مراجعة لبحث المصطلح القرآني والثقافة الوافدة
الكاتبة هى هوارية لولاسي وموضوع البحث هو استعمال الكلمات الأجنبية فى اللغة العربية وقد ابتدأت المقال بأن الفقهاء أباحوا استعمال الكلمات ألأجنبية فى اللغة العربية مستدلة بكلمات موجودة فى كتاب الله على أنها كلمات أجنبية حيث قالت :
"لا ضير من استعمال المصطلحات الوافدة واستئناسها في المجالات العلمية أو القانونية أو السياسية أو غيرها وقد أشار المفسرون إلى اشتمال القران على ألفاظ غير عربية من الطور العبرية والمشكاة الحبشية والقسطاس الرومية ... "
ما قاله الفقهاء هو كلام بلا دليل فليس معنى وجود كلمات مشتركة فى عدة لغات أنها مأخوذة من واحدة منها لأن هذا يحتاج إلى إثبات محال تحققه وهو احياء البشر الموتى منذ العصور القديمة وسؤالهم عن أصل الكلمة
كل ما قيل هو مجرد تخمينات وكل واحد ينقل عن الأخر دون أن يكون حيا وقت الأخذ ومعظم ما قيل من تلك الأقوال منسوب لابن عباس والأغرب هو أن ابن عباس لم يكن يجيد أيا من اللغات الأجنبية كما أن الفقهاء نادرا ما كان أحد منهم يجيد لغة أجنبية حتى يمكن أن يتحقق مما يقول وهى معضلة كبرى أن تكون جاهل بتلك اللغات وتزعم أن الكلمات الفلانية والعلانية من اللغة الفلانية
مثلا لو قيل أن القائل بالكلمات الحبشية بلال والقائل بالكلمات الرومية صهيب والقائل بالفارسية سلمان والقائل بالعبرية زيد أو ورقة بن نوفل لكان هذأ أقرب للحقيقة ولكن أن يختار واضعى القول فرد عربى قح لم يعش فى مكة طويلا حيث تختلط اللغات فى الحج لكان مقبولا ولكنه كان طفلا فى أيام الرسول (ص) فى المدينة كما يقول التاريخ
وبينت الكاتبة شيوع عبارة لا مشاحة فى الاصطلاح حيث قالت:
" وقد شاع بين الفقهاء عبارة تعكس ذهنية منفتحة على ثقافات الأمم أو هي جملة لا مشاحة في الاصطلاح."
وتناولت الحلول وهى إما قبول المصطلح الأجنبى كما هو وإما اختراع مصطلح عربى حيث قالت :
"إذن لا ضير من استعمال المصطلحات الوافدة ولا التوقف أمامها موقف المتعصب للغة القوم على أن تدخل المادة في معاجم اللغة بعد أن ينظر في مداليلها وإيحاءاتها فان بدت منسجمة مع ثقافتنا ومبادئنا الدينية فلا غضاضة في أخذها واستخدامها، أما إذا كانت عكس ذلك فالواجب رفضها لأنها تختلف أو لا عن الأجواء التي نعيشها وهي غريبة كونها ولدت في أجواء غريبة عن معتقدنا وعن قيمنا وعاداتنا وتقاليدنا، وعلي سبيل المثال المصطلح الشائع بيننا الاستعمار بينما عندنا في الخطاب الإسلامي أدق الدلالات لحقيقة الاستعمار وهو الاستضعاف.
وعليه فالبديل نسج أو تخريج أو نحت مصطلحات بوحي من واقعنا وفكرنا وتراثنا ولا مانع أن دخل المصطلح الأجنبي ثقافتنا على أن نلبسه ثوب الشرعية ونجرده من مضمونه الفكري المنافي لقيمنا وفكرنا وثقافتنا."
وحل قبول المصطلح الأجنبى فى أى لغة هو :
اعتراف بعجز اللغة والحقيقة أن اللغة ليست عاجزة وإنما العاجز هم أهل اللغة
عجز اللغة وهى اللسان اتهام الله تعالى بأنه لم يحسن خلقها وهو اختراعها لأن هو مخترعها كما قال سبحانه :
" وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ"
وكررت نفس الغلط وهو أن ما فى كتاب الله يدل على تلك المرونة فى استعمال الكلمات الأجنبية حيث قالت:
"ولو أن القرآن أبدى مرونة اتجاه المصطلحات الوافدة، إلا أننا نؤكد على أولوية استخدام المصطلحات القرآنية في أعلامنا، وجامعاتنا وحياتنا بكل أبعادها، فهو كلام الله أولا والذي ألجم فصحاء العرب وأنه بشهادة العدو، يعلو ولا يعلى عليه. ثانيا هو تطويع للسان العربي الذي بدأت تدخله العجمة، وتضيع بعض من سماته النطقية واستخلاف المصطلح الأجنبي، واستحواذه على الألسن، حيث أصبح الناطق باللغة العربية لا يمت بصلة إلى الحضارة، والمدنية، وأن النطق باللغات الأجنبية امتياز وتقدم منطلقين من موقع عقدة نفسية، والانبهار بحضارة الآخر. فمهمة أصحاب الفكر والثقافة، الترويج للمصطلحات القرآنية، واستخدامها في محاوراتهم، ومواعظهم وخطبهم، وقداسة القرآن لا تكمن في كلماته حتى لا نحركها ونستخرجها بل القداسة تكمن في تأويله.
لذلك لا ضرر من استعمال بعض المصطلحات الواردة في الكتاب والسنة وقد لا تفهم المصطلحات القرآنية الفهم الدقيق، وعليه قد تستعمل في غير مدلولها أحيانا، فلقد رفض بعض الفقهاء استعمال كلمة الكافرين عند مخاطبة المسيحيين ومحاورتهم، فحمل إنكار ذات الله مع أنهم ليسوا بذلك والقرآن العظيم يخاطب بألطف العبارات وهي أهل الكتاب، فأما الموارد التي نعتهم فيها بالكفر، فلم تكن في مورد المخاطبة، بل في تصحيح معتقدهم الذي ينسبون فيه بنوة المسيح إلى الله، والكافرون عادة هم المشركون، وليس أهل الكتاب."
بالطبع من رفضوا استعمال لفظ الكفار فى التعبير عن المسيحيين وهى استعمال لتعبير غير قرآنى بدلا من التعبير القرآنى هو النصارى غلطوا فى أن الله قسم الكفار لمشركين وكتابيين فقال فى مواضع متعددة :
"لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ"
وقال :
"إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ"
وتناولت وجود طائفة منبهرة بالكفار وما عندهم حيث قالت :
"والعقدة المتداولة هي الاندهاش والانبهار بالآخر على أساس انه الأكثر فهما وامتلاكا للمادة والقوة، وانطلاقا من عقدة نقص وزعزعة الثقة بالنفس.
وفي عرف المغالطة أن القرآن استنفذ طاقته المعرفية وفقد كفاءته وصار ينتمي إلى ثقافة الماضي (فالنص له دوال إشارية ودلالية قد تفقد قدرتها على الإشعاع ولكنها لا تموت أبدا إذ تظل لها القدرة على القيام بوظيفة الشاهد التاريخي...)"
وتعاريف وهى مصطلحات كتاب الله ستكون موجودة طالما أن الكتاب محفوظ حتى القيامة وإن تنكر لها بعض من يحملون أسماء المسلمين وهم ليسوا بمسلمين وفى المعنى قالت الكاتبة:
"ومصطلحات القرآن لن تموت ما دام القرآن بين أظهرنا ولان هذا الدين اختار لبقائه لغة تصلح لكل جيل ولكل زمن وذات بعد إنساني وهي موكلة لخدمة خليفة الله في الأرض."
وتناولت قيام المحتلين لمنطقتنا بفرض ثقافاتهم على المنطقة وعلموا أجيالا كأتباع لهم ومن ثم عندما رجل المحتل عسكريا لم يرحل ثقافيا فظل الأتباع يتولون المناصب والمراكز الثقافية المهمة التى يورثونها لبعضهم البعض وما زالوا يقومون باستبعاد غيرهم عنها
تناولت الموضوع حيث قالت:
"المصطلح العربي وثقافة التقليد :
الثقافة الغربية فرضت نفسها على وطننا العربي ليس من باب نشر العلوم ومد العون للأخر بل هي نوع من التسلط الثقافي وفرضت لغتها من خلال ما تعرضه من تقنيات علمية وحصرت اللغة العربية في مجال الفقه والشعر والأدب وكأنها لا تصلح أن تكون لغة علم وطب وهندسة لافتقارها في اعتقادهم إلى المصطلحات التقنية المعاصرة والغريب أن من يشتغل بالاشتقاق والتوالد يؤمن بقصور العربية في مواكبة العصر والانفتاح وطأطأة الرأس أمام الإبادة الثقافية وقد أدرجت هذه الكلمة مجال الخطاب حوالي للدلالة على عملية مثاقفة مفروضة على ثقافة من لدن ثقافة أخرى أقوى والإبادة الثقافية عادة ما تقوم بها الدول المسيطرة صناعيا أو الغازية أو المعولمة وقد تجد لمصطلح الإبادة الثقافية ما يقابلها من مصطلح الثقافة الغالبة التي أبادت الثقافة المغلوبة ورجوعا إلى أول استعمال لهذا المصطلح بأمريكا خلال حربها مع الهنود الحمر.
إن السيطرة الثقافية لها جذور في التاريخ تعود إلى عصر الاسكندر الأكبر فقد سعى إلى نشر الثقافة اليونانية في العالم وهذا النوع من العولمة السابقة لا تزال جذورها تضرب بعمقها إلى يومنا هذا باسم العولمة الحديثة قد تختلف في وسائلها وطرقها لكنها لا تختلف في جوهرها."
وتناولت واجبات الناس والحقيقة أن دول المنطقة تسير على نفس النظام الموروث من المحتل ومن ثم لن ينصلح شىء لأن القائمين على الثقافة مجموعات أو شلل يدخلون بعضهم البعض فى نفس المسار ومن ثم يظل النظام الذى كان قائما من قرن أو يزيد هو القائم حاليا
الغريب أن حتى الجماعات التى يسمونها الإسلامية عملت بنفس الأسلوب ولكنها لا تقدر على تنفيذ ما تريد فمثلا رغم أن نسبة الأساتذة منهم فى الجامعات كبيرة خاصة فى الطب والهندسة إلا أنهم مثلا لم يقدروا على تعريب الطب والهندسة فى الكثير من البلاد لأن الأنظمة لا تختار أحد منهم لتولى المناصب الوزارية او القيادية التى تتيح ذلك وإنما تختار من ينفذ سياساتها فقط
أقصى ما قاموا بها هو الترجمة وهى تقول فى الجهود :
"من واجبنا إن نستخرج الطاقات الثقافية المخزونة بل وتهذيبها أيضا وعلينا أن نكون جديرين باستخراجها وإلا ستبقى دفينة ولن نستفيد منها ونبقى في درك الانحطاط المعنوي والفكري ونظل نستهلك الثقافة المعلبة والتي تأتي من الغرب فنفتحها ونسخنها ونتناولها ونتقبل طعمها. جميل أن نتثاقف والأجمل أن تكون بنية التعرف على الغير والاستفادة من طاقاته الثقافية وعندنا وسائل متعددة من اجل ذلك (الجامعة العربية مجمع اللغة مجلس التعريب السفارات بعثات التعاون مع الدول العربية من جهة ومن جهة أخرى نتعرف على الجانب الشرقي مثل الصين اليابان الهند فضلا عن الأتراك والفرس)."
وتناولت أننا ما زلنا ندور فى فلك واحد وهو فلك الغرب فى الثقافة ولم نتعرف جيدا على الثقافات الشرقية المختلفة ولا على الثقافات الأفريقية حيث قالت :
"ماذا نعرف عن ثقافة هذا العالم ؟ لماذا لا يهتم إعلامنا بما يحدث هناك وماذا ترجم لهم أو عنهم ؟ لماذا لا نعرف عن آسيا إلا تسونا مي ؟ هذا من جانب المثاقفة أما جانب التثاقف الذي يخص داخل التراب الوطني فنحن نملك المسارح ودور الثقافة والفنون وعندنا صناعات ونشاطات ثقافية وجمعيات أدبية وإعلام الذي أصبح وسيلة ترفيه لا توجيه وتعليم ضف إلى ذلك جهود الترجمة والتعريب لعلوم الغرب السائرة في بلاد المشرق وهي تهدف إلى إنشاء مراكز للبحوث والتنسيق مع مختلف الدوريات من أجل التكامل العربي علميا اقتصاديا وثقافيا..."
بالطبع المؤسسات الموجود فى عالمنا لا تعمل إلا فى ظل الأنظمة القديمة ونادرا ما تدخل جديدا إلا إذا كان وراء هذا الجديد شىء يستفيد منه البعض ماليا
وتناولت وحدة اللغة والمعرفة حيث قالت :
"وحدة اللغة ووحدة المعرفة :
جاءت النظرية النونية المشتقة من الآية (ن والقلم وما يسطرون) كما يطلق عليها اسم نظرية وحدة المعرفة.
هذه النظرية لم تكن حصيلة فكر منفرد متفرد وإنما هي حصيلة دراسات متلاحقة لعلماء ولغات وحضارات وللسلف اليد الطولى في تطوير علم اللغة من خلال ما صنفوه خدمة للإسلام والقرآن الحكيم ومدارسته وتبيان محكمه من متشابهه وناسخه من منسوخه وعامه من خاصه وحواميمه وقراءاته وما قدموه من خلافات مدرسية ومذهبية ونظريات كان لها الفضل في إحياء الدروس اللغوية ونخص بالذكر في مجال البلاغة والإعجاز إمام البلاغة عبد القاهر الجرجاني في كتابيه أسرار البلاغة ودلائل الإعجاز الذي استفادت منه النظرية المعاصرة في علم اللغة. إن مصطلحات القرآن الحكيم تحوي رموزا وإشارات لا يعلم تأويلها إلا الله والراسخون في العلم الذين طهرهم المولى وفتح قلوبهم للعلم (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام).
إن نظرية وحدة المعرفة تنطلق من وحدة الوجود أو عالم الإنسان الواحد ومنه جاءت الأديان وهي ذات حقيقة واحدة وهي معرفة الإله.
وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد
فوحدة المعرفة ووحدة الوجود ووحدة عالم اللسان المتمثلة في البيان (الرحمن خلق الإنسان علمه البيان) صحيح أن الاختلاف في الألسن وأنظمة الأصوات ودلالاتها لكنها لا تعني اختلاف الإنسان (ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين) فكان الاصطلاح بين العلماء على البيان."
بالطبع نظرية وحدة المعرفة أو قل حقيقة المعرفة القرآنية هى الأمر الذى يجب العمل به وأما وحدة اللغة ففى الإسلام كل الألسن وهى اللغات سواء
وأما وحدة المصطلحات فى العالم فهو أمر محال لأنه لا توجد مؤسسات تريد اشاعة الحقيقة وتوحيد المصطلحات يتنافى مع حالات العداء والكراهية بين أهالى الأديان المختلفة
تقول الكاتبة :
"يحيل البحث عن وحدة المصطلحات إلى وحدة الإنسان فهذا علم الأنثروبولوجيا العلم الذي يبحث في أصل الإنسان وتقاليده وعاداته وأديانه ورسومه وثقافته وأجناسه كشف عن وحدة البشر بفعل الانتشار الثقافي من جهة ووحدة العقل البشري الذي كان قد أشار إليه القرآن سلفا (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء).
إن علم اللغة الحديث يبحث في اللغة تحت نظرية العلامات وهو يقرر أن هدفها (وظيفي هو الاتصال وهو ضرورة ملازمة للإنسان) والاصطلاح لا يكون إلا في وسط الجماعة وامتياز البشر عن سائر المخلوقات باللغة أو القلم الذي هو سلاح العلم والمعرفة (يرفع الله اللذين آمنوا منكم واللذين أوتوا العلم درجات).
قد يقال أن للحيوان لغته ولكنها في الحقيقة ليست لغة بالمفهوم المنطوق بل هي إشارات لا ترقى إلى مستوى لغة البشر (وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون). والإنسان بما كرمه الله تعالى وجعله سيدا في الأرض ووهبه لغة التخاطب بمداليلها وحروفها وأصواتها ضف إلى ذلك العقل أداة التفكير والجسد أداة تنفيذ اللغة.
النظرية النونية هي عالمية لأن النظريات تقوم على فكر موحد والقاعدة التي ارتكزت عليها النظرية النونية هي الفكر الإسلامي العظيم ومنهج النظرية دلالته الوحدة والتوحيد في أصول الكلمات والأسماء وجذور المفردات والمقاطع النغمية المنحدرة عن أصل واحد (وعلم آدم الأسماء كلها) فشهادة القرآن أن الإنسان إلى مرجعية موحدة وإلى أصل واحد وإلى ثقافة أم تفرعت منها الثقافات الأخرى وإلى لغة واحدة هي لغة القرآن فهذه العبرية لها جذور من العربية وكل لغات العالم تتوحد في جذورها لكن الواهم الضيق الأفق لا ينظر إلى ظاهر العلامات لا يتعداها إلى المدلول والمعلوم وهو كتاب الله الحكيم الذي جمع فيه جذور الأديان والمعتقدات والمعارف والفنون والآداب."
وتناولت وحدة المصطلحات فى ظل النظرية النونية حيث قالت:
"وحدة المصطلحات في ضوء النظرية النونية :
إن تعدد الألسن واللغات حسب المناطق والظروف المكانية والزمانية وتباين التجارب الإنسانية كما أن لارتباط الأشخاص والاتصال فيما بينهم حدوث تلاقح فكري واستيراد وتوريد الثقافات يؤدي إلى التثاقف عند ذلك تتشكل اللغات وتتعدد الألسن وتنشق وتتشقق لكن الجوهر يبقى في البيان فالبحث عن اللغة يكون بواسطة اللغة والبحث عن البيان يكون بالبيان نفسه. ولو تتبعت مصطلح اللغة في القرآن الكريم تجده دلالة على اللسان (واجعل لي لسان صدق في الآخرين) (وهو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا يصدقني) (ألم نجعل له عينين ولسانا وشفتين) (واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي) وآيات أخر جميعها تتحد في دلالة واحدة هي البيان. كما أن للغة جانب من اللغو وهو خلاف البيان (والذين هم عن اللغو معرضون) وهي اللغة الفارغة من محتوى الدلالة كذلك نجد مادة اللغا الصوت أو لغو الطير وتعني أصواتها وتتشابه اللغة دلالة وصوتا مع سائر اللغات تدل على logie اللاتينية التي تدل على النظم وlogo وlanguage la langue منها المنطق.
ويمكن التفاهم مع جميع البشر وهذا ما يسعى إليه علم اللغة الحديث (ومن سوء الاصطلاحات وفهمها يحصل سوء الفهم والاختلاف) وهذا تفسير الفجوة الموجودة بين البشر سواء الذين ينتمون إلى ثقافة واحدة أو مخالفة.
إن القرآن الحكيم جمعت فيه جذور الأديان والعقائد والمعارف الإلهية وما دام الإله واحد والكتاب - القرآن - موحد والرسالات السابقة دعت إلى التوحيد أو إلى الكلمة الواحدة التي دعى إليها المولى تعالى (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله) من هنا تظهر وحدة الأديان ووحدة الجذور ووحدة المنشأ ووحدة المآل وقد بلغ الدين وحدته وكماله بالقرآن الحكيم والرسول العظيم.
ومن أجل إن نتعرف على وحدة اللغة من خلال القرآن الحكيم نؤسس لدلالات مصطلح (الدين) وما له من روابط وعلاقات ووحدة أصوات أساسها حرف الدال والنون.
فقولهم دان فلان يدين دينا استقرض وصار عليه دين فهو دائن ورجل مديون كثر ما عليه من الدين والدين الجزاء والمكافأة ويقال دانه أي جازاه. والشائع بيننا كما تدين تدان أي كما تجازي تجازى والدين في الأصل العبادة والعبودية لله الديان ودان له أي أطاعه. ونافلة القول إن دلالات الدين هي الخضوع والالتزام والعبادة والجزاء ونظير هذه المعاني جاءت في مختلف اللغات واللهجات فكلمة داد بالفارسية تعني القاضي ونجد بالفرنسية Dieu وبالإنجليزية Godوفي الإسبانية Dios وفي اليونانية Zeus بإبدال الدال بالزاي والدين Dette وGood الجواد وهذا ما يؤكد خلود كلمة دين وكل الكلمات التي مرت احتفظت بحرف الدال كصوت شائع مشترك بينها ومثلها كلمة ديوان الفارسية التي تدل على التسجيل والتدوين وجاء في سورة الفاتحة (مالك يوم الدين) وهو يوم المعاد حيث تعرض كل الأعمال.
والظاهر أن المصطلحات والاشتقاقات العربية لها دلالات مختلفة ومتعددة في ثقافات الشعوب ولغاتها وأغلبها يكون متشابها صوتا ودلالة وهذا لا يعني إلا شيئا واحدا هو أن اللغات كلها من أصل واحد ولأن البشر من أصل واحد وكون واحد واله واحد. "
والنظرية التى تطالب بها الكاتبة لن يوافق عليها سوى أهل المنطقة وأما بقية العالم فلن يستخدمها لأن هكذا هو حال البشر الاختلاف لاشباع الشهوات خاصة فيما يتعلق بثروات الشعوب
ولذا قال سبحانه فى عدم وحدة البشر :
"وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ"
فما تطالب به الكاتبة هو وهم لن يتحقق أبدا