بسم الله الرحمن الرحيم
يقول سيدي ابن عطاء الله : (ما تجده القلوب من الهموم والأحزان فلأجل ما منعت من وجود العيان)قلت (والشرح لابن عجيبة) : إنما كان سبب الهموم هو فقد الشهود لان الحق تعالى قريب على الدوام رقيب على الدوام فمن كان قريبا من الحبيب فكيف يحس بفراق شيء أو فواته ، نظر الحبيب يغيب عن كل بعيد وقريب وأيضا كل ما ينزل من عند الحبيب فهو حبيب فلا يلحقه شيء مكروه عنده حتى يهتم به ولا يفوته محبوب سوى محبوبه حتى يحزن عليه ففي محبوبه اجتمعت المحاسن كلها كما قال القائل:تذلل له تحظى برؤيا جماله***ففي وجه من تهوى الفرائض والنفل
وفي هذا المعنى أيضا قال صاحب العينية :تلذ لي الآلام إذ أنت مسقمي***وان تختبرني فهو عندي صنائع
وبالجملة من كان نظره إلى محبوبه ومشاهدا لنوره وجماله لم يبق له هم ولا غم كما قال ابن الفارض في شهود الخمرة :فما سكنت والهم يوما بموضع***كذلك لم يسكن مع النغم الغم
وقال أيضا:ولو خطرت يوما على خاطر امرئ***أقامت به الأفراح وارتحل الهم
ومما أوحى الله تعالى إلى داوود عليه السلام يا داوود لا تمزج هم غيري بقلبك فتنقص منه حلاوة الروحانيين .وبالجملة من كان عبدا لله غائبا عما سواه لم يبق له شيء من الهم لانه قد حصلت له المعية التي توجب النصر والظفر بكل ما يريد ألا ترى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : لأبي بكر : لا تحزن إن الله معنا حين أحدق به المشركين فكان عليه الصلاة والسلام في محل العيان فلم يهمه شيء ولم تقرب من ساحته الأحزان وكان أبو بكر في ذلك الوقت موقنا غير مشاهد ، فدله عليه السلام على مقام الكمال لان الشهود فوق الإيقان وأنشدوا :كبر العيان علي حتى أنه*** صار اليقين من العيان توهما
ومن جملة ما وقع من الاهتمام به لمن لم يكمل يقينه أمر الرزق وخوف الخلق حتى قال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه : من ضمنهما لي ضمنت له الولاية.