]
فمن شروط الإيمانِ الإيمانُ بكتاب الله، يعني بما جاء في كتاب الله، و من هنا يكون من الإيمانِ الإيمانُ أن الله ما فرط في الكتاب من شيء، و هذا يعني أن كل شيء و أي شيء صغيره و كبيره ظاهره و باطنه في الدين كان أو في الدنيا أو في السماء أو الأرض ما علمه العالمون و جهله الجاهلون إلا و حكمه و سره و أصله في كتاب الله تعالى الذي لا ياتيه الباطل..
و عليه فإذا تبين أن الباحث، لا أقول التبس عليه الأمر في عقيدة أو في حكم أيا كان هذا الحكم في أمور الدين أو الدنيا، يعني حتى في سائر العلوم ما عرف منها البشر و ما لم يعلمه، موجود في كتاب الله حكما و علما، و إذا لم نتوفق في استنباطه و معرفة الحكم فيه من كتاب الله فالعلة فينا بالجهل عن كتاب الله و ليست في كتاب الله الذي لا ياتيه الباطل..
سبق ذكر الكون و نظامه و الإنسان و تقويمه، فالحق جل في علاه خلق الكون و خلق له نظاما و تلك زوجية الاستمرار و الله هو الممد و هو الواحد القهار،
فمادة الكون التي هي الشجر و الحجر و الجبال و السماوات و الأرضين ليس لها انفكاك من نظام الكون الذي هو ملخص في الخير و الشر، و الذي هو متوقف على سلوك الثقلين المكلفين الجن و الإنس، فإذا كانت مادة الكون ترمز إلى الحقيقة فسلوك المكلفين يرمز إلى الشريعة،
و إذا كانت مادة الكون أصل في الحقيقة فالسلوك القويم محافظ على هذه الحقيقة، و هذا رأس الحكمة.. و هذا المقصود بالخلافة..
فكل خلاف حصل أو هو الآن حاصل فحكمه الفاصل الشافي في كتاب الله و في سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم قال تعالى:
" يَـأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَـزَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً " ..
فأي نزاع أو تنازع حصل بين المؤمنين في الخلاف أو في ذواتهم و أنفسهم في الفكرة و النظرة و الرأي يجب رده إلى الله و الرسول، فإن مجرد ردّه فقط يحصل منه التوافق و التطابق و الرضا، و لكن قبل الرد يشترط ما هو لا بد منه و هو ما سبق من الآية..
و هي طاعة الله و الرسول و أولي الأمر، فطاعة الله متوقفة على تطبيق ما ورد في كتاب الله، و طاعة رسول الله متوقفة على اتباع سنته الطاهرة الشريفة التي تبين ما ورد في كتاب الله،
و طاعة أولي الأمر و هم العلماء العاملون و الأولياء الصالحون الذين يتوفرون وحدهم على آلية تطبيق السنة المحمدية الشريفة كما وردت عنه صلى الله عليه و سلم و كما تعلمها من رب العزة تعظم جاهه و تعزز سلطانه..
فإذا أردنا أن نتطرق إلى بعض الجوانب من هذه الآية الجليلة فقط، نجد أن الإيمان الحقيقي مشروط فيه طاعة الله و الرسول و أولي الأمر، فلا يكمل إيمان إلا بطاعة حقيقية لما ورد في هذه السلسلة النورانية..كتاب الله،
فإن لم نجد وجدانا للبحث و طاقة نورانية للاستنباط و لا يمكن أن توجد أكثر مما وجدت عند الحبيب المحبوب سيدنا محمد، إذن فسنة رسول الله صلى الله عليه و سلم،
فإن لم نجد آليات إيمانية و رسوخا ربانيا في فهم السنة الشريفة يلزم رد الأمور إلى أولي العلم الذين هم أولوا الأمر، و جاء في هذه الآية الجليلة من الأسرار ما يجب الوقوف عنده في وصف أولي العلم أو العلماء العاملين أو الوارثين لسنة رسول الله صلى الله عليه و سلم..
قال تعالى: " فَإِن تَنَـزَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ" و لم يأت هنا ذكر(أولوا الأمر و لا أولوا العلم)، لأن علمهم بالله و أمرهم في السكون و الرضوخ في سنة رسول الله..
و من هنا تبين تشخيص زائد لأولي العلم و أولي الفهم و أولي الأمر و العلماء العاملين و الأئمة المتقين و الأولياء و الصالحين، أنهم لا فتوى لهم إلا ما أمر به الله، و لا نهج لهم إلا نهج رسول الله، و لا رأي لهم إلا اتباع نور رسول الله، و هذا له ضوابط و قواعد و مؤهلات، فليس كل من طَلب نال، و لكن كل من طُلب كان مؤهلا للنوال..
فإذا وجدنا من الخوارج في فجر الإسلام من يصوم يومه و يقوم ليله و يبقر بطن امرأة مؤمنة و يخرج الجنين من بطنها و يتخطاها مبتهلا إلى الله قائلا: و عجلت إليك ربي لترضى...
و يخرج عن أمير المؤمنين و خليفة رسول رب العالمين و يتحرى الحلال و الحرام في ثمرة بعيدة عن نخلة في الطريق، فخلف من بعدهم خلف، ثم من بعدهم خلف، ثم من بعدهم خلف..
كلهم بالخوارج ملحقون و بالجهالة منعتون.. كفروا المسلمين و استباحوا دماء الأولياء و الصالحين.. الحليم من علماء الأمة من كان يقف أمامهم صامتا مداهنا..
إلا من أخذ الله بيده و كان على نور من ربه و على سنة نبيه و حبيبه.. حتى خرج منهم خلف ألحقهم بما هم أهله، كفر نهجهم و سفه أحلامهم و هدد سلطانهم، بعد ذلك فقط قاموا..
خوفا على ملكهم لا دفاعا عن دين ربهم و سنة نبيهم.. قاموا و معهم من البطانة الخاصة من قاموا.. و لم يكونوا من قبل قد قاموا...
.
الأعمى حقا من لا يدرك الخراب الذي آلت إليه الأمة من جراء الجهل بمقاييس النيابة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم في الإفتاء و الدعوة... .
تتبع المقدمة بعون الله [/