***
{ الْحَمْدُ للّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ}
القراء السبعة على ضم الدال في قوله الحمد لله هو مبتدأ وخبر.
وروي (الحمدَ لله) بالنصب
وعن الحسن وزيد بن علي {الحمدِ لله} بكسر الدال
قال أبو جعفر بن جرير معنى {الحمدالله} الشكر لله خالصاً
دون سائر ما يُعبد من دونه, ودون كل ما برأ من خلقه بما أنعم على عباده من النعم التي لا يحصيها العدد ولا يحيط بعددها غيره أحد, في تصحيح الاَلات لطاعته وتمكين جوارح أجسام المكلفين لأداء فرائضه مع ما بسط لهم في دنياهم من الرزق, وغذاهم من نعيم العيش من غير استحقاق منهم ذلك عليه, ومع ما نبههم عليه ودعاهم إليه من الأسباب المؤدية إلى دوام الخلود في دار المُقام في النعيم المقيم,
فلربنا الحمد على ذلك كله أولاً وآخراً وقال ابن جرير :الحمد لله
و أمر عباده أن يثنوا عليه فكأنه قال قولوا الحمد لله ،
و جميع أهل المعرفة بلسان العرب يوقعون كلاً من الحمد والشكر مكان الاَخر
وقد نقل السلمي هذا المذهب
أنهما سواء عن جعفر الصادق وابن عطاء من الصوفية,
و اختلفوا أيهما أعمّ الحمد أو الشكر على قولين والتحقيق أن بينهما عموماً وخصوصاً فالحمد أعم من الشكر من حيث ما يقعان عليه لأنه يكون على الصفات اللازمة والمتعدية, تقول حمدته لفروسيته وحمدته لكرمه وهو أخص
, والشكر أعم من حيث ما يقعان عليه لأنه يكون بالقول والفعل والنية كما تقدم
وهو أخص لأنه لا يكون إلا على الصفات المتعدية ,لا يقال شكرته لفروسيته
وتقول شكرته على كرمه وإحسانه إليّ .
والله أعلم
وقال أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري الحمد نقيض الذم, تقول حمدت الرجل أحمده حمداً ومحمدة فهو حميد ومحمود والتحميد أبلغ من الحمد,
والحمد أعم من الشكر,
و الشكر هو الثناء على المُحسن بما أولاه من المعروف يقال شكرته وشكرت له وباللام أفصح وأما المدح فهو أعم من الحمد لأنه يكون للحي وللميت وللجماد أيضاً كما يمدح الطعام والمكان ونحو ذلك ويكون قبل الإحسان وبعده,
وعلى الصفات المتعدية واللازمة أيضاً فهو أعم
***
ذكر أقوال السلف في الحمد
قال ابن أبي حاتم
قال عمر رضي الله عنه قد علمنا سبحان الله ولا إله إلا الله, فما الحمد لله,
فقال عّلِيّ : كلمة رضيها الله لنفسه,
قال عمر لعلي ـ وأصحابه عنده ـ
لا إله إلا الله وسبحان الله والله أكبر قد عرفناها فما الحمد لله ؟
قال عَليّ : كلمة أحبها الله تعالى لنفسه ورضيها لنفسه وأحبَ أن تُقال,
وقال كعب الأحبار الحمد لله ثناء الله, وقال الضحاك الحمد لله رداء الرحمن,
***
قال الحكم بن عمير وكانت له صحبة قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قلت الحمد لله رب العالمين فقد شكرت الله فزادك,
وقال الأسود بن سريع قال: قلت يا رسول الله ألا أنشدك محامد حمدت بها ربي تبارك وتعالى فقال :«أما إن ربك يحب الحمد»
و عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
«أفضل الذكر لا إله إلا الله, وأفضل الدعاء الحمد لله»
, و عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
«ما أنعم الله على عبد نعمة فقال الحمد الله إلا كان الذي أعطى أفضل مما أخذ»
وقال القرطبي :عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «لو أن الدنيا بحذافيرها
في يد رجل من أمتي ثم قال الحمد لله كان الحمد لله أفضل من ذلك»
قال القرطبي : وغيره أي لكان إلهامه الحمد لله أكثر نعمة عليه من نعم الدنيا
لأن ثواب الحمد لله لا يفنى ونعيم الدنيا لا يبقى .
قال الله تعالى {المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات
خير عند ربك ثواباً وخير أملاً} .
وفي سنن ابن ماجه عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثهم أن عبداً من عباد الله
قال : يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك
فعضلت بالملكين فلم يدريا كيف يكتبانها فصعدا إلى الله
فقالا : يا ربنا إن عبداً قد قال مقالة
لا ندري كيف نكتبها, قال الله, وهو أعلم بما قال عبده, ماذا قال عبدي ؟
قالا : يا رب إنه قال لك الحمد يا رب كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك
فقال الله لهما «اكتباها كما قال عبدي حتى يلقاني فأجزيه بها»
***
و عن جابر «أفضل الذكر لا إله إلا الله وأفضل الدعاء الحمد لله»
كما جاء في الحديث " اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله
وبيدك الخير كله وإليك يرجع الأمر كله".
والرب هو المالك المتصرف ويطلق في اللغة على السيد,
وعلى المتصرف للإصلاح, وكل ذلك صحيح في حق الله ولا يستعمل الرب
لغير الله بل بالإضافة تقول رب الدار, رب كذا,
وأما الرب فلا يقال إلا الله عز وجل,
وقد قيل إنه الإسم الأعظم,
والعالمين جمع عالم وهو كل موجود سوى الله عز وجل والعالم جمع لا واحد له, والعوالم أصناف المخلوقات في السموات,
وفي البر والبحر, وكل قرن منها وجيل يسمى عالماً أيضاً .
و عن ابن عباس {الحمد لله رب العالمين} الحمد لله الذي له الخلق كله
السموات والأرض وما فيهنّ وما بينهن مما نعلم ومما لا نعلم.
و عن ابن عباس رب الجن والإنس,
, والقرطبي.. قوله {ليكون للعالمين نذيراً} وهم الجن والإنس.
قال أبو عبيد العالم :عبارة عما يَعقل وهم الإنس والجن والملائكة والشياطين
ولا يقال للبهائم عالم .
وعن زيد: العالم كل ما له روح ترفرف وقال قتادة رب العالمين كل صنف عالم,
وقال الزجَّاج :العالم كل ما خلق الله في الدنيا والاَخرة.
قال القرطبي :وهذا هو الصحيح إنه شامل لكل العالمين..
كقوله {قال فرعون وما رب العالمين ؟
قال رب السموات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين}
والعالم مشتق من العلامة (قلت) لأنه علم دال على وجود خالقه وصانعه ووحدانيته فقال ابن المعتز:
فيا عجباً كيف يعصى الإلهأم كيف يجحده الجاحد
وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد.
***
} { الرّحْمـَنِ الرّحِيمِ
قال القرطبي: إنما وصف نفسه بالرحمن الرحيم بعد قوله رب العالمين..
ليكون من باب قرن الترغيب بعد الترهيب .
{نبى عبادي أني أنا الغفور الرحيم * وأن عذابي هو العذاب الأليم} .
وقوله تعالى: {إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم}..
قال: فالرب فيه ترهيب والرحمن الرحيم ترغيب.
و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
ولو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع في جنته أحد
ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من رحمته أحد
***