر أن يقول : أنت لا يليق بك هذا فإن مقام الملك أجل من أن يخاطب مثل هذا الخطاب ، هذا إذا كانت الكاف غير زائدة ، وأما إذا كانت زائدة فلا إشكال ، وأن إرسال الرسل حق وكل ما أتوا به مما علمته ومما لم تعلمه حق ، واحترز من التأويل فإنه نار محرقة ، وكل ما لم يبلغه علمك فكله إلى اللّه وقل آمنت باللّه وبرسله وما أتوا به من عند اللّه على مراد اللّه ومرادهم . وإياك أن تؤول الأمور الأخروية ، فإن ذلك من شيم جهال الحكماء والمتصوفة ، وهو من أقبح القبائح ، وأخبث الخبائث ، وصاحبه مبعود عن اللّه مطرود عن بابه .مطلب أن اعتقاد الشيخ هو اعتقاد أهل الإسلام في جميع الأمور الأخروية والنبوة والرسالة اعلم أن اعتقاد الشيخ رضي اللّه عنه في جميع الأمور الأخروية وأحوال النبوة والرسالة هو اعتقاد عامة الإسلام من الفقهاء والمحدثين ، ولولا مخافة التطويل لأوردنا كلامه في ذلك ، لكن من طالع مصنفاته وفهم كلامه لا يخفى عليه ما ذكرناه ، ولا تلتفت يا أخي إلى جهال زماننا ممن يدعي فهم كلام الشيخ رضي اللّه تعالى عنه ولا يقول بما قالته الفقهاء : رضوان اللّه تعالى عليهم في الأمور الأخروية وحقيقة النبوة والرسالة ، ويسلك في ذلك نهج الحكماء ، ويدعي أن الشيخ رضي اللّه تعالى عنه يقول بذلك فإن من هذا شأنه أبلد من الحمار وهو واللّه كاذب فيما نسبه إلى الشيخ لأن جميع مصنفاته مملوءة بخلافه ونفيه ، وإن أردت أن تعلم صدق ما قلته فعليك بتتبع كلامه رضي اللّه عنه ، ولا تنجس قلبك ببغض أحد من خلق اللّه خصوصا بعض أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فإن ذلك حرمان وصاحبه لا يفلح أبدا ،"108"
***....................................................................................................................................يقول الشيخ عبد الكريم الجيلي : -فكيف أن يصل إلى مقامات الكمل ، وأنت إن أخللت بشيء مما ذكرته لك فلا تتعب نفسك ولا تدخل الخلوة بل ولا العزلة فإنها لا تنتج لك إلا الخيبة والخسران ، فإن الإسلام والإيمان أول الطريق الموصل إلى اللّه ، ومن زعم أنه يصل إليه بدونهما فهو جاهل كذاب ، هذا لا شك فيه عند من شم رائحة من العلم ، ولا نعني بالإيمان إلا التصديق بما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام على النحو الذي عليه الفقهاء وأرباب الحديث لا غير ، وأما النحو الذي اخترعه من لا خلاق له فهو كفر وضلال ، ونعوذ باللّه من ذلك ، وإذا كان اعتقادك على هذا الأسلوب القويم فأنت على الصراط المستقيم ، وأبشر بإنتاج خلوتك إذا أيقنت أن اللّه ليس كمثله شيء ..