بسم الله الرحمن الرحيم
ويقول رضي الله عنه :
ربما فتح لك باب الطاعة وما فتح لك باب القبول .قلت والكلام لابن عجيبة:لا عبرة بالطاعة إذا لم يصحبها قبول كما لا عبرة بالسؤال حيث لم يحصل به مأمول إذ الطاعة إنما هي وسيلة لمحبة المطاع وإقباله على المطيع بحيث يفتح في وجهه الباب ويرفع عن قلبه وجود الحجاب ويجلسه على بساط الأحباب فإذا فتح لك باب العمل وبلغت في تحصيله غاية الأمل غير أنك لم تجد له ثمرة ولم تذق له حلاوة من الأنس بالله والوحشة مما سواه ومن الغنى به والانحياش إليه والاكتفاء بعلمه والقناعة بقسمته فلا تغتر بذلك أيها المريد فربما فتح باب طاعته وأنهضك إلى خدمته ولم يفتح لك باب القبول ومنعك بها من الوصول حيث اعتمدت عليها وركنت إليها وأنست بها وشغلتك حلاوتها عن الترقي إلى حلاوة شهود المنعم ولذلك قال بعضهم احذروا حلاوة الطاعات فإنها سموم قاتلة لأنها تقبض صاحبها في مقام الخدمة ويحرم من مقام المحبة ، وفرق كبير من شغله بخدمته وبين من اصطفاه لمحبته واجتباه لحضرته فإجراء الذنب على العبد أحسن من مثل هذه الطاعة التي تكون سبب الحجاب كما نبه عليه بقوله :
(وقضى عليك الذنب فكان سببا في الوصول ): وذلك أن العبد إذا كان سائرا لمولاه قاصدا لوصول حضرة حبيبه ورضاه قد يحصل له كلل أو يصيبه ملل أو يركبه كسل فسلط الحق عليه ذنبا أو تغلبه نفسه فيسقط فإذا قام من سقطته جد في سيره ونهض من غفلته ونشط من كسله فلا يزال جادا في طلب مولاه غائبا عما سواه حتى يدخل حضرته ويشاهد طلعته وهي الحضرة التي هي تجليات الحق وأسرار ذاته ومثال ذلك رجل مسافر أصابه في الطريق نوم أو كسل فيسقط فيضربه حجر فإذا قام ذهب كسله وجد في سيره ، وفي الحديث : رب ذنب أدخل صاحبه الجنة . قالوا وكيف ذلك يا رسول الله ؟ قال : لا يزال تائبا فارا منه خائفا من ربه حتى يموت فيدخل الجنة أو كما قال عليه الصلاة والسلام ، وفي حديث آخر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم وجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم ، وقال صلى الله عليه وسلم في شأن الطاعة التي لم تقبل: رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع وقائم ليس له من قيامه إلا السهر.
فمثل هذه الطاعة المعصية التي يصحبها الانكسار أفضل منها بكثير.
وبالله التوفيق