almosly
عدد الرسائل : 293 تاريخ التسجيل : 19/08/2007
| موضوع: : لولا ظهوره في المكونات ماوقع عليها وجود ابصار لو ظهرت صفات الجمعة يناير 18, 2008 10:07 am | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
ويقول رضي الله عنه : لولا ظهوره في المكونات ماوقع عليها وجود ابصار لو ظهرت صفاته اضمحلت مكوناته قلت (والكلام لابن عجيبة) :كان الله ولاشيء معه ، فكانت الخمرة الازلية القديمة لطيفة خفية نورانية روحانية وليس هناك شكل ولا رسم ، متصفة بصفات المعاني والمعنوية، متسمية باسمائها القديمة ، منعوتة بنعوت الجلال والجمال ، فاقتضت الخمرة ظهور حسنها وجمالها واقتضت الصفات ظهور آثارها والاسماء ظهور مطالبها ، فقبضت الصفات من النور اللطيف قبضة نورانية لمقتضى اسمه الظاهر واسمه القادر فطلبها أيضا اسمه الباطن واسمه الحكيم ، فابطنها في حال ظهورها وغطاها في حال بروزها ، فكانت ظاهرة باطنة ثم تفرعت تلك القبضة على تفاريع كثيرة بعدد الصفات وتنوعت على اجناس كثيرة بتنوع الاسماء ، فالماء واحد والزهر ألوان وفي ذلك يقول صاحب العينية : وكل الورى طرا مظاهر طلعتي***مراء بها من حسن وجهي لامع ظهرت بأوصاف البرية كلها***أجل لي ذوات الكل نوري ساطع
فبحر الجبروت فياض الى عالم الملكوت ثم احتجب بالحكمة فصار ظاهره ظلمة وباطنه نورا، ظاهره حكمة وباطنه قدرة، ظاهره ملك وباطنه ملكوت ، والجميع جبروت ، فاذا تقرر هذا علمت ان الاكوان لاوجود لها من ذاتها فلولا ظهر الحق بها ماظهرت ولاوقع عليها ابصار الخلق ، كما قال القائل: من لاوجو د لذاته من ذاته***فوجوده لولاه عين محال
وقال آخر : فلم يبق الا الحق لم يبق كائن***فما ثم موصول وماثم بائن بذا جاء برهان العيان فما ارى***بعيني شيئا اذ أعاين
وظهوره تعالى بواسطة تجليات الاكوان فيه لطف كبير اذ لايمكن شهوده ومعرفته الا بواسطة هذه التجليات ولو ظهر بالاوصاف التي كان عليها في الازل بلا واسطة لتلاشت الكائنات واضمحلت ، وفي الحديث: حجابه النور لو كشف عنه لاحرقت سبحات وجهه كل شيء أدركه بصره. وهذا معنى قوله لو ظهرت صفاته اضمحلت مكوناته ، أي لو ظهرت نعوته الاصلية الازلية لاضمحلت المكونات الحديثة ، اذ الكائنات كلها تكثيف للاسرار اللطيفة التي هي نعوت الخمرة الازلية التي أشار إليها ابن الفارض في خمريته بقوله: صفاء ولا ماء ولطف ولا هوى***ونور ولا نار وروح ولاجسم تقدم كل الكائنات حديثها***قديم ولا شكل هناك ولا رسم
فلو ظهرت الاسرار اللطيفة لتلاشت الكائنات الكثيفة اذ لاظهور للكثيف اذا رجع لطيفا ، وما مثال الكون الا كثلجة ظاهرها جامد وباطنها مائع فاذا ذوبت الثلجة رجعت الى أصلها ماء ولم يبق للثلجة أثر ، فكذلك المكونات الحسية اذا ظهرت أسرارها اللطيفة التي قامت بها ذابت ذواتها الكثيفة وتلاشت ورجعت الى أصلها والى هذا المعنى أشار صاحب العينية بقوله:
وماالكون في التمثال إلا كثلجة***وأنت لها الماء الذي هو نابع
فما الثلج في تحقيقنا غير مائه***وغير أن في حكم دعته الشرائع
ولكن بذوب الماء يرفع حكمه***ويوضع حكم الماء والامر واقع
فمن وقف مع ظاهر الثلجة أنكر الماء الذي قي باطنها وكان جاهلا بحقيقتها ومن نفذ الى باطنها عرف اصلها وفرعها وكذلك الاكوان ظاهرها غرة لمن وقف مع كثافتها وباطنها عبرة لمن نفذ الى اصلها ، وقد مثلوا أيضا الكون بصورة جبريل حين كان يتصور بصورة دحية فمن رآه كثيفا قال دحية وأنكر أن يكون ملكا ومن عرف أصله لم ينكره ولم يقف مع ظاهره ، فاذا تلطف ورجع الى اصله ذهبت تلك الصورة واضمحلت ، فكذلك يكون الكون انما هو خيال فما دام موجودا في الحس رأى وظهر فاذا رجع الى أصله بظهور أسراره التي قام بها اضمحل ولم يبق له اثر وقد أشار الى هذا صاحب العينية أيضا بقوله : تجليت في التحقيق بكل صورة***ففي كل شيء من جمالي لوامع فما الكون في التمثال إلا كدحية***تصور روحي فيه شكل مخادع
ويسمون هذه الاسرار التي قامت بها الاكوان معاني ويسمون الاكوان أواني حاملة للمعاني ، فلو ظهرت المعاني لاضمحلت الاواني ومن وقف مع حس الاواني حجب عن اسرار المعاني وفي ذلك يقول الششتري رضي الله عنه : لاتنظر الى الاواني وخض بحر المعاني لعلك تراني
وقال ابن الفارض رضي الله عنه : ولطف الاواني في الحقيقة تابع ***للطف المعاني والمعاني بها تسمو
فالاواني كلها لطيفة في الحقيقة تابعة للطف المعاني لانها منها وانما تكثفت في حق أهل الحجاب الذين وقفوا مع ظواهر الاشياء واشتغلوا بخدمة الحس قلبا وقالبا فعظم عليهم الحس وقويت دائرة حسهم وغلظ الحجاب في حقهم فعبادتهم حسية وفكرتهم حسية وذلك لصحبتهم أهل الحس ولو صحبوا أهل المعاني لاشتغلوا بخدمة المعاني حتى تتلطف لهم الاواني . قال شيخ شيوخنا سيدي علي الجمل رضي الله عنه : سألت الشيخ يعني سيدي العربي ابن عبد الله : فقلت ياسيدي : كنت أظن أنه لايشفى غليل الانسان الا الحس يعني العبادة الحسية ولاظننت قط ان فعل المعاني يشفي الغليل ابدا والان وجدت نفسي بالعكس لايشفي غليلها الا المعاني ، فأجابني بأن قال : ياولدي لما كانت همتك مشورة للحسيات أمدك الله فيها فصرت لاتقنع الا بالحسيات والان انعكس الامر لما رافقت من اهل المعاني أثرت معرفتهم فيك بتشوير همتك لبلاد المعاني ولما انقلبت همتك عن بلاد الحس وشورت لبلاد المعاني أمدك الله فيها فصرت تقطع بالمعاني كما تقطع بالحسيات .
فكل من صحب أهل المعاني وانقلبت همته لبلاد المعاني حتى صارت عبادته باطنية معنوية تلطفت في حقه الاواني ولم ير الا المعاني، ومما من الله علي بصحبة أهل المعاني اني اذا نظرت الى الكون بعين بصيرتي من عرشه الى فرشه ذاب وتلاشى ولم يبق له أثر والله ذو الفضل العظيم.
تنبيه: سئل سيدي أحمد بن يوسف الملياني عن ذات الحق تعالى هل معنوية أوحسية ؟ فقال : هي حسية لاتدرك ، قال سيدي عبد الله الهبطي وهذا مما يدل على تحقيق معرفته ، قلت : ذات الحق تعالى موجودة لطيفة لاتدركها الابصار ولا تكيفها العقول متصفة بصفات المعاني والمعنوية ولو كانت صفة أو معنى كما يزعمه النصارى لم تتصف بصفات المعاني ولا المعنوية لان الصفة والمعنى لايقوم بنفسه ولا بد أن يقوم بغيره والصفة لاتتصف بصفة أخرى وأما قول بعض المتأخرين المعنى لايقبض إلا بالحس وقولهم أيضا لاتنظر الى الاواني وخض بحر المعاني وقولهم الاكوان حاملة للمعاني فاعلم أنه تقدم أنهم يطلقون على أسرار الذات وهي الخمرة الازلية معاني لخفائها ولطافتها ، فاشبهت المعاني من هذا الوجه فتحصل ان الحس لاقيام له الا بالمعنى وهي معاني أسرار الذات فصار قيام الاشياء كلها بالله ولاوجود لها معه وهو الذي اشار اليه ابن الفارض بقوله: وقامت بها الاشياء ثم لحكمة***بها احتجبت عن كل من لا له فهم
اي قامت الاشياء كلها بالذات العلية أي باسرارها اللطيفة الازلية وقولهم أيضا الذات عين الصفات والصفات عين الذات فاعلم انه لما كان لا ظهور للذات الا من انوار الصفات ولاقيام للصفات الا بالذات والصفات لاتفارق الموصوف صار كأن هذا عين هذا فنطقوا بتلك العبارة تحويشا للجمع وفرارا من الفرق وهو اصطلاح منهم سموا ما تكثف وظهر للحس صفات وما بطن من سر الربوبية ذاتا ومعنى والصفات لا تفارق الموصوف كما تقول في الثلجة ظاهرها ثلج وباطنها ماء فالثلج صفات والماء ذات الثلج حس والماء معنى للطافته وخفائه صار كأنه معنى ، قال ابن عباس رضي الله عنه : في تفسيرقوله تعالى : وسخر لكم مافي السموات ومافي الارض جميعا منه .قال في كل شيء اسم من اسمائه واسم كل شيء من اسمه فانما انت بين اسمائه وصفاته وأفعاله باطنا بقدرته ظاهرا بحكمته ظهر بصفاته وبطن بذاته حجب الذات بالصفات وحجب الصفات بالافعال وكشف العلم بالارادة واظهرالارادة بالحركات واخفى الصنع في الصنعة واظهر الصنعة بالذوات فهو باطن في غيبه وظاهر بحكمته وقدرته ليس كمثله شيء وهو السميع البصير . نقله شارح بداية السلوك هكذا عن ابن عباس رضي الله عنه ، فقوله حجب الذات بالصفات أي حجب اسرار الذات بانوار الصفات وهي اثرها ، وقوله وحجب الصفات بالافعال لان الافعال ظروف للصفات لانها اثر من آثارها ومظهرة لها ، وقوله وكشف العلم بالارادة أي اظهر قدرته في الاجرام وسائر الذوات والله تعالى اعلم ، وقول شيخ شيوخنا سيدي علي رضي الله عنه في كتابه في تفسير الذات والصفات ان كل ما هو جلال فهو ذات وكل ماهو جمال فهو صفات فانما ذلك على وجه التشبيه فان تجلى الصفات كله جمال لانه محل نزهة ارواح العارفين وبه يرتقي اهل الدليل الى معرفة رب العالمين وهو الذي شبهه الشيخ ابن مشيش بالرياض في قوله : فرياض الملكوت ...، وايضا هو الذي تمكن رؤيته وتحصل المعرفة به ، بخلاف تجلى الذات فانه جلال محض اذ لو ظهر ذرة من نوره الاصلي بلا واسطة لاحترق الكون من اصله ، وفي الحديث :حجابه النار وفي رواية النور لو كشف عنها لاحرقت سبحات وجهه كل شيء أدركه بصره فصار تجلى الصفات كله جمال وتجلى الذات كله جلال فأطلق وجه التشبيه ان كل مايشق على النفس فهو ذات لانه جلال كتجلي الذات وكل مايخف على النفس فهو صفات لانه جمال كتجلي الصفات والله تعالى اعلم ، وإنما أطلت الكلام في هذه المسألة لاني لم أر من تكلم عليها ولا من شفى فيها الغليل ، وكنت كثير البحث عنها فلم اجد من يشفيني فيها ، وهذا ماظهر لي فيها وما أنتجته فكرتي والله تعالى أعلم . وبالله التوفيق | |
|