مراجعة لكتاب نزول القرآن الكريم بين القائلين بتعدد التنزلات والنافين لها
الكاتب هو ناصر صبرة الكسواني وموضوع الكتاب هل نزل القرآن عدة مرات أم نزل مرة واحدة وقد ابتدأ الكسوانى بحثه بذكر معنى نزول القرآن حيث قال:
"أولا- معنى نزول القرآن:
1 - النزول في اللغة: قال ابن فارس "النون والزاء واللام كلمة صحيحة تدل على هبوط شيء ووقوعه". وكلام ابن فارس هذا يعني أنه ليس للمادة إلا هذا المعنى، وما ساقه كتاب علوم القرآن من أن للمادة معنى ثانيا، وهو الحلول فليس هو معنى آخر للكلمة.."
إذا المعنى اللغوى للنزول هو الهبوط فقط كما يقول الكاتب وهو ما يخالف أن له معانى أخرى فى القرآن مثل الخلق كما فى قوله سبحانه:
"وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج"
فقد فسرها الله بالخلق فى قوله:
"والأنعام خلقها لكم"
وتناول اختلاف الفقهاء فى معنى نزول القرآن حيث قال :
"2 - اختلاف العلماء في معنى إنزال القرآن:
لابن تيمية رسالة قيمة في معنى نزول القرآن الكريم؛ بين فيها أن معنى النزول في كتاب الله عز وجل يتفق مع المعنى اللغوي الحقيقي، وأنه لا مجاز في استعماله مع القرآن، وهو ما ينسجم مع رأيه أن لا مجاز في كتاب الله عز وجل. قال :
"ليس في القرآن ولا في السنة لفظ (نزول) إلا وفيه معنى النزول المعروف، وهذا هو اللائق به، فإنه (أي القرآن) نزل بلغة العرب، ولا تعرف العرب نزولا إلا بهذا المعنى، ولو أريد غير هذا لكان خطابا بغير لغتها، ثم هو استعمال اللفظ المعروف له معنى في معنى آخر بلا بيان، وهذا لا يجوز ... ". ويؤيد رأي ابن تيمية أن نزول القرآن نزول حقيقي
وليس بمجاز تلكم الآيات التي جاء فيها توكيد لفظ النزول بالمصدر، كما في قوله عز وجل: "ونزلناه تنزيلا" [الإسراء:106]، وقوله سبحانه وتعالى:"إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا" [الإنسان:23]. قال النحاس "أجمع النحويون على أنك إذا أكدت الفعل بالمصدر لم يكن مجازا". ولا شك أن رأي ابن تيمية أيضا مبناه على رأي السلف في العقيدة، والذين يثبتون صفة العلو لله عز وجل؛ لذلك نجد ثلة من أهل العلم قد تابعوه على قوله. لكن السيوطي في الإتقان أورد عن الأصفهاني أن أهل السنة والجماعة اتفقوا على أن كلام الله منزل، واختلفوا في معنى الإنزال. ..ولقد وجدت لأحد المفسرين المتأخرين وهو الطاهر بن عاشور كلاما نفيسا حول معنى النزول يجعلنا نرى الصورة بشكل أشمل، ونعلم أن الخلاف بين الفريقين خلاف لفظي؛ حيث قال :
"والإنزال جعل الشيء نازلا، والنزول الانتقال من علو إلى سفل، وهو حقيقة في انتقال الذوات من علو، ويطلق الإنزال ومادة اشتقاقه بوجه المجاز اللغوي على معان راجعة إلى تشبيه عمل بالنزول لاعتبار شرف ورفعة معنوية؛ كما في قوله تعالى: "قد أنزلنا عليكم لباسا"، وقوله: "وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج"؛ لأن خلق الله وعطاءه يجعل كوصول الشيء من جهة عليا لشرفه. وأما إطلاقه على بلوغ الوصف من الله سبحانه وتعالى إلى الأنبياء فهو إما مجاز عقلي بإسناد النزول إلى الوحي تبعا لنزول الملك مبلغه الذي يتصل بهذا العالم نازلا من العالم العلوي؛ قال تعالى: "نزل به الروح الأمين على قلبك"...."
إذا معنى نزول القرآن حسب القرآن وليس حسب ما نقلوه هو نزول الروح الأمين من السماء إلى محمد(ص) فى الأرض به وهو هبوط حقيقى كما قال سبحانه:
"نزل به الروح الأمين على قلبك"
فالهبوط هو هبوط الملاك بالقرآن من مكان أعلى إلى مكان أسفل
وعرض الكاتب وجهات نظر الفقهاء فى مسألة هل تكرر النزول أم أنه نزول واحد حيث قال :
"ثانيا- هل للقرآن الكريم تنزلات:
العلماء في هذه المسألة فريقان؛ فريق رأى أن القرآن له تنزلات عدة، وفريق عارض هذا القول فقال: إن للقرآن تنزلا واحدا، هو التنزل المباشر من الله عز وجل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بواسطة الملك جبريل عليه السلام.
1 - القول بالتنزلات: نظر الفريق الأول -الذين قالوا بالتنزلات- في الآيات التي دلت على أن القرآن نزل في رمضان، وفي ليلة القدر والليلة المباركة؛ كما في قوله عز وجل: "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن" وقوله جل جلاله:"إنا أنزلناه في ليلة القدر" وقوله سبحانه وتعالى: "إنا أنزلناه في ليلة مباركة"
ففهموا منها أنها دلت على تنزل كامل للقرآن في هذه الليلة المباركة من ليالي رمضان، وهي ليلة القدر ولكن كيف يمكن أن يكون القرآن نزل في ليلة واحدة، ومن المعلوم ضرورة أنه نزل على قلب النبي صلى الله عليه وسلم مفرقا طوال الفترة التي قضاها بين الناس منذ بعثته إلى وفاته. فحاولوا أن يوفقوا بين ذلك الفهم الأولي للآيات الثلاث السابقة، وبين هذه الحقيقة المجمع عليها، فوجدوا لذلك تفسيرا من خلال نظرهم في قوله سبحانه وتعالى: "وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم" [الزخرف:4]، وقوله: "بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ" [البروج:22]، ومن خلال أثر مروي عن ابن عباس يفيد أن القرآن مر في نزوله بمراحل. فقرر البعض أن هناك تنزلات ثلاثة، أولها تنزل للقرآن إلى اللوح المحفوظ، واستشهدوا بقوله تعالى: "وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم" [الزخرف:4]، وقوله: "بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ" [البروج:21 - 22]. وهنا لا بد أن ننبه إلى أن الزركشي في البرهان، والسيوطي في الإتقان وغيرهما لم يستعملوا لفظ النزول عند حديثهم عن وجود القرآن في اللوح المحفوظ، وإنما ذكروا التنزل من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، ومن ثم من السماء الدنيا على النبي صلى الله عليه وسلم، ولعل الزرقاني هو أول من وجدته يعبر بالتنزل الأول عن وجود القرآن في اللوح المحفوظ، وتبعه بعض من جاء بعده كالشيخ الذهبي أما التنزل الثاني -أو هو التنزل الأول عند من يرى أن هناك تنزلان- فكان هذا التنزل من اللوح المحفوظ إلى مكان يسمى بيت العزة في السماء الدنيا، وقالوا: إن هذا التنزل كان في رمضان في ليلة القدر الليلة المباركة، وهو ما دلت عليه الآيات الثلاث قوله عز وجل:"شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن"، وقوله جل جلاله:"إنا أنزلناه في ليلة القدر"، وقوله عز وجل: "إنا أنزلناه في ليلة مباركة". وقال بعض هؤلاء إن هذا التنزل استغرق أيضا سنوات في ليال قدر عدة، ولم يسوقوا على ذلك دليلا مقبولا أما التنزل الثالث -أو الثاني عند من يرى أن هناك تنزلان- فقد كان من بيت العزة في السماء الدنيا إلى الأرض على قلب النبي محمد صلى الله عليه وسلم حسب الأحوال والمناسبات. ودليل هذا الفريق هو فهمهم لما سبق من الآيات الثلاث على النحو الذي أوردناه. وقد رد الفريق الآخر على هذا الاستدلال بأن المقصود بنزول القرآن في رمضان أو الليلة المباركة أو ليلة القدر في تلك الآيات هو أن ابتداء نزول القرآن على قلب النبي صلى الله عليه وسلم كان في ذلك الوقت، وليس المقصود نزوله كله، وخاصة أن العلماء مجمعون على أن لفظ القرآن يطلق على القرآن كله، أو على جزء منه. وفسروا آيتي الزخرف "وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم" [الزخرف:4] والبروج "بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ" [البروج:21 - 22] والتي تدل على وجود القرآن في اللوح المحفوظ بأنها تبين أن القرآن الكريم حاله كحال أي حدث أو أمر أو شيء قد يحدث في هذا الكون ذكر الله عز وجل خبره وتفاصيله في كتاب الكون اللوح المحفوظ،...."
إذا توجد عدة آراء :
الأول ثلاث نزولات
الثانى تنزلين
الثالث تنزل واحد
وحسب ما نقله الكاتب الذى عليه دليل هو الرأى الثانى
وقد جمع الكاتب روايات فى أثر حديثى فى الموضوع وأدرج ملاحظاته عليها حيث قال :
"ملاحظات حول روايات هذا الأثر:
1 - أنها كلها موقوفة على ابن عباس -رضي الله عنهما-:
يلاحظ أن كل الروايات موقوفة على ابن عباس -رضي الله عنهما-، والمسألة من أمور الغيب التي لا تثبت إلا بما جاء في القرآن الكريم، أو السنة المرفوعة المقبولة..
2 - عدم ورود مثل هذا الخبر عن غير ابن عباس -رضي الله عنهما- من الصحابة رضي الله عنهم.
3 - ذكر بيت العزة: بيت العزة هذا المكان المذكور في بعض روايات هذا الأثر لم يذكر لا في القرآن، ولا في السنة حسب اطلاعي؛ لذلك فهو أمر غيبي نحتاج حتى نثبته إلى دليل مقبول أيضا، وهذا أمر غير متوافر..
. 4 - ذكر مواقع النجوم في بعض روايات الأثر: مواقع النجوم المذكورة في سورة النجم في قوله تعالى: "فلا أقسم بمواقع النجوم" لا يقصد بها أوقات نزول القرآن الكريم، ولا مواقع نزوله؛ كما جاء في بعض روايات أثر ابن عباس؛ بل المقصود بها مواقع النجوم التي نشاهدها في السماء،....
5 - الاختلاف بين روايات الأثر: الاختلاف بين روايات الأثر من حيث تحديد بعض الروايات مدة نزول القرآن في عشرين سنة، ومن المعلوم أن مدة نزول القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم كانت ثلاثة وعشرين عاما، وهو المروي عن ابن عباس نفسه في الصحاح، فقد روى البخاري عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: (أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربعين فمكث بمكة ثلاث عشرة سنة ثم أمر بالهجرة، فهاجر إلى المدينة فمكث بها عشر سنين ثم توفي صلى الله عليه وسلم).
وهذا يجعل الشك يتطرق إلى الرواية.
ملحوظات على هذا القول نفسه: إن الأخذ بهذا القول يدفع للقول بأن جبريل عليه السلام لم يأخذ القرآن عن الله عز وجل مباشرة، خلافا لما دلت عليه نصوص القرآن والسنة، وهو ما يفتح مجالا لبعض أصحاب الآراء المنحرفة لدس آرائهم.....
2 - القول بالتنزل الواحد: أما الفريق الثاني من أهل العلم فقد قال بالتنزل الواحد، أي أن جبريل عليه السلام أخذ القرآن مباشرة من عند الله عز وجل، ونزل به على النبي صلى الله عليه وسلم. ...
3 - القول المختار: عند النظر في أدلة الفريقين يجد الباحث نفسه تميل إلى الأخذ بالقول الثاني، ولعل أستاذنا فضل حسن عباس قد كفانا كثرة الكلام حول اختيار هذا القول؛ حيث قال:
"وإنما اخترت هذا القول لما يلي: أولا: لأن القول بأن القرآن الكريم أنزل من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا في ليلة القدر في رمضان، لم يصل إلينا من كتاب أو سنة صحيحة، وإنما وردت آثار موقوفة عن ابن عباس....
ثانيا: يلزم على القول بأن القرآن الكريم أنزل في شهر رمضان دفعة واحدة إلى السماء الدنيا، عدم نزوله على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، في رمضان....
ثالثا: إن المتدبر للآية الكريمة يجزم بما لا يحتمل شكا بأنها تتحدث عن نزول القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم، فلنتدبر هذه الآية الكريمة: "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان"
فلو كان المقصود نزوله إلى سماء الدنيا لم يكن هناك كبير فائدة في قوله تعالى: "هدى للناس" إنما الأمر الذي يطمئن إليه القلب وتستريح إليه النفس هو أن القرآن نزل على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هدى للناس. رابعا: إن الله تبارك وتعالى يمن علينا بالهداية بأن كرمنا بهذا القرآن الكريم "بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان". وهذه المنة إنما تتحقق بإنزال القرآن لنتعظ منه ونعتبر، وهذا أمر غير متحقق بنزوله إلى سماء الدنيا، يقول السيد محمد رشيد رضا :
"وأما معنى إنزال القرآن في رمضان مع أن المعروف باليقين أن القرآن نزل منجما متفرقا في مدة البعثة كلها فهو أن ابتداء نزوله كان في رمضان، وذلك في ليلة منه سميت ليلة القدر، أي الشرف، والليلة المباركة، كما في آيات أخرى، وهذا المعنى ظاهر لا إشكال فيه، على أن لفظ القرآن يطلق على هذا الكتاب كله، ويطلق على بعضه. وقد ظن الذين تصدوا للتفسير منذ عصر الرواية أن الآية مشكلة، ورأوا في حل الإشكال أن القرآن نزل ليلة القدر من رمضان إلى سماء الدنيا، وكان في اللوح المحفوظ فوق سبع سماوات، ثم نزل على النبي صلى الله عليه وسلم منجما بالتدريج، ..."."
والملاحظ أن الكاتب اختار القول القائل بالتنزل الواحد
وتحدث عن سبب تنزله جملة ثم نزوله مفرقا عند أصحاب التنزلين حيث قال:
"3 - الحكمة من إنزاله جملة إلى السماء عند من يرى ذلك:
القائلون بتعدد التنزلات يرون أن لإنزال القرآن جملة إلى السماء الدنيا فوائد منها:
الفائدة الأولى: تفخيم شأن القرآن وشأن من سينزل إليه، وذلك بإعلام سكان السماوات السبع أن هذا آخر الكتب المنزلة على خاتم الرسل لأشرف الأمم قد قربناه إليها لننزله عليها....
الفائدة الثانية: تفضيل القرآن الكريم على غيره من الكتب السماوية السابقة، وذلك بإنزاله مرتين، مرة جملة، ومرة مفرقا، بخلاف الكتب السماوية السابقة..."
وانتقد الكسوانى قول القائلين بتعدد النزول حيث قال :
" ولعل الناظر في هذه الحكم يزداد قناعة بضعف القول بتعدد النزول؛ لأنه لا حكمة من تلك التنزلات التي ذكروها، وما ذكروه إنما هو إنشاء وكلام لا تجد له مستندا من العلم، فمبناه على الظن غير المستند إلى دليل، وأساس هذا الظن هو محاولة المفاضلة بين القرآن وغيره من الكتب؛ وكأنه يلحق القرآن نقيصة إذا لم ينزل جملة؛ هذا إن صح أن غيره نزل جملة إن القرآن هو خير الكتب، ويكفي لخيريته أنه حفظ إلى قيام الساعة"
والحق فى المسألة أن القرآن نزل مرتين :
الأولى فى ليلة القدر كما دلت الآيات فى كتاب الله وهذا التنزل لا يمكن أن يكون هو التنزل على النبى(ص) بدليل قوله سبحانه:
"حم والكتاب المبين إنا أنزلناه فى ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين رحمة من ربك إنه هو السميع العليم"
وقوله:
" إنا أنزلناه فى ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هى حتى مطلع الفجر"
والأدلة فى الآيات هى :
1-أنه إنزال إلهى " إنا أنزلناه " وما نزل على النبى (ص) هو نزول الروح الأمين كما قال سبحانه" نزل به الروح ألأمين على قلبك" وقوله" علمه شديد القوى"
2-أنه إنزال شامل لقوله" فيها يفرق كل أمر حكيم" وقوله "بإذن ربهم من كل أمر"
فكل أمر تدل على أنه ليس نزولا جزئيا لأنه شمل كل أمر أى قضية
3- أنه إنزال بالملائكة وليس بواحد منهم لقوله" تنزل الملائكة والروح فيها"
وهذا الإنزال هو لمكان حفظ القرآن والاحتمال الراجح أنه اليوم الذى جمع فيه القرآن كما سبحانه:
"إن علينا جمعه وقرأنه"
وهو اليوم الذى تم فيه الدين كما قال سبحانه:
" اليوم أكملت لكم دينكم"
وأما الإنزال الثانى وهو على النبى محمد(ص) فكان نزولا مفرقا أى مجزئا أى على مرات عديدة كما قال سبحانه:
" وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث"
ومن ثم بان أن الآراء بالتنزلات الثلاث أو التنزل الواحد آراء بلا أدلة