بسم الله الرحمن الرحيم
ويقول رضي الله عنه : حظ النفس في المعصية ظاهر جلي وحظها في الطاعة باطن خفي ومداواة ما خفي صعب علاجه.
قلت (والكلام لابن عجيبة) :
حظ النفس في المعصية هي المتعة البشرية الظاهرة كلذة الأكل والشرب والنكاح وسماع اللهو وغير ذلك مما هو أذواق الحس التي هي محرمة ، وحظها في الطاعة هي طلب الكرامات وخوارق العادات والإطلاع على المغيبات وكحب الخصوصية والمنزلة عند الناس ، ومداواة هذا المرض الخفي أصعب من مداواة الأول الجلي ، فكذلك المعنوي الباطني ما كان جليا متعلقا بالنفس أصعب مما كان خفيا متعلقا بالروح ، فالأول يمكن دواؤه بالعزلة والفرار من مواطن الأشرار وبصحبة الأخيار وبكثرة الطاعة والأذكار، بخلاف الثاني فلا تزيده الطاعة إلا كثرة وقوة إذ بها صارت تطلب حظها ، فلا يداويها من هذا إلا خوف مزعج أو شوق مقلق أو ولي عارف محقق يصحبه بالمحبة والتصديق . قال بعضهم : من عسرت عليه نفسه فليسلمها إلى شيخ التربية ، قال تعالى : وان تعاسرتم فسترضع له أخرى ...وان عسرت عليكم أنفسكم فسترضع له نفسه نفس أخرى حتى يكمل فطامها فان لم يكن واحد من هذه مات وهو سقيم ولم يلق الله بقلب سليم، فالواجب على العبد اتهام نفسه ومراقبة قلبه فإذا استحلت النفس شيئا من الطاعات والفته أخرجها إلى غيرها ولو كانت مفضولة في ظاهر أمرها وسيأتي للشيخ : إذا التبس عليك أمران فانظر أثقلهما على النفس فانه لا يثقل عليها الا ما كان حقا ، قال أبو محمد المرتعش حججت كذا وكذا حجة عن التجريد فبان لي ان جميع ذلك كان مشوبا وذلك ان والدتي سألتني يوما ان اسقي لها جرة ماء فثقل ذلك علي فعلمت ان مطاوعة نفسي في الحج كانت لحظ وشوب اذ لو كانت نفسي فانية لم يصعب عليها ما هو حق في الشرع ، وقال الشيخ احمد بن أرقم رضي الله عنه حدثتني نفسي بالخروج الى الغزو فقلت سبحان الله ان الله تعالى يقول : ان النفس لأمارة بالسوء وهذه تأمرني بالخير لا يكون هذا أبدا ولكنها استوحشت تريد لقاء الناس فتستروح إليهم ويتسامع الناس بها فيستقبلونها بالتعظيم فقلت لها لا اسلك العمران ولا انزل على معرفة فأجابت فأسأت ظني بها وقلت الله أصدق قولا فقلت لها أقاتل العدو حاسرا بالرأس من غير وقاية فتكوني أول قتيل فأجابت ثم عد أشياء كلها أجابت لها فقلت يا رب نبهني بها فاني لها متهم ولقولك مصدق فألهمت كأنها تقول : انك تقتلني كل يوم مرات بمخالفتك إياي ومنع شهواتي ولا يشعر بي احد فان قاتلت وقتلت كانت قتلة واحدة فنجوت منك ويتسامع الناس فيقولوا استشهد احمد فيكون شرفا وذكرا في الناس لي فقعدت ولم أخرج ذلك العام .
وقال الجنيد رضي الله عنه : ضاقت علي نفسي ليلة حتى لم أطق الصبر فخرجت ذاهبا على وجهي فانتهيت الى رجل مطروح في المقابر مغطى الرأس فلما أحس بي قال : أبو القاسم قلت نعم ، قال : متى يصير داء النفس دواءها فقلت إذا خالفت هواها داءها دواءها ، فقال لنفسه اسمعي فقد أجبتك بهذا مرارا وأنت تقولي لي حتى أسمع ذلك من الجنيد ..،قال الجنيد : فانصرفت وما عرفته .