مناقشة لمقال ابتسم
الكاتبة هى غالية عبد الله وموضوع المقال هو الابتسام أو ما أسموه بشاشة الوجه
والابتسام هو نوع من الضحك وهو استغراب وقوع الشىء فعندما سمع سليمان(ص) قال النملة لباقى النمل :
ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون
تبسم ضاحكا والمقصود ففرح مستغربا من سماعه صوت النملة ومن معرفتها اسمه حيث انفرجت أسارير وجهه من الاستغراب وهو التعجب
ومن ثم قام بشكر الله على نعمه
وفى المعنى قال سبحانه:
"حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَاأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19)"
وفى ابتداء المقال ذكرت الكاتبة ثلاث روايات هى :
"قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
( أنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق ) رواه مسلم
وقال – صلى الله عليه وسلم:
( لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق ) رواه الحاكم والبيهقي في شعب الإيمان
وعن جرير بن عبدالله رضى الله عنه قال :
( ما حجبني النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا رآني إلا تبسم في وجهي ) رواه البخاري
والرواية الأولى تعارض كتاب الله بالقول أن الحصول على رضا الناس وحبهم عن طريق بسط الوجه وحسن الخلق فهناك بين بعض المسلمين كراهية لا تزول فى الدنيا مع التزام كل طرف بعدم إيذاء الأخر وهى تزول فى الجنة فقط كما قال سبحانه :
" ونزعنا ما فى صدورهم من عل اخوانا على سرر متقابلين"
ومن ثم لا يمكن أن تتوقع من أمثال هذا البعض أن يبتسم فى وجه الأخر
والرواية الثانية معناها صحيح والثالثة رواية عن فعل لمسلم لمسلم أخر
وتناولت الكاتبة وجود أجر على الابتسام فى وجه الأخ بالقول :
"الابتسامة لها رونق وجمال ، وتعابير تضفي على وجه صاحبها الراحة والسرور ، بل رتب النبي صلى الله عليه وسلم أجر عليها وقال صلى الله عليه وسلم ( تبسمك في وجه أخيك صدقة ) وقال صلى الله عليه وسلم ( أنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق ) والإمام البخاري جمع أحاديث كثيرة للرسول صلى الله عليه وسلم وبوب لها باب : ( باب التبسم والضحك ) دليل على الابتسامة التي كان يحرص عليها الرسول صلى الله عليه وسلم ، والإمام مسلم كذلك في صحيحه أحاديث بوب لها الإمام النووي فقال في كتاب الفضائل .. (باب تبسمه وحسن عشرته ) وبوب الشيخ الغماري الاحاديث التي فيها ( ضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ) في مؤلف سماه (شوارق الانوار المنيفة بظهور النواجذ الشريفة )، كل هذا وغيره بيان لجوانب تبسمه صلى الله عليه وسلم . وهكذا كان الصحابة رضى الله عنهم فقد قيل لعمر رضى الله عنه هل كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحكون . قال : نعم والإيمان والله اثبت في قلوبهم من الجبال الرواسي ."
وكل أبواب الروايات لا تفيدنا بشىء لتحدثها عن كلمة ترد كثيرا فى القرآن بمعنى سوء وهو :
الفرح الكفرى كما قال سبحانه فى ضحك المنافقين :
"فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون"
وقال فى ضحك الكفار على المؤمنين:
"إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون "
وضحك الكفار حتى الآيات المعجزات كما قال تعالى :
"ولقد أرسلنا موسى بآياتنا إلى فرعون وملائه فقال إنى رسول رب العالمين فلما جاءهم بآياتنا إذا هم منها يضحكون"
ونقلت كلاما فى الابتسام حيث قالت:
"ويقول الأستاذ محمد قطب : ( لا يكفي المال وحدة لتأليف القلوب ولا تكفي التنظيمات الاقتصادية والأوضاع المادية ، لابد أن يشملها ويغلفها ذلك الروح الشفيف ، المستمد من روح الله ، ألا وهو الحب ، الحب الذي يطلق البسمة من القلوب فينشرح لها الصدر وتنفرج القسمات فيلقي الإنسان أخاه بوجه طليق )
يقول الشاعر :
هشت لك الدنيا فمالك واجما *** وتبسمت فعلام لا تتبسم
إن كنت مكتئبا لعز قد مضى *** هيهات يرجعه إليك تندم"
وتناولت ما أسمته موانع الابتسام حيث قالت :
"موانع الابتسامة :
لنقف أخي الكريم على أهم أسباب موانع الابتسامة عند البعض ..
1. الظن أن ذلك من الجدية :
يظن البعض أن عدم الابتسام هو جزء من الجدية التي لابد منها في شخصية الإنسان وهي من كمال الدين ، وهذا ظن ليس في محله حيث إن الناس جبلوا على الميل والمحبة لمن يبش في وجوههم ، وأما ما يتعلق بالجدية فإنه لا يوجد أكثر من جدية الرسول – صلى الله عليه وسلم - وعن سماك بن حرب قال : قلت لجابر بن سمرة : أكنت تجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : ( نعم كثيرا ، كان لا يقوم من مصلاه الذي يصلى فيه الصبح حتى تطلع الشمس ، فإذا طلعت قام ، وكانوا يتحدثون فيأخذون في أمر الجاهلية ، فيضحكون ، ويبتسم ) رواه مسلم . ولم يكن هذا التبسم لينقص من مكانته – صلى الله عليه وسلم – وإنما هو اللطف الذي ما خالط شيئا إلا زانه ، ولا نزع من شيء إلا شانه ."
بالطبع الرواية السابقة لا تصح فالمساجد ليست للحديث ولا للضحك وإنما بنيت من أجل شىء واحد وهو :
ذكر الله وهو قراءة القرآن كما قال سبحانه :
" فى بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه "
بالطبع الضحك المباح لا ينافى الجدية عندما يتعلق الحديث بأمور تحث على العدل والحث مثل ما يروى عن حجا من أنه كان يطوف فى البلدة ذاكرا ظلم واليها حتى قرر الوالى طرده من البلدة فتعمد جحا أن يخرج بالحمار من أمام القصر ووضع الخرج غير متزن حيث زاد الحمل فى جهة ونقصه فى الجهة الأخرى ومن ثم كلما سار خطوتين وقع فقال له الوالى من الشباك :
اعدل بين الجهتين فى الوزن لا يقع الحمل
فقال له حجا :
قلنا لكن هذا قلت اخرج من البلد
فهذا النوع من النكات مباح لأنه أمر بالمعروف وانكار للمنكر بطريقة عملية
وتناولت الكلام عمن يحرمون الضحك على أنفسهم حيث قالت :
"2-الخوف من قسوة القلب :
يخلط بعض الناس بين الإكثار من الضحك والذي أخبر به الرسول صلى الله عليه أنه سبيل لموت القلب وبين أهمية وضرورة الابتسام والضحك المعتدل لتقويم النفس وإزالة الهم وكسب الآخرين .. وعلينا الانتباه جيدا إلى شاطحات الزهاد فإنها كثيرة كقولهم : ( ما ضحك فلان قط ) أو ( ما رأي فلان إلا مهموما ) فهذا خلاف الفطرة والسنة النبوية . وما جاء في نص الحديث الذي رواه ابن ماجه بإسناد صحيح ( لا تكثر الضحك ، فإن كثرة الضحك تميت القلب ) فلم ينه عن الضحك إنما نهى عن كثرته .
3. ظروف النشأة :
لها دور كبير في حياة الإنسان ، فمن يولد بين أبوين غضوبين تقل الابتسامة على محياة ، فلا تراه مبتسما أبدا ، وهذا تبعا للظروف البيئية التي تحيطة .
4. طبيعة الإنسان العصبية ، وكثرة سوء الظن عنده ، وتعامل الصعب كلها عوامل تدفع الإنسان إلى قلة التبسم ."
بالطبع الضحك يعود لإرادة الإنسان ولكن هناك حالات مرضية لا يمكن لصاحبها أن يضحك لأن طبيعة الوجه الذى خلق عليها الإنسان هى الشكل الحزين لدى الناس وهذا يكون ناتج من مرض فى أعصاب الوجه مثله مثل الإنسان الذى لا يمكن أن يبكى حيث خلقه الله بدون قنوات دمعية ومن ثم مهما ضرب أو أذوذى جسديا أو نفسيا لا تنزل منه دمعة واحدة
وكان السؤال هل للمسلم أن يستسلم لتلك الموانع فلا يبتسم وأجابت حيث قالت :
"هل نستسلم للموانع ؟
تحدث عن هذا السؤال عبد الحميد البلالي قائلا :
كلا فلا بد أن تكون لنا إرادة قوية تتعالي على الهم والمصيبة ، ولنتذكر أننا لن نغير شيئا مما قدره الله تعالى علينا بغضبنا وهمنا وعبوسنا ، وأننا سنخسر الكثير من صحتنا عندما نغضب ونخسر الآخرين عندما نعبس وقد نخسر الدين عندما يتجاوز الهم والغضب الى الاحتجاج على قدر الله تعال . ولنستيقين دائما بالقاعدة التي أخبرنا بها رسولنا صلى الله عليه وسلم ( إنما العلم بالتعلم وإنما الحلم بالتحلم ) فإذا لم تكن البشاشة من طبعنا فلنتعلم كيف نبتسم ولنحاول أن يكون ذلك من طبيعتنا بعد أن نتذكر ثمار الابتسام والضحك ) كتيب ابتسم ، عبد الحميد البلالي ص 60
فاحرص أخي الكريم على الابتسامة الصادقة الصافية التي تعكس ما في القلب من محبة وتآلف ولتحذر من الابتسامة المصطنعة التي تخفى وراءها الأحقاد ."
بالطبع لا يجب على المسلم ألآ يكون كئيبا حزينا فى كل أوقاته بل عليه الفرح وهو الضحك من خلال طاعات الله
وأخيرا تناولت أهمية البشاشة فنقلت عن ابن القيم :
"يقول ابن القيم في أهمية البشاشة :
( إن الناس ينفرون من الكثيف ولو بلغ في الدين ما بلغ ، ولله ما يجلب اللطف والظرف من القلوب فليس الثقلاء بخواص الأولياء ، وما ثقل أحد على قلوب الصادقين المخلصين إلا من آفة هناك ، وإلا فهذه الطريق تكسو العبد حلاوة ولطافة وظرفا ، فترى الصادق فيها من أحبى الناس وألطفهم وقد زالت عنه ثقالة النفس وكدورة الطبع )
ويقول الإمام ابن عيينه :
( والبشاشة مصيدة المودة ، والبر شيء هين : وجه طليق وكلام لين )"
والغالب على الناس هم حبهم لمن يبتسمون لهم ولكن كما هو الحال لابد أن يتواجد فى المجتمع من لا يحبون بعضهم البعض لأسباب متعددة حتى ولو ابتسموا فى وجوه بعضهم البعض