بسم الله الرحمن الرحيم
ويقول رضي الله عنه : من عرف الحق شهده في كل شيء ومن فني به غاب عن كل شيء ومن أحبه لم يؤثر عليه شيئا".
قلت (والكلام لابن عجيبة) :
معرفة الحق هي شهود ربوبيته في مظاهر عبوديته أو تقول هي الغيبة عن الغيرية بشهود الأحدية أو تقول هي الترقي من شهود عالم الأشباح إلى شهود عالم الأرواح فيكون جسمك مع الأشباح وروحك مع الأرواح ، قال في المباحث:
واستشعروا شيئا سوى الأبدان***يدعونه بالعالم الروحاني
ثم أقام العالم المعقول***معارف تلغز بالمنقول
والفناء هو أن تبدوا لك العظمة فتنسيك كل شيء وتغيبك عن كل شيء سوى الواحد الذي ليس كمثله شيء وليس معه شيء ، أو تقول هو شهود حق بلا خلق كما ان البقاء هو شهود خلق بحق والمحبة أخذ الحق قلب من أحب من عباده فلا يكون له عن نفسه أخبار ولا مع غير محبوبه قرار، وقيل غير ذلك .فمن عرف الحق شهده في كل شيء ولم ير معه شيئا لنفوذ بصيرته من شهود عالم الأشباح إلى شهود عالم الأرواح ومن شهود عالم الملك إلى شهود فضاء الملكوت ومن فني به وانجذب إلى حضرته غاب في شهود نوره عن كل شيء ولم يثبت مع الله شيئا، والفرق بين الفاني والعارف : أن العارف يثبت الأشياء بالله والفاني لا يثبت شيئا سوى الله ،العارف يقر القدرة و الحكمة والفاني لا يرى إلا القدرة العارف يرى الحق في الخلق كقول بعضهم ما رأيت شيئا إلا رأيت الله فيه والفاني لا يرى إلا الحق يقول ما رأيت شيئا الا رأيت الله قبله ، العارف في مقام البقاء والفاني مجذوب في مقام الفناء ، الفاني سائر والعارف متمكن واصل ومن أحب الله لم يؤثر عليه شيئا من حظوظه وهوى نفسه ولو كان فيه حتف انفه كما قال القائل:
قالت وقد سألت عن حال عاشقها***بالله صفه ولا تنقص ولا تزد
فقلت لو كان رهن الموت من ظمأ***وقلت قف عن ورود الماء لم يرد
والكلام في المحبة طويل ذكر الشيخ في لطائف المنن منه جملة صالحة وكلام الشيخ رضي الله عنه من باب التدلي فالمعرفة أعلى المقامات وقبلها الفناء وقيل للفناء المحبة أي أولها ، فأول ما يقذف الله في قلب عبده الذي يريد أن يصطفيه لحضرته ويعرفه به محبته فلا يزال يلهج بذكره ويتعب جوارحه بخدمته ويتعطش إلى معرفته فلم يزل يتقرب إليه بالنوافل حتى يحبه الحق فإذا أحبه أفناه عن نفسه وغيبه عن حسه فكان سمعه وبصره ويده وجملته ثم رده إليه وأبقاه به فعرفه في كل شيء ورآه قائما بكل شيء ظاهرا في كل شيء والله تعالى اعلم ، ولهذا الذي ذكره الشيخ علامات تدل على تحقيق تلك المقامات فمن وجدها في نفسه كانت دعواه لتلك المقامات أو بعضها صحيحة ومن لم يجدها في نفسه كانت دعواه لها كاذبة وفضيحة فليعرف قدره ولا يتعد طوره وبالله التوفيق.