الباب الحادي عشر في معرفة علة أسماء الصلوات الخمس وتنبيهات على كيفياتها من الحكم والأسرار على طريق الإجمال .كتاب التنزلات الموصلية الشيخ الأكبر محيي الدين محمد ابن العربي الطائي الحاتمي الأندلسي
كتاب التنزلات الموصلية الشيخ الأكبر محمد ابن علي ابن محمد ابن العربي الطائي الحاتمي الأندلسي رضي الله عنه
الباب الحادي عشر في معرفة علة أسماء الصلوات الخمس وتنبيهات على كيفياتها من الحكم والأسرار على طريق الإجمال إن شاء الله تعالى
ولما بدت للسر حكمة ربه …… فرضنا صلاة الظهر في عالم الكون
ولما تدانى الوصل بيني وبينها ….. فرضنا صلاة العصر صدقا بلامین
ولما اتصلنا واستمر عناقنا …… أتي المغرب المستور في بردة الصون
ولما أضطجعنا واستمر نكاحنا …… أتانا عشاء الحفظ خوفا من العين
ولما انتبهنا والشموس طوالع ……. أقمنا صلاة الصبح شكرا على البين
نزل الروح (الأمين) على القلب وقال :
لتعلم أن الله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه لما كتب الصلاة لميقاتها جعل أسماءها بأوقاتها ، إلا الجمعة فإنها سميت بانتظام الشمل وإتصال الحبل .
وهي من فروع الصلاة لا من أصولها ، لأنها مقرونة بشرط ، فأشبهت صلاة الكسوف والاستسقاء وغيرهما في فصولها .
فلما لم تقم في أصل الوضع مقام الفرض ، لذلك لم أجعل لها عينا في هذا العرض.
وإن نابت مناب الظهر ، فذلك لسر آخر من عالم الأمر ، ليس هذا موضعه ، ولا هنا مشرعه .
وجعلها خمسة في التكليف ، لأن الإنسان على خمسة في أصل التأليف. "الجمع والالتئام"
واعلم أنه تعالى قسم هذه الصلوات قسمين ، وجعل لها حكمين لتحصيل علمين في عالمين راجعين إلى حكمين .
فقسم واحد خصه بالعقل ، وهو الحضور والتدبر لما يتلوه بعد عقد النية .
وقسم آخر خصه بالحس ، وهو التلاوة .
وجميع حركات الصلاة ، لما كانت لا توجد إلا في هذه البنية . "أى الفطرة"
وأما الحكمان:
فحكم العقل : التوجه إلى القربة. "الإتجاه للقبلة"
وحكم الحس : التوجه إلى الكعبة . "الإرتباط بالكعبة"
وإنما قيد بجهة واحدة عن الجهات، لإزالة الحيرة والالتفات، وإشارة إلى فضل الجمع على الشتات .
وأما العلمان :
فالعلم الواحد يختص بالعقل ، وهو علم التنزلات.
والعلم الأخر يختص بالحس ، وهو علم التجليات .
وأما العالمان:
فالعالم الواحد : عالم الغيب .
والعالم الأخر : عالم الشهادة المقدس عن الريب .
وأما الحاكمان :
فالحاكم الواحد : الاسم الظاهر.
والحاكم الأخر : الاسم الباطن بلا مؤازر.
ولما اشتق الله تعاني لهذه الصلوات اسماء من أوقاتها لا من ساعتها علمنا أن ذلك لسر ابداه ، وخير إلينا أسداه :
فصلاة الظهر في العقل : لظهوره بالعلم.
وفي الحس : لظهوره بالفعل ، في خلق الظهيرة والحكم .
وصلاة العصر في العقل : لضمه اياه في عقد معرفته عن النقل .
وفي الحس : لضمه إياه في فروع الأحكام إلى النقل عن العقل ، بضم الشمس إلى الغيب ، لوجود الفصل ، والفضل .
وصلاة المغرب في العقل : لاستتاره بالأدلة الفكرية .
وفي الحس : لاستتاره عن الكيفية .
وصلاة العشاء في العقل : لاستتاره إلى سلطان السمع ، فلاحت له بارقة من بوارق الجمع ، فغشيت عين بصيرته لشدة ظلام الطبع .
وفي الحس : لاستتار المبصرات بجلابيب الظلمات ، فكان العين غشيت عن إدراكها في أصل الوضع .
وصلاة الفجر في العقل : لانفجار بحار الأسرار .
وفي الحس : لانفجار بحار الأبصار .
واعلم أن الصلوات المفروضة كلها نهارية ، إما بالشمس أو بآثارها ، إلا العشاء الآخرة ، فإنها مشتركة بين الليل وبين (النهار) أنوارها ، وذلك لسر غريب ، ومعنى عجيب .
وهو : أن الصلاة تكليف ، ففيها مشقة وتعنيف ، هما صفتان للنهار دون الليل، عقلا وإحساسا ،فجعل النهار معاش (وجعل النوم سباتا . حين ) جعل الليل لباسا.
فانظر ما أوزن هذا التعريف بحكمة التكليف .
ثم اعلم الصلاة البرزخية - وهي المغرب فرضها سبحانه بین جهر وسر ، وشفع ووتر ، وذلك في العقل.
لأن البرزخ في الصلاة أمر معقول بين عبد و رب (على قدر) .
لأن العبد بالليل منوط ، والرب بضوء شمس الله مربوط .
" الرُب بضم الراء وهى البقية والسلافة الباقية لان الوقت مختلطا فيه بقية من النهار"
وفي الحس بین كشف وستر لملح أجاج نزر، و عذب فرات غمر ، لأن فلك الزمهرير" يقصد فلك القمر" أكبر من فلك البحر المستدير.
وإن الصلاة النهارية مفروضة بين شفع وسر ، فالشفع للخلق ، والسر للوتر .
فإن الخلق إذا ظهر احتجب الحق واستتر.
فلهذا شفع الظهر والعصر ، و بالقراءة أسر .
وجهر في كل صلاة الفجر ، لقرب طلوع الشمس ، فهو قوي الظهر .
ولم يتحد الفجر بالفاتحة حين أنبری ، لأن عند الصباح يحمد القوم السرى .
"السری = السیر عامة الليل"
واتحد بها المغرب لفناء صفات المشاهد بطلوع الشاهد عند المشاهدة.
"الشاهد = النجم يظهر عند الصباح"
ولا تنفرد الفاتحة في صلاة أبدأ إلا (إذا) أخفيت .
لأن الأحدية على هذا بنيت.
فالفجر للمجسمة .
والظهر والعصر للحلولية.
والمغرب والعشاء ، للفرقة الناجية السنية .
فإن قيل لك في تكرار الصلوات : هل تكرر المشاهد (ات) ؟
فقال : إن الله تعالى ما تجلی قط في صورة واحدة مرتين.
(ولا في صورة واحدة ) لشخصين .
وهذا هو التوسع الإلهي الذي لا ينحصر ولا يدخل تحت الحد فيضبطه الفكر .
فهذا قد أبنت عن الأمهات المطلوبة في أحكام الصلوات في هذه العبارات ، بطريق الإشارات ، على حكم التنزلات.
.