مكان الجنة فى الدنيا والأخرة
من يقرأ القرآن دون تمحيص قد يجد نفسه يتهم القرآن بأنه ليس كلام الله وأنه متناقض فمثلا من يقرأ قوله سبحانه :
"وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ"
وقوله سبحانه :
"سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ"
سيقول مكان الجنة فى السموات والأرض ولكنه عندما يقرأ قوله سبحانه :
" عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى"
سيجد الجنة فى السموات
وعندما يقرأ ان الموعود وهو الجنة والنار فى السموات كما فى قوله سبحانه :
" وفى السماء رزقكم وما توعدون"
سيوقن أن الجنة فى السموات فقط
وهذا الظن هو عدم فهم للتالى :
أن الجنة والنار فى الدنيا مكانهما غير مكانهما فى الآخرة لأن الكون يتبدل فالسموات والأرض الحاليتين يتم تغيير وظائفهما وفى هذا قال سبحانه :
" يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48) وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ"
بالطبع فى الأخرة طبقا للآيات الأولى :
"وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ"
وقوله سبحانه :
"سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ"
الكون سيكون أكبر حجما من الكون الحالى لأن الجنة وحدها سيكون حجمها أو مساحتها هو مساحة السموات والأرض الحاليتين ومن ثم النار ستكون فى مكان أخر وهى أوسع لأن عدد من فيها أكثر لأن أكثر الناس كفار كما قال سبحانه :
" فأبى أكثر الناس إلا كفورا "
وقد بين الله أن كل كافر له مساحة تقدر بسبعين ذراع وهو بمقاييس العصر 35 متر حيث يربط فى عمود تمتد السلسلة منها 70 ذراعا وهى مسافة دائرية كما قال سبحانه :
"خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (32)"
ومن ثم فما نسميه الكون وهو السموات والأرض سيكون أكبر من الكون الحالى ولكن تحديد الكبر بضعف أو ضعفين أو أكثر والله أعلم بذلك
بالطبع البعض ظن الجنة والنار فى دنيانا فى السموات والأرض وهناك روايات كاذبة فيها أن الجنة والنار الدنيوية بعضها أو هى فى الأرض مثل :
" ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة"
وهناك رواية مضادة معارضة تقول أن الجنة تحت العرش فى السموات وهو :
"أنَّ أرواحَ المؤمنين طائرٌ يَسيحُ في الجنَّةِ وأرواحَ الشهداءِ في أجوافِ طيرٍ خُضرٍ تسرحُ في الجنَّةِ حيث شاءت ثم تأوي إلى قناديلَ معلَّقةٍ تحت العرشِ."
وفى حديث الإسراء نجد النبى(ص) التقى الرسل(ص) المتوفين فى السموات كما قال الترمذى :
"...والتقى النبي، في السماء الدنيا "السماء الأولى"، بآدم عليه السلام، فتبادلا السلام والتحيّة، ثم دعا آدم له بخيرٍ، وقد رآه النبي جالسًا وعن يمينه وشماله أرواح ذريّته، فإذا التفت عن يمينه ضحك، وإذا التفت عن شماله بكي، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم جبريل عن الذي رآه، فذكر له أنّ أولئك الذين كانوا عن يمينه هم أهل الجنّة من ذرّيّته فيسعد برؤيتهم، والذين عن شماله هم أهل النار فيحزن لرؤيتهم. ورأى النبي رجالًا لهم مشافر كمشافر الإبل، في أيديهم قطع من نار كالأفهار "حجر على مقدار ملء الكف" يقذفونها في أفواههم، فتخرج من أدبارهم، فقلت من هؤلاء يا جبريل؟ قال هؤلاء أكلت أموال اليتامى ظلمًا قال ثم رأيت رجالًا لهم بطون لم أر مثلهما قط بسبيل آل فرعون يمرون عليهم كالإبل المهيومة (العطاش) حين يعرضون على النار، قال: "قلت من هؤلاء يا جبريل؟ قال هؤلاء أكلة الربا ثم قال رأيت نساء معلقات بثديهن، فقلت من هؤلاء يا جبريل؟ قال هؤلاء اللاتي أدخلن على رجال من ليس من أولادهم". ثم صعد النبي صلى الله عليه وسلم، السماء الثانية والتقى بعيسى ويحيى عليهما السلام، فاستقبلاهُ أحسن استقبالٍ وقالًا: "مرحبًا بالأخ الصالح والنبيّ الصالح". وفي الثالثةِ رأى يوسُفَ، قال عليه الصلاةُ والسلامُ: "وكان يوسُفُ أُعْطِى شَطْرَ الحُسْنِ يعني نِصْفَ جَمَالِ البشَرِ الذي وُزِّعَ بينهم". وفي السماء الرابعة التقى بإدريس عليه السلام. وفي الخامسة رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجل كهل أبيض الرأس واللحية عظيم اللحية، لم أر كهلًا أجمل منه قال: "قلت من هذا يا جبريل؟ قال هذا المحبب في قومه هارون بن عمران فسلم عليه، فسلمت عليه فرد ثم قال: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح". وفي السادسة التقى النبي صلى الله عليه وسلم بموسى عليه السلام، وبعد السلام عليه بكى موسى فقيل له: "ما يبكيك؟"، فقال: "أبكي لأن غلامًا بُعث بعدي، يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتى". وفي السماء السابعة، التقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بخليل الرحمن إبراهيم عليه السلام، وكانَ أشْبَهَ الأنبياءِ بسيدنا محمد من حيث الخِلْقَةُ، حيث رآه مُسنِداً ظهره إلى البيت المعمور "كعبة أهل السماء" الذي يدخله كل يوم سبعون ألفًا من الملائكة لا يعودون إليه أبدًا،"
ولا يمكن الاعتماد على الروايات لكونها متعارضة لأن من قالها ليس النبى(ص) وإنما من افتروا عليه
يا ترى ما هى الأدلة على أن الجنة والنار الحاليتين فى السموات كما قال سبحانه :
" وفى السماء رزقكم وما توعدون "؟
الأدلة هى :
الأول :
أن من يستقبل الموتى فى الجنة عند الوفاة وهو تحدث فى الدنيا هم الملائكة وفى هذا قال سبحانه :
"لَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ"
أن من يستقبل الموتى فى النار عند الوفاة هم الملائكة
"الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ"
أين تعيش الملائكة فى دنيانا ؟
الجواب :
تعيش فى السموات كما فى قوله سبحانه :
" وكم من ملك فى السموات "
وقد بين الله أنها لا تنزل الأرض لعدم طمأنينتها فيها حيث تخاف مما يحدث فيها من أذى وإنما هى فى السماء ولذا كان الرسل للبشر من البشر وليس من الملائكة حيث قال :
" قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا"
إذا طالما الملائكة فى السموات تستقبل المتوفين فى الدنيا فالجنة والنار حاليا فى السموات
الثانى :
أن السدرة سميت فى القرآن :
سدرة المنتهى وهذا يعنى :
أنها أخر الكون وأخر الكون بالنسبة للأرض الأولى التى نعيش عليها هو السماء السابقة لأن بينها وبينه سبع طبقات بينما بينها وبين الطبقة السابعة من ألأرض ست طبقات
وفى هذا قال سبحانه :
"وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى"
الثالث :
ان الله رفع عيسى (ص) إلى السماء هو وأمه وفى هذا قال سبحانه :
"وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ"
وقال :
إ"ِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُون"
وقال فى ادخالهما الجنة :
"وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ"
فالربوة هى الجنة
الرابع رفع إدريس (ص)إلى مكان على والمكان العلى هو السماء كما قال سبحانه :
" والسموات العلى"
وفى إدريس (ص)قال سبحانه :
"وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (56) وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا"
ومما سبق يتبين :
أن الجنة والنار فى الدنيا هما فى السموات
أن الجنة والنار فى الأخرى مكانهما الكون المبدل وهو أوسع من الكون الحالى