شرح مختارات من قصائد الإمام ابى العزائم
فى هذا الفصل نتناول بالشرح والاشارة الى بعض القصائد المختارة من دواوين الامام ومخطوطاته وما اكثرها وقد حاولنا قدر المستطاع ان لا نحيد عن النسق العزمى فى القصائد وان نحاول ان ندخل الى الفكر العزمى بما يتناسب مع العصر الذى نحن فيه من غير تبديل ولا تحريف وهى مهمة شاقة وعمل صعب , إذ كيف ندخل الى اعماق اعماق مدينة النظم الصوفى للامام ابى العزائم وهو الكنز الذى صعب على الكثيرين دخوله وااإبحار فيه .
إننا فى هذا الفصل التزمنا اربع مبادىء اساسية فى تناول شرح قصائد الامام ابى العزائم وهذه الاربع مبادىء كالآتى :
1- أن تكون جميع القصائد المختارة من القصائد المراجعة والمطبوعة من قبل (بقدر الامكان) حتى نلتزم بالامانة التاريخية فى تناول قصائد الامام , كما ان القصائد المختارة كانت من فترات زمنية مختلفة من حياة الامام فمنها قصائد البدايات من حياة الامام ومنها قصائد النهايات وهى فى اواخر حياة الامام ومكنها ما هو من مختلف فترات حياة الامام حتى تكون متنوعة ومتعددة .
2- أن تكون القصائد المختارة متنوعة المناسبات والموضوعات فمن قصائد الحضرة الى قصائد زيارات آل البيت الى قصائد التجليات وغيرها من الموضوعات .
3- أن يكون الشرح والتناول من قاموس الصوفية ومن مصطلحات الصوفية حتى نتعايش مع فكر الامام ومع معانى كلماته وصبغتها الصوفية .
4- آثرنا فى شرح قصائد الامام ان تكون باسلوب حديث بحيث نقدم الامام الى هذا الجيل بطريقة تقربه الى قلوبنا ولا تخل بالاصول والقواعد فى النظم والشعر كما لا تخل بقاموس الصوفية وقواعده .
قصيدة " روحى لقد سكرت "
روحى لقد سكرت لما لها ظهرت شمس الحقيقة با لانوار واتضحت
هامـت فقيدها ناسوتها فغد ت تومى الى اصلها حتى به لحقت
ومزقت عرضا فى السير عارضها فعا ينت حكما منه لها لمعت
تنورت عندما كشف الحجاب لها وميض أصلٍ سما منه لقدصد رت
حنـت اليه ومالت نحوه و عـلا غرامها و بما فيها لقد نطقت
وترجمت وهى فى بسـتان نشوتها وحالة السكر والاشواق قـد غلبت
طربت وغنت بألحانٍ مطلـسمةٍ تخفى على نسبةٍ بالعـقل قدعقلت
هذا الجمال تجلى وهى مـظـهره والنور منها لهاوالحجب قدكشفت
كيف التـستر والأشواق تدفـعنى وآية الحسن فى ذاتى به نسـخت
هـذى هى الراح منه قم لتشربها من غيرمزج بلا قدح سمت وصفت
قم يا مريد تناول منك مظهـرها و شم طيب شذاها عند ما مزجت
مفردات
*سكر الروح بالشهود
*شمس الحقيقة : الحقيقة المحمدية النورانية
*ناسوتها : الناسوت هو الجسد ورغائبه التى تحجب الر وح
*أصلها : اشارة الى الآية القرآنية "ونفخت فيه من روحى "
*عرضاْ : الشيئى العارض وهنا يرمز الى الجسد ورغائبه
* الحجاب : وهو حجاب الناسوت "الجسد " الذى يحجب الروح
*وميض اصلٍ : اى نفحات ومعانى الأصل الذى صدرت منه وهو
النفخة الالهية .
*نسبة بالعقل : اى القانون الذى يعقل به العقل وهو قانون محدود
*مظهره : مظهر الجمال هو الآيات والروح آية من هذه
الآيات ومحل لها
*الراح : اشارة الى الفيوضات الالهية عندما تفاض
على قلب المؤمن فتسمو روحه وتهيم فى الانوار
الالهية
*يا مريد : "المريد " هو كل من هجر الدنيا و أراد وجه
اللــه وهى فى الآية"يريدون وجهه "
الشـرح
يتغنى الامام ابو العزائم قائلا :
روحى لقد سكرت لما لها ظهرت شمس الحقيقة بالانوار واتضحت
يقول الامام ابو العزائم , ان الروح قد سكرت و لأن سكر الروح لا يكون الا بالشهودفان الروح قد سكرت عندما ظهرت لها الحـقيـقة المـحمدية النورانـية ، وظهور الحـقـيقة المحمدية يكون بـحـسن اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم , فالعبد المـؤمن عندما يتبع سنة الرسـول صلى الله عليه وسلم فى كـل حركاته وسـكــناته يكون هذا العبد فى صورة نورانية مجملة بأنوار اتباع الرسول , يقول تعالى " قل ان كنتم تحبون الله فأتبعونى يحببكم الله "
هامت فقيدها ناسوتها فغدت تومى الى اصلها حتى به لحقت
ان الانسان عندما يتبع الرسول صلى الله عليه وسلم فى السر والعلن تظهر له حقيقة الانوارالمحمدية وتكون روحه فى حالة سكر من هذه الانوار وهنا تبدأ الروح فى الهيمان وهو انطلاق الروح فى عالم الانوار , ولكن هيهات للروح ان تنطلق وهناك قيد الناسوت وهو الجسد ،الذى يقيد الروح ويمنعها من الانطلاق , الا أن شدة هيمان الروح وتأثرها بالانوار المحمديةتجعلها تومئى اى تنظر وتتجه , وايماء الروح هنا يكون الى اصلها وهو النفخة الالهية النورانيةالتى من اجلها سجدت الملائكة لآدم قال تعالى " فاذا سويته ونفخت فيه من روحى فقعوا له ساجدين "
ومزقت عرضا فى السير عارضها فعاينت حكما منها لها لمعت
والروح وهى فى حالة السكر من شدة الانوار تكون بايمائها والتحاقها بالاصل الذى جاءت منه وهو النفخة الالهية قد مزقت ذلك العارض الذى قيدها وهو قانون الجسد ومتطلباته , وهنا تبدأ الروح فى معاينة الحكم التى سوف تتجلى لها بعد أن تكون قد تحررت من سجن الجســد .
تـنورت عندماكشف الحجاب لها وميض أصل سما منه لقد صدرت
والروح عندما تـتحرر من قيود الجسد تدرك الكثير مـما كان غـامضـا عـنها,والادراك عـلم , والعـلم تنـوير , فالروح قـد تـنورت بـما أدركته وادراكها كان بـسـبـب كشف الحجا ب عـنهـا و الــحـجاب هـنا هو قيـود الجـسد و سبـب كشـف الحـجـاب ومـيض مـن أصــلهــاالذى مـنـه صــدرت وهـذا الاصـل هـو الـنـفـخــة الالـهـيــــة
حنـت الـيه ومـالت نـحوه وعــلا غـرامـها وبـما فيها لقد نطـقت
و الروح بعد أن كُشــف الـحـجاب عـنهـا و أدركـت مـا أدركـت مـن جــمــال الا صل الذى صـدرت عـنه , حـنـت الـى هـذا الأصـل و مـالـت نـحـوه وازداد الـتـشوق الـىأصـــلـها حـتى عـبرت عـن شـوقـها هـذا بـعبارات تليق بالـروح و بـلغة لا يستطيع اللسان بـها أن يبوح
و ترجمت وهى فـى بـستان نـشوتها وحالةالسـكر والأشواق قدغلبت
و تلـك اللـغـة الـتى عـبرت عـنـهـا الروح وهـى فـى حـالة النشوة وحـالـة السكـرالـنورانــىو الأشــواق , هــى لـغـة تــتـرجـم بـهـا الـروح عن كـل مـا تلاقيـه من أنوار و تـجـليات
طربـت وغنت بألـحان مـطلـسمة تـخفى على نسبة بالعقل قد عقلت
و هـذه الـترجـمــة الـتى ترجـمــتـهــا الـروح كــانــت تـعـبـيـرا عـن الـطــرب و الــغــنــــاء و الألــحــان الـتى لا يـسـتـطـيع الــجــسـد مـتابـعـتـها و لا يـسـتـطـيع الـعـقـل فــهـــــم أسـرارهــا حيـث أن قــانــون الـعــقل الذى يـعـقل بـه هو قانون مـحدود لا يسـتطيع الـعقل أن يتعداه
هـذا الـجـمال تـجلى وهى مظهره والنور منها لها والحُجب قد كشفت
ان هـذا الـجـمال الـذى تـجلى للـروح فـجـعـلـها فـى حـالـة مـن الـنـشوة و الـطـرب مـا هـو الا صـورة مـن صـور جـمـال الأنوار الالـهـية , كـمـا أن الروح هـى مـظـهــر مــن مــظاهـر هـذا الجـمـال النـورانـى , وتـكـون الـروح بانعـكاس هـذه الأنوار عليهاقدكُشفت لها الحجب و تحررت من هذه القيود التى تمنع انطلاقها
كيف التستر و الاشـواق تدفعنى واية الحسن فى ذاتى به نُسخت
و هنا يعود الامام ابو العزائم فـيتكلم بلسان الروح و الـجسد و يقو ل :كيف أسـتر حالىواشواقى تدفعنى الى هذا الـجمال النورانى الذىعاينتـه بعيون الروح , هذا الـجمال الذى نـسخ ومـحا كل جمال آخر قد أراه فى زاتى ,فهذا هو الـجمال الـحقيقى جـامـل الـعـبـد الـذى تـجـمل بـعبوديـته الـخالـصة
هذى هـى الـراح مـنه قم لتـشربها من غير مزج بلا قدح سمت وصفت
و الـعـبـوديـة الـخـالـصـة لـلـه هـى الـراح الـذى يـشـربـه الـعـبـد بـدون مـزج حـيـث لا يـوجـدغـيـر الـعـبوديـة مـن الـخلـق الـى الـخـالـق و غـيـر تـمـام الـتـنـزيـه لـلـخـالـق وتـمـام الأسـتـسلام لـلمـخـلـوق , وهـذه الـراح بـدون قـدح أى فـى كـل زمـان ومـكـان وحـال و آن و هـى أى الـعـبـوديـة الـخـالـصـة تـسـمـو بالـعـبد وتـرقـى بـه بـتـمـام اتـبـاعـه لـرسـو ل الـلـه صــلــى اللـه علــيــه و ســلــم .
قـم يا مريد تـناول مـنك مظـهرهـا وشـم طـيب شـذاها عـندما مزجت
و الـمـريـد الـذى لا يـرجـو الا وجـه الـلـه مـدعـوٌ لـكـى يـتـنـاول هـذه الـراح و هى" الـعـبـوديـة الـخالصة " لـلـه والـتـى مـظـهـرهـا هـو الـعـبد الـخـالـص كـلـيـةً لـلـه و هذه العبودية لا تـتـحقـق الا بإتـباع سـنـة رسـول الـلـه صـلـى الـلـه عـلـيـه و سـلـم و الـذى بأتـبـاعـه تـفـوح مـن الـعـبد طـيـب شـذا الـراح و يـكـون عـبـداً نـورانـيـاً مـمـن قـال الـلـه تـعـالـى فـيـهم " نـورهـم يـسـعـى بـيـن أيـديـهـم وبأيـمانـهم " صدق الله الـعـظـيـم
الـخـلاصـة :
يـقول الامام ابوالعزائم ان العبد بـحسن اتباعه لرسول الله يتجمل بأنوار هذا الأتباع فيذداد فيه الـجانب الروحى على الـجانب الـجسدى وتظهر عليه آيات الجمال الذى أودعه الله فيه عن طريق النفخة الالهية وكلما تحررت الروح من رغائب الجســد المادية وسمـا الانسان الىالكمالات العلية باتباع الرسول كلما تجمل بالجمال الحقيقى وهو العبودية الخالصة لله تعالى .
قصيدة " يانـسـيماً من رياضِ المصطفى "
يا نسيماً من رياضِ الـمصطفى جـددَّ البُشرى ووافـا بالـصفـا
أحـىَ روحى عِـندما مـرّ بها صرتُ حياًبعدَ مـوتى بالـجفـا
أَنتَ روحى بل وريحانى الذى يُـحي أثراً كانَ بالهجـرِ عـفا
أنتَ روح الـروحِ سِرُحـياتها وبكَ الكشفُ الصريح بـلاخفا
جِئتَ من طيبة تُحـي بالشـذا أَنفساً تاقت إلـى نَـيلِ الوفـا
لَووهبـتُ الـروحَ للبشرى لِما نِلـتهُ لَم أك ُ فيهـا مُـنصفا
أنتَ روحُ الروحِ نُورُسبيلهـا بِكَ قـد تُعطى المقامَ الأشرفـا
قـد سرى هذا الصِبا بِـعبـيرهِ فـصبا الـصبُ بهِ وإرتـشفا
نُورُ ذكرى مولد الـمخـتارِ مَن بـضِيـائِهِ آدمٌ قَد شُـرِفــا
الشرح
يا نسيمـاً من رياضِ الـمصطـفى جـددَّ الـبـشـرى ووافـا بالـصـفـا
يـتـغـنـى الإمـامُ "أبوالـعزائم" قـائلاً :
إنَّ نـسـيـمـاً عُـلوىَ الأريـجِ قــد هـبَّ مـن ريـــاضِ الـمـصـطـفـى صـلـى الـلـه عـليـهِ وسـلـم فـجـدد البـشـرى بـلـقـاءِالـمـصطـفـى صـلى الـلـهُ عـلـيـهِ وسـلـم ووافـا بالـصـفــاءِ الــنـفـسى الـذىلايـكـونُ إلا بِـحُـسـنِ إتـبـاعِ سُـنـةِ الـمـصـطـفى صلى الـلـهُ عليهِ وسـلـم, والـنسيمُ هـنـاهـو الأثـرُ الـذى يـجـدهُ الـمُـريـدُ الـسـالِـكَ طـريـقِ ربِّ الـعـالـمـيـن وريـاضُ الـمـصـطـفـى هـى سُـنــتـهُ صـلـى الـلـه عـلـبهِ وسلم فـكـأنَّ الأمـام يقـول أنـهُ بِـحُـسـنِ إتـبـاعـهِ لِـسُـنـةِ الـرسـول صلـى الـلـه علـيهِ وسلم يـتـلـقـى الـبُـشـرى وتـظـهـر عـلـيـهِ أنـوار الـصـفـاءِ والـوفـاءِ
أحـىَ روحى عِـندمـا مـرَّ بـهاصِرتُ حـيـاً بـعدَ مـوتى بـالـجـفـا
حـيـاةُ الـروحِ تـكـونُ برفعِ الـحُـجُـب عـن الأنـوارِ , أنـوارُ الإشـراقاتِ والتـجـلـيـات الـتـى يُـفـيـضـهـا اللـهُ سُـبـحـانـهُ عـلـى الـعـبـد عـنـد إتـبـاعـه لـرسـول الـلـه صـلى الـلـه عـلـيه وسـلـم . ومـوتُ الـعـبـد يـكـونُ بـجـفـائـهِ وبُـعـده عـن الأنـوارِ الـمـحـمـديـة الـمـتـمثــلة فتى سُـنـتـه صلـى الـلـه عـلـيه وسـلم وهـكـذا فـإنَّ الإمـام يـقـول أن الـروح قـد تـحـييَ عـنـدمـا يـتـلقـى الـعـبدنـسـيـم أنـوار الـعـتـرة الـمـحـمديـة وذلـك بـعـد أن كـان مـيـتـاً بـجـفـائـه عـن تـلـك الأنـوار وبُــعـدهِ عـنـهـا .
أنتَ روحـى بـل وريـحانى الـذى يُـحي أثـراً كانَ بالـهجـرِ عـفـا
إنَّ هـذا الـنـسـيـمَ الـمـحـمـدى الـنـورانـى هـو فـى حـقـيقـة الأمـر الـروح لـلـعـبدبـل والـريـحـان أى كـلُ مـا هـو نُـورانـى فـى الـعـبـد وهـذا الـنـسـيم الـذى هـو "الـروح" أى مـادة الـحـيـاة و"الـريـحـان" أى الأثـر النـورانـى لـلـحـيـاة هـو الـذى أحـيـا هـذى الأنـوار , وهـى أنـوار إتـبـاع الـمـصـطـفـى صـلى الـلـه عـلـيـه وسـلـم والتـى كـانـت كالأثـر بـعـد الـهـجـر , والـهـجـرُ هـو الـبــعـدُ عـن سُـنـتـةصـلـى الـلـه عـلـيه وسـلـم
أنـت راحُ الـروحِ سِـرُ حـياتـهـا وبِكَ الكـشفُ الـصريـحُ بلا خـفـا
يـكشِـفُ "الإمـامُ الـمزيـدُ عن هذا "الـنـسيم" والذى هـو "حُـسـنُ إتـبـاعِ الـمـصطـفى " صـلـى اللـه عـليه وسـلم فـيـقـول أنَّ هـذا الـنـسـيم هـو "راحٌ"لـلــروحِ , والـراحُ هـو الـدواءُ والـشـفـاءُ لـكـلِ عـلـيـل , وكـأن الـروحُ تـكـون كـالـمـريـض إذا مـا بَـعُـدَ الـعـبـدُ عـن سُـنـة الـمـصـطـفـى صـلى الـلـه عـليه وسلم وأنَّ إتـباعِ سُـنـتـهِ هـو الـدواءُ وسـرُ الـشـفـاءِ لـلــروح بتل أيـضـاً فـإن هـذا "الـنـسـيـم" هـو بـداية الـكـشــفِ الـصـريـحِ لـلـعـبـدِ , كـشـفُ الـحُـحُـبِ حـتـى يـكـونَ الـعـبـدُ عـبـداً نـورانـيـاً وذلك هـو أرقـى مـقـامـات الـعـبـوديـة لـلــه .
جِـئتَ مِـن "طَـيبَـةَ" تُحي بالـشذا أنـفـسـاً تـاقـت الى نـيل الوفـا هذا النسـيمُ قد هبَ من "طيبة" وهى "المدينة المنورة "وقدهبَ هذا النسيم بشذاهُ الطـيـب الذى يُـسعِدُ النـفوسُ التى ملأهـا الشوقُ وتاقت الى نيلِ الوفاءِ . والإمامُ هـنا يـتـكلـم بـلـسـانِ الـرمـز فطـيـبـة هـنـاهـى مـقـامُ حُـسـنُ الإتباعِ لسنة الـمصطفى" والـشذا " هو ذلك الأثرُالطـيب وتـلك النورانـية الـتـى يـتـجـمـل بـهـا الـعـبـد عـند إتـبـاعـهَِ سـنـة الـمـصـطـفـى صـلى الـلـه عليـه وسلم , وتـأكـيدُ الإمـامِ هـنـا هـو أنّ هـذا الأثـرُ وتـلـك الـنـورانـيـة لـن تـكـونَ إلا لِـمـن صَـدقَ الـنـيـة والـعـزم وإشـتـاقَ حـقـاً لـهـذه الأنـوار, وأنـهـا لـن تـكـون لـمـن تـكـاسـل ولـم يـصـدُق الـنـيـة
لو وهـبتُ ااـروحَ لـلـبشـرى لـِما نِـلتهُ لـم أكُ فـيهـا مُـنـصـفـا
يـتـكـلـم الأمـام أبوالـعزائم هـنـا بـلسان الـعبد الـذى يـتـجملُ بـحُـسـنِ إتـباع سـنـتــه صلى الـله عليه وسلم وجـاءتـه الـبـشـرى بـالـفـضلِ الـعـظـيم الـذى نـالـهُ فـيـقـولُ : أنـهُ لـو ضـحـى بـنـفـسـهِ فـراراً إلـى هـذهِ الـبـشـرى لـم يـكـن مـنـصـفـاً فـى إعـطـائـهـا الـحـق الـواجـب لـهـا , فـهـذهِ الـبـشـرى
هـى الـخـيـر الـدائـم والـنـعـيـم الـمـقـيـم وهـى غـايـة الـمـؤمـن الـذى يـسـلـك طـريـق رب الـعـالـمـيـن
أنـت روحُ الـروحِ نـورُ سـبـيلهـا بكَ قـد تُـعطى الـمقـام الأشـرفَ
إنَّ هـذا الـنـسـيـمُ الـعـلـوى الـذى هـو "حُـسـنُ إتـبـاعِ الـرسـول" هـو روحُ الـروح أى أصـل هـذه الـروح وسـرهـا وهـو أيـضـاً الـمـنار الـذى يُـحـددُ الطريـق ويُـضـئى الـسـبـيـلُ لـلــروحِ فـى طـريـقـهـا لأن تـنـكـشـف عـنـهـا الـحُـجُـب وتـصـلَ الـى أشـرف مـقـام وهـو مـقـام " الـلـه نـور الـسـمـوات والأرض " أى لاشـئى إلا الـلـه ولاشـئى إلا نـور الـلـه سـبـحـانـه وتـعـالـى.وهـنـا إشـارة جـمالـيـة يـؤكـدُ بـهـا الأمـامُ أن هـذا الـمـقـام لا يُـعـطـى إلا بـمـحـض مـن الـلـه ولـيـسَ نـتـيـجـة مـجـاهـدة مـن الـعـبـد وذلـك فـى إشـارةالأمـام " قـد تـعـطـى " وقـد هـنـا تُـفيـد جـواز الـعـطـاء وأن الـعـطـاء لا يـكـونإلا بـفـضـلٍ مـن الـلـه لـلعبد , جـعـلـنـا الـلـهُ مـن اهل الـفـضل مـنهُ سُـبحـانـه وتـعالى .
قد سرى هـذا الـصِـبا بـعبـيرهِ فـصـبا الـصبُ بـهِ وإرتـشـفـا
يُـؤكد الأمـام هـنا عـلى أنَّ نـفـحـاتُ الـخـيـرِ الألـهـىلاتـنـقـطـع ولـكـن الـعـبـد هـو الـذى يـجـبُ عـلـيهِ أن يـتـعـرضَ لـهـذا الـخـيـرحـتـى يـنـالـه مـنه الـكـثـيـر . وهـكـذا فـإن حُـسـن إتـبـاع الـرسـول صلىالـلـه عليه وسلم كـانَ مـثـل "ريـحُ الـصِـبـا" وهـى ريـحٌ خـفـيـفـة تـجـئـى بـعـبـيـرٍ أخـاذ , فـإذا تعرضَ الـعـبد لـها يـملـؤهُ الـشوقُ والـصبا فـيرتـشفُ مـن هـذاالـمـعـيـن الـذى لا يـنـضـب
إشـارة : هـذا الـبـيـتُ يُـعـتبرُ مـن أجـمـلِ الـصـورِ الـشـعـريـة الـتـى فـاضـت بـهـا شـفـافـيـة الأمـام ابى الـعـزائـم , فـيـشـبـهُ " حُـسـنُ إتـبـاعِ الـرسـولِ " صلىالـلهُ عليه وسلم بـريـحِ الـصِـبـا الـتـى يـمـلـؤهـا الـعـبـيـرُ الـفـواحُ وأن هـذه الـريـحُ دائـمـاً تـمـر عـلـى الـعـبـد الـذى إذا إرتـشـفَ مـنـهـا فـإنـه يـمتــلأ صـبـابـة وشـوقـاً ويـرتـشـفُ مـن الـمـعـيـن الـنـورانـى الـذى لايـنـضـب .
نورُ ذكرى مـولِدِ "الـمـخـتارِ"مـن بـضيائـهِ "آدمٌ" قــد شُـــرِفــا
وهـنـا يـخـتـتـمُ الأمـام ابوالـعزائـم الـقـصـيـدة بـهـذا الـبـيـتِ الـذى هـو أصـلـهـا وسـرهـا فـيـقـول , أن نـور ذكــرى مــولـد "الـمـخـتـار" صلى الـلـه عليه وسلم هـو ذلـك الـسـرُ الـذى نـتـكـلـم عـنـهُ والـذى يـجـبُ أن نـتـمـسـك بـه فـى كـل عـام عـنـدمـا تـهـل عـلـيـنـا أنـوار ربـيـعَ الـخـيـر فـنـجـدِدَ إتـبـاعـنـا لـسـنـة رسول الـلـه صـلى الـلـه عليه وسلم ونـجـدِدَ عـهـدنـا مـع رسـولِ الـلـه حتى نـتـحـقـق بالـجـمـالِ الـمـحـمـدى , ذلـك الـجـمـال الـنـورانـى الـذى بــضـيـائـه قـد شـرَّفَ الـلـهُ سـيـدنـا "آدم" عـند بـدء الـخـلـيـقـة والـذى يـسـبـبـه سـجدت الـمـلائـكـة لآدم اســتـجـابـة لأمـر الـلـه ســبحـانـه وتـعـالـى , الـلـهـم إجـعـلـنـا مـن أهـل شـفـاعـتـه صـلـى الـلـه عـلـيـه وسـلـم .
-: قصيدة " احنينُ أشباحٍ الى الـجنات :-
احـنيـنُ أشـباحٍ الى الـجنات ام ذا حـنين الـروحِ لـلجـلوات
ام ذاك نور الـحقِ بالقلب انـجلـى فـتجـملـت اوصـافـه بهبات
أم ذاك جمعُ الجمعِ فى حال الـصفا سِـرُ الـوصولِ لـمظهرِ الآيـات
ام ذاك نـور الفـرد لاح مـبشراً هـامت بـه الافـراد فى الـحانات
ام ذاك كـنزالـغيب فـُك فأشرقت أنوارهُ فـى صـورة الـمـشـكاة
حـاشـا وكتلا ذاك نـور نزاهـةٍ عن حـضرة الـمجلىلـسرِ الذات
أنـا لاأغـنىإن سـكرتُ وإنـمـا يـفنى المراد بـلحظةِ الـنظرات
ماالـخمرُماالأسرارُ عند شهودنـا مـا العرشُ مـاالكرسىُ بالجنات
عن حضرةِ الـمجلى جمالى ظاهرٌ عـالٍ عن الآيـاتِ والـهـيئات
انـا لوأغنى فى الـخـفا لتكلمت احجارُهـذا البيت عن كلماتى
قد أوبت قبلى لـمن هو عارفٌ تلك الجـبالُ بسرهـاالـحيطات
لكن أشـيربـفرق فرقٍ مـحرقٍ يدرى مـباديـه اولو الـهـمات
غيبٌ عن الأرواح فى كنزٍ علا ومـطلـسمٌ بالاسم بل بالـذات
الـشـرح
احـنيـنُ أشـباحٍ الى الـجنات ام ذا حـنين الـروحِ لـلـجـلوات
يـغـوصُ مـعـنـا الامـامُ ابوالـعزائم فـى بـحـرٍ مـن بـحــارِ الـشـوقِ لـيـخرج لـنـا جـواهـر الـمـعانى , فـيـتـكلم عـلى لـسـان حـال الـعبد الـمريد الـسالك طـريق رب الـعـالـمـين بـمـجاهـداتـه وبـما آتـهُ الـلـه مـن هـبـات الـقـرب ومـنـحِ الـتـجـلى فـيـتـساءل الـمريدُ عـن سـر هـذا الـحـنـيـن والـشوقِ الـدفـين الـذى مـلأ قـلـبهُ ووجـدانـه , هـل هـذا الـحـنـين هـو حـنـين الاشـباح أى حـنـيـن الـجـسـد الى الـجـنـات بـكل مـا فـيـهـا مـن نـعـيمٍ ومـلاذٍ
حـسـيـة تـتوافـق مـع الجـسد ومـتـطلباتـه أم أنَّ هـذا الـحـنـين هـو حـنـين الـحـقـيـقية الـروحـية الـنورانـيـة , والـحـقـيـقة الـروحـيـة هـنا هـى الـنـفـخـة الالـهـية فـى الانـسـان , ويـكـون الـتـساءل هـو هـل هـذا الـحـنـين هـو حـنـين الـجـسد الـى مـلـذات الـجـنةالـحتسـيـة أم هـو حـنـين الـروح الـى الـجـلـوات أى مـكـان الـتـجلـى وحـقـيـقـتـه
أم ذاكَ خـمرٌ مـن جـميلِ تـنـزلٍ طـابت بـهِ الأرواحُ بـالـنغمات
أم أنَّ هـذا الـحـنـيـن هـو صـورة مـن صـور الـتـنزلات الالـهـيةعـلـى الارواح, وهـذهالـتـنزلات الـجـمالـيـة تـكـونُ ذات تـأثـيرٍ نـورانـى عـلـى الارواح ويـكـون تـأثـيرهـا مـثـلُ تـأثـير الـخـمـر عـلـى الأشـباح فـكـما أنَّ الأشـبـاح أى الأجـسـام تـهـتزُ طـربـاً بـالـنـغـمـات فـإنَّ الأرواح تـهـتز طـربـاً بـالـتـنـزلات الألـهـيـة .
أم ذاك نورُ الـحقِ بـالـقلبِ إنـجلـى فـتجـملت أوصـافـهُ بـهباتِ
ويـسـتـمرُ الـتـسـاءل عـن هـذا الـحـنـيـن وهـل هـو نـتـيـجـة مـجـاهـدة مـن الـعـبد فـتـجـلـى بـقـلـبهِ نـور الـحـقِ سـبـحانـه وتـعـالـى وذلـك لأنَّ قـلـبَ الـمـؤمـن هـو عـرشُ الـرحـمـن , فـهـنا يـتـسـاءل الامـام هـل هـذا الـحـنـيـن هـو تـجـلـى نـور الـحـق عـلـى الـقـلـبِ فـتـجـمـل هـذا الـقـلـب بـهـبـات الـتـجـلـى .
أم ذاكَ جمعُ الـجمعِ فى حالِ الـصفا سـرُ الوصولِ لـمـظهرِ الآيـاتِ
ام أنَّ هـذا الـحـنـيـن هـو نـتـيـجة حـالـة " جـمع الـجـمع " وهـى لاتـكـون الا فـى تـمـام صـفـاءِ سـريـرة الـعـبـد عـنـدمـا يـكـون عـبـداً مـحـبـوباً لـلـهِ وذلـك سـر قـولـهِ فـى الـحـديـث الـقـدسـى " مـازالَ عـبـدى يـتـقـرب الـىَ بالـنـوافـل حـتـى احـبـه فـإذا أحـبـبـته كـنـتُ سـمـعه الـذى يـسـمـع بـه ويـده الـتى يـبـطـشُ بـهـا ونـوره الـذى يـبـصـر بـه " وهـذا الـمـقـام يـطـلـقُ عـلـيه مـقـام " جـمـع الـجـمـع " وفـيـه تـتـجـلـى لـلـعـبـد حـقيـقـة الأشـيـاء وأن كـل مـا فـى الـكون مـا هـو إلاصورة لـمـظـهـر الآيـات الـنـورانـيـة للـه سـبحانه وتـعالى.
أم ذاك نورُ الـفردِ لاحَ مـبشراً هـامت بـهِ الأفـرادُ فـى الـحاناتِ
ويـسـتكـملُ الأمـامُ ابـوالـعزائم تـسـاؤلاتـه عـن هـذا الـحـنـيـن فــيـقـول إن هـذا الـحنـيـن قـديـكـون نـور " الـفـرد " , والـفـرد هـنـا هـو أكـمـل صـورة عـبـديـة وهـو "الـمـصـطفى " صلى الله عليه وسلم وكـلُ مـن كـان عـلى طـريـقـه مـن كـمـل الأنـبـياءِ والـرسـل , ونـور الـفـرد هـنـا يـكـون كـالـبـشرى تـهـيـمُ بـه الأفـراد فـى كـل زمـانٍ ومـكـان ,وكـأن الأمـام يـسـأل هـل هـذا الـحـنـين هـو نـور " الأسـوة الـحـسـنـة " مـن رسـول الـلـه صلى الله عليه وسلم الـذى يـتـنـسـم عـبـيـره جـمـيـع الـخـلق وزلـك مـن قـولـه تـعـالـى " ولـكـم فـى رسـول الـلـه أسـوةٌ حـسـنـة "
أم ذاك سرُ الـلـهِ فى الأفقِ الـعلى يُـنبىبكشفَ حـجابِ مجلى الـذاتِ
وهـنـا يـسـتـكـمل الأمـام مـشـاعـره عـن هـذا الـحـنـيـن فـيـأتـى هـذا الـبـيـت مـكـملاً لـلـذىقـبـله ومـوضـحـاً أن هـذا الـحـنـيـن قـد يـكـون " سـر الـلـه فـى الأفـق الـعـلى " وسـر الـلـهفـى فـى الأفـق الـعـلى لا يـعـلـمـه إلا الـلـه ولـكـنـه يـكـشـف حـجـلبُ مـجـلـى الـذات لـلـمطـلوبـيـن لـرحـابـه جـلا وعـلا وهـذا الـحـجـاب هـو الـذى نـجـدهُ فـى فـى حـديـث رسـول الله عـنـدمـا سـألـه سـيـدنـا جـابر عـن أولِ مـا خـلـق الـلـه فـقـال لـه " خـلـق نـورنـيـيـك مـن نـوره يـاجـابـر " , وهـذا والـلـه اعـلـم هـو كـشـف حـجـاب مـجـلـى الـذات وهـنـا يـقـف الـقـلـم عـن مـعـانـى الـكـلام عـجـزاً عـن الإحـاطـة بـمـعـانـى هـذا الـبـيـت, وخـوفـاً مـن الـسـقـوظ فـى الأوهـام .
أم ذاك كـنزُ الـغـيب فُـكَ فأشرقت أنـواره فـى صـورة الـمشـكاةِ
وهـنـا يـصـل الـسـاؤل الـى مـنـتـهـاه والـى غـايـة امـره حـيـث يـتـسـاءل الأمـام هـل هـذا الـحـنـيـن هـو " كــنـز الـغـيـب " , وكـنـز الـغـيـب نـجـده فـى الـحـديـث الـقـدسـى " كـنـت
كـنـزاً مـخـفـيـاً فـأردتُ أن أُعـرَف فـخـلـقـُت الـخـلـق فـبـى عـرفـونـى " وكـأن الأمـام يـقـول أن هـذا الـحـنـيـن هـو مـن ارادة الـلـه فـى أن يُـعـرَف بـخـلـقـه فـشـرقُ أنـوارهُ سـبـحـانـه وتـعـالـى فـى صـورة مـقـربـة لـلـخـلـق فـى قـولـه تـعـالـى " مـثـلُ نـورهِ كـمـشـكـاةٍفـيـهـا مـصـبـاح "
حـاشا وكلا ذاك نـور نزاهـةٍ عن حضرة الـمجـلـى لـسرِ الـذاتِ
وهـنـا يـعـود الأمـام مـن سـيـاحـتـه الــروحـيـة وتــسـاؤلاتـه عـن الـحـنـيـن فـيـتـكـلـم بـلـسـان الـشـريـعـة بـعـد أن طـاف بـنـا فى رحاب الـحــقـيـقـة فـيقـول حـاشا لـلـه أن أسـتـطيعَ وصـف سر هـذا الـحـنيـن , إنـما مـا أسـتطـيـعُ قولـه هـو أن هـذا الـحـنـيـن كان لـنور الـله الـمنـزه عـن الأوصافِ والـشـبه , وهـو حـنـيـن نـاتجٌ عن " حـضـرة الـمـجـلـى " وهـو الـرسـول صلى الـله عليه وسلم , وكـأن الأمـام يـقـول أن كـل شـوقٍ وحـنـيـن لا يـكـون إلا لـلـنـورِ الألـهـى الـمـنـزه عـن الـشـبـه والـذى لا يـكـون الا بـإتـبـاع رسول الـلـه صلى الـله عليه وسلم .
انا لاأغـنى إن سكرتُ وإنـمـا يـفنى الـمـرادُ بـلظة الـنظراتِ
ويـسـتـمر الأمـام فـى تـأكـيـده أن كـل مـا تـسـاءل عـنـه فـى حـالـة الـسـكـر وهـى حـالـة الـهـيـمـان نـتـيـجـة جـواذب الأنـوار الألـهـيـة لاتـكـون الا إذا فـنـىَ الـعـبـدُ الـمـراد لـلـه فـى لـحـظـة مـن لـحـظـات الـعـنـايـة الألـهـية الـى تـمـلـؤهـا نـظـراتٍ مـن مـطـلـق الـرحـمـة ,وفـنـاءُ الـعـبـد الـمـراد لـلـه لا يكـون الا بـأن يـقـتـل نـفـسـه الأبـلـيـسـيـة فـتـتـجـلـى عـلـيـهانـوار الـرحـمـة الألـهـيـة .
ما الـخمرُ مـا الأسرارُ عـند شـهودنـا ماالعرشُ ماالكرسى بالـجـنـاتِ
وهـنـا يـشـرحُ الأمـام ابـوالـعزائـم الـحـقـيـقـة الأزلـيـة وهـى أن الـعـبـد إذا مـا تـجـلـى الـلـه لـه فـأشـهـدهتـجـلـيـات الأنـوار فـإن الـعـبـد لا يـرى الا نـور الـلـه بالـلـه فـلا خـمـر ولا أسـرار بـل إن الـعـرش والـكـرسـى فـى الـجـنـات لا يـراهـم الـعـبد لأنـه ةيـكـون مـنـشـغـلٌ كـلـيـة بالـنـور الـمـنزه لـلـه سـبـحـانـه وتـعـالـى .
عن حضرة الـمجلـى جمالى ظـاهـرٌ عالٍ عن الآيـات والهيئات
وهـنـا يـتـكـلـم الأمـام ابـوالـعزائـم عـلى لـسـان الـعـزة الألـهـية فـيقول أن الـجـمـال الألـهـي يـنـعـكس نـوره فى"حـضـرة الـمـجـلـى " وهـو ذات رسـول الـله صلىالله عليه وسلم , فـمـن أراد أن يـرى نـور الـلـه فـلـيـتبع الـمصطـفى صلى الله عليه وسلم و عـنـئـذ يـظهـر لـه الـجـمـال الألـهى فى مـفـامٍ عـالٍ عـن أي آيـة مـن الآيأت وأى شـكـلٍ مـن الأشـكال .
أنالوأغنـى فى الـخفا لـتكلمت أحـجارُ هذا الـبيـت عـن كـلـمـاتى
هـنـا يـنـبـه الأمـام ابـوالـعزائـم الـمـريـديـن الـسـالـكـيـن طـريـق الـلـه سـبـحتانـه وتـعـالـى أن هـذا الـطـريـق لا يـسـلـكـه ألا أولـو الـهـمـة مـن الـرجـال , وأنـه لـو تـكـلـم عـمـا كـشـفـه لـه الـلـه فـى طـريـقـه ومـجـاهـداتـه لـتـكـلـمت احـججـار هـذا البـيـت الـعـحـمـاءولـبـاحـت بـشـوقـهـا وهـيـكـانـهـا لـمـا رأتـه مـن الأنـوار .
قد أوبـت قبلى لمن هـو عـارفٌ تـلك الـجبال بـسرهاالـحيطاتِ
ويـسـتشـهد الأمـام عـلـىتـكـلم احـجـار الـبـيت بـأن الـجـبـال قـد أوبـت قـبـلـه لـسـيـدنـا داود وهـو يـرتـل اشـواقـه وأغـانـيـه فـى حـب الـلـه جـلا وعـلا فـيـقـول أن الـجـبـال قـد أوبـت لـداود وهـى مـا هـى الا أحـجـار عـجـمـاء .
لـكن أشـيرُ بـفرقِ فـرقٍ مـحرقٍ يدرى مـباديـه أُلو الـهـمـاتِ
فـى هـذا الـبـيـت يُـشـيـرُ الأمـام أبـو الـعزائـم الـى حـالـة "فـرق الـفـرق " وهـى رمـزٌ لـحـالـةتــجـمـل الـعـبـد بالـشـريـعـة , حـيـثُ أن هـى أن يـلـتزم الـعـبد بـقـانـون الـعـبـوديـة فـيـكـون فـى حـالـة " فـرق الـفـرق " وهـذه الـحـالـة هـى الـمـقـابـل لـحـالـة " جـمـع الـجـمع " وهـىمـقـام الـحـقـيـقـة , حـقـيـقـة أن الـلـه نـور الـسـمـوات والأرض , وكـأن الأمـام يـقـول أن الـعـبد مـهـمـا تـرقـى بـمـجـاهـداتـه وتـحـلـى بـهـبـات الـلـه لـه فـيـكـون فـى مـقـام الـحـقـيـقـة وهـو حـالـة " جـمـع الـجـمـع " لابـد لـه أن يـعـود الـى حـالـة " فـرق الـفـرق " وهـى مـقـام الـشـريـعـة حـتـى يـتـحـقـق فـيـه قـولـه سـبـحـلنـه وتـعـالـى " إيـاك نـعـبـد وايـاك نـسـتـعـيـن " , وحـالـة جـمـع الـجـمع مـا هـى الا رمـزٌ لـلـحـالـة الـتى يـتـجـمـل بـهـا الـعـبـد بالأنـوار الألـهـيـة حـيـث يـقـول الـلـه تـعـالـى " نـورهـم يـسـعـى بـيـن أيـديـهـم " وأمـا حـالـة " فـرق الـفـرق " مـا هـى الا رمـزٌ لـحـالـة مـجـاهـدات الـعـبـد فـى عـبـاداتـه الـمـختـلـفـة وهـى فـى قـولـه تـعـالـى " قـل إن صلاتـى ونـسكـى ومـحـياى ومـمـاتـى لـلـه رب الـعـالـمـيـن .
غيبٌ عـن الأرواحِ فى كـنزٍ علا ومـطلـسمٌ بالأسم بـل بالـذاتِ
يـخـتـم الأمـام الـقـصـيـدة بـهـذا الـبـيت الـذى هـو فـى حـقـيـقـته اجـمـالٌ لـكـلِ مـا فُـصـلَ فـى الـقـصـيـدة فـيـقـول ان حـقـيـقـة الأنـوار الألـهـيـة هـى غـيـب حـتـى عـن الأرواح فـىكـنـز عـلا وهـى كـالأسـرار الـمـطـلـسـمـة سـواء فـى الآسـم او فـى حـقـيـقـة الـذات , وهـنـا نـشـيـر الـى الـمـقـولـة الأزلـيـة وهـى " أن الـعـبـد عـبـدٌ وان رقـى وأن الـرب رب وان نـزل " فالـعـبـد مـهـمـا رقـى واقـترب مـن الأنـوار الألـهـيـة فـهـو فـى غـايـته عـبـدٌ لـلـه تـعـالـى , وأن الـرب مـهـمـا تـفـضـل بـتـنـزلات انـواره عـلـى الـعـبـد فـلابـد مـن الـتـنـزيـه الـمـطـلـق لـه سـبـحـانـه وتـعـالـى .