بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله كل يوم هو في شأن والصلاة والسلام على عظيم الشأن وآله وصحبه..
سلام الله على أحباب الله ورسوله كيفما كان وقتهم وبعد...
لي أخ في الله ضاقت ذات يده وإن كانت أحواله تستدعي الغنى ظاهراً إلا أن حاله الفقر، فدارت بيننا محادثة ونصحته فيها بمفاتيح الغنى كالاستغفار وتلاوة سورة يس والواقعة، وأدعية من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، فأخبرني بأنه يلازم ذلك ولكنه يشعر أن حكم الوقت هو الفقر، وطلب مني البحث في هذه المسألة: "حكم الوقت" وهو ما انتهى بهذا البحث المختصر بصورة محاورة بين ثلاثة سنسميهم:
o فقير الوقت
o وطالب الحق
o وصاحب العرفان
قال فقير الوقت: يا طالب الحق، إني أسعى على وسعي إلى التحقق بالأسباب التي تؤدي إلى الغنى ولا أرى تغيراً في حالي.
قال طالب الحق: يا فقير الوقت، قال إمامنا أبو الحسن الشاذلي: (لكل قومٍ أسباب. وأسبابنا التقوى) وقال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) [الطلاق/2، 3] فنصيحتي لك بالإتجاه إلى الأسباب الشرعية للغنى فإن للغنى مفاتيحاً شرعها الله ورسوله، ومنها لزوم الاستغفار، ألا ترى إلى قول الله تعالى:
(وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) [هود/3].
وقال على لسان نبيه هود عليه السلام:
(وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِين) [هود/52]
وقال على لسان سيدنا نوح عليه السلام:
(فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12)) [نوح/10-13]
وكيف أن الاستغفار والتوبة ترتب عليها الإمتاع متاعاً حسناً وارسال السماء مدرارا والإمداد بالأموال والبنين.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : قال رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : (( مَنْ لَزِمَ الاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجاً ، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجاً ، وَرَزَقهُ مِنْ حَيثُ لاَ يَحْتَسِبُ )) . رواه أبو داود
قال فقير الوقت: يا طالب الحق: إني للاستغفار ملازماً ولا أجد لحالي مخرجاً، حتى غلب على ظني أن هذا الفقر الذي أعانيه هو مقتدى حكم وقتي.
ألا ترى إلى قول سيدي ابن عطاء الله في حكمه: (ما ترك من الجهل شيئا – من أراد أن يحدث في الوقت غير ما أظهره الله فيه) .
قال طالب الحق: وكذلك قال سيدي ابن عطاء الله: (لا يكن تأخر أمد العطاء مع الإلحاح في الدعاء - موجبا ليأسك ؛ فهوضمن لك الإجابة فيما يختاره لك لا فما تختار لنفسك وفي الوقت الذي يريد ، لا فيالوقت الذي تريد) .
قال صاحب العرفان: اسمحوا لي أن أتداخل في حواركما هذا، إن صار حكم الوقت يا فقير الوقت عليك هو الاستغفار، فإن حكم الوقت أيضاً سيكون هو ظهور نعمته عليك، ولكن لا تنس قول سيدتنا رابعة العدوية رضي الله عنها: "استغفارنا يفتقر إلى استغفار". إن الاستغفار لغة هو طلب الغفر، والغفر هو الستر، والستر فيه استدعاء للظهور والإحتجاب، فكأنك تطلب الاندراج في الهوية (وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى) [النجم/42]، فإن لزمت طلب الغفر، فإن سماء الألوهية سترسل خيراتها على عبدها المتحقق بعبوديته.
قال طالب الحق: الله الله... إذا تنزلنا قليلاً يا صاحب العرفان من المعنى الذي أشرت إليه لأمكننا أن نقول: إن الفقر صفتك والغنى وصفه، فإن تحققت بوصفك وطلبت منه الغفر، أى طلبت منه أن يستر أوصافك بأوصافه ونعوتك بنعوته، وهو الغني ففي الاستغفار استمطار لسحب الفضل من حضرة الغني الكريم، ويحضر الفقير كلمة سيدي أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه حيث قال: (وتصحيح العبودية بملازمة الفقر والعجز والضعف والذل لله تعالى. وأضدادها أوصاف الربوبية فمالك ولها. فلازم أوصافك. وتعلق بأوصاف الله.
وناده من البسط الأربعة فقل من بساط الفقر الحقيقى: يا غنى من للفقير غيرك.
ومن بساط الضعف: يا قوى من للضعيف غيرك.
ومن بساط الذل: يا عزيز من للذليل غيرك.
ومن بساط العجز: يا قادر من للعاجز غيرك.
تجد الإجابة كأنها طوع يديك. واستعينوا بالله واصبروا إن الله مع الصابرين.
انتهى كلام الإمام أبى الحسن الشاذلى رضى اللـه عنه.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على أشرف البريات، وعلى آله وأصحابه نجوم سماء الخيرات، ما دامت الأرض والسموات.
______________________
(وما توفيقي إلا بالله)
فقير الاســـــــــكندرية