بسم الله الرحمن الرحيم
ويقول رضي الله عنه : ما حجبك عن الله وجود موجود معه إذ لاشيء معه ولكن حجبك عنه توهم موجود معه .
قلت(والكلام لابن عجيبة) : الحق ظاهر ونوره للبصائر باهر وإنما حجبه مقتضى اسمه الحكيم واسمه القاهر ، فما حجبك عن شهود الحق وجود شيء معه أإله مع الله تعالى الله عما يشركون ..ولكن حجبك عن شهوده توهم وجود موجود معه ولاشيء معه وكما كان ولاشيء بقي ولاشيء هو الأول والآخر والظاهر والباطن واحد في ذاته وفي صفاته وفي أفعاله فالفعل لا يصدر من غير صفة والصفة لا تفارق الموصوف فالفعل متحد والفاعل واحد والصفة متحدة والمتصف بها واحد . وللششتري رضي الله عنه :
صفاتي لا تخفى لمن نظر
وذاتي معلومة تلك الصور
فافن عن الإحساس تر عبر
وسبب توهم الغيرية عدم الفكرة وسبب عدم الفكرة حب العاجلة فهي الشاغلة للقلوب عن السير إلى حضرة علام الغيوب وحكمة حب الدنيا ظهور القهرية ، فمن قهريته تعالى أن احتجب بلا حجاب وغطى نور شمسه بلا سحاب ، وأيضا قوالب العبودية مظاهر أنوار الربوبية ووجود الحكمة ستر ظهور القدرة . وقال بعض العارفين : الحق تعالى منزه عن الاين والجهة والكيف والمادة والصورة ومع ذلك لا يخلومنه أين ولا مكان ولاكم ولا كيف ولا جسم ولا جوهر ولا عرض لأنه للطفه سار في كل شيء ولنوريته ظاهر في كل شيء ولإطلاقه وإحاطته متكيف بكل كيف غير متقيد بذلك ومن لم يذق هذا ولم يشهده فهو أعمى البصيرة محروم من مشاهدة الحق. ومن كلام ابن وفا رضي الله عنه:
هو الحق المحيط بكل شيء***هو الرحمن ذو العرش المجيد
هو النور المبين بغير شك***هو الرب المحجب عن العبيد
هو المشهود في الأشهاد يبدو***فيخفيه الشهود عن الشهيد
هو العين العيان لكل غيب***هو المقصود من بيت القصيد
جميع العالمين له ظلال ***سجود في القريب وفي البعيد
وهذا القدر في التحقيق كاف***فكف النفس عن طلب المزيد
وقال الشيخ القطب مولاي عبد السلام بن مشيش مخاطبا لوارثه الشيخ ابي الحسن الشاذلي رضي الله عنهما في وصية له وقد تقدمت : حدد بصر الإيمان تجد الله تعالى في كل شيء وعند كل شيء ومع كل شيء وقبل كل شيء وبعد كل شيء وفوق كل شيء وتحت كل شيء وقريبا من كل شيء ومحيطا بكل شيء بقرب هو وصفه وبحيطة هي نعته وعد عن الظرفية والحدود وعن الأماكن والجهات وعن الصحبة والقرب في المسافات وعن الدور بالمخلوقات وامحق الكل بوصفه الأول والآخر والظاهر والباطن وهو هو هو كان الله ولاشيء معه وهو الآن على ما عليه كان .
قال بعضهم ونبه بقوله وعد ..الخ على أن ما جرى في كلامه من الظروف ليست بزمانية ولا مكانية لأنها من جملة الأكوان وإنما هي أمور ذوقية فاعتقد كمال التنزيه وبطلان التشبيه وتمسك بقوله عز وجل ليس كمثله شيء وهو السميع البصير وسلم ذلك لأهله فإنهم على بصيرة فيما رمزوا اليه مما ذاقوه ووجدوه بل هو من محض الإيمان وخالص العرفان وهو حقيقة التوحيد وصفو الإيمان واما قوله وهو الان على ماعليه كان وان لم يرد في الحديث الصحيح فهو في نفسه صحيح اذ لا وجود في الحقيقة للأشياء معه تعالى وانما هي كالخيال ووجود الظلال فلا تنسخ أحديته ولا ترفع فردانيته وبالجملة فمن غلب عليه شهود الأحدية وكوشف بسر الوحدانية واستغرق في الحقيقة العيانية انقطع عن الشعور بنفسه وغاب عن السوى بالكلية وان رد الى الشعور به رأه قائما به وظاهرا فيه وبه وحكما من أحكامه . وقال في لطائف المنن وأشبه شيء بوجود الكائنات اذا نظرت اليها بعين البصيرة وجود الظلال والظل لا موجود باعتبار جميع مراتب الوجود ولا معدوم باعتبار جميع مراتب العدم واذا ثبتت ظلية للآثار لم تنسخ أحدية المؤثر لان الشيء انما يشفع بمثله ويضم الى شكله كذلك ايضا من شهد ظلية الآثار لم تعقه عن الله فان ظلال الأشجار في الأنهار لا تعوق السفن عن التسيار ومن هاهنا تبين لك ان الحجاب ليس أمرا وجوديا بينك وبين الله تعالى ولو كان بينك وبينه حجاب وجودي للزم أن يكون أقرب إليك منه ولا شيء اقرب من الله فرجعت حقيقة الحجاب وهم . ولما قرر أمر الوحدة ونفى وجود الغيرية استشعر سائلا يقول له وهذه المكونات الظاهرة فما تقول فيها مع ثبوت الوحدة فأجاب بأنها قائمة به ولولا ظهور نوره فيها ماظهرت..
وبالله التوفيق