بيان حقيقة النية
أعلم أن النية والإرادة والقصد عبارات على متوارده معنى واحد
وهو حالة وصفة للقلب
يكتنفها أمران علم وعمل
العلم يقدمه لأنه أصله وشرطه والعمل يتبعه لأنه ثمرته وفرعه
وذلك لأن كل عمل أعنى كل حركة وسكون اختيارى
فإنه لا يتم إلا بثلاثة أمور علم وإرادة وقدرة
لأنه لا يريد الإنسان مالا يعلمه
فلابد وأن يعلم ولا يعمل ما لم يرد
فلا بد من إرادة
ومعنى الإرادة انبعاث القلب إلى ما يراه موافقا للغرض
إما في الحال أو فى المآل
فقد خلق الإنسان بحيث يوافقه بعض الأمور ويلائم غرضه
ويخالفه بعض الأمور
فيحتاج إلى جلب الملائم الموافق إلى نفسه
ودفع الضار المنافى عن نفسه
فافتقر بالضرورة إلى معرفة وإدراك للشىء المضر والنافع
حتى يجلب هذا ويهرب من هذا
فإن من لا يبصر الغذاء ولا يعرفه لا يمكنه أن بتناول
ومن لا يبصر النار لا يمكنه الهرب منها
فخلق الله الهداية والمعرفة وجعل لها أسبابا
وهى الحواس الظاهرة والباطنة وليس ذلك من غرضنا
ثم لو أبصر الغذاء وعرف انه موافق له فلا يكفيه ذلك للتناول
ما لم يكن فيه ميل إليه ورغبة فيه وشهوة له باعثة عليه
إذا المريض يرى الغذاء ويعلم أنه موافق ولا يمكنه التناول لعدم الرغبة والميل ولفقد الداعية المحركة إليه
فخلق الله تعالى له الميل والرغبة والإرادة وأعنى به نزوعا في نفسه إليه وتوجها في قلبه إليه
ثم ذلك لايكفيه فكم من مشاهد طعاما راغب فيه مريد تناوله عاجز عنه لكونه زمنا فخلقت له القدرة والأعضاء المتحركة حتى يتم به التناول
والعضو لا يتحرك إلا بالقدرة والقدرة تنتظر الداعية الباعثة والداعية تنتظر العلم والمعرفة أو الظن والاعتقاد
وهو أن يقوى في نفسه كون الشىء موافقا له فإذا جزمت المعرفة بأن الشىء موافق ولا بد وأن يفعل
وسمت عن معارضة باعث آخر صارف عنه انبعثت الإرادة وتحقق الميل
فإذا انبعثت الإرادة انتهضت القدرة لتحريك الأعضاء