بسم الله الرحمن الرحيم
ويقول رضي الله عنه : أباح لك أن تنظر في المكونات وما أذن لك أن تقف مع ذوات المكونات قل انظروا ماذا في السموات والأرض فبقوله انظروا ماذا في السموات لئلا يدلك على وجود الأجرام.
قلت (والكلام لابن عجيبة) : إنما ابرز الله هذه المكونات واظهر هذه العوالم ليعرف بها ويظهر فيها نوره فيها قال تعالى : وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين ما خلقناهما إلا بالحق . وقال تعالى: أفحسبتم أنا خلقناكم عبثا . قال في لطائف المنن فما نصبت الكائنات لتراها ولكن لترى فيها مولاها فمراد الحق منك أن تراها بعين من لا يراها ، تراها من حيث ظهوره فيها ولا تراها من حيث كونيتها . قال : ولنا في هذا المعنى :ما أثبت لك العوالم إلا***لتراها بعين من لايراها
فارق عنها رقي من ليس يرضى***حالة دون أن يرى مولاها
فأباح لك أيها الإنسان أن تنظر ماذا في السموات والأرض من النور اللطيف الذي قامت به الأشياء وما أباح لك ان تقف مع ذوات المكونات تقف مع القشر وتحجب عن اللب وقد تقدم قوله الأكوان ظاهرها غرة وباطنها عبرة فمن وقف مع ظاهرها كان محجوبا ومن نفذ الى باطنها كان عارفا محبوبا ولأجل هذا السر قال تعالى: قل انظروا ماذا في السموات ..أي مافيها من عظمته ومعاني اسرار ذاته وكمال قدرته وارادته وسائر صفاته فقد فتح لك باب الافهام (جمع فهم) أي فتح لك باب الفهم لتدخل بها من ظاهر القشر الى باطن اللب حتى تعرفه في كل شيء وتفهم عنه في كل شيء ولو قال الحق تعالى : قل انظروا السموات لدلك على الأجرام وسد لك باب الافهام وكيف يدلك على الأجرام وهي أغيار والاغيار مانعة من الدخول الى شهود الأنوار ومثال ذلك في التقريب ، لو قال لك قائل انظر الى هذه الثلجة لدلك على ظاهر جرمها ولو قال لك انظر مافي هذه الثلجة لفتح لك باب الفهم الى نظر مافي باطنها من الماء دون الوقوف مع ظاهر جرمها ، واعلم أن الحق سبحانه ندب عباده الى معرفة ذاته ودرجهم إليها شيئا فشيئا فمنهم من قصر ومنهم من وصل فدرجهم أولا إلى توحيد الأفعال وانه لا فاعل سواه فقال تعالى : وربك يخلق ما يشاء ويختار ان ربك فعال لما يريد والله خلقكم وما تعملون ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد . وقال في فعل غير الآدمي مامن دابة الا هو آخذ بناصيتها . وفي شأن الطير : ما يمسكهن إلا الرحمن . وقال تعالى : ومامن دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه الا أمم أمثالكم . أي في قهر قبضتنا مقدرة آجالها مقسومة أرزاقها معدودة أنفاسها محفوظة أجسامها معلومة أماكنها ظاهرة أشباحها باطنة أنوارها . وقال في توحيد الصفات وأنه لاسميع ولا بصير ولا قدير ولا متكلم إلا الله : انه هو السميع البصير .أي دون غيره فلا سمع ولا بصر إلا به سبحانه وقال تعالى انه هو الحكيم العليم . وقال تعالى : وماتشاؤون إلا أن يشاء الله الى غير ذلك من الآيات . وقال تعالى في توحيد الذات : وهو الله في السموات وفي الأرض ، الله نور السموات والأرض . على تفسير أهل الإشارة وهم أهل الباطن وقال فأينما تولوا فثم وجه الله . وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس ... إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ..وقال في محو الواسطة : فإذا قرأناه فاتبع قرانه ...أنا صببنا الماء صبا ثم شققنا الأرض شقا أي بالحرث شقا ، ويحتمل أن تكون منها أو من توحيد الأفعال ، ومارميت إذ رميت ولكن الله رمى ، ولكن الله ألف بينهم ..وقد يجمع الحق تعالى في آية واحدة توحيد الصفات ويرقي إلى توحيد الذات كقوله تعالى : سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسه حتى يتبين لهم أنه الحق ، ثم رقاهم إلى الشهود بقوله : أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد ، ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم ، ألا انه بكل شيء محيط ، وقال تعالى: إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير ، ثم رقاهم من الغيب إلى الشهادة بقوله واسروا قولكم أو اجهروا به انه عليم بذات الصدور ، ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ، فتحصل أن الأشياء كلها قائمة بالله أثبتها ليعرف بها ثم محاها بوحدانيته.