***
الصلاة المُطَلْسَمَة، وتُعرف أيضًا بالذاتيّة
ويليها شرح ابن عجيبة
﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾
اللّهُمَ صَلِّ عَلَىٰ الذَاتِ المُطَلْسَمِ، والغَيْبِ المُضَمْضَمِ، والكَمَالِ المُكْتَتَمْ، لاهُوتِ الجَمَال ونَاسُوتِ الوصَالْ، طَلْعَةِ الحَقِّ كَثَوبِ عَيْنِ إنْسَانِ الأزَلْ، في نَشْرِ مَنْ لَمْ يَزَل، مَنْ أقامَتْ بِهِ نَواسِيتُ الفَرقِ، في قَابِ قَوْسِهْ نَاسُوتَ الوِصَالْ، الأقْرَبِ إلىٰ طُرِقِ الحَقْ، فَصَلِّ اللّهُمَّ بِهِ فِيهِ مِنْهُ عَليه وسَلِّمْ.
شرح ابن عجيبة
يقول العبد الفقير إلى مولاه الغنى عمَّـا سواه أحمد بن محمد بن عجيبة الحسني رضي الله عنه ونفعنا ببركاته آمين: الحمد لله المتجلي بكماله، الواحد في ذاته وصفاته وأفعاله، والصلاة والسلام على قطب دائرة الوجود وبذرة التجلي لكل موجود ورضي الله تعالى عن أصحابه الكرام وآل بيته ذوى النزاهة والاحترام وبعد،
فقد سألني بعض الإخوان أن أضع تقييداً على صلاة النبي صلى الله عليه وسلم لابن العربي الحاتمي، نبين ما اتفق من معانيها وما أشكل من مبانيها فأجبت سؤالهم بعد أن استأذنت شيخنا العارف الرباني البوزيدي الحسني، لأن سر الإذن أمر كبير، واعلم أن الناس في مدحه صلى الله عليه وسلم على قسمين : قسم مدحوا شخصه الظاهر، فذكروا ما يتعلق بجماله الحسّي وما يتبع ذلك من الكمالات الظاهرة والباطنة وما يلتحق به من المعجزات والخوارق وهم أهل الظاهر، وقسم مدحوا سره الباطني ونوره الأصلى، فذكروا نوره المتقدم وما تفرع عنه من التجليات الحسية كالقطب ابن مشيش وأضرابه، ومنهم العارف الرباني والقطب الصمدانى بحري زمانه وفريد عصره وأوانه، محيى الدين ابن العربي الحاتمي، المتوفى في حدود القرن السادس حيث قال (اللّهُمَ صَلِّ عَلَى الذَاتِ المُطَلْسَمِ)، أي على الكنز المكنون، فالمُطَلْسَمِ: هو الساتر للشيء والصَّوَّان له، وذلك أن الحق جل جلاله كان كنزاً لم يُعرف، أي سراً خفياً غيبياً، فلما أراد أن يُعرف ظهر قبضة من نور ذاته سمَّاها محمداً صلى الله عليه وسلم فلما تجلت القبضة من بحر الجبروت كساها رداء الكبرياء، وهو حجاب الحسن إذ لا بد للحسناء من نقاب وللشمس من سحاب ليبقى الكنز مدفوناً، والسر مصوناً، فحجاب الحسن الذي احتجبت به أسرار الذات هو الطلسم، والمعاني التي هي باطن القبضة وكليتها هو الكنز، وهو عين الذات في مقام الجمع، فالقبضة المحمدية لما كانت من عين الذات أطلق عليها الذات، ولذلك قال عَلَى الذَاتِ المُطَلْسَمِ، ومن هذه القبضة تفرعت الكائنات كلها من عرشها إلى فرشها بذواتها وأرواحها، فنوره صلى الله عليه وسلم هو بذرة الوجود والسبب في كل موجود فمن سره صلى الله عليه وسلم انشقت أسرار الذات، وانفلقت أنوار الصفات، فكل تجلِّ من تجليات الحق إنما يبرز من نوره صلى الله عليه وسلم فحياض الجبروت بفيض أنواره متدفقة، منذ ظهرت القبضة، إلى ما لا نهاية له، حتى إن أنفاس الجنان ونعيمها بارزة من هذا النور المحمدي، لأنها حسية، والحس من حيث هو كله مضاف لنبينا صلى الله عليه وسلم ومنسوب إليه وإن كان من عين الذات، لأن الإضافة لا تخرجه عن أصله، ففي التحقيق: ما ثَمَّ إلا الله، ولا شئ سواه.
تنبيه: إعلم أن الفروع الناشئة من القبضة والمتفرعة عنها، كلها كنوز مطلسمة أيضاً، لأن حكم البعض حكم الكل، فالأواني طلاسم للمعاني فكل شخص عنده كنز بين جنبيه، حجبته عنه الغفلة والوقوف مع الحس والنظر إلى وجوده والانهماك في حظوظ نفسه، وفى ذلك يقول الششتري رضي الله عنه:
يا قاصـــداً عين الخبر * غِــــطــاه أيـــنـــك
الخمــــر مـنك والخبر * والســـــر عنـــــدك
ارجــع لذاتــك واعتبـر * مــا ثـــم غيـــــرك
فمن جاهد نفسه وريضها وأدبها، حتى إذا ماتت وحييت روحه ظهر له كنزه وبدا له سره، ولذلك قال بعد ذلك:
واتهم إن كنت تفهم * لأن كنزك قد عدم عن كل طلسم
وقال ابن العريف رضي الله عنه:
بدا لك سر طال عنك اكتتامه * ولاح صباح كنت أنت ظلامه
فأنت حجاب القلب عن سر غيبه * ولولاك لم يطبع عليه ختامه
فإن غبت عنه حل فيك وطفت * على موكب الكشف المصون خيامه
وجاء حديث لا يُملّ سماعه * شهي إلينا نشرة ونظامه
إذا سمعته النفس طاب نعيمها * وزال عن القلب المعنى غرامه
ولا بد من صحبة شيخ عارف كامل يعرفك كيفية الحفر على هذا الكنز وأين موضعه لتحفر عليه، وإلا بقيت جاهلاً به، فقيراً على الدوام مع كون الكنز بين جنبيك وهو روحك وسرك، فإذا استولت روحانيتك على بشريتك ومعناك على حسك ظهر الكنز وصرت غنياً كبيراً تتيه على الكون بأسره وتتعرف فيه بهمتك وبالله التوفيق.
ثم قال رضي الله عنه: (والغَيْبِ المُضَمْضَمِ) أي المحجَّبُ المستور، يقال ضمضم كذا إذا ستره واحتوى عليه، مضمضم أي مستور، وانظر القاموس فهو بضادين معجمين لا بطاءين، ولا شك أنه صلى الله عليه وسلم غيب من غيوب الله وسرٌّ من أسراره ولا يطلع عليه ولا يحيط به إلا ربه الذي خلقه وأظهره، وعنه صلى الله عليه وسلم (والله ما عرفني حقيقة غير ربي)، وفي تصلية القطب ابن مشيش أي عنه (تضاءلت المفهوم فلم يدركه منا سابق ولا لاحق)، وقال أويس القرني رضي الله عنه (والله ما رأى أصحاب محمد من محمد إلا قشره الظاهر، وأما الباطن فلم يعرفه أحد) فقيل ولا ابن قحافة. والمراد نفى الإحاطة بسره عليه السلام ومنهم من يدرك روحه، وأما إدراك البعض فلهم في ذلك نصيب على قدر التوجه والمعرفة، وكذلك الأولياء رضي الله عنهم يتفاوتون في إدراك باطنه عليه السلام على قدر معرفتهم بالله، فمنهم من يدرك شيئاً من سره صلى الله عليه وسلم ومنهم من يدرك روحه، ومنهم من يدرك قلبه، ومنهم من يدرك عقله، ومنهم من يدرك نفسه، فأهل الرسوخ والتمكين يدركون سره صلى الله عليه وسلم الذي هو سارٍ في كل شيء فلذلك لا يغيبون عنه طرفة عين، وأهل التلوين قبل التمكين يدركون روحه فيشاهدونه في غالب الأوقات، وأهل السير من المريدين يدركون قلبه فيحصل لهم كمال الإيقان وتقل رؤيتهم له عليه السلام، وأهل الحجاب من عامة الصالحين يدركون عقله أو نفسه فيرون في المنام وفي اليقظة شخصه الحسي على قدر فنائهم فيه، وأهل هذا المقام هم أهل حضرة الأشباح كما أن السابقين قبله هم أهل حضرة الأرواح والأسرار والله تعالى أعلم.
ثم قال رضي الله عنه: (والكَمَالِ المُكْتَتَمْ) ولا شك انه صلى الله عليه وسلم جمع الكمالات كلها فكانت صورته الشريفة في غاية التمام، وروحه المطهرة في غاية الكمال، وسره الباهر في غاية التمام، وقد اجتمع فيه من الكمالات والمحاسن ما لم يجتمع في مخلوق قط، وكل كمال ظهر في غيره فإنما هو معار منه ورشحة من رشحاته، وكل نور أو سر ناله غيره فإنما هو مقتبس من نوره كما قال البوصيرى رضي الله عنه:
فكلهمْ من رسول اللهِ ملتمسٌ * غَرْفاً مِنَ البَحْرِ أوْ رَشْفاً مِنَ الدِّيَمِ
وواقفونَ لديهِ عندَ حَدِّهمِ * من نقطة ِ العلمِ أو منْ شكلة الحكمِ
فإنهُ شمسُ فضلٍ همْ كواكبها * يُظْهِرْنَ أَنْوارَها للناسِ في الظُلَم
إلا أن الحق جل جلاله كتم ذلك الكمال وحجبه ولو أظهره لَعُبِدَ من دون الله كما عُبِدَ عيسى، فكان كماله وجماله مكتتماً لا يطلع عليه إلا من صقلت مرآة قلبه فنظر إلى باطنه دون ظاهره، كالصِّديق ومن كان على قدمه والله تعالى أعلم.
ثم قال: (لاهُوتِ الجَمَال ونَاسُوتِ الوُصَالْ)، قلت اللاهوت عبارة عن أسرار المعاني الباطنة القائمة بالأشياء وهى أسرار الذات، والناسوت ما ظهر، ومعنى كلامه أن كل جمال في عالم الملكوت فالمصطفى عليه السلام أصله ومعدته وسره ولبّه فهو معدن الجمال وأصل الكمال، فما تبهج رياض الملكوت إلا بزهر جماله، وما ظهرت بهجة الملك إلا بحسن كماله وهو معنى قوله: لاهوت الجمال، أي أصله ومعدنه وباطنه ولبّه، فمن معدن سره صلى الله عليه ويسلم تفرعت أنواع الجمال وكأنه يشير إلى جمال المعاني الذي يسبى الأرواح ويغيّب العقول كما قال الشاعر:
تراني غائباً عن كل أين * كأس المعاني حلو المذاق
وبالجملة : فجمال المعاني هو من جمال سره صلى الله عليه وسلم، فيه عرف وفيه ظهر وما ذاق أحد من حلاوة المعاني ولذة الشهود إلا بإتباعه والتخلق بأخلاقه صلى الله عليه وسلم، فهو لاهوت جمال المعاني ومعدنها، فالمعاني الباطنية تسمى ملكوتاً والحس الظاهر يسمى ملكاً، والبحر المحيط من الأسرار اللطيفة الباقية على أصلها الذي تتدفق أنوار الكائنات منه يسمى جبروتاً، فجمال المعاني إنما عُرف وظهر به صلى الله عليه وسلم، وجمال الحس إنما تبهج بنوره صلى الله عليه وسلم، وإلى هذا أشار القطب ابن مشيش رضي الله عنه بقوله: (فرياض الملكوت بزهر جماله مونقة وحياض الجبروت بفيض أنواره متدفقة)، وقوله: ناسوت الوصال، يشير إلى ظاهره صلى الله عليه وسلم كان في محل الوصال والاتصال، ولم يكن في محل الفرق والانفصال، فكما أن باطنه كان معدن الأسرار، كذلك ظاهره محل الأنوار فكان مستغرقاً في بحر الأحدية بظاهره وباطنه والله تعالى أعلم.
ثم قال رضي الله عنه: ( طَلْعَةِ الحَقِّ) أي أول تجليه وظهوره في عالم الغيب، فأول ما طلع من أسرار الذات الكنزية القبضة المحمدية، فمنها انشقت أسرار الذات وظهرت أنوار الصفات فلولاه عليه السلام ما ظهر الوجود ولا عُرف الملك المعبود فهو الواسطة بين الله ومخلوقاته فلولا الواسطة لذهب الموسوط . ثم إن القبضة المحمدية هي عين الذات، برزت من عين الذات لكن تَسَمّى ما تكشَّفَ منها وتحسّسَ محمداً صلى الله عليه وسلم، وأما ما بطن فباقٍ على أصله من اللاهوتية فالقدر الذي سمَّاه منها محمداً صلى الله عليه وسلم إنما هو حسها وجوهريتها الظاهر، وأما ما بطن من المعاني فهو لاهوتي، وليس هو بحلول لنفي الغيرية ومحوها عن نظر العارفين.
ولما كانت تلك القبضة بها ظهر الكنز المدفون وبها انكشف السر المصون شبهها بثوب النقاب الذي يُغطى به الوجه الحسن، فقال رضي الله عنه (كَثَوبِ عَيْنِ إنْسَانِ الأزَلْ في نَشْرِ مَنْ لَمْ يَزَل) فشبّه الأزل بإنسان له عين حسنى كانت محجوبة مصونة مستورة بثوب، فلما أراد أن يظهرها كشف ثوب نقابها وظهرت محاسنها وباهر جمالها كذلك الخمرة الأزلية كانت لطيفة خفية، فلما أرادت أن تظهر كشفت عن وجه سرها فأظهرت من جمالها نور القبضة المحمدية، ثم انتشر من القبضة سائر الفروع الكونية وهذا معنى قوله: (نَشْرِ مَنْ لَمْ يَزَل) أي هو عليه السلام كثوب عين إنسان الأزل، ويرجع الكلام إلى قوله هو كثوب عين الأزل المنشور عليه فكشفه في إرادة نشر من لم يزل أي عند إرادة إظهار من لم يزل من الفروع الكونية الحديثة، وهذا مجرد اصطلاح: يقولون في السر الأزلي في حال الكنزية أزل، وفيما تفرع منه لم يزل، والكل واحد، الفرع عين الأصل، والأصل عين الفرع، ما تجلى به فيما لم يزل، كان الله ولا شئ معه، وهو الآن على ما عليه كان، ولله درّ القائل:
فلم يبق إلا الله لم يبق كائن * فما ثم موصول ولا ثم بائن
بذا جاء برهان العيان فما أرى * بعيني ألا عينه إذ أعاين
ثم قال رضي الله عنه: (مَنْ أقامَتْ بِهِ نَواسِيتُ الفَرقِ في قَابِ قَوْسِهْ نَاسُوتَ الوِصَالْ)، من بدا من الذات، ونواسيت جمع ناسوت وهو ما ظهر من الحس كما أن اللاهوت ما بطن من المعنى، وقاب القوس ما بين محل وتره وطرفه، والمعنى اللهم صل على الذات المطلسم الذي أقامت أي دامت به أي ببركة اتباعه أشباح أهل الفرق في مقام القرب فكانوا من حضرة الوصال مقدار قاب قوسين أو أدنى فأقاموا في القرب من الله به صلى الله عليه وسلم، ولو أعرضوا عنه لطُردوا وأُبعدوا، وإنما عبر بالنواسيت دون القلوب والأرواح لأن القلوب والأرواح محلها الجمع بناسوت الوصال كناية عن حضرة الوصال، ولا شك أن من تبعه صلى الله عليه وسلم وتمسك بسنته وتخلق بأخلاقه نال القرب بعد البُعد، والوصال بعد الفراق، فإنه صلى الله عليه وسلم باب الله وحجابه الأعظم فمن رام الدخول على الله من غير بابه طُرد وأُبعد كما قال القائل:
وأنت باب الله أي امرئ * وافاه من غيرك لا يدخل
كما أن من أراد الوصول إلى الملوك لا بد أن يتحبب إلى وزرائهم ويهدي لهم ويخدمهم فحينئذ يوصلونه إلى الملك، فكذلك من أراد الدخول إلى الله لا بد أن يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم بكثرة الصلاة عليه ويعظمه ويعظم ما انتسب إليه، ويعظم خلفاءه وهو الأولياء ويقبل التراب من تحت أقدامهم، فحينئذ يوصلونه إلى الحضرة وإلا بقى بعيداً من حيث يظن القرب وبالله التوفيق.
ثم قال: (الأقْرَبِ إلى طُرِقِ الحَقْ) أي الأقرب من غيره من سائر الرسل إلى طرق الحق فكانت الرسل كلها تدعو إلى الله وتبين الطرق إلى الوصول إليه، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم هو أقرب منهم إلى طرق الحق، فبين من اسم الطريق، ومعالم التحقيق في أقرب وقت، فهدى الله على يديه من الخلق في زمان يسير ما لم يهد على يد غيره في الأزمنة المتطاولة، وكذلك من كان على قدمه من الأولياء الجامعين بين الشريعة والحقيقة يهدي الله على أيديهم الجمّ الغفير في زمان يسير، لأنهم على بصيرة قال تعالى (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) أي ومن اتبعني يدعو إلى الله على بصيرة وهى بصيرة العيان والذوق والوجدان لا بصيرة التقليد التي هي ناشئة عن الدليل والبرهان.
ثم قال (فَصَلِّ اللّهُمَّ بِهِ فِيهِ مِنْهُ عَليه وسَلِّمْ) قلت إذا فني العبد عن نفسه وحسه لم ير إلا أنوار النبوءة ظاهرة، وأسرار الربوبية باطنة، فإذا صلّى على رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى نوره صلى الله عليه وسلم لا هو، وإذا سبح نفسه بنفسه، ووحّد نفسه بنفسه، والى هذا أشار الهروي حين سئل عن التوحيد الخاص بقوله:
ما وحَّد الواحد من واحدٍ * فكل من وحّده جاحد
وتوحيد من ينطق عن نفسه * تثنيه أبطلها الواحد
توحيده إياه توحيده * وتوحيد غيره لاحد
والى هذا المعنى أشار الششتري بقوله:
أنــا بالله ننطق * ومن الله نسمع
وهذه نتيجة محبة الحق للعبد، لقوله " فإذا أحببته كنته " ومعنى كلام الشيخ (فصلّ اللهم به)، لا بنفسي، (فيه)، أي في حضرته، بحيث يسمعها منّى بلا واسطة، لا في حضرة نفسي، وفى الحديث عنه صلى الله عليه وسلم قيل له: "أرأيت صلاة المصلين عليك فيمن يأتي بعدك، ما حالتهم عندك؟ فقال: أمَّـا أهل المحبة فأسمع صلاتهم وأعرفهم، تُعرض علي صلاة غيرهم عرضاً"، وأهل المحبة هم أهل الفناء الذين يُصَلّون على سره، ويشاهدونه كل ساعة، كما قال المرسي وغيره وهم أهل الجمع، وأما أهل الفرق فتُعرض صلاتهم عرضاً.
وقوله: (منه عليه)، أي وتكون تلك الصلاة صادرة منه، واردة عليه، بلا واسطة أحد، فالعارف لم تبق له واسطة بينه وبين الله ولا بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم بل يأخذ الأشياء من معادنها، فالحقيقة يأخذها من معادنها وهو شهود الذات الأقدس، بلا واسطة حسّ الأكوان، بل تمتحى الأكوان، وتمحق من نظره، فلا يرى إلا المُكوّن ويأخذ الشريعة من معادنها وهي الكتاب والسنة، إن كان أهلاً، وإلا استفتى قلبه، ولذلك قيل الصوفي لا مذهب له أي لا يقلد أحداً من أهل المذاهب، والسلام هو التأمين أي أمَّنه الله من كل ما يخافه على أمته، والله تعالى أعلم، وصلّى الله على سيدنا محمد الحبيب المحبوب الشفيع المقرب وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
***