من عابدات المدينة
مليكة بنت المنكدر .. ( دعوني ابادر طي صحيفتي )
قال مالك بن دينار بينا أنا أطوف بالبيت إذا أنا بإمرأة جهيرة في الحجر وهي تقول :
"أتيتك من شقة بعيدة مؤملة لمعروفك فأنلني معروفا من معروفك تغنيني به عن معروف من سواك يامعروفا بالمعروف " .
فعرّفت أيوب السختياني فسألنا عن منزلها وقصدناها وسلمنا عليها .
فقال لها أيوب : قولي خيرا يرحمك الله .
قالت : وما أقول أشكو إلى الله قلبي وهواي فقد أضرا بي وشغلاني عن عبادة ربي قوما فإني أبادر طي صحيفتي .
قال أيوب فما حدثت نفسي بإمرأة قبلها فقلت لها لو تزوجت رجلا كان يعينك على ما أنت عليه .
قالت : لو كان مالك بن دينار أو أيوب السختياني ما أردته .
فقلت : أنا مالك ابن دينار وهذا أيوب السختياني .
فقالت: ويحي لقد ظننت أنه يشغلكما ذكر الله عن محادثة النساء وأقبلت على صلاتها فسألنا عنها فقالوا هذه مليكة بنت المنكدر ... رحمها الله .
:::::::::::::::
فاطمة بنت محمد بن المنكدر :
(وخلوتي بك أيها المحبوب أن تعتقني من النار )
عن إبراهيم بن مسلم القرشي قال : كانت فاطمة بنت محمد بن المنكدر تكون نهارها صائمة فإذا جنها الليل تنادي بصوت حزين هدأ الليل واختلط الظلام وأوى كل حبيب إلى حبيبه وخلوتي بك أيها المحبوب أن تعتقني من النار ... رحمها الله .
:::::::::::::::
من عابدات مكة
حكيمة المخزومية
عن سلمة بن خالد المخزومي قال :كان ها هنا امرأة من بني مخزوم مجاورة ( يعني للكعبة )وكان يقال لها حكيمة .
وكانت إذا نظرت إلى باب الكعبة قد فتح صرخت كما تصرخ الثكلى فلا تزال تصرخ حتى يغمى عليها وكانت لا تكاد تفارق المسجد إلا للأمر الذي لا بد منه قال ففتحت الكعبة يوما وهي في بعض حاجتها فلما جاءت قالت لها أمرأة كانت تجالسها حكيمة فتح اليوم بيت ربك فلو رأيت الطائفين يطوفون بالبيت والباب مفتوح وهم ينتظرون الرحمة من مليكهم لقد قرت عينك قال فصرخت حكيمة صرخة ثم لم تزل تضطرب حتى ماتت .. رحمها الله
:::::::::::::::
نقيش بنت سالم
(اجعل قراي عتق رقبتي وأقرر عيني برضاك )
عن أبي المورق قال حدثني من سمع نقيش بنت سالم بمكة وهي تقول يا سيد الأنام رحلت بي الشقة وهذا مقام العائذ بعفوك من سخطك وبرحمتك من غضبك يا حبيب الأوابين يا من لا يكديه الإعطاء يا ذا المن والآلاء زدني بالثقة منك وصلة واجعل قراي عتق رقبتي وأقرر عيني برضاك قال : ورأيتها بالموقف وهي تقول بهظتني الآثام يا سيد الأنام كحلت عيني بملمول الحزن فوعزتك لانعمت بضحك أبدا حتى أعلم أين قراري وإلى أين تصير داري . . رحمها الله.
:::::::::::::::
عائشة المكية:
(لا تجالسه إلا بأدب فيمحوا أسمك من ديوان القرب )
عن أبي عبيد القاسم بن سلام قال : دخلت مكة وكنت ربما أقعد بحذاء الكعبة وربما كنت أستلقي وأمد رجلي فجاءتني عائشة المكية وكانت من العابدات ممن صحب الفضيل بن عياض .
فقالت لي : يا عبد الله يقال إنك عالم أقبل مني كلمة :
لا تجالسه إلا بأدب فيمحوا أسمك من ديوان القرب .. رحمها الله .
:::::::::::::::
إبنة أبي الحسن المكي :
(لا آكل شيئا ليس هو من كسبي ولا كسب أبي )
عن عبد الله بن أحمد بن بكر قال كان لأبي الحسن المكي إبنة مقيمة بمكة أشد ورعا منه وكانت لا تقتات إلا ثلاثين درهما ينفذها إليها أبوها في كل سنة مما يستفضله من ثمن الخوص الذي يصنعه ويبيعه .
ثم جئت أودعه للحج وأستعرض حاجته وأسأله أن يدعو لي فسلم إلي قرطاسا وقال تسأل بمكة عن الموضع الفلاني عن فلانة وتسلم هذا إليها فعلمت أنها ابنته .
فأخذت القرطاس وجئت فسألت عنها فوجدتها بالعبادة والزهد أشد اشتهارا من أن تخفى فتتبعت نفسي أن يصل إليها شيء من مالي يكون لي ثوابه وعلمت أنني إن دفعت إليها ذاك لم تأخذه ففتحت القرطاس وجعلت الثلاثين خمسين درهما ورددته كما كان وسلمته إليها .
فقالت : أي شيء خبر أبي .
فقلت : سلامة .
فقالت : قد خالط أهل الدنيا وترك الانقطاع إلى الله تعالى .
ثم قالت : أسألك بالله وبمن حججت إليه عن شيء فتصدقني .
فقلت : نعم .
فقالت : خلطت بهذه الدراهم شيئا من عندك .
فقلت : نعم فمن أين علمت بهذا .
قالت : ما كان أبي يزيدني على الثلاثين شيئا لأن حاله لا يحتمل أكثر منها إلا أن يكون ترك العادة فلو أخبرتني بذلك ما أخذت منه أيضا شيئا
ثم قالت لي : خذ الجميع فقد عققتني من حيث قدرت أنك تبرني .
فقلت : ولم .
قالت : لا آكل شيئا ليس هو من كسبي ولا كسب أبي ولا آخذ من مال لا أعرف كيف هو شيئا .
فقلت : خذي منها الثلاثين كما أنفذ إليك أبوك وردي الباقي .
فقالت : لو عرفتها بعينها من جملة الدراهم لأخذتها ولكن قد اختلطت بما لا أعرف جهته فلا آخذ منها شيئا وأنا الآن أقتات إلى الموسم الآخر من المزابل لأن هذه كانت قوتي تلك السنة فقد أجعتني ولولا أنك ما قصدت أذاي لدعوت عليك .
قال : فاغتممت وعدت إلى البصرة وجئت إلى أبي الحسن فأخبرته واعتذرت إليه .
فقال : لا آخذها وقد اختلطت بغير مالي وقد عققتني وإياها .
فقلت : فما أعمل بالدراهم .
قال : لا أدري فما زلت مدة أعتذر إليه وأسأله ما أعمل بالدراهم .
فقال لي بعد مدة : تصدق بها ففعلت . رحمه الله ورحمنا جميعا .
:::::::::::::::
من كتاب صفوة الصفوة ابن الجوزي
:::::::::::::::
فريده